رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي0%

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 152

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

مؤلف: ناجي مظلوم المياحي
تصنيف:

الصفحات: 152
المشاهدات: 126807
تحميل: 9033

توضيحات:

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 152 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 126807 / تحميل: 9033
الحجم الحجم الحجم
رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

مؤلف:
العربية

فإن توصيف البيّنة بالعدول مرتين في الرواية دليل على أن المراد منها الشهود العدول عند إطلاقها، ولذا أطلق عنوان البيّنة على هذا المعنى من غير تغيير بالعدول في نفس هذه الرواية مراراً، حيث قال [الإمام] الصادقعليه‌السلام في إنماجوابه: (حقها للمدّعي ولا أقبل من الذي في يده البيّنة، لأن الله أمر أن تطلب البيّنة من المدّعي، فإن كانت له بيّنة وإلاّ فيمين الذي هو في )) .يده، هكذا أمر الله

وقد ذكر ستة روايات في هذا الأمر وفي آخر البحث يقول:

(ويتحصل من جميع ذلك أن كونها حقيقة في هذا المعنى في زمن الأئمةعليهم‌السلام بحيث يفهم منها عند إطلاقها لا ينبغي إنكاره، وأما كونها كذلك في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو قابل للتأمل، وإن كان بعض ما مرّ مشعراً بكونه كذلك حتى في عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله والله العالم)(١) .

النقطة الثالثة: أدلّة مشروعية البيّنة

أولاً: الكتاب العزيز

لقد ذكرت البيّنة في القرآن الكريم بصورة المفرد في تسع وعشرين موضعاً، وأُريد بها المعنى اللغوي (الدلالة الواضحة والبرهان والحجة والأمر البيّن)(٢) ، ومنها:

١ - قوله تعالى:( سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (٣) .

٢ - قوله تعالى:( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) (٤) .

____________________

(١) القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ٢: ٤٧ - ٥١.

(٢) راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي، التفسير الصافي للفيض الكاشاني، التبيان للشيخ الطوسي، الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي، كنز الدقائق للميرزا محمد المشهدي وغيرها من التفاسير في خصوص هذه الآيات الكريمة.

(٣) سورة البقرة: آية ٢١١.

(٤) سورة الأنعام: آية ٥٧.

٨١

٣ - قوله تعالى:( أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ) (١) .

٤ - قوله تعالى:( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٢) .

وهناك الكثير من الآيات الكريمة أعرضنا عنها مخافة التطويل، مثل: آية ٨٥ من سورة الأعراف، وآية ٤٢ من سورة الأنفال، وآية ١٧، ٢٨، ٦٣، ٨٨ من سورة هود، وآية ١٣٣ من سورة طه، وآية ٣٥ من سورة العنكبوت، وآية ١٤ من سورة محمد، وآية ١، ٤ من سورة البيّنة، وغيرها.

وذكر القرآن الكريم البيّنة في صورة الجمع في اثنين وخمسين موضعاً في نفس المعنى اللغوي المذكور أعلاه، ومنها:

١ - قوله تعالى:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاّ الْفَاسِقُونَ ) (٣) .

٢ - قوله تعالى:( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (٤) .

٣ - قوله تعالى:( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (٥) .

____________________

(١) سورة الأنعام: آية ١٥٧.

(٢) سورة الأعراف: آية ٧٣.

(٣) سورة البقرة: آية ٩٩.

(٤) سورة آل عمران: آية ٩٧.

(٥) سورة يونس: آية ١٥.

٨٢

وغيرها من الآيات المباركة، مثل: آية ١٠١ سورة الإسرار، وآية ٧٣ من سورة مريم، وآية ١٦، ٧٢ من سورة الحج، وآية ١ من سورة النور، و٣٦ من سورة القصص، وغيرها الكثير تركناه مخافة الإسهاب في ذكرها.

وهناك آيات أخرى تدل على حجية قول العدلين من دون أن تصرّح بعنوان البيّنة، ولا أرى ضيراً في هذا، لأنهما من مصاديق البينة، وربما كان من باب تخصيصهما بالمناسبة التي ذكرتهما:

١ - قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآثِمِينَ ) (١) .

يقول الشيخ مكارم الشيرازي في كتابه (القواعد الفقهية): (ودلالتها على قول العدلين واضحة، وإن لم يكن موردها خصوص الشهادة، بل يحتمل كونهما مع ذلك وصيين عن الميت، فإذا قبلت قولهما في الشهادة والوصاية فقبوله في الشهادة المجردة عن الوصاية بطريق أولى)(٢) .

٢ - قوله تعالى:( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) (٣) .

____________________

(١) سورة المائدة: آية ١٠٦.

(٢) القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٥٢.

(٣) سورة الطلاق: آية ٢.

٨٣

ذكر الشيخ مكارم الشيرازي حول هذه الآية الكريمة بقوله: (دلّ على وجوب كون الكفارة مماثلاً للحيوان الذي اصطاده، وحيث أن المماثلة قد تخفى وتكون مورداً للشك وجب أن تكون بحكم ذوي عدل، أي خبرتين عدلين، … إلى أن يقول: نعم يرد عليه أن الآية ناظرة إلى حجية قول أهل الخبرة، مع أن كلامنا في حجية قول الشاهدين في المحسوسات.

ولكن يمكن الجواب عنه بأن حجية قول العدلين في الحدسيات دليل على حجيته في الحسيات بطريق أولى فتأمل)(١) .

٣ - قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) .

____________________

(١) القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٥٢ - ٥٣.

(٢) سورة البقرة: آية ٢٨٢.

٨٤

يقول الشيخ مكارم الشيرازي: (دلت الآية على وجوب أو استحباب كتابة الديون وإشهاد رجلين مسلمين بقرينة قوله تعالى: (من رجالكم) …) إلى أن يقول: (فالآية دالة على حجية قول العدلين في الديون، وكذا في أبواب البيوع …) إلى أن يقول: (وتحصل مما ذكرنا حجية شهادة العدلين في الطلاق، والوصية، والدين، والبيع، وأحكام الكفارات، وهل يمكن استفادة العموم من هذه الموارد الخاصة، أو لابد من الاقتصار على مواردها، وعدم التعدي منها إلى غيرها ؟

الإنصاف أن بحسب الفهم العرفي يصطاد منها العموم بلا إشكال، لا سيما مع مناسبة الحكم والموضوع، وقوله تعالى في أحكام الدين: (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) الذي هو من قبيل التعليل وهو دليل على العموم ولا أقل من الإشعار.

وبالجملة ولو لم يكن في المقام دليل آخر على العموم كفانا ما ورد في الكتاب العزيز(١) ).

وهناك آيات أخرى لا مجال لذكرها خوف الإسهاب في الموضوع.

ثانياً: السنّة الشريفة

لقد ذكر أصحاب كتب الحديث روايات تثبت مشروعية البيّنة في الدّعوى بين المتخاصمين، ومنها:

١- محمد بن سنان، عن [الإمام] الرضاعليه‌السلام فيما كتب إليه في جواب مسائله: - (والعلة في شهادة أربعة في الزنا، واثنتين في سائر الحقوق، لشدّة حد المحصن، لأن فيه القتل، فجعل فيه الشهادة مغلّظة، لما فيه من قتل، وذهاب نسب ولده، لفساد الميراث)(٢) .

٢- سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (في كتاب عليعليه‌السلام : أن نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال: يا ربّ كيف أقضي فيما لم أشهد ولم أر ؟ قال: فأوحى الله تعالى إليه احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي تحلفهم به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة)(٣) .

____________________

(١) القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٥٣ - ٥٤ (المقام الثاني في أدلة حجية البيّنة).

(٢) وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٣٨ ب ٥ أن الزنا لا يثبت إلاّ بأربعة شهداء، وسائر الحقوق تثبت بشاهدين ح٢، عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ١: ١٠٣، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٣: ٤٦٦، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ٦: ١٠١ وج ١٠١: ٣٠١ ب ١ الشهادة وأحكامها وعللها ح ٥.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٥ ب القضاء بالبيّنات والأيمان ح ٤، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٣٨ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح ١، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٢٩ ب ١ أن الحكم بالبيّنة اليمين ح ١، الجواهر السنية للحر العاملي: ٣١٥ - ٣١٦، مكاتيب الرسول لأحمدي الميانجي ٢: ٢٨٣ - ٢٨٤.

٨٥

٣ - يونس، عمّن رواه قال: (استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف وردّ اليمين المدّعي فهي واجبة عليه أن يحلف، ويأخذ حقّه، فإن أبى أن يحلف فلا شيء له)(١) .

وهناك روايات كثيرة وردت في أبواب مختلفة، وفي مواضيع خاصة، ربما تتجاوز حد التواتر، ويمكن أن يستدل بها للعموم، لأن قبول قول الشاهدين فيها ناشئ من حجية قول العدلين في جميع الأبواب(٢) .

ثالثاً: الإجماع

أن الذي يتتبع كلمات فقهاء الطائفة في كتبهم الفقهية في مسألة البيّنة يجد أنهم قد اعتمدوا حجيتها بصورة عامة في مسائلهم الفقهية في جميع أبوابها، إلاّ ما ندر منهم، وقد يعتبر رأيه رأياً شاذاً عن أرائهم.

رابعاً: العقل

مما لا شك فيه أن العقل يستحسن قول الثقة ويعتبره حجة في إثبات الموضوعات، سواء كان في القضاء أو غيره، ويقبّح قول غير الثقة ويعتبره غير ملزم، وغير حجة في إثباتها.

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٦ ب من لم يكن له بيّنة فيرد عليه اليمين ح ٣، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤١ - ٢٤٢ ب ٧ أن المدّعي إذا لم يكن له بيّنة فله استحلاف المنكر، فإن رد اليمين على المدّعي فحلف ثبتت الدّعوى، وإن نكل بطلت ح ٤ وص ٢٧١: ب ١٥ ثبوت دعوى المالية بشهادة رجل وامرأتين، وبشهادة امرأتين ويمين ح ٢.

(٢) مقتبس من القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٦١.

٨٦

المطلب الرابع: اليمين

ونبحث فيه عدّة نقاط، منها :

النقطة الأولى: أنواع اليمين

يمكن أن نقسّم اليمين إلى نوعين أساسيين هما:

النوع الأول: اليمين الكاذبة

وهي محرّمة، وعليها كفّارة اليمين، والتي تسمّى باليمين الغموس، التي تؤدي بصاحبها إلى النار، وقد حذّرت الشريعة المقدّسة منها، وذلك بما يلي :

أ- قوله تعالى:( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) .

ب - عن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن ميمون، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: (قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اليمين الصبر الفاجرة تدع الديار بلاقع)(٢) ، أي اليمين الكاذبة وهي المعبّر عنها بالغموس.

ج - عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (اليمين الصبر الكاذبة تترك الديار بلاقع)(٣) .

النوع الثاني: اليمين الصادقة

وهي مكروهة بنصّ الآية الكريمة:( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٤) ، وقد جاءت السنّة الشريفة مؤكّدة تلك الكراهيّة في أحاديث كثيرة، ومنها ما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام بقوله: (يا علي لا تحلف بالله كاذباً ولا صادقاً من غير ضرورة)(٥) .

____________________

(١) سورة المائدة: آية ٨٩.

(٢) ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ٢٢٦.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٦ ب اليمين الكاذبة ح٦.

(٤) سورة البقرة: آية ٢٢٤.

(٥) تحف العقول لابن شعبة الحراني: ١٤.

٨٧

النقطة الثانية: أقسام اليمين

أردنا بهذا العنوان والذي سبقه هو التمييز بين المعنى الخاص باليمين والحكم الشرعي له، فالنقطة الأولى تدل على معنى اليمين، وهذه تدل على الحكم المترتب عليه، وقد قسم الفقهاء اليمين من ناحية الحكم الشرعي إلى قسمين:

القسم الأول: ما فيه الكفارة

وهذا على قسمين(١) :

أ - أن يحلف الشخص على شيء لا يجب عليه فعله، فيحلف أن يفعله، فعليه الكفارة إذا لم يفعله.

وفي هذه الحال قد أصبح الفعل عليه واجباً بسبب اليمين، فإذا خالف وجبت عليه كفارة اليمين.

ب - أن يحلف الشخص على شيء يجب عليه أن يفعله، فيحلف أن يفعله، فعليه الكفارة إذا لم يفعله.

وهنا يكون الوجوب مؤكداً عليه بسبب يمينه، فإذا خالف وجبت عليه كفارة اليمين، مضافاً إلى تحمله عقوبة مخالفة الواجب.

القسم الثاني: ما لا كفارة فيه

وهذا القسم على ثلاث أقسام(٢) :

أ - لا كفارة عليه، بل يؤجر إذا حلف كذباً، مثل الحلف على خلاص مسلم أو مال مسلم من معتد عليه أو لص وما شاكل ذلك.

ب - لا كفارة عليه ولا أجر له، مثل الحلف على شيء، ثم يجد ما هو خير منه فيترك اليمين ويرجع إلى ما هو الخير.

ج - لا كفارة عليه، وفيها دخول النار، مثل إذا حلف على شيء ظلماً، وهذه هي اليمين الغموس التي توجب النار ولا كفارة عليها في الدنيا.

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٧٣، المنقع للشيخ الصدوق: ٤٠٧، وكذلك الهداية: ٢٧٩، المراسم العلوية لسلار بن عبد العزيز: ١٨٧ - ١٨٨، النهاية للشيخ الطوسي: ٥٥٧ و٥٥٩ بتصرف.

(٢) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٧٣، المنقع للشيخ الصدوق: ٤٠٧، وكذلك الهداية: ٢٧٩، المراسم العلوية لسلار بن عبد العزيز: ١٨٧ - ١٨٨، النهاية للشيخ الطوسي: ٥٥٧، ٥٥٩ بتصرف.

٨٨

ويمكن الاستدلال على قسمي اليمين بهذه الرواية:

قال [الإمام] الصادقعليه‌السلام : (اليمين على وجهين: أحدهما: أن يحلف الرجل على شيء لا يلزمه أن يفعل فيحلف أنه يفعل ذلك الشيء، أو يحلف على ما يلزمه أن يفعل فعليه الكفارة إذا لم يفعل، والأخرى على ثلاثة أوجه: منها ما يؤجر الرجل عليه إذا حلف كاذباً، ومنها ما لا كفارة عليه ولا أجر له، ومنها ما لا كفارة عليه فيها، والعقوبة فيها دخول النار. فأما التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذباً ولا تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعدّ يتعدّى عليه من لصّ أو غيره، وأما التي لا كفارة عليه فيها ولا أجر له فهو أن يحلف الرجل على شيء ثم يجد ما هو خير من اليمين فيترك اليمين ويرجع إلى الذي هو خير، وأما التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم، أو على حقّه ظلماً، فهذه يمين غموس توجب النار، ولا كفارة عليه في الدنيا)(١) .

والظاهر أن هذه الرواية نفسها قد قسّمها صاحب كتاب (وسائل الشيعة) إلى ثلاثة أقسام فجعل كل قسم منها في باب يناسبه، مع ذكره لها بتمامها في باب آخر غير الأبواب الثلاثة، وقد نهج نفس المنهج صاحب كتاب (مستدرك الوسائل) فراجع(٢) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٦٦ - ٣٦٧ ب الأيمان والنذور والكفارات ح ٤٢٩٧، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢٤٩ ب ٢٣ انعقاد اليمين على فعل الواجب وترك الحرام فتجب الكفارة بالمخالفة وقدر الكفارة ح ٥، بحار الأنوار ١٠١: ٢٢١ ح ٢٤ مع تقديم وتأخير في مضمون الرواية.

(٢) وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢١٥ ب ٩ تحريم الحلف على الماضي مع تعمد الكذب وعدم لزوم الكفارة بها ح ٣ وص ٢٢٦ ب ١٢ جواز الحلف باليمين الكاذبة للتقية كدفع الظالم عن نفسه أو ماله أو نفس مؤمن أو ماله ح ٩ وص٢٤٢ - ٢٤٣ ب ١٨ أن من حلف يميناً ثم رأى مخالفتها خيراً من الوفاء بها جاز له المخالفة بل استحبت ولا كفارة عليه ح ٩، مستدرك الوسائل للميزرا النوري ١٦: ٣٨ ب ٣ تحريم اليمين الكاذبة، لغير ضرورة وتقية ح ٤ وص ٤١ ب ٥ تحريم الحلف على الماضي مع تعمد الكذب، وعدم لزوم الكفارة ح ٢ وص٥٢ ب ١٣ أن من حلف يميناً ثم رأى مخالفتها خيراً من الوفاء بها، جاز المخالفة، بل استحبت، ولا كفارة عليه ح ٥ وص ٥٦ ب ١٧ انعقاد اليمين على فعل الواجب وترك الحرام، فتجب الكفارة بالمخالفة، وقدر الكفارة ح ٣ و٤.

٨٩

النقطة الثالثة: ما يكره الحلف عليه

١ - لا يحلف المدّعى عليه على مبلغ ماليّ بخس.

وقد أفتى بذلك الفقهاء بقولهم: (وإذا ادعى عليك مالاً ولم يكن على بينة، فأراد المدّعي أن يحلفك، فإن كان مقدار ثلاثين درهماً فأعطه ولا تحلف، وإن كان أكثر من ثلاثين درهماً فاحلف ولا تعطه)(١) .

واستدلوا على ذلك بالروايات التالية:

أ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (إذا ادعى عليك مال، ولم يكن له عليك، فأراد أن يحلفك، فإن بلغ مقدار ثلاثين درهماً فأعطيه ولا تحلف، وإن كان أكثر من ذلك فاحلف ولا تعطه)(٢) .

ب - عنهعليه‌السلام أيضاً قال: (لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين، قال:( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ ) (٣) ،(٤) .فإنه

____________________

(١) المقنع للشيخ الصدوق: ٤١٢، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١١: ٢٩٣، مجمع الفائدة للمحقق الأردبيلي ١٢: ١٧٧، نهاية المرام للسيد العاملي ٢: ٣٤٢، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٢٢٨، كشف اللثام للفاضل الهندي ٢: ٢٢٣، التحفة السنية للسيد عبدالله الجزائري: ٢٠٨، رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي ٢: ٤٠٣، مستند الشيعة للمحقق النراقي: ١٧: ٤٧٥، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ٢٣٧، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٥: ٦٦ و٦: ٤٥.

(٢) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٥ ب كراهية اليمين ح ٦، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢٠١ - ٢٠٢ ب ٣ ح ١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٨٣ ح١٠٣٧ مضيفاً (ولم يكن له عليك شيء … وساق الحديث).

(٣) سورة البقرة: آية ٢٢٤.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٤ ب كراهية اليمين ح ١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٦٢ ح ٤٢٨١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٨٢ ح ١٠٣٣، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ١٩٨ ب ١ كراهية اليمين الصادقة وعدم تحريمها ح ٥.

٩٠

ج - عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: (وإني لأكره أن أقول والله على حال من الأحوال)(١) .

٢ - يكره للمدّعي استحلاف المدّعى عليه مع الإنكار واليسار تعظيماً لاسم الله تعالى(٢) .

ويمكن الاستدلال عليه بهذه الرواية وهي:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من أجلَّ الله أن يُحْلَفَ به خيراً مما ذهب منه)(٣) .كاذباً أعطاه الله

٣ - أن لا يحلف ذو الدين والفضل إذا ابتلي بدعوى باطلة وكانت لا تؤثر على ماله(٤) .

ويمكن الاستدلال عليه بهذه الرواية:

قال [الإمام] أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : (ما ترك عبد شيئاً لله ففقده)(٥) .

٤ - لا يرد اليمين على ذي الدّعوى الباطلة، بل يمينه أولى في هذه المسألة(٦) .

ويمكن الاستدلال عليها بهذه الرواية:

روى حماد بن عثمان، عن محمد بن أبي الصباح قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : إنّ أمّي تصدّقت عليّ بنصيب لها في الدار، فقلت لها: إنّ القضاة لا يجيزون هذا، ولكن اكتبيه شرى، فقالت: اصنع من ذلك ما بدا لك، وكل ما ترى أن يسوغ لك، فتوثّقت، فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أنّي قد نقّدتها الثمن، ولم أنقدها شيئاً فما ترى ؟ فقال: (فاحلف لهم)(٧) .

____________________

(١) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٩٠ ح ١٠٧٢، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٨١ ب ٦ الحلف صادقاً وكاذباً وتحليف الغير ح ١٨.

(٢) الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ٤٤٣ بتصرف.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٤ ب كراهية اليمين ح ٢، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٧٠ - ٣٧١ ب الأيمان والنذور والكفارات ح ٤٢٩٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٨٢ ح ١٠٣٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ١٩٨ ب١ كراهية اليمين الصادقة وعدم تحريمها ح ٣.

(٤) الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ٤٤٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٧١ ب الأيمان والنذور والكفارات ح ٤٣٠٠.

(٦) الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ٤٤٣.

(٧) النوادر لأحمد بن عيسى الأشعري: ٢٨ - ٢٩ ح ٢١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٦١ ب الأيمان والنذور والكفارات ح ٤٢٧٦ وج ٤: ٢٤٨ ب الوقف والصدقة والنحل ح ٥٥٨٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٨٧ كتاب الأيمان والنذور والكفارات ب ٤ الأيمان والأقسام ح ٤٨ وج ٩: ١٣٨ كتاب الوقوف والصدقات ب الوقوف والصدقات ح ٢٧، وسائل الشيعة للحر العاملي ١٩: ١٩٦ - ١٩٧ ب ٩ جواز وقف المشاع والصدقة به قبل القسمة وقبل القبض ح ٥ وج ٢٣: ٢٨١ ب ٤٣ جواز الحلف في الدّعوى على غير الواقع للتوصل إلى الحق ودفع ظلم قضاة الجور ح ١، مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٦: ٧٦ - ٧٧ ب ٣٣ جواز الحلف في الدّعوى على غير الواقع، للتوصل إلى الحق، ودفع ظلم قضاة الجور ح ١، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٣٣ ب ح ٨٢.

٩١

النقطة الرابعة: أدّلة مشروعية اليمين

أولاً: الكتاب الكريم

لقد ذكر القرآن الكريم كثيراً من الآيات المباركات التي تشير إلى مشروعية اليمين أو ما نعبّر عنه بالقسم أو الحَلْف، ويمكن تقسيمها إلى قسمين :

القسم الأول: الحلف بالله تعالى

وهذا القسم هو الذي له أثر شرعي على الحالف أو المُقسِم، وهو الذي قبله الشرع من بقية الأيمان ويمكن تقسيمه من خلال حروف القسم إلى ثلاثة أقسام:

أ- حرف الواو

لقد ذكر القرآن الكريم بعض الأيات التي وردت في حرف القسم الواو، ومنها:

١- قوله تعالى:( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (١) .

٢- قوله تعالى:( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ(٢) فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ (٣) وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٤) .

٣- قوله تعالى:( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٥) .

٤- قوله تعالى:( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً (٦) ) (٧) .

____________________

(١) سورة الأنعام: آية ٢٣.

(٢) حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم: أي يجعلوك حكماً، أو حاكماً فيما وقع بينهم من الخصومة، والتبس عليهم من أحكام الشريعة. (راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ٣: ١٢١)

(٣) لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت: أي لا تضيق صدورهم به. (راجع التبيان في تفسير القرآن للطوسي ٣: ٢٤٦).

(٤) سورة النساء: آية ٦٥.

(٥) سورة الحجر: آية ٩٢.

(٦) جثيّاً: أي على رُكَبِهِمْ (تفسير القمي ١: ٢٣١.

(٧) سورة مريم: آية ٦٨.

٩٢

ب - حرف التاء

ذكر القرآن الكريم هذا القسم في بعض الآيات الكريمة، منها:

١- قوله تعالى:( وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (١) ) (٢) .

٢- قوله تعالى:( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ) ،( قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (٣) ) ،( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ (٤) اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ) ،( قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٥) ) (٦) .

٣- قوله تعالى:( وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٧) ) ،( تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٨) .

____________________

(١) لأكيدن: لأدبرن أمراً خفياً يسوؤكم بعد ذهابكم عنها. (راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ٧: ٩٤ بتصرف).

(٢) سورة الأنبياء: آية ٥٧.

(٣) تفتأ تذكر … أو تكون من الهالكين: أي لا تزال تذكر يوسف حتى تكون فاسد العقل أو تكون من الميتين. (راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ٥: ٤٤٤ بتصرف).

(٤) آثرك: أي فضلك. (التبيان في تفسير القرآن للطوسي ٦: ١٩٠).

(٥) لفي ضلالك القديم: أي لفي ذهابك عن الصواب قدماً بإفراطك في محبة يوسف وإكثارك ذكره والتوقع للقائه. (تفسير الصافي للفيض الكاشاني ٣: ٤٣).

(٦) سورة يوسف: آية ٧٣، ٨٥، ٩١، ٩٥.

(٧) تفترون: أي تكذبون. (راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ٦: ١٦٧ بتصرف).

(٨) سورة النحل: آية ٥٦، ٦٣.

٩٣

ج - حرف الباء

هناك آيات ربما تكون مشعرة بالقسم بهذا الحرف الثالث، ومنها:

١- قوله تعالى:( فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) (١) .

٢- قوله تعالى:( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ) (٢) .

القسم الثاني: القسم بظواهر الكون

لقد أقسم الله تبارك وتعالى بظواهر الكون في بعض الآيات التي ذكرها القرآن الكريم، والتي تعبّر عن تعظيم المُقْسَم به، وتوكيداً للمُقْسَم عليه، وهذا القسم ليس له اعتبار شرعي بالنسبة للحالف، ولا يترتب عليه أثر شرعي تجاهه، ونحن نذكر بعض الآيات التي وردت في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر، ومنها:

١- قوله تعالى:( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) (٣) .

٢- قوله تعالى:( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ) (٤) .

٣- قوله تعالى:( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) (٥) .

٤- قوله تعالى:( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ) (٦) .

____________________

(١) سورة المائدة: آية ١٠٧.

(٢) سورة الأنعام: آية ١٠٩.

(٣) سورة النجم: آية ١- ٢.

(٤) سورة الشمس: آية ١ - ٢.

(٥) سورة المدثر: آية ٣٣.

(٦) سورة التكوير: آية ١٧.

٩٤

ثانياً: السنّة الشريفة

هناك أحاديث كثيرة وردت في اليمين تدل على أنه عمل مشروع ضمن الضوابط التي تذكرها الكتب الفقهية، ومن هذه الأحاديث ما يلي:

١ - عن بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن القسامة، فقال: (الحقوق كلها البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه إلاّ في الدم خاصة …)(١) .

٢ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، والصلح جائز بين المسلمين إلاّ صلح أحل حراماً أو حرم حلالاً)(٢) .

وهناك الكثير تركناه لاشتراك أكثره مع البيّنة وقد ذكرنا بعض منه فيها، ولمخافة الإسهاب في البحث.

ثالثاً: الإجماع

لو تتبعنا كتب الفقهاء لوجدناهم قد أعطوا لليمين مشروعية للوصول من خلاله إلى النتائج النهائية لحل الخصومات بين الطرفين بعد البينة، فلم تجد أحداً في هذا الصدد مخالفاً في ذلك.

فهذا مثلاً الشيخ الطوسي يذكر أن الشريكين إذا اختلفا، أو المضارب وصاحب المال في شيء من الأشياء، (كانت البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، مثل الدعاوي في سائر الأحكام)(٣) .

وكذلك بقيّة الفقهاء كلهم على هذا المنوال، فمن أراد المزيد فليراجع كتبهم الفقهية، ولا داعي للإطالة في ذلك.

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٣٦١ ب القسامة ح ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٢ ب الصلح ح ٣٢٦٧.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي: ٤٢٩.

٩٥

رابعاً: العقل

لو رجعنا إلى العقل بغض النظر عن الأدلة السابقة لوجدناه يستحسن ظاهرة اليمين عند فقد البينة، ويجعلها الطريقة المثلى لحل النزاع بين الطرفين، فبدونه ربما تبقى المسألة معلقة إلى أجل غير مسمى، بل ربما تشتد الأزمة بينهما وتصل إلى حد لا تحمد عقباه، لهذا نراه يستحسن هذه الظاهرة ولا يستقبحها.

المطلب الخامس: القرعة

ونبحث فيه ثلاث نقاط، وهي :

النقطة الأولى: بعض موارد إجراء القرعة

ذكر الفقهاء موارد إجراء القرعة في كتبهم الفقهية بشكل متفرقات، ونحن نذكر بعضاً منها تحت هذا العنوان لكي يسهل الإطلاع عليها، وهي كالآتي:

١ - أن القرعة تجري في كل ما لا يتهيأ فيه الإشهاد عليه.

ذكر ذلك صاحب كتاب (فقه الرضا) بقوله: (كل ما لا يتهيأ فيه الإشهاد عليه، فإن الحق فيه أن يستعمل فيه القرعة)(١) .

مستدلاً على كلامه بهذه الرواية: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: (أي قضية أعدل من القرعة، إذا فوض الأمر إلى الله، لقوله تعالى:( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (٢) )، الآتي ذكرها في أدلّة مشروعية القرعة.

٢ - إذا تساوى الشهود في العدد والعدالة أقرع بينهما فمن خرج اسمه حلف وكان الحكم له.

ذكر ذلك صاحب كتاب (النهاية) بقوله: (فإن تساويا في العدالة، كان الحكم لأكثرهما شهوداً مع يمينه بالله تعالى: أن الحق له، فإن تساويا في العدد، أقرع بينهم، فمن خرج عليه، حلف، وكان الحكم له)(٣) .

٣ - تجري القرعة على كل أمر مشكل يشتبه الحكم فيه.

ذكر ذلك صاحب كتاب (النهاية) بقوله: (كل أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه، فينبغي أن تستعمل فيه القرعة)(٤) .

مستدلاً على قوله بما جاء عن الإمام أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، وعن غيره من آبائه وأبنائهعليهم‌السلام من قولهم: (كل مجهول ففيه القرعة، قلت له: إن القرعة تخطأ وتصيب ! فقال: كل ما حكم الله به فليس بمخطئ)(٥) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٢.

(٢) سورة الصافات: آية ١٤١.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي: ٣٤٣ - ٣٤٤.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي: ٣٤٥ - ٣٤٦، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢٣٣ باختلاف يسير.

(٥) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٩٢ ب الحكم بالقرعة ح ٣٣٨٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٤٠ ب ٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضهما على بعض وحكم القرعة ح ٢٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٥٩ - ٢٦٠ ب ١٣ الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة، وجملة من مواقعها وكيفيتها ح١١، فتح الأبواب للسيد ابن طاووس: ٢٧٢، الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ١: ٦٩٤ ب ٨٣ أن القرعة لكل أمر مجهول إلاّ ما استثني ح١، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٣٢٥ ب ٦ القرعة ح٦.

٩٦

٤ - إذا اشترك شخصان في شراء جارية فواقعاها في طهر واحد، وأتت بولد لهما، ولم يعرف أيهما أبوه أقرع بينهما.

ذكر ذلك بعض الفقهاء بقولهم: (لو أن رجلين اشتريا جارية وواقعاها جميعاً، ظناً منهما بأن ذلك جائز لهما، فأتت بولد، لكان الحكم فيه أن يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة ألحق به الولد، ويغرم نصف قيمة الجارية لصاحبه، وعلى كل واحد منها نصف الحد)(١) .

٥ - إذا كان لشخص مجموعة من العبيد فأعتق ثلثهم مثلاً بعد موته ولم يعلم من هم أقرع بينهم، فمن خرج في القرعة فهو حر. ذكر ذلك صاحب كتاب (العويص) بقوله: ( (٦٣) مسألة أخرى: رجل له ثلاثون عبداً، فأعتق ثلثهم عند موته، فلم يعلم مّنْ المعتق منهم. الجواب: يقرع بينهم، فمن خرجت القرعة عليه عتق)(٢) .

٦ - إذا ولد مولود ولم يعرف هل هو ذكر أم أنثى، أقرع عليه، فإذا خرج سهم الذكور ألحق بهم، وإن خرج سهم الإناث ألحق بهن، وورث ميراثهم.

ذكر ذلك صاحب كتاب (النهاية) بقوله: (إذا ولد مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء، أقرع عليه، فإن خرج سهم الرجال ألحق بهم، وورث ميراثهم، وإن خرج سهم النساء ألحق بهن، وورث ميراثهن)(٣) .

٧ - إذا اختلطت بهيمة موطوءة مع قطيع من البهائم، قُسِّمَ إلى قسمين وأقرع بينهما، فمن خرجت القرعة عليه قُسِّمَ مرة أخرى وهكذا إلى أن تبقى واحدة، فيجرى عليها الحكم وهو الحرق بالنار بعد الذبح.

ذكر ذلك صاحب كتاب (النهاية) بقوله: (فإن اختلطت البهيمة الموطوءة بغيرها من البهائم، ولم تتميز، قسم القطيع الذي فيه تلك البهيمة وأقرع بينهما، فما وقعت عليه القرعة قسم من رأس، وأقرع بينهما إلى أن لا تبقى إلاّ واحدة، ثم تأخذ وتحرق بالنار بعد الذبح، وليس ذلك على جهة العقوبة لها، لكن لما يعلم الله تعالى من المصلحة في ذلك، ولدفع العار بها عن صاحبها)(٤) .

٨ - إذا مات اللقيط وادعى رجلان أنه ولدهما، وتعارضت بينتاهما، أو لا بينة لهما، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه ألحق به. ذكر ذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: (إذا ادعى أجنبيان بأنه ولدهما، وكان مع كل واحد منهما بينة، فتعارضتا، أو لا بينة معهما أصلاً، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه ألحق به)(٥) .

مستدلاً على ذلك بإجماع الفرقة على أن كل مجهول فيه القرعة، وهذا داخل فيه.

نكتفي بهذا القدر خوفاً من الإطالة، ومن أراد الإطلاع أكثر فليراجع الكتب الفقهية ففيها ما يغني عن ذلك.

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٢، المقنع: ٤٠١، المقنعة للشيخ المفيد: ٥٤٤ بتصرف.

(٢) العويص للشيخ المفيد: ٥١.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي: ٣٤٥.

(٤) ن. م: ٧٠٩.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي: ٥٩٥.

٩٧

النقطة الثانية: كيفية إجراء القرعة وصيغتها

ذكر فقهاء الطائفة صيغة القرعة وهي: أن يكتب على سهم أو في قرطاس اسم الولد واسم أحد الرجلين، ثم يكتب في سهم آخر اسم الولد واسم الآخر، ويخلطا في سهام أو قراطيس متشابهة، ويقول المقرع - وهو الحاكم -: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بيّن لنا أمر هذا المولود، لنقضي فيه بحكمك.

ثم يخلط السهام بيده، ويأخذ منها واحداً، فأي سهم خرج أولاً - عليه اسم أحدهما - ألحق الولد به(١) .

والظاهر أن هذه الصيغة مستقاة من رواية فضيل بن يسار وما شابهها والتي سوف نذكرها ضمن النقطة الثالثة من (أدلة مشروعية القرعة - ثانياً: السنة الشريفة) الآتية إن شاء الله تعالى.

النقطة الثالثة: أدلّة مشروعية القرعة

أولاً: الكتاب الكريم

من أدلة مشروعية القرعة في القرآن الكريم هاتين الآيتين المباركتين:

١ - قوله تعالى:( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (٢) .

وهذه الآية الكريمة تبين أن نبي الله (يونسعليه‌السلام ) قد شارك الذين في السفينة في القرعة عندما أرادوا أن يلقوا أحدهم إلى الحوت الذي تعرضهم فكان سهمه هو الذي خرج(٣) .

٢ - قوله تعالى:( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (٤) .

وهذه الآيات الثانية تبين كيف تشاح القوم على كفالة مريم فتحاكموا إلى القرعة فكانت من حظ نبي الله (زكرياعليه‌السلام )(٥) .

فتبيّن من خلال ذكر القرآن الكريم لقصة هاتين الآيتين الكريمتين وعدم ذمه لهما، دليل على مشروعية القرعة فيهما.

____________________

(١) المقنعة للشيخ المفيد: ٥٤٤.

(٢) سورة الصافات: آية ١٤١.

(٣) راجع تفسير القمي ٢: ٢٢٧، التبيان للشيخ الطوسي٨: ٥٢٨، مجمع البيان للطبرسي ٨: ٣٣٢، التفسير الأصفى للفيض الكاشاني ٢: ١٠٥٧، الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي ١٧: ١٦٣ وغيرها.

(٤) سورة آل عمران: آية ٤٤.

(٥) راجع تفسير التبيان للشيخ الطوسي ٢: ٤٥٩ - ٤٦٠، مجمع البيان للطبرسي٢: ٢٩٢، الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي ٣: ١٩٠ وغيرها.

٩٨

وربما يقول القائل: أن المراد من هاتين الآيتين هو الحكاية عن مشروعية القرعة في الشرائع السابقة، لا أنها مشروعة في عصرنا، فهذا غير واضح.

ولو تنزلنا فنقول: يمكن الاستفادة من الآيتين بأن القرعة كانت من الأمور المشروعة في الشرائع السابقة، ولم تكن من البدع والمنهيات، ونحن نستصحب بقاءها، وسريان مشروعيتها إلى وقتنا هذا(١) ، بناءً على استصحاب الشرائع السابقة.

ثانياً: السنّة الشريفة

لقد أثبتت السنة شرعية القرعة في عدة روايات ومنها:

١ - عن سماعة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (إن رجلين اختصما إلى عليعليه‌السلام في دابة فزعم كل واحد منهما أنها نتجت على مذوده، وأقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلم السهمين على كل واحد منهما بعلامة، ثم قال: اللهم رب السماوات السبع والأرضين السبع ورب العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، أيهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها فأسألك أن تخرج سهمه، فخرج سهم أحدهما، فقضى له بها)(٢) .

٢ - ورد في كتاب (النوادر): (وكان (الإمام) عليعليه‌السلام إذا أتاه عدة وعدلهم واحد أقرع بينهم، أيهم وقعت اليمين عليه استحلفهم، وقال: اللهم رب السماوات السبع أيهم كان الحق له فأده إليه، ثم يجعل الحق للذي يصير اليمين عليه إذا حلف)(٣) .

٣ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (كان (الإمام) عليعليه‌السلام إذا أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء وعددهم، أقرع بينهم على أيهم تصير اليمين، قال: وكان يقول: اللهم رب السماوات السبع أيهم كان له الحق فأده إليه، ثم يجعل الحق للذي تصير إليه الحق إذا حلف)(٤) .

____________________

(١) مقتبس من: القواعد (مائة قاعدة فقهية، معناً ومدركاً ومورداً) للسيد المصطفوي: ١٩٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٩٣ ب الحكم بالقرعة ح ٣٣٩٣، الاستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٤٠ ب٢٢ البينتين إذا تقابلتا ح ٧ وبسند آخر أيضاً من نفس الباب ص٤١ - ٤٢ ح ١٢، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٣٥ ب٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضها على بعض وحكم القرعة ح ٧، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٥٤ ب ١٢ حكم تعارض البينتين وما ترجح به أحدهما وما يحكم به عند فقد الترجيح ح ١٢.

(٣) النوادر لأحمد بن عيسى الأشعري: ١٦١ ب ٣٥ القسامة ح ٤١٢.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٩ ب الرجلين يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة ح ٣، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٩٤ ب حكم القرعة ح ٣٣٩٧ بإضافة (ورب الأرضين السبع)، الإستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٣٩ ك القضايا والأحكام ب البينتين إذا تقابلتا ح ٢، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٥١ ب ١٢ حكم تعارض البينتين وما ترجح به أحدهما وما يحكم به عند فقد الترجيح ح ٥.

٩٩

٤ - عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء، فقال: (ذا يقرع عليه الإمام، يكتب على سهم (عبد الله) ويكتب على سهم آخر (أمة الله) ثم يقول الإمام أو المقرع: (للهم أنت الله لا إله إلاّ أنت عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون بيّن لنا أمر هذا المولود حتى نورثه ما فرضت له في كتابك) قال: ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة، ثم تجال فأيهما خرج ورث عليه)(١) .

٥ - عن منصور بن حازم قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللهعليه‌السلام عن مسألة، فقال له: (هذه تخرج في القرعة، ثم قال: وأي قضية أعدل من القرعة إذا ؟ ! أليس الله يقول تبارك وتعالى:( فَسَاهَمَ فَكَانَفوض الأمر إلى الله مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (٢) ،(٣) .

٦ - عن إسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : إن المغيرة بن سعيد روى عنك أنك قلت له: إن الحائض تقضي الصلاة ؟ فقال: (ما له لا وفقه الله، إن امرأة عمران نذرت ما في بطنها محرراً والمحرر للمسجد يدخله ثم لا يخرج منه أبداً، فلما وضعتها قالت: رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى، فلما وضعتها أدخلتها المسجد فساهمت عليها الأنبياء فأصابت القرعة زكريا وكفلها زكريا …إلى آخر الحديث)(٤) .

٧ - عن محمد بن الحكم قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفرصلى‌الله‌عليه‌وآله عن شيء فقال لي: (كل مجهول ففيه القرعة، فقلت: إن القرعة تخطئ وتصيب، به فليس بمخطئ)(٥) .فقال: كل ما حكم الله

وهناك روايات أخرى كثيرة في هذا الموضوع لا مجال لذكرها رعاية للاختصار، فمن أراد المزيد فليراجع كتب الحديث مثل: الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه والأمالي للشيخ الصدوق، ودعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي، والمحاسن للبرقي، والاستبصار والتهذيب للشيخ الطوسي وغيرها الكثير.

____________________

(١) المحاسن للبرقي ٢: ٦٠٣ ب ٤ القرعة ح ٢٩.

(٢) سورة الصافات: آية ١٤١.

(٣) المحاسن للبرقي ٢: ٦٠٣ ب ٤ القرعة ح ٣٠، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٦١ - ٢٦٢ ب ١٣ الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة، وجملة من مواقعها وكيفيتها ح ١٧.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٣: ١٠٥ ب الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ح ٤، مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٦ ب ١١ الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة، وجملة من مواقعها وكيفيتها ح ٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٩٢ ب الحكم بالقرعة ح ٣٣٨٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٤٠ ب ٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضهما على بعض وحكم القرعة ح ٢٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٥٩ - ٢٦٠ ب ١٣ الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة، وجملة من مواقعها وكيفيتها ح١١، فتح الأبواب للسيد ابن طاووس: ٢٧٢، الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ١: ٦٩٤ ب ٨٣ أن القرعة لكل أمر مجهول إلاّ ما استثني ح١، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٣٢٥ ب ٦ القرعة ح٦.

١٠٠