الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين14%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 250249 / تحميل: 14278
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

عَلَى اللّهِ ) (١) ، وفي الحكاية عن النبي محمد (ص : (( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلّا عَلَى اللّهِ ) )(٢) ، وقوله : (( قُل لاَأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلّا ذِكْرَى‏ لِلْعَالَمِينَ ) )(٣) . وطلب المال لا تتحمله طباع الناس : (( أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِن مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ) (٤) ،  ( أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ ) (٥) .

ولكن المقصود من المودة في القربى هو موالاة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو من سنخ الدعوة الإلهية وهذا المطلب يليق بمقام النبوة ، والدعوة إليه والتعريف به ويكون طلب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأمة مودة آله الأقربين وهم أئمة الهدى الاثنا عشرعليه‌السلام وفاطمة الزهراءعليه‌السلام ، تحنناً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم لأنه يعود في النهاية على نفعهم ومصلحتهم .

٦ ـ في تفسير قوله تعالى : (( وَالّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقّ مَعْلُومٌ * لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (٦) ، قال)ع) : ( الحق المعلوم الشيء الذي يخرجه من ماله

ــــــــــــــــ

(١) سورة يونس : الآية ٧٢ .

(٢) سورة سبأ : الآية ٤٧ .

(٣) سورة الأنعام : الآية ٩٠ .

(٤) سورة القلم : الآية ٤٦ .

(٥) سورة المؤمنون : الآية ٧٢ .

(٦) سورة المعارج : الآية ٢٤ ـ ٢٥ .

١٦١

ليس من الزكاة والصدقة المفروضتين يصل به رحماً ، ويقوي به ضعيفاً ويحمل له كلّ(١) ، أو يصل أخاً في الله ، أو لنائبة تنويه ) (

أقول : السائل هو الفقير الذي يسأل ، والمحروم : الفقير الذي يتعفف ولا يسأل وسياق الآيات القرآنية الواردة في الزكاة تؤيد هذه الرواية فان للزكاة موارد مسماة لمستحقيها في آية الصدقة : (( إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ ) )(٣) ، والآية ليست مختصة بالسائل والمحروم .

٧ ـ في تفسير قوله تعالى :( فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ ) )(٤) : هو العفو من غير عتاب )(٥)

٨ ـ في تفسير قوله تعالى : (( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ ) )(٦) : ولكم ) يا أمة محمد ( في القصاص حياةٌ ) لأن من همّ بالقتل فعرف أنه يقتصّ منه ، فكفّ لذلك من القتل ، كان حياة للذي همّ بقتله ، وحياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل ، وحياة لغيرهما

ــــــــــــــــ

(١) الكلّ ( بالفتح ) : الثقل ، والعيال .

(٢) وسائل الشيعة ج ٦ ص ٦٩ .

(٣) سورة التوبة : الآية ٦٠ .

(٤) سورة الحجر : الآية ٨٥ .

(٥) وسائل الشيعة ج ٥ ص ٥١٩ .

(٦) سورة البقرة : الآية ١٧٩ .

١٦٢

من الناس : إذا علموا أن القصاص واجب ، ولا يجسرون على القتل مخافة القصاص ( يا أولي الألباب ) اولي العقول( لعلّكم تتّقون ) (١)

٩ ـ في قوله تعالى :( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٢) ، قالعليه‌السلام : ( البرزخ هو القبر والله ان القبر لروضة من رياض الجنة أو حفرة من النار )(٣)

١٠ ـ في قوله تعالى :( الله الصّمد ) (٤) : ( الصمد الذي لا شريك له ، ولا يؤوده حفظ شيء ، ولا يعزب عنه شيء ، ولا يعزب عنه شيء ، والذي لا جوف له والذي لا يأكل ولا يشرب ، والذي لا ينام ، والذي لم يزل ولا يزال )(٥)

١١ ـ قيل لعلي بن الحسينعليه‌السلام : يا ابن رسول الله كيف يعاتب الله هؤلاء الأخلاف [ عرب قريش ] على قبائح أسلافهم وهو سبحانه يقول :( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (٦)  فقال )ع) : ( ان القرآن نزل بلغة العرب ، فهو يخاطب أهل اللسان بلغتهم فإنك ترى الرجل التميمي يقول : أغرنا على قوم كذا وإنما غار عليهم أسلافه .

ــــــــــــــــ

(١) الإحتجاج للطبرسي ص ٣١٩ .

(٢) سورة المؤمنون : الآية ١٠٠

(٣) الخصال للصدوق ج ١ ص ٥٩ .

(٤) سورة الإخلاص : الآية ٢ .

(٥) الوافي ج ١ ص ٨١ .

(٦) سورة الأنعام : الآية ١٦٤ .

١٦٣

ويقول العربي : نحن فعلنا ببني فلان كذا ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خربنا البلد الكذائي ، ولا يريد أنهم باشروا ذلك بأنفسهم ، وإنما يريد هؤلاء بالإفتخار أن قومهم فعلوا كذا وهكذا قول الله عزّ وجلّ في هذه الآيات انما هو توبيخ لإسلافهم وتوبيخ عذل لهؤلاء الموجودين لأن هؤلاء الأخلاف رضوا بفعل أسلافهم ومصوبون لهم ، فجاز أن يقول أنتم فعلتم كذا ، أي انكم رضيتم بقبيح أفعالهم )(١)

ب ـ الحديث الشريف :

وكان غاية العلم في القرون الهجرية الأولى هو نقل الرواية الصحيحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسانيدها الصحيحة في وقت كثر فيه الكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان زين العابدينعليه‌السلام يروي الحديث النبوي مسنداً عن أبيه الحسينعليه‌السلام عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان نقل الحديث النبوي الصحيح له قيمة عظمى في حفظ الدين ، لأن السنّة النبوية الشريفة تعدّ المصدر الثاني للشريعة بعد القرآن الكريم فحفظ القرآن الكريم بالوعد الإلهي : (( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) )(٢) ، وحفظت السنّة النبوية بأئمة أهل البيتعليه‌السلام وتقانيهم في صيانتها عن التحريف .

ــــــــــــــــ

(١) الاحتجاج للطبرسي ص ١٧٠ .

(٢) سورة الحجر : الآية ٩ .

١٦٤

فكان الدرس العلمي للإمام زين العابدينعليه‌السلام ينعقد في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، يطرح فيها أحاديث شريفة يرفعها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسند متصل صحيح وكان يذكر أقوال أمير المؤمنينعليه‌السلام بسند صحيح ومن المسلّم به عند الطائفة أن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام كان لا يقول شيئاً إلا واقتبسه أو نقله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالنتيجة فان درس الإمام زين العابدينعليه‌السلام كان علماً نابعاً من منابع الإسلام الأصيلة .

أولاً : ما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وهذه روايات رواها الإمامعليه‌السلام بسند صحيح متصل برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( والذي نفسي بيده ما جمع شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم )(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت )(٢) .

ــــــــــــــــ

(١) الخصال ص ٥ .

(٢) الخصال ص ٢٣١ .

١٦٥

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما يوضع في ميزان امريء يوم القيامة أفضل من حسن الخلق )(١)

٤ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر خطبته : ( طوبى لمن طاب خلقه ، وطهرت سجيته ، وصلحت سريرته ، وحسنت علانيته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، وأنصف الناس من نفسه )(٢)

٥ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أحب السبل إلى الله عزّ وجلّ جرعتان : جرعة غيظ تردها بحلم ، وجرعة مصيبة تردها بصبر )(٣)

٦ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ان الله عزّ وجلّ خلق العقل من نور مخزون مكنون ، في سابق علمه الذي لم يطلع عليه نبي مرسل ، ولا ملك مقرب ، فجعل العلم نفسه ، والفهم روحه ، والزهد رأسه ، والحياء عينه ، والحكمة لسانه ، والرأفة همه ، والرحمة قلبه ، ثم حشاه وقواه بعشرة أشياء : باليقين ، والإيمان ، والصدق ، والسكينة ، والإخلاص ، والرفق ، والعطية ، والقنوع ، والتسليم ، والشكر ثم قال له عزّ وجلّ : أدبر فأدبر ثم قال له : أقبل فأقبل ثم قال له : تكلم ، فقال : الحمد لله الذي ليس له سند ولا ند ، ولا شبيه ولا كفو ، ولا عديل ولا مثيل ، كلّ شيءٍ لعظمته خاضع ذليل فقال الله تبارك

ــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي ج ٢ ص ٩٩ .

(٢) أصول الكافي ج ٢ ص ١٥٦ .

(٣) أصول الكافي ج ٢ ص ٩٩ .

١٦٦

وتعالى : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك ، ولا أطوع لي منك ، ولا أرفع منك ، ولا أشرف منك ، ولا أعزّ منك بك أواحد ، وبك أعطي ، وبك أوحد ، وبك أعبد ، وبك ادعى ، وبك أرتجى ، وبك أبتغى ، وبك أخاف ، وبك أحذر ، وبك الثواب وبك العقاب )(١)

٧ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه )(٢)

٨ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( انتظار الفرج عبادة ، وأن من رضي بالقليل من الرزق رضي الله منه القليل من العمل )(٣)

٩ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يتوارث أهل ملتين ، ولا يرث مسلم كافراً ، ولا كافر مسلماً )(٤) وقرأعليه‌السلام : ( )(٥)

١٠ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والتارك لسنتي ، والمستحل من

ــــــــــــــــ

(١) الخصال ص ٣٩٦ ـ ٣٩٧ .

(٢) المعرفة والتاريخ ج ١ ص ٣٦٠ .

(٣) الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٨٨ .

(٤) الجامع المختصر لابن الساعي ج ٩ ص ٨٧ .

(٥) سورة الأنفال : الآية ٧٣ .

١٦٧

عترتي ما حرم الله ، والمتسلط بالجبروت ليذلّ من أعزه الله ، ويعزّ من أذله الله ، والمستأثر بفيء المسلمين المستحل له )(١)

١١ ـ حدثني أبي أن جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( أعبد الناس من أقام الفرائض ، وأسخى الناس من أدى الزكاة ، وأزهد الناس من اجتنب المحارم ، وأتقى الناس من قال بالحق في ما له وعليه ، وأعدل الناس من رضى للناس بما يرضى لنفسه ، وكره لهم ما كره لنفسه ، وأكيس الناس من كان أشد ذكراً للموت ، وأغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب ويرجو الثواب ، وأعقل الناس من يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال ، وأعظم الناس في الدنيا خطراً من لم يجعل للدنيا خطراً ، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه ، وأشجع الناس من غلب هواه ، وأكثر الناس قيمة أكثرهم علماً ، وأقل الناس لذة الحسود ، وأقل الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عليه ، وأولى الناس بالحق أعلمهم ، وأقلّ الناس حرمة الفاسق ، وأقلّ الناس وفاءً الملوك ، وأقلّ الناس صديقاً الملوك ، وأفقر الناس الطمّاع ، وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيراً ، وأفضل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً ، وأكثر الناس(٢) أتقاهم ، وأعظم الناس حذراً من ترك ما لا يعنيه ، وأورع الناس من ترك المراء وإن كان محقاً ، وأقل

ــــــــــــــــ

(١) الخصال ص ٣٠٨ .

(٢) كلمة ساقطة في المتن ، ولعلها وأكثر الناس إيماناً أتقاهم .

١٦٨

الناس مروءة من كان كاذباً ، وأشقى الناس الملوك ، وأمقت الناس المتكبر ، وأشد الناس اجتهاداً من ترك الذنوب ، وأحلم الناس من فرّ من جهال الناس ، وأسعد الناس من حالف كرام الناس ، وأعقل الناس أشدهم مداراة للناس ، وأولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة ، وأعتى الناس من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأحق الناس بالذنب السفيه ، وأذلّ الناس من أهان الناس ، وأحزم الناس أكظمهم للغيظ ، وأصلح الناس أصلحهم للناس ، وخير الناس من انتفع به الناس )(١)

١٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما زلت أنا ومن كان قبلي من النبيين مبتلين بمن يؤذينا ، ولو كان المؤمن على رأس جبل لقيض الله عزّ وجلّ من يؤذيه ليؤجره على ذلك )(٢)

١٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( رأس العقل بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ التحبب إلى الناس )(٣)

١٤ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إن أحب الأعمال إلى الله تعالى إدخال السرور على المؤمن )(٤)

ــــــــــــــــ

(١) الغايات لأبن بابويه القمي .

(٢) وسائل الشيعة ج ٥ ص ٤٨٦ .

(٣) الخصال ص ١٧ .

(٤) مصادقة الأخوان للشيخ الصدوق .

١٦٩

١٥ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( كفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه ، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه )(١)

١٦ ـ أتى رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : ما بقي من الشر شيء إلا عملته ، فهل من توبة ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( هل بقي من والديك أحد ؟ ) قال : نعم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فبره ، فلعله أن يغفر لك ) فولى الرجل فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لو كانت أمه ((٢) .

١٧ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إن المؤمن ليشبع من الطعام فيحمد الله فيعطيه الله من الأجر ما يعطي الصائم القائم ، إن الله يحب الشاكرين )(٣)

١٨ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الإيمان أقرار باللسان ، ومعرفة باللقلب ، وعمل بالأركان )(٤)

١٩ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الإيمان قولٌ وعمل )(٥)

٢٠ ـ روىعليه‌السلام بسنده عن آبائهعليه‌السلام أن المسلمين قالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما

ــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي ج ٢ ص ٤٦ .

(٢) الدعوات للقطب الراوندي ص ٤٧ .

(٣) ربيع الأبرار ج ٤ ص ٣٢٨ .

(٤) الخصال ص ١٦٥ .

(٥) الخصال ص ٥٣ .

١٧٠

كنت لألقى الله عزّ وجلّ ببدعة لم يحدث إلي فيها شيء ، وما أنا من المتكلفين ) فأنزل الله تبارك وتعالى يا محمد : (( وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلّهُمْ جَميعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى‏ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ((١) ... )(٢) .

٢١ ـ قالعليه‌السلام : حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسينعليه‌السلام ، قال : حدثني أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( قال الله عزّ وجلّ : إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني ، فمن جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله باخلاص باخلاص دخل في حصني ، ومن دخل في حصني أمن من عذابي )(٣)

٢٢ ـ قال رسول اللهر : ( حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة : عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط )(٤)

٢٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قال الله عزّ وجلّ : علي بن أبي طالب حجتي على خلقي ، ونوري في بلادي ، وأميني على علمي ) .

٢٤ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( خلقت أنا و علي من نور واحد )(٥)

ــــــــــــــــ

(١) سورة يونس : الآية ٩٩ .

(٢) التوحيد للصدوق ص ٣٤٢ .

(٣) التوحيد ص ٢٥ .

(٤) الخصال ص ٣٣٠ .

(٥) الخصال ص ٣١ .

١٧١

٢٥ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا علي أول ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأنك ولي المؤمنين بما جعله الله وجعلته لك ، فمن أقر بذلك وكان يعتقده صار إلى النعيم الذي لا زوال له ) .

٢٦ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( هبط عليّ جبرئيل فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول : حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك )(١) والصلب الذي أنزله هو عبدالله ، والبطن التي حملته هي آمنة بنت وهب ، والحجر الذي كفله هو أبو طالب وفاطمة بنت أسد .

٢٧ ـ دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نفر من أهله ، فقال : ( ألا أحدثكم بما يكون خيراً من الدنيا والآخرة لكم ، وإذا كربتم أو غممتم دعوتم الله عزّ وجلّ ففرج عنكم قالوا : بلى يا رسول الله قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولوا : ( الله ، الله ، الله ، ربنا لا نشرك به شيئاً ثم ادعوا ما بدا لكم )(٢)

٢٨ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخاطب أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : ( الجنة تشتاق إليك ، وإلى عمار ، وإلى سلمان ، وأبي ذر ، والمقداد )(٣)

ــــــــــــــــ

(١) التعظيم والمنّة ص ٣٢ .

(٢) دعوات القطب الراوندي ص ٢٠ .

(٣) الخصال ص ٢٧٥ .

١٧٢

٢٩ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( علي بن أبي طالب خليفة الله وخليفتي ، وحجة الله وحجتي ، وصفي الله وصفيي ، وحبيب الله وحبيبي ، وخليل الله وخليلي ، وسيف الله وسيفي ، وهو أخي وصاحبي ووزيري ، محبّه محبّي ، ومبغضه مبغضي ، ووليه وليي ، وعدوه عدوي ، وزوجته ابنتي ، وولده ولدي ، وحربه حربي ، وقوله قولي ، وأمره أمري ، وهو سيد الوصيين ، وخير أمتي )(١)

٣٠ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : ( أن الله قد فرض عليكم طاعتي ، ونهاكم عن معصيته ، وهو وصيي ، ووارثي ، وهو مني وأنا منه ، حبه إيمان وبغضه كفر ((٢) .

ثانياً : ما رواه عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام

وهذه روايات رواها الإمامعليه‌السلام بسند صحيح عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ولاشك ان علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان يستلهم علمه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيرجع الأمر الى نفس المنبع الالهي .

١ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة : أخفى رضاه في طاعته ، فلا تستصغرن شيئاً من طاعته فربما

ــــــــــــــــ

(١) روضات الحنات ج ٦ ص ١٨٣ ـ ١٨٤ .

(٢) ينابيع المودة القندوزي باب ٤١ .

١٧٣

وافق رضاه وأنت لا تعلم وأخفى سخطه في معصيته ، فلا تستصغرن شيئاً من معصيته فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم وأخفى إجابته في دعوته ، فلا تستصغرن شيئاً من دعائه فرمبا وافق إجابته وأنت لا تعلم وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبداً من عبيد الله فربما يكون وليه وأنت لا تعلم )(١)

٢ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( الأعمال على ثلاثة أحوال : فرائض ، وفضائل ، ومعاصٍ فأما الفرائض فبأمر الله ، وبرضى الله ، وبقضاء الله وتقديره ومشيئته وعلمه عزّ وجلّ [ وأما الفضائل ](٢) ، وأما المعاصي فليست بأمر الله ، ولكن بقضاء الله ، وتقدير الله وبمشيئته وعلمه ، ثم يعاقب عليها )(٣)

٣ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إنما الدهر ثلاثة أيام أنت في ما بينهن : مضى أمس بما فيه فلا يرجع أبداً ، فإن كنت عملت فيه خيراً لم تحزن لذهابه ، وفرحت بما استقبلته منه ، وإن كنت قد فرطت فيه فحسرتك شديدة لذهابه ، وفرحت بما استقبلته منه ، وإن كنت قد فرطت فيه فحسرتك شديدة لذهابه ، وتفريطك فيه وأنت في يومك الذي أصبحت فيه من غد في غرة ، ولا تدري لعلك لا تبلغه ، وأن بلغته لعل حظك فيه في

ــــــــــــــــ

(١) الخصال ص ١٩١ .

(٢) محذوقة في متن الرواية .

(٣) الخصال ص ١٥٦ .

١٧٤

التفريط مثل حظك في الأمس الماضي عنك ، فيوم من الثلاثة قد مضى أنت فيه مفرط .

ويوم تنتظره لست منه على يقين من ترك التفريط ، وإنما هو يومك الذي أصبحت فيه ، وقد ينبغي لك إن عقلت وفكرت في ما فرطت في الأمس الماضي مما فاتك فيه من حسنات ألا تكون اكتسبتها ، ومن سيئات ألا تكون ابتعدت عنها .

وأنت مع هذا مع استقبال غدٍ على غير ثقة من أن تبلغه وعلى غير يقين من اكتساب حسنة أو مرتدع عن سيئة محبطة ، فأنت في يومك الذي تستقبل على مثل يومك الذي استدبرت فاعمل عمل رجل ليس يأمل من الأيام إلا يومه الذي أصبح فيه وليلته ، فاعمل أو دع ، والله المعين على ذلك )(١)

٤ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( اللهم منّ عليّ بالتوكل عليك ، والتفويض إليك ، والرضا بقدرك ، والتسليم لأمرك ، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ، ولا تأخير ما عجلّت يا رب العالمين ) (

٥ ـ قال أمير المؤمنين في قصة تروى : ( من اعتدل يوماه فهو مغبون ، ومن كثرت همومّه في الدنيا كثرت حسرته عند فراقها ، ومن كان غده شراً من يومه فمحروم ، ومن لم يبال بما يرى في آخرته إذا

ــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي ج ٢ ص ٤٥٣ .

(٢) أصول الكافي ج ٢ ص ٤٥٣ .

١٧٥

سلمت له دنياه فهو هالك ، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ، ومن كان في نقص فالموت خير له إن الدنيا حقيرة ولها أهل ، وإن الآخرة لها أهل ، طلقت أنفسهم عن مناصرة أهل الدنيا ، لا يتنافسون في الدنيا ، ولا يفرحون بغضارتها ، ولا يحزنون لبؤسها من خاف البيات قلّ نومه ، وما أسرع الليالي والأيام في عمر العبد ، فأخزن كلامك ، وعدّ أيامك ، ولا تقل إلا بخير ، إرض للناس ما ترضى لنفسك ، وأت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك )(١) .

٦ ـ سأل زيد بن صوحان الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

أيّ سلطان أغلب وأقوى ؟ فأجاب الإمامعليه‌السلام : ( الهوى ( .

أي ذلّ أذلّ ؟ فأجابعليه‌السلام : ( الحرص على الدنيا ( .

أي فقر أشد ؟ فأجابعليه‌السلام : ( الكفر بعد الإيمان ( .

أي دعوة أضلّ ؟ فأجابعليه‌السلام : ( الداعي بما لا يكون ( .

أي عمل أفضل ؟ فأجابعليه‌السلام : ( التقوى ( .

أي عمل أنجح ؟ فأجابعليه‌السلام : ( طلب ما عند الله ( .

أي صاحب أشر ؟ فأجابعليه‌السلام : ( المزين لك معصية الله ( .

أي الخلق أشقى ؟ فأجابعليه‌السلام : ( من باع دينه بدنيا غيره ( .

أي الخلق أقوى ؟ فأجابعليه‌السلام : ( الحكيم ( .

ــــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي ص ٢٧٧ .

١٧٦

أي الخلق أشح ؟ فأجابعليه‌السلام : ( من أخذ من غير حلّه ، فجعله في غير حقه ( .

أي الناس أكيس ؟ فأجابعليه‌السلام : ( من أبصر رشده من غيّه ( .

من أحلم الناس ؟ فأجابعليه‌السلام : ( الذي لا يغضب ( .

أي الناس أثبت رأياً ؟ فأجابعليه‌السلام : ( من لم يغيره الناس من نفسه ، ولم تغيره الدنيا بشقوتها ( .

أي الناس أحمق ؟ فأجابعليه‌السلام : ( المغتر بالدنيا ، وهو يرى ما فيها من تقلب أحوالها ( .

أي الناس أشد حسرة ؟ فأجابعليه‌السلام : ( الذي حرم الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين ( .

أي الخلق أعمى ؟ فأجابعليه‌السلام : ( الذي عمل لغير الله تعالى ، ويطلب بعمله الثواب من عند الله ( .

أي القنوع أفضل ؟ فأجابعليه‌السلام : ( القانع بما أعطاه ( .

أي المصائب أشد ؟ فأجابعليه‌السلام : ( المصيبة بالدين ( .

أي الأعمال أحب إلى الله ؟ فأجابعليه‌السلام : ( انتظار الفرج ( .

أي الناس خير عند الله ؟ فأجابعليه‌السلام : ( أخوفهم له ، واعملهم بالتقوى ، وأزهدهم في الدنيا ( .

أي الكلام أفضل عند الله ؟ فأجابعليه‌السلام : ( كثرة ذكره ، والتضرع [ له ] ، ودعاؤه ( .

١٧٧

أي القول أصدق ؟ فأجابعليه‌السلام : ( شهادة أن لا إله إلا الله ( .

أي الأعمال أعظم عند الله ؟ فأجابعليه‌السلام : ( التسليم والورع ( .

أي الناس أكرم ؟ فأجابعليه‌السلام : ( من صدق في المواطن )(١)

٧ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إن الله عزّ وجلّ خلق خلقاً ، وضيّق الدنيا عليهم نظراً لهم ، فزهدهم فيها وفي حطامها ، فرغبوا في دار السلام الذي دعاهم أليه ، وصبروا على ضيق المعيشة ، وصبروا على المكروه ، واشتاقوا إلى ما عند الله من الكرامة وبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله ، وكان خاتمة أعمالهم الشهادة ولقوا الله وهو عنهم راض ، وعلموا أن الموت سبيل لمن مضى وبقي ، فتزودوا لآخرتهم غير الذهب والفضة ، ولبسوا الخشن ، وصبروا على أدنى القوت ، وقدموا الفضل ، وأحبوا في الله ، وابغضوا في الله عزّ وجلّ ، أولئك المصابيح وأهل النعيم في الآخرة )(٢)

٨ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( أيها الناس أتدرون من يتبع الرجل بعد موته ؟ ) فسكتوا فقالعليه‌السلام : ( يتبعه الولد يتركه فيدعو له بعد موته ويستغفر له وتتبعه الصدقة يوقفها في حياته فيتبعه أجرها بعد موته وتتبعه السنّة الصالحة يعمل بها بعدة فيتبعه أجرها ، وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ( .

ــــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي ص ٢٧٧ .

(٢) المصدر السابق .

١٧٨

٩ ـ وهذه خطبة رواها الإمام زين العابدينعليه‌السلام وهي من خطب الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام

( إن الحمد لله ، أحمده وأستعينه وأستهديه ، وأعوذ بالله من الضلالة ، من يهد الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، انتجبه لأمره ، واختصه بالنبوة ، أكرم خلقه ، وأحبهم إليه ، فبلّغ رسالة ربه ، ونصح لأمته ، وأدى الذي عليه .

أوصيكم بتقوى الله ، فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله ، وأقربه لرضوان الله ، وخيره في عواقب الأمور عند الله ، وبتقوى الله أمرتم ، وللاحسان والطاعة خلقتم فاحذروا من الله ما حذّركم من نفسه ، فإنه حذّر بأساً شديداً .

واخشوا الله خشية ليست بتعذير ، واعملوا في غير رياء ولا سمعة ، فإن من عمل لغير الله ، وكله الله إلى ما عمل له ومن عمل لله مخلصاً تولى الله أجره واشفقوا من عذاب الله فإنه لم يخلقكم عبثاً ، ولم يترك شيئاً من أمركم سدى ، قد سمى آثاركم ، وعلم أعمالكم ، وكتب آجالكم فلا تغروا بالدنيا فإنها غرارة بأهلها ، مغرورون من اغتروا بها ، وإلى فناء ما هي وإن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا

١٧٩

يعلمون ، اسأل الله منازل الشهداء ، ومرافقة الأنبياء ، ومعيشة السعداء ، فإنما نحن له وبه )(١)

١٠ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( النوم على أربعة أوجه : الأنبياء تنام على أقفيتها مستلقية ، وأعينها لا تنام ، متوقعة وحي الله تعالى والمؤمن ينام على يمينه مستقبل القبلة والملوك وأبناؤها تنام على شمائلها ليستمرؤا ما يأكلون وإبليس وإخوانه وكل مجنون وذو عاهة ينام على وجهه منبطحاً )(٢)

أقول : نقل المحدث النوري أحاديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليه‌السلام تذكر النوم مستقبل القبلة كهيئة الميت عند وضعه في القبر ، واضعاً يده اليمنى تحت خده الأيمن(٣)

ج ـ فقه العبادات :

والناس زمن الإمام زين العابدينعليه‌السلام كانت بحاجة إلى معرفة أحكام عباداتها وعقائدها ، بسبب كثرة الإدعاءات ونسبة الأحاديث المزورة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتصدى الإمام السجادعليه‌السلام لشرحها وتفصيلها ولو أخذنا حديث الصوم الذي قالهعليه‌السلام لجماعة

ــــــــــــــــ

(١) وقعة صفين ص ١٣ .

(٢) الخصال للصدوق ج ١ ص ١٢٥ .

(٣) دار السلام للنوري ج ٢ ص ٣٣ .

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الأوّل ـ: ما هو معنى ولاية الفقيه وما هي حقيقتها ؟

الثاني ـ: كيف يمارس الفقيه ولايته هذه، إلى جانب المؤسّسات الدستوريّة والتشكيلات الحكوميّة العليا التي مرّ ذكرها، وبشكل يتمشّى مع بقيّة المعايير الإسلاميّة في نظام الحكم الإسلاميّ الذي يعطي للاُمّة الحريّة في إدارة نفسها ضمن الضوابط الإلهيّة الشرعيّة.

وإليك فيما يلي الإجابة على هذين السؤالين.

ولاية الفقيه ليست استصغاراً للاُمّة ولا استبداداً

لقد كثر النقاش أخيراً حول ولاية الفقيه، فمن متوهّم أنّ نتيجة القول بولاية الفقيه هي اعتبار الاُمّة قاصرةً وعاجزةً عن إدارة أمرها، فلابدّ لها من وليّ يتولّى اُمورها.

ومن متصوّر بأنّ نتيجتها هي استبداد الفرد بالإدارة والحكم، ورفض الرأي العامّ، وهو أمر يتنافى مع ما قرّرناه ـ حسب المعايير الإسلاميّة ـ من اختيار الاُمّة الإسلاميّة في تشكيل الحكومة، نوّاباً ووزراء ورؤساء، وذلك في نطاق الضوابط الإلهيّة الشرعيّة.

ولكنّ هذه التوهّمات ناشئة عن عدم وضوح ( ولاية الفقيه ) وضوحاً لا يبقي شبهةً، ولا يترك غموضاً، فليس إقرار ولاية الفقيه بمعنى جعل الاُمّة الإسلاميّة الرشيدة بمنزلة القصّر، كما ليس نتيجتها استبداد الفقيه بالإدارة والسلطة والعمل أو الترك كيفما شاء دون مشورة أو رعاية للمصالح والمعايير الإسلاميّة.

إنّ للمجتهد الفقيه العارف بأحكام الإسلام القادر على استنباط قوانينه ثلاثة مناصب وهي التي يعبّر عنها جميعاً بولاية الفقيه وهي :

الأوّل: منصب الإفتاء: فإنّ الأحكام الشرعيّة بأبوابها الأربعة، من عبادات ومعاملات وإيقاعات، وسياسات، لـمّا كانت أمراً نظرياً يحتاج إلى التعلّم والتعليم ولا يمكن لكلّ أحد من الناس معرفتها عن مصادرها العلميّة المتقنة ـ فإنّ ذلك يعوق الإنسان عن مهامّ اُموره الدنيويّة والمعيشيّة ـ عمد الإسلام إلى إرجاع ( نظام الإفتاء ) إلى

٢٢١

فقيه، عالم بشرائع دينه، وهذا هو الذي يطلق عليه في اصطلاح المتشرّعة ب‍ ( المفتي ) ليكون مرجعاً لأخذ الأحكام.

الثاني: القضاء: فإنّ من مقتضى القوى والغرائز النفسانيّة والطبيعيّة التوجّه إلى المنافع، والتباعد عن المضارّ، وهو بدوره يوجب نزاعاً على المنافع الذي قد ينجرّ إلى الحروب، فلدفع هذه المفسدة ترك أمر القضاء إلى الفقيه الجامع للشرائط.

الثالث: الحكومة: فإنّ من أهم مايحتاج إليه البشر في حفظ نواميسه، ونفوسه واجتماع أمره ؛ وجود قائد بينهم يجب على الجميع إطاعة قوله واتباع فعله، وهو الذي يعبر عنه في لسان الشرع والمتشرّعة بالحاكم والسائس(١) .

وعلى هذه الاُمور الثلاثة تدور رحى حياة المجتمع الإسلاميّ.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ للولاية مرتبةً عليا مختصّةً بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصيائه الطاهرين وغير قابلة للتفويض إلى أحد، وهي بين تكوينيّة يعبّر عنها بالولاية التكوينيّة التي بها يتصرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الكون إذا اقتضت المصلحة ذلك كما إذا كان في مقام الإعجاز، وفي ذلك يقول الإمام الخمينيّ: ( إنّ للنبيّ والإمام مقاماً محموداً ودرجةً ساميةً وخلافةً تكوينيّةً تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرّات هذا الكون )(٢) .

وبين التشريعيّة التي يشير إليها قوله سبحانه:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) ( الأحزاب: ٦ ) وهي مختصّة بالنبيّ وأوصيائه المعصومين، فهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم(٣) .

وأمّا غير المختصّ بهم، فإنّما هو مقام الافتاء والقضاء، والولاية، التي أظهر مصاديقها نظم البلاد والجهاد والدفاع وسدّ الثغور وإجراء الحدود، وأخذ الزكاة وإقامة

__________________

(١) اقتباس من دروس الإمام الخمينيّ في علم الاُصول ألقاها في مدينة قم المقدّسة عام ( ١٣٧٠ ه‍ ) وقد قرّرها الاُستاذ السبحاني ونشرها في كتاب تهذيب الاُصول ٣: ١٣٦.

(٢) الحكومة الإسلاميّة: ٥٢.

(٣) لاحظ منية الطالب تقريراً لبحث المحقّق النائينيّ: ٣٢٥.

٢٢٢

الجمعة وغيرها.

فالأوّلان من هذه المناصب ( الثلاثة ) ثابتان للفقيه ـ باتفاق الكلمة ـ كما سيوافيك بيانه عند بيان السلطات الثلاث.

وأمّا الولاية والحكومة بالمعنى الماضي، فلا وجه للشك في ثبوتها للفقيه حسب الأدلّة الواردة ولكنّ المراد منها يتلخّص في أمرين :

الأوّل: إذا نهض الفقيه بتشكيل الحكومة وجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوه(١) .

إذ كل ما يشترط من المواصفات في الحاكم التي يأتي بيانها، موجود في الفقيه العادل.

وأمّا الثاني: إذا نهض الناس بتشكيل الحكومة تحت الضوابط الإسلاميّة فللفقيه العادل حينئذ أن يراقب سلوك الحكومة وتصرّفاتها، فيصحّح مسيرتها إذا انحرفت ويعدّل سلوكها إذا شذّ وعندئذ تكون ولاية الفقيه ضمانةً لاستقامة الدولة ومانعاً عن عدولها عن جادّة الحقّ وسنن الدين، فهو متخصّص عارف بالأحكام والحدود، وبما أنّه ورع يتّقي الله ويخشاه أكثر من سواه كما يقول الله سبحانه:( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) ( فاطر: ٢٨ ) وقد عاش بين أفراد المجتمع فعرف بالصلاح والورع والأمانة، فولايته تحجز الحكومة عن الخروج عن المعايير الإسلاميّة وارتكاب ما يخالف مصالح الإسلام والمسلمين دون أن ينحرف هو عن صراط الحقّ المستقيم.

كيف يمارسُ الفقيه ولايته

أمّا كيف يمارس الفقيه ولايته ـ وهو الشقّ الثاني ـ إلى جانب ما أقرّه الإسلام من أختيار للاُمّة في انتخاب حكّامها، وما أعطاه من الحرية لهم في نطاق المعايير الإسلاميّة ،

__________________

(١) الحكومة الإسلاميّة للإمام الخمينيّ: ٤٩، بل يجب على الفقيه تشكيل الدولة الإسلاميّة إذا لم يكن هناك دولة إسلاميّة.

٢٢٣

فهو يتضح بما يلي :

إنّ الفقيه بحكم مسؤوليته اتّجاه الإسلام والمسلمين يتحرّى في جميع الظروف مصالح الاُمّة، فإذا كانت الحكومة التي إقامتها الاُمّة الإسلاميّة موافقةً للمعايير الإسلاميّة، ومطابقةً للمصلحة الاجتماعيّة العليا وجب عليه إمضاؤها، وإقرارها، وليس له أن يردّها، ولأجل ذلك لا يترتب على ( ولاية الفقيه ) إلّا استقرار الحكومة الإسلاميّة الصالحة، ولا يتغيّر بولايته أي شيء من الأركان والمؤسسات الحكوميّة المذكورة سلفاً، ولا تتعارض مع ما ذكرناه وأثبتناه من حريّة الاُمّة واختيارها.

ذلك هو مجمل حقيقة ولاية الفقيه، وهذه هي كيفيّة ممارستها إلى جانب التشكيلات الاُخرى في النظام الإسلاميّ.

وهي كما ترى خير ضمان جوهراً وممارسةً لاستقامة الحكومة في المجتمع الإسلاميّ، وإبقائها على الخط المستقيم دون أن يستلزم فرض هذه الولاية اعتبار الاُمّة قصراً، أو يلازم استبداداً كما يشاء البعض وصفها بذلك، أو يتوهّمونه خطأً وغفلةً عن حقيقة الحال لهذا العنصر العظيم في الفقه الإماميّ على صعيد الحكم.

* * *

كلمة أخيرة :

لقد تبيّن من هذا البحث الواسع حول لون الحكومة الإسلاميّة، أنّ الحكومة عند حضور الإمام المنصوص عليه من جانب الله حكومة إلهيّة محضة، وأمّا عند عدم إمكان التوصّل إليه فهي مزيج من ( الحاكميّة الإلهيّة والسيادة الشعبيّة ).

فهي إلهيّة: من جهة أنّ التشريع لله سبحانه بالأصالة، وأنّ على الاُمّة الإسلاميّة أن تراعي جميع الشرائط والضوابط الإسلاميّة في مجال الانتخاب، وأنّ على الحاكم الإسلاميّ أن يلتزم بتنفيذ الشريعة الإسلاميّة حرفاً بحرف، فلأجل هذه الجهات تعدُّ إلهيّة، أو حكومة قانون الله على الناس.

وهي شعبيّة: من جهة أنّ انتخاب الحاكم الأعلى وسائر الأجهزة الحكومية العليا

٢٢٤

موكول إلى الناس ومشروط برضاهم.

ثمّ إنّ هناك نظريتين في كيفيّة تشكيل الحكومة الإسلاميّة جنح إليها كثير من أهل السنّة وهما :

١. الشورى أساس الحكم.

٢. البيعة أساس الحكم.

ولتحقيق الحال نبحث عن كلتا النظريتين في البحث القادم.

٢٢٥

هل الشورى أساس الحكم الإسلاميّ ؟

إنّ الظاهر من بعض من كتب حول الحكومة الإسلاميّة أنّ أساس الحكم في الإسلام هو الشورى، وقد ذهبوا إلى ذلك لأجل أمرين :

الأوّل: أنّهم جعلوه مكان الاستفتاء الشعبيّ، لأنّه لم يكن من الممكن ـ في صدر الإسلام ـ بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مراجعة كلّ الأفكار واستعلام جميع الآراء في الوطن الإسلاميّ لقلّة وسائل المواصلات، وفقدان سبل الاتصال المتعارفة اليوم.

الثاني: أنّهم أرادوا بذلك تصحيح الخلافة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ بعض الخلفاء توصّل إلى ذلك بالشورى، ثمّ عدّ هذا الاُسلوب إحدى الطرق لتعيين الحاكم.

وربّما يؤيّد الأوّل قول الإمام عليّعليه‌السلام : « ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى تحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك من سبيل، ولكنّ أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثمّ ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار »(١) .

وهو إشارة إلى أنّ عدم إمكان أخذ البيعة بالصورة الواسعة يجوّز أخذها بصورة محدودة.

ولعلّ إلى ذلك نظر الشيخ عبد الكريم الخطيب إذ قال: ( إنّ الذين بايعوا أوّل

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (١٦٨) عبده.

٢٢٦

خليفة للمسلمين لم يتجاوز أهل المدينة، وربّما كان بعض أهل مكّة، وأمّا المسلمون ـ جميعاً ـ في الجزيرة العربية فلم يشاركوا في هذه البيعة، ولم يشهدوها ولم يروا رأيهم، وإنّما ورد عليهم الخبر بموت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الخبر باستخلاف أبي بكر )(١) .

ويؤيّد الثاني ( أي اعتبار الشورى أساساً للحكم تصحيحاً للحكومات التي قامت بعد وفاة النبي ) أنّهم ذكروا ـ فيما تنعقد به الإمامة والخلافة نفس الأعداد التي تنطبق عليها خلافة أحد الخلفاء، فلم يكن اعتبار هذه الأعداد والوجوه إلّا للاعتقاد المسبّق بصحّة خلافة اُولئك الخلفاء.

ولأجل ذلك يقول الماورديّ: الإمامة تنعقد من وجهين :

أحدهما: باختيار أهل العقد والحلّ.

والثاني: بعهد الإمام من قبل.

فأمّا انعقاها باختيار أهل العقد والحلّ، فقد اختلف الفقهاء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم، على مذاهب شتّى، فقالت طائفة لا تنعقد الإمامة إلّا بجمهور أهل العقد والحلّ من كلّ بلد ليكون الرضا به عامّاً، والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة، باختيار من حضرها ولم ينتظر لبيعته قدوم غائب عنها.

وقالت طائفة أخرى: أقلُّ ما تنعقد به منهم الإمامة ( خمسة ) يجتمعون على عقدها، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استدلالاً بأمرين :

أحدهما: أنّ بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثمّ تابعهم الناس فيها وهم: ( عمر بن الخطاب ) و ( أبو عبيدة الجراح ) و ( أسيد بن حضير ) و ( بشر بن سعد ) و ( سالم مولى أبي حذيفة ).

الثاني: أنّ عمر (رض) جعل الشورى في ستّة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلّمين من أهل البصرة.

__________________

(١) الإمامة والخلافة: ٢٤١.

٢٢٧

وقال آخرون: من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولاّها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكماً، وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بوليّ وشاهدين.

وقالت طائفة اُخرى: تنعقد بواحد لأنّ العبّاس قال لعليّ (رض): أمدد يدك اُبايعك فيقول الناس عمّ رسول الله بايع ابن عمّه، فلا يختلف عليك اثنان، ولأنّه حكم وحكم الواحد نافذ )(١) .

وقال القاضي العضديّ ـ في المقصد الثالث فيما تثبت به الإمامة ـ من كتابه: ( إنّها تثبت بالنص من الرسول ومن الإمام السابق بالإجماع، وتثبت ببيعة أهل العقد والحلّ )(٢) .

ومن المعلوم، أنّ الاختلاف الواقع في عدد من تنعقد به الشورى يفيد ـ بوضوح ـ أنّه لم يكن هناك أي نصّ من الشارع المقدّس على أنّ الإمامة تنعقد بالشورى، ولذلك اختلفوا فيها على مذاهب وغاب عنهم وجه الصواب.

ثمّ إنّ من مظاهر الاختلاف الواقع في مسألة الشورى أنّ القائلين بها انقسموا ـ في أثرها ـ على قسمين :

الأوّل: وهم الأكثريّة، ذهبوا إلى أنّ انتخاب أهل الشورى كان ملزماً للاُمّة، فوجب عليها أن تسلِّم لمن اختاروه بهذا الطريق.

الثاني: أنّ انتخاب أهل الشورى لأحد ليس أزيد من ( ترشيح ) له، وكان للاُمّة هي أن تختاره، أو لا تختاره فكان الملاك هو رأي الاُمّة(٣) .

غير أنّ هذا الرأي لا يتفق مع خلافة الخلفاء الذين تسنّموا عرش الخلافة بالشورى، فقد كان انتخابهم ملزماً يومذاك على رأيهم، ولم يكن من باقي الاُمّة إلّا الاتباع والتسليم.

__________________

(١) الأحكام السلطانيّة للماورديّ: ٤.

(٢) شرح المواقف ٣: ٢٦٥.

(٣) راجع الشخصيّة الدوليّة لمحمّد كامل ياقوت: ٤٦٣.

٢٢٨

ما هي أدلّة الأخذ بالشورى ؟

إنّ البحث عن كون الشورى وسيلةً لتعيين الإمام يقع في ظرفين :

الأوّل: بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني: في زماننا الحاضر، حيث لا يمكن الوصول إلى الإمام المنصوب من جانب الله سبحانه، بالاسم.

وبما أنّ القائلين بمبدأ الشورى يصرّون على أنّها كانت أساساً للخلافة والحكم بعد الرسول أيضاً، فإننا سنبحث الموضوع في كلا الموقعين معاً :

حكم الشورى بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

لقد استدل القائلون بالشورى بآيتين هما :

الاُولى: قوله سبحانه:( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ( العمران: ١٥٩ ).

فإنّ الله سبحانه يأمر نبيّه بأن يشاور من حوله، وذلك تعليماً للاُمّة بأن تتشاور في مهامّ الاُمور، ومنها ( الخلافة ).

غير أنّ التأمّل والنظر في مفاد الآية، يكشف عن أنّ الخطاب فيها موجّه إلى الحاكم الذي استقرّت حكومته، وتمّت بوجه من الوجوه، فإنّ الله سبحانه يأمره بأن يشاور أفراد الاُمّة ويستضيء بأفكارهم، وينتفع بمشاورتهم توصّلاً إلى أحسن النتائج كما يقول الإمام عليّعليه‌السلام : « من استبدّ برأيه هلك ومن شاور الرجال في اُمورها شاركها في عقولها »(١) . فلا ارتباط للآية ومفادها بما نحن فيه.

وبعبارة اُخرى: إنّ الخطاب وإن كان يمكن التعدي عنه إلى سائر أفراد الاُمّة

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الحكم الرقم (١٦١).

٢٢٩

قائلاً بعدم خصوصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الخطاب لكنّه لا يمكن التعدّي عن ذلك المنطوق إلّا إلى مقدار يشابه منطوق الآية لا أكثر، فأقصى ما تفيده الآية، هو أن لا يكون الحاكم الإسلاميّ، وصاحب السلطة التي تمت سلطته، مستبدّاً في أعماله بل ينبغي أن يتشاور مع أصحابه وأعوانه في مهامّ الاُمور وجسامها، وأمّا أن يصحّ تعيين الإمام والخليفة عن طريق الشورى استدلالاً بهذه الآية، فلا يمكن الانتقال ممّا ذكرناه إلى هذا المورد.

هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر من الآية هو أنّ ( الشورى ) لا توجب حكماً للحاكم ولا تلزمه بشيء، بل هو يقلّب وجوه الرأي، ويستعرض الأفكار المختلفة ثمّ يأخذ بما هو المفيد في نظره، وهذا يتحقق في ظرف يكون هناك ( رئيس ) تام الاختيار في استحصال الأفكار، والعمل بالنافع منها، كما أنّ استحصال الأفكار هذا لا يتمّ إلّا أن يكون للمستشير مقاماً وسلطةً وولايةً مفروضة، ويكون رئيساً مستقرّ الحاكميّة، وأمّا إذالم يكن ثمة رئيس فلا يمكن أن يتم هذا الأمر، الذي ندب إليه القرآن وحثّ عليه، إذ ليس عندئذ هناك رئيس يندب الأفراد ويستعرض أراءهم ثمّ يتأمّل فيها ويأخذ بالنافع منها.

* * *

الثانية: قوله تعالى:( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) ( الشورى: ٣٨ )، فإنّ إضافة المصدر ( أمر ) إلى الضمير ( هم ) يفيد العموم والشمول لكلّ أمر بما فيه الخلافة والإمامة، فالمؤمنون ـ بحسب هذه الآية ـ يتشاورون في جميع اُمورهم حتّى الخلافة.

ولكن ينبغي البحث في الموضوع الذي تأمر الآية بالمشورة فيه وأنّه ما هو ؟ فنقول: إنّ الآية تأمر بالمشورة في الاُمور المضافة إلى المؤمنين، فلابدّ أن يحرز أنّ هذا الأمر ( أي تعيين الإمام ) أمر مربوط بهم، ومضاف إليهم، فما لم يحرز ذلك لم يجز التمسّك بعموم الآية في مورده.

وبعبارة أخرى: إنّ الآية حثّت على الشورى في اُمورهم وشؤونهم لا فيما هو خارج عن حوزة اُمورهم وشؤونهم، ولما كان تعيين ( الإمام والخليفة ) من جانبهم مشكوكاً في

٢٣٠

كونه من اُمورهم، إذ لا يدرى هل من شؤونهم وصلاحياتهم، أم من شؤون الله سبحانه فعندئذ لا يجوز التمسّك بالآية في المورد.

وبعبارة ثالثة: هل أنّ الإمامة إمرة وولاية إلهيّة لتحتاج إلى نصب وتعيين إلهيّ، أو هي إمرة وولاية شعبيّة ليجوز للناس أن يعيّنوا بالشورى من أرادوا للإمامة والخلافة ؟

ومع الترديد والشكّ، لا يمكن الأخذ بإطلاق الآية المذكورة وتعميم ( أمرهم ) لأمر الإمامة، لأنّه من باب التمسك بالحكم عند الشكّ في الموضوع، وهذا نظير ما إذا قال أحد: ( أكرم العلماء ) فشككنا في رجل هل هو عالم أو لا، فلا يجوز التمسّك بالعامّ في هذا المورد المشكوك والقول بلزوم إكرام الرجل.

التمسّك بكلام عليّ عليه‌السلام في الشورى

ثمّ إنّ القائلين بمبدأ الشورى يتمسّكون بأحاديث في هذا المقام، وربّما تمسّكوا بقول الإمام عليّعليه‌السلام إذ قال: « إنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضىً »(١) .

ثمّ إنّ الشارح الحديديّ، كان أوّل من احتج بهذه الخطبة على أنّ نظام الحكومة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو نظام الشورى وتبعه بعض من تبعه، من دون رجوع إلى القرائن الحافّة بها والحال أنّ الاستدلال بالشورى استدلال جدليّ من باب:( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( النحل: ١٢٥ ).

وقد نقل نصر بن مزاحم المنقريّ المتوفّى عام (٢١٢ ه‍ ) أي ١٤٧ عاماً قبل ميلاد ( الشريف الرضيّ جامع نهج البلاغة ) في كتابه القيّم ( وقعة صفّين ) العبارات

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الكتب الرقم (٦).

٢٣١

الكثيرة التي حذفها الرضيرحمه‌الله من الرسالة كما هو دأبه في أكثر الخطب والكتب(١) .

فإنّ الإمام عليّعليه‌السلام بدأ رسالته بقوله: « أمّا بعد فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، لأنّه بايعني ».

ثمّ ختمها بقوله: « وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقضا بيعتي وكان نقضهما كردِّهما فجاهدتهما على ذلك حتّى جاء الحقُّ وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون ».

ثمّ قال: « وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثمّ حاكم القوم إليّ أحملك وإياهم على كتاب الله(٢) ، وأمّا تلك الّتي تريدها فخدعة الصبيّ عن اللبن ».

هذا وقد طلب معاوية قبل أن يكتب إليه الإمام هذا الكتاب بأن يسلِّم إليه قتلة عثمان حتّى يقتصّ منهم ثمّ يبايع الإمام عليّاًعليه‌السلام هو ومن معه، وهذا هو ما سمّاه الإمام بخدعة الصبي عن اللبن.

وهذه الجمل والعبارات التي تركها الرضيّ في نقل الكتاب تشهد بأنّ الإمام كتب هذه الرسالة من باب الجدل والاستدلال بما هو موضع قبول الخصم.

ثمّ إنّ ملاحظة قول: « إنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان » تدلّ أيضاً على أنّ الإمام كان في مقام المجادلة وإفحام الخصم بما هو مسلّم عنده. فالابتداء بتماميّة الخلافة للشيخين بمبايعة المهاجرين والأنصار لهما لأجل إسكات معاوية الذي يعتبر هذه البيعة هي الملاك في خلافة الخليفة. ولولا هذا لما كان لذكر خلافة الشيخين عن طريق البيعة والشورى وجه. ولأجل ذلك نجد الإمامعليه‌السلام يردف هذه

__________________

(١) ولد الرضي عام ( ٣٥٩ ه‍ ) وتوفّي ( ٤٠٦ ه‍ ).

(٢) راجع ( وقعة صفّين ) لنصر بن مزاحم ( طبعة مصر ): ٢٩.

٢٣٢

العبارات بقوله: « فإن اجتمعوا على رجل » احتجاجاً بمعتقد معاوية.

فهذا الاُسلوب إنّما اتخذه الإمامعليه‌السلام عملاً بقوله سبحانه:( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .

وكيف لا، وللإمامعليه‌السلام كلمات ساخنة في تخطئة الشورى التي تمّت بها خلافة الخلفاء بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقف عليها كلّ من تصفّح نهج البلاغة، وسائر ما روي عنهعليه‌السلام في هذا المجال.

والذي يدلّ على ذلك وأنّ الشورى لم تكن أساساً للخلافة والحكومة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أصحاب الشورى في السقيفة ـ لا في غيرها ـ لم يتمسّكوا بها، ولا بالآيات والأحاديث الواردة حولها.

إشكالاتٌ أُخرى وملاحظاتٌ أساسيّة :

وهناك ملاحظات أساسيّة أخرى على جعل الشورى منشأً للحكم، وطريقاً لتعيين الحاكم نشير إلى بعضها :

١. لو كان أساس الحكم ومنشأه هو ( الشورى )، لوجب على الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بيان تفاصيلها وخصوصيّاتها وأسلوبها، أو خطوطها العريضة على الأقلّ.

فإنّ الإسلام إذا كان قد أرسى نظام الحكم على أساس ( الشورى )، وجعله طريقاً لتعيين الحاكم بحيث تكون هي مبدأ الولاية والحاكميّة، فإنّ من الطبيعيّ بل والضروريّ أن يقوم الإسلام بتوعية الاُمّة، وإيقافها ـ بصورة واسعة ـ على حدود الشورى وتفاصيلها وخطوطها العريضة حتّى لاتتحيّر الاُمّة وتختلف في أمرها، ولكنّنا رغم هذه الأهميّة القصوى لا نجد لهذه التوعية الضروريّة أي ( أثر ) في الكتاب والسنّة في مجال انتخاب الحاكم.

ولقد بادر بعض الكتاب إلى الإجابة عن هذا الإشكال بأنّ: الإسلام قد تكفّل

٢٣٣

إعطاء إشارة عابرة إلى مبدأ الشورى دون تحديد، موكلاً أمرها وشكلها إلى نظر الاُمّة، تمشّياً مع الصبغة العامّة التي تتّسم بها الشريعة الإسلاميّة، وهي صبغة الخلود، والمرونة، التي تمكِّن هذه الشريعة من مسايرة كلّ العصور. وبقائها نظاماً خالداً لجميع الأجيال.

وصفوة القول: أنّ خلود الإسلام يقتضي أن يكتفي هذا الدين ببيان جوهر الاُمور دون شكليّاتها، وكيفيّاتها.

وهذا المطلب صحيح ـ في حدّ ذاته ـ وإن كان انطباقه على هذا المورد لا يخلو عن إشكال، فإنّه وإن كان لا يجب على الشارع إعطاء كلّ التفاصيل والخصوصيّات الراجعة إلى الشورى، غير أنّ هناك اُموراً ترجع إلى ( جوهر ) الشورى وصميمها، فلا يصحّ للشارع المقدّس أن يترك بيانها إذ أنّ هناك أسئلةً تطرح نفسها في المقام، لا يمكن الوقوف على أجوبتها إلّا عن طريق الشارع وبيانه وهي :

أوّلاً: من هم الذين يجب أن يشتركوا في ( الشورى ) المذكورة ؟ هل هم العلماء وحدهم، أو السياسيّون وحدهم أو المختلط منهم ؟

ثانياً: من هم الذين يختارون أهل الشورى ؟

ثالثاً: لو اختلف أهل الشورى في شخص فبماذا يكون الترجيح، هل يكون بملاك الكمّ، أم بملاك الكيف ؟

إنّ جميع هذه الاُمور تتّصل بجوهر مسألة ( الشورى )، فكيف يجوز ترك بيانها، وتوضيحها ؟ وكيف سكت الإسلام عنها إن كان جعل ( الشورى ) طريقاً إلى تعيين الحاكم ؟

* * *

٢. إنّ القوم يعبّرون عن أعضاء الشورى بأهل العقد والحلّ، ولا يفسّرونه بما يرفع إجماله، وأنّ المقصود من هو ؟ ولذلك قال الشيخ عبد الكريم الخطيب :

٢٣٤

( وليس في القول بأنّ أفراد الاُمّة المسؤولون عنها هم أهل الحلّ والعقد فيها، ما يفسّر هذا الغموض أو يكشفه فمن هم أهل الحلّ والعقد، وحلّ ماذا ؟ وعقد ماذا ؟ أهم أصحاب الفقه والرأي الذين يرجع إليهم الناس فيما ينوّبونهم من اُمور ؟ وهل هناك درجة معينة من الفقه والعلم إذا بلغها الإنسان صار من أهل الحلّ والعقد ؟ ما هي تلك الدرجة ؟ وبأيّ ميزان توزن ؟ ومن إليه يرجع الأمر في تقديرها ؟

إنّ كلمة أهل العقد والحلّ لأغمض غموضاً من كلمة « الأفراد المسؤولون » )(١) .

ولأجل غموض نظريّة الشورى برمّتها وعدم ورود نصّ واضح وصريح حولها قال الدكتور طه حسين: ( ولو قد كان للمسلمين هذا النظام المكتوب ( ويعني نظام الشورى ) لعرف المسلمون في أيّام عثمان ما يأتون من ذلك، وما يدعون دون أن تكون بينهم فرقة أو اختلاف )(٢) .

ولذلك ـ أيضاً ـ يقول الشيخ عبد الكريم الخطيب، وهو يشير إلى أنّ قضيّة الشورى كانت مجرّد تجربة وليس قانوناً إسلاميّاً أخذ به، كما يشير إلى ما في هذه القضية من نواقص وعيوب وما تركته من أثار سيّئة على الفكر الإسلاميّ :

( ينظر بعضهم إليه على أنّه ( أي تعيين الإمام بالشورى ) نواة صالحة لأوّل تجربة وأنّ الأيّام كفيلة بأن تنمّيها، وتستكمل ما يبدو فيها من نقص، فلم تكن الأحوال التي تمّت فيها هذه التجربة تسمح بأكثر ممّا حدث، إذ لم يكن من المستطاع ـ حينذاك ـ الوقوف على رأي الاُمّة كلّها فرداً فرداً ؛ فيمن يخلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وينظر بعض آخر إلى هذا الاُسلوب بأنّه اُسلوب بدائيّ عالج أهمّ مشكلة في الحياة، وقد كان لهذا الاُسلوب أثره في تعطيل القوى المفكّرة للبحث عن اُسلوب آخر من أساليب الحكم التي جربتها الأمم )(٣) .

هذا كلّه حول ( الشورى )، وكونها صيغة الحكم ومنشأه عقيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة.

__________________

(١ و ٢) الخلافة والإمامة: ٢٧١.

(٣) الخلافة والإمامة: ٢٧٢.

٢٣٥

أمّا بالنسبة إلى عصرنا هذا ؛ حيث لا تتمكن الاُمّة من الوصول إلى الإمام المنصوب من جانب الله سبحانه بالاسم، فهناك فكرتان تدور حول محور الشورى :

الاُولى: أن تقتصر وظيفة الشورى على الترشيح، وإيقاف الاُمّة على الشخص المناسب والرجل الصالح لمقام الحكم والولاية، من دون أن يكون تصميم الشورى وانتخابها ملزماً للناس. وهذا أمر معقول، ومقبول شرعاً وعرفاً وهو الرأي الذي أشار إليه صاحب كتاب الشخصيّة الدولية ـ كما سبق ـ.

الثانية: أن يكون تصميم الشورى أمراً ملزماً للناس، وقراراً واجب الاتّباع، فعلى الناس أن يقبلوا بمن عيّنته الشورى ويرتضونه حتماً دون أن يكون لهم رأيهم في الأمر، وحريّتهم في الاختيار وهذا ممّا لا يدلّ عليه دليل من الكتاب ولا من السنّة، وقد ذكرنا أنّ شرط صحّة الحكم الإسلاميّ هو أن يكون موضع رضا الشعب والاُمّة.

٢٣٦

هل البيعة

وسيلة لتعيين الحاكم ؟

هل البيعة طريق إلى تعيين الحاكم الإسلاميّ ؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال، والحديث عن البيعة ـ بصورة واضحة ـ يقتضي بيان اُمور :

١. ماذا تعني البيعة ؟

البيعة ـ لغةً ـ مصدر باع ـ لأنّ المبايع يجعل حياته وأمواله ـ بالبيعة ـ تحت اختيار من يبايع. ويتعهّد المبايع ـ في المقابل ـ بأن يسعى في إصلاح حال المبايع، وتدبير شؤونه بصورة صحيحة وكأنّ المبايع والمبايع يقومان بعملية تجارية إذ يتعهّد كلّ واحد منهما اتّجاه الآخر بعمل شيء للآخر، أو أن المبايع يريد من وضع يده في يد المبايع أنّه يكون معه في جميع الوقائع الآتية.

وقد أشار إلى بعض ما ذكرناه ابن خلدون في تعريفه البيعة إذ قال :

( اعلم، أنّ البيعة هي العهد على الطاعة كأنّ المبايع يعاهد أميره على أن يسلّم له النظر في اُموره واُمور المسلمين ويطيعه فيما يكلّفه، وكانوا إذا بايعوا الأمير جعلوا أيديهم في يده تأكيداً فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري )(١) .

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون: ١٧٤.

٢٣٧

٢. البيعة قبل الإسلام :

كانت ( البيعة ) التي هي نوع من معاهدة الرئيس، من تقاليد العرب قبل الإسلام وسننهم، ولم يكن الإسلام هو أوّل من ابتكر ذلك، وحيث كانت المبايعة ممّا تنفع المجتمع وتخدم مصالحه، فقد أمضاها الدين الإسلاميّ وجعلها من العقود اللازمة، التي يجب العمل بها، ويحرّم نقضها.

لقد بايع أهل المدينة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة الحادية عشرة والثانية عشرة في العقبة بمنى، بايعوه مرّتين ففي الاُولى من البيعتين بايعوه على أن لا يشركوا بالله، ولا يسرقوا ولا يقترفوا فاحشةً و و(١) .

ولقد خطى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في البيعة الثانية خطوةً أكبر حيث أخذ البيعة من أهل المدينة على نصرته، والدفاع عنه كما يدافعون عن أولادهم وأهليهم(٢) .

لقد بايع أهل المدينة النبيّ ـ على عاداتهم قبل الإسلام ـ حيث كانوا يبايعون زعماءهم.

إنّ البيعة نوع من العهد والمعاهدة، والهدف من إمضائها في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن لتعيينه للحكم والرئاسة، بل كان لإعطائه الميثاق على الوفاء، والسير حسب أوامره، فالمسلمون الذين بايعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أوّل بيعة، إنّما بايعوه على أن لا يشركوا بالله، وأن يجتنبوا الفواحش، ولا يسرقوا، وفي البيعة الثانية عاهدوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أن ينصروه، ويدافعوا عنه كما قلنا، وفي كلتا الصورتين كانت زعامة النبيّ ورئاسته محقّقة من قبل، فهم كانوا بعد أن آمنوا بنبوّته، وقيادته اقتضى إيمانهم أن يسمعوا له ويطيعوا أمره ( فلا يشركوا ولا يزنوا ) ويحفظوه وينصروه، ولكنّهم أظهروا هذا السمع والطاعة وأكّدوهما عن طريق المبايعة معه(٣) .

__________________

(١ و ٢) سيرة ابن هشام ١: ٤٣١، ٤٣٨.

(٣) لاحظ للوقوف على تفصيل هاتين البيعتين، السيرة النبويّة لابن هشام وصحيح البخاري.

٢٣٨

إنّ الموارد التي بايع فيها المسلمون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جميعاً أو فرادى، لا تنحصر في هذين الموردين، بل هي أكثر من ذلك، وفي جميع تلك الموارد يبدو جليّاً أنّ المبايعين كانوا ـ بعد أن يؤمنوا بنبوّة النبيّ ويعترفوا بقيادته وزعامته ـ يصبّون ما يلازم ذلك الإيمان، من الالتزام بأوامر الرسول وإطاعته في قالب ( البيعة )، فكانت البيعة صورةً عمليّةً للالتزام النفسيّ بأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الإقرار بنبوّته والاعتراف المسبق بزعامته.

ولو أمعن القارئ الكريم في تفاصيل الموارد التي بايع فيها المسلمون كلهم أو بعضهم ( النبي ) لوجد، أنّ البيعة لم تعن الاعتراف بزعامة الرسول ورئاسته فضلاً عن نصبه وتعيينه، بل كانت لأجل التدليل على ذلك الاعتراف والتأكيد العمليّ على الالتزام بلوازم الإيمان المسبق بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولذلك نجد النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: « فإن آمنتم بي فبايعوني على أن تطيعوني، وتصلُّوا وتزكُّوا »(١) .

« وأن تدفعوا عنّي العدوّ حتّى الموت(٢) ، ولا تفروا من الحرب »(٣) .

وصفوة القول: أنّ من يلاحظ هذه المضامين، يمكن أن يحدس بأنّ الهدف من البيعة لم يكن هو الاعتراف بمنصب المبايع وانتخابه وتعيينه لمقام الحكومة والولاية، بل هو ميثاق بين شخصين وهي تندرج تحت قوله سبحانه:( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ( المائدة: ١ ).

وقوله سبحانه:( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً ) ( الإسراء: ٣٤ ).

فيجب العمل بمفادها ويحرم نقضها ونكثها.

يقول الإمام أمير المؤمنين في الحث على الوفاء بالبيعة: « وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم »(٤) .

ومن مراجعة خطب الإمام عليّعليه‌السلام وكلماته في نهج البلاغة، يتضح أنّ

__________________

(١) صحيح البخاري: كتاب الإيمان.

(٢) مسند أحمد ٤: ١٥.

(٣) مسند أحمد ٣: ٢٩٢.

(٤) نهج البلاغة: الخطبة (٣٤).

٢٣٩

نكث البيعة إنّما هو نقض للميثاق لا سواه، وأنّ نكث البيعة من الذنوب الكبيرة، لا أنّه عزل للحاكم، وإزاحته عن منصب الولاية.

ولو جعل البعض ( البيعة ) إحدى الطرق لتعيين الإمام، فليس إلّا لأحد سببين هما :

الأوّل: أنّ البيعة كانت تقليداً من تقاليد العرب قبل الإسلام، حيث كان رائجاً بينهم إذا مات منهم أمير أو رئيس عمدوا إلى (شخص ) فأقاموه مكان الراحل بالبيعة.

الثاني: أنّ تعيين بعض الخلفاء بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بهذا الطراز في الظاهر، وإن كان على غير ذلك في الباطن، فإنّ الظاهر هو أنّ خلافة أبي بكر تمّت في السقيفة، وانتهى كلّ شيء هناك، ثمّ أريد من بقية الناس ـ بعد السقيفة ـ أن يبايعوا أبا بكر، لتعميم نفوذه. فكانت بيعتهم للخليفة بمثابة التأييد والتسليم لما تمّ في السقيفة قبلاً، وكانت خلافة عثمان قد تمت وتحققت بالشورى فكانت البيعة بعد الشورى تنفيذاً لقرارها. وإمضاءً، لا اختياراً وانتخاباً شعبياً.

والحاصل، أنّه ليس هناك دليل تأريخيّ ولا شرعيّ يدلّ على كون مجرّد ( البيعة ) إحدى الطرق لتعيين الخليفة ونصبه، بغض النظر عن أيّة مواصفات أو ضوابط اُخرى.

ولأجل ذلك، إذا راجعنا موارد البيعة التي تمّت في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجدنا، أنّها لم يكن القصد من بيعة المبايعين هو ( تعيين الحاكم )، بل كان إمّا إعطاءً لميثاق الوفاء لما يأمر به النبيّ، أو كان إضهاراً للتأييد المجدد في الحوادث الجلل التي وقعت في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما حدث في الحديبيّة.

ولو غضضنا الطرف عن كلّ هذا لوجب أن نقول: إنّ البيعة هي إحدى الطرق لتعيين الحاكم والرئيس، وليس الطريق الوحيد. وفي هذه الصورة تكون ( البيعة ) متّحدةً ـ من حيث المفهوم ـ مع ما ذكرناه حول تأسيس الدولة، ومن ضرورة انبثاقها عن رضا الاُمّة وناشئةً عن إرادتها، غاية ما في الأمر أنّ البيعة [ التي تتحقّق بصفق اليد ] تشتمل مضافاً إلى رضا الاُمّة، على ما يقوّي مركز الإمام والقائد والحاكم، لما فيها من إبراز الولاء

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413