الكافي في الفقه

الكافي في الفقه0%

الكافي في الفقه مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 542

الكافي في الفقه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: تقى الدين ابى الصلاح الحلبى
تصنيف: الصفحات: 542
المشاهدات: 30076
تحميل: 6859

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 542 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30076 / تحميل: 6859
الحجم الحجم الحجم
الكافي في الفقه

الكافي في الفقه

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يجب ذكره من أبواب العبادات فلا وجه لإيراده هاهنا.

وإذا كانت الأمة متفقة على دوام ثواب الايمان وعقاب الكفر وانهما لا يجتمعان لمكلف وقبح منع الثواب وإسقاط عقاب الكفر وفسد التحابط ، فلا بد من القول بأن من ثبت ايمانه عند الله تعالى لا يكفر فيما بعد ، لما يؤدي إليه ذلك من اجتماع ثواب دائم وعقاب دائم أو المنع من الثواب أو إسقاط عقاب الكفر أو إحباط أحدهما الأخر مع فساد ذلك أجمع.

ولا يعترض هذا ظهور الكفر ممن كان مظهرا للايمان ، ولا ما تضمنه القرآن من الاخبار بالكفر بعد الايمان في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) (1) وأمثال ذلك ، لان الثواب انما يستحق بالايمان عنده تعالى دون الظاهر ، ولا مظهر له الا ويجوز خلافه ، وليست هذه حال الكفر لأنه لا باطن له ولا شك في ثبوته لمظهر شعاره بإجماع. على الايمان الصحيح اقتضى ذلك(2) حملها على من كان مظهرا للايمان أو معتقدا له على الوجه المتعبد به(3) .

فصل

القطع على استحقاق المصدق بجملة المعارف الموصوف لذلك بالايمان حسب ما دل الدليل عليه وذكرناه العقاب الدائم والمنع من سقوطه تفضلا فرع لكون عقاب ما ليس بكفر من المعاصي دائما لا يجوز سقوطه بعفو ولا شفاعة وان هناك كبير يزيد عقابه على ثواب الايمان وما يقاربه من الطاعات وان زيادته عليه تقتضي سقوطه ، لان انقطاع عقاب ما ليس بكفر ، أو جواز

__________________

(1) سورة النساء ، الاية : 137.

(2) العبارة ناقصة ظاهرا.

(3) في بعض النسخ : المعتد به.

٤٨١

إسقاطه تفضلا بعد ثبوته ، أو فقد العلم بتزايده على ثواب الايمان وما يضاهيه من الطاعات ، أو فساد إحباط هذا الثواب بالزائد عليه ، يمنع كل واحد من ذلك من القول بوعيد الفساق من المسلمين على ما يذهبون اليه فيه.

فاما فساد القول بدوامه فقد سلف برهانه وسقوط دعوى ثبوته عقلا وسمعا.

وأما سقوطه بالعفو فقد بينا جوازه عقلا وثبوته سمعا.

وأما طريق العلم بتزايد العقاب على ثواب الايمان فمتعذر عقلا وسمعا حسب ما بيناه في الكتاب المذكور.

واما إحباط العقاب لثواب الايمان فقد تقدم فساد دعوى صحته واستوفينا الكلام. واجتنب سائر الكبائر المعينة وأخل بما عدا ذلك من جميع الواجبات وارتكب سائر القبائح العقلية والسمعية بم تسمعون وتحكمون عليه؟ فان قالوا : نسميه فاسقا ونحكم عليه بعقاب الفساق من الخلود في النار قيل لهم : وأي يدلكم(1) مع قولكم بأن إطلاق هذا الاسم وإثبات حكمه مختص بذوي الكبائر وهذا قد اجتنبها ، وكيف يصح وصفه بالفسق والحكم عليه بما يقتضيه مع تجويز ثبوت ايمانه واجتنابه الكبائر وثبوت ثوابهما وسقوط عقاب جميع ما أتاه من القبح في جنب هذا الثواب.

وبعد فكلكم يذهب الى ان اجتناب الكبائر مقتض لتكفير ما عداها ويعتمد في ذلك على قوله تعالى( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) (2) فكيف يتم لكم مع هذا المذهب وصف مجتنبها بالفسق والحكم عليه بحكمه؟

فان قالوا : تكفير السيئات وثبوت ثواب الايمان مشترط باجتناب سائر

__________________

(1) كذا.

(2) سورة النساء ، الاية : 31.

٤٨٢

الكبائر ، وهذا قد أتى ببعضها وان لم يتميز لنا كتميز معاصي الحدود فلذلك سميناه فاسقا وحكمنا عليه بحكم الفساق.

قيل لهم : ومن أين لكم ان في جملة ما أتاه كبير ، مع تجويز كم أن تكون جملته صغائر مكفرة بثواب. ذلك انتقالا عن المعلوم بالظن وذلك معلوم الفساد وهم لا يذهبون فكفونا مؤنة الاحتجاج له وان كنا قد أوضحناه فتعذر عليهم وصفه بالفسق والحكم عليه بموجبه.

وبعد فاذا كان القديم تعالى قد نص عندهم على أن اجتناب الكبائر يكفر ما عداها من السيئات ودانوا به عقلا ودل عندهم الدليل بزعمهم على أن فعلها أو واحدة منها يسقط ثواب الايمان وسائر الطاعات الماضية والمستقبلة ويقتضي بعد ذلك تعذيب العاصي عذابا دائما لا آخر له ، وجب في عدله تعالى تعيينها كمعاصي الحدود ليجتنبها المكلف فيجوز بذلك ثواب طاعاته المقصود بالتكليف ويسقط عذاب معاصيه الخارجة عنها لأنه قد كلف اجتنابها ودل في الجملة على عظم عقابها وكونها مانعا من ثبوت ثواب شي‌ء من طاعاته ، إذ من القبيح أن يكلف ماله هذه الصفة مع تعذر العلم به.

الا ترى ان التوبة لما كانت عندهم مسقطة للعقاب كلفها ودل عليها بصفتها وشروطها ، فماله وجب تعيين التوبة قائم في كبائر الطاعات والمعاصي ، وماله قبح التكليف للتوبة من دون العلم بها له يقبح تكليف الكبائر من دون العلم.

وإذا وجبت هذه القضية وكانوا لا يعينون كبيرا الا ما أوجب حدا وجب القطع على انها كسائر الاثام حسب لا يوصف فاعلها بالفسق ولا يحكم عليه أو فساد ما يذهبون اليه مسقطا للعقاب وهم القطع على ان ما عدا فاسقا والحكم عليه لكان المكلف مغري بما عداها من القبائح والإغراء قبيح لا يجوز في حكمته.

٤٨٣

قيل : لا شبهة في أن تعيينها مع ثبوت التحابط يقتضي الإغراء بما عداها ، وكذلك تكليف اجتنابها مع ما هي عليه من الصفة مع تعذر العلم بها قبيح أيضا ، فلم يبق بعد هذا الا القول بنفي كبائر على ما يقولونه لما يؤدي إليه من الفساد.

وان قالوا : نسميه مسلما ومؤمنا ونحكم بالثواب الدائم.

قيل لهم : وكيف لكم بذلك ، وقد اتى بمعاصي تجيزون ان يكون معظمها كبائر تمنع من وصفه بالايمان وحكمه ويقتضي خلوده في النار مع ما تضمن التنزيل من وعيدها كمعاصي الحدود ، كأكل مال اليتيم والفرار من الزحف والحكم بغير ما انزل الله سبحانه والظلم والهمز واللمز والإخلال ببعض الفرائض ومن أي جهة أمنتم عذابه؟ وعلى اي وجه وصفتموه بالايمان وحكمتم له بثوابه مع تجويز كونه فاسقا مستحقا لدائم العقاب وورود النص من الله تعالى بذمة وعقابه مع قولكم باستحالة اجتماع الاسمين وما يستحق بهما مع مدح ذم ، وثواب عقاب؟.

وان قالوا : نسميه مسلما بشرط ان لا تكون فيما أتاه كبيرة.

قيل لهم : هذا أولا مخالف لأصولكم لان. على الإطلاق ومستحقا للثواب حسب اوقا. كافرا يزيد عقابه على عقابه. عن مذهبكم ودخول. يخلو ان يكون التعظيم. مؤمن على الإطلاق وقد بينا ما يلزمهم على القول بإيمانه. فهو فاسق على الإطلاق وقد بينا ما يلزمهم على القول بفسقه ، وسقوط فرض المدح والذم مع ثبوت تكليفه لا يجوز بإجماع ، فلم يبق الا القول باستحقاقه سمة الايمان بتصديقه وطاعاته واجتناب كبائر المعاصي والثواب على ذلك ، ووصفه بالفسق مقيدا بما فعله من القبائح واستحقاقه العقاب المنقطع المرجو سقوطه بعفو مبتدء أو شفاعة ، وسقط لذلك ما يذهبون اليه من القول بكبير مسقط وصغير ساقط وما تفرع على ذلك من التحابط والوعيد.

٤٨٤

وبعد فاذا كان وعيد من ثبت ايمانه على القبيح وسلبه سمة الايمان وحكمه فرعا لثبوت كبائر معينة يزيد عقابها على ثوابه وكانوا يجيزون فيما عدا معاصي الحدود كونه صغيرا وكنا ومن سبقنا من السلفرضي‌الله‌عنهم قد بينا في كتابنا وغيره وبينوا أن ثبوت الحد على المعصية لا يقتضي تزايد عقابها على ثواب الايمان لتجويز كون الحد امتحانا أو قسطا من عقابه أو جميعه مع ثبوت ثوابه ، تعذر طريق العلم بإثبات شي‌ء من المعاصي كبيرا ، واقتضى ذلك فساد ما يذهبون اليه من التحابط المتفرع عليه ، وسقط مذهبهم في الوعيد وأسماء العصاة اليه.

إلزام آخر يقال لهم : إذا كنتم. بوعيدها وحكم على فاعلها.

على معاصي الحدود دون سائرها. الفسق ونفى العدالة بفعلها. والقذف لأنه تعالى قد نص على عقاب أكل مال اليتيم والفرار من الزحف والحكم بغير ما أنزل الله تعالى وفعل الربا وسائر المحرمات وترك الصلاة والحج ومنع الزكاة وسائر الفرائض ، وأجمع المسلمون به وطابق إجماعها قوله تعالى :( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) (1) فعم بالجزاء كل شي‌ء ، وقوله تعالى : «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ . الاية »(2) فعم كل عاص بالوعيد ، وقوله تعالى( وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً ) (3) وهذا متناول لقليل الظلم وكثيره ، وأمثال ذلك من وعيد القرآن الوارد مورد معاصي الحدود. واجمع المسلمون على تفسيق من وقع منه بعض القبائح وذمه ونفى عدالته ورد شهادته وكراهية مناكحته وإبطال عقد النكاح عند كثير منهم ، ومنع آخرون الصلاة خلفه كإجماعهم

__________________

(1) سورة النساء ، الاية 123.

(2) سورة الجن ، الاية 23.

(3) سورة الفرقان ، الاية 19.

٤٨٥

على وصف الزاني والسارق والقاذف بذلك ، وأجروا الأحكام عليه ، فان صاروا الى مقتضى الحجة من هذا الإلزام سقط ما يذهبون اليه من كبير وصغير ، وفسد لذلك ما يتفرع عليه من التحابط ويبنى عليه من الوعيد ، ودخلوا في مذهبنا المحكوم فيه باستحقاق العقاب بكل معصية وثبوت ذلك الا ان يتفضل مالكه بإسقاطه ابتداء أو عند توبة أو شفاعة ، لأن كل من قال بأحد الأمرين قال بالآخر ، وان امتنعوا من ذلك نقضوا ما يذهبون اليه من ان القطع بوعيد المعصية وثبوت سمة الفسق بها.

فان قالوا : لم تنازع في استحقاق العقاب بكل معصية. الكبائر وان لم يتعين لنا منها. جهة الاستحقاق دلالة على انتفاء ما يقابله. اجتماعها فاما ما عداها فوعيدها مشترط بأن يكون. تفرقتكم بين الأمرين مع تناول الوعيد لهما على وجه واحد وثبوت سمة الفسق وأحكامه بكل منهما وتعلق الذم واللعن عليه لان قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) (1) وقوله( وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً ) (2) «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ... الاية »(3) و( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) الاية(4) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ... الاية »(5) «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ... الاية »(6) وأمثال ذلك من الوعيد

__________________

(1) سورة النساء ، الاية 10.

(2) سورة الفرقان ، الاية 19.

(3) سورة النساء ، الاية 14.

(4) سورة النساء ، الاية 123.

(5) سورة البقرة ، الاية 278.

(6) سورة التوبة ، الاية 34.

٤٨٦

القاطع لكل فاعل قبيحا أو مخل بواجب مساو لقوله تعالى( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً ) (1) ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ) (2) ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) (3) ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ ) (4) . الآيات فان جاز لهم أن يشترطوا عند أحد الظاهرين جاز لنا اشتراط الأخر وتخصيصه بالمستحيل ( كذا ) من حيث كان تقييد بعض دون بعض اقتراحا.

فاما اقتران الحدود بالاستخفاف ومنافاته للتعظيم فقد استوفينا الكلام عليه في كتاب « التقريب » ونبهنا فيما سلف على ذلك ، وان الحد امتحان مساو للتنكيل ، ( للتكبيل خ ) وان وقوعه عقوبة لا يمنع من ثبوت الثواب لكونه بعض المستحق أو جملته ، وان اجتماع المدح والذم والثواب معلوم حسنه بشرط اختلاف الفعلين فبطل بذلك معتمدهم من الحدود على. قبيحا أو أخل بفرض بالفسق وإجراء أحكامه. مع قولهم أن ثبوت سمة الفسق علم. مساواة ذلك لمعاصي الحدود في الكبير. معاصي الحدود وليس لهم أن يقولوا. كافة أهل الوعيد لان المعلوم ضرورة من دين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكافة المسلمين تسمية من ترك الصلاة ومنع الزكاة أو أفطر من الصوم مختارا أو قعد عن الجهاد المتعين عليه أو فر من زحف يجب عليه فيه الثبوت أو أكل مال اليتيم أو عامل بربا أو أكل ميتة أو لحم خنزير الى غير ذلك من القبائح بالفسق ونفى العدالة ورد الشهادة الى غير ذلك من أحكامه كحصول العلم من دينهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودينهم

__________________

(1) سورة النساء ، الاية 93.

(2) سورة الفرقان ، الاية 68.

(3) سورة النور ، الاية 4 و 23.

(4) سورة المائدة ، الاية 38.

٤٨٧

بوصف الزاني والقاذف بالفسق والحكم عليهما بأحكامه وأي مسلم يتحاسر(1) وعيدي أو مرجى‌ء تقدم وجوده أو تأخر يحكم بعدالة من اجتنب معاصي الحدود وأتى ما عداها من القبائح؟ وكل من الفريقين قد نص على ذلك في كتبه وصرح به في فتياه وعم العلم بتدين كافة المسلمين به من زمنه وصحابته والى الان ، فمنع ذلك من دعوى خلاف يعتد به.

وانما ذهبت « الوعيدية » الى اتفاق ( كذا ) سمة الفسق على مرتكب ما علموه كبيرا في كتب الكلام حسب ما اقتضته فيها أصولهم الفاسدة في الوعيد إطراحا لما عم العلم به من دين المسلمين عنادا للحق أو سهوا عنه مع بعده أو قلة تأمل.

وكيف لا يكون الأمر كذلك ونحن نجدهم أجمع يحكمون برد شهادة من علموه مرتكبا لبعض المعاصي وقد نصوا على ذلك في كتبهم المصنفة في أصول الفقه وتجاوزوه الى تفسيق من أخطأ فيما طريقته الاجتهاد من الولاية والعداوة في الدين. في الوعيد حين ذكروا أحكام العدالة في أصول الفقه. من ذلك فيها مع مطابقة المعلوم من دين الأمة من اتفاق. معاصي الحدود خاصة وليس لهم أن يقولوا انما لم يحكم بعد. لتجويزنا أن يكون ما أتاه كبيرا لان ذلك يوجب عليهم كما. بالعدالة لتجويزهم كون ما أتاه كبيرا الا يصفوه بالفسق لتجويزهم كونه صغيرا ويقفوا فيه والإجماع بخلاف ذلك وهم داخلون فيه ومذهبهم ينافيه لأنهم لا يقفون في مكلف بل يقطعون بكفره أو فسقه أو إيمانه ويبدعون ( كذا ) من شك أو قطع باجتماع الايمان والفسق.

وليس لهم ان يقولوا ان العدالة حكم شرعي منعت الشريعة من ثبوته

__________________

(1) كذا في أقدم نسخنا ، وفي بعض النسخ : يتجانب.

٤٨٨

مع بعض القبائح وان كان صغيرا ، لأن أول ما في ذلك أنه ترك المعلوم من مذهبهم في ان الصغائر لا يقدح في العدالة ، فكيف نسوا ذلك هاهنا؟ للغفلة أم عنادا أم رغبة عنه ، والغفلة والعناد لا يليقان بالمحققين من العلماء لا سيما منتحلي الحذق والتحقيق والتدقيق ، والرغبة عنه توجب عليهم نفى عدالة الأنبياء والأئمة وإجماع الأمة ، لاتفاقهم على صحة الصغائر منهم ووقوعها من أكثرهم ، وذلك ضلال ، فلم يبق الا تمسكهم بأن الصغائر لا يقدح في العدالة فتسقط الشبهة ، ويلزمهم الحكم بكبر كل معصية منعت من العدالة ، فإذا كانت الأمة وهم من جملتهم ينفون عدالة من اثر بعض القبائح فعلا وإخلالا كحكمهم ذلك في معاصي الحدود وجب عليهم ان يحكموا بكبر الجميع.

وبعد فليس بين التعديل والتفسيق. اما أن يثبت الفسق فتنفى العدالة ويتبعها رد. أو يجهل ما يقتضي أحد الأمرين فيتوقف على البيان. من دين الأمة ووجدناها ترد شهادة من علمته مرتكبا. كفعلها مثل ذلك في الزاني والقاذف دل ذلك على. وكون ما أتاه كبيرا لاتفاقنا جميعا على أن طريق إثبات أسماء أهل الطاعة أو المعصية السمع دون العقل والإجماع آكد دلالة السمع بغير اشكال.

ان قيل : فاذا كان الوعيد ثابتا بكل معصية ومن جملته صريح الخلود والتأبيد وكيف يتم لكم ما تذهبون اليه من انقطاع عقاب بعض العصاة؟

قيل : ثبوت الوعيد على كل معصية لا ينافي قولنا في عصاة أهل القبلة ، لأنا نقول بموجبه ، وانما نمنع من دوامه لغير الكفار ، وثبوته منقطعا يجوز سقوطه بأحد ما ذكرناه لا يمنع منه إجماع ولا ظاهر قرآن ، من حيث كان الإجماع حاصلا باستحقاق العقاب وسمة الفسق في العاجل دون دوامه وفعله في الأجل ، وانما يعلم به دوام عقاب الكفر وفعله في الآخرة.

٤٨٩

فأما آيات الخلود والتأبيد فقد بينا فيما سلف واستوفيناه في الكتاب المذكور انه ليس في لغة العرب لفظ يفيد ما لا آخر له ، فلا يجوز حمل خطابه تعالى على ما لا يعرفه المخاطبون ، وقلنا : ان لفظة الخلود مختصة بالسكون والطمأنينة فمن قوله تعالى( أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ ) (1) أي سكن إليها واطمأن ، وقولهم : قد أخلد فلان الى كذا إذا سكن اليه واطمأن ، وان لفظ التأبيد عبارة عما يعهده المخاطبون. حسب من قولهم لا أكلمك أبدا ولا أقاتل أبدا لا يخطر له ببال مما(2) لا آخر له وبينا انا انما علمنا ان. الكفار لا آخر لهما من قصده. العقاب دائما أو منقطعا على كل معصيته أو منقسما. برهانه لا يمنع مما نذهب اليه من جواز سقوطه عن عصاة الملة لعفو مبتدء أو عند شفاعة كما لم يمنع كونه دائما عند جميعهم من جواز سقوطه عند أكثرهم عقلا وعند كافتهم بتوبة أو زائد ثواب.

وفي هذا القدر من الكلام في أحكام المستحق كفاية ومريد الغاية منه يجده في كتاب « التقريب ».

__________________

(1) سورة الأعراف ، الاية 176.

(2) ما. ظ.

٤٩٠

الحال التي يثبت فيها

المستحق والتي يفعل فيها

٤٩١

٤٩٢

فصل في بيان الحال التي يثبت فيها المستحق والتي يفعل فيها

إذا كان الغرض بالتكليف التعريض للثواب واقتضت المصلحة ما ورد السمع به من الزجر بالعقاب ، وجب الحكم بثبوت استحقاقهما عقيب الطاعة والمعصية لوقوع كل منهما على الوجه المقتضى للاستحقاق ، فلو لم يكونا مستحقين عقبيهما لم يثبت استحقاقهما ، لأنه لا حال بثبوته أولى من حال ، والحكمة تقتضي تأخيرهما عن زمان التكليف وحال انقطاعه زمانا غير معلوم ، لأنهما لو أوصلا الى مستحقهما. لاقتضى ذلك الإلجاء إلى فعل الواجب واجتناب القبيح وذلك مناف. شاق تنغمر مشقته في جنبه ، والى ضرر عظيم متى أخل به تنغمر في جنبه راحة تركه. تنفع على الاجتناب والضرر على الفعل هو ملجأ.

والحال المفعول فيها الثواب والعقاب غير معلومة. وقد نص عليها سبحانه في كتابه وعلى لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعين المستحقين وكيفيتهما ومحل ايصالهما فوجب القطع به.

وتأخيرهما إلى تلك الحال وهو يوم البعث ، للمانع الذي ذكرناه ، لا يمنع من استحقاقهما عقيب الطاعة والمعصية ، لأنه قد يعرض في الحقوق ما يقتضي تأخيرها إذا علم أو ظن ان في تعجيلها فسادا ، فإذا أوصل المثاب الى مستحقه فرقت عليه في أوقات الإثابة ما فاته من الاقساط المستحقة في الأزمنة الماضية

٤٩٣

إلى حين وصل اليه ، من حيث كان منع ذلك ظلما لا يجوز عليه تعالى.

وكذلك القول في عقاب الكفار وما لا يتفضل سبحانه بإسقاطه من ماضى عقاب الفساق ، لقيام الدلالة على قبح العفو عن الكفار وحسنه فيمن عداهم ، وذلك يقتضي انقطاع تكليف كل عاقل ، لأنه ان لم ينقطع تكليفه مع ما ثبت قبحه من إيصاله إلى مستحقه عقيب فعله اقتضى ذلك انتقاض الغرض المجرى بالتكليف اليه ، وقد كان جائزا من جهة العقل استمرار إيجاد جميع الخلق حالا بعد حال الى ما لا نهاية له وتكليفهم أبدا ، وإيصاله جميع من انقطع تكليفه منهم الى مستحقه ، لكن السمع ورد بانقطاع تكليف البشر واماتتهم اجمع وقطع إيجاد أمثالهم. بعد الموت للاثابة والمعاقبة والتعويض والتفضل ، فقطعنا بذلك وارد ( كذا ).

وبقينا في الجن والملائكة على ما كنا عليه من جواز إيجادهم وتكليفهم حالا فحالا لفقد دليل فيهم بمثل ما علمناه في البشر والدلالة. بمقدوره سبحانه العالم في كل ما يصح تعلق القدرة به والجواهر. الاعراض الباقية في مقدوراته تعالى وقد أحدثها تعالى ابتداء. بكونه سبحانه قادرا على إعادتها بعد الفناء ثانية إذ كانت. للثانية فما له وجب تعلق الأولة به تعالى له يصح تعلق الثانية ، والدلالة على ذلك حصول العلم بفناء العالم بقوله تعالى( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) (1) وانما كان أولا لكونه تعالى سابقا للموجودات ، فكذلك انما يكون آخرا ببقائه بعدها.

وقوله تعالى :( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى ) .(2) .

والدلالة على وجوب اعادة الخلق بعد فنائه حصول العلم بذلك من دينهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(1) سورة الحديد ، الاية 3.

(2) سورة الرحمن ، الاية 27.

٤٩٤

وتضمن القرآن له.

والواجب من جهة العقل اعادة من له مستحق لم يصل إليه في دار التكليف من أهل الثواب ، ومن لم يستوف عوض إيلامه به سبحانه أو بغيره ، لما تقتضيه حكمته سبحانه من ذلك ، وما في منعه من وجوه القبح التي لا تجوز عليه تعالى.

فاما المعاقب والمتفضل عليه فاعادتهما غير واجبة لحسن العفو عن المعاقب أو إيقاف معاقبته ابدا وانتفاء وجوه القبح عن منع التفضل.

وانما علمنا وجوب اعادة الجميع بالسمع المعلوم من دينهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والواجب إعادته من جملة الحي عقلا ما به يكون حيا من البنية وهي التي إذا انتقضت خرج عن كونه حيا ، دون أعضائه وسمته وما ليس من جملته. حيا من دون ذلك اجمع.

وانما قلنا ان الله يعيد الأحياء على. الكاملة لحصول الإجماع بذلك.

وقد أجمعت الأمة على إعادة الحي بعد الموت في القبر والمسائلة والتنعيم أو التعذيب.

وأجمعت الفرقة المحقة على اعادة من محض الكفر أو الإيمان من أمتنا في دولة المهدىعليه‌السلام .

وكل واحد. من جهة العقل لتعلقه بمقدوره سبحانه وطريق القطع.

المذكور.

وليس لأحد أن يقول : كيف يصح احياء الميت في القبر مع. لان محييه سبحانه قادر على توسيعه لبشارة المؤمن وتعذيب الكافر ولأن أجسام متولي التعذيب شفافة لا تفتقر الى كثير سعة.

٤٩٥

ان قيل : فقد كان ينبغي ان يسمع كلام الملائكة والمحى(1) لان حصول ذلك بحيث يكون بقرب القبر سامع ليس بواجب ، فاذا لم يجب وانتفى ادراك ذلك وجب القطع على تخصصه بوقت لا يكون هناك سامع ، وبمثل هذا نجيب من سأل فقال : كيف يصح ذلك ونحن اى وقت كشفنا عن الميت وجدناه بحاله ، لان حالة إحيائه غير مختصة بوقت.

وبعد فالعلم بنشر كل ميت مرتفع.

فان قيل : في الراجعة ( كذا ) أخبرونا عن المكرورين أعقلاء أم لا ، فان كانوا عقلاء فمن كمال العقل التكليف وذلك يصحح ايمان الكافر وكفر المؤمن أو فسقه ، والإجماع بخلاف ذلك.

قيل : المكرورون عقلاء ، ويصح أن يكونوا مكلفين ، ولا يلزم كفر المؤمن لما بيناه من وجوب الموافاة بالايمان وتعذر حصول الكفر بعد ثبوته ، وفسقه مأمون لأنه تعالى لا يرجع من يعلم من حاله أنه يفسق ، وأما ايمان الكافر فذلك جائز من جهة العقل ، لكن الإجماع مانع منه وهو اتفاقهم على أن من مات كافرا فلا بد أن يوافي القيامة بكفره ، وقد نطق القرآن بذلك في غير موضع ونص سبحانه زائدا على ذلك بأنهم لو ردوا لعادوا بقوله تعالى( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) (2) فعلى هذا لا يكر من الكفار من يعلم حاله انه يختار الايمان. ويصح ان يكونوا غير مكلفين. في نشرهم تعجيل قسط من الثواب لأهل الإيمان بمشاهدة دولة. ذلك من المسار وتعجيل قسط من العقاب لأهل الضلال. الغم عليهم بما يشاهدونه من علو الحق واهله المستضعفين. أو أمرهم وهلاك إخوانهم فيه والإشارة بذم المعظمين عندهم. بالقتل نكالا فيكون حال الفريقين

__________________

(1) العبارة ناقصة ظاهرا.

(2) سورة الانعام ، الاية 28.

٤٩٦

في الرجعة كحالهم في الآخرة على ما نبينه.

ان قيل : أفليس قد منعهم من تعجيل المستحق قبل البعث فكيف بذلك وما قطعتم به من عذاب القبر والرجعة وثوابهما؟

قيل : انما منعنا من تعجيل ما يقتضي الإلجاء وذلك مختص بجملة المستحق ، فاما ما ليست له هذه الصفة فتعجيله جائز.

يوضح ذلك المدح والذم واقامة الحد والقصاص.

واما الإعادة القصوى فمختصة بيوم البعث ، وهو يوم القيامة(1) ويوم الازفة ويوم القارعة ويوم الحاقة والصارخة والطامة ويوم النشور وبعثرة القبور ويوم الحساب والمآب ، الى غير ذلك من أسمائه المفيدة للمعاني المختلفة المعلومة وما يقع من المسمى بها وكيفيته بالسمع ، وقد قطع التعذر صحة ( كذا ) بأن الله تعالى يبعث الخلق لهذا اليوم وتكور له الشمس ويخسف القمر وتنثر الكواكب وتكشط السماء وتبدل الأرض وتسجر البحار وتسير الجبال وتدكدك وتنسف وتسعر الجحيم وتبرز وتزلف الجنة وتزخرفت ويضع كتاب الأعمال لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا [ أحصاها ]. وتنشر صحف الأعمال ويضع الموازين القسط فلا تظلم نفس شيئا ويصح ( كذا ) الصراط لأهل النعيم ، ويحشر الخلق كله كاملي العقول عالمين بما كلفوا علمه. ولا مرجئين بل ملجئين الى ترك القبيح. من الحجج المأمونين(2) وتبدوا ملائكة الغضب. للتنعيم ، وتدعى كل امة بامامها. ويحبسون لأول. الانتصاف للمظلومين فلا يجاوزه أحد عليه تبعة لم تخرج منها ، وكل مرتهن بعمله ، مشغول بنفسه عن اهله و

__________________

(1) أكثر هذه العبارات الى قوله : متميزة. مقتبسة من القرآن الكريم ومستفادة منه.

(2) في بعض النسخ : المأمومين.

٤٩٧

خاصته واخلائه وأهل مودته ، محاسب في حقه تعالى.

وأصحاب اليمين مبيضة وجوههم ، فرحة قلوبهم ، مبشرون بالرضوان ، لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ، كتبهم بأيمانهم ، معظمون في الموقف ، محشورون الى ما وعدوا به من دائم الثواب ، كل على قدر مستحقه ، مستغن به عن غيره ، راض بنعيمه عن كل نعيم لسواه ، بالغ منه غاية مأثوره.

وأصحاب الشمال مسودة وجوههم ، كتبهم بشمائلهم من وراء ظهورهم ، موبخون على فارط زللهم ، مبكتون على قبيح عملهم ، محاسبون على ما أسلفوا ، عاجزون عن عذر ، شاهدة عليهم جوارحهم بقبيح فعلهم ، نادمون على ما فرطوا ، يتمنون الراجعة ( كذا ) ولات حين مناص ، مسحوبون على وجوههم ، في أعناقهم الأغلال ، وفي النار هم يسجرون ، سرابيلهم من قطران ، وتغشى وجوههم النار ، لهم من جهنم مهاد ، ومن فوقهم غواش ، نزلهم الزقوم ، وشرابهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ، ولهم مقامع من حديد ، كلما نضجت جلودهم وأشرفوا على الفوت وظنوه الموت بدلوا جلودا طرية ليذوقوا العذاب بما كسبوا وهم لا يظلمون ، ولا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ، كذلك نجزي كل كفور ، كل معذب على قدر جريرته.

متميزة حال فساق المؤمنين من الفريقين بخروجهم بالايمان. الكفار وبالفسق عن مرتب الأبرار معرضون. فان يعف عنهم أو يشفع فيهم يصيروا من جملة الأبرار. ثواب الايمان والطاعات وان يحرموهما. عذابا منقطعا لا دليل على غايته ، كل منهم على حسب فارطه ومتى يقطع بالاستيفاء أو الشفاعة فلا بد من مصيرهم الى ما استحقوا من الثواب.

مخالف لحال الكل حال من ابتدأه الله تعالى في النعيم أو عوض ممن ليس بكامل من البهائم والأطفال والمجانين لتعذر استحقاق الثواب والعقاب عنهم.

٤٩٨

ولرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلوات الله عليه وآله في ذلك اليوم المقام الأشرف والمحل الأعظم ، له اللواء المعقود ( كذا ) ولواء الحمد والحوض المورود والمقام المحمود والشفاعة المقبولة والمنزلة العلية والدرجة المنيعة على جميع النبيين وأتباعهم.

وكل شي‌ء خص به من التفضيل ورشح له من التأهل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصيه في أمته وخليفته على رعيته أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن ابي طالب بن عبد المطلبعليه‌السلام شريك فيه وهو صاحب الأعراف وقسيم الجنة والنار بنصه الصريح وقوله الفصيح.

وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله عليهم أعوان عليه ومساهمون فيه حسب ما أخبر به وأشار بذكره.

ولشيعتهم من ذلك الحظ الأوفر والقسط الأكبر لتحققهم بالإسلام ممن عداهم وتخصصهم بالايمان دون من سواهم. الكفر وشيعتهم وأنصار الباطل. دعونا اليه.

فأهل الجنة على ثلاثة. استحقاقهم وهو دائم غير منقطع. مختلفة بحسب تزايد مستحقهم. على دوامه لأنه لو كان دائما لم يحسن منا إدخال ضرر على أنفسنا ولا تعريض الغير له لنفع منقطع ، والمعلوم خلاف ذلك ، ويجوز ان يتفضل الله تعالى بادامة نعيم المعوضين عقلا وقد قطع السمع به في أهل الجنة. والضرب الثالث أهل التفضل خاصة ممن لم يألم في الدنيا وان كان مستبعدا ، وإذا لم يكن في العقل دليل على لزوم التفضل فكيف بدوامه ، وانما يعلم دوام من يتفضل تعالى بتنعيمه بالسمع ويجوز ان يتفضل على أهل الثواب بمنافع تقترن بثوابهم خالصة من صفة الثواب.

ويجوز ان يقترن الى ذلك ما يستحقونه من أعواض على ما دخل عليهم من

٤٩٩

الالام ويجوز أن ينقطع ما يتفضل به تعالى عليهم من النعيم ويجوز ان يديمه بدوام الثواب ، فاما العوض فلا بد من انقطاعه لكون المستحق منه محصورا وإذا قطع التفضل أو انقطع العوض عن المثاب فلا بد ان يصرفه الله تعالى عن الفكر فيه أو يكون يسيرا منغمرا في جنب ثوابه فلا يجد لفقده مسا لان لا يتكدر ثوابه الواجب خلوصه حسب ما أخبر به سبحانه ، ويجوز ان يكون ما يتفضل به تعالى من النعيم على أهل الثواب وغيرهم من أهل الجنة أو يفعل لهم. في المقدار على الثواب انما يبين من العوض والتفضل بوقوعه. التزايد ومن جملة نعيمهم وكامل سرورهم. العذاب وما ورثوه من منازلهم التي كانت أعدت. منازل أهل النار التي كانت أعدت لهم في الجنة لو أطاعوا. في ذلك حال الرجال.

وأهل النار من الأولين والآخرين ضربان : كفار مخلدون وان زاد عقاب بعض على بعض بحسب كفره ، وفساق مقطوع على خروجهم من النار بعفو مبتدء أو عند شفاعة أو انتهاء عقابهم إلى غاية مستحقه ، وحالهم في مراتب التعذيب بحسب عصيانهم ، ولا يجوز ان يبلغ عقابهم في العظم عقاب الكفار لاقتران ما استحقوا به العقاب من المعصية بالمعرفة بالمعصى تعالى والخوف منه والرجاء لفضله وتسويف التوبة ، وانتفاء ذلك اجمع عن عصيان الكفار. ولا سبيل الى العلم بمقدار إقامتهم فيها. فالنار إذا لا يدخلها الا مستحق للتعذيب لقبح الابتداء به ، والجنة يدخلها المستحق والمتفضل عليه لحسن الابتداء بالتنعيم.

ان قيل : ما الوجه الحكمي في ما ذكرتموه من أحوال الموقف واهله؟

قيل : وجه ذلك أولا كونه مستندا إلى إرادة حكيم لا يجوز عليه تعالى العبث ولا يقع منه القبيح.

وبعد فهو محتمل لوجوه كل منها يصح ان يكون مقصودا يحسن لأجله : منها تعجيل قسط من ثواب أهل الايمان وعقاب الكفار.

٥٠٠