اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)0%

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 199

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 199
المشاهدات: 125860
تحميل: 7793

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125860 / تحميل: 7793
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولعل أفراد هذه المرتبة هم الذين ذكرت الأحاديث الشريفة بأنّ عددهم (٣١٣) كعدة أهل بدر وذكرت لهم صفات عالية من الإيمان ومعرفة الله حق معرفته، ومن شدة التعبد لله والإخلاص له فهم «رهبان الليل»، ومن الشجاعة والكفاءة الجهادية العالية فهم «اُسد النهار» الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ومن الكفاءة العلمية العالية والإحاطة بعلوم الشريعة فهم «الفقهاء والقضاة»، ومن الكفاءة الإدارية الفائقة فهم «الولاة العدول»(١) وغير ذلك من الصفات السامية الأخرى التي يُستفاد منها أنهم يمثلون جهاز الإمام القيادي والإداري عند ظهوره قبل إقامة دولته العالمية العادلة وبعدها.

٢ ـ منها توفر القواعد الإسلامية العريضة المستعدة للتفاعل الإيجابي مع أهداف الثورة المهدوية الكبرى وإن تباينت درجاتها في تقديم النصرة العملية(٢) .

والذي يوجِد هذه الحالة هو اتضاح حقيقة وأحقية منهج أهل البيت النبوي الذي يمثله المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ، واتضاح زيف الشبهات المثارة على مدى التأريخ الإسلامي ضد هذا المنهج، واتضاح أنه هو المنهج الذي يمثل الإسلام المحمدي الأصيل.

ـــــــــــ

(١) عقد الدرر: ١٢٣ إثبات الهداة: ٤٩٤، ٥١٨، الملاحم والفتن لابن حماد: ٩٥، دلائل الإمامة للطبري الإمامي: ٢٤٨ ـ ٢٤٩، حلية الأولياء: ٦ / ١٢٣، مستدرك الحاكم: ٤/ ٥٥٤ ينابيع المودة: ٥١٢، كمال الدين: ٦٧٣، اختصاص الشيخ المفيد: ٢٦، والأحاديث في مدح أصحاب المهدي وأنصاره كثيرة.

(٢) راجع توضيحات السيد الشهيد محمد الصدر رحمه‌الله لهذه المراتب من القواعد المؤيدة في تأريخ الغيبة الكبرى: ٢٤٧ ومابعدها.

١٦١

وقد أشارت الأحاديث الشريفة الى ذلك ضمن حديثها عن الحركة الموطئة للثورة المهدوية ودورها في عرض الصورة النقية لمذهب أهل البيت وعلومه الإسلامية النقية على الصعيد الإسلامي والعالمي، وبالتالي عرض الصورة الأصيلة للإسلام(١) .

ودور هذه الحركة التمهيدية التي نصّت الأحاديث الشريفة على انطلاقها قبيل الظهور المهدوي في عرض الصورة النقية للإسلام يوجِد حالة التطلع للإسلام كبديل حضاري لإنقاذ البشرية والإقبال عليه خارج دائرة العالم الإسلامي ـ كما هو المشهود حالياً في بوادره على الأقل ـ الأمر الذي يفتح أبواب التفاعل الإيجابي مع الثورة المهدوية الكبرى بين الشعوب غير الإسلامية أيضاً خاصةً وأنها جربت المدارس والتيارات الفكرية والسياسية الاُخرى وعايشت عملياً فشلها في تحقيق السعادة المنشودة للبشرية بل وجلبها للبشريّة الكثير من الأزمات المادية والمعنوية التي تعتصرها حالياً، الأمر الذي جعلها تتطلع الى بديل منقذ خارج المدارس والتيارات التي عرفتها، والى هذه الحالة أشارت الأحاديث الشريفة التي تحدثت عن أنّ الدولة المهدوية هي آخر الدول كما لاحظنا في الأحاديث الشريفة التي أوردناها في الفصل الخاص بعلل الغيبة وأسبابها.

٣ ـ منها أيضاً توفر وسائل الاتصال المتطورة التي تتيح للجميع التعرف على الحقائق، وبالتالي السماح بوصول الحق الى الجميع واتضاح بطلان وزيف المدارس الاُخرى، وأحقية الرسالة الإسلامية التي يحملها المهديعليه‌السلام وبالتالي تبنّي أشخاص للتيار الإسلامي وأهدافه التي يبشر بها المهدي الموعود بعد أن كانوا ينتمون تأريخياً الى المدارس الاُخرى، أي الانتقال عملياً الى صفوف أنصارهعليه‌السلام ، كما تشير الى ذلك الأحاديث الشريفة المعللة للغيبة بإخراج «ودائع الله» المؤمنين من أصلاب الكافرين.

ـــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٦٠/ ٢١٣، عن تاريخ قم للحسن بن محمد القمي (ق ٣) ح ٢٢ و ٢٣ وعنه في منتخب الأثر: ٢٦٣ و ٤٤٣ .

١٦٢

الفصل الثاني:سيرة الإمام المهديعليه‌السلام عند الظهور

وردت مجموعة من الأحاديث الشريفة في ذكر عصر الظهور وما يجري فيه، وسيرة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ عند ظهوره وما يحققه الله تبارك وتعالى على يديه يومذاك.

وهذه الأحاديث مروية في الكتب المعتمدة عند مختلف الفرق الإسلامية، وفيها الأحاديث ذات الأسانيد الصحيحة، وحيث إن هذا الكتاب لا يتسع لإيرادها وتحليلها ودراستها وتمحيصها، لذلك نكتفي بتلخيص أبرز مدلولاتها في عناوين موجزة دون ذكر نصوصها في أغلب الموارد محيلين القارئ الكريم الى مراجعة مصادرها إذا أراد التفصيل، مقدمين لذلك بذكر الآيات الكريمة المتحدثة عن خصوصيات عصر الظهور وما سيحققه الله تبارك وتعالى على يدي وليه المهديعليه‌السلام المنتظر عجّل الله فرجه .

إنّ ما نستفيده من هذه النصوص التي تكلّمت عن عصر الظهور يعبّر عن خصائص الدولة المهدوية ـ كما يرسمه القرآن الكريم ـ وهي الدولة التي تمثّل المصداق الجليّ لأحد أهمّ الأهداف الإلهية من بعثة جميع الأنبياءعليهم‌السلام .

١٦٣

خصائص الدولة المهدوية في القرآن الكريم

١ ـ اتمام النور الالهي وإظهار الإسلام على الدين كله:

وهذا ما صرّح به القرآن المجيد في ثلاث من سوره المباركة.

أ ـ قال تعالى:( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) (١) .

ب ـ وقال تعالى( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون* هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) (٢) .

ج ـ وقال عز وجل:( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً ) (٣) .

وقد صرّح المفسرون من مختلف المذاهب الإسلامية بأنّ هذا الوعد الحتمي الوقوع إنما يتحقق في عصر المهدي الموعود حيث يظهر الإسلام على جميع الأديان فيعم المشارق والمغارب(٤) . وتُقام الدولة الإسلامية العالمية; لأن المقصود من الإظهار هو الغلبة والاستيلاء وليس مجرد قوّة الحجة; لأن غلبة الحجة أمر حاصل ابتداء ولا يبشر الله عز وجل إلاّ بأمر مستقبل غير حاصل كما استدل على ذلك الفخر الرازي في تفسيره(٥) .

ـــــــــــ

(١) التوبة (٩): ٣٢ و ٣٣ .

(٢) الصف (٦١): ٨ و ٩ .

(٣) الفتح (٤٨): ٢٨ .

(٤) تفسير القرطبي: ٨/ ١٢، التفسير الكبير: ١٦/ ٤٠، والروايات من طرق أهل البيت عليهم‌السلام كثيرة مصرّحة بأختصاص تحقق هذا الوعد بعهد المهدي الموعود.

(٥) التفسير الكبير: ١٦/ ٤٠.

١٦٤

٢ ـ استخلاف صالحي المؤمنين

أ ـ قال تعالى:( ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون ) (١) .

ب ـ وقال تعالى:( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنّنّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يُشركون بي شيئاً ومَن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) (٢) .

ج ـ وقال تعالى:( ... الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) (٣) .

تخبر الآية الكريمة الاُولى بأن من القضاء المحتوم تكريم خط الإيمان والصلاح بجزاء دنيوي ـ فضلاً عن الجزاء الاُخروي ـ يتمثل في وراثة الأرض وحكمها حيث العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة(٤) ، وتنص الآية الثانية على أن الذين يستخلفهم الله في الأرض هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات من المسلمين، الذين كانوا يُستضعفون ولم يسمح لهم بعبادة الله بأمن، وعن التمكين لهؤلاء دينهم الذي ارتضاه تبارك وتعالى لهم: والآيتان تتحدثان عن عصر ظهور المهدي كما هو واضح من التدبر فيهما(٥) .

ـــــــــــ

(١) الأنبياء: ٢١ / ١٠٥.

(٢) النور (٢٤): ٥٥ .

(٣) الحج (٢٢): ٤١ .

(٤) تفسير الميزان: ١٤ / ٣٢٩ ـ ٣٣١.

(٥) ناقش العلامة الطباطبائي رحمه‌الله في تفسيره الميزان الأقوال الأخرى التي أوردها المفسرون وأثبت عدم انسجامها مع دلالات الآية التي لا يمكن تفسيرها بغير الدولة المهدوية راجع تفسير الميزان: ١٥/ ١٥١ ـ ١٥٧ .

١٦٥

٣ ـ إقامة المجتمع التوحيدي الخالص

واستناداً لما تقدم يتضح أن من خصائص عصر المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ هو أن تكون مقاليد المجتمع البشري برمته بيد الصالحين الذين كانوا يُستضعفون في الأرض والذين يمثلون الإسلام المحمدي الأصيل، فإذا مكنهم الله في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر أي أقاموا المجتمع التوحيدي الخالص الذي يعبد الله وحده لا شريك له بأمن دونما خوف من كيد منافق أو كافر، ووفّروا بذلك جميع الظروف اللازمة لتحقق العبادة الحقّة لله والتكامل الانساني في ظلها، لذا فلا حجة بالمرّة لمن يكفر بعد ذلك (فأولئك هم الفاسقون) حقاً لانهم أعرضوا عن الصراط المستقيم مع توفر جميع الأوضاع المناسبة لسلوكه وهذه خصوصية أخرى من خصوصيات عصر المهدي المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ، وتفسير ماروي من شدة تعامله مع المنحرفين.

٤ ـ تحقق الغاية من خلق النوع الانساني

قال عزّ وجلّ:( وما خلقت الجن والانس إلاّ ليعبدون ) (١) .

تدل الآية الكريمة على حصر الغاية من خلق الإنسان بالعبادة الحقّة لله جل وعلا(٢) ، وهذا ما يتحقق في ظل دولة المهدي الموعود على الصعيدين الفردي والاجتماعي بأكمل صوره كما أشرنا لذلك في الفقرة السابقة. وقد عقد

ـــــــــــ

(١) سورة الذاريات (٥١): ٥٦ .

(٢) تفسير الميزان: ١٨ / ٣٨٦ ـ ٣٨٩.

١٦٦

السيد الشهيد محمد الصدررحمه‌الله بحثاً عقائدياً تفسيرياً استند فيه لهذه الآية الكريمة لإثبات حتمية ظهور دولة المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه(١) . لأن تحقق هذه الغاية أمر حتمي إذ إنّ من المحال تخلف مخلوق عن الغاية من خلقه، والآية تتحدث عن النوع الانساني وتحقق العبادة الحقة فيه على الصعيدين الفردي والاجتماعي العام في المجتمع الانساني وهذا مالم يتحقق في تأريخ الانسان على الأرض مُنذ نزوله إليها لذا لابد من القول بحتمية تحققه في المستقبل في دولة إلهية تقيم المجتمع التوحيدي الصالح العابد لله وحده لا شريك له، وهذه الدولة هي الدولة المهدوية كما أشارت لذلك الآيات الكريمة المتقدمة وصرحت به الكثير من الأحاديث الشريفة المروية من طرق الفريقين.

٥ ـ انهاء الردة عن الدين الحق

قال عز من قائل:( يا أيها الذين آمنوا مَن يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) (٢) .

لقد عقد العلامة الطباطبائيرحمه‌الله بحثاً تفسيرياً قرآنياً وروائياً للاستدلال على أن هذه الآية الكريمة تتحدث عن عصر الظهور المهدوي وأن الردة المقصودة فيها هي عن الدين الحق مع البقاء على الظاهر الإسلامي وذلك بموالاة اليهود والنصارى وإتباعهم في طريقة الحياة في مختلف شؤونها كما هو حاصل اليوم. وهذه الردّة هي التي تنهى عنها الآيات السابقة لهذه الآية

ـــــــــــ

(١) تأريخ الغيبة الكبرى: ٢٣٣ ومابعدها.

(٢) المائدة (٥): ٥٤ .

١٦٧

الكريمة التي تتحدث عن الانحراف الذي يصيب العالم الإسلامي قبل الفتح المهدوي(١) .

بناءً على ذلك فإنّ من خصائص عصر الدولة المهدوية إنهاء الردة عن الدين الحق والتبعية لليهود والنصارى في طريقة الحياة، ثم إعادة المسلمين الى الطريقة الإسلامية في الحياة بمختلف شؤونها، وهذا ينسجم تماماً مع الخصوصيات الأخرى للعصر المهدوي الذي تحدثت عنه الآيات السابقة.

تأريخ ظهور الإمام المهديعليه‌السلام

ذكرت الأحاديث الشريفة أنهعليه‌السلام يظهر في وتر من السنين الهجرية(٢) أي من الأعوام الفردية، ويكون ظهوره في يوم الجمعة(٣) ، فيما ذكرت أحاديث أخرى أن خروجه يكون يوم السبت العاشر من محرم الحرام(٤) ، ولعل الجمع بين التأريخيين هو أن ظهوره يكون يوم الجمعة وفيها يخطب خطبته في المسجد الحرام فيما يكون خروجه منها باتجاه الكوفة يوم السبت.

ـــــــــــ

(١) تفسير الميزان: ٥ / ٣٦٦ ـ ٤٠٠، وراجع تفسير الشيخ اسعد بيوض التميمي للآيات نفسها في كتابه زوال اسرائيل حتمية قرآنية; ١٢٠ ـ ١٢٤.

(٢) الإرشاد للشيخ المفيد: ٢/٣٧٩ وعنه في الفصول المهمة: ٣٠٢ إثبات الهداة: ٣ / ٥١٤ .

(٣) إثبات الهداة: ٣ / ٤٩٦.

(٤) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ٤/ ٣٠٠ وكذلك ٣٣٣، اقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: ٥٥٨، كمال الدين: ٦٥٣، غيبة الطوسي: ٢٧٤، عقد الدرر للمقدسي الشافعي: ٦٥، البرهان في علامات مهدي آخر الزمان للمتقي الهندي: ١٤٥.

١٦٨

مكان ظهوره ـ عجل الله فرجه ـ وانطلاقة ثورته

ذكرت مجموعة من الأحاديث الشريفة أن بداية ظهوره يكون في المدينة المنورة وإعلان حركته يكون في مكة المكرمة(١) وفي المسجد الحرام حيث يُعلن حركته ويدعو إليها في خطبة موجزة ذات دلالات مهمة وهي مروية عن الإمام الباقرعليه‌السلام ضمن حديث طويل عن ظهور سليله المهدي، يقولعليه‌السلام في جانب من الحديث:

ثم ينتهي الى المقام فيصلّي عنده ركعتين ثم ينشد الله والناس حقه. فيقول:

يا أيها الناس إنّا نستنصر الله على من ظلمنا وسلب حقنا، من يحاجنا في الله فانا أولى بالله، ومن يحاجنا في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجنا في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجنا في إبراهيم فإنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجنا بمحمد فإنا أولى الناس بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن حاجنا في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، ومن حاجنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله، أنا أشهد (نشهد) وكل مسلم اليوم إنّا قد ظُلمنا وطُردنا وبُغي علينا واخرجنا من ديارنا واموالنا وأهالينا وقُهرنا، الا أنا نستنصر الله اليوم كل مسلم»(٢) .

وورد في رواية ينقلها نعيم بن حماد وهو من مشائخ البخاري بسنده عن الإمام الباقرعليه‌السلام أيضاً، خطبة ثانية في المكان نفسه ولكن بعد أداء فريضة العشاء، فيروى عن الإمام الباقرعليه‌السلام قوله: «... فإذا صلّى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: اُذكركم الله أيّها الناس، ومقامكم بين يدي ربّكم، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تُحيوا ما أحيى القرآن، وتُميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، وَوَزراً على التقوى، فإنّ الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وآذنت بالوداع، فإني أدعوكم الى الله، والى رسوله، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنته...»(٣) .

ـــــــــــ

(١) برهان المتقي الهندي: ١٤٤.

(٢) تفسير العياشي: ١ / ٦٥، اختصاص الشيخ المفيد: ٢٥٦.

(٣) الملاحم والفتن لنعيم بن حماد: ٩٥، عقد الدرر ١٤٥، برهان المتقي الهندي: ١٤١، الحاوي للفتاوي الحديثية: ٢/ ٧١، وكتاب اللوائح للسفاريني: ٢/ ١١.

١٦٩

وقفة عند خطبتي إعلان الثورة

ويُلاحظ في الخطبة الأولى تأكيدهعليه‌السلام على مخاطبة أتباع جميع الديانات السماوية انطلاقاً من عالمية ثورته الدينية فهو يمثل خط الانبياءعليهم‌السلام جميعاً ويدعو الى الأهداف السامية التي نادوا بها جميعاً. هذا أولاً وثانياً يؤكدعليه‌السلام على تمثيله لمدرسة الثقلين فهو ممثل أهل البيتعليهم‌السلام ثاني الثقلين الذي لا يفترق عن الأول ـ أعني القرآن المجيد ـ لذلك فهم أولى الناس بكتاب الله جل ذكره وأعرفهم بما فيه وبسبل هداية البشرية على نور هداه السماوي.

ثم يشير ثالثاً الى مظلومية أهل البيتعليهم‌السلام وتعريضهم لأشكال الظلم والبغي بما أدى الى غيبة خاتمهم ـ عجل الله فرجه ـ وسبب تعريضهم لكل ذلك هو نزعات الطواغيت وعباد السلطة للاستئثار واتخاذ مال الناس دولاً وعباد الله خولاً ومنع أهل البيتعليهم‌السلام من إقرار العدالة الإلهية وقيادة الناس على المحجة البيضاء.

ثم يستنصر كل مسلم لدفع هذه المظلومية التي يكون في دفعها الخير للبشرية جمعاء لأنّ تسليم مقاليد الأمور الى ممثل نهج الأنبياء وعدل القرآن الكريم يعني تحقيق أهداف العدالة الإلهية، ولكن ـ عجل الله فرجه ـ يستنصر الله جل قدرته أولاً وفي ذلك إشارة الى حتمية انتصار ثورته الإصلاحية فهو المضطر الذي تُستجاب دعوته وولي دم المقتول ظلماً فهو منصور إلهياً، وبهذه الإشارة يحفزعليه‌السلام الناس لنصرته ليفوزوا بسعادة الدارين ويتقوا عذاب الدنيا وخزيها على يديه وعذاب الآخرة أكبر.

١٧٠

إعلان أهداف الثورة

أما في الخطبة الثانية التي يلقيها ـ عجل الله فرجه ـ بعد صلاة العشاء، فهو يحدد الأهداف العامة لثورته، وهي الأهداف التي يستنصر الناس لأجلها، والتي تمثل الوجه الآخر للثأر لمظلومية أهل البيت ومدرستهم ومنهجهمعليهم‌السلام ، فهو يحدد الهدف الأول والعام المتمثل باقامة التوحيد الخالص الذي بُعث لأجله الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ واُنزلت معهم الكتب السماوية، وهو الهدف الذي يتجسد من خلال طاعة الله تبارك وتعالى وطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن خلال إحياء ما أحيا القرآن، وإحياء سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإماتة ما أماته القرآن وهو الباطل والبدع والشرك وسائر العبوديات الزائفة. فدعوته هي دعوة الى الله عز وجل وتوحيده والى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعمل بسنته الموصلة الى الله.

وعليه يتضح أن استنصاره للثأر لمظلومية أهل بيت النبوة تعني الدعوة الى المعونة على الهدف والمؤازرة على التقوى.

الاستجابة لاستنصاره ومبايعته

وأول مَن يبادر لبيعتهعليه‌السلام في المكان الذي يستنصر فيه المسلمين أي مابين الركن والمقام هم صفوة أنصاره: «فيُبايع ما بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف، عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق»(١) .

ويُستفاد من مجموعة من الأحاديث المروية في مصادر أهل السنة أن

ـــــــــــ

(١) غيبة الطوسي: ٢٨٤، وعنه في بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٤، واثبات الهداة: ٣/٥١٧، ٥١٨ .

١٧١

ظهوره ومبايعته يكون بعد اختلاف بين قبائل الحجاز وأنه يرفض في البداية قبول البيعة ويخاطب المبايعين بالقول: «ويحكم! كم عهد قد نقضتموه؟ وكم دم قد سفكتموه؟»(١) ، ويبدو أن هذا الرفض يمثل محاولة لإشعار المبايعين بمسؤولية وتبعات البيعة والمهمة التي هم مقبلون عليها نظير ما فعله جدّه الإمام عليعليهما‌السلام عند إقبال الناس على بيعته بعد مقتل عثمان.

ويُستفاد من بعض الأحاديث أن حركة الموطئة للظهور المهدوي تبعث بالبيعة للمهديعليه‌السلام . وهو في مكة(٢) ثم تجددها بعد ذلك.

وتصرح بعض الأحاديث الشريفة أن أصحابه الخاصين أي الثلاثمائة والثلاثة عشر يجمعون في مكة وبصورة إعجازية أو سريعة بوسائل النقل المتطورة ليدركوا ظهور الإمام ويبايعوه(٣) .

خروجه الى الكوفة وتصفية الجبهة الداخلية

يخرجعليه‌السلام بجيشه متوجهاً للكوفة التي يتخذها منطلقاً لتحركه العسكري(٤) بعد إنهاء فتنة السفياني والخسف الذي يقع بجيشه في البيداء(٥) .

ـــــــــــ

(١) مستدرك الحاكم: ٤ / ٥٠٣، القول المختصر لابن حجر: ١٨، برهان المتقي الهندي: ١٤٣، عقد الدرر: ١٠٩، معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام : ١/٤٤٩.

(٢) فتن ابن حماد: ٨٣ ـ ٨٤، الحاوي للفتاوي: ٢ / ٦٧، البرهان: ١١٨.

(٣) غيبة النعماني: ٣١٥، اثبات الهداة: ٣ / ٤٥٣.

(٤) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٠٨، إثبات الهداة: ٣ / ٥٨٣، ٥٢٧، ٤٩٣.

(٥) تفسير الطبري، ٢٢ : ٧٢، تذكرة القرطبي: ٢ / ٦٩٣، سنن الدارمي: ١٠٤، مسند أحمد: ٦ / ٢٩٠، صحيح مسلم: ٤ / ٢٢٠٨، سنن أبي داود: ٤ / ١٠٨، سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣٥١، سنن الترمذي: ٤/٤٠٧، تأريخ البخاري: ٥ / ١١٨، سنن النسائي: ٥ / ٢٠٧. وأحاديث الخسف بجيش السفياني كثيرة مروية في الصحاح وغيرها ومن طرق أهل البيت عليهم‌السلام أيضاً.

١٧٢

وينشر راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المذخورة عنده في نجف الكوفة(١) . وتنصره الملائكة التي نصرت جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معركة بدر(٢) . وتذكر الأحاديث الشريفة أنه يواجه وأصحابه وجيشه صعوبات شديدة وتعباً في بداية تحركه العسكري(٣) وحروبه التي تستمر ثمانية أشهر لتصفية الجبهة الداخلية فيما تستمر ملاحمه عشرين عاماً(٤) .

ويُلاحظ هنا أن المسير الذي يختارهعليه‌السلام هو المسير الذي اختاره جده الإمام الحسينعليه‌السلام في نهضته الإستشهادية من مكة الى الكوفة، التي مُنع جده سيد الشهداء عن الوصول اليها فيصل سليله المهديعليه‌السلام إليها ويحقق الأهداف الإصلاحية في الاُمة المحمدية التي سعى لها جدّه سيد الشهداءعليه‌السلام .

وعندما يدخل الكوفة يجد فيها ثلاث رايات تضطرب(٥) فيوحدها وينهي اضطرابها بنشره للراية المحمدية المذخورة وينهي جيوب النفاق المتبقية فيها في معركته مع الفرقة التي تصفها الأحاديث الشريفة بالبترية(٦) .

دخوله بيت المقدس ونزول عيسىعليه‌السلام

تنص الكثير من الروايات على دخولهعليه‌السلام بيت المقدس بجيشه ضمن إطار حادثة مهمة للغاية، هي نزول نبي الله عيسى بن مريم المسيحعليه‌السلام الذي بشرت بعودته نصوص الانجيل إضافة الى الأحاديث الشريفة المرويّة في

ـــــــــــ

(١) تفسير العياشي: ١ / ١٠٣، غيبة النعماني: ٣٠٨، كمال الدين: ٦٧٢.

(٢) تفسير العياشي: ١ / ١٩٧، إثبات الهداة: ٣ / ٥٤٩.

(٣) غيبة النعماني: ٢٩٧.

(٤) إثبات الهداة: ٣ / ٤٦٩ بالنسبة للمدة الأولى، وتقول رواية لابن حماد: ١٢٧ أن ملاحمه تستمر عشرين سنة.

(٥) الارشاد: ٣٦٢، غيبة الطوسي: ٢٨٠.

(٦) دلائل الإمامة: ٢٤١، غيبة الطوسي: ٢٨٣.

١٧٣

الكتب الروائية الموثّقة عند أهل السنة والشيعة(١) . وتذكر الأحاديث الشريفة قصة صلاة عيسى صلاة الفجر خلف الإمام المهديعليه‌السلام بعد أن يرفض عرض الإمام بأن يتقدم عيسى لإمامة الصلاة معللاً الرفض بأن هذه الصلاة اُقيمت لأجل الإمام المهدي فيقدّمه ويصلّي خلفه إشارة الى خاتمية الرسالة المحمدية، وفي ذلك نصرة مهمة للثورة المهدوية حيث توجّهها للعالم الغربي الذي يدين معظمه بالمسيحية.

ويظهر أن دخول المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يكون بعد تحريرها من الإفساد اليهودي وإنهاء حاكميتهم عليها. لذا قد يكون من الممكن القول بأن دخول الإمام بيت المقدس يكون بعد تصفيته الجبهة الداخلية ومقدمة لمواجهة الأعداء خارج العالم الإسلامي أو الروم حسب تعبير الروايات وفتح كل الأرض. من هنا نفهم سر توقيت نزول عيسى المسيح مع دخول المهدىعليه‌السلام بيت المقدس.

قتل الدجال وإنهاء حاكمية الحضارات المادية

إنّ معظم الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن نزول عيسىعليه‌السلام تذكر قيامه بكسر الصليب ورجوع النصارى عن تأليهه(٢) ثم قتل الدجال ـ الذي هو رمز الحضارات المادية ـ على يديه أو على يدي الامام المهدي بمعونتهعليهما‌السلام .

ومع رجوع النصارى عن تأليه عيسىعليه‌السلام ومشاهدتهم لمناصرة نبيهم لخاتم أئمة الإسلام المعصومين تتفتح أبواب دخولهم الإسلام ـ وهم النسبة الأكبر من سكان الأرض ـ بيسر، ونتيجة لذلك تتيسر مهمة قتل الدجال والقضاء على الحضارات الطاغوتية وفتح الأرض وإقامة الدولة الإسلامية العالمية العادلة وبدء عملية البناء الإصلاحي وتحقيق أهداف الأنبياءعليهم‌السلام .

ـــــــــــ

(١) صحيح البخاري: ٤ / ٣٠٥، مسلم: ١ / ١٣٦، تأريخ البخاري: ٧ / ٢٣٣، سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣٥٧، سنن الترمذي: ٤/ ٥١٢، صحيح البخاري: ٣ / ١٠٧، فتن ابن حماد: ١٠٣ وغيرها كثير مروية من طرق الفريقين.

(٢) الدر المنثور للسيوطي: ٢ / ٣٥٠.

١٧٤

هذه ـ على نحو الإيجاز ـ المحطات الرئيسة لتحرك الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ بعد ظهوره، وكل منها يشتمل على تفصيلات كثيرة لا يسع المجال لذكرها. لذا ننتقل للحديث ـ وبالإيجاز نفسه ـ عن سيرته بعد ظهوره في أبرز مجالاتها ثم عن خصائص عهده.

سيرته سيرة جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

تنص الأحاديث الشريفة أنهعليه‌السلام يسير بسيرة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قال: «بُعثت بين جاهليتين لاُخراهما شر من أولاهما»(١) ، وبيّن لاُمته الكثير من مظاهر الجاهلية الثانية الأشد شراً، فالمهدي: «يصنع كما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان قبله ويستأنف الإسلام جديداً»(٢) وقد تحدث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن غربة الإسلام بعده ونقل عنه المسلمون ذلك(٣) .

فالمهدي يهدم الجاهلية الثانية كما هدم جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجاهلية الأولى، ويستأنف الإسلام الذي عاد غريباً كما بدأ غريباً. ولكن ثمة فروقاً بين السيرتين تفرضهما بعض الخصوصيات الزمانية لكل منها. وهذه الخصوصيات الزمانية هي التي تفسّر الفروق في سيرتيهماعليهما‌السلام كما سنلاحظ بعضها في سياساته العسكرية والقضائية والإدارية والدينية وغيرها. ولهذا فلا يضر ذلك بحقيقة أن سيرتيهما ـ صلوات الله عليهما ـ واحدة.

ـــــــــــ

(١) أمالي الشجري: ٢ / ٧٧.

(٢) غيبة النعماني: ٢٣٢، عقد الدرر للمقدسي الشافعي: ٢٢٧، تهذيب الأحكام: ٦/ ١٥٤.

(٣) مسند أحمد: ١ / ١٨٤، صحيح مسلم: ١ / ١٣٠، سنن ابن ماجة: ٢/ ١٣١٩، الترمذي: ٥:١٨.

١٧٥

إحياء السنة وآثار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

تقوم حركة المهدي الإصلاحية الكبرى على أساس إحياء السنة المحمدية وإقامتها التي يكون بها قوام كل القيم الإسلامية فهو كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رجل من عترتي يُقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي»(١) وهو «يقفو أثري لا يُخطئ»(٢) وهو «رجل منّي اسمه كاسمي يحفظني الله فيه ويعمل بسنتي»(٣) ، فهو «يبين آثار النبي»(٤) ، ويدعو الناس الى سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فهو مجددها كما أنه مجدد الإسلام ويظهر ماخفي واُخفي منها. وقد سمي «المهدي» لأنه يهدي الناس الى «أمر قد دُثر وضل عنه الجمهور»(٥) .

شدته مع نفسه ورأفته باُمته

إن سيرة الإمام المهديعليه‌السلام مع نفسه واُمته تجسد صورة الحاكم الإسلامي المثالي الذي تكون السلطة عنده وسيلة لخدمة الناس وهدايتهم لا مصدراً للدخل الوفير والظلم والاستئثار بالأموال واستعباد الناس، فهو يحيي صورة الحاكم الإسلامي التي جسدها من قبل ـ وبأسمى صورها ـ أبواه، ومن قبل رسول الله ووصيه الإمام علي ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ فهو مع نفسه: «مالباسه إلاّ الغليظ وما طعامه إلاّ الشعير الجشب»(٦) وهو الذي «يكون من الله على حذر، لا يضع حجراً على حجر، ولا يقرع أحداً في ولايته بسوط إلاّ في

ـــــــــــ

(١) فتن ابن حماد: ١٠٢، القول المختصر لابن حجر: ٧، برهان المتقي: ٩٥.

(٢) القول المختصر: ١٠، الفتوحات المكية لابن عربي: ٣/ ٣٣٢.

(٣) إثبات الهداة: ٣/ ٤٩٨.

(٤) إثبات الهداة: ٣/ ٤٥٤.

(٥) سنن الدارمي: ١٠١، فتن ابن حماد: ٩٨، عقد الدرر: ٤٠، اثبات الهداة: ٣/ ٥٢٧.

(٦) راجع الكافي: ١ / ٤١١، إثبات الهداة: ٣ / ٥١٥.

١٧٦

حد»(١) ، أما مع اُمته فهو «الرؤوف الرحيم» بهم وهو الموصوف بأنه «المهدي كأنما يعلق المساكين الزُّبد»(٢) ، وهو الصدر الرحب الذي تجد فيه الأمة ملاذها المنقذ فهي: «تأوي إليه اُمته كما تأوي النحلة الى يعسوبها»(٣) أو «كما تأوي النحل الى بيوتها»(٤) .

سيرته القضائية

والمهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً كما تواترت بذلك الأحاديث النبوية، وإنجاز هذه المهمة يحتاج الى سيرة قضائية صارمة، لذلك فهو يجسد سيرة جده الإمام عليعليه‌السلام الشديدة في تتبع حقوق الناس المغصوبة وأخذها من الغاصب حتى لو كانت مخبأة تحت ضرس وحتى لو تزوج بها الحرائر، و: «يبلغ من ردّ المهدي المظالم، حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده»(٥) . فيبلغ من عدله أن «تتمنى الأحياء الأموات»(٦) أي يتمنوا عودة الأموات لينعموا ببركات عدله.

وتذكر مجموعة من الأحاديث الشريفة أنهعليه‌السلام يحكم بحكم سليمان وداود في قضائه; أي بالعلم «اللدني» دون الاحتجاج بالبينة(٧) ، ولعل ذلك انطلاقاً من مهمته في اقرار العدل الحقيقي دون الظاهري الذي قد تقرّه البينة الظاهرية وإن كان خلاف العدل الحقيقي وهذه حقيقة معروفة وقد شهدها التأريخ الإسلامي والانساني ويشهد التأريخ المعاصر الكثير من مصاديقها حيث يُؤدي الالتزام بالبينات الظاهرية الى غياب العدل الحقيقي وإن أقرت العدل الظاهري. وعلى أي حال. فهذه من خصوصيات عهدهعليه‌السلام وهي تنسجم مع طبيعة الأوضاع العامة لهذا العهد.

ـــــــــــ

(١) ملاحم ابن طاووس: ١٣٢.

(٢) فتن ابن حماد: ٩٨، عقد الدرر: ٢٢٧.

(٣) ابن حماد: ٩٩، الحاوي للسيوطي: ٢ / ٧٧.

(٤) برهان المتقي الهندي: ٧٨.

(٥) ابن حماد: ٩٨، الحاوي: ٢ / ٨٣، القول المختصر: ٢٥، عقد الدرر: ٣٦.

(٦) ابن حماد: ٩٩، القول المختصر : ٥.

(٧) الكافي: ١ / ٣٩٧، إثبات الهداة: ٣/ ٤٤٧.

١٧٧

سيرته تجاه الأديان والمذاهب

يزيل الإمام المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ مظاهر الشرك كافة ويروج التوحيد الخالص: «ولا يبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله إلاّ عُبد الله فيها ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون»(١) ، ويقومعليه‌السلام بعرض الإيمان على الجميع وينهي الحالة المذهبية فيوحد المذاهب الإسلامية ويصلح الله به أمر الأمة ويرفع اختلافها ويؤلّف قلوبها(٢) على أساس السنة النبوية النقية وما اُخفي أو ضيّع من قيم الإسلام الأصيلة. فهو كما قال جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سنته سنتي يقيم الناس على ملتي وشريعتي»(٣) .

ويُستفاد من بعض الروايات أنهعليه‌السلام يقوم بإخراج التوارة والإنجيل غير المحرّفين من غار بأنطاكية ويحاجج اليهود والنصارى بهما ويستخرج حُلي بيت المقدس ومائدة سليمان ويردها الى بيت المقدس(٤) ، ويدعمه في موقفه هذا عيسىعليه‌السلام الذي «يحتج به على نصارى الروم والصين»(٥) حيث

ـــــــــــ

(١) إثبات الهداة: ٢/٤١٠.

(٢) ابن حماد: ١٠٢، الطبراني الأوسط: ١ / ١٣٦.

(٣) كمال الدين: ٤١١.

(٤) ابن حماد، ٩٨، سنن الداني: ١٠١، الحاوي للسيوطي: ٢/ ٧٥، لوائح السفاريني: ٢/ ٢ تاريخ بغداد: ٩/ ٤٧١، عقد الدرر: ١٤١.

(٥) غيبة النعماني: ١٤٦.

١٧٨

يرفض وفود اليهود والنصارى بعد نزوله عندما يأتونه مدعين أنهم أصحابه فيردهم ويصرّح بأنّ أصحابه هم المسلمون فينضم الى مجمع المهديعليه‌السلام (١) الأمر الذي يؤدي الى رجوع النصارى عن تأليهه كما يقوم بأداء فريضة الحجّ الى البيت الحرام(٢) ويُدفن الى جنب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

وتذكر بعض الروايات أن المهديعليه‌السلام يخرج التوراة الأصلية من جبال بالشام ويحاجج اليهود بها فيسلم منهم جماعة كثيرة(٤) ثم يستخرج تابوت السكينة من بحيرة طبرية ويُوضع بين يديه في بيت المقدس فيسلم اليهود ولا يبقى على العناد إلاّ القليل منهم(٥) .

محاربة البدع ونفي تحريف الغالين والمبطلين

وينفي الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ عن الدين التحريفات بصورة كاملة ويزيل كل البدع التي ورثها المسلمون من قرون الابتعاد عن الثقلين والسنة النبوية النقية وتعطيلها وهذا هو هدف ظهوره : «ليمحو الله به البدع كلها ويميتُ به الفتن كلها، يفتح الله به باب كلّ حقّ، ويُغلق به كل باب باطل»(٦) .

وهذا أول مايبدأ بهعليه‌السلام ، فتذكر الأحاديث الشريفة من مصاديقه هدم المقاصير التي ابتدعها بنو أمية في المساجد لعزل الإمام عن المأمومين(٧) ،

ـــــــــــ

(١) تاريخ البخاري: ٧ / ٢٣٣، مسلم: ٤/ ٢٢٥٣، ابن ماجة: ٢/ ١٣٥٧، الترمذي: ٤/ ٥١٢.

(٢) مسند أحمد: ٢ / ٢٤٠، صحيح مسلم: ٢ / ٩١٥، مستدرك الحاكم: ٢/ ٥٩٥.

(٣) تاريخ البخاري: ١ / ٢٦٣، الترمذي: ٥/ ٥٨٨.

(٤) ابن حماد: ٩٨، ينابيع المودّة للقندوزي: ٣/٣٤٤ .

(٥) ابن حماد: ٩٩ ـ ١٠٠، عقد الدرر: ١٤٧، القول المختصر: ٢٤.

(٦) ملاحم السيد ابن طاووس: ٣٢.

(٧) اثبات الهداة: ٣ / ٥٠٦.

١٧٩

ويعيد مقام ابراهيمعليه‌السلام الى موضعه الأصلي(١) ويزيل عن المساجد كل ما اُبتدع فيها ويعيدها الى السنة الإسلامية الأولى والطريقة المحمدية(٢) .

سيرته الادارية

ويختار المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ لحكم الأرض ولاةً هم خيرة أصحابه الذين يتحلّون بأعلى كفاءات الوالي الإسلامي من العلم والفقه والشجاعة والنزاهة والإخلاص(٣) ، وهو مع ذلك متابع لأمورهم وطريقة قيامهم بمهامهم ويحاسبهم بشدة فإن: «علامة المهدي أن يكون شديداً على العمال جواداً بالمال رحيماً بالمساكين»(٤) ، وفي عهده: «يُزاد المحسن في إحسانه ويُتاب على المسيء»(٥) .

وهوعليه‌السلام شديد مع المتاجرين بالدين والمقدسات الإسلامية الساعين لإضلال الناس، يردعهم عن ذلك، وممّا يقوم به في بدايات ظهوره هو قطع أيدي سدنة الكعبة بسبب ذلك ويفضحهم أمام الناس لكي لا ينخدعوا بهم; إذ هم «سراق الله»(٦) .

سيرته الجهادية

ويقوم الإمام المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ بالسيف، فظهوره يكون بعد إتمام الحجة البالغة واتضاح الحقائق بالكامل وفتح أبواب الحق وإغلاق الباطل

ـــــــــــ

(١) اثبات الهداة: ٥٢٧.

(٢) اثبات الهداة: ٥١٦ ـ ٥١٧.

(٣) إثبات الهداة: ٣/ ٤٩٤.

(٤) مسند ابن ابي شيبة: ١٥ / ١٩٩، سنن الدارمي: ١٠١، حاوي السيوطي: ٢/ ٧٧.

(٥) مسند ابن أبي شيبة: ١٥/١٩٩، سنن الدارمي: ١٠١، حاوي السيوطي: ٢/٧٧.

(٦) إثبات الهداة: ٣/ ٤٤٩، ٤٥٥.

١٨٠