اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)0%

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 199

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 199
المشاهدات: 126034
تحميل: 7800

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 126034 / تحميل: 7800
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وإذا اختلفت الأديان بل الفرق والمذاهب المتشعبة عنها في تحديد هوية المصلح العالمي رغم اتفاقهم على حتمية ظهوره وعلى غيبته قبل عودته الظاهرة، فما هو سر هذا الاختلاف؟

يبدو أن سبب هذا الاختلاف يرجع الى تفسير النصوص والبشارات السماوية وتأويلها استناداً الى عوامل خارجة عنها وليس الى تصريحات أو اشارات في النصوص نفسها، وإلى التأثر العاطفي برموز معروفة لاتباع كل دين أو فرقة وتطبيق النصوص عليها ولو بالتأويل، بمعنى أن تحديد هوية المصلح الموعود لا ينطلق من النصوص والبشارات ذاتها بل ينطلق من انتخاب شخصية من الخارج ومحاولة تطبيق النصوص عليها. يُضاف الى ذلك عوامل أخرى سياسية كثيرة لسنا هنا بصدد الحديث عنها، ومعظمها واضحٌ معروف فيما يرتبط بالأديان السابقة وفيما يرتبط بالفرق الاسلامية، ومحورها العام هو: إن الإقرار بما تحدده النصوص والبشارات السماوية والنبوة نفسها ينسف قناعات لدى تلك الأديان وهذه الفرق يسلبها مبرر بقائها الاستقلالي، ومسوغ إصرارها على عقائدها السالفة.

أما بالنسبة للعامل الأول فنقول: إن النصوص والبشارات السماوية وأحاديث الأنبياء وأوصيائهمعليهم‌السلام بشأن المصلح العالمي تتحدث عن قضية ذات طابع غيبي وهو شخصية مستقبلية وعن دور تأريخي كبير يحقق أعظم إنجاز للبشرية على مدى تأريخها ويحقق في اليوم الموعود أسمى طموحاتها، والإنسان بطبعه ميال لتجسيد القضايا الغيبية في مصاديق ملموسة يحس بها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فكل قوم يتعصبون لشريعتهم ورموزهم وما ينتمون إليه ويميلون أن يكون صاحب هذا الدور التأريخي منهم.

لذا كان من الطبيعي أن يقع الاختلاف في تحديد هوية المصلح العالمي، لأنّ من الطبيعي أن يسعى أتباع كل دين الى اختيار مصداق للشخصية الغيبية المستقبلية التي تتحدث عنها النصوص والبشارات الثابتة في مراجعهم المعتبرة والمعتمدة عندهم ممن يعرفون ويحبون من زعمائهم، يدفعهم لذلك التعصب الشعوري أو اللاشعوري لشريعتهم ورموزها، والرغبة الطبيعية العارمة في أن يكون لهم افتخار تحقق ذاك الدور التأريخي على يد شخصية تنتمي اليهم أو ينتمون إليها.

٢١

الخلط بين البشارات وتأويلها

من هنا أخذت كل طائفة تسعى لتطبيق الصفات التي تذكرها تلك النصوص والبشارات المروية لدى كل منها على الشخصية المحبوبة لديها أو أقرب رموزها الى الصفات المذكورة; فإذا وجدت بعض تلك الصفات صريحةً في عدم انطباقه على الشخصية التي اختارتها عمدت الى معالجة الأمر بالتأويل والتلفيق، أو بتغييبها أو تحريفها لتنطبق على مَن انتخبته سابقاً أو الخلط بين النصوص والبشارات السماوية ـ الواردة بشأن النبي اللاحق أو المنقذ للعالم في برهة معيّنة أو المصحح لإنحراف اُمة معيّنة ـ وبين النصوص والبشارات الخاصة بالحديث عن المصلح العالمي الذي يقيم الدولة العادلة على كل الأرض في آخر الزمان ويحقق أهداف الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام جميعاً.

منهج لحل الاختلاف

وحيث اتضح سبب الاختلاف في تحديد هوية المصلح العالمي; أمكن معرفة سبيل حلّه والتوصل الاستدلالي لمصداقه الحقيقي بصورة علمية سليمة ومقنعة، ويمكن تلخيص مراحله على النحو التالي:

١ ـ تمييز البشارات والنصوص الخاصة بالمصلح العالمي الموعود في آخر الزمان عن غيرها الواردة بشأن نبي أو وصي معين، استناداً الى دلالات نصوص البشارات نفسها ومن مصادرها الأصلية، وكذلك استناداً الى ما تقتضيه المبادئ الأولية المرتبطة بمهام الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام وسيرهم والواقع التأريخي الثابت، وكذلك ما تقتضيه معرفة الثابت من دوره ومهمته الكبرى كمصلح عالمي.

٢ ـ تحديد الصفات والخصائص التي تحددها النصوص والبشارات نفسها للمصلح الموعود وبصورة مجتمعة وتوضيح الصورة التي ترسمها له قبل افتراض سابق لمصداق لها، لكي لا تكون الصورة المرسومة له متأثرة بالمصداق المفترض سلفاً.

٣ ـ وبعد اكتمال الصورة التجريدية المستفادة، تبدأ عمليّة التعرف على الصفات والخصائص والحقائق التأريخية المذكورة كمصاديق للمصلح العالمي الموعود، ثم عرضها على الصورة التي ترسمها له نصوص البشارات نفسها، والمتحصلة من المرحلتين السابقتين، ليتم بذلك تبيان عدم انسجام صفات المصاديق غير الحقيقية مع تلك الصورة وبالتالي التعرف على المصداق الحقيقي من بينها.

٢٢

المهدي الإمامي وحل الاختلاف

من المؤكد أن البشارات السماوية الواردة في الكتب المقدسة تهدي الى المهدي المنتظر الذي يقول به مذهب أهل البيتعليهم‌السلام كما سنشير لذلك لاحقاً، وأثبتته دراسات متعددة في نصوص هذه البشارات(١) .

إذن فالتعريف بعقيدة أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي المنتظرعليه‌السلام يفتح آفاقاً أوسع للاهتداء للمصداق الحقيقي للمصلح العالمي الذي بشّرت به كل الديانات طبقاً لدلالات نصوص البشارات الواردة في الكتب المقدسة حتى لو كان الايمان الجديد من خلال قناعات أتباع الديانات السابقة.

وكنموذج على تأثير هذا التعريف نشير الى نتيجة تحقيق القاضي جواد الساباطي من أعلام القرن الثاني عشر الهجري، إذ كان في بداية أمره عالماً نصرانياً ثم تعرّف على الاسلام واعتنقه على المذهب السُنّي الذي كان أول ما عرف من الفرق الاسلامية، وألف كتابه المعروف «البراهين الساباطية» في ردِّ النصارى وإثبات نسخ شرائعهم; استناداً الى ما ورد في نصوص كتبهم المقدسة(٢) .

رأي القاضي الساباطي

تناول القاضي الساباطي إحدى البشارات الواردة في كتاب أشعيا من العهد القديم من الكتاب المقدس بشأن المصلح العالمي، ثم ناقش تفسير اليهود والنصارى لها ودحض تأويلات اليهود والنصارى لها ليخلص الى قوله: «وهذا نصٌّ صريحٌ في المهدي ـرضي‌الله‌عنه ـ حيث أجمع المسلمون انهرضي‌الله‌عنه لا يحكم بمجرد السمع والظاهر، ومجرد البيّنة بل لا يلاحظ إلا الباطن، ولم يتفق ذلك لأحد من الأنبياء والأولياء».

ـــــــــــ

(١) نظير كتاب بشارات عهدين للشيخ محمد الصادقي وترجمته العربية بقلم المؤلف نفسه المطبوع باسم: «البشارات والمقارنات». ومثله بالفارسية: بشارات صحف آسماني به ظهور حضرت مهدي عليه‌السلام لعلي أكبر شعفي اصفهاني، والعربية: المهدي المنتظر والعقل لمحمد جواد مغنية.

(٢) كشف الأستار للميرزا حسن النوري : ٨٤، وأولى منه كتاب كبير في ست مجلدات بعنوان: أنيس الأعلام في نصرة الإسلام. لعالم نصراني أرميني كبير اعتنق الإسلام على مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وكتب ذلك الكتاب بالفارسية استجابة لاقتراح علماء الإسلام، من أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر، سيأتي ذكره آنفاً باسم الشيخ محمد صادق فخر الإسلام، وهذا ما لقّبه به علماء اصفهان يومئذ تقديراً لجهوده في مجلدات كتابه القيّم.

٢٣

ثم يقول بعد تحليل النص: «... وقد اختلف المسلمون في المهدي، فأما أصحابنا من أهل السنة والجماعة قالوا: إنه رجل من أولاد فاطمةعليها‌السلام ، اسمه محمد واسم أبيه عبدالله واسم اُمه آمنة.

وقال الإماميون: بل هو محمد بن الحسن العسكري الذي ولد سنة خمس وخمسين ومائتين من جارية للحسن العسكريعليه‌السلام اسمها نرجس في (سُرَّ من رأى) في عصر المعتمد ثم غاب سنة(١) ثم ظهر ثم غاب وهي الغيبة الكبرى ولا يرجع بعدها إلا حين يريد الله تعالى.

ولما كان قولهم أقرب لما يتناوله هذا النص وإن هدفي الدفاع عن أُمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع قطع النظر عن التعصب لمذهب; لذلك ذكرت لك أن ما يدعيه الإمامية يتطابق مع هذا النص»(٢) .

فنلاحظ هنا أن هذا العالم الخبير بالنصرانية يصرح بانطباق البشارة مورد البحث على المهدي المنتظر طبق ما يعتقده مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، على الرغم من عدم انتمائه الى المذهب الشيعي بعد اعتناقه الاسلام، فخالف رأي المذهب الذي ينتمى إليه في هذا المجال ورجَّح رأي مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وصرّح بانطباق بشارة كتاب أشعيا على هذا الرأي.

ـــــــــــ

(١) الثابت أن غيبة الإمام المهدي بعد وفاة أبيه ـعليهما‌السلام ـ استمرت ٦٩ سنة. فلعل الساباطي ترك بياضاً ليتأكد من المدّة ثم نسي ملء الفراغ فانتشر الكتاب كذلك .

(٢) المصدر السابق: ٨٥، وذكر أن كتاب البراهين الساباطية قد طبع قبل اكثر من ثلاثين من تأريخ تأليف كتابه كشف الأستار.

٢٤

والذي أوصله الى الاهتداء للمصداق الحقيقي هو التعرف على رأي الإمامية في المهدي المنتظرعليه‌السلام ، وبدون التعرف على هذا الرأي لعله لم يكن ليتوصّل الى المصداق الذي تنطبق عليه البشارات المذكورة ولولا ذلك لكان يقتصر إمّا على رد أقوال النصارى بشأن البشارة المذكورة أو اغفالها اصلاً أو تأويل بعض دلالالتها لتنطبق على رأي المذهب الذي كان ينتمي اليه في المهدي الموعود.

والملاحظة نفسها نجدها في دراسات علماء آخرين من أهل الكتاب بشأن هذه البشارات، فقد أصبح من اليسير عليهم معرفة المصداق الذي تتحدث عنه عندما تعرفوا على رأي مذهب أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي المنتظر وخاصة الذين اعتنقوا الاسلام وتهيأت لهم فرصة التعرف على هذا الرأي، وقد أثارهم شدة انطباق ما تذكره البشارات التي عرفوها في كتب دياناتهم السابقة على المهدي المنتظرعليه‌السلام الذي تؤمن به الإمامية; الأمر الذي دفعهم الى دراسة هذه البشارات في كتبهم.

والنموذج الآخر هو : ما فعله العلاّمة محمد صادق فخر الاسلام الذي كان نصرانياً واعتنق الاسلام وانتمى لمذهب أهل البيتعليهم‌السلام وألّف كتابه الموسوعي «أنيس الأعلام» في رد اليهود والنصارى(١) وتناول فيه دراسة هذه البشارات وانطباقها على الإمام محمّد المهدي بن الحسن العسكريعليهما‌السلام . مثل ما فعله العلاّمة محمد رضا رضائي الذي أعرض عن اليهودية ـ وقد كان من علمائها ـ واعتنق الاسلام وألّف كتاب «منقول رضائي» الذي بحث فيه أيضاً موضوع تلك البشارات وأثبت النتيجة نفسها.

ـــــــــــ

(١) بشارات عهدين: ٢٣٢، وذكر أن العالم المذكور كان من متتبعي علماء النصارى ومحققيهم واعتنق الاسلام بعد دراسة معمقة استغرقت أمداً وأ لّف عدة كتب منها الكتاب المذكور الذي يُوصف بأنه أفضل ما اُ لّف في الرد على اليهود والنصارى.

٢٥

البشارات السماوية لا تنطبق على غير المهدي الإمامي

إن من الواضح لمن يمعن النظر في نصوص تلك البشارات السماوية أنها تقدم مواصفات للمصلح العالمي لا تنطبق على غير المهدي المنتظر الإمامي طبقاً لعقيدة مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام لذلك فإن مَن لم يتعرف على هذه العقيدة لا يستطيع التوصل الى المصداق الذي تتحدث عنه كما نلاحظ ذلك مثلاً في أقوال مفسري الإنجيل بشأن الآيات (١ ـ ١٧) من سفر الرؤيا الفصل الثاني عشر «مكاشفات يوحنا اللاهوتي» فهم يصرحون بأن «الشخص الذي تتحدث عنه البشارة الواردة في هذه الآيات لم يُولد بعد، لذا فإن تفسيرها الواضح ومعناها البيّن موكول للمستقبل والزمان المجهول الذي سيظهر فيه»(١) ، في حين أن هذه الآيات تتحدث بوضوح عن الحكومة الإلهية التي يقيمها هذا الشخص في كل العالم ويقطع دابر الأشرار والشياطين وهي المهمة التي حددتها البشارات الاخرى بأنها محور حركة المصلح العالمي. لكن مفسري الإنجيل لم يستطيعوا تطبيقها على المصداق الذي اختاروه لهذا المصلح وهو السيد المسيح عيسى بن مريمعليهما‌السلام لأن البشارة واردة عن يوحنا اللاهوتي عن السيد المسيح فهو المبشر بمجيء هذا المنقذ، كما أنهم لم يتعرفوا على عقيدة أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي المنتظرعليه‌السلام ، لذلك لم يستطيعوا الاهتداء الى مصداق تلك الآيات.

ـــــــــــ

(١) بشارات عهدين : ٢٦٤.

٢٦

البشارات وغيبة الإمام الثاني عشر

وهناك باحث من أهل السنّة استطاع الاهتداء الى المصداق الذي تتحدث الآيات المشار اليها عندما تعرّف على عقيدة أهل البيت في المهدي المنتظر ـ سلام الله عليهم اجمعين ـ وهو الاستاذ سعيد أيوب حيث يقول في كتابه «المسيح الدجال» عن هذه الآيات نفسها: «ويقول كعب : مكتوب في أسفار الأنبياء : المهدي ما في عمله عيب» ثم علق على هذا النص بالقول: «وأشهد اني وجدته كذلك في كتب اهل الكتاب، لقد تتبع اهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدلت أخبار سفر الرؤيا الى امرأة، يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً، ثم أشار الى امرأة اُخرى: أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدته، وقال السفر: إن هذه المرأة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم «التنين» وقال: والتنين وقف أمام المرأة العتيدة حتى تلد، يبتلع ولدها متى ولدت»(١) .

أي إن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام، ولكن بعد ولادة الطفل. يقول باركلي في تفسيره : «عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه». والنص: واختطف الله ولدها(٢) ، أي : إن الله غيّبَ هذا الطفل كما في قول باركلي.

وذكر السفر أن غيبة الغلام ستكون ألفا ومائتين وستين يوماً(٣) ، وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب، ثم قال: باركلي عن نسل المرأة (الاُولى)

ـــــــــــ

(١) سفر الرؤيا ١٢: ٣.

(٢) سفر الرؤيا ١٢: ٥.

(٣) المدة رمزية وقد وردت في الأصل العبري بتعبير: «وسيغيب عن التنين زماناً وزمانين ونصف زمان»، راجع بشارات العهدين: ٢٦٣.

٢٧

عموماً: «إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة كما قال: في السفر: فغضب التنين على المرأة، وذهب ليضع حرباً مع باقي نسلها الذي يحفظون وصايا الله»(١) .

وعقب الاستاذ سعيد أيوب على ما تقدم بالقول : هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ودعم قوله بتعليقات أوردها في الهامش بشأن انطباق الأوصاف على مهدي آل البيتعليهم‌السلام (٢) .

البشارات وخصوصيات المهدي الإمامي

ويُلاحظ في هذه البشارات الإنجيلية تناولها لخصوصيات في المصلح العالمي لا تنطبق إلا على أبرز ما يميز عقيدة مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام والواقع التاريخي الذي مرت به .

إن تناول هذه الخصوصيات الظاهرة بالذات يشير الى حكمة ربانية في هداية الآخرين الى المصداق الحقيقي للمصلح العالمي بأبلغ حجة من خلال الإشارة الى ابرز خصوصياته الظاهرة والمعروفة لكي يكون الاهتداء اليها أيسر، فمثلاً نلاحظ فيها الإشارة الى تعرض مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام لمخاطر التصفية والإبادة التي تؤدي بالتالي الى غيبة الإمام الثاني عشر منهم، ثم التأكيد على أن هذا الإمام محفوظ بالرعاية الإلهية في غيبته حتى يحين موعد ظهوره المبارك ومعلوم أن القول بغيبة الإمام الثاني عشر هو أهم ما يميز عقيدة الامامية في المهدي المنتظر ولذلك وردت الإشارة اليها بالذات تسهيلاً للاهتداء الى المصداق الحقيقي للمنقذ العالمي.

ـــــــــــ

(١) سفر الرؤيا ١٢: ١٣.

(٢) المسيح الدجال، سعيد أيوب : ٣٧٩ ـ ٣٨٠ / نقلاً عن المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي، اصدار مركز الرسالة : ١٣ ـ ١٤.

٢٨

كما وردت اشارات الى مميزات معروفة اخرى تختص بها عقيدة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، مثل القول بأنّ الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر من سلسلة مباركة متصلة كما تشير لذلك الآيات المتقدمة وبشارات اخرى واردة في الكتب المقدسة، نظير ما ورد في «سفر التكوين من الأصل العبري»(١) ، من الوعد على لسان الرب تعالى خطاباً لإبراهيم الخليلعليه‌السلام ، بالمباركة والتكثير في صلب اسماعيل بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الاثني عشر من عترتهعليهم‌السلام (٢) . ومعلوم أن مصداق الأئمة الاثني عشر من صلب اسماعيل لم يتحقق بالصورة المتسلسلة المشار اليها في البشارات إلا في الائمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام كما يثبت ذلك الواقع التاريخي فضلاً عن الأحاديث النبوية المتفق على صحتها بين المسلمين(٣) ، فهي خاصة بهم حتى اصبحت ظاهرة واضحة في التاريخ الاسلامي اُطلقت على المذهب المنتمي لأهل البيت فسمي مذهب الإمامية الاثني عشرية.

وعليه يتضح أن تلك البشارات تهدي الى حقيقة هي: أن المهدي هو خاتم هؤلاء الأئمة الاثني عشر.

ـــــــــــ

(١) سفر التكوين : ١٧ : ٢٠، و٢٢ ـ ٢٣.

(٢) أهل البيت في الكتاب المقدس، احمد الواسطي : ١٠٥ ـ ١٠٧.

(٣) راجع الفصل الأول من كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر لآية الله الشيخ لطف الله الصافي، فقد نقل فيه (٢٧١) حديثاً من المصادر الحديثية المعتبرة عند مختلف طوائف المسلمين تشتمل على إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتصال الإمامة في هؤلاء الأئمة الاثني عشر من أهل بيتهعليهم‌السلام الى يوم القيامة وفيها احاديث تنص صراحة على اسمائهم أو تحدد أن أوّلهم الإمام عليعليه‌السلام وآخرهم الإمام المهدي عليه‌السلام ، وللشيخ الصافي في هذا الفصل تعليقة استقرائية تأريخية تثبت عدم صدق هذه الأحاديث على غير الائمة الاثني عشر من عترة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٩

البشارات وأوصاف المهدي الإمامي

وردت في البشارات أيضاً اشارات الى ألقاب اختص بها المهدي الإماميعليه‌السلام مثل وصف «القائم»(١) فمثلاً نلاحظ البشارة التالية من سفر أشعيا النبي التي تحدث القاضي جواد الساباطي عن دلالتها على المهدي وفق عقيدة الإمامية الاثني عشرية: «٢ ـ ويحلُ عليه روح الرب، وروح الحكمة والفهم، وروح المشورة، والقوة، وروح المعرفة ومخافة الرب. ٣ ـ ولذته في مخافة الرب، ولا يقضي بحسب مرأى عينيه ولا بحسب مسمع اُذنيه، ٤ ـ ويحكم بالانصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه... ٦ ـ ويسكن الذئب والخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل معاً وصبي صغير يسوقها... ٩ ـ لا يسيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. ١٠ ـ وفي ذلك اليوم سيرفع «القائم» راية الشعوب والاُمم التي تطلبه وتنتظره ويكون محله مجداً»(٢) .

ومثل وصف «صاحب الدار» المعدود من ألقاب الإمام المهديعليه‌السلام (٣) ، فقد وردت ضمن بشارات عن انتظار المنقذ العالمي الذي لا يختص به المسيحيون اشارة الى عدم هذا الاختصاص وتحدثت عن

ـــــــــــ

(١) اختص هذا اللقب بأئمة العترة الطاهرة، واذا اُطلق كان المراد منه الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه‌السلام ، راجع كتاب النجم الثاقب لآية الله الميرزا حسين النوري ١: ٢١١، من الطبعة المترجمة الى العربية، وقد ذكر الميرزا النوري أن هذا اللقب مذكور في الزبور الثالث عشر وغيره، نقل ذلك عن كتاب ذخيرة الألباب للشيخ محمد الاسترابادي.

(٢) أهل البيت في الكتاب المقدس: ١٢٣ ـ ١٢٧.

(٣) النجم الثاقب : ٢ / ١٩٨.

٣٠

ظهوره المفاجئ وهي في «إنجيل مرقس، ١٣: ٣٥»(١) .

ومثل وصف «المنتقم لدم الحسينعليه‌السلام المستشهد عند نهر الفرات» كما ورد في بشارة في «سفر أرميا، ٤٦ / ٢ ـ ١١» .

وقد صرّح بذلك الاستاذ الأردني عودة مهاوش في دراسته «الكتاب المقدس تحت المجهر» وذكر أنها تتعلق بالمهدي المنتقم لدم الحسينعليه‌السلام (٢) .

وهناك نظائر كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.

الاهتداء الى هوية المنقذ على ضوء البشارات

اذن معرفة هذه الخصوصيات تقودنا الى اثبات أن المصلح العالمي الذي بشرت به جميع الديانات هو المهدي ابن الحسن العسكريعليهما‌السلام كما تقوله عقيدة أهل البيتعليهم‌السلام لأن البشارات السماوية لا تنطبق على العقائد الاُخرى، فتكون النتيجة هو أن الديانات السابقة لم تبشر بظهور المنقذ العالمي في آخر الزمان بعنوانه العام وحسب بل شخّصت أيضاً هويته الحقيقية من خلال تحديد صفات وتفصيلات لا تنطبق على غيرهعليه‌السلام ، وهكذا تكون هذه البشارات دليلاً اضافياً على صحة عقيدة أهل البيتعليهم‌السلام بهذا الشأن.

ونكتفي هنا بالاشارة الى بعض البشارات الواردة في العهدين القديم والجديد «أسفار التوراة والأناجيل» بهذا الصدد، بحكم كونها معتبرةً عند أكبر وأهم الديانات السابقة على الاسلام أي اليهودية والنصرانية; ولأن هذين العهدين الموجودين حالياً قد مرّا بالكثير من التحقيق والتوثيق عند علماء اليهود والنصارى واُجريت بشأنهما الكثير من الدراسات ودونت الكثير من الشروح لهما، ونسخهما كثيرة ومتداولة بترجمات كثيرة لمختلف اللغات، غير أنّ الاعتماد على الاُصول العبرية أدق لوقوع أخطاء ولبس في الترجمات.

ـــــــــــ

(١) بشارات العهدين : ٢٧٧.

(٢) الكتاب المقدس تحت المجهر: ١٥٥، نقلاً عن كتاب دفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي: ١، وراجع بشأن هذه البشارة، أهل البيت في الكتاب المقدس : ١ / ١٨٥ ـ ١٨٦.

٣١

فالاقتصار عليهما لا يعني انحصار البشارات التي لا يمكن تفسيرها بغير المهدي المنتظرعليه‌السلام طبق عقيدة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، بل على العكس فإنّ امثالها موجودة في مختلف كتب الأديان الاُخرى وبتصريحات ودلالات أوضح ذكرتها الدراسات المتخصصة في هذا الباب(١) . ولكنها غير مشهورة عند الجميع ونسخها غير متداولة وأغلبها لم تترجم عن لغاتها الاُم إلا قليلاً. على أنّ الاقتصار على النماذج المتقدمة من العهدين القديم والجديد فيه الكفاية في الاستدلال على المطلوب، والتفصيلات موكولة للمراجع المتخصصة المشار اليها في طيّات البحث.

الاستناد الى بشارات الكتب السابقة ومشكلة التحريف

وتبقى هنا قضيتان من الضروري التطرّق لهما قبل تثبيت النتائج المتحصّلة من البحث.

القضية الأولى: هي مناقشة السؤال التالي : كيف يمكن الاستناد الى كتب الديانات الاُخرى في اثبات قضية مهمة مثل قضية تشخيص هوية المصلح العالمي المنتظر واثبات أنه المهدي ابن الحسن العسكريعليهما‌السلام ، واثبات صحة هذه العقيدة وانتمائها الإلهي مع اتفاق المسلمين على وقوع التحريف في هذه الكتب؟

ـــــــــــ

(١) راجع مثلاً ما نقله الشيخ الصادقي ـ في كتابه بشارات العهدين ـ من كتب الأديان الاُخرى.

٣٢

نعتقد أن الاجابة على هذا التساؤل ممكنة بقليل من التدبر في حيثيات الموضوع، ويمكن تلخيصها بما يلي:

١ ـ إن اثبات عقيدة منهج أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي المنتظرعليه‌السلام يستند الى الكثير من البراهين العقلية والآيات القرآنية وما اتفق عليه المسلمون من صحاح الأحاديث النبوية والواقع التاريخي لسيرة ائمة أهل البيتعليهم‌السلام ، كما هو مشهود في الكتب العقائدية التي تناولت هذا الموضوع.

أما الاستناد الى البشارات الواردة في كتب الأديان المقدسة فهو من باب الدليل الاضافي أو الشواهد المؤيدة فلا تسقط النتيجة المتحصلة منه بسقوط أو بطلان الأساس; لأن هذه العقيدة قائمة على اُسس اُخرى أيضاً، اذن لا مجال للاعتراض على صحة هذه العقيدة حتى مع افتراض بطلان بعض اُسسها باعتبار القول بتحريف تلك الكتب.

٢ ـ ثمة ثمار مهمة لدراسة وتوثيق هذا الدليل، وهي هداية اتباع الديانات الاُخرى الى الحق والى المصلح الإلهي الحقيقي بالاستناد الى كتبهم نفسها وفي ذلك حجة كاملة عليهم; هذا أولاً، وثانياً فإنّ مثل هذه الدراسة تؤكد الجانب العالمي في القضية المهدوية، وتوفر محوراً جديداً للوفاق بين الأديان المختلفة بشأن المصلح العالمي الذي ينتظرونه جميعاً.

٣ ـ وليس ثمة مَن يقول بأن جميع ما في كتب الأديان السابقة محرف، بل إن المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها لذلك فإنّ ما صدّقته النصوص الشرعية الاسلامية ـ قرآناً وسنّة ـ مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف اليه; وهذا واضحٌ.

٣٣

الاستناد الى ما صدّقه الاسلام من البشارات

١ ـ من الثابت اسلامياً أن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بشّر بالمهدي الموعود من أهل بيته ومن ولد فاطمة ـ سلام الله عليها(١) ـ، لذلك فإن البشارات الواردة في كتب الأديان السابقة من هذا النمط الذي لم تطاله أيدي التحريف ما دامت منسجمة مع ما صرح في النصوص الشرعية الاسلامية. اذن لا مانع من الاستناد اليه والاحتجاج به.

٢ ـ يُضاف الى ذلك أن القرآن الكريم نفسه قد بشّر بالدولة الإلهية العالمية واقامتها في آخر الزمان كما صرحت بذلك آياته الكريمة التي دلّ عددٌ منها على المهدي الموعود وحتمية وجوده وغيبته، كما سنوضح ذلك في بحث لاحق ان شاء الله تعالى. وهذا يعني تصديق ما ورد في بشارات الأديان السابقة الواردة بالمضمون نفسه، الأمر الذي يعني صدورها من نفس المصدر الذي صدر منه القرآن الكريم، وبالتالي الحكم بصحتها وعدم تطرق التحريف اليها، فلا مانع حينئذ من الاستناد اليها والاحتجاج بها في اطار المضامين التي صدّقها القرآن الكريم.

٣ ـ إن بعض هذه البشارات ترتبط بواقع خارجي معاش أو ثابت تاريخياً، بمعنى أن الواقع الخارجي الثابت جاء مصدِّقاً لها. فمثلاً البشارات التي تشير الى ان المصلح العالمي هو الإمام الثاني عشر من ذرية اسماعيل وأنه من ولد خيرة الإماء وأن ولادته تقع في ظل اوضاع سياسية خانقة

ـــــــــــ

(١) بل أثبتت دراسات عدد من علماء أهل السنّة تواتر هذه الأحاديث الشريفة، مثل كتاب «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح» للإمام الشوكاني، وكتاب «الاشاعة في أشراط الساعة» للبرزنجي، وكتاب «التصريح» للكشميري وغيرها.

٣٤

ومهددة لوجوده فيحفظه الله ويغيّبه عن أعين الظالمين الى حين موعد ظهوره وأمثالها، كلها تنبأت بحوادث ثابتة تاريخياً، وهذا يضيف دليلاً آخر على صحتها، مادام أن من الثابت علمياً أنها مدونة قبل وقوع الحوادث التي أخبرت عنها، فهي في هذه الحالة تثبت أنها من أنباء الغيب التي لا يمكن أن تصدر إلا ممّن له ارتباط بعلاّم الغيوب تبارك وتعالى. وبذلك يمكن الحكم بصحّتها وعدم تطرق التحريف اليها، وبالتالي يمكن الاستناد اليها والاحتجاج بها(١) .

تأثير البشارات في صياغة العقيدة المهدوية

أما القضية الثانية: فهي ترتبط بالاعتراض القائل بأن الاستناد الى هذه البشارات في اثبات عقيدة أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي المنتظرعليه‌السلام يفتح باب التشكيك والادّعاء بأن هذه العقيدة تسللت الى الفكر الاسلامي من الاسرائيليات ومحرفات الأديان السابقة.

والجواب على هذا الاعتراض يتّضح من الإجابة السابقة، فهو يصح إذا كانت العقيدة الإمامية المهدوية تستند الى تلك البشارات وحدها في حين أن الأمر ليس كذلك.

ـــــــــــ

(١) هذا الحكم يصدق ايضاً على الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم وائمة العترة ـ صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ـ والتي تنبأت بولادة المهدي من الحسن العسكري وغيبته، فثبوت صدورها وتدوينها قبل وقوع الولادة والغيبة بما يزيد على القرن وأكثر ثم تحقق ما أخبرت عنه عملياً يثبت صحتها حتى لو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها; لأن تصديق الواقع لها دليل على صحة صدورها من ينابيع الوحي المتصلة بالله تبارك وتعالى الذي لا يعلم الغيب سواه ولا يطلع على غيبه إلا من ارتضى، وقد استدل العلماء بهذا الدليل الوجداني على صحة الغيبة وصحة إمامة المهدي ابن العسكريعليهما‌السلام مثل الشيخ الصدوق في إكمال الدين: ١ / ١٩، والشيخ الطوسي في كتاب الغيبة : ١٠١ ـ ١٠٧، والطبرسي في اعلام الورى، وابن طاووس في كشف المحجة وغيرهم.

٣٥

ولو قلنا بأن كل فكرة اسلامية لها نظير في الأديان السابقة هي من الأفكار الدخيلة في الاسلام; لأدى الأمر الى اخراج الكثير من الحقائق والبديهيّات الاسلامية التي أقرّها القرآن الكريم وصحاح الأحاديث الشريفة وهي موجودة في الأديان السابقة، وهذا واضح البطلان ولا يخفى بطلانه على ذي لب. فالمعيار في تشخيص الأفكار الدخيلة على الاسلام هو عرضها على القرآن والسنّة والأخذ بما وافقهما ونبذ ما خالفهما، وليس عرضها على ما في كتب الديانات السابقة ونبذ كل ما وافقها مع العلم بأن فيها ما لم تتطرق له يد التحريف وفيه ما ثبت صدوره عن المصدر الذي صدر عنه القرآن الكريم.

يُضاف الى ذلك أن عقيدة الإمامية في المهدي المنتظرعليه‌السلام تستند الى واقع تأريخي ثابت، فكون الإمام المهدي هو الثاني عشر من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ثابت تاريخياً وحتى ولادته الخفية من الحسن العسكريعليه‌السلام قد سجلها المؤرخون من مختلف المذاهب الاسلامية وأقرها علماء مختلف المذاهب حتى الذين لم يذعنوا أنّه هو المهدي الموعود وإن كان عدد الذين صرحوا بأنه هو المهدي من علماء أهل السنّة غير قليل أيضاً(١) .

ـــــــــــ

(١) ذكر الشيخ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة الكثير من علماء أهل السنّة القائلين بأن المهدي الموعود هو ابن الحسن العسكري وأنه حي وغائب، كما ذكر الميرزا النوري في كتاب كشف الأستار اربعين عالماً منهم ونقل تصريحاتهم في ذلك، وكذلك فعل العلامة نجم الدين العسكري في كتابه المهدي الموعود المنتظر عليه‌السلام عند علماء أهل السنّة والإمامية، وجمع أقوالهم وتصريحاتهم السيد ثامر العميدي في الجزء الأول من كتابه (دفاع عن الكافي). وكذلك السيد الأمين العاملي في ج٥ من المجالس السنية والاستاذ الدخيّل في: الإمام المهدي عليه‌السلام .

٣٦

نتائج البحث

نصل الى القسم الأخير من البحث، وهو تسجيل النتائج الحاصلة منه في النقاط التالية:

١ ـ ان اصل فكرة الايمان بالمصلح العالمي في آخر الزمان وإقامة الدولة العادلة التي تحقق السعادة الحقّة للبشرية جمعاء تستند الى جذور فطرية في الانسان تنبع من فطرة تطلّعه الى الكمال، ولذلك لاحظنا اجماع مختلف التيارات الفكرية الانسانية حتى المادية منها على حتمية تحقق هذا اليوم الموعود. أما الفكر الديني فهو مجمع عليها لتواتر البشارات السماوية في كتب الأديان المختلفة بذلك. فلا يمكن قبول ما زعمه بعض المستشرقين بأن هذه الفكرة المجمع عليها تستند الى الخرافات والأساطير.

٢ ـ إن القول بوجود المهدي الموعود بالفعل وغيبته ـ وهو الذي يؤمن به مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ويتميز عن عقيدة أهل السنّة في المهدي الموعود ـ غير مستبعد لا في الفكر الإنساني الذي يرى أن من الضروري أن يكون عمر المصلح العالمي طويلاً، ولا من الفكر الديني الذي اقترن إيمانه بالمصلح العالمي بالإيمان بأنه يعود بعد غيبة بل إن وقوع الغيبات في تأريخ الأنبياءعليهم‌السلام يدعم هذا القول ويعززه.

٣ ـ إن إجماع الأديان السماوية على الايمان بالمصلح العالمي وغيبته قبل الظهور اقترن بالاختلاف الشديد في تحديد هويته، وهو اختلاف ناشئ من جملة من العوامل، منها: ان البشارات الواردة في الكتب المقدسة بشأنه تتحدث عن قضية غيبية، والانسان بطبعه ميّال لتجسيد الحقائق الغيبية في مصاديق محسوسة يعرفها. ومنها : أن التعصب المذهبي والرغبة في الفوز بافتخار الانتماء لصاحب هذا الدور التاريخي المهم دفعت اتباع كل دين الى تأويل تلك البشارات أو خلطها بالبشارات الواردة بشأن نبي أو وصي معين غير المصلح العالمي أو تحريفها لتطبيقها على الأقرب من المواصفات التي تذكرها من زعمائهم ورموزهم الدينية. فالاختلاف ناشئ من سوء تفسير وتطبيق البشارات السماوية وليس من نصوص البشارات نفسها.

٤ ـ إن سبيل حل الاختلاف هو تمييز البشارات الواردة بشأن المصلح العالمي عن غيرها المرتبطة بغيره من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، ثم تحديد الصورة التي ترسمها بنفسها للمصلح العالمي بعيداً عن التأثر بالمصاديق المفترضة سلفاً. ثم عرض المصاديق عليها لمعرفة هويته الحقيقية استناداً الى الواقع التاريخي القابل للإثبات وبعيداً عن حصر هذه المصاديق

٣٧

المفترضة برموز دين معين، بل عرض كل مصداق مرشح من قبل أي دين أو مذهب على الصورة التي ترسمها نصوص البشارات بصورة تجريدية.

٥ ـ إن تلك البشارات السماوية تهدي ـ بناءً على هذا المنهج العلمي ـ الى معرفة حقيقية هي أن المصلح العالمي الذي بشرت به هو الإمام الثاني عشر من عترة خاتم الأنبياء ـ صلوات الله عليه وآله ـ وهو صاحب الغيبة التي يضطر إليها بسبب تربّص الظلمة به لتصفيته، أي إنها تهدي الى المهدي الإمامي الذي يقول به مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد صرحت تلك البشارات بالهداية اليه من خلال ذكر صفات لا تنطبق على غيره، ومن خلال ذكر خصائص فيه امتاز بها واشتهرت عنه كما لا حظنا.

٦ ـ ان الاستناد الى هذه البشارات في إثبات صحة عقيدة

أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي المنتظرعليه‌السلام يشكل دليلاً آخر في إثبات هذه العقيدة يضاف الى الأدلة العقلية والقرآنية وما صح لدى المسلمين من الأحاديث الشريفة، ولا مانع من الاستدلال بهذه البشارات بعدما ثبت أن التحريف في الديانات السابقة لم يشمل كل نصوصها الموحاة، فيمكن الاستناد الى ما صدقته النصوص الشرعية الاسلامية مما ورد في كتب الديانات السابقة; وكذلك ما صدقه الواقع التأريخي الكاشف عن صحة ما أخبرت عنه باعتباره من أنباء الغيب التي لا يعلمها سوى الله تعالى، ومنها أخبار المهديعليه‌السلام .

٧ ـ إن في الاستناد الى بشارات الأديان السابقة في اثبات صحة عقيدة أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي الموعود واضافته الى الأدلة الشرعية والعقلية الاُخرى ثماراً عديدة، منها: الكشف عن أهمية هذه العقيدة وترسيخ الايمان بها لدى اتباعها، ومنها: إعانة أتباع الديانات والمذاهب الأخرى على الاهتداء لمعرفة هوية المصلح العالمي الذي بشرت به نصوص كتبهم المقدسة ودعوتهم الى الاسلام من هذا الطريق، والاحتجاج عليهم

بالنصوص المعتبرة عندهم وهو احتجاج أبلغ في الدلالة، ومنها: ايجاد محور توحيدي لدعاة الاصلاح الديني من اتباع مختلف الديانات يعزز جهودهم وينسقها، يقوم على أساس الايمان بهذا المصلح العالمي ووجوده فعلاً ورعايته لجهود المُمهّدين لظهوره طبقاً للعقيدة الاسلامية الأوسع شمولية وتفصيلاً في عرض هذه الفكرة العريقة في الفكر الديني والانساني.

٣٨

يقول العلامة الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر: وإذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام جاءت أكثر اشباعاً لكل الطموحات التي انشدّت الى هذه الفكرة منذ فجر التأريخ الديني، وأغنى عطاءاً وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذّبين على مر التأريخ. وذلك لأن الإسلام حوّل الفكرة من غيب الى واقع، ومن مستقبل الى حاضر، ومن التطلع الى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول الى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلعه مع المتطلعين الى اليوم الموعود الى اكتمال كلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.

فلم يعد المهديعليه‌السلام فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع الى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويراناً، ويعيش آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يُتاح له فيها أن يمدّ يده الى كل مظلوم وكل محروم وكل بائس ويقطع دابر الظالمين.

وقد قُدّر لهذا القائد أن لا يُعلن عن نفسه ولا يكشف للآخرين هويّته ووجوده على الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة.

ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعور هم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.

ونحن حينما يُراد منّا أن نؤمن بفكرة المهدي بوصفها تعبيراً عن إنسان حي محدد يعيش فعلاً كما نعيش، ويترقب كما نترقب، يُراد الإيحاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور، والتي يمثلها المهدي، تجسدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث، وإنّ الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلاً ومواكبة له»(١) .

ـــــــــــ

(١) بحث حول المهدي: ١٢ ـ ١٤.

٣٩

الفصل الثالث: المهدي الموعودعليه‌السلام وغيبته في القرآن الكريم

إنّ أبرز ما تتميز به عقيدة مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي الموعود هو القول بوجوده بالفعل وغيبته وتحدد هويته بأنّه الإمام الثاني عشر من أئمة العترة النبوية الطاهرة، وأنه قد ولد بالفعل من الحسن العسكريعليه‌السلام سنة (٢٥٥ هـ ) وتولى مهام الإمامة بعد وفاة أبيه العسكري سنة (٢٦٠ هـ ) وكانت له غيبتان الاُولى وهي الصغرى استمرت الى سنة (٣٢٩هـ ) كان الإمام يتصل خلالها بشيعته عبر سفرائه الخاصين، ثم بدأت الغيبة الكبرى المستمرة حتى يومنا هذا والى أن يأذن الله عزّ وجلّ بالظهور لأنجاز مهمته الكبرى في إقامة الدولة الاسلامية العالمية التي يسيطر فيها العدل والقسط على أرجاء الأرض ان شاء الله تعالى.

ويتفق أهل السنة على انتماء المهدي الموعود لأهل البيتعليهم‌السلام وأنه من ولد فاطمةعليها‌السلام وقد اعتقد جمع منهم بولادته لكن بعضهم ذهب الى أنه سيُولد ويظهر في آخر الزمان ليحقق مهمته الموعودة دون أن يستند الى دليل نقلي ولا عقلي في ذلك سوى الاستناد الى الأحاديث المشيرة الى أن ظهوره يكون في آخر الزمان. وليس هذا دليلاً تاماً على أن ولادته ستكون في آخر الزمان أيضاً كما أنه ليس فيه نفي للغيبة; لأنها والظهور لا يكونان في زمن واحد لكي يُقال بأنَّ إثبات الظهور في آخر الزمان يعني نفي الغيبة دفعاً لاجتماع النقيضين المحال عقلاً، فرأي الإمامية هو أن الغيبة تكون قبل الظهور فلا تعارض بينهما.

ومدرسة أهل البيتعليهم‌السلام تقدم الأدلة لإثبات الغيبة بتفصيل في كتبها العقائدية المشهورة(١) .

ـــــــــــ

(١) مثل رسائل الشيخ المفيد في الغيبة وهي خمس رسائل إضافة الى كتاب الفصول العشرة في الغيبة، وكتاب المقنع في الغيبة للسيد المرتضى، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي، وكتاب إكمال الدين للشيخ الصدوق، وكتاب الغيبة للشيخ النعماني، وعموم كتب الإمامة كالشافي وتلخيصه وغيرها فقد حفلت بأشكال الأدلة على هذا الموضوع وهي كثيرة للغاية.

٤٠