الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين0%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد زهير الأعرجي
الناشر: المؤلف
تصنيف: الصفحات: 413
المشاهدات: 242017
تحميل: 13335

توضيحات:

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242017 / تحميل: 13335
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وكان الأمرُ بينك وبينه فيها سراً على كل حال ، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها باشهاد الأسماع والأبصار عليه بها ، كأنها أوثق في نفسك ، وكأنك لا تثقُ به في تأدية وديعتك إليك ، ثم لم تمتنّ بها على أحدٍ ، لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين(١) حالك منها إلى من مننت بها عليه لأنّ في ذلك دليلاً على أنك لم تُرد نفسك بها ، ولو أردت نفسك بها لم تمتنّ بها على أحد ، ولا قوة إلا بالله .

١٣ ـ ( وأما حقُّ الهَدي ) :

فأن تُخلِص بها الإرادةَ إلى ربّك ، والتعرض لرحمته وقبوله ، ولا تُريدَ عيونَ الناظرين دونهُ ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفاً ولا متصنّعاً وكنتَ إنما تقصدُ إلى الله واعلم أنّ الله يُرادُ باليسير ، ولا يُراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ، ولم يُرِدْ بهم التعسير وكذلك التذلُّل أولى بك من التدهقن(٢) ، لأن الكلفة والمؤونةَ في المتدهقنينَ فأما التذلّل والتمسكنُ فلا كلفةَ فيهما ، ولا مؤونةَ عليهما ، لأنهما موجودانِ في الطبيعةِ ، ولا قوةَ إلا باللهِ .

ــــــــــــــــ

(١) التهجين : التقبيح والتحقير .

(٢) التدهقن ، وتدهقن أي صار دهقاناً وهو رئيس القربة وزعيم العشيرة ويراد به ضد التمسكن والتذلل تمسكن : خضع وأخبت .

٣٦١

ثم حقوقُ الأئمةِ :

١٤ ـ (فأما حقّ سائسك بالسلطان ) :

فأن تعلم أنك جُعلت له فتنةٌ ، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان ، وأن تُخلص له في النصيحة ، وأن لا تُماحكَهُ(١) وقد بُسطت يدُهُ عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه ، وتذلّل وتلطّف لأعطائه من الرضا ما يكُفُّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله ولا تُعازَّه(٢) ولا تُعاندَهُ فإنك إن فعلت ذلك عققتَه ، وعققتَ نفسك(٣) ، فعرضتها لمكروهه ، وعرضته للهلكة فيك ، وكنت خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك ، وشريكاً فيما أتى إليك ولا قوةَ إلا بالله .

١٥ ـ ( فأما حقّ سائسِك بالعلم ) :

فالتعظيمُ له ، والتوقيرُ لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبالُ عليه ، والمعونةُ له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تُفرِّغَ له علمك ، وتُحضره فهمك ، وتزكّي له قلبكَ ، وتُجلّي له بصرَك ، بتركِ اللذاتِ ، ونقصِ الشهواتِ ، وأن تعلمَ أنكَ فيما ألقى

ــــــــــــــــ

(١) لا تماحكه : لا تخاصمه ولا تنازعه .

(٢) لا تعازّه : لا تعارضه في العزّة .

(٣) عققت : عصيت وآذيت .

٣٦٢

 [ إليك ] رسولُهُ إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزِمَك حسنُ التأدية عنه إليهم ، ولا تخنهُ في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلدتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

١٦ ـ ( وأما حقُّ سائسِك بالملك ) :

فنحوٌ من سائسك بالسلطان ، إلا أنّ هذا يملك ما لا يملكه ذاكَ تلزِمُك طاعتُه فيما دقّ وجلّ منك إلا أن يُخرِجَك من وجوب حقّ الله ، ويحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت إلى حقه(١) ، فتشاغلت به ، ولا قوة إلا بالله .

ثم حقوقُ الرعيةِ :

١٧ ـ ( فأما حقوقُ رعيتِكَ بالسلطانِ ( :

فأن تعلمَ أنكَ إنما استرعيتَهُم بفضل قوتك عليهم ، فإنه إنما أحلّهم محلّ الرعية لك ضعفُهم وذلّهم ، فما أولى من كفاكَهُ ضعفُهُ وذلُّهُ حتى صيّره لك رعيةً ، وصيّر حكمك عليه نافذاً لا يمتنعُ منك بعزّةٍ ولا قوةٍ ، ولا يستنصرُ فيما تعاظمه منك إلا [ بالله ] بالرحمةِ والحياطة والأناه ( ، وما أولاكَ إذا عرفت ما أعطاكَ الله من فضل هذه العزَّةِ والقوةِ التي قهرتَ بها أن تكون لله شاكراً ، ومن شكرَ الله أعطاهُ فيما أنعمَ عليه ، ولا قوةَ إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) أي إذا قضيت حق الله فارجع إلى أداء حق مالكك .

(٢) الحياطة : الحفاظة والحماية والصيانة الآناة ( كقناة ) : الوقار والحلم ، وأصله الانتظار .

٣٦٣

١٨ ـ ( وأما حقّ رعيَّتِك بالعلمِ ) :

فأن تعلَم أنّ الله جعلك لهم خازناً فيما آتاك من العلم ، وولاكَ من خزانة الحكمة ، فإن أحسنت فيما ولاكَ الله من ذلك ، وقُمتَ به لهم مقام الخازن الشفيع الناصح لمولاهُ في عبيده ، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه ، كنت راشداً ، وكنت لذلك آملاً (١) معتقداً وإلا كنت له خائناً ، ولخلقه ظالماً ، ولسلبه وعزّه متعرضاً .

١٩ ـ ( وأما حقُّ رعيتك بملكِ النكاحِ ) :

فأنْ تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً واُنساً وواقيةً ، وكذلك كلّ واحدٍ منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أنّ ذلك نعمةٌ منه عليه ووجب أن يُحسنَ صُحبة نعمة الله ويُكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقّك عليها أغلظَ ، وطاعتُكَ بها ألزم فيما أحببت وكرهتَ ، ما لم تكن معصيةً ، فإن لها حقّ الرحمة والمؤانسة ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الآمل : خادم الرجل وعونه الذي يأمله .

٣٦٤

٢٠ ـ ( وأما حقّ رعيتك بملك اليمين ( :

فأن تعلم أنّه خلق ربّك ، ولحمك ودمك وأنك لم تملكه لا أنت صنعته دون الله ، ولا خلقت له سمعا ولا بصراً ، ولا أجريت له رزقاً ، ولكن الله كفاك ذلك ثم سخّرَهُ لك وائتمنك عليه ، واستودعك إياه لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ، فتُطعمه مما تأكل ، وتلبسه مما تلبس ، ولا تكلّفه ما لا يطيق ، فإن كرهته خرجت إلى الله منه ، واستبدلت به ولم تعذّبْ خلقَ الله ، ولا قوة إلا بالله .

وأما حقُّ الرحمِ :

٢١ ـ ( فأما حقّ أمك ( :

أن تعلمَ أنها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لم يُطعم أحدٌ أحداً ، وأنها وقتكَ بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها ، وجميع جوارحها مستبشرةً بذلك فرحةً ، محتملةً لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمّها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، وأخرجتك إلى الأرض ، فرضيت أن تشبع وتجوع هي ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظلّك وتضحي ، وتنعّمك ببؤسها ، وتلذّذك بالنوم بأرقها ، وكان بطنُها لك وعاءً ، وحجرها لك حواء(١) ، وثديُها لكَ سِقاءً ونفسُها لك وقاءً ، تباشرُ حرّ الدنيا وبرّدها لك ودونَك ، فتشكُرها على قدر ذلك ، ولا تقدرُ عليه إلا بعون الله وتوفيقه .

٢٢ ـ ( وأمّا حقّ أبيك ( :

فأن تعلم أنه أصلُك ، وأنكَ فرعُهُ ، وأنكَ لولاه لم تكن فمهما رأيتَ في نفسك مما يعجبك ، فاعلمْ أن أباكَ أصلُ النعمة عليك فيه ، واحمدِ اللهِ واشكرهُ على قدر ذلك ، ولا قوة إلا بالله .

٢٣ ـ ( وأمّا حقّ ولدك ) :

فأن تعلمَ أنه منك ، ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤولٌ عما ولّيته من حُسنِ الأدبِ ، والدلالة على ربه ، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه ، فمثابٌ على ذلك ومعاقبٌ ، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المُعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه ، والأخذ له منهُ ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الحواء : ما يحتوي به الشيء من حوى الشيء إذا أحاط به من جهاته .

٣٦٥

٢٤ ـ ( وأمّا حقّ أخيكَ ) :

فأن تعلمَ أنه يدُكَ التي تبسُطها ، وظهرُكَ الذي تلتجيءُ إليه ، وعزُّك الذي تعتمد عليه ، وقوتُكَ التي تصولُ بها فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ، ولا عُدَّةً للظلم لخلقِ الله ، ولا تَدعْ نُصرتَه على نفسه ، ومعونَتَه على عدوّه ، والحؤول بينه وبين شياطينه ، وتأدية النصيحة إليه ، والإقبال عليه في الله ، فإن انقاد إلى ربه ، وأحسن الاجابة له ، وإلا فليكن الله آثرَ عندك وأكرمَ عليك منه .

٢٥ ـ ( وأمّا حقّ المنعم عليك بالولاء) )

فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله ، وأخرجك من ذلّ الرقّ ووحشته ، إلى عزّ الحرية واُنسها ، وأطلقك من أسر الملكة ، وفكّ عنك حلق العبودية وأوجدك رائحة العزّ ، وأخرجك من سجن القهر ، ودفع عنك العسر ، وبسط لك لسان الإنصاف ، وأباحك الدنيا كلّها ، فملّكك نفسك ، وحلّ أسرك ، وفرّغك لعبادة ربّك ، واحتمل بذلك التقصير في ماله فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولى رحمك في حياتك وموتك ، وأحقّ الخلق بنصرك ومعونتك ، ومكانفتك(٢) في ذات الله ، فلا تؤثر عليه نفسك ما أحتاج إليك .

٢٦ ـ ( وأما حقّ مولاكَ ، الجارية عليه نعمتُك ) :

فأن تعلمَ أن الله جعلك حاميةً عليه ، وواقيةً وناصراً ومعقلاً ، وجعلهُ لك وسيلةً وسبباً بينك وبينه ، فبالحريِّ أن يحجُبَكَ عن النارِ ، فيكونُ في ذلك ثواب منه في الآجل ، ويحكمُ لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رَحِمٌ ، مكافأةً لما أنفقتهُ من مالك عليه ، وقُمتَ به من حقه بعد إنفاق مالك ، فإن لم تقُم بحقّه خيف عليك أن لا يطيب له ميراثُه ، ولا قوة إلا باللهِ .

٢٧ ـ ( وأمّا حقّ ذي المعروفِ عليكَ ( :

فأن تشكرَهُ ، وتذكُرَ معروفَهُ ، وتنشُرَ له المقالة الحسنة ، وتُخلِصَ له الدعاءَ فيما بينَك وبين الله سبحانه ، فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرتَه سراً وعلانيةً ، ثم إن أمكنَ مكافأتُه بالفعلِ كافأتَهُ ، وإلا كُنتَ مُرصِداً له موطّناً نفسك عليها .

ــــــــــــــــ

(١) الوَلاء ( بالفتح ) : النصرة والملك والمحبة والصداقة والقرابة .

(٢) المكانفة : المعاونة .

٣٦٦

٢٨ ـ ( وأمّا حقّ المؤذّن ) :

فأن تعلمَ أنه مُذكّرُك بربّك ، وداعيكَ إلى حظّك ، وأفضلُ أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك ، فتشكُرَهُ على ذلك شُكرَكَ للمحسن إليك ، وعلمت أنه نعمةٌ من الله عليك لا شكّ فيها ، فأحسِنْ صحبةً نعمة الله عليها على كلّ حالٍ ولا حول ولا قوةَ إلا باللهِ .

٢٩ ـ ( وأمّا حقّ إمامك في صلواتك ) :

فأن تعلمَ أنه تقلّد السفارة فيما بينك وبين الله ، والوفادة إلى ربك وتكلّم عنك ، ولم تتكلّم عنه ، ودعا لك ولم تدعُ له ، وطلبَ فيك ، ولم تطلُبْ فيه ، وكفاكَ همّ المقام بين يدي الله ، والمسألةِ له فيك ، ولم تكفه ذلك ، فإن كان في شيءٍ من ذلك تقصيرٌ كان به دونك ، وإن كان آثماً لم تكن شريكه فيه ولم يكن له عليه فضلٌ فوقى نفسك بنفسه ، ووقى صلاتك بصلاته ، فتشكُرَ له ذلك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

٣٠ ـ ( وأمّا حقّ الجليسِ ) :

فأن تُليّن له كنفك(١) ، وتُطيِبَ له جانبك ، وتُنصِفَه في مُجاراة اللفظ ولا تغرق(٢) في نزع اللحظ إذا لحظتَ ، وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظتَ ، وإن كنتَ الجليس إليه كنتَ في القيامِ عنهُ بالخيارِ ، وإن كان الجالس إليك كان بالخيارِ ، ولا تقومُ إلا بإذنه ، ولا قوةَ إلا بالله .

٣١ ـ ( وأمّا حقّ الجارِ ( :

فحفظهُ غائباً ، وكرامتُه شاهداً ، ونصرتُهُ ومعونتُهُ في الحالين جميعاً لا تتبعْ له عورةً ، ولا تبحثْ عن سوءةٍ لتعرفها ، فإن عرفتها منه عن غير إرادةٍ منك ولا تكلفٍ ، كنت لما علمتَ حصناً حصيناً ، وستراً ستيراً ، لو بحثتِ الأسنّةُ عنه ضميراً لم تتصل إليه لا نطوائهِ عليه ، لا تستمع عليه من حيث لا يعلَمْ لا تُسلّمه عند شديدة ، ولا تحسدهُ عند نعمة ، تقيلُ عثرتهُ وتغفر زلّته ، ولا تدّخرْ حلمك عنه إذا جهل عليك ، ولا تخرج أن تكون سلماً له تردّ عنه لسان الشتيمة ، وتبطُلُ فيه كيد حامل النصيحة ، وتعاشرُهُ معاشرةً كريمةً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الكنف : الجانب والظل .

(٢) يقال : تجاروا في الحديث : جرى كل واحد مع صاحبه ، ومنه مجاراة من لا عقل له أي الخوض معه في الكلام ولا تغرق : ولا تبالغ في أمره .

٣٦٧

٣٢ ـ ( وأمّا حقّ الصاحب ) :

فأن تصحبَهُ بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً ، وإلا فلا أقلّ من الإنصاف وأن تكرمه كما يكرمُك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته ، ولا تُقصِّرَ به عما يستحقّ من المودّة تُلزِمُ نفسَك نصيحتهُ ، وحياطتَهُ ، ومعاضدتَهُ على طاعة ربه ، ومعونته على نفسه ، فيما لا يهمّ به من معصية ربه ، ثم تكون عليه رحمةً ، ولا تكن عليه عذاباً ، ولا قوةَ إلا بالله .

٣٣ ـ ( وأمّا حقّ الشريكِ ) :

فإن غابَ كفيتَهُ ، وإن حضَرَ ساويتَهُ ، ولا تعزِمْ على حُكمِكَ دون حُكمه ، ولا تعمل برأيك دون مُناظرتِه ، وتحفظُ عليه مالَه ، وتتقي خيانته فيما عزّ أو هان ، فإنه بلغنا ( أن يدَ اللهِ على الشريكينِ ما لم يتخاونا ) ولا قوةَ إلا بالله .

٣٤ـ ( وأمّا حقُّ المالِ ( :

فأن لا تأخُذَه إلا من حلّه ، ولا تُنفقه إلا في حلّه ، ولا تحرّفهُ عن مواضعه ، ولا تصرفه عن حقائقه ، ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه ، وسبباً إلى الله ولا تؤثرَ به على نفسك من لعلّه لا يحمدك ، وبالحريّ أن لا يحسن خلافته في تركتكَ(١) ، ولا يعمل فيه بطاعة ربك فيذهب بالغنيمة وتبوء بالإثم والحسرة والندامة مع التبعة(٢) ، ولا قوة إلا بالله .

٣٥ ـ ( وأمّا حقّ الغريم(٣) المطالب لك ) :

فإن كنت موسراً أوفيته ، وكفيته وأغنيته ، ولم تردده وتمطله (٤) ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( مطل الغنيّ ظلمٌ ) وإن كنت معسراً أرضيته بحسن القول ، وطلبت إليه طلباً جميلاً ورددته عن نفسك رداً لطيفاً ، ولم تجمع عليه ذهاب ماله ، وسوء معاملته ، فإنّ ذلك لؤم ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) التركة ( بفتح وكسر ) : الشيء المتروك أي تركة الميت ( الميراث ( .

(٢) التبعة : ما يترتب على الفعل من الشر ، وربما يستعمل في الخير أيضاً .

(٣) الغريم : الدائن ويطلق أيضاً على المديون .

(٤) المطل : التسويف والتعلل في أداء الحق وتأخيره عن وقته .

٣٦٨

٣٦ ـ ( وأمّا حقّ الخليط )

فأن لا تغرّه ، ولا تغشّه ، ولا تكذبه ، ولا تغفّله ، ولا تخدعه ، ولا تعمل في انتفاضه عمل العدوّ الذي لا يبقى على صاحبه ، وإن اطمأنّ إليك أستقصيت(٢) له على نفسك ، وعلمت أن غبن المسترسل رباً(٣)

ثم حقّ الخصم :

٣٧ ـ ( وأمّا حقّ الخصم المدّعي عليك ) :

فإن كان ما يدّعي عليك حقاً لم تنفسخ في صحبته ، ولم تعمل في إبطال دعوته ، وكنت خصم نفسك له ، والحاكم عليها والشاهد له بحقّه دون شهادة الشهود ، فإن ذلك حقّ الله عليك وإن كان ما يدّعيه باطلاً رفقت به ، وردعته ، وناشدته بدينه ، وكسرت حدتّه عنك بذكر الله ، وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يردّ عنك عادية عدوّك ، بل تبوء بإثمه ، وبه يشحذ عليك سيف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشرّ ، والخير مقمعةٌ للشّر ، ولا قوةً إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الخليط : المخالط كالنديم والشريك والجليس ونحوها .

(٢) استقصى في المسألة : بلغ الغاية فيها .

(٣) الاسترسال : الاستيناس إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه ، وأصله السكون والثبات وفي الحديث : ( غبن المسترسل سحت ) ، و( غبن المسترسل ربا ) .

٣٦٩

٣٨ ـ ( وأمّا حقّ الخصم المدّعى عليه ( :

فإن كان ما تدّعيه حقاً أجملت في مقاولته(١) بمخرج الدعوى ، فإن للدعوى غلظةً في سمع الدّعى عليه ، وقصدت قصد حجّتك بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبين البيان ، وألطف اللطف ، ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال ، فتذهب عنك حجتك ، ولا يكون لك في ذلك دركٌ ، ولا قوة إلا بالله .

ثم حق المشاورة والنصيحة :

٣٩ ـ ( وأمّا حقّ المستشير ) :

فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة ، وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به ، ليكن ذلك منك في رحمةٍ ولينٍ ، فإن اللين يؤنس الوحشة ، وأن الغلظ يوحش موضع الأنس ، وإن لم يحضرك له رأيٌ ، وعرفت له من تثق برأيه ، وترضى به لنفسك دللته عليه وأرشدته إليه فكنت لم تأله(٢) خيراً ولم تدّخره نصحاً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) المقاولة : المجادلة والمباحثة .

(٢) لم تأله : لم تقصره من : ألا ، يألو .

٣٧٠

٤٠ ـ ( وأمّا حقّ المشير عليك ( :

فلا تتّهمه فيما لا يوافقك من رأيه ، إذا أشار عليك فإنما هي الآراء وتصرّف الناس فيها وأختلافهم ، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا أتهمت رأيه ، فأما تهمته فلا يجوز لك إذا كان عندك ممن يستحقّ المشاورة ، ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه ، وحسن وجه مشورته ، فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك ، ولا قوة إلا بالله .

٤١ ـ ( وأمّا حقّ المستنصح ( :

فإنّ حقّه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أنه يحمل ، وتخرج المخرج الذي يلين على مسامعه وتكلّمه من الكلام بما يطيقه عقله ، فإنّ لكلّ عقلٍ طبقةً من الكلام يعرفه ويجتنبه ، وليكن مذهبك الرحمة ، ولا قوة إلا بالله .

٤٢ ـ ( وأمّا حقّ الناصح ) :

فأن تلين له جناحك ، ثم تشرئب(١) له قلبك ، وتفتح له سمعك ، حتى تفهم عنه نصيحته ، ثم تنظر فيها : فإن كان وفّق فيها للصواب حمدت الله على ذلك ، وقبلت منه ، وعرفت له نصيحته .وإن لم يكن وفّق لها ، رحمته ولم تتهمه ، وعلمت أنه لم يألك نصحاً ، إلا أنه أخطأ ، إلا أن يكون عندك مستحقاً للتهمة ، فلا تعبأ بشيءٍ من أمره على كلّ حالٍ ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) إشرأب للشيء : مدّ عنقه لينظره ، والمراد ان تملأ قلبك من نصحه .

٣٧١

ثم حقّ السن :

٤٣ ـ ( وأمّا حقّ الكبير ( :

فإنّ حقّه توقير سنّه ، وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه ، وترك مقابلته عند الخصام ، ولا تسبقه إلى طريقٍ ، ولا تؤمّه في طريق(١) ، ولا تستجهله ، وإن جهل عليك تحملّت ، وأكرمته بحقّ إسلامه مع سنّه ، فإنما حقّ السنّ بقدر الإسلام ، ولا قوة إلا بالله .

٤٤ ـ ( وأمّا حقّ الصغير ) :

فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه ، والستر عليه ، والرفق به ، والمعونة له ، والستر على جرائر حداثته ، فإن سببٌ للتوبة ، والمداراة له ، وترك مماحكته ، فإن ذلك أدنى لرشده .

ــــــــــــــــ

(١) من أمّ يؤمّ أي ولا تتقدمه .

٣٧٢

ثم حقّ السائل والمسؤول :

٤٥ ـ ( وأمّا حقّ السائل ) :

فاعطاؤه إذا تيقنّت صدقه ، وقدرت على سد حاجته والدعاء له فيما نزل به ، والمعاونة له على طلبته وإن شككت في صدقه ، وسبقت إليه التهمة ، ولم تعزم على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدّك عن حظك ، ويحول بينك وبين التقرّب إلى ربّك ، تركته بستره ورددته رداً جميلاً وإن غلبت نفسك في أمره ، وأعطيته على ما عرض في نفسك منه فإنّ ذلك من عزم الأمور .

٤٦ ـ ( وأمّا حقّ المسؤول ) :

فحقّه إن أعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له ، والمعرفة لفضله ، وطلب وجه العذر في منعه ، وأحسن به الظنّ ، وأعلم أنه إن منع فماله منع ، وأن ليس التثريب(١) في ماله وإن كان ظالماً فإن الإنسان لظلومٌ كفار .

٤٧ ـ ( وأمّا حقّ من سّرك الله به وعلى يديه ) :

فإن كان تعمّدها لك حمدت الله أولاً ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء ، وكافأته على فضل الإبتداء ، وأرصدت له المكافأة وإن لم يكن تعمّدها ، حمدت الله أولاً ثم شكرته وعلمت أنه منه ، توحّدك بها وأحببت هذا إذ كان سبباً من أسباب نعم الله عليك ، وترجو له بعد ذلك خيراً ، فإن أسباب النعم بركةٌ حيث ما كانت وإن كان لم يتعمد ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) التثريب : التوبيخ والملامة .

٣٧٣

٤٨ ـ ( وأمّا حقّ من ساءك القضاء على يديه بقولٍ أو فعلٍ ) :

فإن كان تعمّدها كان العفو أولى بك لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير من أمثاله من الخلق ، فإن الله يقول: ( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيلٍ * إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) )(١) وقال عز وجل : (( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ ) )(٢) هذا في العمد ، فإن لم يكن عمداً لم تظلمه بتعمد الإنتصار منه فتكون قد كافأة في تعمدٍ على خطأ ورفقت به ، ورددته بألطف ما تقدر عليه ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) سورة الشورى : الآية ٤١ ـ ٤٣ .

(٢) سورة النحل : الآية ١٢٦ .

٣٧٤

ثمّ حقّ بقية الناس :

٤٩ ـ ( وأمّا حقّ أهل ملّتك عامةً ) :

فإضمار السلامة ، ونشر جناح الرحمة ، والرفق بمسيئهم وتألّفهم ، واستصلاحهم ، وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك ، فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كفّ عنك أذاه ، وكفاك مؤونته ، وحبس عنك نفسه ، فعمّهم جميعاً بدعوتك ، وانصرهم جميعاً بنصرتك ، وأنزلهم جميعاً منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ فمن أتاك تعاهدته بلطفٍ ورحمةٍ ، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه .

٥٠ ـ ( وأمّا حقّ أهل الذمة ( :

فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما جعل الله لهم من ذّمته وعهده ، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملةٍ ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله ، والوفاء بعهده ، وعهد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم حائلٌ ، فانه بلغنا أنه قال : ( من ظلم معاهداً كنت خصمه ) فاتّق الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

(الخاتمة)

فهذه خمسون حقاً محيطاً بك ، لا تخرج منها في كل حالٍ من الأحوال يجب عليك رعايتها ، والعمل في تأديتها والاستعانة بالله جلّ ثناؤه على ذلك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والحمد لله ربّ العالمين(١)

ــــــــــــــــ

(١) تحف العقول ص ١٨٣ ـ ١٩٦ .

٣٧٥

رسالة السجادعليه‌السلام في الزهد

وهذه رسالة في الزهد للسجادعليه‌السلام دوّنت في حياته ، فادرجناها في الآثار المدوّنة .

أ ـ في سند الرسالة

نقل الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) هذه الرسالة عن : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، جميعاً عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، قال : ( ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسينعليه‌السلام إلا ما بلغني من علي بن أبي طالبعليه‌السلام وكان الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته ) وأضاف أبو حمزة : ( قرأت صحيفةً فيها كلام زهدٍ من كلام علي بن الحسينعليه‌السلام وكتبت ما فيها ، ثم أتيت علي بن الحسين صلوات الله عليه فعرضت ما فيها عليه ، فعرفه وصححه ) .

والرواية صحيحة السند ، والرواة في سلسلتها كلهم من الثقات .

ب ـ نص رسالة الزهد

 ( بسم الله الرحمن الرحيم كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبّارين أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا ، الماثلون إليها ، المفتتنون بها ، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد ، وهشيمها البائد غداً واحذروا ما حذّركم الله منها ، وازهدوا فيما زهّدكم الله فيه منها ، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان .

والله إن لكم مما فيها عليها لدليلاً وتنبيهاً ، من تصريف أيامها ، وتغيّر انقلابها ومثلاتها ، وتلاعبها بأهلها إنها لترفع الخميل وتضع الشريف ، وتورد أقواماً إلى النار غداً ، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمتنبّه .

إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن ، وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان لتثّبط القلوب عن تنبهها ، وتذهلها عن موجود الهدى ، ومعرفة أهل الحق إلا قليلاً ممن عصم الله ، فليس يعرف تصرّف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك طريق القصد ، ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرّر الفكر واتعط بالصبر فازدجر ، وزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين .

٣٧٦

انظر إلى ما في الدنيا بعين نيّرة حديدة البصر ، وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة ، فلقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق ، فاستعينوا بالله وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع .

فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه ، وتالله ما صدر قوم قطّ عن معصية الله إلا إلى عذابه ، وما آثر قوم قطّ الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم ، وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله ، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال الله : (( إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) )(١) ، فلا تلتمسوا شيئاً مما في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله ، واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غداً من عذاب الله ، فإن ذلك أقل للتّبعة وأدنى من العذر ، وأرجأ للنجاة .

ــــــــــــــــ

(١) سورة فاطر : الآية ٢٨ .

٣٧٧

فقدّموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم .

واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غداً ، وهو موقفكم ومسائلكم ، فأعدّوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على ربّ العالمين( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلّمُ نَفْسٌ إِلّا بِإِذْنِهِ ... ) (١) .

واعلموا أن الله لا يصدّق يومئذ كاذباً ولا يكذّب صادقاً ، ولا يردّ عذر مستحق ، ولا يعذر غير معذور ، له الحجّة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل .

فاتقوا الله عباد الله ، واستقبلوا في إصلاح أنفسكم ، وطاعة الله وطاعة من تولّونه فيها ، لعل نادماً قد ندم فيما فرّط بالأمس في جنب الله وضيّع من حقوق الله ، واستغفروا الله وتوبوا إليه ؛ فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئة ويعلم ما تفعلون .

ــــــــــــــــ

(١) سورة هود : الآية ١٠٥ .

٣٧٨

وإيااكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم ، وتباعدوا من ساحتهم ، واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله ، واستبدّ بأمره دون أمر ولي الله كان في نار تلتهب ، تأكل أبداناً قد غابت عنها أرواحها ، وغلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لا يجدون حرّ النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار .

واعتبروا يا أولي الأبصار ، واحمدوا الله على ما هداكم ، واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته ، وسيرى الله عملكم ورسوله ثم إليه تحشرون ، فانتفعوا بالعظة وتأدّبوا بآداب الصالحين )(١)

ــــــــــــــــ

(١) الكافي للشيخ الكليني ج ٨ ص ١٧ .

٣٧٩

الفصل الخامس : نصوصٌ منتقاةٌ

النصوص التالية هي حكم وأقوال منتخبة للإمام علي بن الحسينعليه‌السلام في حقول دينية وحياتية شتى ، جمعها فكر الإمامعليه‌السلام وهي على تنوعها ، تعكس إمام السجادعليه‌السلام بالعلوم الإلهية ومنابع الفيض السماوي على الإمامعليه‌السلام

في الدين والحياة

تناول الإمام زين العابدينعليه‌السلام في خطابه الإرشادي إلى الناس جملة من المفاهيم الدينية حول صفات الإنسان وطبيعة إيمانه ، والدنيا ووجوه اغراءتها ، والآثار الشخصية والإجتماعية للإحسان ، ومجموعة من سنن الأنبياءعليهم‌السلام ، وطرق تعاملهم مع الناس ومتون تلك الأحاديث تعبّر عن شمولية الدين لمناحي الحياة ودور القيم الأخلاقية في تهذيبها .

٣٨٠