الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية الجزء ٧

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية15%

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 373

  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25635 / تحميل: 6960
الحجم الحجم الحجم
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وتصريح(١) القرآن باسم الله العربي. والاقوى الاجزاء، لان المراد من الله تعالى في الآية الذات، لا الاسم. وعليه(٢) يتفرع ذكر الله تعالى بأسمائه المختصة به(٣) غير الله. فعلى الاول(٤) يجزي، لصدق الذكر، دون الثاني(٥) ، ولكن هذا(٦) مما لم ينبهوا عليه (وأن يكون المرسل مسلما، أو بحكمه) كولده المميز غير البالغ ذكرا كان، أو انثى. فلو أرسله الكافر لم يحل وإن سمى، او كان ذميا على الاصح، وكذا الناصب(٧) من المسلمين والمجسم(٨) اما غيرهما من المخالفين ففي حل صيده الخلاف الآتي في الذبيحة، ولا يحل صيد الصبي غير المميز، ولا المجنون، لاشتراط

___________________________________

(١) دليل لاشتراط العربية.

(٢) اي وعلى أن المراد من " الله " في الآية الشريفة: الذات المقدسة " لا مجرد الاسم.

(٣) كالخالق، والرازق، والمحيي، والمميت.

(٤) وهو أن المراد من (الله) في الآية الكريمة (الذات المقدسة) فتجزي الاسماء المختصة به.

(٥) وهو أن المراد من (الله) في الآية الشريفة (الاسم) فلا تجزي من صفات الله غير اسم الجلالة، لعدم صدق اسم (الله) على ما يتلفظ به من الصفات.

(٦) اي أن المراد من اسم (الله) تعالى هل هي (الذات، المقدسة)، او الاسم.

(٧) وهو الذي يظهر العداء (لاهل البيت) عليهم الصلاة والسلام (الذين اذهب الله عنهم الرجس اهل البيت وطهرهم تطهيرا).

(٨) وهو الذي يقول: بأن (الله) جل جلاله جسم.

٢٠١

القصد(١) ، واما الاعمى فان تصور فيه قصد الصيد حل صيده، وإلا فلا.

(وأن يرسله للاصطياد) فلو استرسل من نفسه، أو أرسله لا للصيد فصادف صيدا فقتله لم يحل وإن زاده(٢) اغراء. نعم لو زجره فوقف ثم ارسله حل.

(وأن لا يغيب الصيد) عن المرسل (وحياته(٣) مستقرة) بأن يمكن أن يعيش ولو نصف يوم فلو غاب كذلك(٤) لم يحل، لجواز استناد القتل إلى غير الكلب، سواء وجد الكلب واقفا عليه أم لا، وسواء وجد فيه أثرا غير عضة الكلب أم لا، وسواء تشاغل(٥) عنه أم لا، وأولى منه(٦) لو تردى من جبل، ونحوه(٧) وان لم يغب فان

___________________________________

(١) والقصد لا يتأتي منهما.

(٢) اي وان زاد صاحب الكلب الكلب إغراء وحثا على الصيد.

(٣) اي حياة الصيد.

(٤) اي ولو غاب الصيد عن المرسل وحياته مستقرة، ثم ادركه فوجده ميتا لم يحل له.

(٥) اي ذهب الكلب عنه.

(٦) اي واولى من الغياب مستقر الحياة في عدم الحلية لو تردى الصيد اي وقع من مكان مرتفع، أو سقط في بئر وان لم يغب الصيد عن عين الصائد، بل وقع امامه. والتردى بمعنى السقوط من باب التفعل.

(٧) كما لو وقع في بئر.

٢٠٢

الشرط موته بجرح الكلب حتى لو مات باتعابه(١) ، او غمه(٢) لم يحل. نعم(٣) لم علم انتفاء سبب خارجي، او غاب(٤) بعد أن صارت حياته غير مستقرة وصار في حكم المذبوح، او تردى(٥) كذلك حل. ويشترط مع ذلك(٦) كون الصيد ممتنعا(٧) ، سواء كان وحشيا(٨) أم أهليا، فلو قتل غير الممتنع من الفروخ، أو الاهلية لم يحل.

(ويؤكل أيضا) من الصيد (ما قتله السيف، والرمح والسهم وكل ما فيه نصل)(٩) من حديد، سواء خرق ام لا حتى لو قطعه

___________________________________

(١) مرجع الضمير (الصيد). والمصدر مضاف إلى المفعول. والفاعل وهو (الكلب المعلم) محذوف: اي لو مات الصيد بسبب إتعاب (الكلب) له بأن اتعبه بالعدو، والركض.

(٢) يحتمل أن يكون غمه بمعنى اخافه ومرجع الضمير في غمه (الصيد). والمصدر مضاف إلى الفاعل المحذوف وهو (الكلب المعلم) اي لو مات الصيد خوفا من (الكلب) لم يحل اكله.

(٣) استثناء من عدم جواز اكل ما غاب مستقر الحياة. فالمعنى: أن الصيد لو غاب مستقر الحياة ثم وجده ميتا وعلم أن موته مستند إلى الكلب، لا إلى سبب خارجي حل اكله.

(٤) اي غاب الصيد عن نظر الصائد.

(٥) اي سقط من جبل، أو وقع في بئر كذلك اي غير مستقر الحياة.

(٦) اي مع الشروط المذكورة. وهو كون الصائد مسلما. وكون الكلب معلما. والتسمية عند الارسال. وأن يرسله للاصطياد. وأن لا يغيب وحياته مستقرة.

(٧) اي لا يألف الناس.

(٨) اي من حيوانات البر.

(٩) بفتح النون، وسكون الصاد وهي حديدة تجعل في اعلى الرمح، أو في اسفل العصا.

٢٠٣

بنصفين اختلفا أم اتفقا تحركا أم لا حلا، إلا أن يكون ما فيه الرأس مستقر الحياة فيذكى ويحرم الآخر(١) .

(والمعراض(٢) ) ونحوه من السهام المحددة التي لا نصل لها (اذا خرق اللحم) فلو قتل معترضا لم يحل دون المثقل(٣) كالحجر، والبندق فانه لا يحل وان خرق وكان(٤) البندق من حديد. والظاهر أن الدبوس(٥) بحكمه إلا أن يكون محددا بحيث يصلح للخرق وان لم يخرق.

(كل ذلك(٦) مع التسمية) عند الرمي، او بعده قبل الاصابة، ولو تركها عمدا او سهوا، أو جهلا فكما سبق(٧) (والقصد) إلى الصيد فلو وقع السهم من يده فقتله، أو قصد الرمي لا له فقتله، أو قصد خنزيرا فأصاب

___________________________________

(١) اي النصف الآخر الذي لا راس فيه وقد انقطع نصفين بسبب تلك الآلة الحديدية.

(٢) بكسر الميم وزان (محراب) سهم بلا ريش. دقيق الطرفين. غليظ الوسط. يصيب بعرضه دون حده. جمعه (معاريض).

(٣) المراد: الآلة التي تقتل الصيد بثقله. لا بالخرق والشق.

(٤) اي حتى لو كان الذي يصيب الصيد (بندقا) من حديد فانه لا يحل اكل هذا الصيد.

(٥) بفتح الدال وضمها عصا من حديد، أو خشب في راسها شئ كالكرة وعند العامة يقال لها: (المقوار) اي الدبوس بحكم البندق في أنه لو صيد بها لا يحل اكله.

(٦) اي جواز الاكل.

(٧) من انه لو ترك التسمية عمدا لا يجوز اكل ما صاده أما سهوا ونسيانا فيجوز اكله وجهلا الوجهان السابقان: الجواز، والعدم.

٢٠٤

ظبيا، أو ظنه خنزيرا فبان ظبيا لم يحل. نعم لا يشترط قصد عينه(١) حتى لو قصد فأخطأ فقتل صيدا آخر حل. ولو قصد محللا ومحرما حل المحلل.

(والاسلام) أي اسلام الرامي، او حكمه كما سلف(٢) وكذا يشترط موته بالجرح، وأن لا يغيب عنه وفيه حياة مستقرة وامتناع المقتول كما مر(٣) .

(ولو اشترك فيه(٤) آلتا(٥) ملسم وكافر(٦) ) أو قاصد(٧) وغيره، او مسم(٨) ، وغيره. وبالجملة فآلة جامع(٩) للشرائط، وغيره(١٠) (لم يحل(١١) إلا أن يعلم أن جرح المسلم) ومن بحكمه(١٢)

___________________________________

(١) اي عين الصيد.

(٢) في كلام (المصنف): (وأن يكون المرسل مسلما، أو بحكمه).

(٣) في صيد الكلب آنفا.

(٤) اي في قتل الصيد.

(٥) تثنية (آلة) اصلها آلتان حذفت النون بالاضافة.

(٦) بأن اشتركا في القتل بأن رمياه دفعة واحدة ومات الصيد من رميهما.

(٧) اي اشترك في قتل الصيد آلتا قاصد، وغير قاصد بأن كان احد الراميين عابثا، والآخر صائدا.

(٨) بأن كان هناك صائدان فقصدا الصيد فسمى احدهما عند الرمي، دون الآخر.

(٩) بالجر صفة لموصوف محذوف اي آلة صائد جامع للشرائط.

(١٠) اي وغير جامع للشرائط. اي وآلة صائد غير جامع للشرائط كأن تكون احدى الآلتين ذات نصل، والاخرى ليست كذلك كالحجر والبندق.

(١١) اي لم يحل الصيد المقتول بالآلتين المذكورتين.

(١٢) او جرح القاصد للصيد، أو المسمي عند الصيد.

٢٠٥

(او كلبه)(١) لو كانت الآلة كلبين فصاعدا (هو القاتل) خاصة وان كان الآخر معينا على اثباته(٢) (ويحرم الاصطياد بالآلة المغصوبة) لقبح التصرف في مال الغير بغير اذنه(٣) ، (و) لكن (لا يحرم الصيد بها)(٤) ويملكه الصائد (وعليه اجرة الآلة)، سواء كان كلبا ام سلاحا.

(ويجب عليه غسل موضع العضة) من الكلب جمعا بين نجاسة الكلب، واطلاق الامر(٥) بالاكل. وقال الشيخ: لا يجب(٦) ، لاطلاق الامر(٧) بالاكل منه(٨) من غير أمر بالغسل وانما يحل المقتول بالآلة مطللقا(٩) اذا أدركه ميتا،

___________________________________

(١) اي كلب المسلم، أو كلب القاصد للصيد، أو كلب المسمي عند الصيد.

(٢) ففي هذه الصور كلها يحل الصيد المقتول. والمراد من الاثبات وضع اليد على الصيد.

(٣) كما مر في مقدمة ما ذكرناه في أول كتاب (الغصب) الجزء السابع من طبعتنا الحديثة.

(٤) اي لا يحرم الصيد بالآلة المغصوبة من حيث الاكل لو صيد بها، وان كان الصائد يعاقب ويجب عليه دفع الاجرة.

(٥) في قولهعليه‌السلام : (اذا صاد الكلب وقد سمى فليأكل).

(الوسائل) المجلد ٣ الطبعة القديمة كتاب الصيد والذباحة ص ٢٨٤ الباب ١٢ الحديث ١.

(٦) اي غسل موضع العضة.

(٧) وهي الرواية المشار اليها في الهامش رقم ٥.

(٨) اي مما اصطاده الكلب.

(٩) اي سواء كانت الآلة كلبا ام غيره.

٢٠٦

أو في حكمه(١) .

(ولو ادرك ذو السهم، أو الكلب الصيد) مع اسراعه اليه حال الاصابة (وحياته مستقرة ذكاه، وإلا) يسرع(٢) أو لم يذكه (حرم ان اتسع الزمان لذبحه) فلم يفعل(٣) حتى مات، ولو قصر الزمان عن ذلك(٤) فالمشهور حله وان كانت حياته مستقرة، ولا منافاة بين استقرار حياته، وقصور الزمان عن تذكيته مع حضور الآلة، لان استقرار الحياة مناطه الامكان(٥) ، وليس كل ممكن بواقع، ولو كان عدم امكان ذكاته لغيبة الآلة التي تقع بها الذكاة، او فقدها بحيث يفتقر إلى زمان طويل عادة فاتفق موته فيه(٦) لم يحل قطعا.

___________________________________

(١) اي غير مستقر الحياة.

(٢) بان ابطأ الصياد عن الصيد، او أسرع اليه ولكن لم يذكه. هذا مع استقرار حياة الصيد.

(٣) اي لم يذبحه.

(٤) اي عن الذبح.

(٥) اي امكان الحياة.

(٦) اي في هذا الزمن الطويل لم يحل اكل هذا الصيد، لعدم استناد موته إلى الآلة.

(الفصل الثاني - في الذباحة)

غلب العنوان(٧) عليها مع كونها أخص مما يبحث عنه

___________________________________

(٧) اي غلب عنوان هذا الفصل على الذباحة اي تعنون هذا الفصل بالذباحة وهذا اشكال على هذا العنوان الخاص وهو: ان الذباحة اخص مما يذكر في هذا الفصل، لانها عبارة عن فري الاوداج: والمذكور في هذا الفصل اعم من الذباحة. حيث إنه يبحث فيه عن النحر، وذكاة السمك والجراد. فلماذا اختار (المصنف) لهذا الفصل عنوان الذباحة فقط وقال: (الفصل الثاني في الذباحة).

فاجاب (الشارح)رحمه‌الله ما خلاصته: أن (المصنف)رحمه‌الله تجوز بتسمية الكلي باسم بعض أفراده وهي الذباحة الحاصلة بفري الاوداج، أو باسم اشهر أفراده وهي الذباحة الخاصة.

٢٠٧

في الفصل، فان النحر وذكاة السمك، ونحوه(١) خارج عنها(٢) تجوزا في بعض الافراد، او اشهرها، ولو جعل العنوان الذكاة كما فعل في الدروس كان أجود، لشموله(٣) الجميع (ويشترط في الذابح الاسلام، أو حكمه) وهو طفله المميز فلا تحل ذبيحة الكافر مطلقا، وثنيا كان أم ذميا سمعت تسميته أم لا على أشهر الاقوال. وذهب جماعة إلى حل ذبيحة الذمي اذا سمعت تسميته. وآخرون إلى حل ذبيحة غير المجوسي مطلقا(٤) وبه(٥) أخبار

___________________________________

(١) كاخذ الجراد حيا.

(٢) اي النحر، وذكاة السمك، واخذ الجراد حيا خارج عن (الذباحة).

(٣) اي شمول عنوان الذكاة جميع الاقسام.

(٤) سواء سمعت تسميته ام لا.

(٥) اي وبجواز أكل ذبيحة غير المجوسي مطلقا، سواء سمعت تسميته ام لا أخبار صحيحة. راجع (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب الذباحة ص ٢٤٣ ٢٤٤ الباب ٢٧ الخبر ٣٣ ٣٤ ٣٥ ٣٦ ٣٧ ٣٨ ٣٩ ٤٠.

واليك نص بعضها. عن (جميل ومحمد بن حمران) أنهما سئلا (ابا عبدالله)عليه‌السلام عن ذبايح اليهود والنصارى والمجوس. فقالعليه‌السلام : (كل). فقال بعضهم: إنهم لا يسمون. فقالعليه‌السلام : (فان حضرتموهم فلم يسموا فلا تاكلوا). وقالعليه‌السلام : (اذا غاب فكل).

٢٠٨

صحيحة معارضة(١) بمثلها فحملت(٢) على التقية، او الضرورة.

(ولا يشترط الايمان)(٣) على الاصح، لقول علي أمير المؤمنينعليه‌السلام : " من دان بكلمة الاسلام، وصام فذبيحته لكم حلال اذا ذكر اسم الله عليه "(٤) ومفهوم الشرط أنه اذا لم يذكر اسم الله عليه

___________________________________

(١) باسم المفعول اي هذه الاخبار الدالة على جواز اكل ذبيحة غير المجوسي مطلقا المشار اليها في الهامش رقم ٥ ص ٢٠٨ عارضها أخبار صحيحة آخر مثلها. راجع (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب الذباحة ص ٢٤٣، ٢٤٤ الباب ٢٧ من خبر ١ إلى ٣٢. واليك نص بعض تلك الاخبار.

عن (زيد الشحام) قال: سئل (ابو عبدالله الصادق)عليه‌السلام عن ذبيحة الذمي. فقالعليه‌السلام : (لا تأكله ان سم وان لم يسم). وتذكير الضمير في (لا تاكله) باعتبار اللحمم المدلول عليه بالذبيحة.

(٢) اي الاخبار الدالة على جواز اكل ذبيحة غير المجوسي مطلقا حملت على التقية، أو في مورد الضرورة.

(٣) اي الاقرار والاعتراف امامة (الائمة الاثني عشر) بعد (النبي)صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٤) (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد الثالث كتاب الذباحة ص ٢٤٥ الباب ٢٨ الحديث ١.

٢٠٩

لم يحل. وهل يشترط مع الذكر اعتقاد وجوبه(١) قولان: من(٢) صدق ذكر اسم الله عليه، وأصالة(٣) عدم الاشتراط. ومن اشترطه(٤) اعتبر ايقاعه(٥) على وجه كغيره(٦) من العبادات الواجبة. والاول(٧) أقوى. وحيث لم يعتبر الايمان صح مع مطلق الخلاف(٨) .

(اذا لم يكن بالغا حد النصب) لعدواة أهل البيت عليهم السلام فلا تحل حينئذ(٩) ذبيحته، لرواية أبي بصيرعن أبي عبداللهعليه‌السلام

___________________________________

(١) اي اعتقاد الذابح وجوب ذكر الاسم عند الذبح.

(٢) دليل لعدم اشتراط اعتقاد الوجوب، بل يكفي ذكر اسم الله وان لم يكن الذاكر معتقدا بوجوبه.

(٣) بالجر عطفا على مدخول (من الجارة). دليل ثان لعدم اشتراط اعتقاد وجوب ذلك الاسم عند الذبح.

(٤) اي ومن اشتراط اعتقاده الوجوب.

(٥) أي هو من الذين يرون لزوم اداء الواجب بنية الوجوب. ولهذا اعتبر اعتقاد الوجوب في التسمية ليوقعها على وجهها. اي بنية الوجوب. فهذا دليل لاشتراط اعتقاد وجوب التسمية حتى يتاتى منه نية الوجوب عند التسمية.

(٦) اي كغير التسمية من بقية العبادات. وتذكير الضمير باعتبار أن التسمية مصدر.

(٧) اي الدليل الاول الدال على عدم اشتراط اعتقاد الوجوب في التسمية للذابح اذا كان من سائر فرق المسلمين.

(٨) اي من اي فرق المسلمين كانوا من (الشيعة أو السنة).

(٩) اي حين ان بلغ عداؤهم إلى حد النصب.

٢١٠

قال: " ذبيحة الناصب لا تحل(١) "، ولارتكاب(٢) الناصب خلاف ما هو المعلوم من دين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثبوته ضرورة(٢) فيكون كافرا فيتناوله ما دل على تحريم ذبيحة الكافر. ومثله(٤) الخارجي والمجسم. وقصر جماعة الحل على ما يذبحه المؤمن، لقول الكاظمعليه‌السلام لزكريا بن آدم: " إني انهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك، إلا في وقت الضرورة اليه "(٥) . ويحمل(٦) على الكراهة بقرينة الضرورة فانها(٧) أعم من وقت تحل فيه الميتة. ويمكن حمل النهي الوارد في جميع الباب(٨) عليه(٩) عليها(١٠)

___________________________________

(١) (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب الذباحة ص ٢٤٥ الباب ٢٨ الحديث ٢.

(٢) دليل ثان لعدم حلية ذبيحة الناصبي.

(٣) وهو حب (اهل البيت) االذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فلا اقل من ثبوت حرمة بغضهم.

(٤) اي ومثل الناصبي في عدم حلية ذبيحة. الخارجي والمجسم عليهم لعائن الله.

(٥) (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب الذباحة ص ٢٤٥ الباب ٢٨ الحديث ٥.

(٦) اي الكراهة في هذه الرواية في قولهعليه‌السلام : (إني انهاك)؟..

(٧) اي الضرورة اعم اي أنها تصدق وان لم تصل إلى مرتبة حل اكل الميتة.

(٨) اي في باب الذبيحة.

(٩) اي على ذبح المخالف.

(١٠) اي على الكراهة.

٢١١

جمعا(١) ولعله(٢) اولى من الحمل على التقية والضرورة.

(ويحل ما تذبحه المسلمة، والخصي)، والمجبوب، (والصبي المميز) دون المجنون، ومن لا يميز، لعدم القصد (والجنب)(٣) مطلقا (والحائض) والنفساء، لانتفاء المانع مع وجود المقتضي للحل(٤) ؟ (والواجب في الذبيحة امور سبعة الاول ان يكون) فري الاعضاء (بالحديد) مع القدرة عليه، لقول الباقرعليه‌السلام : لا ذكاة إلا بالحديد(٥) (فان خيف فوت الذبيحة) بالموت، وغيره(٦) .

(وتعذر الحديد جاز بما يفري الاعضاء من ليطة)(٧) وهي القشر لاعلى للقصب المتصل به (أو مروة(٨) حادة) وهي حجر يقدح النار (أو زجاجة) مخير في ذلك من غير ترجيح. وكذا ما اشبهها من الآلات

___________________________________

(١) اي لاجل الجمع بين الاخبار المتخالفة الدالة بعضها بعمومها على جواز اكل ذبايح المخالف كما اشير اليها في الهامش رقم ٤ ص ٢٠٩. وبعضها على النهي كما أشير اليها في الهامش رقم ٥ ص ٢١١. تحمل الاخبار الناهية على الكراهة.

(٢) اي هذا الجمع اولى، لئلا يلزم العسر والحرج.

(٣) اي تحل ذبيحة الجنب مطلقا، سواء كانت الجنابة من حلال ام من حرام.

(٤) وهو كون الذابح مسلما مع اجتماع بقية الشرائط.

(٥) (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب الذباحة ص ٢٣٨ الباب ١ الحديث ١؟.

(٦) كفراره من يد الذابح باعتبار أنه قوي يتمكن من الفرار.

(٧) بفتح اللام وسكون الياء اجوف ياتي من (لاط يليط).

(٨) بفتح الميم وسكون الراء.

٢١٢

الحادة غير الحديد، لصحيحة زيد الشحام عن الصادقعليه‌السلام قال: اذبح بالحجر، والعظم، وبالقصبة، وبالعود اذا لم تصب الحديدة اذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس(١) وفي حسنة عبدالرحمان بن الحجاج عن الكاظمعليه‌السلام قال: سألته عن المروة والقصبة والعود نذبح بها اذا لم نجد سكينا فقال: اذا فري الاوداج فلا بأس بذلك(٢) .

(وفي الظفر والسن) متصلين(٣) ومنفصلين(٤) (للضرورة قول بالجواز) لظاهر الخبرين السالفين(٥) . حيث اعتبر فيهما قطع الحلقوم، وفري الاوداج ولم يعتبر خصوصية القاطع. وهو(٦) موجود فيهما، ومنعه(٧) الشيخ في الخلاف محتجا بالاجماع، ورواية رافع بن خديج أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما انهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا، او ظفرا وسأحدثكم عن ذلك. أما السن فعظم،

___________________________________

(١) (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب الذباحة ص ٢٣٨ الباب ٢ الحديث ٣.

(٢) (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب الذباحة ص ٢٣٨ الباب ٢ الحديث.

(٣) اي متصلين ببدن الانسان الذابح.

(٤) اي منفصلين عن بدن الانسان الذابح.

(٥) وهما: صحيحة (زيد الشحام) المشار اليها في الهامش رقم ١. وحسنة (عبدالرحمن بن الحجاج) المشار اليها في الهامش رقم ٢.

(٦) اي فري الاوداج. وقطع الحلقوم موجود في الظفر والسن ايضا.

(٧) اي منع (الشيخ) حلية الذبح بالظفر والسن.

٢١٣

وأما الظفر فمدى الحبشة(١) والرواية عامية(٢) ، والاجماع(٣) ممنوع. نعم يمكن أن يقال مع اتصالهما(٤) : إنه يخرج عن مسمى الذبح بل هو(٥) أشبه بالاكل، والتقطيع، واستقرب المصنف في الشرح المنع منهما(٦) مطلقا. وعلى تقدير الجواز(٧) هل يساويان غيرهما مما يفري غير الحديد، او يترتبان على غيرهما مطلقا(٨) مقتضى استدلال المجوز بالحديثين الاول(٩)

___________________________________

(١) (نيل الاوطار) الجزء ٨ ص ١٤٦ ١٤٨ الطبعة الثانية ١٣٧١ هجري الحديث ٦. و (مدى) بضم الميم مقصورا جمع المدية بضمها ايضا وهو السكين.

(٢) اي ليست من طرقنا نحن (الشيعة الامامية الاثني عشرية).

(٣) اي الاجماع المدعى في قول (الشيخ)قدس‌سره .

(٤) اي السن والظفر ببدن الانسان.

(٥) اي الذبح بالسن والظفر اشبه بالتقطيع وليس ذبحا.

(٦) اي المنع من الذبح بالسن والظفر مطلقا، سواء كانا متصلين ببدن الانسان ام منفصلين.

(٧) اي جواز الذبح بالسن والظفر هل هما يساويان بقية ادوات الذبح من غير الحديد. فيجوز الذبح بهما مع التمكن من الذبح ببقية الادوات الحديدية فهما في عرض تلك الادوات. او يترتب السن والظفر على بقية الادوات الغير الحديدية. بمعنى انه يجوز بهما الذبح عند عدم التمكن من بقية الادوات الغير الحديدية فهما في طول تلك الادوات.

(٨) سواء كان السن والظفر متصلين ببدن الانسان ام منفصلين.

(٩) وهو كون السن والظفر في عرض الادوات الغير الحديدية فيتخير الذابح بينهما، وبينها.

٢١٤

وفي الدروس استقرب الجواز بهما مطلقا(١) مع عدم غيرهما(٢) وهو(٣) الظاهر من تعليقه الجواز بهما هنا على الضرورة، اذ لا ضرورة مع وجود غيرهما. وهذا هو الاولى.

(الثاني استقبال القبلة) بالمذبوح، لا استقبال الذابح. والمفهوم من استقبال المذبوح الاستقبال بمقاديم بدنه. ومنه(٤) مذبحه. وربما قيل بالاكتفاء باستقبال المذبح خاصة، وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الذبيحة فقال: استقبل بذبيحتك القبلة(٥) الحديث تدل على الاول(٦) . هذا(٧) (مع الامكان) ومع التعذر لاشتباه الجهة، أو الاضطرار

___________________________________

(١) سواء كان السن والظفر متصلين ام منفصلين.

(٢) فيكونان في المرتبة الثالثة. بمعنى أنه بعد عدم الادوات غير الحديدية تصل النوبة اليهما.

(٣) اي كونهما في المرتبة الثالثة هو الظاهر من تعليق (المصنف) جواز الذبح بهما عند الضرورة في قوله: (وفي الظفر والسن للضرورة قول بالجواز).

(٤) اي ومن الاستقبال بمقاديم بدنه الاستقبال بمذبح الحيوان وهو محل ذبحه، او نحره.

(٥) (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد الثالث كتاب الذباحة ص ٢٣٩ الباب ٦ الحديث ١.

(٦) وهو استقبال مقاديم البدن فقط، دون المذبح خاصة.

(٧) اي مطلق الاستقبال.

٢١٥

لتردي الحيوان، أو استعصائه(١) ، أو نحوه(٢) يسقط (ولو تركها(٣) ناسيا فلا بأس) للاخبار الكثيرة(٤) . وفي الجاهل وجهان، وإلحاقه بالناسي حسن، وفي حسنة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن أن يوجهها إلى القبلة قال: كل منها(٥) .

(الثالث التسمية) عند الذبح (وهي أن يذكر اسم الله تعالى) كما سبق(٦) ، فلو تركها عمدا فهي ميتة اذا كان معتقدا لوجوبها، وفي غير المعتقد(٧)

___________________________________

(١) اي الحيوان لا يسلم نفسه للذبح.

(٢) كان سقط على الحيوان حائط، او صخرة عظيمة بحيث يموت لو ازيحت الانقاض عنه. او اجبر الظالم الغابح على الذبح، وعلى غير القبلة ولا يمكن دفعه.

(٣) مرجع الضمير (القبلة) والمراد: استقبالها مجازا.

(٤) (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد الثالث كتاب الذباحة ص ٢٤٠ الباب ١٤ الحديث ٣ ٤ ٥. واليك نص احدها سئل (ابوعبدالله)عليه‌السلام عن الذبيحة تذبح بغير القبلة. فقالعليه‌السلام : (لا بأس اذا لم يتعمد).

(٥) نفس المصدر الحديث ٢.

(٦) في شرح قول (المصنف): (ولا يشترط الايمان).

(٧) اي غير المعتقد لوجوب التسمية عند الذبح من فرق المسلمين اذا لم يسم فهل ذبيحته ميتة فلا يجوز اكلها ام مذكاة.

٢١٦

وجهان(١) ، وظاهر الاصحاب التحريم، لقطعهم(٢) باشتراطها من غير تفصيل. واستشكل(٣) المصنف ذلك، لحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الاطلاق ما لم يكن ناصبا، ولا ريب أن بعضهم لا يعتقد وجوبها. ويمكن دفعه(٤) بأن حكمهم بحل ذبيحته من حيث هو مخالف، وذلك(٥) لا ينافي تحريمها من حيث الاخلال بشرط آخر(٦) .

___________________________________

(١) وهما: اشتراط التسمية في الذبيحة وهنا لم يسم فميتة. وان الذابح لا يرى وجوبها فيكون شأنه شأن الجاهل فمذكاة فيحل اكلها.

(٢) اي لحكم الفقهاء الحكم القطعي بحل ذبيحة المخالف على الاطلاق، سواء سمى ام لم يسم. فهذا الاطلاق من الفقهاء بهذه الصورة دليل على ان المخالف الذي لا يعتقد وجوب التسمية اذا تركها عند الذبح تكون ذبيحته مذكاة يحل اكلها.

(٣) اي توقف في حلية ذبيحة المخالف الذي لا يعتقد وجوب التسمية عند الذبح.

(٤) اي دفع اشكال (المصنف) وتوقفه في حلية ذبيحة المخالف الذي لا يعتقد وجوب التسمية. يبيان: ان حكم الاصحاب بحلية ذبيحة المخالف مطلقا، سواء سمى ام لم يسم لم يكن ناظرا من حيث الاخلال بالتسمية وعدمها. بل انما كان نظرهم في حلية ذبيحته من حيث إنه مخالف، لا من حيث الاخلال بشرط آخر وهي التسمية مثلا.

(٥) اي حكمهم اليقطعي بحلية ذبيحة المخالف لا ينافي تحريم الذبيحة من حيث عدم التسمية.

(٦) كالاخلال بالتسمية.

٢١٧

نعم يمكن أن يقال: بحلها منه(١) عند اشتباه الحال عملا بأصالة الصحة(٢) ، واطلاق(٣) الادلة، وترجيحا للظاهر(٤) من حيث رجحانها عند من لا يوجبها، وعدم(٥) اشتراط اعتقاد الوجوب، بل المعتبر فعلها(٦) كما مر(٧) وانما يحكم بالتحريم مع العلم بعدم تسميته وهو حسن.

___________________________________

(١) اي من المخالف عند اشتباه الحال بأن لم يعلم انه سمى ام لا.

(٢) اي بحمل فعل المسلم على الصحة. حمل أفعال المسلم على الصحة قاعدة كلية متخذة من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله (احمل فعل اخيك على أحسنه). فعند الشك في أن أفعاله صادرة وفق الطرق والموازين الشرعية تحمل إلى الصحة. ببيان: أن المسلم بما أنه مسلم ومتدين بالدين الحنيف، ملتزم باحكام الاسلام والعمل بها. وأنه لا يخالفها. فكل فعل اذا صدر عنه عند الشك في كيفية وروده يحمل على الصحة، من دون توقف.

(٣) بالجر عطفا على مدخول (باء الجارة) اي عملا باطلاق الادلة وهي الاخبار الدالة على حلية ذبيحة المخالف المشار اليها في الهامش رقم ٤ ص ٢٠٩.

(٤) دليل ثالث لحلية ذبيحة المخالف المشتبه الحال ببيان: أن التسمية عندهم مستحبة. فالظاهر أنهم يسمون عند الذبيحة.

(٥) بالجر عطفا على رجحانها اي ومن حيث عدم اشتراط اعتقاد وجوب التسمية. بمعنى: أن التسمية مجزية ولو لم يعتقد الذابح وجوبها.

(٦) اي المعتبر في التسمية اداؤها وايقاعها.

(٧) في ص ٢١٠.

٢١٨

ومثله(١) القول في الاستقبال (ولو تركها ناسيا حل) للنص(٢) وفي الجاهل الوجهان(٣) ويمكن الحاق المخالف الذي لا يعتقد وجوبها بالجاهل(٤) ، لمشاركته في المعنى خصوصا المقلد منهم.

(الرابع اختصاص الابل بالنحر) وذكره في باب شرائط الذبح استطراد او تغليب لاسم الذبح على ما يشمله(٥) (وما عداها)(٦) من الحيوان القابل للتذكية غير ما يستثنى(٧) (بالذبح، فلو عكس) فذبح الابل، أو جمع بين الامرين(٨) ، أو نحر ما عداها مختارا(٩)

___________________________________

(١) اي مثل التسمية في صحة ذبيحة المخالف غير المعتقد بوجوبها صحة ذبيحة المخالف غير المعتقد بوجوب الاستقبال عند اشتباه حاله.

(٢) (الوسائل) الطبعة القديمة المجلد ٣ كتاب الذباحة ص ٢٤٠ الباب ١٥ الحديث ٢ ٣ ٤.

(٣) اي الوجهان السابقان في الاستقبال وهما: لحقوق الجاهل بالناسي. او العامد. اختار (الشارح)رحمه‌الله الحاقه بالناسي من حيث حلية الذبيحة.

(٤) اي بالجاهل بوجوب التسمية. فعلى هذا تحل ذبيحة المخالف وان لم يسم.

(٥) اي على ما يشمل النحر.

(٦) اي ما عدا الابل يختص بالذبح. وتانيث الضمير باعتبار أن اسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها اذا كانت لغير الآدميين تؤنث.

(٧) كالسمك والجراد.

(٨) وهما: الذبح. والنحر.

(٩) قيد لذبح الابل. ونحر ما عداها اي لو وقع ذبح الابل على وجه الاختيار. ونحر الغنم والبقر على وجه الاختيار ايضا حرم اكل الكل.

٢١٩

(حرم) ومع الضرورة كالمستعصي يحل كما يحل طعنه(١) كيف اتفق، ولو استدرك الذبح بعد النحر(٢) ، أو بالعكس(٣) احتمل التحريم، لاستناد موته اليهما(٤) ، وان كان كل منهما(٥) كافيا في الازهاق لو انفرد. وقد حكم المصنف وغيره باشتراط استناد موته إلى الذكاة خاصة(٦) وفرعوا عليه(٧) أنه لو شرع في الذبح فنزع آخر حشوته(٨) معا فميتة

___________________________________

(١) اي طعن المستعصي.

(٢) بان نحر الابل او لا ثم ذبحها.

(٣) بان ذبح الغنم ثم نحره.

(٤) اي لاستناد موت الابل إلى كل واحد من النحر والذبح، وموت الغنم إلى الذبح والنحر وهو غير جائز.

(٥) اي كل واحد من النحر والذبح كاف في ازهاق روح الغنم والابل.

(٦) اي اشترط (المصنف)رحمه‌الله استناد موت الابل إلى النحر خاصة واستناد موت الغنم إلى الذبح خاصة.

(٧) اي على اشتراط استناد موت الابل إلى النحر خاصة، وموت الغنم إلى الذبح خاصة.

(٨) بضم الحاء وكسرها، وسكون الشين: أمعاء الحيوان ومصرانه و (معا) منصوب على الحالية وقيد للذابح، والنازع حشاشة الحيوان. والمعنى انه لو اشترك اثنان في ازهاق روح الحيوان بان ذبح احدهما، ونزع الآخر حشاشته بحيث يكونان ممعا شريكين في قتل الحيوان فان الحيوان حينئذ يحرم

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

فتحصّنوا عنه بالحصون، وتمادى بهم التحصّن قريباً من سنة ونصف حتّى ظهر فيهم القحط والوباء.

وأصرّ بخت نصّر على المحاصرة حتّى فتح الحصون، وذلك في سنة خمسمائة وستّ وثمانين قبل المسيح، وقتل نفوسهم، وخرب ديارهم وخرّبوا بيت الله وأفنوا كلّ آية وعلامة دينيّة وبدّلوا هيكلهم تلّاً من تراب، وفقدت عند ذلك التوراة والتابوت الّذي كانت تجعل فيه.

وبقى الأمر على هذا الحال خمسين سنة تقريباً وهم قاطنون ببابل وليس من كتابهم عين ولا أثر ولا من مسجدهم وديارهم إلّا تلال ورياع.

ثمّ لمّا جلس كورش من ملوك فارس على سرير الملك وكان من أمره مع البابليّين ما كان وفتح بابل ودخله أطلق اُسراء بابل من بني اسرائيل وكان عزرا المعروف من المقرّبين عنده فأمّره عليهم وأجاز له أن يكتب لهم كتابهم التوراة ويبني لهم الهيكل ويعيدهم إلى سيرتهم الاُولى وكان رجوع عزرا بهم إلى بيت المقدس سنة أربعمائة وسبعة وخمسين قبل المسيح وبعد ذلك جمع عزرا كتب العهد العتيق وصحّحها وهي التوراة الدائرة اليوم(١) .

وأنت ترى بعد التدبّر في القصّة أنّ سند التوراة الدائرة اليوم مقطوعة غير متّصلة بموسى (عليه السلام) إلّا بواحد (وهو عزرا) لا نعرفه أوّلاً ولا نعرف كيفيّة اطّلاعه وتعمّقه ثانياً ولا نعرف مقدار أمانته ثالثاً، ولا نعرف من أين أخذ ما جمعه من أسفار التوراة رابعاً، ولا ندري بالاستناد إلى أيّ مستند صحّح الأغلاط الواقعة أو الدائرة خامساً.

وقد أعقبت هذه الحادثة المشئومة أثراً مشئوماً آخر وهو إنكار عدّة من باحثي المورّخين من الغربيّين وجود موسى وما يتبعه، وقولهم: إنّه شخص خياليّ كما قيل

____________________

(١) مأخوذ من قاموس الكتاب المقدّس تأليف مستر هاكس الامريكائي الهمداني ومآخذ اُخرى من التواريخ.

٣٤١

نظيره في المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام. لكنّ ذلك لا يسع لمسلم فإنّ القرآن الشريف يصرّح بوجوده (عليه السلام) وينصّ عليه.

٢ - قصّة المسيح والإنجيل:

اليهود مهتمون بتاريخ قوميّتهم وضبط الحوادث الظاهرة في الأعصار الّتي مرّت بهم، ومع ذلك فإنّك لو تتبّعت كتبهم ومسفوراتهم لم تعثر فيها على ذكر المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام): لا على كيفيّة ولادته ولا على ظهوره ودعوته ولا على سيرته والآيات الّتي أظهرها الله على يديه ولا على خاتمة حياته من موت أو قتل أو صلب أو غير ذلك. فما هو السبب في ذلك؟ وما هو الّذي أوجب خفاء أمره عليهم أو إخفائهم أمره؟

والقرآن يذكر عنهم أنّهم قذفوا مريم ورموها بالبهتان في ولادة عيسى، وأنّهم ادّعوا قتل عيسى. قال تعالى:( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه ما لهم به من علم إلّا اتّباع الظنّ وما قتلوه يقيناً ) النساء - ١٥٧.

فهل كانت دعواهم تلك مستندة إلى حديث دائر بينهم كانوا يذكرونه بين قصصهم القوميّة من غير أن يكون مودعاً في كتاب؟ وعند كلّ اُمّة أحاديث دائرة من واقعيّات وأساطير لا اعتبار بها ما لم تنته إلى مآخذ صحيحة قويمة.

أو أنّهم سمعوا من النصارى الذكر المكرّر من المسيح وولادته وظهوره ودعوته فأخذوا ذلك من أفواههم وباهتوا مريم، وادّعوا قتل المسيح؟ لا طريق إلى استبانة شئ من ذلك غير أنّ القرآن - كما يظهر بالتدبّر في الآية السابقة - لا ينسب إليهم صريحاً إلّا دعوى القتل دون الصلب، ويذكر أنّهم على ريب من الأمر وأنّ هناك اختلافاً.

وأمّا حقيقة ما عند النصارى من قصّة المسيح وأمر الإنجيل والبشارة فهي أنّ قصّته (عليه السلام) وما يتعلّق بها تنتهي عندهم إلى الكتب المقدّسة عندهم وهي الأناجيل الأربعة الّتي هي أناجيل متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، وكتاب أعمال الرسل للوقا،

٣٤٢

وعدّة رسائل لبولس وبطرس ويعقوب ويوحنّا ويهودا. واعتبار الجميع ينتهي إلى اعتبار الأناجيل فلنشتغل بها:

أمّا إنجيل متّى فهو أقدم الأناجيل في تصنيفه وانتشاره ذكر بعضهم أنّه صنّف سنة ٣٨ الميلاديّة، وذكر آخرون أنّه كتب ما بين سنة ٥٠ إلى سنة ٦٠(١) فهو مؤلّف بعد المسيح.

والمحقّقون من قدمائهم ومتأخّريّهم على أنّه كان أصله مكتوباً بالعبرانيّة ثمّ ترجم إلى اليونانيّة وغيرها أمّا النسخة الأصليّة العبرانيّة فمفقودة، وأمّا الترجمة فلا يدري حالها، ولا يعرف مترجمها(٢) .

وأمّا إنجيل مرقس: فمرقس هذا كان تلميذاً لبطرس، ولم يكن من الحواريّين وربّما ذكروا أنّه إنّما كتب إنجيله بإشارة بطرس وأمره، وكان لا يرى إلهيّة المسيح(٣) ولذلك ذكر بعضهم أنّه إنّما كتب إنجيله للعشائر وأهل القرى فعرّف المسيح تعريف رسول إلهيّ مبلّغ لشرائع الله(٤) وكيف كان فقد كتب إنجيله سنة ٦١ ميلاديّة.

وأما إنجيل لوقا: فلوقا هذا لم يكن حواريّاً ولا رأى المسيح وإنّما تلقّن النصرانيّة من بولس، وبولس كان يهوديّاً متعصّباً على النصرانيّة يوذي المؤمنين بالمسيح ويقلّب الاُمور عليهم ثمّ اتّفق مفاجأة أن ادّعى أنّه صرع وفي حال الصرع لمسه المسيح ولامه وزجره عن الإساءة إلى متّبعيه وأنّه آمن بالمسيح وأرسله المسيح ليبشّر بإنجيله.

____________________

(١) قاموس الكتاب المقدّس للمستر هاكس مادّة - متى.

 (٢) كتاب ميزان الحقّ واعتراف به على تردّد في قاموس الكتاب المقدّس.

 (٣) نقل ذلك عبد الوهّاب النجّار في قصص الأنبياء عن كتاب مروج الاخبار في تراجم الاخبار لبطرس قرماج.

(٤) ذكره في قاموس الكتاب المقدّس. يقول فيه: إن نصّ تواتر السلف على أن مرقس كتب إنجيله برومية وانتشر بعد وفاة بطرس وبولس لكنّه ليس له كثير اعتبار لأن ظاهر إنجيله أنّه كتبه لأهل القبائل والقرويين لا لأهل البلاد وخاصّة الروميّة. فتدبّر في كلامه !

٣٤٣

وبولس هذا هو الّذي شيّد أركان النصرانيّة الحاضرة على ما هي عليها(١) فبني التعليم على أنّ الإيمان بالمسيح كاف في النجاة من دون عمل وأباح لهم أكل الميتة ولحم الخنزير ونهى عن الختنة وكثير ممّا في التوراة(٢) مع أنّ الإنجيل لم يأت إلّا مصدّقاً لما بين يديه من التوراة، ولم يحلّل إلّا أشياء معدودة. وبالجملة إنّما جاء عيسى ليقوّم شريعة التوراة ويردّ إليها المنحرفين والفاسقين لا ليبطل العمل ويقصر السعادة على الإيمان الخالي.

وقد كتب لوقا إنجيله بعد إنجيل مرقس. وذلك بعد موت بطرس وبولس. وقد صرّح جمع بأنّ إنجيله ليس كتاباً إلهاميّاً كسائر الأناجيل(٣) كما يدلّ عليه ما وقع في مبتدء إنجيله.

وأمّا إنجيل يوحنّا فقد ذكر كثير من النصارى أنّ يوحنّا هذا هو يوحنّا بن زبديّ الصيّاد أحد التلاميذ الإثنى عشر (الحواريّين) الّذي كان يحبّه المسيح حبّاً شديداً(٤) .

وذكروا أنّ (شيرينطوس) و(أبيسون) وجماعتهما لمّا كانوا يرون أنّ المسيح ليس إلّا إنساناً مخلوقاً لا يسبق وجوده وجود اُمّه اجتمعت أساقفة آسيا وغيرهم في سنة ٩٦

____________________

(١) راجع مادّة بولس من قاموس الكتاب المقدّس.

(٢) راجع كتاب أعمال الرسل ورسائل بولس.

(٣) قال في أوّل إنجيل لوقا:( لأجل أن كثيرين راموا كتب قصص الاُمور الّتي نحن بها عارفون كما عهد الينا اولئك الأوّلون الّذين كانوا من قبل معاينين وكانوا خداما للكلمة رأيت أنا أيضاً إذ كنت تابعا لكلّ شئ بتحقيق أن أكتب اليك أيّها العزيز ثاوفيلا) ودلالته على كون الكتاب نظريا غير إلهامي ظاهرة وقد نقل ذلك أيضاً عن مستر كدل في رسالة اللّهمّ وصرح جيروم أن بعض القدماء كانوا يشكون في البابين الأوّلين من إنجيل لوقا وأنّهما ما كانا في نسخة فرقة مارسيوني وجزم إكهارن في كتابه ص ٩٥ أن من ف ٤٣ إلى ٤٧ من الباب ٢٢ من إنجيل لوقا الحاقية وذكر إكهارن أيضاً في ص ٦١ من كتابه: قد اختلط الكذب الروائي ببيان المعجزات الّتي نقلها لوقا والكاتب ضمه على طريق المبالغة الشاعرية لكن تمييز الصدق عن الكذب في هذا الزمان عسير وقول:( كلي مي شيس أن متّى ومرقس يتخالفان في التحرير وإذا اتفقا ترجح قولهما على قول لوقا) نقل عن قصص الأنبياء للنجّار - ص ٤٧٧.

(٤) راجع قاموس الكتاب المقدّس مادّة يوحنّا.

٣٤٤

ميلاديّة عند يوحنّا والتمسوا منه أن يكتب ما لم يكتبه الآخرون في أناجيلهم ويبيّن بنوع خصوصيّ لاهوت المسيح فلم يسعه أن ينكر إجابة طلبهم(١) .

وقد اختلفت كلماتهم في السنة الّتي اُلّف فيها هذا الإنجيل فمن قائل أنّها سنة ٦٥ وقائل أنّها سنة ٩٦ وقائل أنّها سند ٩٨.

وقال جمع منهم إنّه ليس تأليف يوحنّا التلميذ: فبعضهم على أنّه تأليف طالب من طلبة المدرسة الاسكندريّة(٢) وبعضهم على أنّ هذا الإنجيل كلّه وكذا رسائل يوحنّا ليست من تصنيفه بل إنّما صنّفه بعضهم في ابتداء القرن الثاني، ونسبه إلى يوحنّا ليعتربه الناس(٣) وبعضهم على أنّ إنجيل يوحنّا كان في الأصل عشرين باباً فألحقت كنيسة (أفاس) الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنّا(٤) فهذه حال هذه الأناجيل الأربعة وإذا أخذنا بالقدر المتيقّن من هذه الطرق انتهت إلى سبعة رجال هم: متّى، مرقس، لوقا، يوحنّا، بطرس، بولس، يهوذا، ينتهي ركونهم كلّه إلى هذه الأناجيل الأربعة وينتهي الأربعة إلى واحد هو أقدمها وأسبقها وهو إنجيل متّى وقد مرّ أنّه ترجمة مفقود الأصل لا يدري من الّذي ترجمه؟ وكيف كان أصله. وعلى ما ذا كان يبني تعليمه أبرسالة المسيح أم باُلوهيّته.

وهذا الإنجيل الموجود يترجم أنّه ظهر في بني إسرائيل رجل يدعى عيسى بن يوسف النجّار وأقام الدعوة إلى الله، وكان يدّعي أنّه ابن الله مولود من غير أب بشريّ وأنّ أباه أرسله ليفدي به الناس عن ذنوبهم بالصلب والقتل، وأنّه أحيى الميّت وأبرء الأكمه والأبرص وشفى المجانين بإخراج الجنّ من أبدانهم، وأنّه كان له إثنا عشر تلميذاً: أحدهم متّى صاحب الإنجيل بارك لهم وأرسلهم للدعوة وتبليغ الدين المسيحيّ إلخ.

____________________

(١) نقله في قصص الأنبياء عند جرجس زوين الفتوحي اللبناني في كتابه.

 (٢) نقل ذلك من كتاب (كاتلك هر الد) في المجلد السابع المطبوع سنة ١٨٤٤ ص ٢٠٥ نقله عن استادلن (عن القصص) وأشار إليه في القاموس في مادّة يوحنّا.

 (٣) قال ذلك (بر طشنيدر) على ما نقل عن كتاب الفاروق المجلد الأوّل (عن القصص).

(٤) المدرك السابق.

٣٤٥

 فهذا ملخّص ما تنتهى إليه الدعوة المسيحيّة على انبساطها على شرق الأرض وغربها، وهو لا يزيد على خبر واحد مجهول الاسم والرسم، مبهم العين والوصف.

وهذا الوهن العجيب في مبدء القصّة هو الّذي أوجب لبعض أحرار الباحثين من اُروبه أن أدّعى أنّ المسيح عيسى بن مريم شخص خياليّ صوّره بعض النزعات الدينيّة على حكومات الوقت أو لها وتأيّد ذلك بموضوع خرافيّ آخر يشبهه كلّ الشبه في جميع شئون القصّة وهو موضوع (كرشنا) الّذي تدّعي وثنيّة الهند القديمة أنّه ابن الله نزل عن لاهوته، وفدى الناس بنفسه صلباً ليخلّصهم من الأوزار والخطايا كما يدّعى في عيسى المسيح حذو النعل بالنعل (كما سيجئ ذكره).

وأوجب لآخرين من منتقدي الباحثين أن يذهبوا إلى أنّ هناك شخصين مسمّيين بالمسيح: المسيح غير المصلوب، والمسيح المصلوب. وبينهما من الزمان ما يزيد على خمسة قرون.

وأنّ التاريخ الميلاديّ الّذي سنتنا هذه سنة الف وتسعمائة وستّة وخمسين منه لا ينطبق على واحد منهما بل المسيح الأوّل غير المصلوب يتقدّم عليه بما يزيد على مأتين وخمسين سنة وقد عاش نحواً من ستّين سنة والمسيح الثاني المصلوب يتأخّر عنه بما يزيد على مأتين وتسعين سنة وقد عاش نحواً من ثلاث وثلاثين سنة(١)

على أنّ عدم انطباق التاريخ الميلاديّ على ميلاد المسيح في الجملة ممّا لم يسع للنصارى إنكاره(٢) وهو سكتة تاريخيّة.

على أنّ هيهنا اُموراً مريبة موهمة اُخرى فقد ذكروا أنّه كتب في القرنين الأوّلين من الميلاد أناجيل كثيرة اُخرى ربّما أنهوها إلى نيّف ومائة من الأناجيل والأناجيل الأربعة منها ثمّ حرّمت الكنيسة جميع تلك الأناجيل إلّا الأناجيل الأربعة

____________________

(١) وقد فصل القول في ذلك الزعيم الفاضل (بهروز) في كتاب ألفه جديداً في البشارات النبوّية وأرجو أن أوفق لايداع شذرة منه في تفسير آخر سورة النساء من هذا الكتاب والقدر المتيقن (الّذي يهمنا منه) اختلال التاريخ المسيحي.

(٢) راجع مادّة مسيح من قاموس الكتاب المقدس.

٣٤٦

الّتي عرفت قانونيّة لموافقة متونها تعليم الكنيسة(١) .

ومن جملة الأناجيل المتروكة إنجيل برنابا الّذي ظهرت نسخة منها منذ سنين فترجمت إلى العربيّة والفارسيّة، وهو يوافق في عامّة قصصه ما قصّه القرآن في المسيح عيسى بن مريم(٢) .

ومن العجيب أنّ الموادّ التاريخيّة المأثورة عن غير اليهود أيضاً ساكتة عن تفاصيل ما ينسبه الإنجيل إلى الدعوة المسيحيّة من حديث البنوّة والفداء وغيرهما. ذكر المورّخ الإمريكيّ الشهير (هندريك ويلم وان لون) في تأليفه في تاريخ البشر كتاباً كتبه الطبيب (إسكولابيوس كولتلوس) الروميّ سنة ٦٢ الميلاديّة إلى ابن أخيه (جلاديوس أنسا) وكان جنديّاً في عسكر الروم بفلسطين، يذكر فيه أنّه عاد مريضاً بروميّة يسمّى بولس فأعجبه كلامه وقد كان بولس كلّمه بالدعوة المسيحيّة، وذكر له طرفاً من أخبار المسيح ودعوته.

ثمّ يذكر أنّه ترك بولس ولم يره حتّى سمع بعد حين أنّه قتل في طريق (أوستى) ثمّ يسأل ابن أخيه أن يبحث عن أخبار هذا النبيّ الاسرائيليّ الّذي كان يذكره بولس وعن أخبار بولس نفسه ويكتب إليه ما بلغه من ذلك.

____________________

(١) ولقد لام (شيلسوس) الفيلسوف في القرن الثاني النصارى في كتابه (الخطاب الحقيقي) على تلاعبهم بالاناجيل، ومحوهم بالغد ما أدرجوه بالامس، وفي سنة ٣٨٤ م أمر البابا داماسيوس أن تحرر ترجمة لاتينية جديدة من العهدين القديم والحديث تعتبر قانونيّة في الكنائس وكان تيودوسيس الملك قد ضجر من المخاصمات الجدلية بين الاساقفة، وتمت تلك الترجمة الّتي تسمى (فولكانا) وكان ذلك خاصّا بالاناجيل الاربعة: متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا وقد قال مرتب تلك الاناجيل: (بعد أن قابلنا عددا من النسخ اليونانية القديمة رتبناها بمعنى أننا نقحنا ماكان فيها مغايرا للمعنى، وأبقينا الباقي على ماكان عليه) ثمّ إن هذه الترجمة قد ثبتها المجمع (التريدنتيني) سنة ١٥٤٦ أي بعدها بأحد عشر قرنا، ثمّ خطأها سيستوس الخامس سنة ١٥٩٠ وأمر بطبع نسخ جديدة ثمّ خطأ كليمنضوس الثامن هذه النسخة الثانية أيضاً، وأمر بطبعة جديدة منقحة هي الدارجة اليوم عند الكاثوليكيين (تفسير الجواهر - الجزء الثاني - ص ١٢١ الطبعة الثانية).

(٢) وقد وجد هذا الانجيل بالخط الايطالي منذ سنين وترجمه إلى العربيّة الدكتور خليل سعاده بمصر وترجمه إلى الفارسيّة الحبر الفاضل (سردار كابلي) بإيران.

٣٤٧

فكتب إليه (جلاديوس أنسا) بعد ستّة أسابيع من معسكر الروم باُورشليم: أنّي سألت عدّة من شيوخ البلد ومعمّريهم عن عيسى المسيح فوجدتهم لا يحسنون مجاوبتي فيما أسألهم( هذا والسنة سنة ٦٢ ميلاديّة وهم شيوخ !) .

حتّى لقيت بيّاع زيتون فسألته هل يعرفه؟ فأنعم لي في الجواب ثمّ دلّني على رجل اسمه يوسف، و ذكر أنّه كان من أتباعه ومحبّيه وأنّه خبير بقصصه بصير بأخباره يستطيع أن يجيبك فيما تسأله عنه.

فلقيت يوسف اليوم بعد ما تفحّصت أيّاماً فوجدته شيخاً هرماً وقد كان قديماً يصطاد السمك في بعض البحيرات من هذه الناحية.

كان الرجل على كبر سنّه صحيح المشاعر جيّد الحافظة وقصّ لي جميع الأخبار والقضايا الحادثة في ذلك الأوان، أوان الاغتشاش والفتنة.

ذكر أنّ فونتيوس فيلاطوس كان حاكماً على سامرا ويهوديّه في عهد القيصر (تي بريوس).

فاتّفق أن وقع أيّام حكومته فتنة في اُورشليم فسافر فونتيوس فيلاطوس إليه لإخماد ما فيه من نار الفتنة وكانت الفتنة هي ما شاع يومئذ أنّ ابن نجّار من أهل الناصرة يدعو الناس ويستنهضهم على الحكومة.

فلمّا تحقّقوا أمره تبيّن أنّ ابن النجّار المتّهم شابّ عاقل متين لم يرتكب ما يوجب عليه سياسة غير أنّ رؤساء المذهب من اليهود كانوا يخالفونه ويباغضونه بأشدّ ما يكون وقد قالوا لفيلاطوس إنّ هذا الشابّ الناصريّ يقول: لو أنّ يونانيّاً أو روميّاً أو فلسطينيّاً عامل الناس وعاشرهم بالعدالة والشفقة كان عند الله كمن صرف عمره في مطّلعة كتاب الله وتلاوة آياته.

وكأنّ هذه التعرّضات والاقتراحات لم تؤثّر في فيلاطوس أثرها لكنّه لما سمع ازدحام الناس قبال المعبد وهم يريدون أن يقبضوا على عيسى وأصحابه ويقطّعوهم إرباً إرباً رأى أنّ الأصلح أن يقبض هو على هذا الشابّ النجّار ويسجنة حتّى لا يقتل بأيدي الناس في غوغائهم.

٣٤٨

وكان فيلاطوس لم يتّضح له سبب ما ينقمه الناس من عيسى كلّ الاتّضاح وكلّما كلّم الناس في أمره وسألهم واستوضحهم علت أصواتهم وتنادوا (هو كافر) (هو ملحد) (هو خائن) فلم ينته الأمر إلى طائل.

حتّى استقرّ رأي فيلاطوس أن يكلّم عيسى بنفسه فأشخصه وكلّمه وسأله عمّا يقصده بما يبلّغه من الدين فأجابه عيسى أنّه لا يهتمّ بأمر الحكومة والسياسة ولا له في ذلك غرض وأنّه يهتمّ بالحياة الروحانيّة أكثر ممّا يهتمّ بأمر الحياة الجسمانيّة وأنّه يعتقد أنّ الإنسان يجب أن يحسن إلى الناس ويعبد الله الفرد الواحد وحده الّذي هو في حكم الأب لجميع أرباب الحياة من المخلوقات.

وكان فيلاطوس ذا خبرة في مذاهب الرواقيّين وسائر فلاسفة يونان فكأنّه لم ير في ما كلّمه به عيسى موضع غمضة ولا محلّ مؤاخذة ولذلك عزم ثانياً أن يخلّص هذا النبيّ السليم المتين من شرّ اليهود وسوّف في حكم قتله وإنجازه.

لكنّ اليهود لم يرضوا بذلك ولم يتركوه على حاله بل أشاعوا عليه أنّه فتن بأكاذيب عيسى وأقاويله وأنّ فيلاطوس يريد الخيانة على قيصر، وأخذوا يستشهدون عليه ويسجّلون الطوامير على ذلك يريدون به عزله من الحكومة، وقد كان برز قبل ذلك فتن وانقلابات في فلسطين. والقوى المؤمّنة القيصريّة قليلة العدّة لا تقوى على إسكات الناس فيها كلّ القوّة.

وكان على الحكّام وسائر المأمورين من ناحية قيصر أن لا يعاملوا الناس بما يجلب شكواهم وعدم رضايتهم.

فلهذه الأسباب لم ير فيلاطوس بدّاً من أن يفدي هذا الشابّ المسجون للأمن العامّ، ويجيب الناس فيما سألوه من قتله.

وأمّا عيسى فإنّه لم يجزع من الموت بل استقبله على شهامة من نفسه وقد عفى قبل موته عمّن تسبّب إلى قتله من اليهود ثمّ قضى به على الصليب و الناس يسخرون منه ويشتمونه ويسبّونه.

٣٤٩

قال (جلاديوس أنسا) هذا ما قصّ لي يوسف من قصّة عيسى ودموعه تجري على خدّيه وحين ودّعني للمفارقة قدّمت إليه شيئاً من المسكوك الذهبيّ لكنّه أبى أن يأخذه، وقال لي يوجد هيهنا من هو أفقر منّي فأعطه إيّاه.

وسألته عن بولس رفيقك المعهود فما كان يعرفه معرفة تامّة. والقدر الّذي تبيّن من أمره أنّه كان رجلاً خيّاماً ثمّ ترك شغله واشتغل بالتبليغ لهذا المذهب الجديد مذهب الربّ الرؤوف الرحيم الإله الّذي بينه وبين (يهوّه) إله يهود الّذي لا نزال نسمعه من علماء اليهود من الفرق ما هو أبعد ممّا بين السماء والأرض.

والظاهر أنّ بولس سافر أوّلاً إلى آسيا الصغرى ثمّ إلى يونان وأنّه كان يقول للعبيد والأرقّاء إنّهم جميعاً أبناء لأب يحبّهم ويرأف بهم وأنّ السعادة ليست تخصّ بعض الناس دون بعض بل تعمّ جميع الناس من فقير وغنيّ بشرط أن يعاشروا على المواخاة ويعيشوا على الطهارة والصداقة انتهى ملخّصاً.

هذه عامّة فقرات هذا الكتاب ممّا يرتبط بما نحن فيه من البحث.

وبالتأمّل في جمل مضامين هذا الكتاب يتحصّل للمتأمّل أنّ ظهور الدعوة المسيحيّة كيف كان في بني إسرائيل بعيد عيسى (عليه السلام). وأنّه لم يكن إلّا ظهور دعوة نبويّة بالرسالة من عند الله لا ظهور دعوة إلهيّة بظهور اللاهوت ونزولها إليهم وتخليصهم بالفداء!

ثمّ إنّ عدّة من تلامذة عيسى أو المنتسبين إليه كبولس وتلامذة تلامذتهم سافروا بعد وقعة الصلب إلى مختلف أقطار الأرض من الهند وإفريقيّة وروميّة وغيرها وبسطوا الدعوة المسيحيّة لكنّهم لم يلبثوا دون أن اختلفوا في مسائل أصليّة من التعليم كلاهوت المسيح وكفاية الإيمان بالمسيح عن العمل بشريعة موسى وكون دين الإنجيل ديناً أصيلاً ناسخاً لدين موسى أو كونه تابعاً لشريعة التوراة مكمّلاً إيّاها(١) فافترقوا عند ذلك فرقاً.

____________________

(١) يشير إليه كتاب الرسل ووسائل بولس، وقد اعترضت به النصارى

٣٥٠

والّذي يجب الإمعان فيه أنّ الاُمم الّتي بسطت الدعوة المسيحيّة وظهرت فيها أوّل ظهورها كالروم والهند وغيرهما كانوا قبلها منتحلين بالوثنيّة الصابئة أو البرهمنيّة أو البوذائيّة وفيها اُصول من مذاق التصوّف من جهة والفلسفة البرهمنيّة من جهة وفيها جميعاً شطر وافر من ظهور اللاهوت في مظهر الناسوت. على أنّ القول بتثليث الوحدة ونزول اللاهوت في لباس الناسوت وتحمّلها الصلب(١) والعذاب فدائا كان دائراً بين القدماء من وثنيّة الهند والصين ومصر وكلدان والآشور والفرس وكذا قدماء وثنيّة الغرب كالرومان والاسكندناويّين وغيرهم على ما يوجد في الكتب المؤلّفة في الاديان والمذاهب القديمة.

ذكر (دوان) في كتابه (خرافات التوراة وما يماثلها في الأديان الاُخرى): إذا رجعنا البصر إلى الهند نرى أنّ أعظم وأشهر عبادتهم اللاهوتيّة هو التثليث ويسمّون هذا التعليم بلغتهم (ترى مورتى) وهي عبارة مركّبة من كلمتين بلغتهم السنسكريتيّة (ترى) ومعناها الثلاثة و(مورتى) ومعناها هيآت أو أقانيم وهي (برهما، وفشنو، وسيفا) ثلاثة أقانيم متّحدة لا ينفكّ عن الوحدة فهي إله واحد بزعمهم.

ثمّ ذكر: أنّ برهما عندهم هو الأب وفشنو هو الابن، وسيفا هو روح القدس.

ثمّ ذكر أنّهم يدعون سيفا (كرشنا)(٢) الربّ المخلّص والروح العظيم الّذي ولد منه (فشنو) الإله الّذي ظهر بالناسوت على الأرض ليخلّص الناس فهو أحد الأقانيم الثلاثة الّتي هي الإله الواحد.

____________________

(١) القتل بالصلب على الصليب من القواعد القديمة جدّاً فقد كانوا يقتلون من اشتدّ جرمه وفظع دنبه بالصلب الّذي هو من أشدّ أسباب القتل عذاباً وأسوئها ذكراً، وكانت الطريقة فيه أن يصنع من خشبتين تقاطع إحديهما الاُخرى ما هو على شكل الصليب المعروف بحيث ينطبق عليه إنسان لو حمل عليه ثمّ يوضع المجرم عليه مبسوط اليدين ويدق من باطن راحتيه على طرفي الخشبة المعترضة بالمسامير، وكذا تدق قدماه على الخشبة وربّما شدتا من غير دقّ ثمّ تقام الخشبة بنصب طرفها على الأرض بحيث يكون ما بين قدمه إلى الأرض ما يقرب من ذراعين فيبقى الصليب على ذلك يوماً أو أيّاماً ثمّ تكسر قدماه من الساقين ويقتل على الصليب أو ينزل فيقتل بعد الانزال، وكان المصلوب يعذب قبل الصلب بالجلد أو المثلة وكان من العار الشنيع على قوم أن يقتل واحد منهم بالصلب.

(٢) وهو المعبر عنه ابلانكليزية (كرس) وهو المسيح المخلص.

٣٥١

 وذكر أيضاً: أنّهم يرمزون للاُقنوم الثالث بصورة حمامة كما يقوله النصارى.

وقال مستر (فابر) في كتابه (أصل الوثنيّة) كما نجد عند الهنود ثالوثاً مؤلّفاً من (برهما) و(فشنو) و(سيفا) نجد عند البوذيّين ثالوثاً فإنّهم يقولون: إنّ (بوذ) إله له ثلاثة أقانيم. وكذلك بوذيو (جينست) يقولون: إنّ (جيفا) مثلّث الأقانيم.

قال: والصينيّون يعبدون بوذه ويسمّونه (فو) ويقولون إنّه ثلاثة أقانيم كما تقول الهنود.

وقال دوان في كتابه المتقدّم ذكره: وكان قسّيسوا هيكل منفيس بمصر يعبّرون عن الثالوث المقدّس للمبتدئين بتعلّم الدين بقولهم: إنّ الأوّل خلق الثاني والثاني خلق الثالث وبذلك تمّ الثالوث المقدّس.

وسأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكي أن يخبره: هل كان قبله أحد أعظم منه؟ وهل يكون بعده أحد أعظم منه فأجابه الكاهن: نعم يوجد من هو أعظم وهو الله قبل كلّ شئ ثمّ الكلمة ومعهما روح القدس ولهذه الثلاثة طبيعة واحدة، وهم واحد بالذات وعنهم صدرت القوّة الأبديّة فاذهب يا فاني يا صاحب الحياه القصيرة.

وقال بونويك في كتابه (عقائد قدماء المصريّين) أغرب كلمة عمّ انتشارها في ديانة المصريّين هي قولهم بلاهوت الكلمة، وأنّ كلّ شئ حصل بواسطتها، وأنّها منبثقة من الله، وأنّها هي الله انتهى. وهذا عين العبارة الّتي يبتدي بها إنجيل يوحنّا.

وقال (هيجين) في كتاب (الإنكلوساكسون) كان الفرس يدعون متروساً الكلمة والوسيط ومخلّص الفرس.

ونقل عن كتاب سكّان اُوروبة الأوّلين: أنّه كان الوثنيّون القدماء يقولون: إنّ الإله مثلّث الأقانيم.

ونقل عن اليونان والرومان والفنلنديّين والاسكندناويّين قضيّة الثالوث السابق الذكر وكذا القول بالكلمة عن الكلدانيّين والآشوريّين والفينيقيّين.

وقال دوان في كتابه (خرافات التوراة وما يقابلها من الديانات الاُخرى) (ص ١٨١ - ١٨٢) ما ترجمته بالتلخيص:

٣٥٢

(إنّ تصوّر الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة فدائا عن الخطيئة قديم العهد جدّاً عند الهنود الوثنيّين وغيرهم) وذكر شواهد على ذلك:

منها قوله: يعتقد الهنود أنّ كرشنا المولود البكر - الّذي هو نفس الإلهة فشنو الّذى لا ابتداء له ولا انتهاء على رأيهم - تحرّك حنوّاً كي يخلّص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلّص الإنسان بتقديم ذبيحة عنه.

وذكر أنّ (مسترمور) قد صوّر كرشنا مصلوباً كما هو مصوّر في كتب الهنود مثقوب اليدين والرجلين، وعلى قميصه صورة قلب الإنسان معلّقاً، ووجدت له صورة مصلوباً وعلى رأسه إكليل من الذهب. والنصارى تقول: إن يسوع صلب وعلى رأسه إكليل من الشوك.

وقال (هوك) في ص ٣٢٦ من المجلد الأوّل من رحلته: ويعتقد الهنود الوثنيّون بتجسّد بعض الآلهة وتقديم ذبيحة فداء للناس من الخطيئة.

وقال (موريفور ليمس) في ص ٢٦ من كتابه (الهنود) ويعتقد الهنود الوثنيّون بالخطيئة الأصليّة وممّا يدلّ على ذلك ما جاء في مناجاتهم وتوسّلاتهم الّتي يتوسّلون بها بعد (الكياتري) وهو إنّي مذنب ومرتكب الخطيئة، وطبيعتي شريرة، وحملتني اُمّي بالإثم فخلّصني يا ذا العين الحندقوقيّة يا مخلّص الخاطئين من الآثام والذنوب.

وقال القسّ (جورج كوكس) في كتابه (الديانات القديمة) في سياق الكلام عن الهنود: ويصفون كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتاً لأنّه قدّم شخصه ذبيحة.

ونقل (هيجين) عن (اندارا دا الكروزوبوس) وهو أوّل اُوروبيّ دخل بلاد التيبال والتبّت: أنّه قال في الإله (اندرا) الّذي يعبدونه: أنّه سفك دمه بالصلب وثقب المسامير لكي يخلّص البشر من ذنوبهم وأنّ صورة الصلب موجودة في كتبهم.

وفي كتاب (جورجيوس) الراهب صورة الإله (اندرا) هذا مصلوباً، وهو بشكل صليب أضلاعه متساوية العرض متفاوتة الطول فالرأسيّ اقصرها - وفيه صورة وجهه - والسفلى أطولها ولو لا صورة الوجه لما خطر لمن يرى الصورة أنّها تمثّل شخصاً هذا.

٣٥٣

وأمّا ما يروى عن البوذيّين في بوذا فهو أكثر انطباقاً على ما يرويه النصارى عن المسيح من جميع الوجوه حتّى أنّهم يسمّونه المسيح، والمولود الوحيد، ومخلّص العالم ويقولون إنّه إنسان كامل وإله كامل تجسّد بالناسوت، وأنّه قدّم نفسه ذبيحة ليكفّر ذنوب البشر ويخلّصهم من ذنوبهم فلا يعاقبوا عليها، ويجعلهم وارثين لملكوت السماوات بيّن ذلك كثير من علماء الغرب: منهم (بيل) في كتابه و(هوك) في رحلته و(موالر) في كتابه تاريخ الآداب السنسكريتيّة وغيرهم.(١)

فهذه نبذة أو اُنموذجة من عقيدة تلبّس اللاهوت بالناسوت، وحديث الصلب والفداء في الديانات القديمة الّتي كانت الاُمم متمسّكين بها منكبّين عليها يوم شرعت الديانة النصرانيّة تنبسط على الأرض وأخذت الدعوة المسيحيّة تأخذ بمجامع القلوب في المناطق الّتي جال الدعاة المسيحيّون فيها فهل هذا إلّا أنّ الدعاة المسيحيّين أخذوا اُصول المسيحيّة وأفرغوها في قالب الوثنيّة واستمالوا بذلك قلوب الناس في تقبّل دعوتهم وهضم تعليمهم؟

ويؤيّد ذلك ما ترى في كلمات بولس وغيره من الطعن في حكمة الحكماء وفلسفتهم والإزراء بطرق الاستدلالات العقليّة وأنّ الإله الربّ يرجّح بلاهة الأبله على عقل العاقل.

وليس ذلك إلّا لأنّهم قابلوا بتعليمهم مكاتب التعقّل والاستدلال فردّه أهله بأنّه لا طريق إلى قبوله بل إلى تعقّله الصحيح من جهة الاستدلال فوضعوا الأساس على المكاشفة والامتلاء بالروح المقدّس فشاكلوا بذلك ما يصرّ به جهلة المتصوّفة أنّ طريقتهم طور وراء طور العقل.

ثمّ إنّ الدعاة منهم ترهبوا وجالوا في البلاد (على ما يحكيه كتاب أعمال الرسل والتواريخ) وبسطوا الدعوة المسيحيّة واستقبلتهم في ذلك العامّة في شتات البلاد، كان من سرّ موفّقيّتهم وخاصّة في إمبراطوريّة الروم هي الضغطة الروحيّة الّتي عمّت

____________________

(١) يجد القارئ هذه المنقولات في تفسير المنار - الجزء السادس في تفسير النساء وفي دوائر المعارف وفي كتاب العقائد الوثنيّة في الديانة النصرانيّة وغيرها.

٣٥٤

البلاد من فشوّ الظلم والتعدّي، وشمول أحكام الاسترقاق والاستعباد، والبون البعيد في حياة الطبقة الحاكمة والمحكومة والآمرة والمأمورة والفصل الشاسع بين عيشة الاغنياء وأهل الإتراف والفقراء والمساكين والأرقّاء.

وقد كانت الدعاة تدعو إلى المواخاة والمحابّة و التساوي والمعاشرة الجميلة بين الناس ورفض الدنيا وعيشتها الكدرة الفانية والاقبال على الحياة الصافية السعيدة الّتي في ملكوت السماء ولهذا بعينه ما كان يعني بحالهم الطبقة الحاكمة من الملوك والقياصرة كلّ العناية، ولا يقصدونهم بالأذى والسياسة والطرد.

فلم يزالوا يزيدون عدداً من غير تظاهر وتنافس وينمون قوّة وشدّة حتّى حصل لهم جمّ غفير في إمبراطوريّة الروم وإفريقيّة والهند وغيرها من البلاد. ولم يزالوا كلّما بنوا كنيسة وفتحوا بابها على وجوه الناس هدموا بذلك واحداً من بيوت الأوثان وأغلقوا بابه.

وكانوا لا يعتنون بمزاحمة رؤساء الوثنيّة في هدم أساسهم، ولا بملوك الوقت وحكّامه في التعالي عن خضوعهم وفي مخالفة أحكامهم ودساتيرهم وربّما كان ذلك يؤدّيهم إلى الهلاك والقتل والحبس والعذاب فكان لا تزال تقتل طائفة وتسجن اُخرى وتشرّد ثالثة.

وكان الأمر على هذه الصفة إلى أوان ملك القيصر (كنستانتين) فآمن بالملّة المسيحيّة وأعلن بها فأخذ التنصّر بالرسميّة وبنيت الكنائس في الروم وما يتبع إمبراطوريّته من الممالك وذلك في النصف الأخير من القرن الرابع الميلاديّ.

تمركزت النصرانيّة يومئذ في كنيسة الروم وأخذت تبعث القسّيسين إلى أكناف الأرض من البلاد التابعة يبنون الكنائس والديرات ومدارس يدرسون بها التعليم الإنجيليّ.

والّذي يجب إلتفات النظر إليه أنّهم وضعوا البحث على اُصول مسلّمة إنجيليّة فأخذوا التعاليم الإنجيليّة كمسألة الأب والابن والروح، ومسألة الصلب والفداء وغير ذلك اُصولاً مسلّمة وبنوا البحث والتنقير عليها.

٣٥٥

وهذا أوّل ما ورد على أبحاثهم الدينيّة من الوهن والوهي فإنّ استحكام البناء المبنيّ وإن بلغ ما بلغ واستقامته لا يغني عن وهن الأساس المبنيّ عليه شيئاً وما بنوا عليه من مسألة تثليث الوحدة والصلب والفداء أمر غير معقول.

وقد اعترف عدّة من باحثيهم في التثليث بأنّه أمر غير معقول لكنّهم اعتذروا عنه بأنّه من المسائل الدينيّة الّتي يجب أن تقبل تعبّداً فكم في الأديان من مسألة تعبديّة تحيلها العقول.

وهو من الظنون الفاسدة المتفرّعة على أصلهم الفاسد، وكيف يتصوّر وقوع مسألة مستحيلة في دين حقّ؟ ونحن إنّما نقبل الدين ونميّز كونه دين حقّ بالعقل وكيف يمكن عند العقل أن تشتمل العقيدة الحقّة على أمر يبطله العقل ويحيله؟ وهل هذا إلّا تناقض صريح؟

نعم يمكن أن يشتمل الدين على ممكن يخرق العادة الجارية، والسنّة الطبيعيّة القائمة، وأمّا المحال الذاتيّ فلا البتّة.

وهذا الطريق المذكور من البحث هو الّذي أوجب وقوع الخلاف والمشاجرة بين الباحثين المتفكّرين منهم في أوائل انتشار صيت النصرانيّة وانكباب المحصّلين على الأبحاث المذهبيّة في مدارس الروم والإسكندريّة وغيرهما.

فكانت الكنيسة تزيد كلّ يوم في مراقبتها لوحدة الكلمة وتهيّئ مجمعاً مشكّلاً عند ظهور كلّ قول حديث وبدعة جديدة من البطارقة والأساقفة لإقناعهم بالمذهب العامّ وتكفيرهم ونفيهم وطردهم وقتلهم إذا لم يقنعوا.

وأوّل مجمع عقدوه مجمع نيقيه لمّا قال أريوس: إنّ اُقنوم الابن غير مساو لاُقنوم الأب وإنّ القديم هو الله والمسيح مخلوق.

اجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة في قسطنطينيّة بمحضر من القيصر كنستانتين وكانوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً واتّفقوا على هذه الكلمة( نؤمن بالله الواحد الأب مالك كلّ شئ وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد يسوع المسيح

٣٥٦

ابن الله الواحد، بكر الخلائق كلّها، وليس بمصنوع، إله حقّ من إله حقّ، من جوهر أبيه الّذي بيده اُتقنت العوالم وكلّ شئ، الّذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسّد من روح القدس، وولد من مريم البتول، وصلب أيّام فيلاطوس، ودفن، ثمّ قام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعدّ للمجئ تارة اُخرى للقضاء بين الأموات والأحياء ونؤمن بروح القدس الواحد، روح الحقّ الّذي يخرج من أبيه، وبمعموديّة(١) واحدة لغفران الخطايا، وبجماعة واحدة قدسيّة مسيحيّة - جاثليقيّة وبقيام أبداننا(٢) والحياة أبد الآبدين(٣) ) .

هذا هو المجمع الأوّل، وكم من مجمع بعد ذلك عقدوه للتبرّي عن المذاهب المستحدثة كمذهب النسطوريّة واليعقوبيّة والأليانيّة واليليارسيّة و المقدانوسيّة والسباليوسيّة والنوئتوسيّة والبولسيّة وغيرها.

ومع هذا كانت الكنيسة تقوم بالواجب من مراقبتها، ولا تتوانى ولا تهن في دعوتها وتزيد كلّ يوم في قوّتها وسيطرتها حتّى وفّقت لجلب سائر دول اُوروبه إلى التنصّر كفرنسا و الإنجليز والنمسا والبروس والإسبانيا والبرتغال والبلجيك وهولاندا وغيرهم إلّا الروسيا أواخر القرن الخامس الميلاديّ سنة ٤٩٦.

ولم تزل تتقدّم وترتقي الكنيسة من جانب، ومن جانب آخر كانت تهاجم الاُمم الشماليّة والعشائر البدويّة على الروم، والحروب والفتن تضعّف سلطنة القياصرة،

____________________

(١) المراد بالمعمودية طهارة الباطن وقداسته.

(٢) أورد عليه أنّه يستلزم القول بالمعاد الجسمانيّ والنصارى تقول بالمعاد الروحانيّ كما يدلّ عليه الانجيل وأظنّ أنّ الانجيل إنّما يدلّ على عدم وجود اللذائذ الجسمانيّة الدنيويّة في القيامة وأمّا كون الإنسان روحاً مجرّداً من غير جسم فلا دلالة فيه عليه بل يدلّ على أنّ الإنسان يصير في المعاد كالملائكة لا ازدواج بينهم وظاهر العهدين أنّ الله سبحانه وملائكته جميعاً أجسام فضلا عن الإنسان يوم القيامة.

(٣) الملل والنجل للشهرستاني.

٣٥٧

وآل الأمر إلى أن أجمعت أهل الروم والاُمم المتغلّبة على إلقاء زمام اُمور المملكة إلى الكنيسة كما كانت زمام اُمور الدين بيدها فاجتمعت السلطنة الروحانيّة والجسمانيّة لرئيس الكنيسة اليوم وهو (البابا جريجوار) وكان ذلك سنة ٥٩٠ الميلاديّة.

وضارت كنيسة الروم لها الرئاسة المطلقة للعالم المسيحيّ غير أنّ الروم لمّا كانت انشعبت إمبراطوريّته إلى الروم الغربيّ الّذي عاصمتها رومة، والروم الشرقيّ الّذي عاصمتها قسطنطينيّة كانت قياصرة الروم الشرقيّ يعدّون أنفسهم رؤساء دينيّين لمملكتهم من غير أن يتّبعوا كنيسة روما وهذا مبدأ انشعاب المسيحيّة إلى الكاثوليك، أتباع كنيسة روما والأرثوذوكس وهم غيرهم.

وكان الأمر على ذلك حتّى إذا فتحت قسطنطينيّة بيد آل عثمان، وقتل القيصر (بالي اُولوكوس) وهو آخر قياصرة الروم الشرقيّ وقسّيس الكنيسة اليوم (قتل في كنيسة(أياصوفيا)).

وادّعى وراثة هذا المنصب الدينيّ أعني رئاسة الكنيسة قياصرة روسيا لقرابة سببيّة كانت بينهم وبين قياصرة الروم، وكانت الروس تنصّرت في القرن العاشر الميلاديّ فصارت ملوك روسيا قسّيسي كنيسة أرضهم غير تابعة لكنيسة رومة، وكان ذلك سنة ١٤٥٤ الميلاديّة.

وبقي الأمر على هذا الحال نحواً من خمسة قرون حتّى قتل (تزار نيكولا) وهو آخر قياصرة الروسيا قتل هو وجميع أهل بيته سنة ١٩١٨ الميلاديّة بيد الشيوعيّين فعادت كنيسة رومة تقريباً إلى حالها قبل الانشعاب.

لكنّ الكنيسة في أثر ما كانت تحاول رؤسائها السلطة على جميع جهات حياة الناس في القرون الوسطى الّتي كانت الكنيسة فيها في أوج ارتقائها وإرتفاعها ثار عليها جماهير من المتديّنين تخلّصاً من القيود الّتي كانت تحملها عليهم الكنيسة.

فخرجت طائفة عن تبعيّة أحكام رؤساء الكنيسة والباباوات وطاعتهم مع البقاء على طاعة التعليم الإنجيليّ على ما يفهمه مجامعهم، ويقرّره اتّفاق علمائهم وقسّيسهم وهؤلاء هم الأرثوذكس.

٣٥٨

 وطائفة خرجت عن متابعة كنيسة رومة أصلاً فليسوا بتابعين في التعليم الإنجيليّ لكنيسة رومة ولا معتنين للأوامر الصادرة منها وهؤلاء هم البروتستانت.

فأنشعب العالم المسيحيّ اليوم إلى ثلاث فرق: الكاثوليك وهي التابعة لكنيسة رومة وتعليمها والاُورثوذكس وهي التابعة لتعليم الكنيسة دون نفسها وقد حدثت شعبتهم بحدوث الانشعاب في الكنيسة وخاصّة بعد انتقال كنيسة قسطنطينيّة إلى مسكو بالروسيا (كما تقدّم) والبروتستانت وهي الخارجة عن تبعيّة الكنيسة وتعليمها جميعاً. وقد استقلّت طريقتهم وتظاهرت في القرن الخامس عشر الميلاديّ.

هذا إجمال ما جرى عليه الدعوة المسيحيّة في زمان يقرب من عشرين قرناً والبصير بالغرض الموضوع له هذا الكتاب يعلم أنّ القصد من ذكر جمل تاريخهم:

أوّلا: أن يكون الباحث على بصيرة من التحوّلات التاريخيّة في مذهبهم والمعاني الّتي يمكن أن تنتقل إلى عقائدهم الدينيّة بنحو التوارث أو السراية أو الانفعال بالامتزاج أو الإلف والعادة من عقائد الوثنيّة والأفكار الموروثة منهم أو المأخوذة عنهم.

وثانياً: أنّ اقتدار الكنيسة وخاصّة كنيسة رومة بلغ بالتدريج في القرون الوسطى الميلاديّة إلى نهاية أوجه حتّى كانت لهم سيطرة الدين والدنيا وانقادت لهم كراسيّ الملك بأوربه فكان لهم عزل من شاءوا ونصب من شاءوا(١) .

يروى أنّ البابا مرّة أمر إمبراطور آلمانيا أن يقف ثلاثة أيّام حافياً على باب قصره في فصل الشتاء لزلّة صدرت منه يريد ان يغفرها له(٢) .

ورفس البابا مرّة تاج الملك برجله حيث جائه جاثياً يطلب المغفرة(٣) .

وقد كانوا وصفوا المسلمين لأتباعهم وصفاً لم يدعهم إلّا أن يروا دين الإسلام دين الوثنيّة يستفاد ذلك من الشعارات والأشعار الّتي نظموها في استنهاض النصارى و

____________________

(١) الفتوحات الإسلاميّة.

(٢) المدرك السابق.

(٣) المدرك السابق.

٣٥٩

تهييجهم على المسلمين في الحروب الصليبيّة الّتي نشبت بينهم وبين المسلمين سنين متطاولة.

فإنّهم كانوا(١) يرون أنّ المسلمين يعبدون الأصنام وأنّ لهم آلهة ثلاثة أسماؤها على الترتيب (ماهوم) ويسمّى بافوميد وماهومند وهو أوّل الآلهة وهو (محمّد) وبعده (ايلين) وهو الثاني وبعده (ترفاجان) وهو الثالث وربّما يظهر من بعض كلماتهم أنّ للمسلمين إلهين آخرين وهما (مارتوان) و(جوبين) ولكنّهما بعد الثلاثة المتقدّمة رتبة وكانوا يقولون: إنّ محمّداً بنى دعوته على دعوى الاُلوهيّة وربّما قالوا: إنّه كان اتّخذ لنفسه صنماً من ذهب.

وفي أشعار ريشار الّتي قالها لاستنهاض الإفرنج على المسلمين: (قوموا وقلّبوا ماهومند وترفاجان وألقوهما في النار تقرّباً من إلهكم).

وفي أشعار رولان في وصف (ماهوم) إله المسلمين: (إنّه مصنوع تامّاً من الذهب والفضّة ولو رأيته أيقنت أنّه لا يمكن لصانع أن يصوّر في خياله أجمل منه ثمّ يصنعه عظيمة جثّته جيّدة صنعته وفي سيمائه آثار الجلالة ظاهرة ماهوم مصنوع من الذهب والفضّة يكاد سنا برقه يذهب بالبصر. وقد اُقعد على فيل هو من أحسن المصنوعات وأجودها بطنه خال وربّما أحسّ الناظر من بطنه ضوءاً هو مرصّعة بالأحجار الثمينة المتلالئة، يرى باطنه من ظاهره ولا يوجد له في جودة الصنعة نظير.

ولمّا كانت آلهة المسلمين يوحون إليهم في مواقع الشدّة وقد انهزم المسلمون في بعض حروبهم بعث قائد القوم واحداً في طلب إلههم الّذي كان بمكّة (يعني محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)). يروي بعض من شاهد الواقعة: أنّ الإله (يعني محمّداً) جائهم وقد أحاط به جمّ غفير من أتباعه وهم يضربون الطبول والعيدان والمزامير والبوقات المعمولة من فضّة ويتغنّون ويرقصون حتّى أتوا به إلى المعسكر بسرور وترح ومرح، وقد كان خليفته منتظراً لقدومه فلمّا رآه قام على ساقه، واشتغل بعبادته بخضوع وخشوع.

____________________

(١) هذا وما بعده إلى آخر الفصل منقول عن ترجمة كتاب (هنري دوكاستري) في الديانة الإسلاميّة الفصل الأوّل منه.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373