المختصر النافع في فقه الامامية

المختصر النافع في فقه الامامية12%

المختصر النافع في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 313

المختصر النافع في فقه الامامية
  • البداية
  • السابق
  • 313 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80202 / تحميل: 7062
الحجم الحجم الحجم
المختصر النافع في فقه الامامية

المختصر النافع في فقه الامامية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وهذه الآيات ـ التي نبحثها ـ في الحقيقة تقف على نماذج للأمم السابقة ممّن شاهدوا أنواع المعاجز والأعمال غير العادية ، إلّا أنّهم استمروا في الإنكار وعدم الإيمان.

في البدء يقول تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) . سنشير في نهاية هذا البحث إلى هذه الآيات التسع وماهيتها.

ولأجل التأكيد على الموضوع اسأل ـ والخطاب موّجه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بني إسرائيل (اليهود) أمام قومك المعارضين والمنكرين :( فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ ) .

إلّا أنّ الطاغية الجبار فرعون ـ برغم الآيات ـ لم يستسلم للحق ، بل أكثر من ذلك اتّهم موسى( فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً ) .

وفي بيان معنى «مسحور» ذكر المفسّرون تفسيرين ، فالبعض قالوا : إنّها تعني الساحر بشهادة آيات قرآنية أخرى ، تقول بأنّ فرعون وقومه اتّهموا موسى بالساحر ، ومثل هذا الاستخدام وارد وله نظائر في اللغة العربية ، حيث يكون اسم المفعول بمعنى الفاعل ، كما في (مشؤوم) التي يمكن أن تأتي بمعنى «شائم» و (ميمون) بمعنى «يامن».

ولكن قسم آخر من المفسّرين أبقى كلمة «مسحور» بمعناها المفعولي والتي تعني الشخص الذي أثّر فيه الساحر ، كما يستفاد من الآية (39) من سورة الذاريات التي نسبت السحر إليه ، والجنون أيضا ،( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) .

على أي حال ، فإنّ التعبير القرآني يكشف عن الأسلوب الدعائي التحريضي الذي يستخدمه المستكبرون ويتهمون فيه الرجال الإلهيين بسبب حركتهم الإصلاحية الربانية ضدّ الفساد والظلم ، إذ يصف الظالمون والطغاة معجزاتهم بالسحر أو ينعتونهم بالجنون كي يؤثروا من هذا الطريق في قلوب الناس

١٦١

ويفرّقوهم عن الأنبياء.

ولكن موسىعليه‌السلام لم يسكت أمام اتّهام فرعون له ، بل أجابه بلغة قاطعة يعرف فرعون مغزاها الدقيق ، إذ قال له :( قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ ) .

لذا فإنّك ـ يا فرعون ـ تعلم بوضوح أنّك تتنكر للحقائق ، برغم علمك بأنّها من الله! فهذه «بصائر» أي أدلة واضحة للناس كي يتعرفوا بواسطتها على طريق الحق. وعند ما سيسلكون طريق السعادة. وبما أنّك ـ يا فرعون ـ تعرف الحق وتنكره ، لذا :( وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ) .

(مثبور) من (ثبور) وتعني الهلاك.

ولأنّ فرعون لم يستطع أن يقف بوجه استدلالات موسى القوية ، فإنّه سلك طريقا يسلكه جميع الطواغيت عديمي المنطق في جميع القرون وكافة الأعصار ، وذاك قوله تعالى:( فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً ) .

«يستفز» من «استفزاز» وتعني الإخراج بقوة وعنف.

ومن بعد هذا النصر العظيم :( وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) . فتأتون مجموعات يوم القيامة للحساب.

«لفيف» من مادة «لفّ» وهنا تعني المجموعة المتداخلة المعقّدة بحيث لا يعرف الأشخاص ، ولا من أي قبيلة هم!

* * *

بحوث

1 ـ المقصود من الآيات التسع

لقد ذكر القرآن الكريم آيات ومعجزات كثيرة لموسىعليه‌السلام منها ما يلي :

1 ـ تحوّل العصا إلى ثعبان عظيم يلقف أدوات الساحرين ، كما في الآية

١٦٢

(20) من سورة طه :( فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ) .

2 ـ اليد البيضاء لموسىعليه‌السلام والتي تشع نورا :( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى ) (1) .

3 ـ الطوفان :( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ) (2) .

4 ـ الجراد الذي أباد زراعتهم وأشجارهم( وَالْجَرادَ ) (3) .

5 ـ والقمل الذي هو نوع من الأمراض والآفات التي تصيب النبات : و( الْقُمَّلَ ) (4) .

6 ـ (الضفادع) التي جاءت من النيل وتكاثرت وأصبحت وبالا على حياتهم:( وَالضَّفادِعَ ) (5) .

7 ـ الدم ، أو الابتلاء العام بالرعاف ، أو تبدّل نهر النيل إلى لون الدم ، بحيث أصبح ماؤه غير صالح لا للشرب ولا للزراعة :( وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ) (6) .

8 ـ فتح طريق في البحر بحيث استطاع بنو إسرائيل العبور منه :( وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ ) (7) .

9 ـ نزول ال (منّ) و (السلوى) من السماء ، وقد شرحنا ذلك في نهاية الآية (57) من سورة البقرة( وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (8) .

10 ـ انفجار العيون من الأحجار :( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) (9) .

11 ـ انفصال جزء من الجبل ليظلّلهم :( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ

__________________

(1) طه ، 22.

(2) و (3) و (4) و (5) و (6) ـ الأعراف ، 133.

(7) البقرة ، 50.

(8) البقرة ، 57.

(9) البقرة ، 60.

١٦٣

ظُلَّةٌ ) (1) .

12 ـ الجفاف ونقص الثمرات :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ ) (2) .

13 ـ عودة الحياة إلى المقتول والذي أصبح قتله سببا للاختلاف بين بني إسرائيل:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) (3) .

14 ـ الاستفادة من ظل الغمام في الاحتماء من حرارة الصحراء بشكل إعجازي :( وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ) (4) .

ولكن الكلام هنا هو : ما هو المقصود من (الآيات التسع) المذكورة في الآيات التي نبحثها؟

يظهر من خلال التعابير المستخدمة في هذه الآيات أنّ المقصود هو المعاجز المرتبطة بفرعون وأصحابه ، وليست تلك المتعلقة ببني إسرائيل من قبيل نزول المنّ والسلوى وتفجّر العيون من الصخور وأمثال ذلك.

لذا يمكن القول أنّ الآية (133) من سورة الأعراف تتعرض إلى خمسة مواضيع من الآيات التسع وهي : (الطوفان ، القمّل ، الجراد ، الضفادع ، والدم).

كذلك اليد البيضاء والعصا تدخل في الآيات التسع ، يؤيد ذلك ورود تعبير (الآيات التسع) في الآيات (10 ـ 12) من سورة النمل بعد ذكر هاتين المعجزتين الكبيرتين.

وبذلك يصبح مجموع هذه المعاجز ـ الآيات ـ سبعا ، فما هي الآيتان الأخيرتان؟

بلا شك إنّنا لا نستطيع اعتبار غرق فرعون وقومه في عداد الآيات التسع ،

__________________

(1) الأعراف ، 171.

(2) الأعراف ، 130.

(3) البقرة ، 73.

(4) البقرة ، 57.

١٦٤

لأنّ الهدف من الآيات أن تكون دافعا لهدايتهم وسببا لقبولهم بنبوة موسىعليه‌السلام ، لا أن تقوم بهلاك فرعون وقومه.

عند التدقيق في آيات سورة الأعراف التي جاء فيها ذكر العديد من هذه الآيات يظهر أنّ الآيتين الأخريتين هما : (الجفاف) و (نقص الثمرات) حيث أننا نقرأ بعد معجزة العصا واليد البيضاء وقبل تبيان الآيات الخمس (الجراد ، والقمل ...) قوله تعالى :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) .

وبالرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّ الجفاف لا يمكن فصله عن نقص الثمرات وبذا تعتبر الآيتان آية واحدة ، إلّا أنّ الجفاف المؤقت والمحدود ـ كما قلنا في تفسير الآية (130) من سورة الأعراف ـ لا يؤثّر تأثيرا كبيرا في الأشجار ، أمّا عند ما يكون جفافا طويلا فإنّه سيؤدي إلى إبادة الأشجار ، لذا فإنّ الجفاف لوحده لا يؤدي دائما إلى نقص الثمرات.

إضافة إلى ما سبق يمكن أن يكون السبب في نقص الثمرات هو الأمراض والآفات وليس الجفاف.

والنتيجة أنّ الآيات التسع التي وردت الإشارة إليها في الآيات التي نبحثها هي:العصا، اليد البيضاء ، الطوفان ، الجراد ، القمل ، الضفادع ، الدم ، الجفاف ، ونقص الثمرات.

ومن نفس سورة الأعراف نعرف أنّ هؤلاء ـ برغم الآيات التسع هذه ـ لم يؤمنوا ، لذلك انتقمنا منهم وأغرقناهم في اليم بسبب تكذيبهم(1) .

هناك روايات عديدة وردت في مصادرنا حول تفسير هذه الآية ، ولاختلافها فيما بينها لا يمكن الاعتماد عليها في إصدار الحكم.

__________________

(1) الأعراف ، 136.

١٦٥

2 ـ هل أنّ السائل هو الرّسول نفسه؟

ظاهر الآيات أعلاه يدل على أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمر بسؤال بني إسرائيل حول الآيات التسع التي نزلت على موسى ، وكيف أنّ فرعون وقومه صدّوا عن حقانية موسىعليه‌السلام بمختلف الذرائع رغم الآيات.

ولكن بما أنّ لدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلم والعقل بحيث أنّه لا يحتاج إلى السؤال ، لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهب الى أن المأمور بالسؤال هم المخاطبون الآخرون.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ سؤال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكن لنفسه ، بل للمشركين ، لذلك فما المانع من أن يكون شخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يسأل حتى يعلم المشركون أنّه عند ما لم يوافق على اقتراحاتهم ، فذلك لأنّها اقتراحات باطلة قائمة على التعصّب والعناد ، كما قرأنا في قصّة موسى وفرعون ونظير ذلك.

3 ـ ما المراد ب (الأرض) المذكورة في الآيات؟

قرأنا في الآيات أعلاه أنّ الله أمر بني إسرائيل بعد أن انتصروا على فرعون وجنوده أن يسكنوا الأرض ، فهل الغرض من الأرض هي مصر (نفس الكلمة وردت في الآية السابقة والتي بيّنت أنّ فرعون أراد أن يخرجهم من تلك الأرض.

وبنفس المعنى أشارت آيات أخرى إلى أنّ بني إسرائيل ورثوا فرعون وقومه) أو أنّها إشارة إلى الأرض المقدّسة فلسطين ، لأنّ بني إسرائيل بعد هذه الحادثة اتجهوا نحو أرض فلسطين وأمروا أن يدخلوها.

بالنسبة لنا فإنّنا لا نستبعد أيّا من الاحتمالين ، لأنّ بني إسرائيل ـ بشهادة الآيات القرآنية ـ ورثوا أراضي فرعون وقومه ، وامتلكوا أرض فلسطين أيضا.

١٦٦

4 ـ هل تعني كلمة (وعد الآخرة) يوم البعث والآخرة؟

ظاهرا إنّ الإجابة بالإيجاب ، حيث أنّ جملة( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) قرينة على هذا الموضوع ، ومؤيّدة لهذا الرأي. إلّا أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ (وعد الآخرة) إشارة إلى ما أشرنا إليه في بداية هذه السورة ، من أنّ الله تبارك وتعالى قد توعّد بني إسرائيل بالنصر والهزيمة مرّتين ، وقد سمى الأولى بـ «وعد الأولى» والثّانية بـ «وعد الآخرة» ، إلّا أنّ هذا الاحتمال ضعيف مع وجود قوله تعالى :( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) (فدقق في ذلك).

* * *

١٦٧

الآيات

( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) )

التّفسير

عشاق الحق

مرّة أخرى يشير القرآن العظيم إلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويجيب على بعض ذرائع المعارضين.

في البداية تقول الآيات :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) ، ثمّ تضيف بلا أدنى فاصلة( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) .

ثمّ تقول :( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ) إذ ليس لك الحق في تغيير محتوى القرآن.

١٦٨

لقد ذكر المفسّرون آراء مختلفة في الفرق بين الجملة الأولى :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) والجملة الثّانية :( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) منها :

1 ـ المراد من الجملة الأولى : إنّنا قدّرنا أن ينزل القرآن بالحق. بينما تضيف الجملة الثّانية أنّ هذا الأمر أو التقدير قد تحقق ، لذا فإنّ التعبير الأوّل يشير إلى التقدير ، بينما يشير الثّاني إلى مرحلة الفعل والتحقق(1) .

2 ـ الجملة الأولى تشير إلى أنّ مادة القرآن ومحتواه هو الحق ، أمّا التعبير الثّاني فانّه يبيّن أن نتيجته وثمرته هي الحق أيضا(2) .

3 ـ الرأي الثّالث يرى أنّ الجملة الأولى تقول : إنّنا نزّلنا هذا القرآن بالحق بينما الثّانية تقول : إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتدخل في الحق ولم يتصرف به ، لذا فقد نزل الحقّ.

وثمّة احتمال آخر قد يكون أوضح من هذه التّفاسير ، وهو أنّ الإنسان قد يبدأ في بعض الأحيان بعمل ما ، ولكنّه لا يستطيع إتمامه بشكل صحيح وذلك بسبب من ضعفه ، أمّا بالنسبة للشخص الذي يعلم بكل شيء ويقدر على كل شيء ، فإنّه يبدأ بداية صحيحة ، وينهي العمل نهاية صحيحة. وكمثال على ذلك الشخص الذي يخرج ماء صافيا من أحد العيون ، ولكن خلال مسير هذا الماء لا يستطيع ذلك الشخص أن يحافظ على صفاء هذا الماء ونظافته أو يمنعه من التلوث ، فيصل الماء في هذه الحالة إلى الآخرين وهو ملوّث. إلّا أنّ الشخص القادر والمحيط بالأمور ، يحافظ على بقاء الماء صافيا وبعيدا عن عوامل التلوث حتى يصل إلى العطاشى والمحتاجين له.

القرآن كتاب نزل بالحق من قبل الخالق ، وهو محفوظ في جميع مراحله سواء في المرحلة التي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين ، أو المرحلة التي كان

__________________

(1) يراجع تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 3955.

(2) في ظلال القرآن ، أننا تفسير الآية.

١٦٩

الرّسول فيها هو المتلقي ، وبمرور الزمن له تستطيع يد التحريف والتزوير أن تمتد إليه بمقتضى قوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) فالله هو الذي يتكفل حمايته وحراسته.

لذا فإنّ هذا الماء النقي الصافي الوحي الإلهي القويم لم تناله يد التحريف والتبديل منذ عصر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحتى نهاية العالم.

الآية التي تليها ترد على واحدة من ذرائع المعارضين وحججهم ، إذ كانوا يقولون: لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولماذا كان نزوله تدريجيا؟ كما تشير إلى ذلك الآية (32) من سورة الفرقان التي تقول :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) فيقول الله في جواب هؤلاء:( وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ) (1) حتى يدخل القلوب والأفكار ويترجم عمليا بشكل كامل.

ومن أجل التأكيد أكثر تبيّن الآية ـ بشكل قاطع ـ أنّ جميع هذا القرآن أنزلناه نحن:( وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً ) .

إنّ القرآن كتاب السماء إلى الأرض ، وهو أساس الإسلام ودليل لجميع البشر ، والقاعدة المتينة لجميع الشرائع القانونية والاجتماعية والسياسية والعبادية لدنيا المسلمين ، لذلك فإنّ شبهة هؤلاء في عدم نزوله دفعة واحدة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجاب عليها من خلال النقاط الآتية :

أوّلا : بالرغم من أنّ القرآن هو كتاب ، إلّا أنّه ليس ككتب الإنسان المؤلّفة حيث يجلس المؤلّف ويفكّر ويكتب موضوعا ، ثمّ ينظّم فصول الكتاب وأبوابه لينتهي من تحرير الكتاب ، بل القرآن له ارتباط دقيق بعصره ، أي ارتباط ب (23) سنة ، هي عصر نبوة نبي الإسلام بكل ما كانت تتمخض به من حوادث وقضايا.

__________________

(1) مجيء كلمة (قرآن) منصوبة في الآية أعلاه يفسّره المفسّرين بأنّه مفعول لفعل مقدّر تقديره (فرقناه) ، وبذلك تصبح الجملة هكذا : (وفرقناه قرآنا).

١٧٠

لذا كيف يمكن لكتاب يتحدث عن حوادث (23) سنة متزامنا لها أن ينزل في يوم واحد؟

هل يمكن جمع حوادث (23) سنة نفسها في يوم واحد ، حتى ينزل القرآن في يوم واحد؟

إنّ في القرآن آيات تتعلق بالغزوات الإسلامية ، وآيات تختص بالمنافقين ، وأخرى ترتبط بالوفود التي كانت تفد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فهل يمكن أن يكتب مجموع كل ذلك منذ اليوم الأوّل؟

ثانيا : ليس القرآن كتابا ذا طابع تعليمي وحسب ، بل ينبغي لكل آية فيه أن تنفّذ بعد نزولها ، فإذا كان القرآن قد نزل مرّة واحدة ، فينبغي أن يتمّ العمل به مرّة واحدة أيضا ، ونعلم بأنّ هذا محال ، لأنّ إصلاح مجتمع مليء بالفساد لا يتمّ في يوم واحد ، إذ لا يمكن إرسال الطفل الأمي دفعة واحدة من الصف الأوّل إلى الصفوف المتقدمة في الجامعة في يوم واحد. لهذا السبب نزل القرآن نجوما ـ أي بشكل تدريجي ـ كي ينفذ بشكل جيّد ويستوعبه الجميع وكي يكون للمجتمع قابلية قبوله واستيعابه وتمثله عمليا.

ثالثا : بدون شك ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقائد هذه النهضة العظيمة سيكون ذا قدرات وإمكانيات أكبر عند ما يقوم بتطبيق القرآن جزءا جزءا ، بدلا من تنفيذه دفعة واحدة. صحيح أنّه مرسل من الخالق وذو عقل واستعداد كبيرين ليس لهما مثيل ، إلّا أنّه برغم ذلك فإنّ تقبّل الناس للقرآن وتنفيذ تعاليمه بصورة تدريجية سيكون أكمل وأفضل ممّا لو نزل دفعة واحدة.

رابعا : النّزول التدريجي يعني الارتباط الدائمي للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مصدر الوحي ، إلّا أنّ النّزول الدفعي يتمّ بمرحلة واحدة لا يتسنى للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الارتباط بمصدر الوحي لأكثر من مرّة واحدة.

آخر الآية (32) من سورة الفرقان تقول :( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ

١٧١

تَرْتِيلاً ) وهي إشارة إلى السبب الثّالث ، بينما الآية التي نبحثها تشير إلى السبب الثّاني من مجموع الأسباب الأربعة التي أوردناها. ولكن الحصيلة أنّ مجموع هذه العوامل تكشف بشكل حي وواضح أسباب وثمار النّزول التدريجي للقرآن.

الآية التي تليها استهدفت غرور المعارضين الجهلة حيث تقول :( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) .

* * *

ملاحظات

في هذه الآية ينبغي الالتفات إلى الملاحظات الآتية :

أوّلا : يعتقد المفسّرون أنّ جملة( آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ) يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجه متعدّدة ، إذ قال بعضهم : إن المعنى هو : سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإعجاز القرآن ونسبته إلى الخالق.

بينما قال البعض : إنّ التقدير يكون : سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا فإنّ نفع ذلك وضرره سيقع عليكم.

لكن يحتمل أن تكون الجملة التي بعدها مكمّلة لها ، وهي كناية عن أنّ عدم الإيمان هو سبب عدم العلم والمعرفة ، فلو كنتم تعلمون لآمنتم به. وبعبارة أخرى : يكون المعنى : إذا لم تؤمنوا به فإنّ الأفراد الواعين وذوي العلم يؤمنون به.

ثانيا : إنّ المقصود من( الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ) هم مجموعة من علماء اليهود والنصارى من الذين آمنوا بعد أن سمعوا آيات القرآن ، وشاهدوا العلائم التي قرءوها في التوراة والإنجيل ، والتحقوا بصف المؤمنين الحقيقيين ، وأصبحوا من علماء الإسلام.

وفي آيات أخرى من القرآن تمت الإشارة إلى هذا الموضوع ، كما في قوله

١٧٢

تعالى في الآية (113) من سورة آل عمران :( لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) .

ثالثا : «يخرّون» بمعنى يسقطون على الأرض بدون إرادتهم ، واستخدام هذه الكلمة بدلا من السجود ينطوي على إشارة لطيفة ، هي أنّ الواعين وذوي القلوب اليقظة عند ما يسمعون آيات القرآن وكلام الخالقعزوجل ينجذبون إليه ويولهون به الى درجة أنّهم يسقطون على الأرض ويسجدون خشية بدون وعي واختيار(1) .

رابعا : (أذقان) جمع (ذقن) ومن المعلوم أن ذقن الإنسان عند السجود لا يلمس الأرض ، إلّا أن تعبير الآية إشارة إلى أنّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أنّ ذقنهم قد يلمس الأرض عند السجود.

بعض المفسّرين احتمل أنّ الإنسان عند سجوده يضع أوّلا جبهته على الأرض ، ولكن الشخص المدهوش عند ما يسقط على الأرض يضع ذقنه أولا ، فيكون استخدام هذا التعبير في الآية تأكيدا لمعنى (يخرون)(2) .

الاية التي بعدها توضح قولهم عند ما يسجدون :( وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ) (3) . هؤلاء يعبرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم واعتقادهم بالله وبصفاته وبوعده. فهذا الكلام يشمل الإيمان بالتوحيد والصفات الحقة والإيمان بنبوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالمعاد. والكلام على هذا الأساس يجمع أصول الدين في جملة واحدة.

وللتأكيد ـ أكثر ـ على تأثّر هؤلاء بآيات ربّهم ، وعلى سجدة الحب التي

__________________

(1) يقول الراغب في (المفردات) : «يخرون» من مادة «خرير» ويقال لصوت الماء والريح وغير ذلك ممّا يسقط من علّو. وقوله تعالى :( خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، والتنبيه أنّ ذلك الخرير كان صوت تسبيحهم بحمد الله لا بشيء آخر. ودليله قوله تعالى فيما بعد:( وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) .

(2) تفسير المعاني ، ج 15 ، ص 175.

(3) (إنّ) في قوله :( إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا ) غير شرطية ، بل هي تأكيدية ، وهي مخففة من الثقيلة.

١٧٣

يسجدونها تقول الآية التي بعدها :( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) .

إنّ تكرار جملة( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ ) دليل على التأكيد ، وعلى الاستمرار أيضا.

الفعل المضارع (يبكون) دليل على استمرار البكاء بسبب حبّهم وعشقهم لخالقهم.

واستخدام الفعل المضارع في جملة( يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) دليل على أنّهم لا يتوقفون أبدا على حالة واحدة ، بل يتوجهون باستمرار نحو ذروة التكامل ، وخشوعهم دائما في زيادة (الخشوع هو حالة من التواضع والأدب الجسدي والروحي للإنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة).

* * *

بحثان :

1 ـ التخطيط للتربية والتعلم

من الدروس المهمّة التي نستفيدها من الآيات أعلاه ، هو ضرورة التخطيط لأي ثورة أو نهضة ثقافية أو فكرية أو اجتماعية أو تربوية ، فإذا لم يتمّ تنظيم مثل هذا البرنامج فالفشل سيكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود. إنّ القرآن الكريم لم ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة واحدة بالرغم من أنّه كان موجودا في مخزون علم الله كاملا ، وقد تمّ عرضه في ليلة القدر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعة واحدة ، إلّا أنّ النّزول التدريجي استمرّ طوال (23) سنة ، وضمن مراحل زمنية مختلفة وفي إطار برنامج عملي دقيق.

وعند ما يقوم الخالق جلّ وعلا بهذا العمل بالرغم من عمله وقدرته المطلقة وغير المتناهية عند ذلك سيتّضح دورنا وتكليفنا نحن إزاء هذا المبدأ. وعادة ما يكون هذا قانونا وتكليفا إلهيا ، حيث أنّ وجوده العيني لا يختص بعالم التشريع

١٧٤

وحسب ، بل في عالم التكوين أيضا. إنّه من غير المتوقع أن تنصلح أمور مجتمع في مرحلة البناء خلال ليلة واحدة لأنّ البناء الحضاري الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي يحتاج إلى المزيد من الوقت.

وهذا الكلام يعني أنّنا إذا لم نصل إلى النتيجة المطلوبة في وقت قصير فعلينا أن لا نيأس ونترك بذل الجهد أو المثابرة. وينبغي أن نلتفت إلى أنّ الانتصارات النهائية والكاملة تكون عادة لأصحاب النفس الطويل.

2 ـ علاقة العلم بالإيمان

الموضوع الآخر الذي يمكن أن نستفيده من الآيات أعلاه هو علاقة العلم بالإيمان، إذ تقول الآيات : إنّكم سواء آمنتم بالله أو لم تؤمنوا فإنّ العلماء سيؤمنون بالله إلى درجة أنّهم يعشقون الخالق ويسقطون أرضا ساجدين من شدّة الوله والحبّ ، وتجري الدّموع من أعينهم، وإنّ هذا الخشوع والتأدّب يتصف بالاستمرار في كل عصر وزمان.

إنّ الجهلة ـ فقط ـ هم الذين لا يعيرون أهمية للحقائق ويواجهونها بالاستهزاء والسخرية ، وإذا أثّر فيهم الإيمان في بعض الأحيان فإنّه سيكون تأثيرا ضعيفا خاليا من الحبّ والحرارة.

إضافة إلى ذلك ، فإنّ في الآية ما يؤكّد خطأ وخطل النظرية التي تربط بين الدين والجهل أو الخوف من المجهول. أمّا القرآن فإنّه يؤكّد على عكس ذلك تماما ، إذ يقول في مواقع متعدّدة : إنّ العلم والإيمان توأمان ، إذ لا يمكن أن يكون هناك إيمان عميق ثابت من دون علم ، والعلم في مراحلة المتقدمة يحتاج إلى الإيمان. (فدقق في ذلك).

* * *

١٧٥

الآيتان

( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) )

سبب النّزول

وردت آراء متعدّدة في سبب نزول هاتين الآيتين منها ما نقله صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساجدا ذات ليلة بمكّة يدعو : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون متهمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يدعونا إلى إله واحد ، بينما يدعو هو مثنى مثنى. يقصدون بذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه(1) .

__________________

(1) يراجع مجمع البيان أثناء تفسير الآية.

١٧٦

التّفسير

آخر الذرائع والأغذار

بعد سلسلة من الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إلى آخر ذريعة لهم ، وهي قولهم : لماذا يذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخالق بأسماء متعدّدة بالرغم من أنّه يدّعي التوحيد. القرآن ردّ على هؤلاء بقوله :( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) . إنّ هؤلاء عميان البصيرة والقلب ، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيث كانوا يذكرون أسماء مختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد ، وكل اسم من هذه الأسماء كان يعرّف بشطر أو بصفة من صفات ذلك الشخص أو المكان.

بعد ذلك ، هل من العجيب أن تكون للخالق أسماء متعدّدة تتناسب مع أفعاله وكمالاته وهو المطلق في وجوده وفي صفاته والمنبع لكل صفات الكمال وجميع النعم ، وهو وحدهعزوجل الذي يدير دفة هذا العالم والوجود؟

أساسا ، فانّ الله تعالى لا يمكن معرفته ومناجاته باسم واحد إذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتى تعبّر عن ذاته ، ولكن لمحدودية ألفاظنا ـ كما هي أشياؤنا الأخرى أيضا ـ لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له ، وإنّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضا ، حتى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو من هو في منزلته وروحه وعلو شأنه ، نراه يقول : «ما عرفناك حق معرفتك».

إنّ الله تعالى في قضية معرفتنا إيّاه لم يتركنا في أفق عقولنا ودرايتنا الخاصّة ، بل ساعدنا كثيرا في معرفة ذاته ، وذكر نفسه بأسماء متعدّدة في كتابه العظيم ، ومن خلال كلمات أوليائه تصل أسماؤه ـ تقدس وتعالى ـ إلى ألف اسم.

وطبيعي أنّ كل هذه أسماء الله ، وأحد معاني الأسماء العلّامة ، لذا فإنّ هذه علامات على ذاته الطاهرة ، وجميع هذه الخطوط والعلامات تنتهي إلى نقطة

١٧٧

واحدة ، وهي لا تقلّل من شأن توحيد الذات والصفات.

وهناك قسم من هذه الأسماء ذو أهمية وعظمة أكثر ، حيث تعطينا معرفة ووعيا أعظم، تسمى في القرآن الكريم وفي الرّوايات الإسلامية ، بالأسماء الحسنى ، وهناك رواية معروفة عن رسول الهدىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما مضمونها : «إن الله تسعا وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنّة».

وهناك شرح مفصل للأسماء الحسنى ، والأسماء التسعة والتسعين بالذات ، أوردناه في نهاية الحديث عن الآية (180) من سورة الأعراف ، في قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) .

لكن علينا أن نفهم أنّ الغرض من عد الأسماء الحسنى ليس ذكرها على اللسان وحسب ، حتى يصبح الإنسان من أهل الجنّة ومستجاب الدعوة ، بل إنّ الهدف هو التخلّق بهذه الأسماء وتطبيق شذرات من هذه الأسماء ، مثل (العالم ، والرحمن ، والرحيم ، والجواد،والكريم) في وجودنا حتى نصبح من أهل الجنّة ومستجابي الدعوة.

وهناك كلام ينقله الشيخ الصدوقرحمه‌الله في كتاب التوحيد عن هشام بن الحكم جاء فيه :

يقول هشام بن الحكم : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن أسماء الله عزّ ذكره واشتقاقها فقلت : الله ممّا هو مشتق؟

قالعليه‌السلام : «يا هشام ، الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد.

أفهمت يا هشام؟».

قال هشام : قلت : زدني.

قالعليه‌السلام : «للهعزوجل تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان

١٧٨

كلّ اسم منها هو إلها ، ولكن اللهعزوجل معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره.

يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق»(1) .

والآن لنعد إلى الآيات. ففي نهاية الآية التي نبحثها نرى المشركين يتحدّثون عن صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون : إنّه يؤذينا بصوته المرتفع في صلاته وعبادته ، فما هذه العبادة؟ فجاءت التعليمات لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر قوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

لذلك فإنّ الآية أعلاه لا علاقة لها بالصلوات الجهرية والإخفاتية في اصطلاح الفقهاء، بل إنّ المقصود منها يتعلق بالإفراط والتفريط في الجهر والإخفات ، فهي تقول : لا تقرأ بصوت مرتفع بحيث يشبه الصراخ ، ولا أقل من الحد الطبيعي بحيث تكون حركة شفاه وحسب ولا صوت فيها.

أسباب النّزول الواردة ـ حول الآية ـ التي يرويها الكثير من المفسّرين نقلا عن ابن عباس تؤيّد هذا المعنى.(2)

وهناك آيات عديدة من طرق أهل البيت نقلا عن الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام وتؤيد هذا المعنى وتشير إليه(3) .

لذا فإنا نستبعد التفاسير الأخرى الواردة حول الآية.

أمّا ما هو حد الاعتدال ، وما هو الجهر والإخفات المنهي عنهما؟ الظاهر أنّ الجهر هو بمعنى (الصراخ) ، و (الإخفات) هو من السكون بحيث لا يسمعه حتى فاعله.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال في تفسير الآية :

__________________

(1) توحيد الصدوق نقلا عن تفسير الميزان أثناء تفسير الآية.

(2) ـ يمكن مراجعة نور الثقلين ، ج 3 ، ص 233 فما بعد.

١٧٩

«الجهر بها رفع الصوت ، والتخافت بها ما لم تسع نفسك ، واقرأ بين ذلك»(1) .

أمّا الإخفات والجهر في الصلوات اليومية ، فهو ـ كما أشرنا لذلك ـ له حكم آخر، أو مفهوم آخر ، أي له أدلة منفصلة ، حيث ذكرها فقهاؤنا رضوان الله عليهم في (كتاب الصلاة) وبحثوا عنها.

* * *

ملاحظة

هذا الحكم الإسلامي في الدعوة إلى الاعتدال بين الجهر والإخفات يعطينا فهما وإدراكا من جهتين :

الأولى : لا تؤدوا العبادات بشكل تكون فيه ذريعة بيد الأعداء ، فيقومون بالاستهزاء والتحجج ضدكم ، إذ الأفضل أن تكون مقرونة بالوقار والهدوء والأدب ، كي تعكس بذلك نموذجا لعظمة الأدب الإسلامي ومنهج العبادة في الإسلام.

فالذين يقومون في أوقات استراحة الناس بإلقاء المحاضرات الدينية بواسطة مكبرات الصوت ، ويعتقدون أنّهم بذلك يوصلون صوتهم إلى الآخرين ، هم على خطأ ، وعملهم هذا لا يعكس أدب الإسلام في العبادات ، وستكون النتيجة عكسية على قضية التبليغ الديني.

الثّانية : يجب أن يكون هذ التوجيه مبدأ لنا في جميع أعمالنا وبرامجنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتكون جميع هذه الأمور بعيدة عن الإفراط والتفريط ، إذ الأساس هو :( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

أخيرا نصل إلى الآية الأخيرة من سورة الإسراء ، هذه الآية تنهي السورة المباركة بحمد الله ، كما افتتحت بتسبيحه وتنزيه ذاتهعزوجل . إنّ هذه الآية ـ في

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 234.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

(الثالث): الايمان: فلا تقبل شهادة غير المؤمن.

وتقبل شهادة الذمي في الوصية خاصة مع عدم المسلم.

وفي اعتبار الغربة تردد.

وتقبل شهادة المؤمن على أهل الملل، ولا تقبل شهادة أحدهم على المسلم ولا غيره.

وهل تقبل على أهل ملته؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة، والاشبه: المنع.

(الرابع): العدالة: ولا ريب في زوالها بالكبائر.

وكذا في الصغائر مصرا. واما الندرة من اللمم فلا. ولا يقدح اتخاذ الحمام للانس، وانفاذ الكتب. أما الرهان عليها فقادح لانه قمار.

واللعب بالشطرنج ترد به الشهادة.

وكذا الغناء وسماعه، والعمل بآلات اللهو وسماعها، والدف إلا في الاملاك والختان.

ولبس الحرير للرجل إلا في الحرب.

والتختم بالذهب، والتحلي به للرجال.

ولا تقبل شهادة القاذف. وتقبل لو تاب وحد توبته أن يكذب نفسه.

وفيه قول آخر متكلف. (الخامسة): ارتفاع التهمة: فلا تقبل شهادة الجار نفعا، كالشريك فيما هو شريك فيه. والوصي فيما له فيه ولاية.

ولا شهادة ذي العداوة الدنيوية، وهو الذي يسر بالمساء‌ة ويساء بالمسرة.

والنسب لا يمنع القبول. وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف، أظهره: المنع. وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته.

وشرط بعض الاصحاب انضمام غيره من اهل الشهادة. وكذا في الزوجة.

وربما صح فيها الاشتراط.

والصحبة لا تمنع القبول، كالضيف والاجير غلى الاشبه.

ولا تقبل شهادة السائل بكفه، لما يتصف به من مهانة النفس، فلا يؤمن خدعه.

وفي قبول شهادة المملوك روايتان، أشهرهما: القبول.

وفي شهادته على المولى قولان، أظهرهما: المنع.

ولو اعتق قبلت للمولى وعليه.

ولو اشهد عبديه بحمل انه ولده، فورثهما غير الحمل واعتقهما الوارث فشهدا

٢٨١

للحمل(١) قبلت شهادتهما ورجع الارث إلى الولد، ويكره له استرقاقهما.

ولو تحمل الشهادة الصبى او الكافر او العبد أو الخصم او الفاسق ثم زال المانع وشهدوا قبلت شهادتهم.

(السادس): طهارة المولد: فلا تقبل شهادة ولد الزنا، وقيل: تقبل في الشئ الدون، وبه رواية نادرة.

ويلحق بهذا الباب مسائل: (الاولى): التبرع بالاداء قبل الاستنطاق يمنع القبول لتطرق التهمة.

وهل يمنع في حقوق الله فيه تردد.

(الثانية): الاصم.

تقبل شهادته فيما لا يفتقر إلى السماع.

وفي رواية: يؤخذ بأول قوله.

وكذا تقبل شهادة الاعمى فيما لا يفتقر إلى الرؤية.

(الثالثة): لا تقبل شهادة النساء في الهلال، والطلاق.

وفي قبولها في الرضاع تردد، أشبهه: القبول.

ولا تقبل في الحدود.

وتقبل مع الرجال في الرجم على تفصيل يأتي.

وفي الجراح والقتل بأن يشهد رجل وامرأتان، ويجب بشهادتهن.

الدية لا القود.

وفي الديون مع الرجال.

ولو انفردن كامرأتين مع اليمين فالاشبه: عدم القبول.

وتقبلن منفردات في العذرة وعيوب النساء الباطنة.

وتقبل شهادة القابلة في ربع ميراث المستهل، وامرأة واحدة في ربع الوصية.

وكذا كل امرأة يثبت شهادتها في الربع حتى تكملن أربعا فتقبل شهادتهن في الوصية أجمع.

ولا ترد شهادة أرباب الصنائع المكروهة، كالصياغة.

ولا الصنائع الدنيئة.

كالحياكة والحجامة، ولو بلغت الدناء‌ة كالزبال والوقاد، ولا ذوي العاهات كالاجذم والابرص.

____________________ ___

(١) أي: شهدا انه ولد الموروث (*)

٢٨٢

(الثاني): فيما يصير به شاهدا، وضابطه: العلم، ومستنده: المشاهدة أو السماع.

فالمشاهدة للافعال: كالغصب، والقتل، والسرقة، والرضاع، والولادة والزنا، واللواط.

أما السماع، فيثبت به النسب، والملك، والوقف، والزوجية.

ويصير الشاهد متحملا بالمشاهدة لما يكفي فيه المشاهدة، والسماع لما يكفي فيه السماع وان لم (يستدعه) المشهود عليه.

وكذا لو قيل له: لا تشهد فسمع من القائل ما يوجب حكما.

وكذا لو خبئ فنطق المشهود عليه.

واذا دعي الشاهد للاقامة وجب إلا مع ضرر غير مستحق(١) .

ولا يحل الامتناع مع التمكن.

ولو دعي للتحمل فقولان، المروي: الوجوب.

ووجوبه على الكفاية.

ويتعين مع عدم من يقوم بالتحمل.

ولا يشهد إلا مع المعرفة أو شهادة عدلين بالمعرفة.

ويجوز أن تسفر المرأة ليعرفها الشاهد.

ويشهد على الاخرس بالاشارة.

ولا يقيمها بالاقرار(١) .

مسائل: (الاولى): قيل يكفي في الشهادة بالملك مشاهدته يتصرف فيه، وبه رواية، والاولى الشهادة بالتصرف لانه دلالة الملك وليس بملك.

(الثانية): يجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد اذا عرفه المتبايعان.

(الثالثة): لايجوز اقامة الشهادة إلا مع الذكر، ولو رأى خطه.

وفي رواية:

____________________ ___

(١) في الشرح: إلا مع خوف ترتب ضرر بسبب الشهادة غير مستحق على الشاهد أو المشهود عليه أو بعض المؤمنين.

(٢) أي: يشهد بالاشارة التي رآها منه لا بالاقرار الذي فهمه منها لاحتمال خطته في الفهم.

(*)

٢٨٣

إن شهد معه آخر جاز اقامتها، وفي الرواية تردد.

(الرابعة): من حضر حسابا، وسمع شهادة ولم يستشهد كان بالخيار في الاقامة ما لم يحس بطلان الحق ان امتنع.

وفي الرواية تردد.

ويكره أن يشهد لمخالف اذا خشي أنه لو استدعاه إلى الحاكم يرد شهادته.

(الثالث): في الشهادة على الشهادة: وهي مقبولة في الديون، والاموال، والحقوق، ولا تقبل في الحدود.

ولا يجزئ إلا اثنان على شاهد الاصل.

وتقبل الشهادة على شهادة النساء في الموضع الذي تقبل فيه شهادتهن على تردد(١) .

وأجلى الالفاظ أن يقول: أشهد على شهادتي أنني أشهد على كذا.

ولا تقبل شهادة الفرع إلا مع تعذر حضور شاهد الاصل لمرض أو غيبة أو موت.

ولو شهد الفرع فأنكر شاهد الاصل، فالمروي: العمل بأعدلهما، فان تساويا اطرح الفرع، وفيه اشكال، لان قبول شهادة الفرع مشروط بعدم شاهد الاصل.

ولا تقبل شهادة على شهادة على شهادة في شئ.

(الرابع): في اللواحق، وفيه مسائل: (الاولى): اذا رجع الشاهدان قبل القضاء لم يحكم.

ولو رجعا بعد القضاء لم ينقض الحكم وضمن الشهود.

وفي (النهاية): إن كانت العين قائمة ارتجعت ولم يغرما.

وإن كانت تالفة ضمن الشهود.

(الثانية): اذا ثبت انهما شاهدا زور نقض الحكم واستعيدت العين مع بقائها

____________________ ___

(١) هكذا في النسخة المخطوطة، وفى الشرح الكبير مانصه: ويقبل على الشهادة: شهادة النساء في الموضوع الذي يقبل فيه شهادتهن.

(*)

٢٨٤

ومع تلفها، أو تعذرها، يضمن الشهود.

(الثالثة): لو كان المشهود به قتلا، أو رجما، أو قطعا، فاستوفي، ثم رجع الشهود، فان قالوا: تعمدنا اقتص منهم او من بعضهم، ويرد البعض ما وجب عليهم، ويتم الولي إن بقي عليه شئ.

ولو قالوا: أخطأنا لزمتهم الدية، ولو قال بعضهم: أخطأنا لزمه نصيبه من الدية، ولم يمض اقراره على غيره.

ولو قال: تعمدت رد عليه الولي ما يفضل، ويقتص منه إن شاء.

وفي (النهاية): يرد الباقون من شهود الزنا ثلاثة أرباع الدية ويقتل، والرواية صحيحة السند، غير أن فيها تسلطا على الاموال المعصومة بقول واحد.

(الرابعه): لو شهدا بطلاق امرأة فزوجت، ثم رجعا ضمنا المهر وردت إلى الاول بعد الاعتداد من الثاني.

وتحمل هذه الرواية على أنها نكحت بسماع الشهادة لا مع حكم الحاكم، ولو حكم لم يقبل الرجوع.

(الخامسة): لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطع ثم قالا: أو همنا، والسارق غيره.

أغرما دية يد الاول، ولم يقبلا في الاخير لما يتضمن من عدم الضبط.

(السادسة): تجب شهرة شاهد الزور، وتعزيره بما يراه الامام حسما للجرأة.

٢٨٥

كتاب القصاص

وهو: إما في النفس وإما في الطرف.

والقود موجبه: ازهاق البالغ العاقل النفس المعصومة المكافئة عمدا.

ويتحقق العمد بالقصد إلى القتل بما يقتل ولو نادرا، أو القتل بما يقتل غالبا وإن لم يقصد القتل.

ولو قتل بما لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل فاتفق، فالاشهر: أنه خطأ كالضرب بالحصاة والعود الخفيف.

أما الرمي بالحجر الغامز(١) أو بالسهم المحدد فانه يوجب القود لو قتل.

وكذا لو القاه في النار أو ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله فمات.

وكذا لو ألقاه إلى الحوت فابتلعه أو إلى الاسد فافترسه لانه كالآلة عادة.

ولو أمسك واحد وقتل الآخر ونظر الثالث، فالقود على القاتل، ويحبس الممسك أبدا، وتفقأ عين الناظر.

٢٨٦

ولو أكره على القتل فالقصاص على القاتل، لا المكره.

وكذا لو أمره بالقتل، فالقصاص على المباشر ويحبس الآمر أبدا.

ولو كان المأمور عبده، فقولان، أشبههما أنه كغيره.

والمروي: يقتل به السيد.

قال في الخلاف: ان كان العبد صغيرا أو مجنونا سقط القود ووجبت الدية على المولى.

ولو جرح جان فسرت الجناية دخل قصاص الطرف في النفس، أما لو جرحه وقتله، فقولان: أحدهما لا يدخل قصاص الطرف في النفس، والآخر: يدخل.

وفي (النهاية).

ان فرقه لم يدخل، ومستندها رواية محمد بن قيس.

وتدخل دية الطرف في دية النفس اجماعا.

مسائل من الاشتراك: (الاولى): لو اشترك جماعة في قتل حر مسلم فللولي قتل الجميع، ويرد على كل واحد ما فضل من ديته عن جنايته.

وله قتل البعض ويرد الآخرون قدر جنايتهم فان فضل للمقتولين فضل قام به الولي وان فضل منهم كان له.

(الثانية): يقتص من الجماعة في الاطراف كما يقتص في النفس.

فلو قطع يده جماعة كان له التخيير في قطع الجميع ويرد فاضل الدية.

وله قطع البعض ويرد عليهم الآخرون.

(الثالثة): لو استركت في قتله امرأتان قتلتا ولا رد اذ لا فاضل لهما.

ولو كان أكثر رد الفاضل ان قتلهن.

وان قتل بعضا رد البعض الآخر.

ولو اشترك رجل وامرأة فللولي قتلهما ويختص الرجل بالرد.

والمفيد: جعل الرد اثلاثا.

ولو قتل الرجل ردت عليه نصف ديته.

ولو قتل المرأة فلا رد له وله مطالبة الرجل بنصف الدية.

(الرابعة): لو اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا، قال في (النهاية) له قتلهما

٢٨٧

ويرد على سيد العبد نصف قيمته.

وله قتل الحر ويرد عليه سيد العبد خمسة آلاف درهم أو يسلم العبد اليهم أو يقتلوا العبد وليس لمولاه على الحر سبيل.

والحق أن نصف الجناية على الحر، ونصفها على العبد، فلو قتلهما الولي رد على الحر نصف ديته وعلى مولى العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية ولو قتل الحر رد مولى العبد عليه نصف الدية أو دفع العبد ما لم تزد قيمته عن النصف فتكون الزيادة للمولى.

ولو قتل العبد رد على المولى ما فضل عن نصف الدية ان كان في العبد فضل.

ولو قتلت امرأة وعبد فعلى كل واحد منهما نصف الدية.

فلو قتل العبد وكانت قيمته بقدر جنايته فلا رد فان زادت ردت على مولاه الزيادة.

القول في الشرائط المعتبرة في القصاص: وهي خمسة: (الاول): الحرية.

فيقتل الحر بالحر ولا رد، وبالحرة مع الرد، والحرة بالحرة وبالحر.

وهل يؤخذ منهما الفضل؟ الاصح: لا، وتتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصا ودية حتى يبلغ ثلث دية الحر فتنصف ديتها ويقتص لها مع رد التفاوت، وله منها ولا رد.

ويقتل العبد بالعبد، والامة بالامة وبالعبد.

ولا يقتل الحر بالعبد بل يلزمه قيمته لمولاه يوم القتل ولا يتجاوز دية الحر.

ولو اختلفا في القيمة فالقول قول الجاني مع يمينه.

ويعزر القاتل، ويلزمه الكفارة.

ولو كان العبد ملكه عزر وكفر.

وفي الصدقة بقيمته رواية فيها ضعف.

وفي رواية: ان اعتاد ذلك قتل به.

ودية المملوكة قيمتها ما لم تتجاوز به الحرة.

وكذا لا يتجاوز بدية عبد الذمي دية الحر منهم.

ولا بدية الامة دية الذمية.

ولو قتل العبد حرا لم يضمن مولاه وولي الدم بالخيار بين قتله واسترقاقه، وليس للمولى فكه مع كراهية الولي.

٢٨٨

ولو جرح حرا فللمجروح القصاص، وان شاء استرقه ان استوعبته الجناية وان قصرت استرق منه بنسبة الجناية أو يباع فيأخذ من ثمنه حقه.

ولو افتداه المولى فداه بأرش الجناية.

ويقاد العبد لمولاه إن شاء الولي.

ولو قتل عبدا مثله عمدا فان كانا لواحد فالمولى بالخيار بين الاقتصاص والعفو.

وإن كانا لاثنين فللمولى قتله إلا أن يتراضى الوليان بدية أو أرش.

ولو كانت الجناية خطأ كان لمولى القاتل فكه بقيمته.

وله دفعه، وله منه ما فضل من قيمته عن قيمة المقتول، ولا يضمن ما يعوز(١) .

والمدبر كالقن ولو استرقه ولي الدم ففي خروجه عن التدبير قولان، وبتقدير ألا يخرج هل يسعى في فك رقبته؟ المروي: أنه يسعى.

والمكاتب ان لم يؤد وكان مشروطا فهو كالرق المحض.

وان كان مطلقا وقد أدى شيئا فان قتل حرا مكافئا(٢) عمدا قتل.

وان قتل مملوكا فلا قود.

وتعلقت الجناية بما فيه من الرقية مبعضة، ويسعى في نصيب الحرية ويسترق الباقي منه أو يباع في نصيب الرق.

ولو قتل خطأ فعلى الامام بقدر ما فيه من الحرية.

وللمولى الخيار بين فك ما فيه من الرقية بالارش، أو تسليم حصة الرق ليقاص بالجناية وفي رواية علي بن جعفرعليه‌السلام : اذا أدى نصف ما عليه فهو بمنزلة الحر.

مسائل: (الاولى): لو قتل حر حرين فليس للاولياء إلا قتله.

ولو قتل العبد حرين

____________________ ___

(١) أي: ما ينقص من قيمة الجانى.

(٢) أي: مكافئا له في الحرية.

وفى الشرح الكبير: المكاتب ان كان مطلقا وقد أدى شيئأ تحرر منه بقدر ما أدى فان قتل حرا مكافئا له ولو كان عبدا من حرة.

مالم تنقص حريته عن حريته والا فلا يقتص له منه ما لم تتساوى حريتهما أو ترد حرية المقتول على حرية القاتل

٢٨٩

على التعاقب ففي رواية هو لاولياء الاخير، وفي اخرى: يشتركان فيه ما لم يحكم به لولي الاول.

(الثانية): لو قطع يمنى رجلين قطعت يمينه للاول ويسراه للثاني.

قال الشيخ في (النهاية): ولو قطع يدا وليس له يدان قطعت رجله باليد.

وكذا لو قطع أيدي جماعة قطعت يداه بالاول فالاول والرجل بالاخير فالاخير، ولمن يبقى بعد ذلك الدية.

ولعله استنادا إلى رواية حبيب السجستاني عن أبي عبدالله(١) عليه‌السلام .

(الثالثة): اذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه ففي العتق تردد، أشبهه: أنه لا ينعتق، لان للولي التخيير للاسترقاق.

ولو كان خطأ ففي رواية عمرو بن شجر عن جابر عن أبي عبداللهعليه‌السلام : يصح، ويضمن المولى الدية.

وفي عمرو ضعف، والاشبه: اشتراط الصحة بتقدم الضمان.

الشرط الثاني - الدين: فلا يقتل المسلم بكافر، ذميا كان أو غيره، ولكن يعزر ويغرم دية الذمي.

ولو اعتاد ذلك جاز الاقتصاص مع رد فاضل دية المسلم.

ويقتل الذمي بالذمي وبالذمية بعد رد فاضل ديته.

والذمية بمثلها وبالذمي ولا رد.

ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول، ولهم الخيرة بين قتله واسترقاقه.

وهل يسترق ولده الصغار؟ الاشبه: لا، ولو أسلم بعد القتل كان كالمسلم.

ولو قتل خطأ لزمت الدية في ماله.

ولو لم يكن له مال كان الامام عاقلته دون قومه.

الشرط الثالث -: ألا يكون القاتل أبا.

فلو قتل ولده لم يقتل به.

وعليه

____________________ ___

(١) هكذا في النسخة الخطية. وفى المسالك والشرح الكبير عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام .

(*)

٢٩٠

الدية والكفارة والتعزير.

ويقتل الولد بأبيه. وكذا الام تقتل بالولد. وكذا الاقارب. وفي قتل الجد بولد الولد تردد.

الشرط الرابع -: كمال العقل.

فلا يقاد المجنون ولا الصبي، وجنايتهما عمدا وخطأ على العاقلة.

وفي رواية يقتص من الصبي اذا بلغ عشرا.

وفي اخرى: اذا بلغ خمسة أشبار، وتقام عليه الحدود.

والاشهر: ان عمده خطأ حتى يبلغ التكليف.

أما لو قتل العاقل ثم جن لم يسقط القود.

ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الاشبه.

ولا يقتل العاقل بالمجنون.

وتثبت الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها.

وعلى العاقلة إن كان خطأ. ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا.

وفي رواية: ديته من بيت المال.

ولا قود على النائم وعليه الدية.

وفي الاعمى تردد، أشبهه: أنه كالمبصر في توجه القصاص.

وفي رواية الحلبي عن أبي عبداللهعليه‌السلام : أن جنايته خطأ يلزم العاقلة فان لم يكن له عاقلة فالدية في ماله تؤخذ في ثلاث سنين.

وهذه فيها مع الشذوذ تخصيص لعموم الآية.

الشرط الخامس -: ان يكون المقتول محقون الدم. القول في ما يثبت به.

وهو: الافرار، أو البينة، أو القسامة.

أما الاقرار: فيكفي المرة.

وبعض الاصحاب يشترط التكرار مرتين.

ويعتبر في المقر: البلوغ، والعقل، والاختيار، والحرية.

ولو أقر واحد بالقتل عمدا والآخر خطأ تخير الولي تصديق أحدهما.

ولو أمر واحد بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الاول درئ عنهما القصاص والدية، وودي من بيت المال، وهو قضاء الحسن بن علي (ع).

٢٩١

أما البينة: فهى: شاهدان عدلان.

ولا تثبت بشاهد ويمين.

ولا بشاهد وامرأتين.

ويثبت بذلك ما يوجب الدية: كالخطأ، ودية الهاشمة، والمنقلة، والجائفة، وكسر العظام.

ولو شهد اثنان أن القاتل زيد.

وآخران أن القاتل عمرو.

قال الشيخ في (النهاية) يسقط القصاص ووجبت الدية نصفين.

ولو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما.

ولعله احتياط في عصمة الدم لما عرض من تصادم البينتين.

ولو شهد بأنه قتله عمدا، فأقر آخر أنه هو القاتل دون المشهود عليه.

ففي رواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام : للولي قتل المقر، ثم لا سبيل على المشهود عليه.

وله قتل المشهود عليه ويرد المقر على أولياء المشهود عليه نصف الدية.

وله قتلهما ويرد على أولياء المشهود عليه خاصة نصف الدية.

وفي قتلهما اشكال، لانتفاء العلم بالشركة.

وكذا في الزامهما بالدية نصفين لكن الرواية من المشاهير.

مسائل: (الاولى): قيل: يحبس المتهم بالدم ستة أيام، فان ثبتت الدعوى وإلا خلى سبيله، وفي المستند ضعف، وفيه تعجيل لعقوبه لم يثبت سببها.

(الثانية): لو قتل وادعى أنه وجد المقتول مع امرأته قتل به إلا أن يقيم البينة بدعواه.

(الثالثة): خطأ الحاكم في القتل والجرح على بيت المال.

ومن قال: حذار، لم يضمن.

وان اعتدي عليه فاعتدى بمثله لم يضمن وإن تلفت(١) .

وأما القسامة: فلا تثبت إلا مع اللوث.

وهو امارة يغلب معها الظن بصدق المدعي كما لو وجد في دار قوم، أو محلتهم، أو قريتهم، أو بين قريتهم، أو بين

____________________ ___

(١) أي: وان ادى الجزاء بالمال إلى تلف النفس (*)

٢٩٢

قريتين وهو إلى احداهما أقرب. فهو لوث.

ولو تساوت مسافتهما كانتا سواء في اللوث.

أما من جهل قاتله، كقتيل الزحام، والفزعات، ومن وجد في فلاة، أو في معسكر، أو سوق، أو جمعة فديته في بيت المال.

ومع اللوث يكون للاولياء اثبات الدعوى بالقسامة.

وهي في العمد: خمسون يمينا، وفي الخطأ: خمسة وعشرون على الاظهر.

ولو لم يكن للمدعي قسامة كررت عليه الايمان.

ولو لم يحلف وكان للمنكر من قومه قسامة حلف كل منهم حتى يكملوا.

وان لم يكن له قسامة كررت عليه الايمان حتى يأتي بالعدد.

ولو نكل ألزم الدعوى عمدا أو خطأ.

ويثبت الحكم في الاعضاء بالقسامة مع التهمة، فما كانت ديته دية النفس كالانف واللسان، فالاشهر: ان القسامة ستة رجال يقسم كل منهم يمينا ومع عدمهم يحلف الولي ستة أيمان.

ولو لم يكن قسامة أو امتنع أحلف المنكر مع قومه ستة.

ولو لم يكن له قوم أحلف هو الستة.

وما كانت ديته دون دية النفس فبحسابه من ستة.

القول في كيفية الاستيفاء: قتل العمد يوجب القصاص.

ولا تثبت الدية فيه إلا صلحا.

ولا تخير للولي ولا يقضى بالقصاص ما لم يتيقن التلف بالجناية.

وللولي الواحد المبادرة بالقصاص.

وقيل يتوقف على اذن الحاكم.

ولو كانوا جماعة توقف على الاجتماع.

قال الشيخ: ولو (بادر) أحدهم جاز، وضمن الدية عن حصص الباقين.

ولا قصاص إلا بالسيف أو ما جرى مجراه.

ويقتصر على ضرب العنق غير ممهل

٢٩٣

ولو كانت الجناية بالتحريق أو التغريق أو الرضخ بالحجارة.

ولا يضمن سراية القصاص ما لم يتعد المقتص.

وهنا مسائل: (الاولى): لو اختار بعض الاولياء الدية فدفعها القاتل لم يسقط القود على الاشبه، وللآخرين القصاص بعد أن يردوا على المقتص منه نصيب من فاداه.

ولو عفا البعض لم يقتص الباقون حتى يردوا عليه نصيب من عفا.

(الثانية): لو فر القاتل حتى مات، فالمروي: وجوب الدية في ماله.

ولو لم يكن له مال اخذت من الاقرب فالاقرب.

وقيل: لا دية.

(الثالثة): لو قتل واحد رجلين أو رجالا قتل بهم، ولا سبيل إلى ماله.

ولو تراضوا بالدية فلكل واحد دية.

(الرابعة) اذا ضرب الولي الجاني وتر كه ظنا أنه مات فبرأ، ففي رواية يقتص من الولي ثم يقتله الولي أو يتتاركان، والراوي أبان بن عثمان، وفيه ضعف مع ارسال الرواية.

والوجه: اعتبار الضرب، فان كان بما يسوغ به الاقتصاص لم يقتص من الولي.

ولو قطع صحيح مقطوع اليد، فأراد الولي قتله رد دية اليد إن كانت قطعت في قصاص او اخذ ديتها، وان شاء طرح دية اليد وأخذ الباقي.

وان ذهبت من غير جناية جناها ولا اخذلها دية كاملة قتل قاتله ولا رد، وهي رواية سورة بن كليب عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

القسم الثاني -: في قصاص الطرف: ويشترط فيه التساوي كما في قصاص النفس.

فلا يقتص في الطرف لمن لا يقتص له في النفس.

ويقتص للرجال من المرأة، ولا رد.

وللمرأة من الرجل مع الرد فيما زاد على الثلث.

ويعتبر التساوي في السلامة، فلا يقطع العضو الصحيح بالاشل.

ويقطع الاشل

٢٩٤

بالصحيح ما لم يعرف أنه لا ينحسم ويقتص للمسلم من الذمي ويأخذ منه ما بين الديتين.

ولا يقتص للذمي من المسلم ولا للعبد من الحر.

ويعتبر التساوي في الشجاج مساحة طولا وعرضا لا نزولا بل يراعى حصول اسم الشجة.

ويثبت القصاص فيما لا تعزير فيه كالحارضة(١) والموضحة.

ويسقط فيما فيه التعزير، كالهاشمة، والمنقلة والمأمومة، والجائفة وكسر الاعضاء.

وفي جواز الاقتصاص قبل الاندمال تردد، أشبهه: الجواز.

ويجتنب القصاص في الحر الشديد والبرد الشديد، ويتوخى اعتدال النهار.

ولو قطع شحمة اذن فاقتص منه فألصقها المجني عليه كان للجاني ازالتها ليتساويا في السنين ويقطع الانف الشام بعادم الشمم.

والاذن الصحيحة بالصماء.

ولا يقطع ذكر الصحيح بالعنين، ويقطع عين الاعور الصحيحة بعين ذي العينين وان عمي.

وكذا يقتص له منه بعين واحدة.

وفي رد نصف الدية قولان، أشبههما: الرد.

وسنى الصبي ينتظر به فان عادت ففيها الارش وإلا كان فيها القصاص.

ولو جنى بما أذهب النظر مع سلامة الحدقة اقتص منه بأن يوضع على أجفانها القطن المبلول ويفتح العين ويقابل بمرآة محماة مقابلة للشمس حتى يذهب النظر.

ولو قطع كفا مقطوعة الاصابع، ففي رواية: يقطع كف القاطع ويرد عليه دية الاصابع.

ولا يقتص ممن لجأ إلى الحرم.

ويضيق عليه في المأكل والمشرب حتى يخرج فيقتص منه ويقتص ممن جنى في الحرم فيه.

____________________ ___

(١) الحارصة: الشجة هى التي تشق الجلد قليلا.

(*)

٢٩٥

كتاب الديات

والنظر في أمور أربعة: (الاول): أقسام القتل، ومقادير الديات.

وأقسامه ثلاثة: عمد محض، وخطأ محض، وشبيه بالعمد.

فالعمد أن يقصد إلى الفعل والقتل، وقد سلف مقاله.

والشبيه بالعمد: أن يقصد إلى الفعل دون القتل، مثل أن يضرب للتأديب، أو يعالج للاصلاح فيموت.

والخطأ المحض: أن يخطئ فيهما، مثل أن يرمي للصيد فيخطئه السهم إلى انسان فيقتله.

فدية العمد: مئة من مسان الابل، أو مئتا بقرة، أو مئتا حلة، كل حلة ثوبان من برود اليمن، او الف دينار، او الف شاة، او عشرة آلاف درهم، وتستأدى في سنة واحدة من مال الجاني، ولا تثبت إلا بالتراضي.

وفي دية شبيه العمد روايتان اشهرهما: ثلاث وثلاثون بنت لبون، ثلاث وثلاثون حقة، أربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل.

ويضمن هذه الجاني لا العاقلة وقال المفيد: تستأدى في سنتين.

وفي دية الخطأ أيضا روايتان، أشهرهما: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون، وثلاثون بنت لبون. وثلاثون حقة.

وتستأدى في ثلاث سنين، ويضمنها العاقلة لا الجاني.

ولو قتل في الشهر الحرام ألزم دية وثلثا تغليظا.

وهل يلزم مثل ذلك في الحرم؟ قال الشيخان: نعم، ولا أعرف الوجه.

٢٩٦

ودية المرأة على النصف من الجميع: ولا تختلف دية الخطأ والعمد في شئ من المقادير عدا النعم.

وفي دية الذمي روايات، والمشهور: ثمانمائة درهم.

وديات نسائهم على النصف من ذلك.

ولا دية لغيرهم من أهل الكفر.

وفي ولد الزنا قولان، أشبههما: أن ديته كدية المسلم الحر وفي رواية: كدية الذمي، وهي ضعيفة.

ودية العبد قيمته، ولو تجاوزت دية الحر ردت اليها.

وتؤخذ من مال الجاني ان قتله عمدا أو شبيها بالعمد.

ومن عاقلته إن قتله خطأ.

ودية أعضائه بنسبة قيمته: فما فيه من الحر ديته فمن العبد قيمته، كاللسان والذكر.

وما فيه دون ذلك فبحسابه.

والعبد أهل للحر فيما لا تقدير فيه.

ولو جنى جان على العبد بما فيه قيمته، فليس للمولى المطالبة حتى يدفع العبد برمته.

ولو كانت الجناية بما دون ذلك أخذ أرش الجناية وليس له دفعه والمطالبة بالقيمة.

ولا يضمن المولى جناية العبد، لكن يتعلق برقبته، وللمولى فكه بأرش الجناية، ولا تخير لمولى المجني على.

ولو كانت جنايته لا تستوعب قيمته تخير المولى في دفع الارش أو تسليمه ليستوفي المجني على قدر الجفاية استرقاقا أو بيعا.

ويستوي في ذلك الرق المحض والمدبر، ذكرا كان أو انثى أو ام ولد على التردد النظر الثاني -: في موجبات الضمان: والبحث اما في المباشرة، أو التسبب، أو تزاحم الموجبات.

اما المباشرة: فضابطها الاتلاف لا مع القصد: فالطبيب يضمن في ماله من يتلف

٢٩٧

بعلاجه.

ولو أبرأه المريض أو الولي، فالوجه: الصحة، لا مساس الضرورة إلى العلاج: ويؤيده رواية السكوني عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

وقيل: لا يصح، لانه ابراء مما لم يجب. وكذا البحث في البيطار.

والنائم اذا انقلب على انسان، أو فحص برجله فقتل ضمن في ماله على تردد.

أما الظئر: فان طلبت بالمظائرة العجز ضمنت الطفل في مالها اذا انقلبت عليه فمات.

وان كان للفقر فالدية على العاقلة. ولو أعنف بزوجته جماعا أو ضما فماتت ضمن الدية.

وكذا الزوجة.

وفي (النهاية) إن كانا مأمونين فلا ضمان. وفي الرواية ضعف.

ولو حمل على رأسه متاعا فكسره أو أصاب انسانا ضمن ذلك في ماله.

وفي رواية السكوني: ان علياعليه‌السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام.

وهي مناسبة للمذهب.

ولو وقع على انسان من علو فقتل(١) فان قصد وكان يقتل غالبا قيد به، وإن لم يقصد فهو شبيه عمد يضمن الدية.

وإن دفعه الهواء أو زلق، فلا ضمان. ولو دفعه دافع فالضمان على الدافع.

وفي (النهاية): دية المقتول على المدفوع ويرجع بها على الدافع.

ولو ركبت جارية اخرى فنخستها ثالثة فقمصت فصرعت الراكبة فماتت قال في (النهاية) الدية من الناخسة والقامصة نصفان. وفي (المقنعة): عليهما ثلثا الدية. ويسقط الثلث لركوبها عبثا.

والاول رواية أبي جميلة، وفيه ضعف. وما ذكره المفيد حس.

وخرج متأخر(٢) وجها ثالثا، فأوجب الدية على الناخسة ان كانت ملجئة وعلى القامصة ان لم تكن ملجئة.

واذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم فمات، ضمن الآخران

____________________ ___

(١) أي: وقع انسان على غيره فقتله.

(٢) هو محمد بن ادريس الحلي. اه‍ من الشرح الكبير.

(*)وقع سهوا في الرقم بدل ان يجعل ٣١٧ وينتهى في ٣٢٤ جعل رقم ٣٢١ إلى رقم ٢٨

٢٩٨

ديته.

وفي الرواية ضعف، والاشبه: ان يضمن كل واحد ثلثا.

ويسقط ثلث لمساعدة التالف.

ومن اللواحق مسائل: (الاولى): من دعا غيره فأخرجه من منزله ليلا ضمنه حتى يرجع اليه ولو وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وعدم البينة.

ففي القود تردد، أشبهه: أنه لا قود، وعليه الدية.

ولو وجد ميتا ففي لزوم الدية فقولان، اشبههما: اللزوم.

(الثانية): اذا عادت الظئر بالطفل فأنكره أهله.

صدقت ما لم يثبت كذبها فيلزمها الدية أو احضاره، أو من يحتمل أنه هو.

(الثالثة): لو دخل لص فجمع متاعا ووطئ صاحبة المنزل قهرا فثار ولدها فقتله اللص ثم قتلته المرأة ذهب دمه هدرا، ويضمن مواليه دية الغلام.

وكان لها اربعة آلاف درهم لمكابرته على فرجها.

وهي رواية عبدالله بن طلحة عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

وعنه في امرأة ادخلت الحجلة صديقا لها ليلة بنائها، فاقتتل هو وزوجها فقتله الزوج فقتلت المرأة الزوج ضمنت دية الصديق وقتلت بالزوج، والوجه ان دم الصديق هدر.

(الرابعة): لو شرب أربعة فسكروا فوجد جريحان وقتيلان، ففي رواية محمد بن قيس: أن علياعليه‌السلام قضى بدية المقتولين على المجروحين بعد أن أسقط جراحة المجروحين من الدية.

وفي رواية السكوني عن أبي عبداللهعليه‌السلام : أنه جعل دية المقتولين على قبائل الاربعة وأخذ دية المجروحين من دية المقتولين: والوجه أنها قضية في واقعة، وهو أعلم بما أوجب ذلك الحكم.

ولو كان في الفرات ستة غلمان فغرق واحد فشهد اثنان منهم على الثلاثة أنهم غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين، ففي رواية السكوني ومحمد بن قيس جميعا عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، وعن أبي جعفرعليه‌السلام أن علياعليه‌السلام قضى بالدية أخماسا بنسبة

٢٩٩

الشهادة.

وهي متروكة، فان صح النقل، فهي واقعة في عين فلا يعتدى لاحتمال ما يوجب الاختصاص.

البحث الثاني في التسبيب: وضابطه: ما لولاه لما حصل التلف، لكن علته غير السبب كحفر البئر، ونصب السكين، وطرح المعاثر والمزالق في الطريق، والقاء الحجر، فان كان ذلك في ملكه لم يضمن.

ولو كان في غير ملكه أو كان في طريق مسلوك ضمن.

ومنه نصب الميازيب، وهو جائز اجماعا.

وفي ضمان ما يتلف به قولان، احدهما: لا يضمن، وهو الاشبه.

وقال الشيخ: يضمن، وهو رواية السكوني.

ولو هجمت دابة على اخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها، ولم يضمن صاحب المدخول عليها.

والوجه اعتبار التفريط في الاول.

ولو دخل دارا فعقره كلبها ضمن أهلها إن دخل باذنهم وإلا فلا ضمان.

ويضمن راكب الدابة ما تجنيه بيديها.

وكذا القائد. ولو وقف بها ضمن جنايتها ولو برجليها. وكذا لو ضربها فجنت.

ولو ضربها غيره ضمن الضارب. وكذا السائق يضمن جنايتها. ولو ركبها اثنان تساويا في الضمان. ولو كان معها صاحبها ضمن دون الراكب.

ولو القت الراكب لم يضمن المالك إلا أن يكون بتنفيره.

ولو أركب المملوك دابته ضمن المولى.

ومن الاصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك.

البحث الثالث في تزاحم الموجبات: اذا اتفق المباشر والسبب ضمن المباشر كالدافع مع الحافر، والممسك مع الذابح ولو جهل المباشر السبب ضمن السبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه فدفع غيره ثالثا فالضمان على الحافر على تردد.

ومن الباب واقعة الزبية: وصورتها وقع واحد تعلق بآخر والثاني بالثالث

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313