الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية الجزء ٧

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية15%

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 373

  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25628 / تحميل: 6959
الحجم الحجم الحجم
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

نفي الآلهة غير الله لا نفي الآلهة و إثبات الإله تعالى(1) و هو ظاهر فلا حاجة إلى ما تكلّف به بعضهم أنّ الضمير لكلمة التوحيد المعلوم ممّا تكلّم به إبراهيمعليه‌السلام .

و المراد بعقبه ذرّيّته و ولده، و قوله:( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) أي يرجعون من عبادة آلهة غير الله إلى عبادته تعالى أي يرجع بعضهم - و هم العابدون لغير الله بدعوة بعضهم و هم العابدون لله - إلى عبادته تعالى، و بهذا يظهر أنّ المراد ببقاء الكلمة في عقبه عدم خلوّهم عن الموحّد ما داموا، و لعلّ هذا عن استجابة دعائهعليه‌السلام إذ يقول:( وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) إبراهيم: 35.

و قيل: الضمير في( جعل) لإبراهيمعليه‌السلام فهو الجاعل هذه الكلمة باقية في عقبه رجاء أن يرجعوا إليها، و المراد بجعلها باقية فيهم وصيّته لهم بذلك كما قال تعالى:( وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى‏ لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) البقرة: 132.

و أنت خبير بأنّ الوصيّة بكلمة التوحيد لا تسمّى جعلاً للكلمة باقية في العقب و إن صحّ أن يقال: أراد بها ذلك لكنّه غير جعلها باقية فيهم.

و قيل: المراد أنّ الله جعل الإمامة كلمة باقية في عقبه و سيجي‏ء الكلام فيه في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله.

و يظهر من الآية أنّ ذرّيّة إبراهيمعليه‌السلام لا تخلو من هذه الكلمة إلى يوم القيامة.

قوله تعالى: ( بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَ رَسُولٌ مُبِينٌ ) إضراب عمّا يفهم من الآية السابقة، و المعنى: أنّ رجوعهم عن الشرك إلى التوحيد كان هو الغاية المرجوّة منهم لكنّهم لم يرجعوا بل متّعت هؤلاء من قومك و آباءهم فتمتّعوا بنعمي( حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَ رَسُولٌ مُبِينٌ ) .

و لعلّ الالتفات إلى التكلّم وحده في قوله:( بَلْ مَتَّعْتُ ) للإشارة إلى تفخيم

____________________

(1) و ذلك أن ( الله ) فيها مرفوع على البدلية لا منصوب على الاستثناء.

١٠١

جرمهم و أنّهم لا يقصدون في كفرانهم للنعمة و كفرهم بالحقّ و رمية بالسحر إلّا إيّاه تعالى وحده.

و المراد بالحقّ الّذي جاءهم هو القرآن، و بالرسول المبين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( وَ لَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ كافِرُونَ ) هذا طعنهم في الحقّ الّذي جاءهم و هو القرآن و يستلزم الطعن في الرسول. كما أنّ قولهم الآتي:( لَوْ لا نُزِّلَ ) إلخ، كذلك.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) المراد بالقريتين مكّة و الطائف، و مرادهم بالعظمة - على ما يفيده السياق - ما هو من حيث المال و الجاه اللّذين هما ملاك الشرافة و علوّ المنزلة عند أبناء الدنيا، و المراد بقوله:( رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) رجل من إحدى القريتين حذف المضاف إيجازاً.

و مرادهم أنّ الرسالة منزلة شريفة إلهيّة لا ينبغي أن يتلبّس به إلّا رجل شريف في نفسه عظيم مطاع في قومه، و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقير فاقد لهذه الخصلة، فلو كان القرآن الّذي جاء به وحياً نازلاً من الله فلو لا نزّل على رجل عظيم من مكّة أو الطائف كثير المال رفيع المنزلة.

و في المجمع: و يعنون بالرجل العظيم من إحدى القريتين الوليد بن المغيرة من مكّة و أبا مسعود عروة بن مسعود الثقفيّ من الطائف. عن قتادة، و قيل: عتبة بن أبي ربيعة من مكّة و ابن عبد ياليل من الطائف. عن مجاهد، و قيل: الوليد بن المغيرة من مكّة و حبيب بن عمر الثقفيّ من الطائف. عن ابن عبّاس. انتهى.

و الحقّ أنّ ذلك من تطبيق المفسّرين و إنّما قالوا ما قالوا على الإبهام و أرادوا أحد هؤلاء من عظماء القريتين على ما هو ظاهر الآية.

قوله تعالى: ( أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) إلخ، المراد بالرحمة - على ما يعطيه السياق - النبوّة.

و قال الراغب: العيش الحياة المختصّة بالحيوان، و هو أخصّ من الحياة لأنّ الحياة تقال في الحيوان و في الباري تعالى و في الملك، و يشتقّ منه المعيشة لما يتعيّش

١٠٢

به. انتهى. و قال: التسخير سياقه إلى الغرض المختصّ قهراً - إلى أن قال -: و السخريّ هو الّذي يُقهر فيتسخّر بإرادته. انتهى.

و الآية و الآيتان بعدها في مقام الجواب عن قولهم:( لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ ) إلخ، و محصّلها أنّ قولهم هذا تحكّم ظاهر ينبغي أن يتعجّب منه فإنّهم يحكمون فيما لا يملكون. هذه معيشتهم في الحياة الدنيا يعيشون بها و يرتزقون و هي رحمة منّا لا قدر لها و لا منزلة عندنا و ليست إلّا متاعاً زائلاً نحن نقسمها بينهم و هي خارجة عن مقدرتهم و مشيّتهم فكيف يقسمون النبوّة الّتي هي الرحمة الكبرى و هي مفتاح سعادة البشر الدائمة و الفلاح الخالد فيعطونها لمن شاؤا و يمنعونها ممّن شاؤا.

فقوله:( أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ) الاستفهام للإنكار، و الالتفات إلى الغيبة في قوله:( رَحْمَتَ رَبِّكَ ) و لم يقل: رحمتنا، للدلالة على اختصاص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعناية الربوبيّة في النبوّة.

و المعنى: أنّهم لا يملكون النبوّة الّتي هي رحمة لله خاصّة به حتّى يمنعوك منها و يعطوها لمن هووا.

و قوله:( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) بيان لوجه الإنكار في الجملة السابقة بأنّهم عاجزون عن قسمة ما هو دون النبوّة بمراحل و لا منزلة له و هو معيشتهم في الحياة الدنيا فنحن قسمناها بينهم فكيف يقسمون ما هو أرفع منزلة منها بما لا يقدّر قدره و هو النبوّة الّتي هي رحمة ربّك الخاصّة به.

و الدليل على أنّ الأرزاق و المعايش ليست بيد الإنسان اختلاف أفراده بالغنى و الفقر و العافية و الصحّة و في الأولاد و سائر ما يعدّ من الرزق، و كلّ يريد أن يقتني منها ما لا مزيد عليه، و لا يكاد يتيسّر لأحد منهم جميع ما يتمنّاه و يرتضيه فلو كان ذلك بيد الإنسان لم يوجد معدم فقير في شي‏ء منها بل لم يختلف اثنان فيها فاختلافهم فيها أوضح دليل على أنّ الرزق مقسوم بمشيّة من الله دون الإنسان.

على أنّ الإرادة و العمل من الإنسان بعض الأسباب الناقصة لحصول المطلوب الّذي هو الرزق و وراءهما أسباب كونيّة لا تحصى خارجة عن مقدرة الإنسان لا يحصل

١٠٣

المطلوب إلّا بحصولها جميعاً و اجتماعها عليه و ليست إلّا بيد الله الّذي إليه تنتهي الأسباب.

هذا كلّه في المال و أمّا الجاه فهو أيضاً مقسوم من عندالله فإنّه يتوقّف على صفات خاصّة بها ترتفع درجات الإنسان في المجتمع فيتمكّن من تسخير من هو دونه كالفطنة و الدهاء و الشجاعة و علوّ الهمّة و إحكام العزيمة و كثرة المال و العشيرة و شي‏ء من ذلك لا يتمّ إلّا بصنع من الله سبحانه، و ذلك قوله:( وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) .

فيتبيّن بمجموع القولين أعني قوله:( نَحْنُ قَسَمْنا ) إلخ، و قوله:( وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ ) إلخ، إنّ القاسم للمعيشة و الجاه بين الناس هو الله سبحانه لا غير، و قوله:( وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) أي النبوّة خير من المال فكيف يملكون قسمها و هم لا يملكون قسم المال فيما بينهم.

و من الممكن أن يكون قوله:( وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ ) عطف تفسير على قوله:( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ ) إلخ، يبيّن قسم المعيشة بينهم ببيان علل انقسامها في المجتمع الإنسانيّ، بيان ذلك أنّ كثرة حوائج الإنسان في حياته الدنيا بحيث لا يقدر على رفع جميعها في عيش انفراديّ أحوجته إلى الاجتماع مع غيره من الأفراد على طريق الاستخدام و الاستدرار أوّلاً و على طريق التعاون و التعاضد ثانياً كما مرّ في مباحث النبوّة من الجزء الثاني من الكتاب.

فآل الأمر إلى المعاوضة العامّة المفيدة لنوع من الاختصاص بأن يعطي كلّ ممّا عنده من حوائج الحياة ما يفضل من حاجته و يأخذ به من الغير ما يعادله ممّا يحتاج إليه فيعطي مثلاً ما يفضل من حاجته من الماء الّذي عنده و قد حصّله و اختصّ به و يأخذ من غيره ما يزيد على قوته من الغذاء، و لازم ذلك أن يسعى كلّ فرد بما يستعدّ له و يحسنه من السعي فيقتني ممّا يحتاج إليه ما يختصّ به، و لازم ذلك أن يحتاج غيره إليه فيما عنده من متاع الحياة فيتسخّر له فيفيده ما يحتاج إليه كالخبّاز يحتاج إلى ما عند السقّاء من الماء و بالعكس فيتعاونان بالمعاوضة و كالمخدوم يتسخّر للخادم لخدمته و الخادم يتسخّر للمخدوم لماله و هكذا فكلّ بعض من المجتمع مسخّر

١٠٤

لآخرين بما عنده و الآخرون متسخّرون له بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط لما أنّ كلّا يرتفع على غيره بما يختصّ به ممّا عنده بدرجات مختلفة باختلاف تعلّق الهمم و القصود به.

و على ما تقدّم فالمراد بالمعيشة كلّ ما يعاش به أعمّ من المال و الجاه أو خصوص المال و غيره تبع له كما يؤيّده قوله ذيلاً:( وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) فإنّ المراد به المال و غيره من لوازم الحياة مقصود بالتبع.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً - إلى قوله -وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ ) الآية و ما يتلوها لبيان أنّ متاع الدنيا من مال و زينة لا قدر لها عند الله سبحانه و لا منزلة.

قالوا: المراد بكون الناس اُمّة واحدة كونهم مجتمعين على سنّة واحدة هي الكفر بالله لو رأوا أنّ زينة الدنيا بحذافيرها عند الكافر بالله و المؤمن صفر الكفّ منها مطلقاً، و المعارج الدرجات و المصاعد.

و المعنى: و لو لا أن يجتمع الناس على الكفر لو رأوا تنعّم الكافرين و حرمان المؤمنين لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة و درجات عليها يظهرون لغيرهم.

و يمكن أن يكون المراد بكون الناس اُمّة واحدة كونهم جميعاً على نسبة واحدة تجاه الأسباب العاملة في حظوظ العيش من غير فرق بين المؤمن و الكافر، فمن سعى سعيه للرزق و وافقته الأسباب و العوامل الموصلة الاُخرى نال منه مؤمناً كان أو كافراً، و من لم يجتمع له حرم ذلك و قتر عليه الرزق مؤمناً أو كافراً.

و المعنى: لو لا ما أردنا أن يتساوى الناس تجاه الأسباب الموصلة إلى زخارف الدنيا و لا يختلفوا فيها بالإيمان و الكفر لجعلنا لمن يكفر، إلخ.

قوله تعالى: ( وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَ زُخْرُفاً ) تنكير( أَبْواباً ) و( سُرُراً ) للتفخيم، و الزخرف الذهب أو مطلق الزينة، قال في المجمع: الزخرف كمال حسن الشي‏ء و منه قيل للذهب، و يقال: زخرفه زخرفة إذا حسّنه و زيّنه، و منه

١٠٥

قيل للنقوش و التصاوير: زخرف، و في الحديث: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدخل الكعبة حتّى أمر بالزخرف فنحّي. انتهى. و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) ( إِنْ ) للنفي و( لَمَّا ) بمعنى إلّا أي ليس كلّ ما ذكر من مزايا المعيشة إلّا متاع الحياة الدنيا الزائلة الفانية الّتي لا تدوم.

و قوله:( وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) المراد بالآخرة بقرينة المقام الحياة الآخرة السعيدة كان الحياة الآخرة الشقيّة لا تعدّ حياة.

و المعنى: أنّ الحياة الآخرة السعيدة بحكم من الله تعالى و قضاء منه مختصّة بالمتّقين، و هذا التخصيص و القصر يؤيّد ما قدّمناه من معنى كون الناس اُمّة واحدة في الدنيا بعض التأييد.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) يقال: عشي يعشى عشاً من باب علم يعلم إذا كان ببصره آفة لا يبصر مطلقاً أو بالليل فقط، و عشا يعشو عشواً و عشوّاً من باب نصر ينصر إذا تعامى و تعشّى بلا آفة، و التقييض التقدير و الإتيان بشي‏ء إلى شي‏ء، يقال: قيّضه له إذا جاء به إليه.

لمّا انتهى الكلام إلى ذكر المتّقين و أنّ الآخرة لهم عندالله قرنه بعاقبة أمر المعرضين عن الحقّ المتعامين عن ذكر الرحمن مشيراً إلى أمرهم من أوّله و هو أنّ تعاميهم عن ذكر الله يورثهم ملازمة قرناء الشياطين فيلازمونهم مضلّين لهم حتّى يردوا عذاب الآخرة معهم.

فقوله:( وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً ) أي من تعامى عن ذكر الرحمن و نظر إليه نظر الأعشى جئنا إليه بشيطان، و قد عبّر تعالى عنه في موضع آخر بالإرسال فقال:( أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) مريم: 83، و إضافة الذكر إلى الرحمن للإشارة إلى أنّه رحمة.

و قوله:( فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) أي مصاحب لا يفارقه.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) ضمير

١٠٦

( أنّهم ) للشياطين، و ضمائر الجمع الباقية للعاشين عن الذكر، و اعتبار الجمع نظراً إلى المعنى في( وَ مَنْ يَعْشُ ) إلخ، و الصدّ الصرف، و المراد بالسبيل ما يدعو إليه الذكر من سبيل الله الّذي هو دين التوحيد.

و المعنى: و إنّ الشياطين ليصرفون العاشين عن الذكر و يحسب العاشون أنّهم - أي العاشين أنفسهم - مهتدون إلى الحقّ.

و هذا أعني حسبانهم أنّهم مهتدون عند انصدادهم عن سبيل الحقّ أمارة تقييض القرين و دخولهم تحت ولاية الشيطان فإنّ الإنسان بطبعه الأوّليّ مفطور على الميل إلى الحقّ و معرفته إذا عرض عليه ثمّ إذا عرض عليه فأعرض عنه اتّباعاً للهوى و دام عليه طبع الله على قلبه و أعمى بصره و قيّض له القرين فلم ير الحقّ الّذي تراءى له و طبق الحقّ الّذي يميل إليه بالفطرة على الباطل الّذي يدعوه إليه الشيطان فيحسب أنّه مهتد و هو ضالّ و يخيّل إليه أنّه على الحقّ و هو على الباطل.

و هذا هو الغطاء الّذي يذكر تعالى أنّه مضروب عليهم في الدنيا و أنّه سينكشف عنهم يوم القيامة، قال تعالى:( الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي - إلى أن قال -قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) الكهف: 104، و قال فيما يخاطبه يوم القيامة و معه قرينه:( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) - إلى أن قال -( قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) ق: 27.

قوله تعالى: ( حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) ( حَتَّى ) غاية لاستمرار الفعل الّذي يدلّ عليه قوله في الآية السابقة:( لَيَصُدُّونَهُمْ ) و قوله:( يَحْسَبُونَ ) أي لا يزال القرناء يصدّونهم و لا يزالون يحسبون أنّهم مهتدون حتّى إذا جاءنا الواحد منهم.

و المراد بالمجي‏ء إليه تعالى البعث، و ضمير( جاء ) و( قال ) راجع إلى الموصول باعتبار لفظه، و المراد بالمشرقين المشرق و المغرب غلّب فيه جانب المشرق.

و المعنى: و أنّهم يستمرّون على صدّهم عن السبيل و يستمرّ العاشون عن الذكر

١٠٧

على حسبان أنّهم مهتدون في انصدادهم حتّى إذا حضر الواحد منهم عندنا و معه قرينه و كشف له عن ضلاله و ما يستتبعه من العذاب الأليم، قال مخاطباً لقرينه متأذّياً من صحابته: يا ليت بيني و بينك بعد المشرق و المغرب فبئس القرين أنت.

و يستفاد من السياق أنّهم معذّبون بصحابة القرناء وراء عذابهم بالنار، و لذا يتمنّون التباعد عنهم و يخصّونه بالذكر و ينسون سائر العذاب.

قوله تعالى: ( وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) الظاهر أنّه معطوف على ما قبله من وصف حالهم، و المراد باليوم يوم القيامة، و قوله:( أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) فاعل( لَنْ يَنْفَعَكُمُ ) و المراد بضمير جمع المخاطب العاشون عن الذكر و قرناؤهم، و( إِذْ ظَلَمْتُمْ ) واقع موقع التعليل.

و المراد - و الله أعلم - أنّكم إذا أساء بعضكم إلى بعض في الدنيا فأوقعه في مصيبة ربّما تسليتم بعض التسلّي لو ابتلي هو نفسه بمثل ما ابتلاكم به فينفعكم ذلك تسلّياً و تشفّياً لكن لا ينفعكم يوم القيامة اشتراك قرنائكم معكم في العذاب فإنّ اشتراكهم معكم في العذاب و كونهم معكم في النار هو بعينه عذاب لكم.

و ذكر بعض المفسّرين أنّ فاعل( لَنْ يَنْفَعَكُمُ ) ضمير راجع إلى تمنّيهم المذكور في الآية السابقة، و قوله:( إِذْ ظَلَمْتُمْ ) أي لأجل ظلمكم أنفسكم في الدّنيا باتّباعكم إيّاهم في الكفر و المعاصي، و قوله:( أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) تعليل لنفي النفع و المعنى: و لن ينفعكم تمنّي التباعد عنكم لأنّ حقّكم أن تشتركوا أنتم و قرناؤكم في العذاب.

و فيه أنّ فيه تدافعاً فإنّه أخذ قوله:( إِذْ ظَلَمْتُمْ ) تعليلاً لنفي نفع التمنّي أوّلاً و قوله:( أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) تعليلاً له ثانياً و لازم التطابق بين التعليلين أن يذكر ثانياً القضاء على المتمنّين التابعين بالعذاب لا باشتراك التابعين و المتبوعين فيه.

و قال بعضهم: معنى الآية أنّه لا يخفّف الاشتراك عنكم شيئاً من العذاب لأنّ

١٠٨

لكلّ واحد منكم و من قرنائكم الحظّ الأوفر من العذاب.

و فيه أنّ ما ذكر من سبب عدم النفع و إن فرض صحيحاً في نفسه لكن لا دلالة عليه من جهة لفظ الآية و لا سياق الكلام.

و قال بعضهم: المعنى: لا ينفعكم اشتراككم في العذاب كما ينفع الواقعين في شدائد الدنيا اشتراكهم فيها لتعاونهم في تحمّل أعبائها و تقسّمهم لعنائها لأنّ لكلّ منكم و من قرنائكم من العذاب ما لا تبلغه طاقته.

و فيه ما في سابقه من الكلام، و ردّ أيضاً بأنّ الانتفاع بذلك الوجه ليس ممّا يخطر ببالهم حتّى يردّ عليهم بنفيه.

قوله تعالى: ( أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) لمّا ذكر تقييضه القرناء لهم و تقليبهم إدراكهم بحيث يرون الضلال هدىً و لا يقدرون على معرفة الحقّ فرّع عليه أن نبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ هؤلاء صمّ عمي لا يقدر هو على إسماعهم كلمة الحقّ و هدايتهم إلى سبيل الرشد فلا يتجشّم و لا يتكلّف في دعوتهم و لا يحزن لإعراضهم، و الاستفهام للإنكار، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) المراد بالإذهاب به توفّيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الانتقام منهم، و قيل: المراد إذهابه بإخراجه من بينهم، و قوله:( فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) أي لا محالة، و المراد بإراءته ما وعدهم الانتقام منهم قبل توفّيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو حال كونه بينهم، و قوله:( فإنا عليهم مقتدرون) أي اقتدارنا يفوق عليهم.

و قوله في الصدر:( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ) أصله إن نذهب بك زيدت عليه ما و النون للتأكيد، و محصّل الآية إنّا منتقمون منهم بعد توفّيك أو قبلها لا محالة.

قوله تعالى: ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) الظاهر أنّه تفريع لجميع ما تقدّم من أنّ إنزال الذكر من طريق الوحي و النبوّة من سننه تعالى و أنّ كتابه النازل عليه حقّ و هو رسول مبين لا يستجيب دعوته إلّا المتّقون و لا يعرض عنها إلّا قرناء الشياطين، و لا مطمع في إيمانهم و سينتقم الله منهم.

١٠٩

فأكّد عليه الأمر بعد ذلك كلّه أن يجدّ في التمسّك بالكتاب الّذي اُوحي إليه لأنّه على صراط مستقيم.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ ) الظاهر أنّ المراد بالذكر ذكر الله، و بهذا المعنى تكرّر مراراً في السورة، و اللام في( لَكَ وَ لِقَوْمِكَ ) للاختصاص بمعنى توجّه ما فيه من التكاليف إليهم، و يؤيّده بعض التأييد قوله:( وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ ) أي عنه يوم القيامة.

و عن أكثر المفسّرين أنّ المراد بالذكر الشرف الّذي يذكر به، و المعنى: و إنّه لشرف عظيم لك و لقومك من العرب تذكرون به بين الاُمم.

قوله تعالى: ( وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) قيل: المراد بالسؤال منهم السؤال من اُممهم و علماء دينهم كقوله تعالى:( فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ ) يونس: 94، و فائدة هذا المجاز أنّ المسؤل عنه السؤال منهم عين ما جاءت به رسلهم لا ما يجيبونه من تلقاء أنفسهم.

و قيل: المراد السؤال من أهل الكتابين: التوراة و الإنجيل فإنّهم و إن كفروا لكنّ الحجّة تقوم بتواتر خبرهم، و الخطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و التكليف لاُمّته.

و بُعد الوجهين غير خفيّ و يزيد الثاني بعداً التخصيص بأهل الكتابين من غير مخصّص ظاهر.

و قيل: الآية ممّا خوطب به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج أن يسأل أرواح الأنبياءعليهم‌السلام و قد اجتمع بهم أن يسألهم هل جاؤا بدين وراء دين التوحيد.

و قد وردت به غير واحدة من الروايات عن أئمّة أهل البيتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و سيوافيك في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله.

( بحث روائي‏)

في المجمع: في قوله تعالى:( وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) و قيل: الكلمة الباقية في عقبه هي الإمامة إلى يوم الدين: عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

١١٠

أقول: و في هذا المعنى روايات اُخر و قد طبّقت الآية في بعضها على الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام .

و التأمّل في الروايات يعطي أنّ بناءها على إرجاع الضمير في( جَعَلَها ) إلى الهداية المفهومة من قوله:( سَيَهْدِينِ ) و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) أنّ الإمام وظيفته هداية الناس في ملكوت أعمالهم بمعنى سوقهم إلى الله سبحانه بإرشادهم و إيرادهم درجات القرب من الله سبحانه و إنزال كلّ ذي عمل منزلة الّذي يستدعيه عمله، و حقيقة الهداية من الله سبحانه و تنسب إليه بالتبع أو بالعرض.

و فعليّة الهداية النازلة من الله إلى الناس تشمله أوّلاً ثمّ تفيض عنه إلى غيره فله أتمّ الهداية و لغيره ما هي دونها و ما ذكره إبراهيمعليه‌السلام في قوله:( فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ) هداية مطلقة تقبل الانطباق على أتمّ مراتب الهداية الّتي هي حظّ الإمام منها فهي الإمامة و جعلها كلمة باقية في عقبه جعل الإمامة كذلك.

و في الإحتجاج، عن العسكريّ عن أبيهعليه‌السلام قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قاعداً ذات يوم بفناء الكعبة إذ قال له عبدالله بن اُميّة المخزوميّ: لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً لبعث أجلّ من فيما بيننا مالاً و أحسنه حالاً فهلاً نزل هذا القرآن الّذي تزعم أنّ الله أنزله عليك- و ابتعثك به رسولاً، على رجل من القريتين عظيم: إمّا الوليد بن المغيرة بمكّة و إمّا عروة بن مسعود الثقفيّ بالطائف.

ثمّ ذكرعليه‌السلام في كلام طويل جواب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله بما في معنى الآيات.

ثمّ قال: و ذلك قوله تعالى:( وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) قال الله:( أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ) يا محمّد( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) فأحوجنا بعضنا إلى بعض أحوج هذا إلى مال ذلك و أحوج ذلك إلى سلعة هذا و إلى خدمته.

فترى أجلّ الملوك و أغنى الأغنياء محتاجاً إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب إمّا سلعة معه ليست معه، و إمّا خدمة يصلح لها لا يتهيّأ لذلك الملك أن يستغني إلّا به

١١١

و أمّا باب من العلوم و الحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير الّذي يحتاج إلى مال ذلك الملك الغنيّ، و ذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته.

ثمّ ليس للملك أن يقول: هلّا اجتمع إلي مالي علم هذا الفقير و لا للفقير أن يقول: هلّا اجتمع إلى رأيي و معرفتي و علمي و ما أتصرّف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغنيّ، ثمّ قال تعالى:( وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) .

ثمّ قال: يا محمّد( وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا.

و في الكافي، بإسناده عن سعيد بن المسيّب قال: سألت عليّ بن الحسينعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) قال: عنى بذلك اُمّة محمّد أن يكونوا على دين واحد كفّاراً كلّهم( لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ ) إلى آخر الآية.

و في تفسير القمّي، بإسناده عن يحيى بن سعيد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال:( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ) يا محمّد من مكّة إلى المدينة فإنّا رادّوك إليها و منتقمون منهم بعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج عبدالرزّاق و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و صحّحه عن قتادة في قوله:( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) قال: قال أنس ذهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بقيت النقمة و لم ير الله نبيّه في اُمّته شيئاً يكرهه حتّى قبض و لم يكن نبيّ قطّ إلّا و قد رأى العقوبة في اُمّته إلّا نبيّكم رأى ما يصيب اُمّته بعده فما رؤي ضاحكاً منبسطاً حتّى قبض.

أقول: و روي فيه هذا المعنى عنه و عن عليّ بن أبي طالب و عن غيرهما بطرق اُخرى.

و فيه، أخرج ابن مردويه من طريق محمّد بن مروان عن الكلبيّ عن أبي صالح عن جابر بن عبدالله عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى:( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ )

١١٢

نزلت في عليّ بن أبي طالب أنّه ينتقم من الناكثين و القاسطين بعدي.

أقول: ظاهر الرواية و ما قبلها و ما في معناهما أنّ الوعيد في الآيتين للمنحرفين عن الحقّ من أهل القبلة دون كفّار قريش.

و في الإحتجاج، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام في حديث طويل يقول فيه: و أمّا قوله تعالى:( وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) فهذا من براهين نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّتي آتاه الله إيّاها و أوجب به الحجّة على سائر خلقه لأنّه لمّا ختم به الأنبياء و جعله الله رسولاً إلى جميع الاُمم و سائر الملل خصّه بالارتقاء إلى السماء عند المعراج و جمع له يومئذ الأنبياء فعلم منهم ما أرسلوا به و حملوه من عزائم الله و آياته و براهينه. الحديث.

أقول: و روى هذا المعنى القمّيّ في تفسيره، بإسناده عن أبي الربيع عن أبي جعفرعليه‌السلام في جواب ما سأله نافع بن الأزرق، و رواه في الدرّ المنثور، بطرق عن سعيد بن جبير و ابن جريح و ابن زيد.

١١٣

( سورة الزخرف الآيات 46 - 56)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 46 ) فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ ( 47 ) وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا  وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 48 ) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ( 49 ) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ( 50 ) وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي  أَفَلَا تُبْصِرُونَ ( 51 ) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ( 52 ) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ( 53 ) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ  إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ( 54 ) فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ( 55 ) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ ( 56 )

( بيان‏)

لمّا ذكر طغيانهم بعد تمتيعهم بنعمه و رميهم الحقّ الّذي جاءهم به رسول مبين بأنّه سحر و أنّهم قالوا:( لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) فرجّحوا الرجل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكثرة ماله مثّل لهم بقصّة موسىعليه‌السلام و فرعون و قومه

١١٤

حيث أرسله الله إليهم بآياته الباهرة فضحكوا منها و استهزؤا بها، و احتجّ فرعون فيما خاطب به قومه على أنّه خير من موسى بملك مصر و أنهار تجري من تحته فاستخفّهم فأطاعوه فآل أمر استكبارهم أن انتقم الله منهم فأغرقهم.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‏ بِآياتِنا إِلى‏ فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ ) اللّام في( لَقَدْ ) للقسم، و الباء في قوله:( بِآياتِنا ) للمصاحبة، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ ) المراد بمجيئهم بالآيات إظهار المعجزات للدلالة على الرسالة، و المراد بالضحك ضحك الاستهزاء استخفافاً بالآيات.

قوله تعالى: ( وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها ) إلخ، الاُخت المثل، و قوله:( هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها ) كناية عن كون كلّ واحدة منها بالغة في الدلالة على حقّيّة الرسالة، و جملة( وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ ) إلخ، حال من ضمير( مِنْها ) ، و المعنى: فلمّا أتاهم بالمعجزات إذا هم منها يضحكون و الحال أنّ كلّاً منها تامّة كاملة في إعجازها و دلالتها من غير نقص و لا قصور.

و قوله:( وَ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) أي رجاء أن يرجعوا عن استكبارهم إلى قبول رسالته، و المراد بالعذاب الّذي اُخذوا به آيات الرجز الّتي نزلت عليهم من السنين و نقص من الثمرات و الطوفان و الجراد و القمّل و الضفادع و الدم آيات مفصّلات كما في سورة الأعراف.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ ) ما في( بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ) مصدريّة أي بعهده عندك و المراد به عهده أن يكشف عنهم العذاب لو آمنوا كما قيل أو أن يستجيب دعاءه إذا دعا كما احتمله بعضهم.

و قولهم:( يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ) خطاب استهزاء استكباراً منهم كما قالوا: ادّع ربّك و لم يقولوا: ادع ربّنا أو ادع الله استكباراً، و المراد أنّهم طلبوا منه الدعاء لكشف العذاب عنهم و وعدوه الاهتداء.

١١٥

و قيل: معنى الساحر في عرفهم العالم و كان الساحر عندهم عظيماً يعظّمونه و لم يكن صفة ذمّ. و ليس بذاك بل كانوا ساخرين على استكبارهم كما يشهد به قولهم:( ادْعُ لَنا رَبَّكَ ) .

قوله تعالى: ( فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ ) النكث نقض العهد و خلف الوعد، و وعدهم هو قولهم:( إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ ) .

قوله تعالى: ( وَ نادى‏ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ ) أي ناداهم و هو بينهم، و فصل( قالَ ) لكونه في موضع جواب السؤال كأنّه قيل: فما ذا قال؟ فقيل: قال كذا.

و قوله:( وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ) أي من تحت قصري أو من بستاني الّذي فيه قصري المرتفع العالي البناء، و الجملة أعني قوله:( وَ هذِهِ الْأَنْهارُ ) إلخ، حالية أو( وَ هذِهِ الْأَنْهارُ ) معطوف على( مُلْكُ مِصْرَ ) ، و قوله:( تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ) حال من الأنهار، و الأنهار أنهار النيل.

و قوله:( أَ فَلا تُبْصِرُونَ ) في معنى تكرير الاستفهام السابق في قوله:( أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ) إلخ.

قوله تعالى: ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَ لا يَكادُ يُبِينُ ) المهين الحقير الضعيف من المهانة بمعنى الحقارة، و يريد بالمهين موسىعليه‌السلام لما به من الفقر و رثاثة الحال.

و قوله:( وَ لا يَكادُ يُبِينُ ) أي يفصح عن مراده و لعلّه كان يصف موسىعليه‌السلام به باعتبار ما كان عليه قبل الرسالة لكنّ الله رفع عنه ذلك لقوله:( قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) طه: 36 بعد قولهعليه‌السلام :( وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي ) طه: 28.

و قوله في صدر الآية:( أَمْ أَنَا خَيْرٌ ) إلخ، أم فيه إمّا منقطعة لتقرير كلامه السابق و المعنى: بل أنا خير من موسى لأنّه كذا و كذا، و إمّا متّصلة، و أحد طرفي الترديد محذوف مع همزة الاستفهام، و التقدير: أ هذا خير أم أنا خير إلخ، و في المجمع، قال سيبويه

١١٦

و الخليل: عطف أنا بأم على( أَ فَلا تُبْصِرُونَ ) لأنّ معنى( أَنَا خَيْرٌ ) معنى أم تبصرون فكأنّه قال: أ فلا تبصرون أم تبصرون لأنّهم إذا قالوا له: أنت خير منه فقد صاروا بصراء عنده انتهى. أي إنّ وضع( أَمْ أَنَا خَيْرٌ ) موضع أم تبصرون من وضع المسبّب موضع السبب أو بالعكس.

و كيف كان فالإشارة إلى موسى بهذا من دون أن يذكر باسمه للتحقير و توصيفه بقوله:( الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَ لا يَكادُ يُبِينُ ) للتحقير و للدلالة على عدم خيريّته.

قوله تعالى: ( فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ) الأسورة جمع سوار بالكسر، و قال الراغب: هو معرّب دستواره قالوا: كان من دأبهم أنّهم إذا سوّدوا رجلاً سوّروه بسوار من ذهب و طوّقوه بطوق من ذهب فالمعنى لو كان رسولاً و ساد الناس بذلك لاُلقي إليه أسورة من ذهب.

و قوله:( أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ) الظاهر أنّ الاقتران بمعنى التقارن كالاستباق و الاستواء بمعنى التسابق و التساوي، و المراد إتيان الملائكة معه متقارنين لتصديق رسالته، و هذه الكلمة ممّا تكرّرت على لسان مكذّبي الرسل كقولهم:( لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ) الفرقان: 7.

قوله تعالى: ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ) أي استخفّ عقول قومه و أحلامهم، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ ) الإيساف الإغضاب أي فلمّا أغضبونا بفسوقهم انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين، و الغضب منه تعالى إرادة العقوبة.

قوله تعالى: ( فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَ مَثَلًا لِلْآخِرِينَ ) السلف المتقدّم و الظاهر أنّ المراد بكونهم سلفاً للآخرين تقدّمهم عليهم في دخول النار، و المثل الكلام السائر الّذي يتمثّل به و يعتبر به، و الظاهر أن كونهم مثلاً لهم كونهم ممّا يعتبر به الآخرون لو اعتبروا و اتّعظوا.

١١٧

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لا يَكادُ يُبِينُ ) قال: لم يبيّن الكلام.

و في التوحيد، بإسناده إلى أحمد بن أبي عبدالله رفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ( فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ ) قال: إنّ الله لا يأسف كأسفنا و لكنّه خلق أولياء لنفسه يأسفون و يرضون و هم مخلوقون مدبّرون فجعل رضاهم لنفسه رضىً و سخطهم لنفسه سخطاً و ذلك لأنّه جعلهم الدعاة إليه و الأدلّاء عليه فلذلك صاروا كذلك.

و ليس أنّ ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه و لكن هذا معنى ما قال من ذلك، و قد قال أيضاً من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة و دعاني إليها، و قال أيضاً:( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ، و قال أيضاً:( إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ ) و كلّ هذا و شبهه على ما ذكرت لك، و هكذا الرضا و الغضب و غيرهما من الأشياء ممّا يشاكل ذلك.

و لو كان يصل إلى المكوّن الأسف و الضجر و هو الّذي أحدثهما و أنشأهما لجاز لقائل أن يقول: إنّ المكوّن يبيد يوماً لأنّه إذا دخله الضجر و الغضب دخله التغيير فإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، و لو كان ذلك كذلك لم يعرف المكوّن من المكوّن و إلا القادر من المقدور و لا الخالق من المخلوقين تعالى الله عن هذا القول علوّاً كبيراً.

هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا كان لا لحاجة استحال الحدّ و الكيف فيه فافهم ذلك إن شاء الله.

أقول: و روي مثله في الكافي، بإسناده عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن عمّه حمزة بن بزيع عنهعليه‌السلام .

١١٨

( سورة الزخرف الآيات 57 - 65)

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ( 57 ) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ  مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا  بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ( 58 ) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ( 59 ) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ( 60 ) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ  هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ( 61 ) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ  إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( 62 ) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ  فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ( 63 ) إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ  هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ( 64 ) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ  فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ( 65 )

( بيان‏)

إشارة إلى قصّة عيسى بعد الفراغ عن قصّة موسىعليهما‌السلام و قدّم عليها مجادلتهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عيسىعليه‌السلام و اُجيب عنها.

قوله تعالى: ( وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ - إلى قوله -خَصِمُونَ ) الآية إلى تمام أربع آيات أو ستّ آيات حول جدال القوم فيما ضرب من مثل ابن مريم، و الّذي يتحصّل بالتدبّر فيها نظراً إلى كون السورة مكّيّة و مع قطع النظر عن الروايات هو أنّ المراد بقوله:( وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا ) هو ما أنزله

١١٩

الله من وصفه في أوّل سورة مريم فإنّها السورة المكّيّة الوحيدة الّتي وردت فيها قصّة عيسى بن مريمعليه‌السلام تفصيلاً، و السورة تقصّ قصص عدّة من النبيّين بما أنّ الله أنعم عليهم كما تختتم قصصهم بقوله:( أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ) مريم: 58، و قد وقع في هذه الآيات قوله:( إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ ) و هو من الشواهد على كون قوله:( وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا ) إشارة إلى ما في سورة مريم.

و المراد بقوله:( إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) بكسر الصاد أي يضجّون و يضحكون ذمّ لقريش في مقابلتهم المثل الحقّ بالتهكّم و السخريّة، و قرئ( يَصِدُّونَ ) بضمّ الصاد أي يعرضون و هو أنسب للجملة التالية.

و قوله:( وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ) الاستفهام للإنكار أي آلهتنا خير من ابن مريم كأنّهم لمّا سمعوا اسمه بما يصفه القرآن به من النعمة و الكرامة أعرضوا عنه بما يصفه به القرآن و أخذوه بما له من الصفة عند النصارى أنّه إله ابن إله فردّوا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ آلهتنا خير منه و هذا من أسخف الجدال كأنّهم يشيرون بذلك إلى أنّ الّذي في القرآن من وصفه لا يعتنى به و ما عند النصارى لا ينفع فإنّ آلهتهم خير منه.

و قوله:( ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ) أي ما وجّهوا هذا الكلام:( أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ) إليك إلّا جدلاً يريدون به إبطال المثل المذكور و إن كان حقّاً( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) أي ثابتون على خصومتهم مصرّون عليها.

و قوله:( إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ ) ردّ لما يستفاد من قولهم:( أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ) أنّه إله النصارى كما سيجي‏ء.

و قال الزمخشريّ في الكشّاف، و كثير من المفسّرين و نسب إلى ابن عبّاس و غيره في تفسير الآية: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قرأ قوله تعالى:( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) على قريش امتعضوا من ذلك امتعاضاً شديداً فقال ابن الزبعري:

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ويشكل الرجوع إلى رأي الناظر مع اطلاق النظر اذ ليس له اخراج المستحق اقتراحا فرأيه حينئذ فرع الاستحقاق وعدمه. نعم لو فوض اليه(١) الامر مطلقا(٢) فلا اشكال.

(ومنها(٣) الطرق وفائدتها) في الاصل (الاستطراق والناس فيها شرع)(٤) بالنسبة إلى المنفعة المأذون فيها (ويمنع من الانتفاع بها في غير ذلك) المذكور وهو الاستطراق (مما يفوت به(٥) منفعة المارة) لا مطلقا(٦) (فلا يجوز الجلوس) بها (للبيع والشراء)، وغيرهما من الاعمال، والاكوان (إلا مع السعة حيث لا ضرر) على المارة لو مروا في الطريق بغير موضعة، وليس لهم حينئذ تخصيص الممر بموضعه اذا كان لهم عنه مندوحة، لثبوت الاشتراك على هذا الوجه، واطباق الناس على ذلك في جميع الاصقاع ولا فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم، لان لاهل الذمة منه(٧) ما للمسلمين في الجملة(٨) .

___________________________________

(١) اي إلى المتولي الشرعي.

(٢) اي من دون تحديد للمتولي الشرعي.

(٣) اي ومن المشتركات بين عامة الناس.

(٤) اي سواء من دون ترجيح لاحد من الناس على الآخر.

(٥) اي بسبب غير الاستطراق.

(٦) اي لا يمنع مطلقا، بل لو كان غير الاستطراق مفوتا للاستطراق.

(٧) اي من الحق.

(٨) قيد للحق اي لاهل الذمة من حق الاستطراق والاستفادة من الطريق حق في الجملة غير تام، لانهم لا يستحقون المرور في الطرق المؤدية إلى امكنة العبادة كالمساجد والمشاهد لو كانت الطرق منحصرة اليها كما لو كان الطريق إلى الدار منحصرا فليس لغير اهل الدار حق المرور.

١٨١

(فاذا فارق) المكان الذي جلس فيه للبيع، وغيره (بطل حقه) مطلقا(١) ، لانه(٢) كان متعلقا بكونه(٣) فيه وقد زال(٤) وان كان رحله باقيا، لاختصاص ذلك(٥) بالمسجد، وأطلق المصنف في الدروس وجماعة بقاء حقه مع بقاء رحله، لقول امير المؤمنين:عليه‌السلام : " سوق المسلمين كمسجدهم "(٦) والطريق على هذا الوجه(٧) بمنزلة السوق، ولا فرق مع سقوط حقه على التقديرين(٨) بين تضرره بتفرق معامليه(٩) وعدمه. واحتمل في الدروس بقاء‌ه(١٠) مع الضرر، لان اظهر المقاصد ان يعرف مكانه ليقصده المعاملون. إلا مع طول زمان المفارقة(١١) ،

___________________________________

(١) سواء بقي رحله ام لا.

(٢) اي حقه.

(٣) بمعنى وجود الشخص في ذلك المكان.

(٤) اي كونه في ذلك المكان بسبب المفارقة.

(٥) اي بقاء الرحل.

(٦) (الوسائل) الطبعة الحديثة الجزء ٣ ص ٥٤٢ كتاب الصلاة الباب ٥٦ الحديث ١.

(٧) هذه الجملة من كلام (الشارح)رحمه‌الله ، لا من تتمة الحديث اي على هذا الوجه في التشبيه في قول (امير المؤمنين)عليه‌السلام : (سوق المسلمين كمسجدهم).

(٨) وهما: سقوط حقه مطلقا، سواء كان رحله باقيا ام لا. وعدم سقوط حقه مع بقاء رحله.

(٩) اي ولو تفرق عنه معاملوه.

(١٠) اي بقاء حقه مع تفرق معامليه.

(١١) فان الحق يسقط عنه حينئذ اي حين ان طال زمن المفارقة، لاسناد التفرق إلى نفسه.

١٨٢

لاستناد الضرر حينئذ اليه. وفي التذكرة قيد بقاء حقه مع الرحل ببقاء النهار. فلو دخل الليل سقط حقه محتجا بالخبر السابق(١) حيث قال فيه: فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل. ويشكل(٢) بأن الرواية تدل باطلاقها على بقاء الحق إلى الليل، سواء كان له رحل ام لا. والوجه بقاء حقه مع بقاء رحله ما لم يطل الزمان، أو يضر بالمارة ولا فرق في ذلك(٣) بين الزائد عن مقدار الطريق شرعا، وما دونه، إلا أن يجوز إحياء الزائد فيجوز الجلوس فيه مطلقا(٤) . وحيث يجوز له الجلوس يجور التظليل عليه بما لا يضر بالمارة،

___________________________________

(١) وهو المشار اليه في الهامش رقم ٦ ص ١٨٢ في قول (امير المؤمنين) عليه الصلاة والسلام: (سوق المسلمين كمسجدهم فهو احق به إلى الليل). حيث حصر (الامام)عليه‌السلام غاية بقاء الحق إلى الليل.

(٢) اي بقاء حقه ببقاء رحله في النهار مشكل. حيث إن الرواية المشار اليها في الهامش رقم ١ طلقة، لا تقييد فيها يدل على بقاء الحق ببقاء الرحل، بل تدل على بقاء الحق مطلقا.

(٣) اي في الحكم المذكور وهو (بقاء حقه ببقاء رحله) بين الزائد عن مقدار الطريق شرعا وهي (خمسة اذرع)، او (سبعة). فلو احتل شخص مكانا زاد عن (الخمسة، او السبعة) فحكمه حكم من احتل مكانا في ضمن (الخمسة، او السبعة).

(٤) سواء اضر بالمارة ام لا.

١٨٣

دون التسقيف، وبناء(١) دكة، وغيرها(٢) ، إلا على الوجه المرخص في الطريق مطلقا(٣) وقد تقدم(٤) . وكذا الحكم(٥) في مقاعد الاسواق المباحة، ولم يذكرها المصنف هنا، وصرح في الدروس بالحاقها(٦) بما ذكر في حكم الطريق.

(ومنها(٧) المياه المباحة) كمياه العيون في المباح(٨) ، والآبار المباحة(٩) ، والغيوث، والانهار الكبار كالفرات، ودجلة، والنيل، والصغار التي لم يجرها مجر بنية التملك(١٠) . فان الناس فيها شرع (فمن سبق إلى اغتراف شئ منها فهو أولى به، ويملكه مع نية التملك)

___________________________________

(١) بالجر عطفا على مدخول دون اي دون بناء الدكة.

(٢) كتبليط المحل، ورصه، ورصفه.

(٣) لمن اراد الجلوس وغيره.

(٤) في قول (المصنف): (ومنها الطرق وفائدتها) إلى آخر ما ذكره.

(٥) وهو بقاء الحق مطلقا، أو إلى الليل اي الكلام في مقاعد الاسواق كالكلام في نفس الاسواق.

(٦) اي المقاعد.

(٧) اي ومن المشتركات بين عامة الناس.

(٨) اي في المكان غير المملوك. فقيد (المباح) لاخراج المملوك.

(٩) اي المياه المسبلة.

(١٠) بل في سبيل المصلحة العامة، او عبثا. فان نفس الماء المجرى لا يكون ملكا حينئذ لمجريه، بل هو باق على عمومه. وذلك لان قصد التملك شرط في حصول ملك المحاز للمحيز.

١٨٤

لان المباح لا يملك إلا بالاحراز والنية ومقتضى العبارة(١) أن الاولوية تحصل بدون نية التملك، بخلاف الملك(٢) ، تنزيلا للفعل(٣) قبل النية منزلة التحجير(٤) ، وهو(٥) يشكل هنا بأنه إن نوى بالاحراز الملك فقد حصل الشرط(٦) ، وإلا(٧) كان كالعابث لا يستفيد أولوية.

(ومن أجرى منها) أي من المياه المباحة (نهرا) بنية التملك (ملك الماء المجرى فيه) على أصح القولين، وحكي عن الشيخ افادته الاولوية خاصة استنادا إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الناس شركاء في ثلاث: النار، والماء، والكلاء(٨) ، وهو محمول على المباح منه دون المملوك اجماعا.

(ومن اجرى عينا) بأن أخرجها من الارض وأجراها على وجهها (فكذلك) يملكها مع نية التملك، ولا يصح لغيره أخذ شئ من مائها

___________________________________

(١) اي عبارة (المصنف) في قوله: (فمن سبق إلى اغتراف شئ منها فهو اولى).

(٢) فانه لا يحصل الا بنية التملك.

(٣) وهو الاغتراف، او الاحراز.

(٤) فان التحجير يحدث اولوية، لا ملكا، بل الملكية تحصل بعد الاحياء.

(٥) اي كون الاحراز يوجب اولوية.

(٦) وهي نية التملك.

(٧) اي وان لم ينو نية التملك يكون كالعابث فلا يفيد اولوية كما لا يفيد ملكا.

(٨) (مستدرك الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب احياء الموات ص ١٥٠ الباب ٤ الحديث ٢. وفي (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب احياء الموات ص ٣٢٨ الباب ٥ حديثان بهذا المضمون.

١٨٥

إلا باذنه، ولو كان المجري جماعة ملكوه على نسبة عملهم، لا على نسبة خرجهم، إلا ان يكون الخرج تابعا للعمل(١) . وجوز في الدروس الوضوء، والغسل، وتطهير الثوب منه(٢) عملا بشاهد الحال، إلا مع النهي ولا يجوز ذلك(٣) مع المحرز في الاناء، ولا مما يظن الكراهية فيه مطلقا(٤) . ولو لم ينته الحفر في النهر، والعين إلى الماء بحيث يجري فيه فهو تحجير يفيد الاولوية كما مر(٥) .

(وكذا) يملك الماء (من احتقن شيئا من مياه الغيث، او السيل) لتحقق الاحراز مع نية التملك كاجراء النهر(٦) . ومثله(٧) ما لو أجرى ماء الغيث في ساقية، ونحوها(٨) إلى مكان بنية التملك، سواء أحرزها(٩) فيه أم لا حتى لو احرزها في ملك الغير

___________________________________

(١) بمعنى أن العمل تابع للخرج. فبمقدار ما يصرف يكون العمل، فياخذ بنسبته.

(٢) اي من هذا الماء المخرج بعمل فرد، او جماعة.

(٣) اي الوضوء، والغسل، وتطهير الثوب من هذا الماء المحرز في الاناء كالحوض، والابريق، وغيرهما.

(٤) سواء كان الماء محرزا في الاناء، او مجرى في النهر.

(٥) في قول (الشارح) رحه الله: (اي مشروعا في احيائه شر وعالم يبلغ حد الاحياء. فانه بالشروع يفيد الاولوية لا يصح لغيره التخطي اليه وان لم يفد ملكا).

(٦) في انه يملكه لو اجراه.

(٧) اي ومثل احتقان الماء في كونه يملك لو اجراه.

(٨) كالنهر الصغير.

(٩) تانيث الضمير باعتبار لفظ " المياه " في كلام المصنفرحمه‌الله واما تذكير الضمير في " فيه " فهو باعتبار المحل المحرز فيه.

١٨٦

وان كان غاصبا للمحرز فيه، إلا اذا اجراها(١) ابتداء في ملك الغير فانه لا يفيد ملكا مع احتماله(٢) ، كما لو احرزها(٣) في الآنية المغصوبة بنية التملك.

(ومن حفر بئرا ملك الماء) الذي يحصل فيه (بوصوله اليه) أي إلى الماء اذا قصد التملك (ولو قصد الانتفاع بالماء والمفارقة فهو أولى به ما دام نازلا عليه) فاذا فارقه بطل حقه، فلو عاد بعد المفارقة ساوى غيره على الاقوى، ولو تجرد عن قصد التملك والانتفاع فمقتضى القواعد السابقة عدم الملك والاولوية معا كالعابث.

(ومنها(٤) المعادن(٥) ) وهي قسمان: ظاهرة وهي التي لا يحتاج تحصيلها إلى طلب كالياقوت، والبرام(٦) ، والقير، والنفط، والملح، والكبريت، وأحجار الرحا، وطين الغسل، وباطنة(٧) وهي المتوقف ظهورها على العمل كالذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، والبلور، والفيروزج (فالظاهرة لا تملك بالاحياء لان احياء المعدن اظهاره

___________________________________

(١) اي مياه الغيث.

(٢) اي احتمال افادة الملكية وان اجرى الماء في ملك الغير غصبا.

(٣) اي مياه الغيث.

(٤) اي ومن المشتركات بين عامة الناس.

(٥) جمع المعدن بفتح الميم وسكون العين، وكسر الدال وزان مسجد على خلاف القياس: منبت جوهر. او فلز.

(٦) وهو الحجر الذي يصنع منه القدر والارحية.

(٧) هذا هو (القسم الثاني) من قسمي المعادن وهي المعادن الباطنة اي المستورة في الارض.

١٨٧

بالعمل، وهو غير متصور في المعادن الظاهرة لظهروها، بل بالتحجير أيضا(١) ، لانه(٢) الشروع بالاحياء، وادارة(٣) نحو الحائط احياء للارض على وجه لا مطلقا، بل الناس فيها شرع، الامام وغيره.

(ولا يجوز أن يقطعها السلطان العادل(٤) ) لاحد على الاشهر، لاشتراك الناس فيها. وربما قيل: بالجواز(٥) نظرا إلى عموم ولايته(٦) ، ونظره.

(ومن سبق اليها فله اخذ حاجته) أي أخذ ما شاء وان زاد عما يحتاج اليه، لثبوت الاحقية بالسبق، سواء طال زمانه(٧) ام قصر.

(فان توافيا عليها) دفعة واحدة (وأمكن القسمة) بينهما (وجب قسمة الحاصل) بينهما، لتساويهما في سبب الاستحقاق، وامكان الجمع

___________________________________

(١) اي بل هذا القسم من المعادن لا يملك بالتحجير ايضا.

(٢) اي التحجير شروع في الاحياء بسبب الحائط، وليس إحياء. والمملك هو الاحياء نفسه، لا مقدماته.

(٣) دفع وهم حاصل الوهم: ان بناء الحائط يوجب احياء الارض. واحياء‌ها يوجب التملك. فاذا ادار الحائط هنا فقد ملك المكان. والجواب: ان ادارة الحائط انما توجب الملك لو بناه للمربض والحظيرة والمسكن، لا مطلقا بحيث يشمل المعادن.

(٤) المراد منه غير الامام المعصوم.

(٥) اي جواز اقطاع السلطان العادل لاحد.

(٦) اي السلطان العادل على قول.

(٧) اي زمان السبق على المسبوق.

١٨٨

بينهما فيه(١) بالقسمة، وان(٢) لم يمكن الجمع بينهما للاخذ من مكان واحد هذا(٣) اذا لم يزد المعدن عن مطلوبهما، والا اشكل القول بالقسمة لعدم اختصاصها(٤) به(٥) حينئذ، (وإلا) يمكن القسمة بينهما لقلة المطلوب(٦) ، أو لعدم قبوله لها (اقرع)، لاستوائهما في الاولوية

___________________________________

(١) مرجع الضمير (الحاصل). والمعنى أنه لو ورد اثنان على المعدن دفعة واحدة وامكن الجمع بين حقهما قسم ما حصل بينهما بالسوية.

(٢) " ان " هنا وصلية اي لامكان الجمع بينهما في الحاصل بسبب القسمة وان لم يمكن الجمع بينهما للاخذ من مكان واحد بسبب ضيق مكان الاخذ.

(٣) اي امكان الجمع بينهما بالقسمة.

(٤) هذا من باب القلب. والاصل ان يقال: لعدم اختصاص المعدن بهما.

(٥) اي بالمعدن حين أن زاد بمطلوبها.

(٦) المراد منها قلة ما يحصل من المعدن.

(٧) مرجع الضمير (القسمة). وفي قبوله (المعدن) اي لعدم قبول المعدن القسمة كما لو توافيا على حجر واحد. وكل منهما يريد ان يصنع به رحى لنفسه، ولا يصلح الجحر الا لصنع رحى واحد فعند ذلك يقرع بينهما ويأخذه من خرج اسمه مجانا. هذا اذا لم يكن للحجر قمية حينئذاك. واما اذا كان ذا قيمة كالاحجار الثمينة. فهو لاحدهما ويدفع نصف ثمنه إلى الآخر. لكن أخذ احدهما الحجر يكون بالقرعة ايضا.

١٨٩

وعدم امكان الاشتراك(١) ، واستحالة(٢) الترجيح فاشكل المستحق فعين بالقرعة، لانها لكل أمر مشكل(٣) فمن اخرجته القرعة اخذه اجمع ولو زاد عن حاجتهما ولم يمكن اخذهما دفعة لضيق المكان فالقرعة ايضا(٤) وان أمكن القسمة. وفائدتها(٥) تقديم من أخرجته في أخذ حاجته. ومثله(٦) ما لو ازدحم اثنان على نهر، ونحوه(٧) ولم يمكن

___________________________________

(١) اي لعدم امكان اشتراكهما في المعدن على سبيل الاشاعة لجهة من الجهات.

(٢) بالجر عطفا على مدخول (لام الجارة) اي لاستحالة النرجيح بينهما. فلا يدرى ايهما المستحق.

(٣) راجع (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب العتق ص ٢٠٣ الباب ٢٤ الحديث ١. ونفس المصدر ص ٢٠٧ الباب ٥٧ الاحاديث. ونفس المصدر ص ٢٠٨ الباب ٦٦ الحديث ١ ٢. ونفس المصدر كتاب القضاء ص ٤٠٠ الباب ١٣ الاحاديث. ونفس المصدر كتاب القضاء ص ٤٠٣ الباب ٢٠ الاحاديث. ونفس المصدر كتاب الميراث ص ٣٦٧ الباب ٤. من ابواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم الاحاديث.

(٤) في تقديم احدهما على الآخر.

(٥) اي وفائدة القرعة مع امكان القسمة.

(٦) اي ومثل الورود على المعدن دفعة واحدة.

(٧) كالقناة، والعين، والبئر مما يزيد ماؤها عن حاجتهما. لكنه ليس له إلا مدخل واحد، ولا يمكن لكليهما الاخذ منه وحيث لا يمكن الجمع بينهما في الاخذ أقرع بينهما.

١٩٠

الجمع(١) ، ولو تغلب احدهما على الآخر أثم وملك هنا(٢) ، بخلاف تغلبه على أولوية التحجير، والماء الذي لا يفي بغرضهما(٣) . والفرق(٤) : ان الملك مع الزيادة لا يتحقق، بخلاف ما لو لم يزد.

(و) المعادن (الباطنة تملك ببلوغ نيلها)(٥) وذلك هو احياؤها

___________________________________

(١) اي بين المتواردين على القناة، او العين، او النهر الصغير، لضيق مكان الورود فيقرع بينهما في تقديم احدهما على الآخر.

(٢) اي في باب النهر، والعين، والبئر مما يزيد ماؤها عن مقدار حاجتهما. ولا يخفى أن المتواردين على النهر، أو البئر، أو العين لا يملكان مائها، بل يملكان مقدار اخذهما وان كان لهما حق الاولوية في الاخذ. فاذا تغلب احدهما على الآخر ملكه، لانه لم يكن ملكا لاحدهما، وإن كان آثما.

(٣) فان المتغلب لا يملك الماء، أو المكان الذي حجره.

(٤) اي الفرق بين النهر ونحوه مما يزيد ماؤه عن مقدار حاجتهما في أن المتغلب يملك مقدار ما يأخذه إذا تغلب. وبين التحجير فيما لا يفي بغرضهما لقلته في أن المتغلب لا يملك اذا تغلب هو أن في صورة الزيادة عن مقدار حاجتهما والاستباق عليها لم يملكاها إذا استبقا عليها. فاذا تغلب احدهما على الآخر ملك ما اخذه، لانه لم يكن مملوكا لاحد قبل التغلب. بخلاف الاستباق على القليل الذي لا يفي بغرضهما فانه بالاستيلاء يملكه. والمفروض أنهما وردا عليه دفعة واحدة. فاحدهما هو المالك من غير تعيين. فلو دفع احدهما الآخر لا يملك، لسبق الملك على التغلب. لكون الملك لاحدهما لا على التعيين.

(٥) اي إلى المكان الذي يمكن الاخذ من المعدن.

١٩١

وما دونه تحجير، ولو كانت على وجه الارض، او مستورة بتراب يسير لا يصدق معه(١) الاحياء عرفا لم يملك بغير الحيازة كالظاهرة. هذا(٢) كله اذا كان المعدن في أرض مباحة، فلو كان في أرض مملوكة فهو بحكمها، وكذا لو احيا أرضا مواتا فظهر معدن فانه يملكه وان كان ظاهرا إلا أن يكون ظهوره سابقا على احيائه(٣) . وحيث يملك المعدن يملك حريمه وهو منتهى عروقه عادة، ومطرح ترابه، وطريقه، وما يتوقف عليه عمله(٤) إن عمله عنده(٥) ، ولو كان المعدن في الارض المختصة بالامامعليه‌السلام فو له تبعا لها، والناس في غيره(٦) شرع على الاقوى. وقد تقدم الكلام في باب الخمس(٧) .

___________________________________

(١) اي مع كونه فوق الارض، أو عليه تراب يسير. فانه لا يصدق عليه الاحياء.

(٢) اي التملك ببلوغ نيل المعادن الباطنة إلى المكان الذي يمكن الاخذ منه.

(٣) فانه حينئذ لا يملكه الا بالحيازة.

(٤) اي عمل المعدن.

(٥) اي تصدق لعمل ما استخرج من المعدن عند المعدن.

(٦) اي في غير ما يختص بالامامعليه‌السلام .

(٧) في (الجزء الثاني) من طبعتنا الحديثة كتاب الخمس ص ٨٦.

كتاب الصيد والذباحة

١٩٢

١٩٣

١٩٤

كتاب الصيد(١) والذباحة(٢)

وفيه فصول ثلاثة:

___________________________________

(١) مصدر صاد يصيد وزان (باع يبيع) اجوف يأثي.

(٢) بفتح الذال إسم مصدر ذبح يذبح وزان (منع يمنع). ومصدره الذبح.

(الفصل الاول - في آلة الصيد)

(يجوز الاصطياد) بمعنى اثبات(٣) الصيد وتحصيله (بجيمع آلاته) التي يمكن تحصيله بها من السيف، والرمح، والسهم، والكلب، والفهد(٤) ، والبازي(٥) ، والصقر(٦) والعقاب(٧)

___________________________________

(٣) الاثبات هنا بمعنى وضع اليد عليه فقط.

(٥) نوع من السباع، بين الكلب والنمر، وهو منقط.

(٥) مفرد. جمعه أبواز. بواز. بيزان. بزاة: طير من الطيور المفترسة يقال لهذه الطيور: (الجوارح).

(٦) طائر يصاد به جمعه (اصقر. صقور. صقار. صقر).

(٧) طائر من الجوارح يطلق على الذكر والانثى قوي المخالب له منقار اعوج نحو الاسفل جمعه (عقبان اعقب). وجمع الجمع: (عقابين)

١٩٥

والباشق(١) ، والشرك(٢) ، والحبالة(٣) ، والشبكة(٤) ، والفخ(٥) والبندق(٦) ، وغيرها(٧) (و) لكن (لا يؤكل منها) أي من الحيوانات المصيدة المدلول عليها(٨) بالاصطياد (ما لم يذك) بالذبح بعد إدراكه حيا (فلو ادركه) بعد رميه (ميتا)، أو مات قبل تذكيته لم يحل (إلا ما قتل الكلب المعلم) دون غيره على اظهر(٩) الاقوال،

___________________________________

(١) بفتح الشين: طائر صغير من اصغر الطيور المفترسة. جمعه: بواشق.

(٢) بفتح الشين والراء: حبائل الصيد اي (المصيدة) كالتي تصاد بها الفارة. جمعه (شرك) بضم الشين والراء و (أشراك).

(٣) بضم الحاء (المصيدة) جمعها (حبائل).

(٤) بفتح الشين والباء: آلة تعمل من الخيوط والحبال يصاد بها في البر والبحر. جمعها (شبك) بالتحريك و (شباك) بكسر الشين و (شبكات).

(٥) بفتح الفاء آلة يصاد بها. جمعه (فخاخ) بكسر الفاء و (فخوخ) بضم الفاء والخاء.

(٦) بضم الباء وسكون النون جسم كروي يصنع من طين، أو حجر، أو رصاص يرمى به للصيد. ومنه في عصرنا الحاضر (البندقية والمسدس).

(٧) كالفأس. وهي آلة يقطع بها الخشب. والفالة. وهي آله من حديد فيها ثلاث شعب محددة الرؤس يجعل في راس عصا قوية يضرب بها الصيد.

(٨) اي على الحيوانات المصيدة.

(٩) قيد لغير الكلب المعلم. وأما الكلب المعلم فمورد اجماع في أن ما يصيده حلال اكله.

١٩٦

والاخبار(١) . ويثبت تعليم الكلب بكونه (بحيث يسترسل) أي ينطلق (اذا أرسل وينزجر) ويقف عن الاسترسال (اذا زجر) عنه، (ولا يعتاد اكل ما يمسكه) من الصيد (ويتحقق ذلك الوصف) وهو الاسترسال والانزجار، وعدم الاكل (بالتكرار على هذه الصفات) الثلاث مرارا يصدق بها(٢) التعليم عليه عرفا. فاذا تحقق كونا معلما حل مقتوله، وإن خلا عن الاوصاف(٣) إلى أن يتكرر فقدها(٤) على وجه يصدق عليه زوال التعليم عرفا، ثم يجرم مقتوله، ولا يعود(٥) إلى أن يتكرر

___________________________________

(١) راجع (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد الثالث كتاب الصيد والذباحة ص ٢٣١ الباب ١ الاحاديث. واليك نص الاخبار عن ابي بكر الحضرمي عن (ابي عبدالله)عليه‌السلام في جواب سؤاله عن صيد البزاء، والصقورة، والكلب، والفهد. فقالعليه‌السلام : (لا تاكل صيد شئ من هذه إلا ما ذكيته، إلا الكلب المكلب). قلت: فان قتله. قالعليه‌السلام : (كل، لان الله عزوجل يقول: وما علمتم من الجوارح مكلبين فكلوا مما امسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه).

(٢) اي بهذه المرات الثلاث.

(٣) اي وإن خلا الكلب عن الاوصاف المذكورة وهي الاسترسال اذا ارسل. والا نزجار إذا زجر. وعدم اعتياد أكل ما يمسكه.

(٤) اي فقد الاوصاف المذكورة.

(٥) اي الكلب معلما.

١٩٧

اتصافه بها(١) كذلك وهكذا(٢) .

(ولو اكل نادرا، أو لم يسترسل نادرا لم يقدح) في تحقق التعليم عرفا، ولا في زواله(٣) بعد حصوله. كما لا يقدح حصول الاوصاف له نادرا(٤) ، وكذا لا يقدح شربه(٥) الدم.

(ويجب) مع ذلك(٦) بمعنى الاشتراط(٧) امور: (التسمية) لله تعالى من المرسل (عند ارساله) الكلب المعلم. فلو تركها عمدا حرم(٨) ولو كان نسيانا حل(٩) ، ان لم يذكر قبل الاصابة، وإلا اشترط استدراكها عند الذكر ولو مقارنة لها(١٠) ، ولو تركها جهلا

___________________________________

(١) اي بالاوصاف المذكورة بأن يصدق على الكلب أنه معلم.

(٢) اي فيحل مقتوله لو صدقت عليه الاوصاف ويبقى حلالا إلى أن يصدق عليه زوالها فيحرم اكل مقتوله.

(٣) اي زوال التعليم بمجرد خلو الكلب المعلم عن هذه الاوصاف نادرا بعد حصول التعليم له.

(٤) اي كما أن وجود هذه الاوصاف للكلب المعلم في وقت ما لا يصدق المعلم على مثل هذا الكلب.

(٥) اي شرب الكلب المعلم دم ما صاده.

(٦) اي مع وجوب كون الكلب معلما.

(٧) اي وجوب كون الكلب معلما هنا وجوب شرطي، لا تكليفي حتى يجب بل هو شرط للتذكية. فاذا لم يسم عمدا لم يجز اكل الصيد.

(٨) اي اكل الصيد.

(٩) اي اكل الصيد.

(١٠) اي للاصابة.

١٩٨

بوجوبها ففي الحاقه بالعامد، او الناسي وجهان. من(١) أنه عامد ومن(٢) أن الناس في سعة مما لم يعلموا، وألحقه المصنف في بعض فوائده بالناسي. ولو تعمد تركها(٣) عن الارسال ثم استدركها قبل الاصابة ففي الاجزاء قولان. اقربهما الاجزاء، لتناول الادلة له مثل( ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) (٤) ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) (٥) ( واذكروا اسم الله عليه ) (٦) ، وقول الصادقعليه‌السلام : كل مما قتل الكلب اذا سميت عليه(٧) ، ولانه(٨) أقرب إلى الفعل المعتبر في الذكاة فكان(٩) أولى. ووجه المنع دلالة بعض الاخبار(١٠) .

___________________________________

(١) دليل لالحاق الجاهل بالعامد فيحرم اكل ما صاده.

(٢) دليل لالحاق الجاهل بالناسي. فيحل اكل ما صاده.

(٣) اي ترك التسمية.

(٤) الانعام: الآية ١٢١.

(٥) الانعام: الآية ١٨.

(٦) المائدة: الآية ٤.

(٧) (الكافي) الطبعة الحديثة سنة ١٣٧٩ هجرية الجزء ٦ كتاب الصيد والذباحة ص ٢٠٥ الحديث ١٣.

(٨) اي التسمية بعد الارسال، وقبل الاصابة.

(٩) اي إجزاء هذه التسمية اولى من التسمية قبل الارسال.

(١٠) واليك نص بعض تلك الاخبار. عن (ابي عبدالله)عليه‌السلام قال: (اذا ارسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه. فهو ذكاته). راجع الوسائل الطبعة القديمة. المجلد ٣ كتاب الصيد ص ٣٣١ الباب ١ الحديث ٤.

١٩٩

على أن محلها(١) الارسال، ولانه(٢) اجماعي، وغيره(٣) مشكوك فيه ولا عبرة بتسمية غير المرسل. ولو اشترك في قتله كلبان معلمان اعتبر تسمية مرسليهما. فلو تركها احدهما او كان احد الكلبين غير مرسل، او غير معلم لم يحل، والمعتبر من التسمية هنا(٤) . وفي ارسال السهم، والذبح، والنحر ذكر الله المقترن بالتعظيم(٥) ، لانه المفهوم منه كاحد التسبيحات الاربع. وفي اللهم اغفر لي وارحمني، او صل على محمد وآله قولان. اقربهما الاجزاء، دون ذكر الله مجردا(٦) مع احتماله(٧) ، لصدق الذكر وبه قطع الفاضل. وفي اشتراط وقوعه بالعربية قولان. من(٨) صدق الذكر.

___________________________________

(١) اي محل التسمية.

(٢) از اجزاء التسمية حال الارسال.

(٣) اي واجزاء التسمية بعد الارسال مشكوك فيه. فالاصل عدم جواز اكله، لان الاصل عدم التذكية.

(٤) اي في الكلب المعلم.

(٥) كقوله: سبحان الله. أو الحمدلله. أو لا اله الا الله.

(٦) اي عن التعظيم. كأن يقول: الله.

(٧) اي مع احتمال اجزاء اسم الله مجردا عن التعظيم.

(٨) دليل لعدم اشتراط العربية. فلو قال المرسل حين الارسال بالفارسية: " بنام خدا " أو بالانجليزية: " ماي گود " اي ربي. أو بالفرنسية: " أوديو " اي لله. كفى ذلك وجاز أكله.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373