تربية الطفل في الإسلام

تربية الطفل في الإسلام 0%

تربية الطفل في الإسلام مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 114

تربية الطفل في الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز الرسالة
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الصفحات: 114
المشاهدات: 29677
تحميل: 5930

توضيحات:

تربية الطفل في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 114 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29677 / تحميل: 5930
الحجم الحجم الحجم
تربية الطفل في الإسلام

تربية الطفل في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة) (1) .

وحسن التعامل يكون بالسيرة الحسنة معها، والرفق بها وإسماعها الكلمات الجميلة، وتكريمها ووضعها بالموضع اللائق بها، واعتبارها شريكة الحياة، وإشباع حاجاتها المادية والروحية، والتعامل معها كإنسانة أكرمها الإسلام، وإشاعة جو المنزل بالسرور والبشاشة والمودّة والرحمة، وإدخال الفرحة على قلبها، والحفاظ على أسرارها، إلى غير ذلك من التعاليم التي أكّد عليها الإسلام، ومنها مساعدتها في بعض شؤون البيت التي لا تستطيع انجازها، والصبر على بعض أخطائها ومساوئها التي لا تؤثّر على نهجها الإسلامي، والتفاهم في حلّ المشكلات اليومية بأُسلوب لا يثير غضبها، وتجنّب كلّ ما يؤدّي إلى الإضرار بصحّتها النفسية كالغيرة في غير مواضعها، والتعبيس في وجهها أو ضربها أو هجرها أو التقصير في حقوقها (2) .

فإذا حسنت المعاملة معها، حسنت حالتها النفسية والروحية وانعكست على الجنين.

____________________

(1) تحف العقول، للحرّاني: 188 ـ المطبعة الحيدرية النجف 1380 هـ ط5.

(2) إرشاد القلوب: 175، مكارم الأخلاق 245، الكافي 5: 511، المحجّة البيضاء 3: 19.

٤١

٤٢

الفصل الثالث

المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد الولادة

وهي المرحلة التالية لمرحلة الحمل مباشرة، وتعتبر أول محيط اجتماعي يحيط بالطفل؛ لأنّها الأساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي؛ ولذلك ركّز المنهج الإسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذهِ المرحلة، متمثّلة بالقيام بالأعمال التالية:

أولاً: مراسيم الولادة:

تبدأ مراسيم الولادة منذ اليوم الأول إلى اليوم السابع من الولادة، للحفاظ على صحّة الطفل الجسدية والنفسية معاً، فأول عمل يقوم به الوالدان هو إسماع الطفل اسم الله تعالى، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَن وُلد له مولود فليؤذّن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقم في اليسرى فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم) (1) .

____________________

(1) الكافي 6: 24 | 6 باب ما يفعل بالمولود.

٤٣

ولأهمية الأذان والإقامة في أُذن الطفل؛ أوصى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ضمن وصايا عديدة: (يا علي إذا وُلد لك غلام أو جارية، فأذّن في أُذنه اليمنى وأقم في اليسرى، فإنّه لا يضرّه الشيطان أبداً) (1) .

والعصمة من الشيطان هي تحصين للطفل من الانحراف بتقوية الإرادة. وهذه الوصايا وإن لم يبحثها علماء النفس وعلماء التربية المعاصرون، ولكنّها من الحقائق التي أثبتتها التجارب المتكرّرة لمَن طبّقها في منهجه التربوي، مع مراعاة الوصايا الأُخرى في جميع مراحل الطفولة.

ويستحب تسمية الوليد بأحسن الأسماء، ولا أحسن من اسم محمد وهو اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (لا يولد لنا ولد إلاّ سميّناه محمداً، فإذا مضى لنا سبعة أيام فإن شئنا غيّرنا وإن شئنا تركنا) (2) .

وأكدّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على هذهِ التسمية بقوله: (من وُلد له أربعة أولاد لم يسمِّ أحدهم باسمي فقد جفاني) (3) .

وكان الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) يحثّون المسلمين على تسمية أبنائهم وبناتهم بالأسماء التالية: (عبد الرحمان ـ وباقي أسماء العبودية لله ولصفاته: محمد، أحمد، علي، الحسن، الحسين، جعفر، طالب،

____________________

(1) تحف العقول: 17.

(2) الكافي 6: 18 | 4 باب الأسماء والكنى.

(3) الكافي 6: 19 | 6 باب الأسماء والكنى.

٤٤

فاطمة) (1) .

ولم يشجّعوا على الأسماء التالية: (الحكم، حكيم، خالد، مالك، حارث) (2) .

والأسماء الحسنة تحصّن الطفل من السخرية والاستهزاء من قِبل الآخرين، فلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء المستهجنة.

ومن مراسيم الولادة العقيقة، وهي ذبح شاة في المناسبة، وحلق رأس الطفل كما جاء في قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (عقّ عنه، واحلق رأسه يوم السابع، وتصدّق بوزن شعره فضّة) (3) .

والعقيقة التي هي مصداق للصدقة تمنع من البلاء، وتقي الطفل من المخاطر، ولعلّ فيها آثار نفسية حسنة للطفل حينما يترعرع ويفهم أنّ والديه قد اعتنوا به في ولادته، وهي ذكرى حسنة عند مَن وصلته تلك العقيقة أو بعضها.

ومن مراسيم الولادة الختان، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (اختنوا أولادكم لسبعة أيام فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللحم...) (4) .

____________________

(1) الكافي 6: 19 باب الأسماء والكنى.

(2) الكافي 6: 21 باب الأسماء والكنى.

(3) الكافي 6: 27 | 1 باب أنّه يعق يوم السابع للمولود.

(4) الكافي 6: 34 | 1 باب التطهير.

٤٥

ثانياً: التركيز على حليب الأُم

الحليب هو المصدر الأساسي والوحيد لتغذية الطفل في الأشهر الأُولى من حياته، وأفضل الحليب حليب الأُم؛ لأنّ عملية الرضاعة لها تأثيرها على الجانب العاطفي للطفل، والأُم أفضل من تمنحه الحنان والدفء العاطفي، بدافع غريزة الأُمومة التي أودعها الله تعالى في المرأة، حيثُ (تصب ركائز مشاعر الطفل وأحاسيسه من أُولى أيام الرضاع) (1) .

وتتوثّق أواصر المحبّة بين الطفل وأُمّه عن طريق الرضاعة، فيكون الطفل أقل توتّراً وأهنأ بالاً وأسعد حالاً (2) .

وجاءت روايات أهل البيت (عليهم السلام) ووصاياهم مؤكّدة على التركيز على حليب الأُم، قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): (ما من لبنٍ يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه) (3) .

فحليب الأُم أفضل غذاءً للطفل من الناحية العلمية، إضافة إلى أنَّ عملية الرضاعة يشعر الطفل من خلالها بالأمان والطمأنينة والرعاية، وفي الحالات الاستثنائية التي تعيق عملية الرضاعة بسبب قلّة حليب الأُم أو مرضها أو فقدانها بطلاق أو موت، أكدّ أهل البيت (عليهم السلام) على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معيّنة، قال أمير

____________________

(1) الطفل بين الوراثة والتربية، لمحمد تقي الفلسفي 2: 82 عن كتاب عقدة الحقارة 9.

(2) قاموس الطفل الطبّي: 11 ـ 16.

(3) الكافي 6: 40 | 1 باب الرضاع.

٤٦

المؤمنين (عليه السلام): (انظروا مَن ترضع أولادكم فإنّ الولد يشبُّ عليه) (1) .

فالحليب ونوعيّة المرضعة يؤثّر على الطفل من ناحية نموّه الجسدي والنفسي. وقد أثبتت التجارب صحّة تعاليم أهل البيت في هذا المجال.

وهنالك مواصفات عند المرضعة حبّذها أهل البيت (عليهم السلام) في الاختيار.

قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (استرضع لولدك بلبن الحسان، وإيّاك والقباح فإنّ اللبن قد يعدي) (2) .

وقال: (عليكم بالوضاء من الظّؤرة فان اللبن يعدي) (3) .

وجاء النهي عن استرضاع الطفل عند بعض المرضعات، فنهى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن الاسترضاع عند المجوسية، فعن عبد الله بن هلال قال: سألته عن مظائرة المجوسي، فقال: (لا، ولكن أهل الكتاب) (4) .

وجعل الاسترضاع من الكتابيات مشروطاً بمنعهنّ من شرب الخمر: فقال (عليه السلام): (إذا أرضعن لكم فامنعوهنّ من شرب الخمر) (5) .

وعن علي بن جعفر، عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل المسلم، هل يصلح له أن يسترضع اليهودية والنصرانية وهنّ يشربن الخمر؟ قال: (امنعوهنّ من شرب الخمر، ما أرضعن لكم) (6) .

____________________

(1) الكافي 6: 44 | 1 مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(2) الكافي 6: 44 | 12 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(3) الكافي 6: 44 | 13 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره. الوضاءة: الحسن والنظافة.

(4) الكافي 6: 42 | 2 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(5) الكافي 6: 42 | 3 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(6) وسائل الشيعة 21: 465 | 7 باب 76 من كتاب النكاح.

٤٧

ونهى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) من الاسترضاع من المرأة الزانية، والتي تكوّن لبنها بسبب الزنا، فقال: (لا تسترضعها ولا ابنتها) (1) .

وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ إليّ من لبن ولد الزنا) (2) .

والحكمة في النهي هو تأثير اللبن على طباع الطفل، فالمرأة الزانية تعيش حالة القلق والاضطراب النفسي والشعور بالإثم والخطيئة من أول يوم انعقاد الجنين، وتبقى على هذه الحالة في جميع فترات الحمل وفي أثناء الولادة، وهذا القلق والاضطراب يؤثّر في التوازن الانفعالي للطفل.

وأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالوقاية من لبن البغيّة والمجنونة فقال: (توقّوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة فإنّ اللبن يعدي) (3) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ الولد يشبّ عليه) (4) .

وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (إنّ عليّاً كان يقول: لا تسترضعوا الحمقاء، فإنّ اللبن يغلب الطباع) (5) .

ويؤكّد علماء الطب على أن تكون الأُم مستريحة وهي تقوم بعملية الرضاعة، ثم تمس برفق وجنة الطفل، ويجب ألاّ تحاول الأُم إرغامه على

____________________

(1) الكافي 6: 42 | 1 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(2) الكافي 6: 42 | 5 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(3) مكارم الأخلاق: 223.

(4) مكارم الأخلاق: 237.

(5) مكارم الأخلاق: 237.

٤٨

توجيه رأسه نحو ثديها؛ لأنّ ذلك يربكه ويحيّره (1) .

ووضع أهل البيت (عليهم السلام) برنامجاً في أُسلوب الرضاعة ومدّتها، وهو الرضاع من جهتين، وإطالة مدّتها إلى واحد وعشرين شهراً، قال الإمام جعفر الصادق لأُمّ إسحاق بنت سليمان: (يا أمّ إسحاق لا ترضعيه من ثديٍ واحدٍ وأرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً) (2) .

وقال (عليه السلام): (الرضاع واحد وعشرون شهراً فما نقص فهو جور على الصبي) (3) .

فطول مدة الرضاعة له تأثير ايجابي على الوضع النفسي والعاطفي للطفل، وهي أهم المراحل في البناء العاطفي للطفل حيثُ تحتضن الأُم طفلها وتضمّه إلى صدرها، فيشعر بالحنان المتواصل والدفء العاطفي، وفي هذا الصدد تقول عالمة النفس لويز كابلان: (إنّ الطفل الذي ينعم بحنان أُمّه المتدفّق خلال العام الأول والثاني من عمره يشعر بالأمان، وعادة لا يشعر بالقلق أو الخوف فيتصرّف بتلقائية عندما يبلغ سن الثالثة أو الرابعة، والطفل الذي يشعر بالطمأنينة يتمتّع بالثقة بالنفس ويتعامل مع الآخرين بسهولة، ويندمج مع الأطفال في مثل عمره) (4) .

ومناغاة الطفل في هذه المرحلة ضرورية للطفل، تؤثّر على نموّه اللغوي ونموّه العاطفي في المستقبل، فكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تناغي الحسن (عليه السلام) وتقول:

(أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحق الرّسن

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 33.

(2) الكافي 6: 40 | 2 باب الرضاع.

(3) الكافي 6: 40 | 3 باب الرضاع.

(4) قاموس الطفل الطبّي: 257.

٤٩

واعبد إلهاً ذا منن

ولا توالِ ذا الإحن)

وكانت تناغي الحسين (عليه السلام):

(أنتَ شبيهٌ بأبي

لستَ شبيهاً بعلي) (1)

وأكدّ أهل البيت (عليهم السلام) كما تقدّم على إقامة علاقات المودّة والحب بين الوالدين، وتجنّب المشاكل التي تؤثّر على الصحّة النفسية لكليهما وللأُم على وجه الخصوص، لانعكاس انفعالاتها المتشنّجة واضطرابها النفسي على الطفل في مرحلة الرضاعة. وفي هذه المرحلة أوصى أهل البيت (عليهم السلام) بالاهتمام بغذاء الأُم، المصدر الأساسي لتكوين الحليب من حيثُ الكمّيّة والنوعية، وكان التركيز على التمر في إطعام الأُم لتأثيره على الرضيع، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ليكن أول ما تأكل النفساء الرّطب..) قيل: يا رسول الله، فإن لم يكن أوان الرطب؟ قال: (سبع تمرات من تمر المدينة، فإن لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم) (2) .

وأوصى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بأكل أحد أنواع التمر وهو البرني فقال: (اطعموا البرني نساءكم في نفاسهنّ تحلم أولادكم) (3) .

وفي رواية عنه (عليه السلام): (اطعموا نساءكم التمر البرني في نفاسهنّ تجمّلوا أولادكم) (4) .

ووضع أهل البيت (عليهم السلام) لائحة بالمواد الغذائية المهمّة في النمو

____________________

(1) بحار الأنوار 43: 286.

(2) الكافي 6: 22 | 4 باب ما يستحب أن تطعم الحبلى.

(3) الكافي 6: 22 | 5 ما يستحب أن تطعم الحبلى.

(4) مكارم الأخلاق: 169.

٥٠

والصحّة (1) .

فخبز الشعير وقاية من الأمراض، وسويق الحنطة ينبت اللحم ويشد العظم ويسهّل الهضم، وسويق العدس يسكّن هيجان الدم ويقلّل من حرارة الجسم، واللحوم وخصوصاً لحم الدرّاج يقلّل من الغضب، والهريسة تنشّط الجسم وتمنحه الحيوية، والزيتون يطرد الرياح، والعنب يقلّل الغضب، والسفرجل يقوّي القلب، والخس يصفّي الدم، كما أكّدوا على العسل والبيض واللبن وسائر أنواع الفواكه. وتنتقل فوائد هذه المواد الغذائية من الأُم إلى الطفل عن طريق الحليب المتكوّن منها.

وخلاصة القول يجب الاهتمام بالاسترضاع من حليب الأُم، فإذا تعذّر فيجب اختيار المرضعة المؤمنة السالمة من الإمراض الجسدية والنفسية، وإذا تعذّر فتسترضع غير المؤمنة، بشرط منعها من شرب الخمر وكل ما يضرّ بصحّة الطفل، والاهتمام بالصحّة النفسية للاأُم والاهتمام بصحّتها الجسدية، وإشباع حاجتها إلى الطعام الضروري في إنتاج الحليب النقي والغني بالمواد الغذائية الضرورية؛ لينعكس ذلك ايجابياً على صحّة الطفل النفسية والجسدية.

____________________

(1) الكافي 6: 305 وما بعدها.

٥١

٥٢

الفصل الرابع

المرحلة الثالثة: مرحلة الطفولة المبكِّرة

تبدأ مرحلة الطفولة المبكّرة من عام الفطام إلى نهاية العام السادس أو السابع من عمر الطفل، وهي من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل اللغوي والعقلي والاجتماعي، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحّة النفسية والخلقية، وتتطلّب هذه المرحلة من الأبوين إبداء عناية خاصة في تربية الأطفال، وإعدادهم؛ ليكونوا عناصر فعّالة في المحيط الاجتماعي، وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي:

أولاً: تعليم الطفل معرفة الله تعالى

الطفل مجبول بفطرته على الإيمان بالله تعالى، حيثُ تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون، وعن نشوئه ونشوء أبويه، ونشوء مَن يحيط به، وأنّ تفكيره المحدود مهيّأ لقبول فكرة الخالق والصانع، فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره المحدود، والإيمان بالله تعالى كما يؤكّده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس (من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل.. ممّا سوف

٥٣

يعطيه الأمل في الحياة والاعتماد على الخالق، ويوجد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم) (1) .

والتربية والتعليم في هذه المرحلة يفضّل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل، متناسباً مع العمر العقلي للطفل، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي، وقد حدّد الإمام محمد الباقر (عليه السلام) تسلسل المنهج قائلاً:

(إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له: قُلْ لا إله إلاّ الله سبع مرّات، ثم يُترك حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً فيقال له: قُلْ محمد رسول الله سبع مرّات، ويُترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له: قُلْ سبع مرّات صلّى الله على محمد وآله، ثم يُترك حتى يتم له خمس سنين، ثم يقال له: أيّهما يمينك وأيُّهما شمالك؟ فإذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى القبلة ويقال له: اسجد، ثم يُترك حتى يتم له سبع سنين، فإذا تمّ له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفّيك، فإذا غسلهما قيل له صلِّ، ثم يُترك، حتى يتم له تسع سنين، فإذا تمّت له تسع سنين عُلّم الوضوء وضُرب عليه وأُمر بالصلاة وضُرب عليها، فإذا تعلّم الوضوء والصلاة غفر الله عز وجلّ له ولوالديه إن شاء الله) (2) .

وقد أثبت علم النفس الحديث صحّة هذا المنهج (2 ـ 3 سنوات، يكتسب كلام الطفل طابعاً مترابطاً ممّا يتيح له إمكانية التعبير عن فهمه لكثير من الأشياء والعلاقات... وفي نهاية السنة الثالثة يصبح الطفل قادراً على استخدام الكلام وفق قواعد نحوية ملحوظة، وهذا يمكنه من صنع

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 294.

(2) مَن لا يحضره الفقيه، للصدوق 1: 182 | 3 باب الحد الذي يُؤخذ فيه الصبيان بالصلاة ـ دار التعارف للمطبوعات 1401 هـ.

٥٤

جمل أوّلية وصحيحة) (1) .

وتعميق الإيمان بالله ضروري في تربية الطفل.

والطفل في هذه المرحلة يكون مقلِّداً لوالديه في كل شيء، بما فيها الإيمان بالله تعالى، يقول الدكتور سپوك: (إنّ الأساس الذي يؤمن به الابن بالله وحبّه للخالق العظيم، هو نفس الأساس الذي يحب به الوالدان الله).

ويقول: (بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الأبوين في كلِّ شيء، فإذا حدّثاه عن الله فإنّه يؤمن بالصورة التي تحدّدها كلماتهما عن الله حرفيّاً) (2) والطفل في هذه المرحلة يميل دائماً إلى علاقات المحبّة والمودّة والرقّة واللين، فيحب أو يفضّل (تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة إلى أقصى حدٍّ ممكن، مع التقليل إلى أدنى حدٍّ من صفات العقاب والانتقام) (3) .

فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محبّبة له، فيزداد تعلّقه بالله تعالى، ويرى أنّه مانح الحب والرحمة له.

وإذا أردنا ان نكوّن له صورة عن يوم القيامة فالأفضل أن نركّز على نعيم الجنّة بما يتناسب مع رغباته، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك، ونركّز على أنّه سيحصل عليها إنْ أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الإسلامية، ويُحرم منها إنْ لم يلتزم، ويؤجّل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدّمة من عمره.

____________________

(1) علم النفس التربوي، للدكتور علي منصور 2: 132 ـ 1407 هـ.

(2) مشاكل الآباء في تربية الأبناء: 248.

(3) مشاكل الآباء في تربية الأبناء: 251.

٥٥

ثانياً: التركيز على حبّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام)

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن) (1) .

في هذه المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والأحاسيس عند الطفل، من حب وبغض وانجذاب ونفور، واندفاع وانكماش، فيجب على الوالدين استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه، وتوجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية، والمبادرة إلى تركيز حبّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحبّ أهل البيت (عليهم السلام) في خلجات نفسه. والطريقة الأفضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع، وخصوصاً ما يتعلّق برحمتهم وعطفهم وكرمهم، ومعاناتهم، وما تعرّضوا له من حرمان واعتداء، يجعل الطفل متعاطفاً معهم مُحبّاً لهم، مبغضاً لمَن آذاهم من مشركين ومنحرفين.

والتركيز على قراءة القرآن في الصغر يجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب الله، متطلّعاً على ما جاء فيه، وخصوصاً الآيات والسور التي يفهم الطفل معانيها. وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه، وقدرته على الحفظ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه.

____________________

(1) كنز العمّال 16: 456 | 45409.

٥٦

ثالثاً: تربية الطفل على طاعة الوالدين

يلعب الوالدان الدور الأكبر في تربية الأطفال، فالمسؤولية تقع على عاتقهما أوّلاً وقبل كلّ شيء، فهما اللذان يحدّدان شخصية الطفل المستقبلية، وتلعب المدرسة والمحيط الاجتماعي دوراً ثانويّاً في التربية.

والطفل إذا لم يتمرّن على طاعة الوالدين فإنّه لا يتقبّل ما يصدر منهما من نصائح وإرشادات وأوامر إصلاحية وتربوية، فيخلق لنفسه ولهما وللمجتمع مشاكل عديدة، فيكون متمرّداً على جميع القيم، وعلى جميع القوانين والعادات والتقاليد الموضوعة من قِبل الدولة ومن قِبل المجتمع.

قال الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام): (جرأة الولد على والده في صغره، تدعو إلى العقوق في كبره) (1) .

وقال الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): (... شرّ الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق) (2) .

وتربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلّب جهداً متواصلاً منهما على تمرينه على ذلك؛ لأنّ الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى الاستقلالية الذاتية، فيحتاج إلى جهد إضافي من قِبل الوالدين، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحبّ والحنان، يقول

____________________

(1) تحف العقول: 368.

(2) تاريخ اليعقوبي 2: 320.

٥٧

الدكتور يسري عبد المحسن: (أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة.. الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كلِّ أفراد الأُسرة) (1) .

ومن الوسائل التي تجعله مطيعاً هي إشباع حاجاته الأساسية وهي: (الأمن، والمحبّة، والتقدير، والحرية، والحاجة إلى سلطة ضاغطة) (2) .

ويرى الدكتور فاخر عاقل هذه الحاجات بالشكل التالي: (الحاجة إلى توكيد الذات، أو المكانة، أن يعترف به وبمكانته، وأن ينتبه إليه.. والحاجة إلى الأمان والحاجة إلى المحبّة والحاجة إلى الاستقلال) (3) .

فإذا شعر الطفل بالحب والحنان والتقدير من قِبل والديه، فإنّه يحاول المحافظة على ذلك بإرضاء والديه، وأهم مصاديق الإرضاء هو طاعتهما.

فالوالدان هما الأساس في تربية الطفل على الطاعة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما) (4) وأُسلوب الإعانة كما حددّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتألف له، وتعليمه وتأديبه) (5) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله مَن أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيّئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله) (6) .

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 328.

(2) علم النفس، لعبد العزيز القوصي: 264.

(3) علم النفس التربوي، لفاخر عاقل: 100 ـ 101.

(4) مستدرك الوسائل 2: 618.

(5) مستدرك الوسائل 2: 626.

(6) عدّة الداعي: 61.

٥٨

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله مَن أعان ولده على برّه... يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به...) (1) .

وحبّ الأطفال للوالدين ردّ فعل لحبّ الوالدين لهما (2) .

فإذا كان الحبُّ هو السائد في العلاقة بين الطفل ووالديه، فإنّ الطاعة لهما ستكون متحقّقة الوقوع، وعلى الوالدين أنْ يُصدرا الأوامر برفق ولين بصورة نصح وإرشاد فإنّ الطفل سيستجيب لهما، أمّا استخدام التأنيب والتعنيف فإنّه سيؤدّي إلى نتائج عكسية؛ ولذا أكدّ علماء النفس والتربية على التقليل من التعنيف كما جاء في قول أنور الجندي: (يقتصد في التعنيف عند وقوع الذنب؛ لأنّ كثرة العقاب تهوّن عليه سماع الملامة وتخفّف وقع الكلام في نفسه) (3) .

وإطاعة الأوامر لا يجد فيها الطفل الذي حصل على المحبّة والتقدير أيّة غضاضة على حبّه للاستقلال، وبالمحبّة التي يشعرها تتعمّق في نفسه القابلية على تقليد سلوك مَن يحبّهم وهما الوالدان، فينعكس سلوكهما عليه، ويستجيب لهما، فإنّه إذا عُومل كإنسان ناضج وله مكانة فإنّه يستريح إلى ذلك، ويتصرّف بنضج وبصورة لا تسيء إلى والديه، فيتمرّن على الطاعة لوالديه، ومن ثمّ الطاعة لجميع القيم التي يتلقّاها من والديه، أو من المدرسة، أو من المجتمع.

____________________

(1) الكافي 6: 50 | 6 بِرّ الأولاد.

(2) علم الاجتماع، لنقولا الحداد: 252 ـ دار الرائد 1982 م ط2.

(3) التربية وبناء الأجيال: 167

٥٩

رابعاً: الإحسان إلى الطفل وتكريمه

الطفل في هذه المرحلة بحاجة إلى المحبّة والتقدير من قِبل الوالدين، وبحاجة إلى الاعتراف به وبمكانته في الأُسرة وفي المجتمع، وأن تسلّط الأضواء عليه، وكلّما أحسَّ بأنّه محبوبٌ، وأنّ والديه أو المجتمع يشعر بمكانته وذاته فإنّه سينمو (متكيّفاً تكيّفاً حسناً، وكينونته راشداً صالحاً يتوقّف على ما إذا كان الطفل محبوباً مقبولاً شاعراً بالاطمئنان في البيت) (1) .

والحبُّ والتقدير الذي يحسّ به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب حياته، فيكتمل نموّه اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي، والطفل يقلّد مَن يحبّه، ويتقبّل التعليمات والأوامر والنصائح ممّن يحبّه، فيتعلّم قواعد السلوك الصالحة من أبويه، وتنعكس على سلوكه إذا كان يشعر بالمحبّة والتقدير من قِبلهما.

وقد وردت عدّة روايات تؤكّد على ضرورة محبّة الطفل وتكريمه:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم) (2) وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله عبداً أعان ولده على بِرّه بالإحسان إليه والتآلف له وتعليمه وتأديبه) (3) .

____________________

(1) علم النفس التربوي، للدكتور فاخر عاقل: 111 ـ دار العلم للملايين 1985 ط1.

(2) مستدرك الوسائل 2: 625.

(3) مستدرك الوسائل 2: 626.

٦٠