الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين0%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد زهير الأعرجي
الناشر: المؤلف
تصنيف: الصفحات: 413
المشاهدات: 242205
تحميل: 13350

توضيحات:

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242205 / تحميل: 13350
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وحارب السجادعليه‌السلام عقيدة التشبيه والتجسيم ، وهي الفكرة التي ارتبطت بألفاظ أعضاء الجسم كاليد والعين ونسبتها إلى الله تعالى بالوصف والتغاضي عن كونها تعبّر عن القدرة والبصيرة ، بجملة واحدة وافية يخاطبُ فيها ربَّه : ( ليس كمثلك شيء )(١)

طلب العلم :

وأمام تلك السياسة الهادفة إلى إبقاء الناس على ما هم عليه من جهل ، قام الإمام السجادعليه‌السلام أولاً بالتشجيع على طلب العلم ، عبر أحاديث ومواعظ كان يوجهها لطلبته ومريديه فكان يردد دائماً : ( لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو ببذل المهج ، وخوض اللجج إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال إنّ أمقتَ عبد إليّ : الجاهل ، المستخف بحق أهل العلم ، التارك للإقتداء بهم وإنّ أحبّ عبيدي إليّ : التقي ، الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحكماء )(٢) وإذا جاء طالب العلم رحبّ به ، وقال له : ( مرحباً بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وكانعليه‌السلام إذا نظر

ــــــــــــــــ

(١) كشف الغمة ج ٢ ص ٨٩ .

(٢) أصول الكافي ج ١ ص ٣٥ .

٢٨١

إلى الشباب الذين يطلبون العلمَ أدناهم إليه ، وقال : ( مرحباً بكم أنتم ودايع العلم ويوشك إذا أنتم صغار قومٍ أن تكونوا كبار آخرين )(١)

وفي رسالة الحقوق وقرَّعليه‌السلام العلم والتعليم ، والعالم والمتعلم ، والمحاضر والمستمع ومنععليه‌السلام على العلماء أن يأخذوا أجراً على تعليمهم الناس(٢)

وكانعليه‌السلام يردد : ( الفكرةُ مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته )(٣) وأن : ( سادة الناس في الدنيا : الأسخياء ، وفي الآخرة : أهل الدين ، وأهل الفضل والعلم ، لأن العلماء ورثة الأنبياء )(٤)

وأنكبّ السجادعليه‌السلام على إذاعة أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصحيحة بسند صحيح عن أبيه الحسينعليه‌السلام ، عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت تلك مهمة صعبة في ظروف سياسية وإجتماعية تضيق الخناق على شيعة أهل البيتعليه‌السلام ، في الوقت الذي يأمر السلطان فيه الولاة بوضع أحاديث نبوية مختلقة وبثها بين الناس حتى ينشأ جيل جديد يؤمن بفضائل الخليفة الأموي مهما كان بعيداً عن الإسلام .

ــــــــــــــــ

(١) الأنوار البهية ص ١٠٣ .

(٢) حلية الأولياء ج ٢ ص ١٤٠ .

(٣) مختصر تاريخ دمشق ج ١٧ ص ٢٥٤ .

(٤) مختصر تاريخ دمشق ج ١٧ ص ٢٣٩ .

٢٨٢

وكانت سياسة منع تدوين الحديث التي بدأت بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستمرت حتى عهد عمر بن عبد العزيز (ت ١٠١ هـ) تساعد ـ بقصدٍ أو دون قصد ـ على اشاعة أجواء إختلاق الأحاديث .

والمعروف ان الحجاج الثقفي اعتدى على صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فختم على أيديهم وأعناقهم ، إذلالاً لهم وحذراً من أن يحدّثوا الناس بفضائل أهل البيتعليه‌السلام ، أو يسمع الناس حديثهم(١)

فكان للإمام السجادعليه‌السلام دورٌ اساسي في بث أحكام الإسلام التي لم تمتد لها يد التزوير والتحريف فنشرَ الفضائل ونهى عن الرذائل ، وشرحَ الواجبات والمستحبات ، والمحرمات والمكروهات ونادى بالولاية الشرعية وكانت عملية رواية الحديث آنذاك تعدُّ تحدياً لسياسة السلطة وأوامرها .

تلامذة السجاد عليه‌السلام

وقد ثبّت الشيخ الطوسي في (رجاله) (٢) أسماء (١٧٣) راوياً عنه ، من بين المئات الذين كانوا يسمعون رواية الحديث أو تفسير القرآن مباشرة منه دون واسطة وهذا عدد كبير من طلاب العلم في مدينة واحدة كالمدينة المنورة ومن أولئك الرواة أسماء لامعة في دنيا الرواية وسماء العلم.

ــــــــــــــــ

(١) أسد الغابة لابن الأثير ج ٢ ص ٤٧٢ .

(٢) رجال الطوسي ص ٨١ ـ ١٠٢ .

٢٨٣

فكان منهم أبان بن تغلب (ت ١٤١ هـ) الذي كان مقدماً في فنون القرآن والحديث والأدب واللغة والنحو ، يطلب منه الإمام الباقرعليه‌السلام لاحقاً : ( أجلس في مسجد المدينة ، وأفتِ الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك )(١) ويقول الإمام الصادقعليه‌السلام فيه شبيه ذلك وعندما كانوا يلومونه على روايته عن الإمام السجادعليه‌السلام ، كان يقول : ( كيف تلوموني في روايتي عن رجل ما سألته عن شيء إلا قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( .

وثابت بن أبي صفية المعروف بأبي حمزة الثمالي (ت ١٥٠ هـ) من أبرز علماء عصره في الحديث والفقه وعلوم اللغة ، وكان يرجع إليه الموالون في الكوفة لإحاطته بفقه أهل البيتعليه‌السلام

ورشيد الهجري من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو العالم الذي قتله عبيد الله بن زياد ، حيث قطعوا يديه ورجليه وهو لا يزال يحدّث بفضائل أهل البيتعليه‌السلام ، فقطعوا لسانه وصلبوه على جذع النخلة في الكوفة .

ــــــــــــــــ

(١) معجم الآداب ج ١ ص ١٠٨ .

٢٨٤

وزيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام الذي كان عالماً ثقةً ، جليل القدر ، كريم الطبع ، طريف النفس ، كثير البرّ قصده الناس من الآفاق لطلب فضله .

وزيد بن علي بن الحسين (ت ١٢٢ هـ) ، وكان عابداً ورعاً ، فقيهاً سخياً شجاعاً ظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطلب بثأر جده الحسينعليه‌السلام

وسعيد بن جبير (ت ٩٥ هـ) ، من أبرز علماء عصره ، وكان يمسى (جهبذ العلماء) ، من أئمة الإسلام في التفسير والفقه ، وأنواع العلوم ، وكثرة العمل الصالح(١) وكان كثير الخشية من الله ، وكان يقول : (إن أفضل الخشية أن تخشى الله خشية تحول بينك وبين معصيته ، وتحملك على طاعته ، فتلك هي الخشية النافعة )(٢) قتله الحجاج ظلماً وعدواناً بسبب إختصاصه بالإمام السجاد)ع)

وسليم بن قيس الهلالي العامري (ت ٩٠ هـ) من السابقين في التأليف ، وله الكتاب المعروف بكتاب سليم بن قيس كان من أصحاب الإمام السجادعليه‌السلام ، وعدّه البرقي من الأولياء من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ج ٩ ص ٩٨ .

(٢) البداية والنهاية ج ٩ ص ٩٩ .

٢٨٥

وأبو الأسود الدؤلي (ظالم بن عمرو) (ت ٦٩ هـ) من ألمع علماء عصره ، مؤسس علم النحو بإشارة من أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ومن شعره :

وما طلب المعيشة بالتمني

ولكن ألق دلوك في الدلاءِ

تجيء بملئها طوراً ، وطوراً

تجيء بحمأة وقليل ماءِ

ومن وصيته لابنه : ( يا بني إذا كنت في قومٍ فحدثهم على قدر سنّك ، وفاوضهم على قدر محلك ، ولا تتكلمن بكلام من هو فوقك ، فيستثقلوك ولا تنحط إلى من دونك ، فيحتقروك فإذا وسع الله عليك فأبسط ، وإذا أمسك عليك فأمسك ولا تجاود الله فان الله أجود منك ، واعلم أنه لا شيء كالاقتصاد ، ولا معيشة كالتوسط ، ولا عزّ كالعلم ، إن الملوك حكام الناس ، والعلماء حكام الملوك ((١) .

أقول : وهذه آثار تعليم الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام عليه وقد حاول معاوية ان يصرفه عن ولائه لأهل البيتعليه‌السلام فلم يفلح .

وغير هؤلاء الاعلام عدد آخر كبير وهذا يدلّ على ان الإمام السجادعليه‌السلام أسس لقاعدة علمية في المدينة على مدى أربع وثلاثين عاماً يحدّث فيها عن جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويفسر فيها القرآن

ــــــــــــــــ

(٢) الكنى والألقاب ج ١ ص ٩ ـ ١٠ .

٢٨٦

ويبثّ الفضائل في كل مكان مع ان الوضع الإجتماعي العام كان وضع حروب وسفك دماء وإرعاب وإرهاب لا مثيل له .

تحريك الوضع العلمي :

وعلى ضوء ذلك ، شجع التحرك العلمي للسجادعليه‌السلام المدرسة العلمية لمذهب السنّة والجماعة على الحركة أيضاً ، فنشطت مجموعة من أهل العلم ممن تتلمذ على يد السجادعليه‌السلام أيضاً على بث علوم الإسلام ، لكن بعيداً عن أهل البيتعليه‌السلام

وكان منهم : عروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وسليمان بن يسار ، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود ، وخارجة بن زيد ، وسعيد بن المسيب ، وفيهم يقول الشاعر :

إذا قيل من في العلم سبعة أبحر

روايتهم ليست عن العلم خارجة

فقل : هم عبيد الله عروة قاسم

سعيد ابو بكر سليمان خارجة

والمتميز منهم بالخصوص : سعيد بن المسيب المخزومي ، من علماء عصره روى عن السجادعليه‌السلام وفي رجال الكشي : نسب إلى الإمام زين العابدينعليه‌السلام قولاً يمتدحه فيه وقد اختلف الرواة في وثاقته قال في (معجم رجال الحديث) : ( إن الصحيح هو التوقف في

٢٨٧

أمر الرجل لعدم تمامية سند المدح والقدح ولقد أجاد المجلسي حيث اقتصر على نقل الخلاف في حال الرجل من دون ترجيح )(١)

وبالإجمال ، فقد ساهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام في تنشيط الحركة العلمية التي حاول الأمويون إيقاف عجلتها وعدّلعليه‌السلام مسارها نحو الطريق الصحيح ، بعد ما انحرفت أيام حكمهم .

مشكلة العصبية

وكان من سياسة معاوية ومن جاء بعده من خلفاء تأجيج الصراع القبلي ، وتفريق القبائل والعشائر العربية ، وخلق فجوة بين العرب والعجم من أجل السيطرة عليهم جميعاً وإذا أضفنا إلى ذلك سياسة الترهيب والترغيب التي استخدموها بين الناس ، لانكشفت لنا صورة المجتمع الذي أريد له ان يقام على أساس الشعوبية والعصبية القبلية .

واصبحت سمة العصر ـ على الصعيد الأدبي ـ فخر النزارية على اليمنية على النزارية حتى تخربت البلاد ، وثارت العصبية في البدو والحضر(٢)

ــــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث ـ للخوئي ج ٨ ص ١٤١ .

(٢) مروج الذهب ج ٢ ص ١٩٧ .

٢٨٨

ومن ذلك نعرض نموذجاً لشعر الكميت(١) ومدحه قومه المضريين وهجاءه القحطانيين :

لنا قمر السماء وكل نجم

تشير إليه أيدي المهتدينا

وجدت الله إذ سمى نزاراً

وأسكنهم بمكة قاطنينا

لنا جعل المكارم خالصات

وللناس القفا ولنا الجبينا

وما خرجت هجائن من نزار

فوالج من فحول الأعجمينا(٢)

وما حملوا الحمير على عتاق

مطهمة فيلفوا مبلغينا(٣)

وما ولدت بنات بني نزار

حلائل أسودين وأحمرينا

بني الاعمام أنكحنا الأيامى

وبالآباء سمينا البنينا

فقد نسب لقومه كل المآثر ووصفهم بالأقمار والكواكب المضيئة ، بينما وصف القحطانيين بكل مذمة ، وعيّرهم بتزويجهم بناتهم من الأحباش والفرس فولدن سوداً وحمراً ، تشبهاً بتلقيح الحمير للخيل العتاق حتى تنتج بغالاً .

فواجهه دعبل الخزاعي يردّه ويشيد بقومه من القحطانيين :

ــــــــــــــــ

(١) مروج الذهب ج ٢ ص ١٩٦ .

(٢) الهجائن : الحرات الكريمات الفوالخ : مع فالخ وهو الزوج .

(٣) عناق مطهمة : يراد بها النساء العربيات الشريفات .

٢٨٩

أفيقي من ملامك يا ظعينا

كفاك اللوم مر الأربعينا

ألم تحزنك أحداث الليالي

يشين الذوائب والقرونا

أحيي الغرّ من سروات قومي

لقد حييت عنايا مدينا

فإن يك آل اسرائيل منكم

وكنتم بالأعاجم فاخرينا

فلا تنس الخنازير اللواتي

مسخن مع القرود الخاسيئنا

بأيلة والخليج لهم رسوم

وآثار قدمن وما محينا

وما طلب الكميت طلاب وتر

ولكنا لنصرتنا هجينا

لقد علمت نزار أن قومي

إلى نصر النبوة فاخرينا

وعندما جاء الإسلام الغى العصبيات القبلية الجاهلية ، فنساها الناس ، حتى جاء حكم بني أمية فتعصبوا لمضر ، كما كان الأمر قبل الإسلام .

ولم يتوقفوا عند ذلك ، بل اعتبروا الموالي أدنى من العرب في الرتبة والحقوق الإنسانية ، خلافاً لتعاليم الإسلام فكانوا لا يزوجون الموالي(١) ، بحيث يروى أن حاكم البصرة ( بلال بن أبي بردة ) ضرب شخصاً من الموالي ، لأنه تزوج امرأة عربية(٢)

ــــــــــــــــ

(١) العقد الفريد ج ٣ ص ٣٦ .

(٢) طبقات ابن سعد ج ٧ ص ٢٦ ق ٢ .

٢٩٠

ووجهت تهمة العنصرية إلى محمد بن مسلم الزهّريّ ، لأنه كان لا يروي الحديث عن الموالي(١)

وحاول الإمام السجادعليه‌السلام تصحيح ذلك المسار البعيد عن روح الدين ، فكانعليه‌السلام يشيع أنه : ( لا يفخر أحدٌ على أحدٍ ، فإنّكم عبيدٌ ، والمولى واحدٌ ) وهو الله عزّ وجلّ وكانعليه‌السلام يجالس أحد الموالي ، فقيل له : أنت سيد الناس وأفضلهم ، تذهب إلى هذا العبد وتجلس معه ؟

فقالعليه‌السلام : ( أءتي من أنتفع بمجالسته في ديني )(٢) ( إنما يجلس الرجل حيث ينتفع )(٣) وكانعليه‌السلام يكرر هذه الآية : (( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَساءَلُونَ )  (٤) .

وموقفه المعروف من عبد الملك بن مروان حول زواج الأماء : ( وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة ، وتمّم به النقيصة ، وأذهب به اللؤم ، فلا لؤم على امرىءٍ مسلمٍ ، وإنما اللؤم لؤم الجاهلية )(٥) و( لا

ــــــــــــــــ

(١) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ـ للرامهرمزي ص ٤٠٩ بيروت : ١٣٩١ هـ .

(٢) حلية الأولياء ج ٣ ص ١٣٧ .

(٣) طبقات ابن سعد ج ٥ ص ٢١٦ .

(٤) سورة المؤمنون : الآية ١٠١ .

(٥) فروع الكافي ج ٥ ص ٣٤٤ .

٢٩١

حسب لقرشي ولا عربي إلا بالتواضع ولا كرم إلا بالتقوى )(١) وهو مصداق لقوله تعالى : (( إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) )(٢) .

والعصبية القبلية لها منشأ كباقي المشكلات الإجتماعية ، وهو الجهل بالإسلام وتعاليمه السمحة وأخلاقيته السامية في المساواة بين الناس على إختلاف ألوانهم وأجناسهم ولا أخال أن هناك عالماً بمبادئ الإسلام يتعصب لقومٍ على باطل لمجرد أنهم من نفس جنسه أو منشأه أو لون بشرته .

المشكلة الأخلاقية

وسادت المدينة المنوّرة في حكم بني أمية حياةٌ من اللهو والطرب والعبث والمجون ، أشاعتها السلطة لاسقاط هيبة ذلك المركز الإسلامي الذي يحتضن في أحشائه جسد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وساعد عليها الوضع الجديد الناتج عن انفتاح الناس على ثقافات الشعوب المختلفة التي دخلت الإسلام حديثاً وأصبح إقتناء الجواري والمغنيّات من خصائص ذلك الزمان .

ــــــــــــــــ

(١) تحف العقول ص ٢٨ .

(٢) سورة الحجرات : الآية ١٣ .

٢٩٢

وشاع الغناء آنذاك حتى اصبحت المدينة المنوّرة مركزاً له ووصل الأمر إلى ان الغناء في المدينة كان لا ينكره عالمهم ، ولا يدفعه عابدهم(١) وكان أبو يوسف يخاطب أهل المدينة قائلاً : ما أعجب أمركم يا أهل المدينة في هذه الأغاني ، ما منكم شريف ولا دنيء يتحاشى عنها(٢) وكان العتيق(٣) إذا سال ، وأخذ المغنون يلقون إغانيهم لم تبق في المدينة مخبأة ، ولا شابة ، ولا شاب ، ولا كهل إلا خرج ببصره ويسمع الغناء(٤)

وكان لا يهمّ الخليفة الأموي إلا من يصف له الخمر والسكر قال الأصمعي : دخل الأخطل على عبد الملك ، فقال : ويحك ! صف لي السكر قال : أولّه لذة ، وآخره صداع ، وبين ذلك حالة لا أصف لك مبلغها فقال : ما مبلغها ؟ قال لملكك يا أمير المؤمنين [ عندها ] أهون عليّ من شسع نعلي ، وأنشأ يقول(٥)

إذا ما نديمي علّني ثم علّني

ثلاث زجاجات لهن هدير

خرجت أجرّ الذيل تيهاً كأنني

عليك أمير المؤمنين أمير

ــــــــــــــــ

(١) الأغاني ج ٨ ص ٢٢٤ .

(٢) العقد الفريد ج ٣ ص ٢٣٣ .

(٣) العقيق : الخمر .

(٤) العقد الفريد ج ٣ ص ٢٤٥ .

(٥) تاريخ الخلفاء ص ٢٢٢ .

٢٩٣

ومن فواحشهم أنهم نشروا الغناء المختلط بين الرجال والنساء دون ستار وهذا من الفحش والفساد بحق تلك المدينة التي شهدت نزول جبرئيل إليها بالوحي السماوي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يصوّر مصنف ( الأغاني ) أحد تلك الليالي الماجنة ، فيقول : ( أن جميلة جلست يوماً ، ولبست برنساً طويلاً(١) ، وألبست من كان عندها برانس دون ذلك ، ثم قامت ورقصت وضربت بالعود وعلى رأسها البرنس الطويل ، وعلى عاتقها بردة يمانية ، وعلى القوم أمثالها وقام ابن سريج يرقص ، ومعبد ، والغريدي ، وابن عائشة ، ومالك ، وفي يد كل منهما عود يضرب به على ضرب جميلة ورقصها فغنّت وغنّى القوم على غنائها ثم دعت بثياب مصبغة ، ودعت للقوم بمثل ذلك فلبسوا ، وتمشت ومشى القوم خلفها ، وغنت وغنوا بغنائها بصوت واحد )(٢)

في تلك الليالي ذاتها كان الإمام زين العابدينعليه‌السلام يقف خاشعاً في جوف الليل يعبد الله ركوعاً وسجوداً ، ويدعو الله بخشوع ودموعه تنهمر : ( إلهي عبيدك بفنائك ، سائلك بفنائك ، فقيرك بفنائك إلهي لك يرهب المترهّبون ، وإليك أخلص المستهلّون ، رهبةً

ــــــــــــــــ

(١) البرنس : القلنسوة الطويلة .

(٢) الأغاني ج ٨ ص ٢٢٧ .

٢٩٤

لك ، ورجاءً لعفوك يا إله الحقّ ارحم دعاء المستصرخين ، واعف عن جرائم الغافلين وزد في إحسان المنيبين يوم الوفود عليك يا كريم )(١)

مشكلة الرقّ

وعلى أثر الفتوحات الواسعة في القرن الأول الهجري ، أزداد عدد الرقيق بشكل مذهل في مجتمع المسلمين واستغل بنو أمية قضية الرق لمصالح شخصية كخدمة البلاط والتلذذ بالرغبات الجسدية والاستيلاد ولذلك تلمس خبرة عبد الملك بن مروان بذلك ، كما ورد في نصيحته لحاشيته : ( من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية ، ومن أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية ، ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية )(٢)

وبذلك ابتعدوا عن العلل الحقيقية لقضايا الرق في الإسلام ؛ وأهمها هو تربية الكفار المحاربين على القيم الأخلاقية الدينية قبل تحريرهم ودمجهم في المجتمع الإسلامي الواسع .

وعالج الإمام السجادعليه‌السلام قضية الرقّ عبر الوسائل التالية :

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ـ دعاء وتمجيد له ص ٢٥٥ .

(٢) تاريخ الخلفاء ص ٢٢١ .

٢٩٥

١ ـ عامل الرقيق معاملة إنسانية لأنه كانعليه‌السلام يفهم مغزى العبودية والعلّة التي شرعت لأجلها فكانعليه‌السلام يعلمهم الفضائل والأخلاق السامية وكانعليه‌السلام يقول لهم : ( قولوا : يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك ما عملت ، كما أحصيت علينا ما عملناه )(١) فهو يريد منهم فهم تلك الحقيقة الدينية الرائعة التي تقول بأن الناس كلهم عبيدٌ لله تبارك وتعالى وما العبودية الدينية المفترضة إلا وسيلة من وسائل إخراج الإنسان من الكفر إلى الإيمان .

٢ ـ كانعليه‌السلام يشتريهم بأعداد كبيرة ويعتقهم بعد فترة قصيرة بحجج وأساليب مختلفة فإذا اساؤا التصرف أطلقهم ، وإذا سمع من يحدّثه حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعتقهم ، وإذا جاء العيد أعتقهم ، وهكذا فكانت سياسة الإمامعليه‌السلام هو التعليم والتربية وإظهار المعارف والحقائق الإسلامية وكان لا يعتقهم حتى يعطيهم مالاً يعملون به .

ولذلك أصبح في المدينة جيش من الموالي يلهج بذكر زين العابدينعليه‌السلام وعندما تعرض رجلٌ للإمامعليه‌السلام وهو خارجٌ من المسجد وسبه ، ثارت عليه العبيد والموالي ، فطمأنهم وأشار عليهم بأنه قادرٌ على التعامل مع الرجل ، وهكذا كان(٢)

ــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٠٣ .

(٢) صفوة الصفوة لابن الجوزي ج ٢ ص ١٠٠ .

٢٩٦

وعندما سمعوا بأنباء ضغط ابن الزبير على آل أبي طالب في مكة ، تجمع قومٌ من السودان بالمدينة غضباً لذلك ومراغمةً لابن الزبير ، كما رواه البلاذري فرأى ابن عمر غلاماً له فيهم ، وهو شاهرٌ سيفه ! فقال له : رباح ! قال رباح : والله ، إنا خرجنا لنردّكم عن باطلكم إلى حقنا فبكى ابن عمر ، وقال : اللهم إن هذه لذنوبنا(١)

وكانت هناك شواهد عديدة ذكرناها في مطاوي هذا الكتاب عن عتق الإمامعليه‌السلام للعبيد والأماء لآية قرآنية يذكرونها ، أو لادبٍ جم يظهرونه له ، أو لمناسبةٍ دينيةٍ كالعيد تمرّ على الإمامعليه‌السلام

العبودية بين الدين والاقتصاد :

ولابد لنا ونحن نعرض مشكلة العبودية والرّق في القرن الأول ، من التعرض للفروقات الأساسية بين الرق في الإسلام والرق في اوروبا في القرون الثلاثة الأخيرة .

يرجع تأريخ العبودية التي استحدثها الرجل الأوروبي الأبيض إلى بدايات القرن السابع عشر الميلادي ، في أوج الصراع الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا والبرتغال على استثمار الأراضي الزراعية خارج حدود القارة الأوروبية التي كانت تنتج السكر والتبوغ ونحوها فبدأت البواخر المحملّة بالبضائع الصناعية والزراعية بالإبحار من ( نيو

ــــــــــــــــ

(١) أنساب الأشراف ـ البلاذري ج ٣ ص ٢٩٥ .

٢٩٧

انجلند ) في العالم الجديد متجهة نحو افريقيا ، عارضة هذه البضائع عن طريق المبادلة بالرقيق .

وكان الدافع الاقتصادي والسيطرة السياسية على مقدرات شعوب أفريقيا من أهم عوامل تجارة الرقيق فالعبيد ، حسب النظرية الرأسمالية ، حيوانات صالحة لزراعة التبوغ والسكر ويعتبر استعباد الزنوج من قبل أوروبا البيضاء من أفظع جرائمها بحق الإنسانية فكانوا يحشرون الرجال والنساء والاطفال بالقوة والإكراه في سفن كبيرة ويربطونهم بالسلاسل ويجبرونهم على الاستلقاء على ظهورهم لأكثر من ثلاثة أشهر دون تسهيلات إنسانية في الأكل أو تفريغ الفضلات حتى تصل الباخرة إلى موطنها الجديد لبيع العبيد .

والإسلام لم يدن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان فحسب ، بل قد استخدم مفهوم العبودية ذاته لتحرير الإنسان من قيود الإنحراف العقائدي ووضع لذلك أسساً وضوابط منها :

أ ـ اعتبر تحرير العبيد جزءً من التكاليف الشرعية التعبدية مع تحقق شروطها ، كما ورد في حكم كفارة قتل الخطأ...( وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (١) ، وكفارة اليمين ( وَلكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقّدتّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ

ــــــــــــــــ

(١) سورة النساء : الآية ٩٢ .

٢٩٨

أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) )(١) ، وكفارة الظهار (( وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِسَائِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسّا ) )(٢) ، وعموم البرّ (( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكّ رَقَبَةٍ ) (٣) ، ونحوها وبذلك حلّ مشكلة العبودية السائدة زمن الرسالة ، ومشكلة العبودية التي قد تحصل في أي زمان ومكان .

ب ـ جعل مفهوم العبودية قائماً على اساس اختلاف الدين اثناء الدفاع عن الوطن الإسلامي وليس لون البشرة ، كما هو معمول به في النظام الاوروبي ولعلّ السر في تشريع العبودية القائمة على اساس الدين هو تحرير الفرد المستعبد من القيود الفكرية التي تكبلّه بها العقائد المنحرفة ، فيرى داخل العبودية طريقه للتحرر والخلاص .

وبالإجمال ، فإن الإسلام أقر العبودية التي تؤدي إلى تحرير الإنسان فكرياً ودينياً وبذلك فإنه فتح للفرد المنحرف فكرياً ، باباً للنظر والتأمل في رسالة العدالة الإلهية والإيمان بها أما العبودية الأوروبية فقد أنشأت بالأصل لاستغلال الإنسان أخاه الإنسان دون ذنب سوى اختلاف الجنس ولون البشرة .

ــــــــــــــــ

(١) سورة مائدة : الآية ٨٩ .

(٢) سورة المجادلة : الآية ٣ .

(٣) سورة البلد : الآية ١٢ ـ ١٣ .

٢٩٩

ج ـ نادى الإسلام بمفهوم العدالة الإجتماعية بين جميع الأفراد دون النظر إلى منشأ الفرد أو لون بشرته ، بل أعلن بصراحة أن كل الأفراد سواسية أمام الحكومة الشرعية والحاكم الشرعي المطلق وهو الخالق عزّ وجلّ في الحقوق والواجبات والمسؤوليات والتكاليف الدينية والإجتماعية .

د ـ ان جميع من اسّروا وأصبحوا رقيقاً زمن الفتوحات الإسلامية ، قد أسلموا في النهاية بعد تحريرهم ، وحسن إسلامهم خصوصاً أولئك الذين خضعوا لتربية الإمام السجادعليه‌السلام وتعليمه لأنهم رأوا المثال الإسلامي الحقيقي والمصداق الناصع للدين ، قد تجسد في شخصيته وفكره وسلوكهعليه‌السلام

المعارضة المسلحة

وقعت خلال حياة الإمام السجادعليه‌السلام ، وبعد واقعة كربلاء ، وقائع مسلّحه وحروب ضد السلطة الأموية كواقعة الحرة ، وحركة عبد الله بن الزبير ، وحركة المختار وكان موقفه وسياسته هي التأييد الضمني لكل من حارب الظلمة من بني أمية ، لكنهعليه‌السلام لم يشارك فيها.

٣٠٠