اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)0%

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 199

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 199
المشاهدات: 126033
تحميل: 7800

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 126033 / تحميل: 7800
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الظرف الذي كانت تتطلع فيه الأعين لترى من الذي يصلي على الإمام المتوفى لتتخذ ذلك قرينة كاشفة عن خليفة الإمام السابق وهكذا كان الظرف يمثل فرصة مناسبة للغاية لتعريف الحاضرين في الدار ـ وكثير منهم من عيون أصحاب الإمام العسكريعليه‌السلام ووكلائه ـ بوجود الإمام المهدي وأنه هو الوصي الحقيقي لأبيه، وأن الرعاية الإلهية قد حفظته من مساعي الإبادة العباسية خاصة وأن الخليفة العباسي المعتمد قد بعث جلاوزته فور وصول خبر وفاة الإمام العسكري لتفتيش دارهعليه‌السلام بجميع حجرها بحثاً عن ولده واصطحبوا معهم نساءاً يعرفن الحبل لفحص جواريهعليه‌السلام وكل ذلك كان قبل تهيئة الجسد الطاهر وتكفينه(١) ، لذلك كانت صلاته على أبيهعليه‌السلام بمثابة إعلان لأولئك الحاضرين ـ وعددهم كان يناهز الأربعين كما في رواية الهاشمي المتقدمة ـ ; بسلامة الإمام المهدي من الهجوم العباسي السريع الذي باغت أهل دار العسكري المنشغلين بمصيبة فقدهعليه‌السلام ، الأمر الذي قد يجعل البعض يتصور بأنهم لم يكونوا يتحسبون لهذا الهجوم المباغت.

ولتأكيد هذا الأمر نلاحظ أن ظهور الإمام المهديعليه‌السلام للصلاة على أبيه اقترن بالإعلان عن هويته وأنه ابن الحسن العسكري وأنه أحق بالصلاة عليه كما تصرح بذلك رواية أبي الأديان حيث خاطب الإمام عمه جعفر بالقول : يا عم، أنا أحق بالصلاة على أبي.

أما الإنجاز الثاني، فهو منع عمه جعفر ـ الذي لُقب بالكذاب ـ من استغلال هذا الموقف المهم للحصول على ورقة مؤثرة في أذهان الناس تؤيد دعاويه التضليلية بأنه هو الإمام بعد أخيه العسكريعليه‌السلام ، وتتضح أهمية هذا

ـــــــــــ

(١) راجع تفصيلات ذلك في كمال الدين : ٤٣، ٤٧٣.

١٠١

الإنجاز وضرورته من ملاحظة الجهود المستميتة التي بذلها جعفر بتشجيع من السلطة العباسية لإقناع الناس بأنه خليفة أخيه العسكريعليه‌السلام والقائم مقامه في الإمامة(١) ، وقد بلغت استماتته في ذلك حد الوشاية بابن أخيه المهديعليه‌السلام ومسارعته لإخبار المعتمد العباسي بحضوره للصلاة بهدف القبض عليه كما رأينا في الرواية المتقدمة، واستنجاده بالبلاط العباسي لمناصرته في جهوده هذه.

وواضح أنّ لمثل هذا النشاط المحموم تأثيراً سلبياً كبيراً في إضلال الناس وإبعادهم عن الإمام الحق خاصة مع الخفاء الذي كان قد أحاط بولادة المهديعليه‌السلام وكتمان أمره إلا عن خواص أصحابه، فكان لابد للإمامعليه‌السلام من مواجهته وعدم السماح له باستغلال ذلك الموقف الحساس لجهوده التضليلية تلك، وإعلان وجودهعليه‌السلام إكمالاً للحجة على الرغم من المخاطر التي حفت بالقيام بهذه المهمة.

غيبتا الإمام المهديعليه‌السلام

كان للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ غيبتان: صغرى وكبرى، أخبرت عنهما معاً الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الائمة المعصومين من أهل بيتهعليهم‌السلام كما نشير لذلك لاحقاً، بل وأشارت إليها بعض نصوص الكتب السماوية السابقة كما لاحظنا سابقاً.

تبدأ الغيبة الصغرى من حين وفاة أ بيه الحسن العسكريعليه‌السلام سنة (٢٦٠ هـ ) وتولّى المهدي مهام الإمامة الى حين وفاة آخر السفراء الأربعة الخاصين بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ وهو الشيخ علي بن محمد السمري في النصف من شعبان سنة (٣٢٩ هـ ) تزامناً مع ذكرى ولادة الإمام المهديعليه‌السلام ; فتكون مدتها قرابة السبعين عاماً، وقد تميزت هذه الفترة بعدم الاستتار الكلي للإمام حيث كان يتصل بعدد من المؤمنين، كما تميزت بكثرة الرسائل الصادرة عنهعليه‌السلام في موضوعات عديدة، وكذلك بوجود السفراء الخاصين والوكلاء الذين كان يعينهم مباشرة. وهذه الفترة مثلت مرحلة انتقالية بين الظهور المباشر الذي كان مألوفاً في حياة آبائه وبين الاستتار الكامل في عهد الغيبة الكبرى.

ـــــــــــ

(١) إرشاد الشيخ المفيد: ٢/٣٣٦، ٣٣٧ وعنه في بحار الأنوار: ٥٠/ ٣٣٤، ٢٣١، مناقب آل أبي طالب: ٤/ ٤٢٢، الاحتجاج : ٢/ ٢٧٩.

١٠٢

أما الغيبة الكبرى فقد بدأت إثر وفاة الشيخ السمري إذ أمره الإمام بعدم تعيين خليفة له، بعد أن استنفذت الغيبة الصغرى الأهداف المطلوبة منها والغيبة الكبرى مستمرة الى يومنا هذا وستستمر حتى يأذن الله تبارك وتعالى للإمام بالظهور والقيام بمهمته الإصلاحية الكبرى.

وتميزت الغيبة الكبرى بانتهاء نظام السفارة الخاصة عن الإمام، وبقلّة الرسائل الصادرة عنهعليه‌السلام ، وبالاستتار الكلي إلا في حالات معينة سنتحدث عنها وعن تفصيلات ما أجملناه آنفاً ضمن البحوث التالية.

الفصل الثاني: أسباب الغيبة الصغرى والتمهيد لها

أسباب الغيبة الصغرى

جاءت غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ كإجراء تمهيدي لظهوره اقتضته الحكمة الإلهية في تدبير شؤون العباد بهدف تأهيل المجتمع البشري للمهمة الإصلاحية الكبرى التي يحققها الله تبارك وتعالى على يديهعليه‌السلام والتي تتمثل في إظهار الإسلام على الدين كله وإقامة الدولة الإسلامية العادلة في كل الأرض وتأسيس المجتمع التوحيدي الخالص الذي يعبد الله وحده لا شريك له دونما خوف من كيد منافق أو مشرك كما نصت على ذلك النصوص الشرعية التي سنتناولها في الفصل الخاص بسيرتهعليه‌السلام بعد ظهوره.

إن الانحراف الذي ساد الكيان الإسلامي قد أبعده عن الدور الريادي المطلوب الذي أراده الله سبحانه، له أي لكي يكون كيان خير اُمة أخرجت للناس، وترسّخ الانحراف الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي حتى أفقده أهليّة القيام بهداية المجتمع البشري نحو العدالة الإسلامية التي فقدها المسلمون أنفسهم وفقدوا معها الكثير من القيم الإلهية الأصيلة حتى اختفت مظاهرها من حياتهم.

١٠٣

والانحراف السياسي ـ الذي سبب انحرافات اُخرى ـ كان قد طغى على كيان المسلمين واستشرى الفساد في حكوماتهم التي لم يكن لها هدف سوى التمادي في الملذات المحرمة والتناحر الداخلي بدوافع سلطوية ومطامع استعلائية في الأرض حتى غابت صورة الخليفة الخادم للرعية المدافع عن كرامتهم الإنسانية ومصالحهم الدنيوية والاُخروية وحلت محلها صورة الحاكم المستبد الذي لا همّ له سوى الفساد والإفساد والاستعلاء في الأرض والاحتفاظ بالعرش بما أمكنه ولو كان على حساب سحق أبسط القيم التي جاء بها مَن يرفعون شعار خلافته أي النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولذلك اجتهدوا في محاربة ائمة الهدى من عترته كما لاحظنا في تعليل الإمام العسكريعليه‌السلام للمطاردة الأموية والعباسية لهم وخاصة للمهدي الموعود.

إذن فالكيان الإسلامي ـ وبالتالي المجتمع البشري ـ لم يكن مؤهلاً بالفعل لتلك المهمة الإصلاحية الكبرى التي تحمّلها المهديّ الموعود، ولعل من أوضح مظاهر ذلك موقفه من الثورات العلوية الكثيرة التي كانت تتفجر في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي، لكنها كانت تواجه بقمع وحشي أو خذلان سريع أو انحراف سريع عن أهدافها المعلنة وتحويلها الى حكومة سلطوية كسائر الحكومات الفاسدة المعاصرة لها بعيدة عن الأهداف الإصلاحية الإسلامية الكبرى(١) .

في ظل هذه الأوضاع وفي ظل الجهود المستميتة التي كانت تبذلها السلطات العباسية للقضاء على المهدي كما تقدم، كان لابد من إحاطة الإمامعليه‌السلام بستار يمكنه من المساهمة ـ كحجة لله على عباده ـ في إعداد

ـــــــــــ

(١) أجرى السيد الشهيد محمد الصدر رحمه‌الله دراسة تحليلية وثائقية قيمة استناداً لمصادر التأريخ الإسلامي، لخصوصيات هذه الحقبة من التأريخ الإسلامي من المفيد الاطلاع عليها في كتابه تأريخ الغيبة الصغرى.

١٠٤

المقدمات اللازمة لظهوره دون أن يعرّضه لخطر الإبادة وفقدان البشر لحجة الله الموكّل بحفظ الشريعة المحمدية، وهذا الستار هو الذي سمي بـ « الغيبة » والى هذا السبب أشارت مجموعة من الأحاديث الشريفة عن أنّ أحد أسرار الغيبة هو الخشية من القتل، وهذه العلة تنطبق على الغيبة الصغرى وثمة علل أخرى ترتبط بتأهيل المجتمع البشري للظهور. سنفصل الحديث عنها في مقدمة الفصل الخاص بالغيبة الكبرى.

تمهيد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمةعليهم‌السلام لغيبة الإمام المهديعليه‌السلام

سجلت المصادر الإسلامية الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وائمة أهل البيتعليهم‌السلام ; التي أخبرت عن حتمية وقوع غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ، وقد نقلنا نماذج لها ضمن الحديث عن خفاء ولادته، وننقل هنا نماذج أخرى لها.

فمنها ما رواه الحافظ صدر الدين ابراهيم بن محمد الحمويني الشافعي (٦٤٤ ـ ٧٢٢ هـ ) في كتابه فرائد السمطين، وغيره بأسانيدهم عن ابن عباس أن يهودياً اسمه نعثل ويكنى أبا عمارة جاء الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسأله عن أشياء ترتبط بالتوحيد والنبوة والإمامة فأجابه عليها فأسلم الرجل وقال :

أشهد أن لا إله إلا الله، وانك رسول الله، وأشهد أنهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة، وفيما عهد الينا موسىعليه‌السلام : اذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له « أحمد » خاتم الأنبياء لا نبي بعده، يخرج من صلبه ائمة ابرار عدد الأسباط.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يا أبا عمارة اتعرف الأسباط»؟ قال: نعم يا رسول الله انهم كانوا اثني عشر.

قال: «فإن فيهم لاوي بن ارحيا». قال: أعرفه يا رسول الله، وهو الذي غاب عن بني اسرائيل سنين ثم عاد فأظهر شريعته بعد دراستها وقاتل مع فريطيا الملك حتى قتله.

١٠٥

وقالعليه‌السلام : «كائن في اُمتي ما كان من بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وان الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى، ويأتي على اُمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن الله له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين». ثم قالعليه‌السلام : طوبى لمن أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم، والويل لمبغضهم »(١) .

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « مَن أنكر القائم من ولدي في غيبته مات ميتة جاهلية»(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول الناس ما لله في آل محمد من حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني...»(٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وجعل من صلب الحسين أئمة ليوصون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي اُمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، ليظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة، فيُعلن أمر الله ويظهر دين الحق...»(٤) .

ـــــــــــ

(١) فرائد السمطين: ٢/ ١٣٢.

(٢) كمال الدين: ٤١٣، كفاية الأثر : ٦٦، والأحاديث النبوية بهذا المعنى كثيرة راجعها في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام القسم الخاص بأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١/ ٢٥٦ ـ ٢٦٧.

(٣) كمال الدين : ٥١، إثبات الهداة: ٣/ ٤٥٩.

(٤) كفاية الأثر : ١٠.

١٠٦

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا بد للغلام من غيبة» فقيل له: ولِمَ يا رسول الله ؟ قال: يخاف القتل»(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاُمم، يأتي بذخيرة الأنبياءعليهم‌السلام فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً »(٢) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام قال ضمن حديث : «... ولكني فكرتُ في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ...»(٣) . وقالعليه‌السلام « وإن للغائب منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى فلا يثبت على إمامته إلا مَن قوي يقينه وصحت معرفته »(٤) .

وروي في ذلك ايضاً عن الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام ، كما تقدم في بحث ولادتهعليه‌السلام .

وروي عن الإمام الحسينعليه‌السلام أنه قال: «لصاحب هذا الأمر (يعني المهدي) غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم: ذهب، ولا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره »(٥) .

وعن الإمام السجادعليه‌السلام قال : « في القائم سنة من نوح وهو طول العمر »(٦) ، وقالعليه‌السلام : « إن للقائم منا غيبتين احداهما أطول من الأخرى »(٧) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام : « لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الاُخرى »(٨) .

ـــــــــــ

(١) علل الشرائع: ١/ ٢٤٣ وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/ ٩٠.

(٢) فرائد السمطين: ٢/ ٣٣٥، وينابيع المودة للحافظ سليمان الحنفي : ٤٨٨.

(٣) الكافي للكليني: ١/ ٢٧٣.

(٤) ينابيع المودة للحافظ الحنفي : ٤٢٧.

(٥) الاشاعة في اشراط الساعة : ١٣.

(٦) كمال الدين : ٣٢١.

(٧) كمال الدين : ٣٢٣.

(٨) غيبة النعماني : ١٧٢.

١٠٧

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام : « إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها »(١) ، «إن للقائم منّا غيبة يطول أمدها لأن الله عز وجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياءعليهم‌السلام وأنه لابد يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم »(٢) .

وعن الإمام الكاظمعليه‌السلام : «أنا القائم بالحق ولكنّ القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها...»(٣) .

وعن الإمام الرضاعليه‌السلام قال ضمن حديث عن القائم : ذاك الرابع من ولدي يغيّبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ ( به ) الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(٤) .

وعن الإمام الجوادعليه‌السلام قال ضمن حديث : ما منّا إلاّ قائم بأمر الله وهاد الى دين الله ولكن القائم الذي يطهر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه...(٥) .

وعن الإمام الهاديعليه‌السلام قال: إنكم لا ترون شخصه...(٦) ،

وقال: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج(٧) .

وعن الإمام العسكريعليه‌السلام قال: والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه...(٨) ، وقال : إبني محمد هو الإمام والحجة بعدي، مَن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنه له غيبة يُحار فيها

ـــــــــــ

(١) غيبة الشيخ الطوسي: ١٠٢.

(٢) كمال الدين : ٤٨٠.

(٣) كفاية الأثر : ٢٦٥.

(٤) كمال الدين : ٣٧٦ وعنه في إعلام الورى: ٢/٢٤١ وكشف الغمة: ٣/ ٣١٤.

(٥) كفاية الأثر : ٢٧٧، بحار الأنوار: ٥٢/ ٢٨٣، احتجاج الطبرسي: ٢/ ٤٤٩.

(٦) الكافي: ١/ ٢٦٨.

(٧) كمال الدين : ٣٨٠.

(٨) كمال الدين : ٤٤٠.

١٠٨

الجاهلون...(١) ، وقال: إبني هذا، إنه سمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً... مثله في هذه الاُمّة مثل الخضر ومثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة...(٢) .

والأحاديث الشريفة بهذه المعاني كثيرة جداً متواترة من طرق أهل البيتعليهم‌السلام ونقلها العديد من حفاظ أهل السنة من مختلف مذاهبهم كما رأينا، والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة، وهي من أوضح الأدلة على صحة غيبة الإمام المهدي وكونها بأمر الله عز وجل، حيث ثبت صدورها بل وتدوينها قبل وقوع الغيبة بزمن طويل، فجاءت الغيبة مصدقة لها مثبتة لصحة مضامينها وصدورها من ينابيع الوحي من علام الغيوب تبارك وتعالى حتى لو كانت مرسلة أو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها.

قال الشيخ الصدوق ـ رضوان الله عليه ـ : إن الأئمةعليهم‌السلام قد أخبروا بغيبته ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقل عنهم واستُحفظ في الصحف ودوّنَ في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، وليس أحد من أتباع الأئمةعليهم‌السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته وهي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد من قبل الغيبة بما ذكرناه من السنين...

فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا قد علموا بما وقع الآن من الغيبة فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل، أو أن يكونوا أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الأمر كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم

ـــــــــــ

(١) كفاية الأثر : ٢٩٢ وعن كمال الدين في اعلام الورى: ٢ /٢٥٣، وسائل الشيعة: ١٦/٢٤٦ ب٣٣ ح٢٣.

(٢) كمال الدين : ٣٨٤، الخرائج للقطب الراوندي: ٣/ ١١٧٤، وعن كمال الدين في إعلام الورى: ٢/٢٤٩ .

١٠٩

واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام الى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألفوه في أصولهم. وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً(١) .

ومما يزيد هذا الدليل الوجداني وضوحاً أن هذه الأحاديث الشريفة أخبرت عن تفصيلات دقيقة في شكل هذه الغيبة وهوية الإمام الغائب وانه الثاني عشر من الأئمة والتاسع من ذرية الحسينعليهم‌السلام وغير ذلك من التفصيلات التي لم تنطبق تأريخيّاً إلا على غيبة الإمام المهديعليه‌السلام وهذا من الدلائل الاعجازية الواضحة على صحة إمامته وغيبته ـ عجل الله فرجه ـ .

ويقول الشيخ المفيد أيضاً : فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمدعليهم‌السلام متناصرة بأنه لابد للقائم المنتظر من غيبتين إحداهما أطول من الأخرى يعرف خبرَه الخاصُ في القصرى ولا يعرف العام له مستقراً في الطولى إلاّ مَن تولى خدمته من ثُقاة أوليائه... والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد ) الإمام العسكري (وأبيه وجدهعليهم‌السلام ، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم (رحمهم الله) وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى وكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه...(٢) .

وهذا الاستدلال يصدق في إثبات صحة كلا الغيبتين الصغرى والكبرى لأن الأحاديث الشريفة تحدثت عنهما وعن تفصيلاتهما.

ـــــــــــ

(١) كمال الدين: ١٩ من مقدمة المؤلف.

(٢) عدة رسائل للشيخ المفيد: ٣٦٢، الفصل الخامس من الفصول العشرة في الغيبة.

١١٠

فلسفة مرحليّة الغيبة

أشرنا الى أن الغيبة ـ عموماً ـ إجراء تمهيدي كان لابدّ منه ليتمكن الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من الظهور وإنجازه لمهمته الإصلاحية العالمية الكبرى.

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون هذه الغيبة على مرحلتين.

والعلة واضحة; إذْ إنّ وقوع الغيبة الكاملة بصورة مفاجئة سوف يفقدها مجموعة من العوامل اللازمة لتأهيل المجتمع الإسلامي والبشري لظهورهعليه‌السلام وإقامة الدولة الإسلامية العالمية.

إذ المحور العام لعملية التأهيل هذا هو التمحيص الإعدادي ـ كما تشير لذلك الأحاديث الشريفة على ما سيأتي تفصيله خلال الحديث عن الغيبة الكبرى بإذن الله ـ، ومثل هذا التمحيص يحتاج الى جملة عوامل وقناعات عقائدية متينة تمثل قاعدة الاستناد للإنسان المسلم للنجاح في عملية التمحيص وتراكم الخبرات واللياقات النفسية والمعرفية عبر أجيال المجتمع الإسلامي استعداداً للظهور.

إن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من أهل بيتهعليهم‌السلام قد مهّدوا لهذه الغيبة بخطوات عديدة ازدادت عمقاً وشمولية كلمّا اقترب، أوآنها كالإخبار عن حتمية وقوعها، وخفاء ولادة صاحبها، وتوسيع العمل بنظام الوكلاء، وتوفير ما تحتاجه الأمة من المعارف الإسلامية والقواعد الشرعية التي يتم على أساسها استنباط الأحكام الشرعية وغير ذلك، إلا أن التمهيد للغيبة الكاملة بقي بحاجة الى خطوات تكميلية ونماذج تطبيقية تؤكدها وتبيّنها، وهذا ما قام به الإمام المهديعليه‌السلام في الغيبة الصغرى وهو الإطار العام لسيرته وتحركه في هذه الفترة التي جاءت بمثابة مرحلة انتقال بين حالة الظهور الكامل للأئمة السابقينعليهم‌السلام وبين الغيبة الكاملة للمهدي الموعود، فهي في الواقع خطوة تمهيدية أخيرة للغيبة الكبرى.

والحقيقة المتقدمة نجدها متجلية بوضوح في سيرتهعليه‌السلام في الغيبة الصغرى ومن خلال دراسة أهداف تحركاته فيها ومقارنة هذه الأهداف بالخصوصيات المميزة لفترة الغيبة الكبرى. لذلك ندخل الى الحديث عن سيرتهعليه‌السلام من باب دراسة أهدافها بالتحديد لكي يتضح الترابط بينها وبين سيرته في الغيبة الكبرى.

١١١

تعقيب السلطة العباسيّة لخبر الإمامعليه‌السلام

يظهر من روايات مرحلة الغيبة الصغرى أنّ السلطة العباسية أخذت تتعقب خبر الإمام المهديعليه‌السلام ، وكأنها كانت على اطمئنان بوجوده استناداً الى ما تواتر نقله عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أخبار الائمة الإثني عشر من عترته، وكانت تعلم أن الحسن العسكريعليه‌السلام هو الحادي عشر منهم فلابد من ولادة الثاني عشر أيضاً وهو خاتمهم الموعود بإنهاء الظلم والجور على يديه حسبما ورد في البشارات النبوية المتواترة.

وقد لاحظنا في رواية الكليني ـ ضمن حديثنا عن رعاية الإمام لوكلائه ـ أن هدف السلطة من التجسس على الوكلاء هو الوصول الى الإمامعليه‌السلام ، ولذلك كانت التأكيدات المشددة من قبل الأئمة السابقينعليهم‌السلام ومن الإمام المهديعليه‌السلام نفسه تركّز على النهي عن ذكر اسم الإمام في الغيبة الصغرى; لأنه اذا عُرف الاسم اشتد الطلب(١) ويُستفاد من رواية نقلها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: أن السلطات العباسية حصلت بالفعل على معلومات عن وجود الإمامعليه‌السلام وسعت لاغتياله، فتحدّاها الإمامعليه‌السلام ليثبت أنه محفوظ بالرعاية الإلهية. تقول الرواية: وحدّث عن رشيق صاحب المادراي قال: بعث الينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كل واحد منّا فرساً ونجنب آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلا على السرج مصلى وقال لنا: الحقوا بسامرة، ووصف لنا محلة وداراً وقال: اذا أتيتموها تجدون على الباب خادماً اسود فاكبسوا الدار ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه. فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكة ينسجها فسألناه عن الدار ومن فيها فقال: صاحبها، فوالله ما التفت الينا وأقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا داراً سرية ومقابل الدار سترما نظرت قط الى أنبل منه كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت. ولم يكن في الدار أحد فرفعنا الستر فاذا بيت كبير كأن بحراً فيه ماء وفي أقصى البيت حصير قد علمنا انه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي. فلم يلتفت إلينا ولا الى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبدالله ليتخطى البيت فغرق في الماء ومازال يضطرب حتى مددت

ـــــــــــ

(١) كمال الدين : ٤٤١.

١١٢

يدي إليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني الى فعل ذلك الفعل فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً فقلت لصاحب البيت: المعذرة الى الله واليك فوالله ما علمت كيف الخبر ولا الى من أجيء وأنا تائب الى الله، فما التفت الى شيء مما قلنا وما انفتل عما كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه.

وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم الى الحجّاب اذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل فأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم! لقيكم أحد قبلي؟ وجرى منكم الى أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا، فقال: أنا نفيّ من جدي ـ وحلف بأشد ايمان له ـ أنه رجل إن بلغه هذا الخبر يضربن اعناقنا. فما جسرنا أن نحدّث به إلا بعد موته(١) .

ـــــــــــ

(١) غيبة الطوسي : ١٦٤.

١١٣

الفصل الثالث: إنجازات الإمام المهديعليه‌السلام في الغيبة الصغرى

إثبات وجوده و إمامتهعليه‌السلام

وهو الهدف الذي توخاه من حضوره للصلاة على ابيه ـ سلام الله عليهما ـ كما تحدثنا عن ذلك سابقاً، وهو من أهم خطواته وتحركاته في غيبته الصغرى، وتبرز أهمية هذا الهدف من كونه يوفر القاعدة الأساس التي يستند اليها تحرّك المهدي في عصر الغيبة، إذ أنّ من الواضح من النصوص الشرعية أنّ النجاة من الضلالة وميتة الجاهلية تكمن في معرفة إمام العصر والتمسك بطاعته، وهذا الإمام مستور غير ظاهر في عصر الغيبة الكبرى لذا فإن الإيمان به ـ وهو مقدمة طاعته والتمسّك بولايته ـ فرع الاطمئنان والثقة بوجوده الى درجة تمكّن المؤمن من مواجهة التشكيكات الناتجة من عدم مشاهدته بصورة حسيّة ظاهرة. وهذا الاطمئنان هو الذي أكملت أسبابه تحركات الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في فترة الغيبة الصغرى بما أتم من الحجة في التقائه بالثقات وإظهار الكرامات التي لا يمكن تصور صدورها عن غير الامام وغير ذلك مما سجلته الروايات المتحدثة عن هذه الفترة والتي دوّنها العلماء الإثبات في كتبهم(١) .

ـــــــــــ

(١) راجع روايات الالتقاء به في عصر الغيبة الصغرى الموجودة في كتب الغيبة والتي جمع الكثير منها السيد البحراني في كتاب تبصرة الولي.

١١٤

إكمال ما تحتاجه الأمة من معارف الاسلام

طوال ما يزيد على القرنين قام أئمة أهل البيت النبوي ـ صلوات الله عليهم ـ بتبليغ معظم ما تحتاجه الأمة خلال عصر الغيبة الكبرى من معارف القرآن الكريم وسنّة جدهم سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي تمثل بمجموعها الإسلام النقي والدين القيّم الذي أمر الله تبارك وتعالى باتباعه والعمل على وفقه، والعروة الوثقى المعبّرة عن التمسك بالثقلين اللذين تكون بهما النجاة من الضلالة وميتة الجاهلية، وتضمن هذا التراث تحديد وتوضيح قواعد وأصول استنباط الأحكام الشرعية والمعارف الإسلامية من هذا التراث الروائي الثر لسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمة عترتهعليهم‌السلام الذين أمروا أصحابهم بحفظه وتدوينه ليكون مصدراً ـ الى جانب القرآن الكريم ـ لجميع المعارف والأحكام الإسلامية التي تحتاجها الأمة الإسلامية الى ظهور الإمام المهديعليه‌السلام ، وكانت ثمرة هذا الأمر تلك الروايات الشريفة من قبل أصحاب الأئمة حيث عُرفت بالأصول الأربعمائة التي تم تدوينها في عصر الأئمة السابقين للإمام المهديعليه‌السلام ، وحفظت فيها جل نصوص السنة النبوية الشريفة(١) .

وخلال الغيبة الصغرى أكمل الإمام الثاني عشر المهدي المنتظرعليه‌السلام ما تبقّى مما تحتاجه الأمة خلال الغيبة الكبرى من تلك المعارف وما يعين المؤمنين على التحرك والاستقامة على الصراط المستقيم ويحفظ للاُمة استمرار مسيرتها التكاملية; وهذا هو الهدف العام الثاني لسيرتهعليه‌السلام في فترة الغيبة الكبرى كما يتجلى في الكثير من الرسائل الصادرة عنه فيها.

ـــــــــــ

(١) راجع في هذا الباب كتاب «منع تدوين الحديث ـ اسباب ونتائج» للسيد علي الشهرستاني: ٣٩٧ ـ ٤٦٥ الفصل الخاص بتأريخ تدوين السنة النبوية عند مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام .

١١٥

تثبيت نظام النيابة

قام الإمام المهديعليه‌السلام في هذه الفترة بتعيين عدد من الثقات المخلصين في إيمانهم من شيعته وكلاء عنه يتحركون بإذنه وبأمره ويشكلون جهازاً للارتباط بالمؤمنين، وقد مهد له في ذلك جده الإمام الهادي ومن قبله الإمام الجوادعليه‌السلام ثم تابعه الإمام العسكريعليه‌السلام الذي رسّخ نظام الوكلاء تمهيداً لغيبة ولده. فكان يُعلن توثيق بعض وجوه أصحابه وأنه وكيل عنه، فمثلاً قالعليه‌السلام بشأن عثمان بن سعيد العمري وكيله الذي أصبح فيما بعد وكيلاً لولده الإمام المهديعليه‌السلام ، وكان وكيلاً للإمام الهاديعليه‌السلام أيضاً: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدى إليكم فعنّي يؤديه »(١) .

وقد ذكر الشيخ الصدوق أسماء إثني عشر شخصاً من وكلاء ونواب الإمام المهديعليه‌السلام في الغيبة الصغرى وأضاف اليهم السيد محمد الصدر أسماء ستة آخرين استناداً الى ماورد في المصادر التأريخية وكتب الرجال(٢) ، وكان الإمام يتولّى تنصيبهم مباشرة ويصدر بيانات «توقيعات» في ذلك وفي نفي الوكالة عمّن يدّعيها ولم يكن منهم(٣) .

وثمة تغيير مهم حدث في نظام الوكلاء في هذه الفترة عما كان عليه في زمن الإمام العسكريعليه‌السلام ، وهو استحداث الإمام المهديعليه‌السلام منصب الوكيل الخاص أو السفير العام بينه وبين المؤمنين وهو منصب لم تكن الحاجة إليه قائمة في السابق حيث كان بامكان الوكلاء أو غيرهم الاتصال بالإمام بصورة أو بأخرى، وكان الإمام ظاهراً فلا حاجة لوكيل أو نائب خاص ينوب عنه، أما في عهد الغيبة الصغرى فقد اقتضى عدم ظهور الإمام ايجاد هذا المنصب ليكون محوراً لرجوع المؤمنين خاصةً وأنهم كانوا قد اعتادوا في السابق أن يكون الإمام واحداً في كل عصر.

ـــــــــــ

(١) غيبة الطوسي : ٢١٥.

(٢) تأريخ الغيبة الصغرى: ٦٠٩ ـ ٦٢٨.

(٣) غيبة الطوسي: ١٧٢ ـ ٢٥٧.

١١٦

وكان تعيين الوكيل الخاص أو السفير من قبل الإمام المهديعليه‌السلام مباشرة وعادة ما يكون عبر توقيع يصدره ويبلّغه مباشرة كما هو الحال في الوكيل الأول أو عبر الوكيل السابق فيما بعد.

إن الزعماء الشيعة، والأصحاب الأربعة الذين تعاقبوا على هذا المنصب هم: عثمان بن سعيد العمري الذي كان كما عرفنا وكيلاً للإمامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام ، ثم خلفه إبنه عمرو بن عثمان ثم الحسين بن روح، وخاتمهم كان علي بن محمد السمري ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ .

وكان توجيه الإمام لعمل هؤلاء السفراء مباشراً ومستمراً في كل ما كانوا ينوبون عنه من مهام الإمامة حتى فيما يرتبط بأجوبتهم على الأسئلة العقائدية للمؤمنين التي قد يكون من الممكن أن يجيبوا عنها بما يعرفون، إلاّ أنهم ما كانوا يفعلون شيئاً من ذلك إلاّ بتعليم مباشر منهعليه‌السلام الأمر الذي يضفي صبغة الحجة الشرعية على ما صدر عنهم، وهذا ما تدل عليه عدة روايات منها مثلاً مارواه الشيخ الطوسي في الغيبة ضمن حديث طويل بشأن اجابة السفير الثالث الحسين بن روح على سؤال عقائدي لأحد المؤمنين بشأن استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، إذ ينقل عن راوي الحديث محمد بن ابراهيم الذي كان قد حضر المجلس الذي اجاب فيه الحسين بن روح على السؤال: قال محمَّد بن ابراهيم ابن اسحاقرضي‌الله‌عنه فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روحقدس‌سره من الغد وأنا أقول في نفسي أتراه ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني فقال: يا محمَّد بن إبراهيم لَئِن أخر

١١٧

من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مكان سحيق أحب إليّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه(١) .

وواضحٌ أن الأوضاع السياسية القائمة التي أوجبت غيبة الإمام المهديعليه‌السلام لم تكن تسمح بأن يكون عمل الوكلاء علنياً، لذلك كان الشرط الأول في الوكلاء وخاصة السفراء أن يكونوا على مرتبة عالية من الالتزام بالكتمان وعدم الكشف عن مكان بل عن وجود الإمام ولذلك كان اختيار الحسين بن روح مثلاً للسفارة رغم وجود مَن هم أعلم منه وأكثر وجاهة بين الأصحاب(٢) .

لقد قام الإمامعليه‌السلام بتثبيت نظام الوكالة والنيابة الخاصة في الغيبة الصغرى كمقدمة لإرجاع المؤمنين في عصر الغيبة الكبرى الى النائب العام الذي حددت النصوص الشرعية الصفات العامة له وأمر الإمام بالرجوع إليه في عصر الغيبة الكبرى ومهّد له في الغيبة بتعيين أشخاص تتوفر فيهم هذه الصفات لتتعرف الأمة على مصاديق من له الأهلية للنيابة العامة عن الإمام وتستعين بها لمعرفة من تتوفر فيه نظائرها في الغيبة الكبرى، وبعبارة أخرى كانت تجربة السفراء الأربعة نموذجاً معيّناً من قبل الإمام المعصومعليه‌السلام يبين للاُمة، شرعية الرجوع الى نائب الإمام في غيبته من جهة ومن جهة ثانية تقدم لها نموذجاً تقوّم به من يدعي النيابة عن الإمام في الغيبة الكبرى استناداً الى الصفات التي ذكرتها النصوص الشرعية كشروط للنيابة عن الإمام.

ـــــــــــ

(١) غيبة الطوسي: ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٢) غيبة الطوسي : ٢٤٠.

١١٨

حفظ الكيان الايماني

ولكن مهمة إثبات وجود الامامعليه‌السلام والتعريف بوكلائِهِ كانت تؤدي أحياناً الى تسرب بعض الأخبار للسلطة فيتدخل الإمام لحفظ نظام الوكلاء حتى ينجز دوره المطلوب في الغيبة الصغرى. فمثلاً يروي ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن الحسين بن الحسن العلوي قال: «كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه فقال له : هوذا يجبي الاموال وله وكلاء وسمّوا جميع الوكلاء في النواحي وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهمَّ الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان: اُطلبوا أين هذا الرجل؟ فانّ هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله ابن سليمان: نقبض على الوكلاء، فقال السلطان: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه قال: فخرج بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وان يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال: معي مال اُريد أن اُوصله، فقال له محمد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه وبثّوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدّم اليهم»(١) .

يُستفاد من الروايات الواردة بشأن سيرة الإمامعليه‌السلام في غيبته الصغرى أن جهوده لدفع أذى ارهاب السلطات العباسية لم يقتصر على الوكلاء كما رأينا في الفقرة السابقة، بل شملت أيضاً حفظ سائر المؤمنين من البطش العباسي، وهذه سنّة ثابتة في سيرةِ آبائِهعليهم‌السلام جميعاً، فقد جدوا في رعاية

ـــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٥٢٥ .

١١٩

المؤمنين ودفع الأذى عنهم ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً.

ومن نماذج رعايته للمؤمنين في هذا الجانب مارواه الكليني في الكافي: عن عليّ بن محمد قال: «خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحيرة، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه»(١) .

كما شملت هذه الرعاية قضاء حوائج المؤمنين الشخصية والاجتماعية والإصلاح بينهم والدعاء لهم وتزويدهم بالوصايا التربوية والإجابة على أسئلتهم الدينية وتعليمهم الأدعية وغير ذلك مما سجلته المصادر التأريخية المختصة بهذه الفترة(٢) .

وثمة أهداف أخرى سعى الإمام لتحقيقها في فترة الغيبة الصغرى مثل كشف التيارات المنحرفة داخل الكيان الشيعي منها: خط عمه جعفر ومنها تيار الوكلاء المنحرفين. وقد أثبت التأريخ نجاح الإمامعليه‌السلام في القضاء عليها إذ انقرض أتباعها سريعاً قبل انقضاء فترة الغيبة الصغرى.

وفي الفقرة اللاحقة نلتقي بنموذجين من تحرك الإمام في هذه الفترة لتحقيق الأهداف المذكورة وهما: إصدار التوقيعات والإلتقاء بالمؤمنين.

إصدار الرسائل «التوقيعات»

حفلت المصادر المؤرخة لسيرة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ بنصوص العديد من الرسائل والبيانات التي كان يصدرهاعليه‌السلام في فترة الغيبة الصغرى والتي عُرفت بالتوقيعات. وهي تشكل أحد الأدلة الوجدانية

ـــــــــــ

(١) الكافي: ١/ ٥٢٥ .

(٢) راجع تأريخ الغيبة الصغرى: ٣٦٧، و٥٩٧ وما بعدهما.

١٢٠