الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين0%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد زهير الأعرجي
الناشر: المؤلف
تصنيف: الصفحات: 413
المشاهدات: 241970
تحميل: 13335

توضيحات:

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241970 / تحميل: 13335
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مقارعة الحجة بالحجة :

وكان من عادة الجيش إدخال السبايا على الحاكم المنتصر من أجل إذلالهم والتشفي منهم فالمقدمة هنا كانت إدخال السبايا على والي الكوفة ، والنتيجة هو إذلال أهل البيتعليه‌السلام ولكن الأمر كان مختلفاً مع سبايا العترة الطاهرةعليه‌السلام ، فقد نجحت المقدمة وهي إدخالهم على الوالي ولكن النتيجة باءت بالفشل ، ولم ينجحوا في إذلالهم بل كلما ازداد الضغظ عليهم من قبل بني أمية كانوا يزدادون في عيون الأمة سمواً وعلواً وتألقاً .

فعندما جلس عبيدالله ابن زياد ( والي الكوفة ) في القصر للناس ، وأذن إذناً عاماً ، جيء برأس الحسينعليه‌السلام فوضع بين يديه وأدخل نساء الحسينعليه‌السلام وصبيانه إليه ، فجلست زينب بنت عليعليه‌السلام متنكرة فسأل عنها فقيل زينب بنت عليعليه‌السلام فأقبل إليها ، فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم فقالت : ( إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا ) فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك فقالت : ( ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن يكون الفلج(١) يومئذٍ ) .

ــــــــــــــــ

(١) فلج : ظفر بسما طلب ، وفلج بحجته أثبتها .

٤١

فغضب ابن زياد وكأنه همّ بها ، فقال له عمرو بن حريث : إنها امرأة والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك فقالت : ( لعمري لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي وإختثثت أصلي فإن كان هذا شفاك فقد إشتفيت ) فقال ابن زياد : هذه سجّاعة ولعمري لقد كان أبوك شاعراً وسجّاعاً فقالت : ( يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة ) .

ثم التفت ابن زياد إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ، فقال من هذا ؟ فقيل : علي بن الحسين ( السجاد ) فقال : أليس الله قد قتل علي بن الحسين ؟ فقال عليعليه‌السلام : ( قد كان لي أخ يقال له علي بن الحسين قتله الناس ) فقال : بل الله قتله فقال عليعليه‌السلام ( اللّهُ يَتَوَفّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا (١). ) . فقال ابن زياد : ألك جرأة على جوابي ثم أمر بضرب عنق زين العابدينعليه‌السلام .

فنهضت له عمته الكريمة زينب بنت عليعليه‌السلام ، ما سكةً بيد الإمامعليه‌السلام صادحةً بقوة الحق : ( حسبك يا بن زياد من دمائنا ما سفكت ، وهل أبقيت أحداً غير هذا ؟ فإن أردت قتله فاقتلني معه ) فقال عليعليه‌السلام لعمته : اسكتي يا عمة حتى أكلمه ثم أقبل ، فقال :

ــــــــــــــــ

(١) سورة الزمر : الآية ٤٢ .

٤٢

 ( أبالقتل تهددني يا ابن زياد ؟ أما علمت أن القتل لنا عادة ، وكرامتنا من الله الشهادة ؟ )(١) .

لقد كانت إرادة العقيلة زينبعليه‌السلام قوية إلى درجة انه تراجع عن قراره وهو في مجلسه ، وقال لجلاوزته بخجل : دعوه لها ، يا للرحم ودّت أنها تقتل معه .

قال الجاحظ في رسائله ان ابن زياد قال لأصحابه في علي ابن الحسين : دعوني أقتله فإنه بقية هذا النسل ـ يعني نسل الحسينعليه‌السلام ـ فأحسم به هذا القرن ، وأميت به هذا الداء ، وأقطع به هذه المادة .

إلا ان موقف زينبعليه‌السلام كان قد غيّر الأمر ، وجعل الحاشية تشير عليه بالإمساك عنهعليه‌السلام ظنّاً منهم ان ما ألّم به من المرض سوف يقضي عليه .

ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسينعليه‌السلام وأهله ، فحملوا إلى دارٍ جنب المسجد الأعظم بالكوفة .

ــــــــــــــــ

(١) عوالم العوالم ج ١٧ ص ٣٨٤ واللهوف ص ٧٠ .

٤٣

مواراة أجساد قتلى آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ١٣ محرم سنة ٦١ هـ )

بقيت أجساد العترة الطاهرة متناثرة في عراء الطف يومين أو ثلاثة أيام وانبرى قومٌ من بني أسد من الذين لم يشتركوا في الحرب لدفنها ، فحفروا قبوراً لتلك الأجساد الطاهرة ، لكنهم تحيروا في معرفتها لأن الرؤوس كانت قد فصلت عنها وأخذت إلى الشام حتى ورد الإمام زين العابدينعليه‌السلام من الكوفة فأوقف بني أسد على شهداء أهل البيت ، وأوقفهم أيضاً على أصحاب الحسينعليه‌السلام وبادر إلى حمل جثمان أبيهعليه‌السلام ، فواراه الثرى ، وهو يقول : ( يا أبتاه ، طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فان الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة أما الليل فمسهد ، والحزن سرمد أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ( .

وعلّم قبر أبيهعليه‌السلام بعلامة ، وكتب : ( هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب ، الذي قتلوه عطشاناً غريباً ) ووضع قبر أخيه المشهور بـ ( علي الأكبر ) عند رجلي والده الحسينعليه‌السلام ، وبقية الشهداء من بني هاشم والأنصار في قبر واحد .

ثم انطلق إلى نهر العلقمي فحفر قبراً لعمه أبي الفضل العباس قمر بني هاشم ، وهو يقول : ( على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم ، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله و بركاته ( .

٤٤

دلالات رجوع السجادعليه‌السلام إلى كربلاء :

١ ـ لاشك ان انصراف الإمام زين العابدينعليه‌السلام من سحن عبيد الله ابن زياد في الكوفة لتولي أمر أبيهعليه‌السلام في كربلاء دون علمهم به من الكرامات الخاصة بالامام السجادعليه‌السلام وإذا كانت المسافة بين الكوفة وكربلاء حوالي ٨٠ كيلومتراً ، فان قطعها يحتاج الى أكثر من يوم ، بالطريق الطبيعي إلا ان الروايات المتواترة عن أهل البيتعليه‌السلام تثبت بان اختصار تلك المسافة كان من الكرامات الخاصة بالسجادعليه‌السلام وليس هذا غريباً ، فان الله تعالى قد خصهم بكرامات عديدة ، لخصائص مباركة فيهم .

٢ ـ الظاهر ان أمر رجوع الإمام زين العابدينعليه‌السلام الى كربلاء لدفن أبيهعليه‌السلام كان أمراً شائعاً متعارفاً ويؤيده تلك المناظرة بين الإمام الرضاعليه‌السلام وابن ابي حمزة في بدايات القرن الثالث الهجري ، وموضوع المناظرة كان وجوب تغسيل الإمام المعصوم من قبل الإمام آخر .

٤٥

قال الإمام الرضاعليه‌السلام له ، وهما في أوج حمى المناظرة : ( اخبرني عن الحسين بن علي كان إماماً ) قال : بلى قالعليه‌السلام : ( فمن ولي أمره ؟ ) قال : علي بن الحسين فقال الرضاعليه‌السلام : ( وأين كان ؟ ) قال ابن أبي حمزة : ( كان محبوساً بالكوفة عند ابن زياد ولكنه خرج وهم لا يعلمون به حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف الى السجن ) فقال الرضاعليه‌السلام : ( ان من مكّن علي بن الحسين أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ثم ينصرف ، يمكّن صاحب هذا الأمر ان يأتي بغداد فيلي أمر أبيه(١) وليس هو في حبس ولا أسار )(٢) ودلالة الرواية ان أمر الذهاب من الكوفة الى كربلاء لدفن أبيهعليه‌السلام كان من الكرامات المعروفة المشهورة الخاصة بالسجادعليه‌السلام .

في الشام ( محرم / صفر سنة ٦١ هـ)

وكتب ابن زياد الى يزيد يخبره بقتل الحسينعليه‌السلام وخبر أهل بيته(٣) ولما وصل كتاب ابن زياد الى الشام أمره يزيد بحمل رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس من قتل معه إليه فأمر ابن زياد بنساء الحسينعليه‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) يقصد تغسيل الامام الكاظمعليه‌السلام .

(٢) إثبات الوصية للمسعودي ص ١٧٣ طبعة النحف .

(٣) الكامل في التأريخ للجزري ج ٤ ص ٨٣ .

٤٦

وصبيانه فجهّزوا ، وأمر بعلي بن الحسينعليه‌السلام فغلّ بقيدٍ الى عنقه .

وانطلق ركب سبايا آل البيتعليه‌السلام على الأقتاب إلى الشام تاركاً الكوفة ومحنها ومتوجهاً إلى أرض لم يطأها من قبل ، والى أناس لم يعرف ملامحهم ولا أخلاقهم ولم يكلّم علي بن الحسينعليه‌السلام أحداً من جنود ابن زياد في الطريق ولا بحرف ، حتى بلغوا الشام(١) ودمشق مدينة مطردة الأنهار ، كثيرة الأشجار وكان دخول سبايا آل البيتعليه‌السلام مناسبة لأهل الشام للاحتفال ، فعلّق أهلها الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون ، ودفعوا نساءهم للعب بالدفوف والطبول ، كما روى ذلك سهل بن سعد الساعدي .

وفي الشام تعرض الإمام السجادعليه‌السلام لعدة مواقف نذكر منها ثلاثة لاهميتها أولها : تذكير الناس وإرشادهم ثانياً : مواجهته يزيد ثالثاً : خطبته البليغة في مجلس الطاغية وفيما يلي نعرض لكل موقف من تلك المواقف :

الأول : تذكير الناس وإرشادهم

استثمر آل البيتعليه‌السلام كل مناسبة كانت تسنح لهم للتعبير عن ارتباطهم بالرسالة والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان تعاملهم مع الناس تعامل المعلم مع تلميذه ، والوالد مع ولده وكانواعليه‌السلام ينشرون المعارف والعلوم ، ويغفرون الخطأ والزلل ، ويهدون الناس إلى طريق الحق .

ــــــــــــــــ

(١) الارشاد ج ٢ ص ١١٩ .

٤٧

وفي ذلك رواية لها أهمية خاصة ، لانها تكشف طريقة تعامل الإمام زين العابدينعليه‌السلام مع الناس في الشام فقد فتح المسلمون بلاد الشام ، وحكمها خالد بن الوليد ومعاوية بن ابي سفيان ولم ير أهل الشام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو اصحابه ، فاعتبروا سلوك معاوية واصحابه سنّة للمسلمين ، وليس مستغرباً ان نقرأ الرواية التالية :

عندما دنا شيخ طاعن في السن من جمهور المختلفين واقترب من نساء الحسينعليه‌السلام وعياله وهم في ذلك الوضع ، بادرهم بالقول : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح البلاد عن رجالكم ، وأمكن أمير المؤمنين ( يزيد ) منكم .

فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام : ( يا شيخ هل قرأت القرآن ؟ ) قال : نعم .

قالعليه‌السلام : فهل عرفت هذه الآية :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، قال الشيخ : نعم قد قرأت ذلك فقال علي بن الحسينعليه‌السلام له : فنحن القربى .

ــــــــــــــــ

(١) سورة الشورى : آية ٢٣ .

٤٨

يا شيخ فهل قرأت في سورة بني إسرائيل :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى‏ حَقّهُ ) (١) ، فقال الشيخ : قد قرأت فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : فنحن القربى  .

يا شيخ فهل قرأت هذه الآية :( وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْ‏ءٍ فَأَنّ للّهِ‏ِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (٢) ؟ قال الشيخ : نعم فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام : ( فنحن القربى 

يا شيخ فهل قرأت هذه الآية :( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً )  (٣) ؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( فنحن أهل البيت الذي خصصنا الله بآية الطهارة يا شيخ  .

فبقي ذلك الانسان ساكتاً نادماً على ما تلكم به ، وقال : بالله إنكم هم فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( تالله إنا لنحن هم من غير شك وحق جدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) .

فبكى الشيخ ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنا نبرأ إليك من عدو آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جن وإنس ثم قال : هل لي من

ــــــــــــــــ

(١) سورة الاسراء : آية ٢٦ .

(٢) سورة الانفال : آية ٤١ .

(٣) سورة الاحزاب : آية ٣٣ .

٤٩

توبة فقالعليه‌السلام : ( نعم إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا ) فقال : أنا تائب فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ ، فأمر به ، فقتل(١) .

وفي تلك الرواية دلالات ، منها :

١ ـ ان أهل الشام كانوا يعتقدون بما كان يقوله لهم إعلام بني أمية ولا يستنكرونه ، بل كانوا يأخذونه أخذ المسلّمات .

٢ ـ ان القابلية على التغيير عند الأمة كانت موجودة فما أن احتجّ عليه الإمامعليه‌السلام بالقرآن وبمصاديقه وأفحمه في ذلك ، حتى قبل ذلك الشيخ بالحجة واقتنع بها وهذا المنحى في التغيير أتخذه الإنبياءعليه‌السلام وأئمة أهل البيتعليه‌السلام طريقاً لهداية الناس .

٣ ـ ان طريق أهل البيتعليه‌السلام كانت له مبادئ ، أهمها : الرحمة بالرعية ، والصفح عن اخطائهم ، وقبول توبتهم ولذلك كان الإمام السجادعليه‌السلام يطمع لندم ذلك الإنسان ويرجو الإعتراف بخطائه ولم يشترط عليه شيء لقبول تلك التوبة ، ودرأ ذلك التقصير .

٤ ـ تفصح الرواية عن جهود السلطة الأموية في كمّ أفواه الناس ، فما أن علموا برواية الشيخ وحديثه مع السجادعليه‌السلام ، حتى أمروا بقتله لأن إطلاع الناس على حقائق الدين والتأريخ ، نذيرٌ بزوال حكمهم .

الثاني : مواجهة الظالم

ولا شك ان مواجهة الحاكام الظالم بعد معركة خاسرة عسكرياً أمرٌ صعب بل مرعب خصوصاً إذا كانت السبايا من النساء والصبيان والمرضى إلاّ ان موقفا زينبعليه‌السلام وزين العابدينعليه‌السلام أمام يزيد الطاغية قد قلبا كل المقاييس .

ــــــــــــــــ

(١) اللهوف ص ٧٦ .

٥٠

فقد توقع بنو أمية إذلال السبايا واهانتهم والتشفي منهم ، في وقت غابت عنهم فصاحة أهل البيتعليه‌السلام وحجتهم البالغة القوية وعلى أية حال ، فقد خابت آمال بنو أمية عندما انطلقت زينبعليه‌السلام في خطبتها الفصيحة البليغة تعدد مثالبهم وتكشف انحرافهم عن الاسلام وعن تعاليم القرآن المجيد والسنة النبوية الشريفة بينما أرجع الإمام زين العابدينعليه‌السلام مصيبة كربلاء إلى ظلم بني أمية وإرادتهم ، ذلك الظلم المكتوب في الكتاب قبل ان يبرأ الله عزوجل الخلق .

وبتعبير آخر ، أراد الإمام السجادعليه‌السلام تذكير الناس بان المصائب ومنها مصيبة كربلاء مكتوبة في اللوح المحفوظ ، ذلك الكتاب الذي فيه ما كان وما يكون وما هو كائن الى يوم القيامة فالله عزّ وجلّ يعلم ما في اللوح من آجال ، قبل ان يخلق الخلق وهذا المعنى مستخلص من قوله تعالى في سورة الحديد : (( مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنّ ذلِكَ عَلَى‏ اللّهِ يَسِيرٌ ) )(١) . فواقعة الطف لم تكن مفاجئة لهمعليه‌السلام بل ان الأحاديث المتواترة تشير إلى انهم كانوا يتنبأون بها قبل وقوعها ، في مناسبات معروفة عديدة .

مع يزيد

ولما أدخل ثقل(٢) الحسينعليه‌السلام ونساؤه برفقة السجادعليه‌السلام على الطاغية يزيد وقد أوثقوهم بالحبال ، ابتدأ الإمامعليه‌السلام خطابه ليزيد : ( ما ظنك بجدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو يرانا على مثل هذه الحالة ؟ ) .

فأمر يزيد بحلّ الوثاق وقال : قبّح الله ابن مرجانة ( عبيدالله بن زياد ) لو كان بينكم وبينه قرابة لما فعل بكم هذا .

ثم دعا يزيد بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسينعليه‌السلام ، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال : ( ويحك يا يزيد أتنكت بقضيبك ثغر الحسين ابن فاطمةعليه‌السلام أشهد لقد رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشف ثنايا وثنايا أخيه الحسنعليه‌السلام ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة ، فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً ) .

ــــــــــــــــ

(١) سورة الحديد : الآية ٢٢ .

(٢) ثقل الرجل : عياله .

٥١

فغضب يزيد وأمر بإخراجه فأخرج سحباً من المجلس ، وجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

خطبة زينب بنت عليعليه‌السلام

فقامت زينب بت علي بن أبي طالبعليه‌السلام وقد ناهزت الخمسين من العمر ، والإمام زين العابدينعليه‌السلام جالس مع السبايا ، فقالت :

(الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه كذلك يقول) :( ثُمّ كَانَ عَاقِبَةَ الّذِينَ أَسَاءُوا السّوءى‏ أَن كَذّبُوا بِآيَاتِ اللّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) )(١) ، أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسرى إن بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة ، وإن ذلك

ــــــــــــــــ

(١) سورة الروم : الآية ١٠ .

٥٢

لعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوثقة ، والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلاً مهلاً أنسيت قول الله تعالى :( وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (١) .

أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حراثرك وإمائك ، وسوقك بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأذكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء ، وكيف ويستبطأ في بغضاء أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنان ، والإحن والأضغان ، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :

لاهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منتحياً على ثنايا أبي عبداللهعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة وإستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك ، زعمت إنك تناديهم فلتردن

ــــــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : الآية ١٧٨ .

٥٣

وشيكاً موردهم ولتودن إنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت ، وفعلت ما فعلت اللهم خذ لنا بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دمائنا ، وقتل حماتنا فوالله ما فريت إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك ، ولتردن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما تحملت من سفك ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، وحيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم ،( وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ ) )(١) . وحسبك بالله حاكماً وبمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصيماً وبجبرائيل ظهيراً ، وسيعلم من سوّل لك ومكنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً وأضعف جنداً.

ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، إني لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك لكن العيون عبرى ، والصدور حرى ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنماً ، لتجدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد فإلى الله المشتكى وعليه المعول .

ــــــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : الآية ١٦٩ .

٥٤

فكد كيدك ، وأسع سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها وهل رأيك إلا فند ، وأيامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل.

تصاغر يزيد :

فقال يزيد بن معاوية :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

ثم قال يزيد : أية يا علي بن الحسين أبوك الذي قطع رحمي ، وجهل حقي ، ونازعني في سلطاني ، فصنع الله به ما رأيت .

فقال السجادعليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم( : مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنّ ذلِكَ عَلَى‏ اللّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى‏ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (١) .

ــــــــــــــــ

(١) سورة الحديد : آية ٢٢ ـ ٢٣ .

٥٥

قال يزيد : بل قل :( وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) (١) فردّ الإمامعليه‌السلام : ( هذا في حق من ظلم ، لا في حق من ظلم ) .

ثم قالعليه‌السلام : ( يا ابن معاوية وهند وصخر لم تنزل النبوة والإمرة إلا لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد ولقد كان جدي علي بن أبي طالب في بدر وأحد والأحزاب في يده راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبوك وجدك في أيديهما راية الكفار ويلك يا يزيد لو تدري ما صنعت وما الذي ارتكبت بأبي وأهل بيته لهربت في الجبال ، وافترشت الرماد ، ودعوت بالويل والثبور ، فابشر بالخزي والندامة إذا اجتمع الناس ليوم الحساب ) .

وفي رواية المسعودي ان يزيد سأل زين العابدينعليه‌السلام : كيف رأيت يا علي بن الحسين ؟ قالعليه‌السلام : ( رأيت ما قضاه الله عز وجل قبل ان يخلق السموات والأرض ) .

فشاور يزيد جلساءه في أمره ، فاشاروا بقتله فابتدر زين العابدينعليه‌السلام الكلام ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( يا يزيد لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه ، حيث شاورهم في موسى وهارون ، فانهم قالوا له : ارجه وأخاه وقد أشار هؤلاء عليك بقتلنا ان أولئك كانوا الراشدة ، وهؤلاء لغير رشدك

ــــــــــــــــ

(١) سورة الشورى : آية ٣٠ .

٥٦

 [ ماضون ] ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلا أولاد الأدعياء ) فأمسك يزيد مطرقاً(١)

الثالث : خطبة الإمامعليه‌السلام في مجلس يزيد

ثم أوعز يزيد إلى خطيبٍ من خطباء السوء اعتلاء المنبر ، والنيل من عليعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام فقام وبالغ في الذم وأطنب في مدح معاوية ويزيد فانبرى السجادعليه‌السلام مخاطباً : ( ويلك أيها المتكلم اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار ) .

وكان من أدب الإمامعليه‌السلام الجمّ أن يسأل يزيد ، وهو صاحب المجلس على كل حال ، كي يسمح له بالكلام والكلام في المجالس يحتاج إلى إذن فقالعليه‌السلام : ( أتأذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب ) فرفض يزيد في البداية ولكن الحاضرين ـ وهم من خلّص حاشية يزيد ـ أصروا عليه وهم يتوقعون انهعليه‌السلام لا يحسن الخطابة أو هكذا تظاهروا فوافق يزيد فقام الإمامعليه‌السلام ، فقال :

(الحمد لله الذي لا بداية له والدائم الذي لا نفاد له ، والأول الذي لا أولية له ، والآخر الذي لا آخرية له ، والباقي بعد فناء الخلق ،

ــــــــــــــــ

(١) إثبات الوصية لعلي بن الحسين المسعودي ص ١٤٠ طبعة النجف .

٥٧

قدّر الليالي والأيام ، وقسّم فيما بينها ، فتبارك الله الملك العلام). ثم استطرد في ذلك كثيراً إلى أن قال :

أيها الناس أعطينا ستّاً ، وفضّلنا بسبع أعطينا : العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبة في قلوب المؤمنين وفضّلنا : بأن منّا النبيّ المختار محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيار ، ومنّا أسد الله وأسد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنّا سيدّة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب الجنة .

فمن عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي أنا ابن مكة ومنى أنا ابن زمزم والصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء أنا ابن خير من اثتزر وارتدى أنا ابن خير من انتعل واحتفى أنا ابن خير من طاف وسعى أنا ابن خير من حجّ ولبّى أنا ابن من حمل على البراق في الهواء أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى .

أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى أنا ابن من صلّى بملائكة السماء أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن علي المرتضى أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلا الله .

أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين .

أنا ابن صالح المؤمنين ووراث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، وزين العابدين ، وتاج البكّائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ، رسول رب العالمين أنا ابن المؤيد بجبرئيل ، المنصور بميكائيل .

أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأوّل من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين ، وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبيد المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين .

٥٨

وناصر دين الله ، ووليّ أمر الله ، ولسان حكمة الله ، وعيبة علمه ، سمح سخيّ ، بهلول زكيّ ، أبطحيّ رضيّ مرضيّ ، مقدام همام ، صابر صوّام ، مهذّب قوّام ، شجاع قمقام ، قاطع الأصلاب ، ومفرق الأحزاب أربطهم عناناً ، وأثبتهم جناناً ، وأجرأهم لساناً ، وأمضاهم عزيمةً ، وأشدّهم شكيمة .

أسد باسل ، وغيث هاطل ، يطحنهم في الحروب ، اذا ازدلفت الأسنّة وقربت الأعنة ، طحن الرحى ويذروهم ذرو الريح الهشيم .

ليث الحجاز ، وصاحب الإعجاز ، وكبش العراق ، الإمام بالنص والستحقاق مكيّ مدنيّ ، أبطحيّ تهامي ، خيفيّ عقبي ، بدري أحدي ، شجري مهاجري من العرب سيّدها ، ومن الوغى ليثها وارث المشعرين ، وأبو السبطين الحسن والحسين ، مظهر العجائب ، ومفرق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسد الله الغالب ، مطلوب كلّ طالب ، غالب كلّ غالب ، ذاك جدي علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

أنا ابن فاطمة الزهراء أنا ابن سيدة النساء أنا ابن الطهر البتول أنا ابن بضعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا ابن المزمّل بالدماء أنا ابن ذبيح كربلاء أنا ابن من بكى عليه الجنّ في الظلماء ، وناحت عليه الطير في الهواء ( .

ولم يزلعليه‌السلام يقول : أنا ، أنا حتى ضج الناس بالبكاء ، وخشي يزيد من وقوع الفتنة ، فأمر المؤذن حتى يقطع على الإمامعليه‌السلام كلامه .

فصاح المؤذن : ( الله اكبر ) فالتفت إليه الإمامعليه‌السلام فقال له : (كبّرت كبيراً لا يقاس ، ولا يدرك بالحواسّ ، لا شيء أكبر من الله ) فلما قال المؤذن : ( أشهد أن لا إله إلا الله ) قال علي بن الحسين : ( شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخّي وعظمي ) ولما قال المؤذن : ( أشهد أن محمداً رسول الله ) التفت الإمامعليه‌السلام الى يزيد فقال له : ( يا يزيد ، محمد هذا جدي أم جدك ؟ فإن زعمت أنه جدّك فقد كذبت وإن قلت : إنه جدّي فم قتلت عترته ) ولم يجر يزيد جواباً لأن جدّ السجادعليه‌السلام هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجدّ يزيد هو ابو سفيان عدو الإسلام الذي ما قال الشهادتين إلا حقناً لدمه .

٥٩

دلالات خطبة السجادعليه‌السلام :

١ ـ كان الإمام السجادعليه‌السلام في غاية الأدب وسمو الخلق عندما طلب الإذن بالتحدث وهو سجين مظلوم ، وكان يستطيع ان يصرخ بوجه الطغاة دون إذن إلا انها أخلاق الإمامة ، ومشاعر أبناء الأنبياءعليه‌السلام .

٢ ـ وصف الإمامعليه‌السلام الكرسي الذي يجلس عليه الخطيب بالأعواد لا المنبر ، لأن المنبر مكان شريف يجلس عليه الأولياء المتقون والأعواد يجلس عليها الصالح والطالح وقد صعد على تلك الأعواد آنفاً خطيب من خطباء السوء .

٣ ـ أجملت الخطبة كل إنجازات أهل البيتعليه‌السلام تحت إمرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيادته ، وأجملت تضحياتهم في سبيل الدين ، وعلو منزلتهم ، وعظيم دورهم في بناء الإسلام في نفوس الناس وظهور البيان وفصاحته اغنانا عن التفصيل .

٤ ـ أظهرت الرواية بلاغة السجادعليه‌السلام وجرأته وهو لا يزال في مقتبل العشرينات من عمره الزاخر بالعطاء الفكري والروحي والتشريعي .

٦٠