الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين0%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد زهير الأعرجي
الناشر: المؤلف
تصنيف: الصفحات: 413
المشاهدات: 242041
تحميل: 13335

توضيحات:

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242041 / تحميل: 13335
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من علماء ذلك الزمان ، لأدركنا حجم الشمول العلمي الذي كان يتمتع به بدقائق الشريعة ومقتضياتها فقد كان زين العابدينعليه‌السلام بحق مرجعاً يرجع إليه الفقهاء في شؤون الدين ، أصولاً وفروعاً إليك هذا النموذج :

تذاكر علماء ذلك الزمان حول موضوع الصوم ، وأجمعوا على ان الصوم الواجب هو صوم شهر رمضان فألمح الإمامعليه‌السلام بان هذا الجواب لا يكفي ، بل أن الأمر يحتاج إلى تفصيل ، فكان تفصيله على الوجه التالي : ( الصوم على أربعن وجهاً ، عشرة منها واجبة کوجوب شهر رمضان ، وعشرة منها صومهن حرام ، وأربعة عشر وجهاً صيامهن بالخيار إن شاء صام وإن شاء فطر ، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه ، وصوم التأدب ، وصوم الإباحة ، وصوم السفر والمرض .

أما الواجب : (١) فصيام شهر رمضان (٢) وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً (٣) وصيام شهرين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب قال الله تعالى : (...( وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلّمَةٌ إِلَى‏ أَهْلِهِ إِلّا أَن يَصّدّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلّمَةٌ إِلَى‏ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) ...)(١) . (٤) وصيام شهرين

ــــــــــــــــ

(١) سورة النساء : الآية ٩٢ .

١٨١

متتابعين في كفارة الظهار(١) لمن لم يجد العتق ، قال الله تعالى : (( وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِسَائِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَماسّا ) ...)(٢) . (٥) وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد له الإطعام ، قال الله تبارك وتعالى : (...( فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) ...)(٣) ، كل ذلك تتابع وليس بمفترق (٦) وصيام أذى الحلق ـ حلق الرأس ـ واجب ، قال الله تبارك وتعالى : (...( فَمَن كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ...)(٤) ، وصاحبها فيها بالخيار بين صوم ثلاثة أيام أو صدقة أو نسك (٧) وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي ، قال الله تبارك وتعالى : (...( فَمَن تَمَتّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) ...)(٥) . (٨) وصوم جزاء الصيد واجب ، قال الله تبارك وتعالى : (...( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمّدَاً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ

ــــــــــــــــ

(١) الظهار : أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي .

(٢) سورة المجادلة : الآية ٣ ـ ٤ .

(٣) سورة المائدة : الآية ٨٩ .

(٤) سورة البقرة : الآية ١٩٦ .

(٥) سورة البقرة : الآية ١٩٦ .

١٨٢

النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً ) ...)(١) ،  [ ويكون عدل ذلك صياماً ] تقوّم الصيد قيمة ثم تفضي تلك القيمة على البر ، ثم يكال ذلك البر اصواعاً ، فيصوم لكل نصف صاع يوماً (٩) وصوم النذر واجب (١٠) وصوم الاعتكاف واجب .

وأما الصوم الحرام : (١١) فصوم يوم الفطر (١٢) ويوم الأضحى (١٣ ـ ١٥) وثلاثة أيام من أيام التشريق(٢) (١٦) وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه أمرنا أن نصومه من شعبان ، ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس(٣) (١٧) وصوم الوصال حرام(٤) (١٨) وصوم الصمت حرام (١٩) وصوم النذر للمعصية حرام (٢٠) وصوم الدهر حرام .

وأما الصوم الذي صار صاحبه فيه بالخيار فصوم : (٢١) يوم الجمعة (٢٢) والخميس (٢٣) والاثنين (٢٤ ـ ٢٦) وصوم الأيام

ــــــــــــــــ

(١) سورة المائدة : الآية ٩٥ .

(٢) أيام التشريق هنا : هي الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر من ذي الحجة .

(٣) يحرم صيام يوم الشك إذا نوى المكلف أنه من شهر رمضان قال الإمام السجادعليه‌السلام : ( ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه ، وإن كان من شعبان لم يضر ) فروع الكافي ج ١ ص ١٨٥ .

(٤) صوم الوصال هو ان يصل الليل بالنهار صياماً .

١٨٣

البيض(١) (٢٧ ـ ٣٢) وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان (٣٣) ويوم عرفة (٣٤) ويوم عاشوراء(٢) كل ذلك صاحبه فيه بالخيار ، إن شاء صام وإن شاء أفطر .

وأما صوم الأذن : (٣٥) فإن المرأة لا تصوم تطوعاً إلا بأذن زوجها (٣٦) والعبد لا يصوم تطوعاً إلا بأذن سيده (٣٧) والضيف لا يصوم تطوعاً إلا بأذن مضيفه ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فمن نزل على قوم فلا يصوم تطوعاً إلا بإذنهم( .

(٣٨) وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا راهق تأديباً ، وليس بفرض وكذلك من أفطر لعلّة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك ، أمر بالإمساك بقية يومه تأديباً وليس بفرض وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالإمساك بقية يومه تأديباً

ــــــــــــــــ

(١) الأيام البيض : هي الثالث عشر ، الرابع عشر ، والخامس عشر وسميت لياليها بيضاً لأن القمر يطلع فيها من أولها إلى آخرها (مجمع البحرين ـ مادة : بيض) .

(٢) أختلف الفقهاء في هذه الفقرة ، هل تجري مجرى التقية أم لا ؟ قال مصنف (الحدائق) بحرمة صوم عاشوراء ، وقال المحقق الحلي في (الشرائع) باستحبابه، وأقرّ ذلك مصنف (جواهر الكلام) وعلى أية حال فان روايات الحرمة ضعيفة سنداً ولا يعتدّ بها وروايات الاستحباب كثيرة منها صحيحة القداح : (صيام يوم عاشوراء كفارة سنة) ولا إشكال في حرمة صوم عاشوراء بعنوان الفرح بمقتل الحسينعليه‌السلام فتجري مجرى روايات الإباحة والتخيير قال السيد الخوئي في (مستند العروة الوثقى ـ الصوم ج ٢ ص ٣٠٢) بكراهية صوم عاشوراء .

١٨٤

وليس بفرض (٣٩) وأما صوم الإباحة ، فمن أكل أو شرب أو تقيأ من غير تعمد أباح الله ذلك وأجزأ عنه صومه .

(٤٠) وأما صوم السفر والمرض فإن العامة اختلفت فيه فقال قوم : يصوم وقال قوم : لا يصوم وقال قوم : إن شاء صام ، وإن شاء فطر وأما نحن فنقول : يفطر في الحالين جميعاً فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك لأن الله عز وجل يقول : (...( وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى‏ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) ...)(١) .

د ـ في علم الكلام :

انتشرت في زمن الإمامعليه‌السلام عقائد وثنية غريبة عن الإسلام مثل تجسيم الخالق عزّ وجلّ وتشبيهه ، وعقيدة الجبر التي كانت تحيل كل ما يجري على الأمة من فساد وظلم وجور إلى الله تعالى وقضائه وإذنه ، وعقيدة الإرجاء التي كانت ترجئ أعمال الإنسان المسلم إلى الله حتى لو كفر علناً أو أذنب ذنباً يوجب خروجه عن الإسلام .

فتصدى الإمامعليه‌السلام لردّ تلك الأفكار الغريبة ، وقام بتوضيح الفكرة الدينية في توحيد الخالق عزّ وجلّ ، والقضاء والقدر ،

ــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ١٨٤ فروع الكافي ج ١ ص ١٨٥ والخصال ص ٥٠١ ـ ٥٠٤ .

١٨٥

والصفات فهوعليه‌السلام في الوقت الذي نفى التشريك في الإلوهية ونفى التشبيه ونفى التدخل في صانعية الوجود والكون ، أستعمل ألفاظاً تدلّ على غاية التذلل والخضوع لله تعالى فكلمات السجادعليه‌السلام بحق الخالق عزّ وجلّ تليق بذاته وصفاته الثبوتية الكمالية ؛ وكلماته في التوحيد تنزّه الخالق عن النقص والعجز والجهل والتركيب واحتياج المكان وغير ذلك من الصفات السلبية :

١ ـ عندما سُئِل : أبقدرٍ يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل ؟ قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : (إن القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد فالروح بغير جسد لا تحس ، والجسد بغير روح صورة لا حراك بها ، فإذا اجتمعا قويا وصلحا كذلك العمل والقدر ، فلو لم يكن القدر واقعاً على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق ، وكان القدر شيئاً لا يحس ، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتم ) .

٢ ـ وعندما رأى جماعة يختصمون في التوحيد ، قالعليه‌السلام لهم وهو يقربهم من معرفة الله تبارك وتعالى : (من كان ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، كان نعته لا يشبه نعت شيء فهو ذاك)(١) (إن الله يعرف بخلق سماواته وأرضه ، وهو في كل مكان) وهو (نورٌ لا ظلام فيه ، وحياة لا موت فيه ، وصمد لا مدخل فيه) .

ــــــــــــــــ

(١) التوحيد للصدوق ص ٣٦٧ .

١٨٦

وكان يفزع إلى قبر جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مناجياً ربه تبارك وتعالى : (إلهي بدت قدرتك ، والتقدير على غير ما به وصفوك ، وإني بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شيء إلهي ولن يدر كوك وظاهر ما بهم من نعمك دليلهم عليك لو عرفوك وفي خلقك يا إلهي مندوحة(١) أن يتناولوك ، بل ساووك بخلقك ومن ثم لم يعرفوك واتخذوا بعض آياتك رباً فبذلك وصفوك ، تعاليت عما به المشبهون نعتوك)(٢)

٣ ـ ورد عنهعليه‌السلام قوله : (عجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقه وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى ، وهو يرى النشأة الأولى)(٣)

٤ ـ وقالعليه‌السلام : (لا يوصف الله تعالى بالمحدودية عظم الله ربنا عن الصفة ، وكيف يوصف بمحدودية من لا يحد ، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) .

٥ـ ولهعليه‌السلام تمجيد يقول فيه : (الحمدُ لله الذي تجلّى للقلوبِ بالعظمة ، واحتجب عن الأبصار بالعزّةِ، واقتدر على الأشياءِ بالقدرةِ فلا الأبصارُ تثبتُ لرؤيتهِ ولا الأوهامُ تبلغُ كُنهَ عظمتهِ تجبَّرَ

ــــــــــــــــ

(١) المندوحة : الفسحة الواسعة .

(٢) الأرشاد للشيخ المفيد ص ٢٤٠ .

(٣) صفة الصفوة ج ٢ ص ٣ .

١٨٧

بالعظمةِ والكبرياءِ ، وتعطَّفَ بالعزِ والبرِ والجلال، وتقدّسَ بالحُسن والجمالِ ، وتمجّدَ بالفخر والبهاءِ ، وتجلّلَ بالمجد والألاء ، واستخلص بالنور والضياء خالقٌ لا نظيرَ له ، وأحدٌ لا ندَّ له ، وواحدٌ لا ضدَّ له ، وصمدٌ لا كفوَ له ، وإلهٌ لا ثاني معه ، وفاطرٌ لا شريك له ، ورازقٌ لا معينَ له .

والأولُ بلا زوال ، والدائمُ بلا فناء ، والقائمُ بلا عناء ، والمؤمنُ بلا نهاية ، والمبدئُ بلا أمد ، والصانعُ بلا أحد ، والربّ بلا شريك ، والفاطرُ بلا كلفة ، والفعّالُ بلا عجز ليس له حدٌّ في مكان ، ولا غايةٌ في زمان لم يزل ولا يزول ولن يزال كذلك أبداً هو الإله الحيُّ القيّومُ ، الدائمُ القادر الحكيم)(١)

٦ ـ وفي دعائه يوم عرفة ، قالعليه‌السلام : (... أَنتَ الله لا إلهَ إلاّ أنت الاحدُ المتوحّد الفرد المتفرِّد ، وأنت الله لا إله إلاّ أنت الكريمُ المتكرّم ، العظيم المتعظّمُ ، الكبيرُ المتكبّر وأنت الله لا إله إلاّ أنت العليُّ المتعال ، الشديدُ المحال وأنت الله لا إله إلاّ أنت الرّحمن الرّحيم العليمُ الحكيم وأنت اللهُ لا إله إلاّ أنت السّميع البصير القديم الخبير ، وأنت اللهُ لا إله إلاّ أنت الكريمُ الأكرمُ الدّائمُ الأدوم ، وأنت الله لا إله إلاّ أنت الأوّل قبل كلّ أحد والاخرُ بعد كلّ عدد ، وأنت اللهُ لا إلهَ

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ص ٢٥٣ .

١٨٨

إلاّ أنت الدّاني في علُوِّهِ ، والعالي في دنوّه ، وأنتَ الله لا إله إلاّ أنتَ ذو البهاء والمجد والكبرياء والحمد)(١)

الأفضلية في الحلم وحسن الخلق

وكان الإمام السجادعليه‌السلام أعظم الناس حلماً ، وأكظمهم غيظاً في زمانه وكانعليه‌السلام ـ على شاكلة جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على خلقٍ عظيم والحلم هو ترك الانتقام عند شدة الغضب مع القدرة عليه(٢)

فمن آيات حلمه انه كان يتعرض إلى السب والشتم من قبل بعض اعداء آل البيتعليه‌السلام ، لكنه كان يصفح عنهم بالقول : (يا فتى إن بين أيدينا عقبة كؤداً ، فإن جزتُ منها فلا أبالي ما تقول ، وإن أتحير فيها فأنا شر مما تقول)(٣) ، أو كانعليه‌السلام يقابل الاساءة بالإحسان فيسأل المعتدي الساب : (ألكَ حاجة نعينك عليها ؟)(٤) ، أو كانعليه‌السلام يقابلها بموعظة : (إن كنا كما قلتَ : فنستغفر الله ، وإن

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ـ دعاء (٤٧) ص ٢٠٢ .

(٢) تهذيب الاخلاق للجاحظ ص ١٩ .

(٣) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٩٦ .

(٤) البداية والنهاية ج ٩ ص ١٠٥ .

١٨٩

لم نكن كما قلت : فغفر اللهُ لك)(١) وقد أقرَّ ابن حجر بأن (زين العابدين كان عظيم التجاوز والعفو والصفح)(٢)

وقد قرأنا سابقاً ان إسماعيل بن هشام المخزومي كان يبالغ ، وقت ولايته على المدينة ، في إيذاء الإمام السجادعليه‌السلام وعندما عزله الوليد وأوعز بإيقافه للناس لاستيفاء حقوقهم منه ، عهد الإمامعليه‌السلام إلى أصحابه ومواليه أن لا يتعرضوا له بمكروه بل أسرععليه‌السلام إليه قائلاً : ( يا ابن العم عافاك الله لقد ساءني ما صنُع بك فادعنا إلى ما أحببت ...)(٣)

وتُسقط الجارية العارفة إبريق الوضوء على وجهه فتخدشه ، فتبادره : (...( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) )(٤) ! فيجيبهاعليه‌السلام : (كظمتُ غيظي) ثم تقول : (( وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ ) ) فيجيبهاعليه‌السلام : (عفا الله عنك) ثم تطمع فتقول : (( وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ ) ) فيجيبهاعليه‌السلام : (إذهبي فأنت حرة لوجه الله)(٥)

ــــــــــــــــ

(١) صفة الصفوة ج ٢ ص ٥٤ .

(٢) الصواعق المحرقة ص ١١٩ .

(٣) طبقات ابن سعد ج ٥ ص ٢٢٠ .

(٤) سورة آل عمران : الآية ١٣٤ والآية هي : (...( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ )

(٥) تأريخ دمشق ج ٣٦ ص ١٥٥ .

١٩٠

وكانعليه‌السلام باراً بجيرانه وجلسائه وأصحابه ومحبيه وأعدائه أيضاً وكان يصيب جيرانه من صالح دعواته : ( واجعلني اللهم أجزي بالإحسان مسيئُهم ، واعرضُ بالتجاوُزِ عن ظالمهم ، وأستعملْ حُسْنَ الظنِّ في كافتهم ، وأتولى بالبرِّ عامتُهم ، وأغضُّ بصري عنهم عفةً ، وألينُ جانبي لهم تواضعاً ، وأرقّ على أهل البلاء منهم رحمةً ، وأسرّ لهم بالغيب مودّة ، وأحبُّ بقاءَ النعمة عندهُم نُصحاً ، وأوجِبُ لهم ما أوجِبُ لحامتي(١) ، وأرعى لهم ما أرعى لخاصتي ...)(٢)

وكانعليه‌السلام يكرم جلسائه ، ويقول : (ما جلس إليّ أحدٌ قط إلا عرّفت له فضله)(٣) وكانعليه‌السلام يخاطب بعض مريديه في مجلسه ، ويقول : (أبلغ شيعتنا أنه لن يغني عنهم من الله شيء ، وان ولايتنا لا تنال إلا بالورع)(٤)

وتفد جماعة على الإمامعليه‌السلام تزعم انها من شيعته ، فيمعن الإمامعليه‌السلام النظر في وجوههم فلم يرَ عليها أثر التشيع ، فيقولعليه‌السلام لهم : (أين السمت في الوجوه ؟ أين أثر العبادة ؟ أين سيماء السجود ؟ إنما شيعتنا بعبادتهم وشعثهم ، قد قرحت العبادة منهم الآماق ووثرت

ــــــــــــــــ

(١) الحامة : الأقارب .

(٢) الصحيفة السجادية ـ الدعاء السادس والعشرون ص ١٢١ .

(٣) بهجة المجالس للقرطبي ج ١ ص ٤٦ .

(٤) الدر النظيم ص ١٧٣ .

١٩١

الجباه والمساجد ، خمص البطون ، ذبل الشفاه ، قد هيجت وجوههم ، وأخلق سهر الليالي وقطعَ الهواجر حثيثهم المسبّحون إذا سكت الناس ، والمصلّون إذا نام الناس ، والمحزونون إذا فرح الناس ، والمحزونون إذا فرح الناس ، يعرفون بالزهد ، وشاغلهم الجنّة ...)(١) و(إني لأدعو لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة مائة مرة ، لأنا نصبر على ما نعلم ويصبرون على ما لا يعلمون)(٢)

ويدخل عليه نصر بن أوس الطائي ، فيرحب به الإمامعليه‌السلام ويقول : (ممن أنت ؟) فقال : من طي فقالعليه‌السلام : (حياك الله ، وحيا قوماً عُزيت إليهم ، نعم الحي حيك) فالتفت الطائي إلى الإمامعليه‌السلام فقال له : من أنت ؟ فقالعليه‌السلام : (علي بن الحسين) فقال الطائي : أو لم يقتل بالعراق مع أبيه ؟ فقال الإمامعليه‌السلام : (لو قتل يا بُني لم تره)(٣) ، ولم يزد على ذلك بشيء .

وكان حسن خلقه يشمل أعداءه وظالميه فكانعليه‌السلام يدعو لهم بالمغفرة أيضاً ، فيقول : (اللهم وأيّما عبد نال مني ما حظرت عليه ، وانتهك مني ما حجرت عليه ، فمضى بظلامتي ميتاً ، أو حصلت لي قبله حياً ، فاغفر له ما ألمّ به مني ، وأعف له عما أدبر به عني ، ولا

ــــــــــــــــ

(١) صفات الشيعة .

(٢) الوافي ج ٢ ص ١٨٣ .

(٣) تأريخ دمشق ج ٣٦ ص ١٤٥ .

١٩٢

تقفه على ما ارتكب في ، ولا تكشفه عما اكتسب بي ، واجعل ما سمحت به من العفو عنهم ، وتبرّعتُ به من الصدقة عليهم أزكى صدقات المتصدقين وأعلى صلاتِ المتقربين ، وعوضني من عفوي عنهم عفوك ، ومن دعائي لهم رحمتك حتى يسعَدَ كلّ واحدٍ منا بفضلكَ ، وينجو كل منَّا بمنِّك)(١)

ويُنقل لهعليه‌السلام : ان فلاناً ينسبك إلى الضلال والإبداع ، فيقول للناقل : ( ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت كلامه إلينا ، ولا رعيت حقي حيث أبلغتني عن أخي ما لست أعلمه ان الموت يعمنّا ، والبعث محشرنا ، ويوم القيامة موعدنا ، والله يحكم فينا إياك والغيبة فإنها ادام كلاب النار )(٢)

الأفضلية في الإحسان

والإحسانت هو بذل النفس ومال والجهد من أجل الغير وإذا أدركنا أن المجتمع يحوي شرائح إجتماعية بحاجة إلى طعام وكساء وحنان ورحمة ، عرفنا موقع الإمام زين العابدينعليه‌السلام في أعين الناس في النصف الثاني من القرن الأول الهجري فعدم عدالة الدولة في

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ـ الدعاء التاسع والثلاثون ص ١٦٣ .

(٢) الإحتجاج للطبرسي ص ١٧٢ ومشكاة الأنوار ص ٢٩١ .

١٩٣

العطاء ، والعجز الجسدي والشيخوة ، واليتم ، وعدم وجود فرص للإكتساب كلها تساعد على وجود طبقة فقيرة بين الناس فكان من الإمامعليه‌السلام أن ساهم ـ بقدر إستطاعته ـ في سد هذا النقص عبر الكرم والسخاء والبر بالفقراء والمساكين .

ولابد أن نلحظ في هذا السياق مبدأين :

الأول : وجود طبقة فقيرة في المجتمع آنذاك ، لم تستطع أن تنهض بنفسها فتخرج من دائرة الفقر لأن الدولة كانت منغمسة في اللهو والفساد وإضاعة مال المسلمين ، ولم تساعد تلك الطبقة على الإستثمار والعمل ولم أجد في المصادر التأريخية ما يدعوني إلى الإعتقاد بوجود رخاء إجتماعي عام ، إلا في دائرة نخبة السلطان .

الثاني : لم تكن يد الإمام مبسوطة في الدولة حتى يستطيع معالجة الفقر معالجة جذرية فكان البلسم الوحيد للمشكلة هو تصديه شخصياً لمساعدة الفقراء ، عبر حمل الطعام إليهم ، ومنحهم ما يكسوهم ، ويسدّ ديونهم .

فكانعليه‌السلام من أسخى الناس في زمانه ، وأنداهم كفاً ، وأبرّهم بالفقراء والمساكين وكانعليه‌السلام مصداقاً لقوله تعالى : (( الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلاَ أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) )(١) . فكان

ــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ٢٦٢ .

١٩٤

يطعم الناس ظهيرة كل يوم في داره(١) ، وكان يعيل سراً مائة بيت أو يزيدون في المدينة(٢) ، وهذا عدد كبير من البيوت إذا لحظنا مساحة المجتمع المدني في ذلك الزمان وتواضع حجم المدينة وعدم كونها عاصمة للدولة .

وكانعليه‌السلام يحثّ على صدقة السر ويقول : ( إنها تطفئ غضب الرب )(٣) ، وكان يخرج في غلس الليل متخفياً فيوصل الفقراء بعطاياه ، فإذا سمعوه يدنو منهم قالوا : جاء صاحب الجراب(٤) يحث كان يضع الطعام الذي يوزعه على الفقراء في جراب ويحمله ، فترك أثراً على ظهره(٥) ولما غسّل الإمامعليه‌السلام قبل دفنه وجد على كتفيه ذلك الأثر(٦) ، كما ذكرنا ذلك سابقاً .

وكانعليه‌السلام إذا أعطى سائلاً قبّله لئلا يرى عليه أثر الذل والحاجة(٧) ، وكان إذا قصده سائل رحب به وقال له : ( مرحباً بمن

ــــــــــــــــ

(١) تأريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٦ .

(٢) تهذيب اللغات والأسماء ص ٣٤٣ .

(٣) تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧٥ .

(٤) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٨٩ .

(٥) تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧٥ .

(٦) تأريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٥ .

(٧) الحلية ج ٣ ص ١٣٧ .

١٩٥

يحمل زادي إلى دار الآخرة )(١) وكان يناول الطعام للفقراء ولأهل الحاجة بيده(٢) ، ويكرّه إجتذاذ النخل في الليل حتى لا يحرم الفقراء منه ، وكان يقول : ( الضغث تعطيه من يسأل فذلك حقه يوم حصاده )(٣)

ونهىعليه‌السلام عن رد السائل ، وكان يؤكد : ( أعطوا السائل ، ولا تردوه )(٤) ، و( لا يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه فإن اليوم يوم جمعة )(٥) ، و( ما من رجل تصدق على مسكين مستضعف فدعا له المسكين بشيء في تلك الساعة إلا أستجيب له )(٦)

قال ابن عائشة : سمعت أهل المدينة يقولون : ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين(٧) وعاش جماعة من أهل المدينة وهم لا يعلمون من أين يأتيهم معاشهم ، فلما مات علي بن الحسين

ــــــــــــــــ

(١) صفة الصفوة ج ٢ ص ٥٣ .

(٢) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٦٢ .

(٣) وسائل الشيعة ج ٦ ص ١٣٨ .

(٤) الكافي ج ٤ ص ١٥ .

(٥) دار السلام للنوري ج ٢ ص ١٤١ .

(٦) وسائل الشيعة ج ٦ ص ٢٩٦ .

(٧) صفة الصفوة ج ٢ ص ٥٤ .

١٩٦

فقدوا ما كان يؤتونه بالليل(١) وكانعليه‌السلام شديد التكتم في صلاته وهباته فكان إذا ناول أحداً شيئاً غطى وجهه لئلا يعرفه(٢)

وكان له ابن عم يأتيه بالليل فيناوله شيئاً من الدنانير ، فيقول له : إن علي بن الحسين لا يوصلني ، ويدعو عليه فيسمع الإمامعليه‌السلام ذلك ويغضي عنه ولا يعرّفه نفسه ولما توفيعليه‌السلام فقد الصلة ، فعلم أن الذي كان يوصله هو الإمام فكان يأتي إلى قبره باكياً معتذراً منه(٣)

وقاسم السجادعليه‌السلام أمواله مرتين فأخذ قسماً له ، وتصدق بالقسم الآخر على الفقراء والمساكين(٤)

أقول : وهذه سنّة حسنّة هنيئاً لمن يحييها ، فمقاسمة المال بين المالك والمساكين من أعظم مصاديق الإيمان ، لأن الله تبارك وتعالى هو المالك الحقيقي ، وما نملكه نحن لا يعدو كونه وسيلة من وسائل العيش والحياة .

ولم يقتصر في إحسانه على الإطعام والإيصال ، بل كانعليه‌السلام يتصدق بثيابه ، فيلبس في الصيف ثوبين من متاع مصر ، ويتصدق بهما

ــــــــــــــــ

(١) الأغاني ج ١٥ ص ٣٢٦ .

(٢) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٦٢ .

(٣) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٠٠ .

(٤) البداية والنهاية ج ٩ ص ١٠٥ .

١٩٧

إذا جاء الشتاء(١) ، وهو يقول : ( إني لأستحي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه )(٢)

وهوعليه‌السلام المأثور عنه بقضاء حوائج المؤمنين وديونهم ، فما أن يعلم ان على أحدٍ ديناً حتى يؤدي عنه ، وكان يبادر لقضاء حوائج الناس خوفاً من أن يقوم بقضائها غيره فيحرم الثواب ، وقد قال : ( إن عدوي يأتيني بحاجة فأبادر إلى قضائها خوفاً من أن يسبقني أحد إليها أو أو يستغني عنها فتفوتني فضيلتها ((٣) .

فعندما يعود الإمامعليه‌السلام مريضاً مثل محمد بن أسامة فيشتكي أن عليه ديناً بخمسة عشر ألف دينار ، فما يكون من الإمام إلا أن يتعهد بدفعها ولم يقمعليه‌السلام من مجلسه حتى دفعها له(٤)

ولكنهعليه‌السلام عندما لا يجد مالاً في بعض الأوقات لقضاء ديون المؤمنين يتألم ويبكي ويقول : ( أية محنة أو مصيبة أعظم على حرّ من أن يرى بأخيه المؤمن خلّة فلا يمكنه سدها )(٥)

ــــــــــــــــ

(١) تأريخ دمشق ج ٣٦ ص ١٦١ .

(٢) ناسخ التواريخ ج ١ ص ٦٧ .

(٣) ناسخ التواريخ ج ١ ص ١٣ .

(٤) الحلية ج ٣ ص ١٤١ .

(٥) أمالي الصدوق .

١٩٨

وعندما يرى إنساناً قد برأ من المرض يقول لهعليه‌السلام : ( يهنئك الطهور من الذنوب ان الله قد ذكرك فاذكره ، واقالك فاشكره )(١)

وبالإجمال ، فان الإمام السجادعليه‌السلام كان مصداقاً من مصاديق رحمة الإسلام بالناس ، وقيمة أخلاقية حيّة من قيم الإسلام التي تحترم الإنسان مهما كان وضعه الإجتماعي أو الطبقي المفروض عليه .

الأفضلية في الزهد

وقد عرف في عصره أنهعليه‌السلام من أزهد الناس وكان زهده يميل إلى الجانب الإدراكي العقلي منه إلى المظهر الخارجي ، وهذا أعظم انواع الزهد أي أنه طلّق الدنيا في عقله وأبعدها عن نفسه ، وأصبح مظهرها له قبيحاً وزينتها كريهة فالدنيا في نظرهعليه‌السلام أمر تافه لا ينبغي الحزن على زوالها أو البكاء على فقدان متعها .

ولذلك فلا غرابة من تأثره لبكاء ذلك السائل الفقير وتململه ، بقولهعليه‌السلام : ( لو ان الدنيا كانت في كف هذا ثم سقطت منه لما كان ينبغي له أن يبكي عليها ((٢) .

وشخصية كشخصية السجادعليه‌السلام المتألقة في الزهد والعفاف ، لابد ان تعظ الناس وتزهدهم في الدنيا وترغبهم في أعمال الآخرة وكان يفعل ذلك كل جمعة في مسجد رسول الله (ص(،

ــــــــــــــــ

(١) تحف العقول ص ٦٧ .

(٢) الفصول المهمة ص ١٩٢ .

١٩٩

فيقول : ( أيها الناس ، اتقوا الله واعلموا أنكم إليه ترجعون يا بن آدم ، إن أجلك أسرع شيء إليك ، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك ، وكأن قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك إلى قبرك وحيداً ، فردّ إليك فيه روحك ، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن الله عزّ وجلّ لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملاً لآخرته ، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال ، وعرّف الآيات لقوم يعقلون ، ولا قوة إلا بالله ، فازهدوا فيما زهّدكم الله عزّ وجلّ فيه من عاجل الحياة الدنيا ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من أتخذها دار قرار ومنزل استيطان ، فإنها دار بلغة ، ومنزل قلعة ، ودار عمل ، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرّق أيامها ، وقبل الإذن من الله في خرابها جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا ، الراغبين لآجل ثواب الآخرة ((١) .

وكانعليه‌السلام غالباً ما يكرر ان الزهد تلخصه أية من آيات الكتاب المجيد ، وهي : (( لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى‏ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا

ــــــــــــــــ

(١) الكافي ج ٨ ص ٧٢ ـ ٧٦ .

٢٠٠