فلاح السائل

فلاح السائل20%

فلاح السائل مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 296

فلاح السائل
  • البداية
  • السابق
  • 296 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59542 / تحميل: 10043
الحجم الحجم الحجم
فلاح السائل

فلاح السائل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الفصل الثالث : الإمام الصادق في ظل جدّه وأبيهعليهم‌السلام

ملامح عصر الإمام زين العابدين ومواقفه

لقد واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد استشهاد أبيه الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ التعاطف مع أهل البيتعليهم‌السلام تعاطفاً كان يفتقد الوعي ويقتصر على الشعور الإيجابي بالولاء مع خلوّه عن الموقف العملي الجادّ .

٢ ـ ثورات انتقاميّة كانت تتحرّك نحو هدف محدود ، وثورات نفعية مصلحيّة ، ونشوء حركات منافقة ، وظهور وعّاظ السلاطين لإسباغ الشرعية على السلطة القائمة .

٣ ـ بروز ظاهرة الشعور بالإثم عند الأمة بسبب ما ارتكبته من خذلان لأبيه الحسين السبطعليه‌السلام لكن هذا الشعور كما هو معروف كان بلا ترشيد واضح ، والعقليات المدبّرة للثورة على الوضع القائم كانت تفكر بالثأر فحسب وهنا خطط الإمام زين العابدينعليه‌السلام لعمله على مرحلتين أو خطوتين :

الخطوة الأولى : تناول الإمامعليه‌السلام ظاهرة الشعور بالإثم وعمل على ترشيدها بعد أن عمّقها بشكل متواصل عبر تذكيره الأمة بمأساة كربلاء والمظالم التي لحقت بآل البيتعليهم‌السلام وقد استغرق هذا التذكير زمناً طويلاً ،

٤١

حيث حاول إعطاء ظاهرة الشعور بالإثم بُعداً فكرياً صحيحاً ليجعل منه أداة دفع وتأثير في عملية البناء والتغيير .

وبعد أن تراكم هذا الشعور شكّل في نهاية الأمر خزيناً داخلياً كانت لا تقوى الأمة أن تصبر عليه طويلاً ، وأصبح الإلحاح على مخرج تعبّر به الأمّة عن ألمها أمراً جدّياً ، حتَّى حدثت الثورة الكبرى وطبيعي أنّ هذا الجو المشحون الذي كان ينبئ بالثورة والإطاحة بالأمويين جعلهم يشددّون الرقابة على الإمام زين العابدينعليه‌السلام باعتباره الرأس المدبّر لهذه المطالبة ولكونه الوريث الشرعي للخلافة بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ومن هنا كانت الحكومة الأموية تفسّر أيّ حركة تصدر من الإمامعليه‌السلام على أنّها تمهيد للثورة .

الخطوة الثانية : توزّع نشاط الإمامعليه‌السلام في هذه الخطوة على عدّة اتّجاهات .

الاتجاه الأوّل : قام الإمامعليه‌السلام ببلورة العواطف الهائجة وحاول أن يدفعها باتّجاه الفكر الصحيح ويضع لها الأسس العقائديّة ويجعل منها مقدمة لعملية التغيير التي ينشدها الإمامعليه‌السلام ، وقد تمثّلت في إيجاد الفكر الإسلامي الصحيح الذي طالما تعرّض للتشويه والتحريف ثم إعداد الطليعة الواعية التي تشعر بالمسؤولية وتكون أهلاً لحمل الأمانة الإلهيّة .

الاتّجاه الثاني : تحرّك الإمام زين العابدينعليه‌السلام انطلاقاً من مسؤوليته في حماية الإسلام وبقائه كشريعة دون تحريف وتشويه لمحتواه ضمن عدة نشاطات :

١ ـ النشاط الأول : واجه الإمامعليه‌السلام الحركات الانحرافية والفرق الضالّة والمغالية التي كانت تستهدف الفكر الإسلامي وتعتمد الإسرائيليات والنظريات الهندية واليونانية حول الكون والحياة في فهم القرآن والحديث

٤٢

الشريف ، وقام بنشر مختلف العلوم والفنون وتبيان الصيغة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي كان قد أصابها الفساد ، كما يتّضح ذلك بجلاء في رسالته المعروفة برسالة الحقوق ، كما ساهم في حل المشاكل التي كانت تهدّد كرامة الدولة الإسلامية كما يلاحظ ذلك جليّاً فيما حدث في جوابه على رسالة ملك الروم حين هدّد الخليفة بالحصار الاقتصادي(١) .

النشاط الثاني : إنّ الأمويين كانوا قد ضيّقوا على حركة الإمامعليه‌السلام ونشاطه مع الأمة إلاَّ أنّ الإمامعليه‌السلام استخدم الدعاء سلاحاً للارتباط الفكري والمعنوي بها ، وحيث إنّ هذا السلاح لم يستهدف الأمويين مباشرة ، توفّر للإمامعليه‌السلام مجالٌ أوسع لمعالجة الظواهر المرضية والانحرافات الأخلاقية .

الاتّجاه الثالث : التأكيد على أهمية العمل الثوري ومكافحة الظلم والانحراف ، وإيقاد روح الجهاد التي كانت خمدت في الأمة عبر سنوات الانحراف ، كما يتجلّى ذلك في دعائه للمختار الذي طالب بثأر الحسين وكان على اتصال دائم بالإمامعليه‌السلام أثناء ثورته من خلال عمّه محمد ابن الحنفيّة .

الاتّجاه الرابع : لم يكن موقف الإمامعليه‌السلام من الحكّام موقف المواجهة والتحدّي المباشر ; إذ لو كان قد فعل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ ذلك لما كان يستطيع أن يحقق ما حققه من مكاسب في الأمة في مجال التربية ، ولما توفّرت أجواء سليمة وفرص واسعة لنشاط الإمام الباقرعليه‌السلام من بعده وللجماعة الصالحة التي ربّاها .

لكن هذا لا يعني أن الإمامعليه‌السلام لم يوضح رأيه في الحكومة فلم يترك

ـــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية : ٩/١٢٢ .

٤٣

الأمر ملتبساً على شيعته ، بل كانت للإمام زين العابدينعليه‌السلام مواقف مع الحكّام سوف نشير إلى بعض منها ، وكان هدفه منها إعطاء خطّ في التربية والتغيير حفاظاً على الشيعة من الضياع ; إذ لم تكن الجماعة الصالحة على سبيل المواجهة ولكنها كانت كافية في التحصين في تلك المرحلة على مستوى التربية والإعداد وتأسيساً لمستقبل سياسي أفضل .

ونستطيع أن نلاحظ موقف الإمامعليه‌السلام مع السلطة من خلال رسالته الجوابية إلى عبد الملك حين لامَ عبد الملك الإمامعليه‌السلام على زواجه بأمته التي كان قد أعتقها .

إنّ ردّ الإمامعليه‌السلام على عبد الملك كان يتضمّن تحدّياً للخليفة الذي كان يفكرّ بعقلية جاهلية ; فإنّ الإمامعليه‌السلام وضّح فيها الموقف الإسلامي الذي يلغي كل الامتيازات التي وضعتها الجاهلية بقولهعليه‌السلام :( فلا لؤم على امرئ مسلم إنَّما اللؤمُ لؤم الجاهلية ) .

يظهر هذا التحدّي ممَّا جاء في مصادر التأريخ من أن الخليفة الأموي بعد أن قرأها هو وابنه سليمان ، قال الابن : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخر عليك علي بن الحسين !! فردّ الخليفة على ابنه قائلاً : ( يا بنيّ لا تَقل ذلك فإنّها ألسن بني هاشم التي تَفلق الصخر وتغرف من بحر ، إنّ عليّ بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس(١) .

وفي هذا الجواب إشارة إلى أنّ المواجهة مع الإمام من قبل الخليفة لا تخدم سلطان بني أمية .

ومن مواقف الإمام زين العابدينعليه‌السلام تجاه السلطة أيضاً موقفه من

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦/١٦٥ ، والعقد الفريد : ٧/١٢١ .

٤٤

الزهري ذلك المحدث الذي كان مرتبطاً بالبلاط الأموي ـ فقَد أرسل إليه الإمامعليه‌السلام رسالة قَرعه فيها على شنيع فعله(١) ، وان كان قد علم الإمام بأنّه غارق إلى هامته في موائد السلطان ولهوه ، إلاَّ أنّها رسالة للأجيال .

ومن الأحاديث التي وضعها هذا الرجل دعماً لسياسة بني أمية حينما منعوا حج بيت الله الحرام لمّا كان ابن الزبير مسيطراً على الحرمين الشريفين ما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى .

ملامح عصر الإمام محمد الباقرعليه‌السلام

استشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام سنة ( ٩٥ هـ ) في أيام حكم الوليد ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام مسؤولية الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه صندوقاً فيه سلاح رسول اللهعليه‌السلام وقال له :( يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قالعليه‌السلام :أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (٢) .

إذن فهو صندوق يرمز لمسؤولية القيادة الفكرية والعلمية كما أنّ السلاح يرمز لمسؤولية القيادة الثورية .

وبالرغم من توالي الثورات التي تلت واقعة الطف والتي كان الإمام الباقرعليه‌السلام قد عاصرها جميعاً مع أبيهعليه‌السلام بقي موقف الأعمّ الأغلب من الناس الاستجابة لمنطق السيف الأموي إلى جانب القسم الآخر الذي آمن بأنّ الحكّام الأمويين يمثّلون الخلافة الإسلامية .

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٧٢ ـ ٢٧٧ .

(٢) بصائر الدرجات ٤/٤٤ و٤٨ ، وأصول الكافي ١/٣٠٥ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦/٢٢٩ .

٤٥

كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية .

وعند مجيء سليمان بن عبد الملك إلى الحكم بعد وفاة أخيه الوليد بن عبد الملك سنة ( ٩٦ هـ ) أصدر قرارات جديدة استراحت الأمة بسببها قليلاً حيث أمر بالتَنكيل ( بآل ) الحجاج بن يوسف الثقفي وطرد كلّ عمّاله وولاته(١) كما أطلق سراح المسجونين في سجون الحجّاج(٢) .

وفي سنة ( ٩٩ هـ ) تقلّد الحكم الأموي عمر بن عبد العزيز فازدادت الحريّات في مدّة خلافته القصيرة ، كما يراه بعض المؤرّخين ، كما أنّه عالج مشكلة الخراج التي قال عنها بأنّها سنّة خبيثة سنّها عمّال السوء(٣) .

وعامل العلويين معاملة خالف فيها أسلافه فقد جاء في كتابه لعامله على المدينة : ( فأقسم في ولد علي من فاطمة رضوان الله عليهم عشرة آلاف دينار فطالما تخطّتهم حقوقهم )(٤) ورَدَّ فدكاً ـ التي كان قد صادرها الخليفة الأوّل ـ على الإمام الباقرعليه‌السلام (٥) ورفع سبّ الإمام عليّعليه‌السلام الذي كان قد سنّه معاوية(٦) .

أمّا الناحية الفكرية : فتبعاً للتغيّرات السياسية نلمس تطوّراً في الجانب الفكري أيضاً ؛ فقد برزت في هذا الظرف تيارات فكريّة جديدة واتجّه الناس

ـــــــــــــــــ

(١) الكامل ، ابن الأثير : ٤/١٣٨ .

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٤/٨٠ .

(٣) الكامل : ٥/٢٩ وتاريخ الطبري : ٨/١٣٩ .

(٤) مروج الذهب : ٣/١٩٤ .

(٥) الكامل : ٤/١٦٤ والمناقب : ٤/٢٠٧ وسفينة البحار : ٢/٣٧٢ .

(٦) انظر الفكر السامي ١/٢٧٦ عن صحيح مسلم ، وتاريخ اليعقوبي ٢/٢٢٣ و٢٣٠ و٢٣٥ و٣٠٥ ، وشرح النهج للمعتزلي ٥/٩٨ تاريخ الخميس : ٢/٣١٧ .

٤٦

للبحث والدرس وتلقّي المعرفة الإسلامية ورفع المنع الحكومي عن تدوين الحديث النبوي وبدأت تتميّز مدرسة أهل الحديث عن مدرسة أهل الرأي ومال الموالي من غير العرب إلى مدرسة أهل الرأي في الكوفة ، وتزعّم أبو حنيفة هذه المدرسة في حينها ضد مدرسة أهل الحديث في المدينة(١) .

وكنتيجة طبيعية للإخفاق الذي سجّلته الحركات الفكرية ، ظهرت فكرة الاعتزال التي نادى بها ( واصل بن عطاء ) في البصرة عندما اعتزل حلقة درس أستاذه ( الحسن البصري ) وهي تعتبر تعديلاً لفكرة الخوارج التي لم تلقَ رواجاً حينما قالت بكفر مرتكب الكبيرة(٢) ، والمرجئة التي قالت بأنّه لا تضر مع الإيمان معصية(٣) فقال واصل ( مؤسس اتّجاه الاعتزال والمتوفى في ١٣١هـ ) : إنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق بل هو في منزلة بين منزلتين أي إنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر لكنّه فاسق والفاسق يستحق النار بفسقه(٤) .

هذه صورة مجملة عن الواقع الذي عايشه الإمام الصادقعليه‌السلام خلال مرحلة قيادة أبيه الباقرعليه‌السلام .

متطلّبات عصر الإمام الباقرعليه‌السلام

ونلخّص دور الإمام الباقرعليه‌السلام في ثلاثة خطوط أساسية :

الخط السياسي ، وإكمال بناء الجماعة الصالحة ، وتأسيس جامعة أهل البيتعليه‌السلام العلمية .

ـــــــــــــــــ

(١) ضحى الإسلام لأحمد أمين : ٢/١٧٨ .

(٢) الملل والنحل : ١/١٥٨ .

(٣) تاج العروس ، مادة رجأ .

(٤) الأغاني : ٧ / ١٥ .

٤٧

١ ـ الخط السياسي للإمام الباقر عليه‌السلام

لقد كان الخيار السياسي للإمام الباقرعليه‌السلام في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع الأمويين وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة الأمة ومستوى وعيها آنذاك :( إنْ دَعَوْناهم لم يستجيبوا لنا ) (١) .

كما نجده فيما بعد يستوعب سياسة الانفتاح والاعتدال التي أبداها عمر ابن عبد العزيز ، سواء كان هذا الاعتدال بدافع ذاتي لعلاقته بالإمامعليه‌السلام ، أم بدافع الضغوط الخارجيّة وخوفه من انهيار الدولة الأموية .

إنّ الإمام قد رسم خطّه السياسي في هذه المرحلة بأسلوبين :

الأسلوب الأول : تصريح الإمامعليه‌السلام برأيه حول عمر بن عبد العزيز وحكومته قبل تصدّي عمر للخلافة فعن أبي بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في المسجد ودخل عمر بن عبد العزيز وعليه ثوبان ممصّران متكئاً على مولى له فقالعليه‌السلام :( لَيَلِيَنَّ هذا الغلام [ أي سوف يتولّى السُلطة ]فيظهر العدل ) (٢) .

ولكن الإمامعليه‌السلام قدح في ولايته باعتبار وجود مَن هو أولى منه .

الأسلوب الثاني : أسلوب المراسلة واللقاء فقد روي أنّ عمر بن

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ٢٨٤ .

(٢) سفينة البحار : ٢/١٢٧ .

٤٨

عبد العزيز كرّم الإمام أبا جعفرعليه‌السلام وعظّمه وقد أرسل خلفه فنون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من عُبّاد أهل الكوفة فاستجاب له الإمامعليه‌السلام وسافر إلى دمشق فاستقبله عمر استقبالاً رائعاً واحتفى به وجَرَت بينهما أحاديث وبقي الإمام أيّاماً في ضيافته(١) .

ومن المراسلات ما جاء أنّه : كتب عمر للإمامعليه‌السلام بقصد الاختبار فأجابه الإمام برسالة فيها موعظة ونصيحة له(٢) ، ولكن سياسة الابتعاد عن الصدام المباشر لم تمنع الإمام الباقرعليه‌السلام من أن يقف من الأمة بشكل عام ومن الأمويين وهشام بن عبد الملك بشكل خاص موقف التحدّي الفكري والعقائدي والعلمي لبيان الحق المغتصب وكشف ستار الباطل الذي كان قد أسدله الحكّام على الحق ورموزه .

وحين حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام وابنه جعفر ، قال جعفر بن محمدعليه‌السلام في بعض كلامه :( الحمد لله الذي بعث محمّداً نبيّاً وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده فالسعيد مَن اتّبعنا والشقيّ مَن خالفَنَا ، ومن الناس مَن يقول : إنّه يتولاَّنا وهو يتولّى أعدائنا ومَن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به ) (٣) .

فبيّنعليه‌السلام مفهوم القيادة الإلهية ومصداقها الحقيقي الذي يمثّلها آنئذ .

وهذا الطرح وان كان فيه نوع مجابهة صريحة للحاكم وما يدور في

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق : ٥١/٣٨ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٣٠٥ .

(٣) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ ، بحار الأنوار : ٤٦/٣٠٦ .

٤٩

أذهان الناس لكنّه لم يكن مغامرة ; لأنّ الظرف كان بحاجة إلى مثل هذا الطرح والتوضيح ، بالرغم من أنّه قد أدّى إلى أن يستدعي هشام الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى الشام فيما بعد .

٢ ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة

لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر الإمام الباقرعليه‌السلام فقد باشرها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لإمام عليعليه‌السلام ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام عليعليه‌السلام مع مناوئيه .

واستمرت عملية البناء بشكل فاعل في عصر الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم تقلّص النشاط المباشر في بناء هذه القاعدة وتوسيعها ، ثم استمرّت عملية البناء في العقود الأخيرة من حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام وتكاملت في عصر الإمام الباقرعليه‌السلام حيث سنحت الفرصة له بأن يتحرك نحو تطوير الجماعة الصالحة بتوضيح أهدافها التي تمثّلت في الدفاع عن المجتمع الإسلامي وحفظ الشريعة الإسلامية من التحريف إلى جانب توسيع القاعدة كمّاً مع تطويرها كيفاً .

ونقتصر فيما يلي على بعض ما قام به الإمام الباقرعليه‌السلام من خطوات :

الخطوة الأولى : أخذ الإمامعليه‌السلام يعمّق ويوضّح صفات الجماعة الصالحة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام ودورها في المجتمع ، فقد جاء في وصفه لهذه الجماعة قولهعليه‌السلام :( إنّما شيعتنا ـ شيعة علي ـالمتباذلون في ولايتنا المتحابّون في

٥٠

مودّتنا ، المتزاورون لإحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على مَنْ جاوروا ، سلم لمَن خالطوا ) (١) ، وقال أيضاً :( شيعتنا من أطاع الله ) (٢) .

وبهذا أراد الإمامعليه‌السلام أن يرسّخ الكمالات الإنسانية في جانبي الأخلاق والعبادة التي تعرّضت للضياع طيلة سنوات المحنة ، ويوضّح أن الانتماء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام هو بالعمل والتحلّي بهذه الصفات .

الخطوة الثانية : قام الإمامعليه‌السلام ـ بالإضافة إلى توضيح مستوى الروح الإيمانية التي ينبغي أن يتَمتّع بها أفراد الجماعة الصالحة ـ بشحذِ هممها وتربيتها على روح الصبر والمقاومة لكي تمتلك القدرة على مواصلة العمل في سبيل الله ومواجهة التحدّيات المستمرّة وعدم التنازل أمام الإغراءات أو الضغوط الظالمة ، فقد جاء في كلامهعليه‌السلام لرجل حين قال له : والله إنّي لأحبّكم أهل البيت فقالعليه‌السلام :( فاتّخذ للبلاء ، جلباباً ، فو الله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي ، وبنا يبدو البلاء ثم بكم ، وبنا يبدو الرخاء ثم بكم ) (٣) .

هكذا رسم الإمامعليه‌السلام معالم الطريق الشائك أمامه ، إنّه طريق مفروش بالدماء والدموع ، والإمام رائد المسيرة على هذا الطريق يصيبه البلاء أوّلاً قبل أن يصيب شيعتَه .

وقد كان الإمامعليه‌السلام يذكّرهم بمعاناة الشيعة قبل هذا الظرف بقولهعليه‌السلام :( قتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقُطِعت الأيدي والأرجل على الظنة وكان مَن يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ونُهب مالُه وهُدِمَت داره ) (٤) .

ومن الأعمال التي قام بها الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة هو إلزام

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٢) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٣) بحار الأنوار : ٤٦/٣٦٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ٩٥ .

(٤) حياة الإمام الحسنعليه‌السلام دراسة وتحليل : ٢/٢٥٧ .

٥١

أتباعه وخاصّته بمبدأ التقية ؛ حفاظاً عليهم من القمع والإرهاب والإبادة التي طالما تعرّضوا لها وقد اعتبر هذا المبدأ من الواجبات الشرعية ذات العلاقة بالإيمان ، فكان يوصيِهم بالتقية قائلاً :( التقيّة ديني ودين آبائي ، ومَن لا إيمان له لا تقيّة له ) (١) .

ومن المبادئ التي تتداخل مع التقيّة : كتمان السرّ ، فقد جاء عنهعليه‌السلام في وصيّته لجابر بن يزيد الجعفي في أوّل لقاء له بالإمامعليه‌السلام : أن لا يقول لأحد أنّه من أهالي الكوفة ، وليظهر بمظهر رجل من أهل المدينة وجابر الجعفي هذا قد أصبح فيما بعد صاحب سرّ الإمامعليه‌السلام ، ولشدّة فاعليّته وتأثيره في الأمة أمر هشام بن عبد الملك واليه في الكوفة بأن يأتيه برأس جابر ، لكنّ جابراً قد تظاهر بالجنون قبل أن يصدر الأمر بقتله حسب إرشادات الإمام الباقرعليه‌السلام التي كانت تصله سرّاً ، فقد جاء في كتاب هشام إلى واليه : أن أُنظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه .

فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك الله ، كان رجلاً له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .

قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله(٢) .

وكان في هذه المرحلة رجال كتموا تشيّعهم وما رسوا نشاطات مؤثرة في حياة الأمة فكرية وعسكرية وفقهية مع الاحتفاظ بعلاقاتهم ، فمن فقهاء الشيعة : سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمد ، فقد كانا بارزين بين علماء ذلك العصر

ـــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ٢/١٧٤ .

(٢) بحار الأنوار : ٤٦/٢٨٢ ، والكافي : ١/٣٩٦ .

٥٢

في الفقه وغيره إلاَّ أنّه لم تكن لهم صبغة التشيّع الصريح ، فقد شاع عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يجيب أحياناً برأي غيره من علماء عصره أو برأي مَن سبقه من الصحابة ؛ مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل وغيرهما ممّن تعرّضوا للقتل والتشريد بسبب تشيّعهم .

وهذا موسى بن نصير من رجالات الكوفة العسكريين وزهّادها المؤمنين ممّن عرف بولائه لأهل البيتعليهم‌السلام هو وأبوه نصير ، ولقد غضب عليه معاوية إذ لم يخرج معه لصفِّين ، وموسى هو الذي فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب وكان تحت إمرته مولاه طارق بن زياد وولده عبد العزيز وبسبب تشيّعه غضب عليه سليمان بن عبد الملك وقبل أن يقتله عرّضه لأنواع العذاب فقتل ولده أمامه وألزمه بدفع مبلغ كبير(١) .

وكان لجابر الجعفي وزرارة وأبان بن تغلب وغيرهم دور بالغ في نجاح حركة الإمام الفكريّة ، وأصبحوا ـ فيما بعد ـ النواة لجامعته ، وبقي هؤلاء بعد وفاة الإمام الباقرعليه‌السلام بصحبة ولده الصادقعليه‌السلام ليمارسوا مسؤولياتهم بحجم أكبر كما سيأتي توضيحه .

٣ ـ تأسيس جامعة أهل البيت عليهم‌السلام

جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً مناسباً لبثّ أفكارها .

كما تأتي ضرورة وجود تيّار فكري يبلور الأفكار الإسلامية الأصيلة

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢/٢٩٤ .

٥٣

ويعبّئ بها ذهن الأمة ويفوّت الفرصة على الظالمين في حالة تبدّل الظروف .

ويمكن تلخيص الأسباب التي شكّلت عاملاً مهمّاً في التهيئة لنجاح هذه الجامعة فيما يلي :

١ ـ لقد عُزلت الأمة عن تبني أفكار الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وفقههم أكثر من قرن وبقيت تتناقله الخواص في هذه الفترة عن طريق الكتابة والحفظ شفاهاً وبالطرق السرّية .

٢ ـ في هذه الفترة طرحت على العالم الإسلامي تساؤلات فكريّة ومستجدّات كثيرة لم تمتلك الأمة لها حلاًّ بسبب اتّساع البلاد الإسلامية وتبدّل الظروف وحاجات المسلمين .

٣ ـ شعر المسلمون في هذا الظرف بأهمية البحث عن مبدأ فكري يتكفّل حلّ مشكلاتهم ; لأنّ النصّ المحرّف واجتهادات الصحابة أصبح متخلّفاً عن المواكبة ، بل أصبح بنفسه مشكلة أمام المسلم لتعارضه مع العقل والحياة .

٤ ـ في هذا العصر ظهرت مدارس فكرية متطرّفة مثل مدرسة الرأي القائلة بالقياس والاستحسان ، زاعمة أنّ للنصوص التي نقلت عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة(١) لا تفي بالغرض ، الأمر الذي تسرّب فيه العنصر الذاتي للمجتهد ودخل الإنسان بذوقه الخاص إلى التشريع(٢) ، كما ظهرت مدرسة الحديث قِبال

ـــــــــــــــــ

(١) هذا في غير مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام الذين حرصوا على نقل تراث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواجهوا منع تدوين السنّة النبوية بالحث على التدوين والنقل والتعليم ؛ لئلاَّ تندرس معالم الدين .

(٢) فقد عرف حسن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول الفقهية سوى سبعة حشر حديثاً راجع مقدمة ابن خلدون : ٣٧٢ .

٥٤

مدرسة الرأي والتي عرفت بالجمود على ظاهر النص ولم تتفرّغ لتمييز صحيح النصوص من غيره .

٥ ـ غياب القدوة الحسنة والجماعة الصالحة التي تشكّل مناخاً لنمو الفضيلة وزرع الأمل في نفوس الأمة باتّجاه الأهداف الربّانيّة .

في هذا الظرف الذي ذهب فيه الخوف واستطاع المسلم أن يبحث عن المعرفة وعن حل لمشكلاته الفكرية ، قام الإمام الباقرعليه‌السلام بتشكيل حلقاته العلمية في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فكان وجودهعليه‌السلام مركز جذب لقلوب طلاب الحقيقة فالتفّ حوله صحابة أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وبدأ منذ ذلك الحين بالتركيز على بناء الكادر العلمي آملاً أن يواجه به المشكلات الفكرية التي بدأت تغزو الأمة المسلمة وكان يشكّل هذا الكادر فيما بعد الأرضية اللازمة لمشروع الإمام الصادقعليه‌السلام المرتقب ، فتناول الإمامعليه‌السلام أهمّ المشكلات الفكرية التي كان لها ارتباط وثيق بحياة الناس العقائدية والأخلاقية والسياسية .

وزجّ الإمام بكادره العلمي وسط الأمة بعد أن عبّأه بكل المؤهّلات التي تمكّنهُ من خوض المعركة الفكرية حينما قال لأبان بن تغلب :( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي أحبّ أن أرى في شيعتي مثلك ) (١) .

وعندما يدرك الأصحاب مغزى هدف الإمام من هذا التوجيه وضرورة الحضور مع الناس ؛ يتصدّى هؤلاء بأنفسهم لمعالجة المشكلات الفكرية وإبطال الشبه عن طريق الحوار والمناظرة حسب الخط الذي رسمه لهم الإمامعليه‌السلام في وقت سابق .

ـــــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال للكشي ٢/٦٢٢ ، ح ٦٠٣ .

٥٥

قال عبد الرحمن بن الحجاج : كنّا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال له : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وأدرك أبان مراده فانبرى قائلاً : كأنّك تريد أن تعرف عليّاً بمَن تبعه من أصحاب رسول الله ؟ فقال هو ذاك .

فأجابه أبان : والله ما عرفنا فضلهم ـ أي الصحابة ـ إلاَّ باتّباعهم إيّاه .

وتعميقاً لهذا التوجيه وبنفس السياق يبادر محبوب أهل البيت ولسانهم مؤمن الطاق ليواجه أفكار حركة الخوارج ويردّ على جرأتها في التشكيك بموقف الإمام عليعليه‌السلام من مسألة التحكيم(١) .

يدخل مؤمن الطاق على بعض زعماء الخوارج في الكوفة فيقول له : أنا على بصيرة من ديني وقد سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك ، فيقول الخارجي لأصحابه إن دخل هذا معكم نفعكم.

فيقول له مؤمن الطاق : لِمَ تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله ؟

يجيبه الخارجي : لأنّه حكّم الرجال في دين الله .

فيقول له : وكلَّ من حكّم في دين الله استحللتم قتله ؟

فيجيب الخارجي : نعم .

فيقول له : أخبرني عن الدين الذي جئت أُنظارك به لأدخل معك فيه ، إن غَلَبَتْ حجّتي حجّتك ، من يوقِفُ المخطئ منّا عن خطئه ويحكم للمصيب بصوابه ؟

فيشير الضحّاك إلى رجل من أصحابه ويقول : هذا هو الحكم بيننا .

ـــــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢١ ـ ٢٢ وتنقيح المقال : ١/٤ .

٥٦

هنا يتوجّه مؤمن الطاق إلى مَن كان حاضراً من الخوارج ويقول : زعيمكم هذا قد حكّم في دين الله(١) وهكذا يفحمهم بحجّته البالغة ومنطقه القويم .

وقبل أن ننتهي من حياة الإمامعليه‌السلام نشير إلى ثلاث وقائع تاريخية لها صلة بالمرحلة التي سوف يتصدّى لها الإمام الصادقعليه‌السلام .

الواقعة الأولى : إنّ هشام بن عبد الملك هو واحد من الحكّام الأمويين الَّذين نصبوا العداوة لأهل البيت ، بل نراه قد زاد على غيره حتَّى أنّه على أثر الخطبة التي خطبها الإمام الصادقعليه‌السلام في مكة والتي أوضح فيها معنى القيادة ولمَن تكون القيادة ، يأمر هشام فور رجوعه إلى الشام بجلب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى دمشق لغرض التنكيل بهما .

وبعد اللقاء بهشام تفوّق الإمام الباقرعليه‌السلام في البلاط الأموي في الحوار الذي أجراه مع هشام ثم حواره مع عالم النصارى في الشام ، يسمح لهما هشام بالرجوع إلى المدينة ولكنّه يأمر أمير ( مدين ) ـ وهي المدينة الواقعة في طريقهما ـ بإيذائهما فقد جاء في رسالته : إنّ ابن أبي تراب الساحر محمّد بن علي وابنه جعفر الكذابين فيما يظهران من الإسلام ، قد وردا عليّ فلمّا صرفتهما إلى يوم الدين مالا إلى القسسين والرهبان ، وتقربّا إليهم بالنصرانية فكرهت النكال لقربهما ، فإذا مرّا بانصرافهما عليكم فليناد في الناس : برئت الذمّة ممّن باعهما وشاراهما وصافحهما وسلّم عليهما ، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابّهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام(٢) .

ولم يترك هشام الإمام الباقرعليه‌السلام حُرّاً يتحرّك في المدينة ، ولم يسترح

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ٢/ ٧٢ .

(٢) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ وبحار الأنوار : ٤٦ ـ ٣٠٦ .

٥٧

من تواجده في الساحة الإسلامية حتَّى أقدم على قتله غيلةً بالسمّ سنة (١١٤هـ)(١) .

الواقعة الثانية : في هذهِ الفترة تحفّز زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام وصمّم على الثورة ضد هشام بن عبد الملك على أثر تصرّفات الأمويين ، ولا سيّما تصرّف هشام المهين بحق زيد ، والنيل من كرامته ، وما كان يفعله هشام بحق الشيعة بشكل خاص .

لقد دخل زيد على هشام فسلّم عليه بالإمرة فلم يردّ السلام إهانةً له ، بل أغلظ في الكلام ولم يفسح له في المجلس .

فقال زيد : السلام عليك يا أحول ، فإنّك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم فغضب هشام وجرت بينهما محاورة كان نصيب هشام فيها الفشل ، وخرج زيد وهو يقول : ما كره قومٌ حرّ السيوف إلاَّ ذلّوا .

وأمر هشام بردّه وقال له : اُذكر حوائجك ، فقال زيد : أما وأنت ناظر على أمور المسلمين فلا وخرج من عنده وقال : مَن أحبّ الحياة ذلّ(٢) .

ومضى زيد إلى الكوفة ثمّ خطّط للثورة واستشار بذلك الإمام الباقرعليه‌السلام .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :إنّ عمّي أتى أبي فقال إنّي أريد الخروج على هذا الطاغية .

ولمّا أزمع على الخروج أتاه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : إنّي سمعت أخاك أبا جعفر يقول :إنّ أخي زيد بن علي خارج ومقتول وهو على الحق فالويل لمَن خذله ، والويل لمَن حاربه ، والويل لمَن يقتله فقال له زيد : يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله تعالى

ـــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب : ١/١٤٩ ، تاريخ بن الأثير : ٤/٢١٧ ، طبقات الفقهاء : ٣٦ .

(٢) تاريخ الطبري : حوادث سنة ( ١٢١ ) ، وتاريخ ابن عساكر : ٦ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٥٨

وتحوكم بالجبت والطاغوت(١) .

الواقعة الثالثة : ولمّا قربت وفاة الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام دعا بأبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام فقال له :إنّ هذه الليلة التي وُعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح وقال له :يا أبا عبد الله ، الله الله في الشيعة فقال أبو عبد الله :لا تركتهم يحتاجون إلى أحد ... (٢) .

بهذا العرض ننتهي من تصوير حياة الإمام الصادق مع أبيه لتبدأ مرحلة تصدّيه للإمامة ، وبها يبدأ عصر جديد من العمل والجهاد والإصلاح .

ـــــــــــــــــ

(١) راجع تيسير المطالب : ١٠٨ ـ ١٠٩ .

(٢) إثبات الهداة : ٥/٣٣٠ .

٥٩

الباب الثالث :

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثاني : دور الإمامعليه‌السلام في تثبيت معالم الرسالة .

الفصل الثالث : دور الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

« اللّهُمَّ ، إنِّي إلَيْكَ فَقِيرٌ ، وَإني خَائفٌ مُسْتَجِيرٌ ، فَلَا تُغَيِّرَ جِسْمي ، وَلَا تُبَدِّلَ إسْمِي »(1) .

11 ـ دعاؤه عند الصفا

روى الفقيه الجليل ، معاوية بن عمار ، عن الامام الصادقعليه‌السلام ، الدعاء الذي يدعو به عند الصفا ، فقد قال : فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت ، وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الاسود ، فاحمد الله عزوجل وأثن عليه ، ثم اذكر من آلائه ، وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره ، ثم كبر الله سبعا ، واحمده سبعا وقل :

« لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، له المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوُتُ بِيَدهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ،

تقول ذلك ثلاث مرات ثم صل على النبي وآله وقل :

اللهُ أكْبَرُ ، الحَمْدُ للهِ على مَا هَدَانَا ، الحَمْدُ للهِ على مَا أَوْلَانَا ، الحَمْدُ للهِ الحَيِّ القَيُّومِ ، وَالحَمْدُ للهِ الحَيِّ الدَائِمِ ، ثلاث مرات ـ وقل : أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، لا نَعْبُدُ إلاَّ إيَّاهُ ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكوُنَ ـ ثلاث مرات ـ ثم تقول : اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةِ ، وَاليَقِينَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ـ ثلاث مرات ـ اللّهُمَّ ، آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ ـ ثلاث مرات ـ ثُمَّ تُكَبِّرُ اللهَ مَائَةَ مَرَّةٍ ، وَتُهَلِّلُهُ مَائَةَ مَرَّةٍ ، وَتَحْمَدُهُ مَائَةَ مَرَّةٍ ، وَتُسَبِّحُهُ مَائَةَ مَرَّةٍ ، ثم تقول :

__________________

1 ـ وسائل الشيعة 9 / 415.

١٦١

لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَه وَحْدَه ، أَنّجَزَ وَعْدَهْ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَغَلَبَ الَأحْزَاب وَحْدَه ، فَلَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ وَحْدَهُ ، وَحْدَهُ ، اللّهُمَّ ، بَاركْ لي في المَوْتِ ، وَفِيمَا بَعْدَ المَوْتِ ، اللّهُمَّ ، إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ظُلْمَةِ القَبْرِ وَوَحْشَتِهِ ، اللّهُمَّ ، أَظِلَّني في طِل عَرْشِكَ ، يَوْمَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّكَ

وأمره بالاستكثار من القول في استيداع دينه ، ونفسه وأهله ، عند الله عز وجل ، ثم القول :

أَسْتَوْدِعُ اللهَ الرَّحْمنَ الرَّحِيمَ ، الذي لا تَضِيعُ ودائعُهُ دِيني ، وَنَفْسِي ، وَأَهْلي ، اللّهُمَّ ، اسْتَعْمِلْني على كِتَابِكَ وَسُنَّةِ نَبيِّكَ ، وَتَوَفَّني على مِلَّتِه ، وَأَعِذْني مِنْ الفِتْنَةِ.

ثم تكبر ثلاثا ، ثم تكبر واحدة ، ثم تعيدها فإن لم تستطع فبعضه(1)

ومثلت هذه الادعية ، وهذا الذكر روحانية الاسلام ، الذي يسمو بالانسان إلى مستوى رفيع ، يجعله جديرا بأن يكون خليفة لله في أرضه.

12 ـ دعاؤه عند الصفا والمروة

سأل جميل الامام الصادقعليه‌السلام ، أن يعلمه دعاءا مؤقتا يقوله على الصفا والمروة ، فعلمه الامامعليه‌السلام هذا الدعاء :

« لا إلهَ إلاَّ اللهَ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَيُمِيتُ وَيُحيي ، وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ »(2) .

__________________

1 ـ وسائل الشيعة 9 / 517.

2 ـ وسائل الشيعة 9 / 520.

١٦٢

13 ـ دعاؤه في عشية عرفة

كان الامام الصادقعليه‌السلام ، يستقبل عشية عرفة ، بالدعاء ، والابتهال إلى الله تعالى ، وكان يحيي تلك الليلة المباركة ، بالعبادة والطاعة ، وكان مما يدعو به هذا الدعاء :

« اللّهُمَّ ، هَذِه الَأيَّامُ التي فَضَّلْتَهَا على غَيْرِهَا مِنَ الَأيَّامِ ، وَشَرَّفْتَهَا ، وَقَدْ بَلَّغْتَنِيهَا بِمَنِّكَ ، وَرَحْمَتِكَ ، فَأَنْزلَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ ، وَأسْبغْ عَلَيْنَا فِيهَا مِنْ نَعْمَائِكَ ، اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَهْدِينَا فِيهَا سبيل الهُدَى ، وَتَرْزُقَنَا فِيهَا التَقْوَى ، وَالعَفَافَ ، وَالغِنَى ، وَالعَمَلَ بِمَا تُحبُ وَتُرْضَىْ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ ، يا مَوْضِعَ كُلِّ شَكْوَى ، وَيا سَامِعَ كُلِّ نَجْوَى ، وَيَا شَاهِدَ كُلِّ مَلَاءٍ ، وَيَا عَالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، أَنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ ، وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَكْشِفَ عَنَّا فِيهَا البَلَاءَ ، وَتَسْتَجيبَ لَنَا فِيهَا الدُّعَاءَ ، وَتُقَوِّيَنَا فِيها ، وَتُعِينَنَا ، وَتُوَفِقَنَا فِيها ، رَبَّنَا ، لِمَا تُحِبُ وَتُرْضَى ، وَعلى ما افَتَرَضْتَ عَلَيْنَا مِنْ طَاعَتِكَ ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ ، وَأَهْلِ وِلَايَتِكَ ،

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ أَنْ تُصَليَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَهَبَ لَنَا فِيهَا الرِّضَا ، إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ، وَلا تَحْرِمْنَا خَيْرَ مَا نَزَلَ فِيهَا مِنَ السَّمَاءِ ، وَطَهِّرْنَا مِنَ الذُّنُوبِ يا عَلَّامَ الغُيُوبِ ، وَأَوْجِبْ لَنَا فِيها دَارَ الخُلُودِ ، اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلَا تَتْرُكْ لَنَا فِيهَا ذَنْباً إلاَّ غَفَرْتَهُ ، وَلا هَمًّا إلاَّ فَرَجْتَهُ ، وَلا دَيْناً إلاَّ قَضَيْتَهُ ، وَلا غَائِباً إلاَّ أَدْنَيْتَهُ ، وَلا حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إلاَّ سَهَّلْتَهَا وَيَسَّرْتَهَا إنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

١٦٣

اللّهُمَّ ، يا عَالِمَ الخَفِيَّاتِ ، وَيا رَاحِمَ العَبَرَاتِ ، يا مُجِيبَ الدَعَوَاتِ ، يا رَبِّ الَأرَضِينِ وَالسَّموَاتِ ، يا مَنْ لا تَتَشَابَهُ عَلَيْهِ الَأصْوَاتُ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجْعَلْنَا فِيهَا مِنْ عُتَقَائِكَ وَطُلَقَائِكَ مِنَ النَّارِ ، وَالفَائِزِينَ بِجَنَّتِكَ ، النَّاجِينَ بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أجْمَعِينَ ، وَسَلَّمْ تَسْليماً ».

وانتهى هذا الدعاء الشريف ، وكان الامامعليه‌السلام ، يقرأه أيضا بعد صلاة الصبح ، وقبل المغرب إلى ليلة المزدلفة.(1) .

14 ـ دعاؤه الاول في يوم عرفة

إن يوم عرفة من الايام المعظمة في الاسلام ، ففيه ، وقوف حجاج بيت الله الحرام في ذلك المكان المقدس ، من الزوال إلى الغروب ، ويستحب إحياء تلك الفترة بالدعاء والصلاة ، وذكر الله ، وكان الامام الصادقعليه‌السلام ، بعد أداء صلاة الظهر ، والعصر يكبر الله مائة مرة ، ويحمده مائة مرة ، ويسبحه مائة مرة ، ويقرأ سورة التوحيد مائة مرة ، ثم يقرأ هذا الدعاء الجليل :

« لا إلهَ إلاَّ اللهُ الحَلِيمُ ، الكَرِيمُ ، لا إلهَ إلاَّ اللهُ العَلِيُّ العَظِيمُ ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ السَّموَاتِ ، وَرَبِّ الَأرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا فِيهِنَّ ، وَمَا بَيْنَهُنَّ ، وَرَبِّ العَرْشِ العَظِم. وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، اللّهُمَّ ، إيَّاكَ أَعْبُدُ ، وَإيَّاكَ أَسْتَعِينُ ، اللّهُمَّ ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُثْنِيَ عَلَيْكَ ، وَمَا عَسَى أَنْ أَبْلُغَ مِنْ مَدْحِكَ مَعَ قِلَّةِ عَمَلي ، وَقِصَرِ رَأيي وَأَنْتَ الخَالِقُ ، وَأَنَا المَخْلُوقُ ، وَأَنْتَ المَالِكُ ، وَأَنَا المَمْلُوكُ ، وَأَنْتَ الرَبِّ ، وَأَنَا العَبْدُ ، وَأَنْتَ العَزِيزُ وَأَنَا الذَّليلُ ، وَأَنْتَ القَوِيُّ ، وَأَنَا الضَّعِيفُ ، وَأَنْتَ الغَنيُّ وَأَنَا الفَقِيرُ ، وَأَنْتَ

__________________

1 ـ الاقبال ( ص 324 ).

١٦٤

المُعْطِي وَأَنَا السَّائِلُ ، وَأَنْتَ الغَفُورُ وَأَنَا الخَاطِىءُ ، وَأَنْتَ الحَيُّ الذي لا يَمُوتُ ، وَأَنَا مَخْلُوقٌ أَمُوتُ.

اللّهُمَّ ، أَنْتَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ العَزيزُ الحَكيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ العَلِيُّ العَظِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إله إلاَّ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، مُبْدِىءُ كُلِّ شَىْءٍ وَإلَيْكَ يَعُودُ ، وَأَنْتَ اللهُ خَالِقُ الخَيْرِ وَالشَرِّ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ الوَاحِدُ ، الَأحَدُ ، الصَمَدُ ، لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفْواً أَحَدٌ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَهَادَة ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ المَلِكُ القُدُّوسُ ، السَّلَامُ ، المُؤْمِنُ ، المُهَيْمِنُ ، العَزِيزُ ، الجَبَّارُ ، المُتَكَبِّرًُ ، سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ الخَالِقُ ، البَارِىءُ المُصَوِّرُ ، يُسَبِّحًُ لَكَ ما في السماواتِ وَالَأرْضِ ، وَأَنْتَ العَزِيزُ الَحَكِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ الكَبِيرُ ، وَالكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُكَ. اللّهُمَّ ، أَنْتَ سَابِغُ النَّعْمَاءِ حَسَنُ البَلَاءِ ، جَزِيلُ العَطَاء ، مُسْقِطُ القَضَاءِ ، بَاسِطُ اليَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ ، نَفَّاعُ بِالخَيْرَاتِ ، كَاشِفُ الكِرْبَاتِ ، رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ، مُنَزِّلُ الَآيَاتِ ، مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَموَاتِ ، عَظِيمُ البَرَكَاتِ ، مُخْرِجٌ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُمَاتِ ، مُبَدِّلُ السَيِّئَاتُ حَسَنَاتِ ، وَجَاعِلٌ الحَسَنَاتِ دَرَجَاتِ.

اللّهُمَّ ، إنَّكَ دَنَوْتَ في عُلُوِّكَ ، وَعَلَوْتَ في دُنُوِّكَ ، فَدَنَوْتَ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، وَارْتَفَعْتَ فَلَيْسَ فَوْقِكَ شَيْءٍ ، تَرَى وَلا تُرَى ، وَأَنْتَ بِالمَنْظَرِ اَلَأعْلَى ،فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى ، لَكَ ما في السَّمَاوَاتِ العُلَى ، وَلَكَ الكِبْرِيَاءُ في الَآخِرَةِ وَاَلُأولَى ،

اللّهُمَّ ، إنَّكَ غَافِرُ الذَّنْبِ وَقَابِلُ التَّوْبِ ، شَدِيدُ العِقَابِ ، ذو

١٦٥

الطَّوِل ، لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ إلَيْكَ المَصِيرُ ، وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَبَلَّغْتَ حُجَّتَكَ ، وَلا مُعَقِّبِ لِحُكْمِكَ ، وَأَنْتَ تُجِيبُ سَائِلكَ ، أَنْتَ الذي لا رَافِعَ لِمَا وَضَعْتَ ، وَلا وَاضِعَ لِمَا رَفَعْتَ ، أَنْتَ الذي ثَبَتَ كُلِّ شَيْءٍ بِحُكْمِكَ ، وَلا يَفُوتُكَ شَيْءٌ بِعِلْمِكَ ، وَلا يَمْتَنِعُ عَنْكَ شَيْءٌ ، أَنْتَ الذي لا يُعْجِزُكَ هَارِبُكَ ، وَلا يَرْتَفِعُ صَرِيعَكَ وَلا يُحْيَا قَتِيلُكَ ، أَنْتَ عَلَوْتَ فَقَهَرْتَ ، وَمَلَكْتَ فَقَدَرْتَ ، وَبَطَنْتَ فَخَبَرْتَ ، وَعلى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرْتَ ، عَلِمْتَ خَائِنَةَ الَأعْيُنِ ، وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَتَعْلَمُ مَا تُحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَضَعُ ، وَمَا تَغِيضُ الَأرْحَامُ ، وَمَا تَزْدَادُ ، وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَكَ بِمقْدَارٍ ، أَنْتَ الذي لا تَنْسَى مَنْ ذَكَرَكَ ، وَلا تُضِيعُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ ، أَنْتَ الذي لا يُشْغِلُكَ ما في جَوِّ أَرْضِكَ عَمَّا في جَوِّ سَمَائِكَ ، وَلَا يُشْغِلُكَ مَا في جَوِّ سَمَاوَاتِكَ عَمَّا في جَوِّ أَرْضِكَ ، أَنْتَ الذي تَعَزَّزْتَ في مُلْكِكَ ، وَلَمْ يُشْرِكْكَ أَحَدٌ في جَبَروتِكَ ، أَنْتَ الذي عَلَا كُلَّ شَيْءٍ ، وَمَلَكَ كُلِّ شَيْءٍ أَمْرُكَ ، أَنْتَ الذي مَلَكْتَ المُلُوكَ بِقُدْرَِتَك ، وَاسْتَعْبَدْتَ الَأرْبَابَ بِعِزَّتِكَ ، وَأَنْتَ الذي قَهَرْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِعِزَّتِكَ ، وَعَلَوْتَ كُلِّ شَيْءٍ بِفَضْلِكَ ، أَنْتَ الذي لا يَسْتَطَاعُ كُنْهُ وَصْفِكَ ، وَلا مُنْتَهَى لِمَا عِنْدَكَ ، أَنْتَ الذي لا يَصِفُ الوَاصفُونَ عَظَمَتَكَ ، وَلا يَسْتَطِيعُ المْزَائلونَ تَحْوِيلَكَ ، أَنْتَ شِفَاءٌ لِمَا في الصُّدُورِ ، وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، أَنْتَ الذي لا يُحيفُكَ سَائِلٌ ، وَلا يَنْقِصُكَ نِائِلٌ ، وَلا يَبْلُغُ مِدْحَتَكَ مَادِحٌ ، وَلا قَائِلٌ ، أَنْتَ الكَائِنُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيْءٍ ، وَالكَائِنُ بِعلَّةِ كُلِّ شَيْءٍ ، أَنْتَ الوَاحِدُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ ، وَلَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ، السَّموَاتُ وَمَنْ فِيهِنَّ لَكَ ، وَاَلَأرْضُونَ وَمَنْ فِيهنَّ لَكَ ، وَمَا بَيْنَهُنَّ ، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ، أَحْصَيْتَ كُلِّ شَيْءٍ ( عَدَداً ) ، وَأَحَطْتَ بِهِ

١٦٦

عِلْماً ، وَأَنْتَ تَزِيدُ في الخَلْقِ مَا تَشَاءُ ، وَأَنْتَ الذي لا تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ ، وَهُمْ يَسْأَلوُنَ ، وَأَنْتَ الفَعَّالُ لِمَا تُرِيدُ ، وَأَنْتَ القَرِيبُ وَأَنْتَ البَعِيدُ ، وَأَنْتَ السَّمِيعُ ، وَأَنْتَ البَصِيرُ ، وَأَنْتَ المَاجِدُ وَأَنْتَ الوَاحِدُ ، وَأَنْتَ العَلِيمُ ، وَأَنْتَ الكَرِيمُ ، وَأَنْتَ البَارُّ وَأَنْتَ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ القَادِرُ ، وَأَنْتَ القَاهِرُ ، لَكَ الَأسْمَاءُ الحُسْنَى كُلُّهَا ، وَأَنْتَ الجَوُادُ الذي لا يَبْخَلُ ، وَأَنْتَ العَزِيزُ الذي لا يُذَلُّ ، وَأَنْتَ مُمْتَنِعٌ لا يَرَامُ ، يُسَبِّحُ لَكَ ما في السَّموَاتِ وَالَأرْضِ ، وَأَنْتَ بِالخَيْرِ أَجْوَدُ مِنْكَ بِالشرِّ ، رَبِّي وَرَبَّ َآَبائي الَأوَّلِينَ ، أَنْتَ تُجِيبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاكَ ، وَأَنْتَ نَجَّيْتَ نُوحاً مِن الغَرَقِ ، وَأَنْتَ الذي غفرْت لِدَاوودَ ذَنْبَهُ ، وَأَنْتَ الذي نفَّسْتَ عَنْ ذِي النُّونِ كَرْبَهُ ، وَأَنْتَ الذي كَشَفْتَ عَنْ أَيُّوب ضُرَّهُ ، وَأَنْتَ الذي رَدَدْتَ مُوسَى على أُمَّه ، وَصَرَفْتَ قُلُوبَ السَّحَرَةِ إلَيْكَ. حَتَّى قَالُوا : آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ ، وَأْنَتَ وَليُّ نِعْمَةِ الصَّالِحِينَ ، لا يُذْكَرُ مِنْكَ إلاَّ الحَسَنُ الجَمِيلُ ، وَمَا لا يُذْكَرُ أَكثَرُهُ ، لَكَ الآلَاءُ وَالنَّعمَاءُ ، وَأَنْتَ الجَمِيلُ لا تُبْلَغُ مَدْحَتُكَ وَلا الثَّنَاءُ عَلَيْكَ ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيتَ على نَفْسِكَ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، تَبَارَكت أَسْمَاؤُكَ ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ ، ما أَعْظَمَ شَأْنَكَ ، وَأَجَلَّ مَكَانَكَ ، وَمَا أَقْرَبَكَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَأَلْطَفَكَ بِخَلْقِكَ ، وَأَمْنَعَكَ بِقُوَّتِكَ ، أَنْتَ أعَزُّ وَأَجَلُّ ، وَأَسْمَعُ وَأَبْصَرُ وأَعَلْىَ وَأَكْبَرُ وَأَظْهَرُ ، وَأَشْكُرُ ، وَأَقْدَرُ ، وَأَعْلَمُ ، وَأَجْبَرُ وَأَكْبَرُ ، وَأَعْظَمُ وَأَقْرَبُ ، وَأَمْلَكُ ، وَأَوْسَعُ ، وَأَصْنَعُ ، وَأَعْطَى ، وَأَحْكَمُ ، وَأَفْضَلُ ، وَأَحْمَدُ ُِمَن أَنْ تُدْرِكُ العَيْنانِ عَظَمَتَكَ ، أَوْ يَصِفُ الوَاصِفُون ( جَلَالَكَ ) أَوْ يَبْلُغوا غَايَتَكَ.

اللّهُمَّ ، أَنْتَ اللهُ ، لا إلهَ إلاَّ أنَتْ َأَجَلُّ مِنْ ذُكِرَ ، وَأَشْكَرُ مَنْ عُبِدَ ، وَأَرْأَفُ من مَلَكَ ، وَأَجْوَدُ مَنْ سُئِلَ ، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطَى ، تَحْلُمُ بَعْدَ ما

١٦٧

تَعْلَمُ ، وَتَعْفُو وَتَغْفِرُ مَا تُقَدِّرُ ، لَمْ تُطَعُ إلاَّ بِإذْنِكَ ، وَلَمْ تُعْصَ قَطُّ إلاَّ بِقُدْرَتِكَ ، تُطَاعُ رَبَّنَا فَتُشْكَرُ ، وَتُعْصَى رَبَّنَا فَتَغْفِرُ.

اللّهُمَّ ، أَنْتَ أَقْرَبُ حَفِيظٍ ، وَأَدْنَى شَهِيدٍ ، حُلْتَ بَيْنَ القُلُوبِ ، وَأَخَذْتَ بِالنَوَاصِي ، وَأَحْصَيْتَ الَأعْمَالَ ، وَعَلِمْتَ الأخْبَارَ ، وَبِيَدِكَ المَقَادِيرُ ، وَالقْلُوبُ إلَيْكَ مُقْصِدَةٌ ، وَالسِرُّ عِنْدَكَ عَلَانِيَةٌ ، وَالمُهْتَدِي مَنْ هَدَيْتَ ، وَالحَلَالُ ما حَلَّلْتَ ، وَالحَرامُ مَا حَرَّمْتَ ، وَالدِّينُ مَا شَرَعْتَ ، وَالأمْرُ ما قَضَيْتَ ، تَقْضِي ، وَلا يُقْضَىَ عَلَيْكَ.

اللّهُمَّ ، أَنْتَ الَأوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٍ ، اللّهُمَّ ، بِيَدِكَ مَقَادِيرُ النَصْرِ وَالخُذلَانِ ، وَبِيَدِكَ مَقَادِيرُ الخَيْرِ وَالشَرِّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغْفِرْ لي كُل ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ في ظُلْمةِ اللَّيْلِ وَضَوْءِ النَّهَارِ ، عَمْداً أَوْ خَطَأً ، سِرّاً أَوْْ عَلَانِيَةً ، إنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَهُوَ عَلْيْكَ يَسِيرٌ. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أُثْنِي عَلَيْكَ بِأَحْسَنِ ما أقَدْرِ ُعَلَيْهِ ، وَأَشْكُرُكَ بِمَا مَنَنْتَ بِهِ عَلَيَّ ، وَعَلَّمْتَني مِنْ شُكْرَِك ، اللّهُمَّ ، فَلَكَ الحَمْدُ بِمَحَامِدِكَ كُلِّهَا ، على نَعْمَائِكَ كُلِّها ، وَعلى جَمِيعِ خَلْقِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ الحَمْدُ ، إلى مَا تُحِبُّ رَبَّنَا وَتَرْضَى ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَدَدَ ما خَلَقْتَ ، وَعَدَدَ مَا ذَرَأْتَ ، وَلَكَ الحَمْدُ عَدَدَ مَا بَرَأْتَ ، وَلَكَ الحَمْدُ عَدَدَ ما أَحْصَيْتَ ، وَلَكَ الحَمْدُ عَدَدَ مَا في السَّموَاتِ وَالَأرْضِينَ ، وَلَكَ الحَمْدُ ملء الدُّنْيَا والآخِرَةِ.

وكان يقول : بعد هذا الدعاء عشر مرات : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وله الحمد يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

١٦٨

ثم يقول عشرا :

أسْتَغْفِرُ اللهُ الذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ ، وَأَتُوب إلَيْهِ.

ويقول عشرا ما يلي :

أ ـ يا رَحْمنُ ، يا رَحْمنُ.

ب ـ يا رَحِيمُ ، يا رَحِيمُ.

ج ـ يا بَدِيعَ السَّموَاتِ وَالَأرْضِ.

د ـ يا ذَا الجَلَالِ وَالإكْرَامِ.

ه‍ ـ يا حَنَّانُ ، يا مَنَّانُ.

و ـ يا حَيُّ ، يا قَيٌّومْ.

ز ـ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

ح ـ اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ ، يا وَلِيَّ الحَمْدُ ، وَمْنْتَهَى الحَمْدُ ، وَفيَّ الحَمْدُ ، عَزِيِزَ الجْنْدِ ، قَدِيِمَ المَجْدِ ، الحَمْدُ للهِ الذي كَانَ عَرْشَهُ على المَاءِ ، حِينَ لا شَمْسٌ تُضِىءُ ، وَلا قَمرٌ يَسْرِي ، وَلا بَحْرٌ يَجْرِي ، وَلا رِيَاحٌ تَذْرِي ، وَلا سَمْاءٌ مَبْنِيَّةٌ ، وَلا أَرْضٌ مَدْحُوَّةٌ ، وَلا لَيْلٌ يَجِنُّ ، وَلا نَهَارٌ يَكِنُّ ، وَلا عَيْنٌ تَنْبَعُ ، وَلا صَوْتُ يُسْمَعُ ، وَلا جَبَلٌ مَرْسُوٌّ ، وَلا سَحَابٌ مُنْشَأُ ، وَلا إْنسٌ مُبْرَأُ ، وَلا جِنٌّ مُذْرَأُ ، وَلا مَلَكٌ كَرِيمٌ ، وَلا شَيْطَانٌ رَجِيمٌ ، وَلا ظِلٌّ مَمْدُودٌ ، وَلا شَيْءٌ مَعْدُودٌ ، الحَمْدُ للهِ الذي اسْتُحْمِدَ ، إلى مَنْ اسْتَحْمِدُهُ مِنْ أَهْلِ مَحَامِدِهِ ، لِيَحْمُدُوهُ على مَابَذَلَ مِنْ نَوَافِلِهِ ، التي فَاقَ مَدْحَ المُادِحِينَ ، مَآثِرُ مَحَامِدِهِ ، وَعَدَا وَصْفَ الوَاصِفِينَ هَيْبَةُ جَلَالِهِ ، وَهُوَ أَهْلٌ

١٦٩

لِكُلِّ حَمْدٍ ، وَمُنََْتهى كُلِّ رَغٍَْبة ، الوَاحِدُ الذي لا بَدْءَ لَهُ المَلِكُ الذي لا زَوَالَ لَهُ ، الرَّفِيعُ الذي لَيْسَ فَوْقَهُ نَاظِرٌ ، ذو المَغِْفَرة وَالرَّحْمَةِ ، المَحْمُودُ لِبَذْلِ نَوَائِلِهِ ، المَعْبُودُ بهَيْبَةِ جَلَالِهِ ، المَذْكُورُ بِحُسنِ آلائِهِ ، المَنَّانُ بِسَعَةِ فَوَاضِلِهِ ، المَرْغُوبُ إلَيْهِ في إتْمَامِ المَوَاهِبِ ، مِنْ خَزَائِنِهِ ، العَظِيمُ الشَّأْنِ ، الكَرِيمُ في سُلْطَانِهِ ، العَلِيُّ في مَكَانِهِ ، المُحسنُ في امْتِنَانِهِ ، الجَوادُ في فَوَاضِلِهِ.

الحَمْدُ للهِ ، بَاِرىءِ خَِْلق الَخْلُوقِينَ بِعِلْمِهِ ، وَمُصَوِر أَجْسَادُ العِبَادِ بِقُدْرَتهِ ، وَمُخَالِفِ صُوَر ِمَنْ خَلَقَ مِنْ خلْقِهِ ، وَنَافِخِ الَأرَْواحِ في خَلْقِهِ بِعِلْمِهِ ، وَمُعَلِّمِ مَنْ خَلَقَ مِنْ عِِبَادِهِ اسْمَهُ ، وَمُدَبِّرِ خَلْقِ السَّموَاتِ وَالَأرْضِ بِعَظَمَتِه ، الذي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَ كُرْسِيِّهِ ، وَعَلَا بِعَظَمَتِهِ فَوْقَ الأعْلِينَ ، وَقَهَرَ المُلُوكَ بِجَبَرُوتِهِ ، الجَبَّارِ الَأعْلَى ، المَعْبُودِ في سُلْطَانِهِ ، المُتَسَلِّطِ بِقُوَّتِهِ ، المُتَعَالي في دُنُوهِ ، المُتَدَانِي في ارْتِفَاعِهِ ، الذي نَفَذَ بَصَرُهُ في خَلْقِهِ ، وَحَارَتِ الَأبْصارُ بِشُعَاعِ نُورِهِ.

الحَمْدُ للهِ الحَلِيمِ الرَّشِيدِ ، القَوِيِ الشَّدِيدِ ، المُبْدِىءِ المُعِيدِ ، الفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ ، الحَمْدُ للهِ مُنْزِلُ الآيَاتِ ، وَكَاشِفِ الكَرْبَاتِ ، وَبَاني السَّموَاتِ. الحَمْدُ للهِ في كُلِّ زَمَانٍ ، وَفي كُلِّ مَكَانٍ ، وَفي كُلِّ أَوَانٍ ، الحَمْدُ للهِ الذي لا يَنْسَى مَنْ ذَكَرَهُ وَلا يُخِيبُ مَنْ دَعَاهُ ، وَلا يُذَلُّ مَنْ وَالَاهُ ، الذي يُجْزِي بِالإِحْسَانِ إحْسَاناً ، وَبِالصَّبْرِ نَجَاةً ، الحَمْدُ للهِ الذي لَهُ مَا في السَّموَاتِ وَمَا في الَأرْضِ ، وَلَهُ الحَمْدُ في الآخِرَةِ ، وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ، الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّموَاتِ وَالَأرْضِ ، جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً ، أولِى أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ، يَزِيدُ في الخَلْقِ مَا يَشَاءُ ، إنَّ اللهَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ ، سُبْحَانَ اللهُ وَالحَمْدُ للهِ ، وَلا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ ، وَلا حَوْلَ وَلا

١٧٠

قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ ، وَسُبْحَانَ اللهُ حِينَ تُمْسُونَ ، وَحِينَ تُظْهرُونَ ، وَسُبْحَانَ اللهُ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَأَطرَافَ النَّهَارِ ، وَسُبْحَانَ اللهٌ بِالغُدُوِّ ، وَالآصَالِ ، وَسُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُوُنَ ، وَسَلَامٌ على المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالحَمْدُ للهِ كَمَا يُحِبُ رَبُّنَا ، وَكَمَا يَرْضَى ، حَمّداً كَثِيراً ، طَِّيباً ، كُلَّمَا سَبَّحَ اللهُ شَيْءٌ ، وَكَمَا يُحِبُ اللهُ أَنْ يُسَبَّحَ ، وَالحَمْدُ للهِ كُلَّمَا حَمَدَ اللهُ شَيْىٌ ، وَكَمَا يُحِبُ اللهُ أَنْ يُحْمَدُ ، وَلا إلهَ إلاَّ اللهُ كُلَّمَا هَلَّلَ الله شَيْءٌ وَكَمَا يُحِبُّ الله أَنْ يُهَلَّلَ ، وَاللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا كَبَّرَ اللهُ شَيْءٌ وَكَمَا يُحِبٌّ اللهُ أَنْ يُكَبَّرَ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ العَلِّي العَظِيم »(1) .

وقدم الامامعليه‌السلام ، في هذا الدعاء الجليل ، جميع ما في قاموس الثناء ، والتمجيد ، من كلمات مشرقة ، إلى الله تعالى ، كما أبدى جميع صنوف التذلل والعبودية.

وقد ذكر الامامعليه‌السلام ، في هذا الدعاء ، ألطاف الله البالغة على أنبيائه ، ورسله ، والصالحين من عباده ، الذين أنقذهم من ويلات الطغاة وشرورهم

15 ـ دعاؤه الثاني في يوم عرفة

من ذخائر أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، هذا الدعاء الجليل ، فقد حفل بمطالب جليلة ومضامين عالية ، وكانعليه‌السلام ، يدعو به في يوم عرفة ، قبل الشروع فيه ، كان يكبر الله تعالى مائة مرة ، ويهلله مائة مرة ، ويسبحه مائة مرة ، ويقدسه مائة مرة ، ويقرأ آية الكرسي مائة مرة ، ويصلي على النبي وآله مائة مرة ثم يقرأ هذا الدعاء :

__________________

1 ـ الاقبال ( ص 369 ـ 374 ).

١٧١

« إلهي ، وَسَيِّدِي ، وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ ، مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتي لَكَ ، مُخَالَفَةَ أَمْرِكَ ، بَلْ عَصَيْتُ إذْ عَصَيْتُكَ ، وَمَا أَنَا بِنِكَالِكَ جَاهِلٌ ، وَلا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرَّضٌ ، وَلكِنْ سَوَّلْتْ لي نَفْسِي وَغَلَبَتْ عَلَيَّ شِقْوَتي ، وَأَعَانَنِي عَلَيْهِ عَدُوُّكَ ، وَعَدُوِّي ، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ المُسْبَلِ عَلَيَّ فَعَصَيْتُكَ بِجَهْلي ، وَخَالَفْتُكَ بِجُهْدِي ، فَالآنَ مِنْ عَذَابِكَ مَنْ يُنْقِذُني؟ وَبِحَبْلِ مَنْ أَتَّصِلُ ، إنْ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي؟ أَنَا الغَرِيقُ المُبْتَلى فَمَنْ سَمِعَ بِمِثْلي ، أَوْ رَأى مِثْلَ جَهْلي؟ لا رَبِّ غَيْرُكَ يُنَجِّيني ، وَلا عَشيرَةَ تَكْفِيني ، وَلا مَالَ يَفْدِيني ، فَوَعِزَّتِكَ يا سَيِّدِي لَأطْلُبَنَّ إلَيْكَ ، وَعِزَّتِكَ يا مَوْلايَ لَأتْضَرَّعَنَ إلَيْكَ وَعِزَّتِِكَ يا إلهي لأبْتَهِلَنَّ إلَيْكَ ، وَعِزَّتِكَ يا رَجَائِي لأمُدَّنَ يَدَيَّ مَعَ جُرْمِهِما إلَيْكَ.

إلهي : مَنْ لي يا مَوْلاي؟ بِمَنْ أَلُوذُ يا سَيِّدي؟ فَبِمَنْ أَعُوذُ يا أَمَلي؟ فَمَنْ أَرْجُو؟ أَنْتَ ، أَنْتَ ، إنْقَطَعَ الرَّجَاءُ إلاَّ مِنْكَ ، وَحْدَكَ ، لا شَرِيكَ لَكَ ، يا أَحَدَ مَنْ لا أَحَدَ لَهُ ، يا أَكْرَمَ مَنْ أُقِرُّ لَهُ بِالذَّنْبِ ، يا أَْعَّز مَنْ أَخْضَعُ لَهُ بِذُلٍّ ، يا أَرْحَمَ مَنْ أَعْتَرِفُ لَهُ بِجُرْمٍ ، لِكَرَمِكَ أَقْرَرْتُ بِذُنُوبِي ، وَلِعِزَّتِكَ خَضَعْتُ بِذِلَّتي ، فَمَا صَانِعٌ يا مَوْلَايَ؟ وَلِرَحْمَتِكَ اعْتَرَفْتُ بِجُرْمِي ، فَمَا أَنْتَ فَاعِلٌ سَيِّدي لِمُقِرٍّ لَكَ بِذَنْبِهِ ، خَاضِعٍ لَكَ بِذُلِّهِ ، مُعْتَرِفٍ لَكَ بِجُرْمِهِ؟

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاسْمَعِ ـ اللّهُمَّ ـ دُعَائِي ، إذَا دَعَوْتُكَ ، نِدَائي إذَا نَادَيْتُكَ ، وَأقْبِلْ عَلَيَّ إذَا نَاجْيْتُكَ ، فَإنِّي أُقِرُّ لَكَ بِذُنُوبي وَأَعْتَرِفُ ، وَأَشْكو إلَيْكَ مَسْكَنَتِي وَفَاقَتي ، وَقَسَاوَةَ قَلْبِي ، وَضُري ، وَحَاجَتي ياخَيْرَ مَنْ أَنِسَتْ بِهِ وَحْدَتِي ، وَنَاجَيْتُهُ بِسِرِّي ، يا أَكْرَمَ مَنْ بَسَطْتُ إلَيْهَ يَدِي ، وَيَا أَرْحَمَ مَنْ مَدَدْتُ إلَيْهِ عُنُقِي ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ

١٧٢

وَآلِهِ ، وَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي ، التي نَظََرْت َإلَيْهَا عَيْنَايَ ، اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاَغْفِرْ لي ذُنُوبِي التي اكْتَسَبَتْهَا يَدَايَ ، وَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي التي بَاشَرَهَا جِلْدِي ، وَاغْفِرْ لي ، اللّهُمَّ ، الذُّنُوبَ التي احْتَطَبْتَ بِهَا على بَدَنِي ، وَاغْفِرْ اللّهُمَّ ، الذُّنُوبِ التي قَدَّمَتْهَا يَدَايَ ، وَاغْفِرْ اللّهُمَّ ذُنُوبِي التي أحصَاهَا كِتَابُكَ ، وَاغْفِرْ اللّهُمَّ ذُنُوبي التي سَتَرْتَهَا مِنَ المَخْلُوقِينَ ، وَلَمْ أَسْتُرْهَا مِنْكَ.

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي ، أَوَّلَّهَا وَآخِرَهَا ، صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا ، دَقِيقَهَا وَجَلِيلَهَا ، ما عَرَفْتُ مِنْهَا ، وَمَا لَمْ أَعْرِفْ ، مَوْلَايَ عَظُمَتْ ذُنُوبِي ، وَجَلَّتْ ، وَهِيَ صَغيرَةٌ في جَنْبَ عَفْوِكَ ، فَاعْفُ عَنِّي ، فقد قَيَّدَتْنِي ، وَأشْتَهَرَتْ عُيُوبِي ، وَغرَّقَتْنِي خَطَايَايَ ، وَأَسْلَمَتْنِي نَفْسِي إلَيْكَ ، بَعْدَمَا لَمْ أَجِدْ مَلْجَأً ، وَلا مَنْجىً مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ ، مَوْلَايَ ، إسْتَوْجَبْتُ أَنْ أَكُونَ لِعُقُوبَتِكَ غَرَضاً ، وَلِنَقْمَتِكَ مُسْتَحِقّاً.

إلهي : قَدْ غُرَّ عَقْلي فِيمَا وَجِلْتُ مِنْ مُبَاشَرَةِ عِصْيَانِكَ ، وَبَقِيتُ حَيْرَانَ ، مُتَعَلّقاً بِعَمُودِ عَفْوِكَ ، فَاقْبَلْنِي يَا مَوْلَايَ وَإلهي بِالإٍعْتِرَافِ ، فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ عَبْدٌ ذَلِيلٌ ، خَاضِعٌ ، دَاخِرٌ(1) رَاغِمٌ ، إنْ تَرْحَمْنِي فَقَدِيماً شَمَلَنِي عَفْوُكَ ، وَأَلْبَسْتَني عَافِيَتِكَ ، وَإنْ تُعَذِّبْنِي فَإنِي لِذلِكَ أََهْلٌ ، وَهُوَ مِنْكَ يَا رَبِّ عَدْلٌ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ بِالَمَخْزُونِ مِنْ أَسْمَائِكَ ، وَمَا وَارَتِ الحُُُجُبُ مِنْ بَهَائِكَ ، أَنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَتَرْحَمَ هذِهِ النَّْفسِ الجَزُوعَةَ ، وَهَذا البَدَنَ الهَلُوعَ ، وَالجِلْدَ الرَّقِيقَ ، وَالعَظْمَ الدَّقِيقَ.

__________________

1 ـ داخرا : أي صاغرا ذليلا.

١٧٣

وكانعليه‌السلام يقول : مائة مرة :

« مولاي عفوك »

اللّهُمَّ ، قَدْ غَرَّقَتْني الذُّنُوبُ ، وَغَمَرَتْني النِّعَمُ ، وَقَلَّ شُكْرِي ، وَضَعَُف عَمَلي ، وَلَيْسَ لي مَا أَرْجُوهُ إلاَّ رَحْمَتكَ فَاعْفُ عَنِّي ، فَإني أُمْرُؤُ حَقِيرٌ ، وَخَطَرِي يَسيرٌ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَنْ تَعْفُوَ عَنِّي ، فَإنَّ عَفْوَكَ عَنِّي أَرْجَى مِنْ عَمَلِي ، وَإنْ تَرْحَمَني فَإنَّ رَحْمَتَكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي ، وَأَنْتَ الذي لا تُخِيبَ السَائِلَ ، ياخَيْرَ مَسْؤُولٍ ، وَأَكْرَمَ مَأَمُولٍ.

وكان يقول مائة مرة ما يلي :

« هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ »

« هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ »

هَذَا مَقَامُ الذَّليِلِ ، هَذَا مَقَامُ البَائِسِ الفَقِيرِ ، هَذَا مَقَامُ المُسْتَجِيرِ ، هَذَا مَقَامُ مَنْ لا أَمَلَ لَهُ سِوَاكَ ، هَذَا مَقَامُ مَنْ لا يُفَرِّجُ كَرْبَهُ سِوَاكَ الحَمْدًُ للهِ الذي هَدَانَا ، وَمَا كُنَّا لَنْهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ ، لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ.

اللّهُمَّ ، لَكَ الحَمْدُ على مَا رَزَقْتَنِي ، وَلَكَ الحَمْدُ على ما مَنَحْتَنيِ ، وَلَكَ الحَمْدُ على ما أَلْهَمْتَنيِ وَلَكَ الحَمْدُ على ما وَفَّقتَني ، وَلَكَ الحَمْدُ على على ما شَفَيْتَني ، وَلَكَ الحَمْدُ على مَا عَافَيْتَنِي ، وَلَكَ الحَمْدُ على ما هَدَيْتَنِي ، وَلَكَ الحَمْدُ على السَرَّاءِ وَالضَرَّاءِ ، وَلَكَ الحَمْدُ على ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَلَكَ الحَمْدُ على كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ، ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ ،

١٧٤

حَمْداً كَثِيراً دَائِمَاً ، سَرْمَداً لا يَنْقَطِعُ وَلا يَفْنَى أَبَداً ، حَمْداً تَرْضَى بِحمْدِكَ عَنَّا ، حَمْداً يَصْعَدُ أَوَّلُهُ ، وَلا يَفْنَى آخِرُهُ حَمْداً يَزِيدُ وَلا يَبِيدُ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْتَغْفِرُكَ ، مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ قَوِيَ عَلَيْهِ بَدَني بِعَافِيَتِكَ ، أوَ ْنَالَتْهُ قُدْرَتِي بِفَضْلِ نِعْمَتِكَ ، أَوْ بَسَطْتُ إلَيْهِ يَدِي بِسَابغِ رِزْقِكَ ، أَوْ نَكَلْتُ عِنْدَ خَوْفي مِنْهُ على أَنَاتِكَ ، أَوْ وَثِقْتُ فِيهِ بِحَوْلِكَ ، أَو عَوَّلْتُ فِيهِ على كَرِيم عَفْوِكَ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْتَغْفِرُكَ ، مِنَ كُلِّ ذَنْبٍ خُنْتُ فِيهِ أَمَانَتي ، أَوْ بَخَسْتُ بِفِعْلِهِ نَفْسِي ، أَوْ احْتَطَبْتُ بِهِ على بَدَنِي ، أَوْ قَدَّمْتُ فِيهِ لَذتِي ، أَوْ آثَرْتُ فِيهِ شَهَوَاتي ، أَوْ سَعَيْتُ فِيهِ لِغَيْري ، أَوْ اسْتَغْوَيْتُ فِيهِ مِنْ تَبعَتي ، أَوْ غَلَبْتُ عَلَيْهِ بِفَضَلِ حِيلَتي ، أَوْ احْتَلْتُ عَلَيْكَ فِيهِ ، موْلَايَ فَلمْ تَغْلِبْني على فِعْلي إذْ كُنْتُ كَارِهاً لِمَعْصِيَتي ، لكِنْ سَبَقَ عِلْمُكَ في فِعْلي فَحَلُمْتَ عَنِّي ، لَمْ تُدْخِلْني فِيهِ يا رَبُّ جَبْراً ، َوَلْم تَحْمِلْني عَلَيْهِ قَهْراً ، وَلَمْ تَظْلِمْني فِيِه شَيْئاً ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفَارَ مَنْ غََمَرْتُه مَسَاغِبُ الإِسَاءَةِ ، فَأَيْقَنَ مِنْ إلههِ بِالمُجَازَاةِ ، أَسَْتغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفَارَ مَنْ تَهَوَّرَ تَهَوُراً في الغَيَاهِبِ ، وَتَدَاحَضَ لِلْشَّقْوَةِ في أَوْدَاءِ المَذَاهِبِ ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفَارَ مَنْ أَوْرَطَهُ الإِفْراطُ في مَآثِمِهِ ، وَأَوُثَقَهُ الإِرْتِبَاكُ في لُجَجِ جَرَائِمِهِ ، أَسْتَغْفرُ اللهَ اسْتِغْفارَ مَنْ أَنَافَ(1) على المَهَالِكِ بِمَا اجْتَرَمَ(2) أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفَارَ مَنْ أَوْحَدَتْهُ المَنِيَةُ في حُفْرَتِهِ ، فَأُوْحَشَ بِمَا اقْتَرَفَ مَنْ ذَنْبٍ ، إسْتَكْفَفَ ، فاسْتَرْحَمَ هُنَالِكَ رَبَّهُ ، وَاسْتَعْطَفَ ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفَارِ مَنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ لِبُعْدِ سَفَرِهِ زَاداً ، وَلَمْ يُعِدُّ لِظَاعِن تَرْحَالِهِ إعْدَاداً أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفارَ مَنْ شَسُعتْ شقَّتْهُ ، وَقَلَّتْ

__________________

1 ـ أناف : أشرف.

2 ـ اجترم : اكتسب.

١٧٥

عُدَّتُهُ ، فَعَشيَتُهُ هُنَالِكَ كُرْبَتُهُ ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفَارَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ على أيَّةِ مَنْزِلَةٍ هَاجِمٌ : أفي النَّارِ يَصَلى أَمْ في الجَنَّةِ ناعِماً يَحْيا؟ أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفارَ مَنْ غَرِقَ في لُجَجِ المَآثِمِ وَتَقَلَّبَ في أَضَالِيلِ مَقْتِ المَحَارِم ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفارَ مَنْ عَنْدَ عَنْ لَوَائِحِ حَق المَنْهَجِ ، وَسَلَكَ سَوَادِفَ السُبُلِ المُرْتَجِّ ، أَسْتَفْفِرُ اللهَ اسْتِغْفارَ مَنْ لَمْ يُنْجِهِ المَفرُّ مِنْ مُعَانَاةِ ضَنَكِ المُنْقَلَبِ ، وَلَمْ يَنْجِهِ المَهْرَبُ مِنْ أَهْْل وَيْلِ عِبْءِ المَكْسَبِ ، أَسْتَغْفِرُ الله اسْتِغْفَارَ مَنْ تَمَرَّدَ في طُغْيَانِهِ عَدُوَّاً ، وَبَارَزَهُ في الخَطِيئَةِ عُتُوّاً ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفَارَ مَنْ أَحْصَى عَلَيْهِ كُرُورَ لَوَافِظِ ألْسِنَتِهِ ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ اسْتِغْفَارَ مَنْ لا يَرْجُو سِوَاهُ ، أَسْتَغْفِرُ الله الذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ، الحَيُّ القَيُّومُ ، مِمَّا أَحصَاهُ العُقُولُ ، وَالقَلْبُ الجَهُولُ ، وَاقْتَرَفتَهُ الجَوَارِحُ الخَاطِئَةُ ، وَاكْتَسَبَتْهُ اليَدُ البَاغِيَةُ ، أسْتَغْفِرُ اللهَ الذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ( مَا لا يُحْصَى ) بِمقْدَارٍ وَمقْيَاسٍ ، وَمِكْيَالٍ ، وَمَبْلَغَ ما أَحْصَي ، وَعَددَ َما خَلَقَ ، وَذَرَأَ ، وَبَرَأَ ، وَأَنْشَأَ ، وَصَوَّرَ ، وَدَوَّنَ ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ أَضْعَافَ ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَأَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ، وَأَمْثَالاً مُمَثَّلَةُ حَتَّى أَبْلُغَ رِضَا اللهِ ، وَأَفُوزَ بِعَفْوِهِ ، وَالحَمْدُ لله الذي هَدَانَا لِدِينِهِ الذي لا يَقْبَلُ عَمَلاً إلاَّ بِهِ ، وَلا يَغْفِرَ ذَنْباً إلاَّ لَأهْلِهِ ، وَالحَمْدُ للهِ الذي جَعَلَني مُسْلِماً لَهُ وَلِرَسُولِهِ ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ ، وَالحَمْدُ للهِ الذي لَمْ يَجْعَلْني أَعْبُدُ شَيْئاً غَيْرَهُ ، وَلَمْ يُكْرِمْ بِهَوَانِي أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ ، وَالحَمْدُ للهِ على ما صَرَفَ عَنِّي أَنْوَاعَ البَلَاءِ في نَفْسِي ، وَأَهْلِي ، وَمَالِي ، وَوَلَدي ، وَأَهْلِ حُزَانَتِي ، وَأَهْلِ حُزَانَتِي ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ على كُلِّ حَالٍ ، وَلا إلهَ إلاَّ اللهُ المَلِكُ ، الرَّحْمنُ ، وَلا إلهَ إلاَّ اللهُ المُتَفَضِّلُ المَنَّانُ ، وَلا إلهَ إلاَّ اللهُ الَأوَّلُ وَالآخِرُ ، ولا إلهَ إلاَّ اللهُ ذو الطَّولِ ، وَإلَيْهِ المَصيرُ ، وَلا إلهَ إلاَّ اللهُ الظَاهِرُ البَاطِنُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ، وَاللهُ أَكْبَرُ

١٧٦

مِلْءَ عَرْشِهِ ، وَاللهُ أَكْبَرُ عَدَدُ ما أَحْصَى كِتَابُهُ ، وَسُبْحَانَ اللهِ الحَليمِ الكَرِيمِ ، وَسُبحَانَ اللهِ الغَفُورِ الرَّحِيمِِ ، وَسُبْحَانَ اللهِ الذي لا يَنْبَغي التَسْبِيحُ إلاَّ لَهُ ، وَسُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ على المُرْسَلِينَ ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ على مُحَمَّدٍ ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، الطَيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، الذين أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهيراً.

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ، وَرَسُولِكَ ، وَنَبِيِّكَ ، وَصَفِيِّكَ ، وَحَبِيبِكَ ، وَخِيرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، والمُبَلِّغِ رِسَالَتَكَ ، فَإنَّهُ قَدْ أَدَّى الَأمَانَةَ ، وَمَنَحَ النَّصيحَةَ ، وَحَمََل على المَحَجَّةِ ، وَكَابَدَ العُسْرَةَ ، اللّهُمَّ ، إعْطِهِ بِكُلِّ مَنْقُبٍَة مِنْ مَنَاقِبِهِ مَنْزِلَةً مِْن مَنَازِلِهِ ، وَبِكُلَّ حَالٍ مِنْ أحْوَالِهِ خَصَائِصَ مِنْ عَطَائِكَ ، وَفَضَائِلِ مِنْ حَبَائِكَ ، تُسرُّ بِهَا نَفْسُهُ ، وَتُكَرِّمُ بِهَا وَجهَهَ ، وَتَرْفَعُ بِهَا مَقَامَهُ ، وَتُعلي بِهَا شَرَفَهُ ، على القَوَّامِينَ بِقسْطِكَ وَالذَّابِّينَ عَنْ حَرَمَكَ ، اللّهُمَّ ، وَارْدُدْ عَلَيْهِ ، ذُرِّيَّتَهُ ، وَأَزْوَاجَهُ ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ ، وَأَصْحَابه ، وما تَقُرُّ بِهِ عَيْنُهُ ، وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ وَمِمَّنْ تَسْقِيِهِ بِكَأْسِهِ ، وَتُورِدُهُ حَوْضَهُ ، وَتَحْشُرُنَا في زُمْرَتِهِ وَتَحْتَ لِوَائِهِ ، وَتُدْخِلُنَا في كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ مُحَمَّداً وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

اللّهُمَّ ، اجْعَلْني مَعَهُمْ في كُلِّ شِدَّةِ وَرَخَاءٍ ، وَفي كُلِّ عَافِيَةٍ وَبَلَاءٍ ، وَفي كُلِّ أَمْنٍ وَخَوْفٍ ، وَفي كُلِّ مَثْوَى وَمُنْقَلَب ، اللّهُمَّ ، أَحْيِني مَحْيَاهُمْ ، وَأَمِتْنِي مَمَاتَهُم ، وَاجْعَلْني في المَوَاطِنِ كُلِّهَا ، وَلَا تُفَرِّقْ بَيْني وَبَيْنَهُمْ أَبَداً ، إنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ ، أَفْنِنِي خَيْرَ الفَنَاءِ إذَا أَفْنَيْتَني على مُوْالَاتِكَ وَمُوَالَاةِ أَوْلِيَائِكَ ، وَمُعَادَاةِ أعْدَائِكَ ، وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ إلَيْكَ ، وَالوفَاءِ بِعَهْدِكَ ، وَالتَصْدِِيق

١٧٧

بِكِتَابِكَ ، وَالإتِّبَاعِ لِسُنَّةِ نَبيِّكَصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وَتُدْخِلُني مَعَهُمْ في كُلِّ خَيْرٍ ، وَتُنَجِيني بهمْ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاغْفِرْ ذَنْبِي ، وَوَسِّعْ رِزْقي ، وَطَيِّبْ كَسْبِي ، وَقَنِّعْني بِمَا رَزَقْتَني ، ولا تُذْهِبْ نَفْسِي إلى شَيْءٍ صَرَفْتَهُ عَنِّي ، اللّهُمَّ ، إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ النِّسْيَانِ وَالكَسَلِ ، وَالتَوَانِي في طَاعَتِكَ ، وَمِنْ عِقَابِكَ ألَأدْنَى ، وَعَذَابِكَ الَأكْبَرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ دُنْيَا تَمْنَعُ الَآخِرَةَ ، وَمَنْ حَيَاةٍ تَمْنَعُ خَيْْرَ المَمَاتِ ، وَمِنْ أَمَلَ يَمْنَعُ خَيْرَ العَمَلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ نَفْس لا تَشْبَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ لا يُرْفَعُ ، وَمِنْ صَلَاةٍ لا تُقْبَلُ ، اللّهُمَّ ، إفْتَحْ مَسَامِعَ قَلْبي لِذِكْرِكَ ، حَتَّى أَتَبعَ كِتَابَكَ ، وَأُصَدِّقًُ رَسُولَكَ ، وَأُومِنُ بِوَعْدِكَ ، وَأُوفِى بِعَهْدِكَ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ،

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَسْأَلُكَ الصَّبْرِ على طَاعَتِكَ ، وَالصْبرَ لِحُكْمِكَ ، وَأَسْأَلُكَ ، اللّهُمَّ ، حَقَائِقَ الإيمَانِ ، وَالصِدْقَ في المَوَاطِنِ كُلِّهَا ، وَالعَفْوِ وَالمَُاَفاَة َ، وَاليَقِينَ وَالكَرَامَةَ ، في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَالشُّكْرَ ، وَالنَظَرَ إلى وَجْهِكَ الكَرِيمِ ، فَإنَّ بِنْعمَتك تَتُمُّ الصَّالِحَاتُ.

اللّهُمَّ ، أَنْتَ تُنْزِلُ الغِنَى وَالبَرَكَةَ ، مِنَ الرَّفِيعِ الأعْلَى ، على العِبَادِ قَاهِراً مُقْتَدِاراَ ، أَحْصَيْتَ أَعْمَالَهُمْ ، وَقَسَّمْتَ أَرْزَاقَهُمْ ، وسَمَّيْتَ آَجَالَهُمْ ، وَكَتَبْتَ آثَارَهُمْ ، وَجَعَلْتَهُمْ مُخْتَلِفَةً أَلْسِنَتُهُمْ ، وَأَلْوَانُهُمْ ، خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ ، لا يَعُلَمُ العِبَادُ عِلْمَكَ ، وَكُلُّنَا فُقَرَاءُ إلَيْكَ ، فَلا تَصْرِفِ اللّهُمَّ عَنِّي وَجْهَكَ ، وَلا تَمْنَعْني فَضْلِكَ ، وَلا تُمْنَعْني طَولَكَ وَعَفْوَكَ ، وَاجْعَلْني أُوَالِي أوْلِيَاءَكَ ، وَأُعَادِي أَعْدَاءَكَ ، وَارْزُقْني الرَّغْبَةَ ، وَالرَّهْبَةَ ، وَالخُشُوعَ ، وَالوَفَاء ، وَالتَّسْليَم ، وَالتَصْدِيقَ بِكِتَابِكَ ، وَاتبَاعَ سُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٧٨

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاكْفنِي ما أَهَمَّني ، وَغَمَّني ، وَلا تَكِلْني إلى نَفْسِي ، وَأَعذْني مِنْ شَرِّ ما خَلَقْتَ ، وَذرأْتَ وَبَرَأْتَ ، وَأَلْبِسْني دِرْعَكَ الحَصينَةَ ، مِنْ شَرِّ جَمِيعِ خَلْقك ، وَاقْض عنّي دَيْني ، وَوَفَّقْني لِما يُرْضِيكَ عَنِّي ، وَاحْرُسْني وَذُريَّتي وَأهْلي ، وقرَابتي وَجَمِيعَ إخْواني وَأَهْلَ حُزَانَتي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، وَمِنْ شرِّ فَسَقَةِ العَرَب وَالعَجَمِ ، وَشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ ، وَانْصُرْني على مَنْ ظَلَمني ، وَتَوَفَّني مُسْلِماً وَأَلْحِقْني بِالصَّالِحِينَ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ بِعَظِيمِ مَا سَأَلَكَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ ، مِنْ كَرِيمِ أَسْمَائِكَ ، وَجَمِيلِ ثَنَائِكَ ، وَخَاصَّةِ دُعَائِكَ ، أَنْ تُصَلِّي على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَجْعَلَ عَشِيَّتي هَذِهِ ، أَعْظَمَ عَشِيَّةِ مَرَّتْ عَلَيَّ ، مُنْذُ أَنْ أَخْرَجْتَني ، إلى الدُّنْيَا بَرَكَةً في عِصْمَةٍ مِنْ دِيني ، وَخَلَاصَ نَفْسِي ، وََقَضَاءِ حَاجَتي ، وَتَشْفِيعِي في مَسْأَلَتي ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيَّ وَصَرْفِ السُّوءِ عَنِّي ، وَلِبَاسِ العَافِيَةِ ، وَأَنْ تَجْعَلَني مِمَّنْ نَظَرْتَ إلَيْهِ في هَذِهِ العَشْيَّةِ بِرَحْمَتِكَ ، إنَّكَ جَوَادٌ كَرِيمٌ.

اللّهُمَّ ، إنْ كُنْتَ لَمْ تَكْتُبْني في حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرَامِ ، أَوْ حَرَمْتَني الحُضُورَ مَعَهُمْ ، في هذِهِ العَشِيَّةِ فَلَا تَحْرِمْني شِرْكَتَهُمْ في دُعَائِهِمْ ، وَانْظُر إليَّ بِنَظَراتِكَ الرَّحِيمَةِ لَهُمْ ، وَأعْطِني مِنْ خَيْرِ ما تُعْطِي أَوْلِيَاءَكَ ، وَأَهْلَ طَاعَتِكَ ، اللّهُمَّ ، صَلَّى على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلا تَجْعَلَ هَذِهِ العَشِيَّةَ ، آَخِرَ العَهْدِ مِنِّي حَتَّى تُبَلِّغَنِيها ، مِنْ قَابِلِ مَعَ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرَامِ ، وَزُوَارِ قَبْرِ نَبِيَّكَعليه‌السلام ، في أَعْفَى عَافِيتِكَ ، وَأَعَمِّ نِعْمَتِكَ ، وَأَوْسَعِ رَحْمَتِكَ ، وَأَجْزَلِ قِسَمِكَ ، وَأَسْبَغِ رِزْقِكَ ، وَأَفْضَلِ رَجَائِكَ ، وَأَتَمِّ رَأْفَتِكَ إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء.

١٧٩

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاسْمَعْ دُعَائِي ، وَارْحَمْ تَضَرُّعِي ، وَتَذَلُّلِي وَأَسْتِكَانَتي ، وَتَوَكُّلِي عَلَيْكَ ، فَأَنَا مُسلِّمٌ لَأمْرِكَ ، لا أَرْجُو نَجَاحاً ولا مُعافاةَ ، وَلا تَشْرِيفاً إلاَّ بِكَ وَمِنْكَ ، فَامْنُنْ عَلَيَّ بِتَبْلِيغي هَذِهِ العَشِيَّةَ مِنْ قَابِلٍ ، وَأَنا مُعَافىً مِنْ كُلِّ مَكرُوهٍ وَمَحْذُورٍ ، وَمِنْ جَمِيعِ البَوَائِقِ ، وَمَحْذُورَاتِ الطَوَارِقِ ، اللّهُمَّ ، أَعِنِّي على طَاعَتِكَ ، وَطَاعَةِ أَوْلِيَائِكَ ، الذِينَ إصْطَفَيْتَهُمْ ، مِنْ خَلْقِكَ لِخَلْقِكَ ، وَالقِيَامِ فِيهِمْ بِدِينِكَ.

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَسَلِّمْ لي دِيني ، وَزِدْ في أَجَلِي ، وَأَصِحَّ لي جِسْمي ، وَأَقِرَّ بِشُكْرِ نِعْمَتِكَ عَيْني ، وَآمِنْ رَوْعَتي ، وَأَعْطِني سُؤْلي ، إنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأتْمِمْ وَلَاءَكَ عَلَيَّ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي ، وَتَوَفَّني إذَا تَوَفَيْتَني ، وَأَنْتَ عَنِّي رَاضٍ ، اللّهُمَّ ، صَلَّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَثَبِّتْني على مِلَّةِ الإِسْلَامِ ، فَإنِّي بِحَبْلِكَ اعْتَصَمْتُ فَلَا تَكِلْني في جَمِيعِ الُأمُورِ إلاَّ إلَيْكَ ، اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَامْلْأ قَلْبِي رَهْبَةً مِنْكَ ، وَرَغْبَةً إلَيْكَ ، وَخِشْيَةً مِنْكَ ، وَغِنَىً بِكَ وعَلَمِّنْي ما يَنْفَعُني ، وَاسْتَعْمِلْني ما عَلَّمْتَني.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ المُضْطَرِّ إلَيْكَ ، المُشْفِقِ مِنْ عَذَابِكَ ، الخَائِفِ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، أَنْ تُغْنِيَني بِعَفْوِكَ ، وَتُجِيرَني بِعِزَّتِكَ ، وَتَتَحَنَّنَ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ وَتُؤَدِّيَ عَنِّي فَرَائِضَكَ ، وَتَسْتَجِيبَ لي فِيمَا سَأَلْتُكَ ، وَتُغْنِيَنِي عَنْ شِرَارِ خَلْقِكَ وَتَقِيَني مِنَ النَّارِ ، وَمَا قَرُبْتُ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَتَغْفِرَ لِيَ وَلِوَالِدَّيَ وَلِلْمُؤمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ إنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »(1)

__________________

1 ـ الاقبال ( ص 385 ـ 392 ).

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الذنوب إذا سئلوا المغفرة من جلالة علام الغيوب فانه ان استغفر الله جل جلاله وقلبه غافل وعقله ذاهل أو متكاسل فان استغفاره على هذه الصفات من جملة الجنايات ويكون كالمستهزئ الذى لا يأمن تعجيل النقمات.

فقد روى عن مولينا امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام انه كان يوما جالسا في حشد من الناس من المهاجرين والانصار فقال رجل منهم استغفر الله فالتفت إليه على عليه السلام كالمهغصضب وقال له يا ويلك اتدرى ما الاستغفار الاستغفار اسم واقع على ستة معان : الاول الندم على ما مضى الثاني العزم على ترك العود إليه والثالث ان تعمد إلى كل فريضة ضيعتها فتؤديها الرابع ان تخرج إلى الناس مما بينك وبينهم حتى تلقى الله املس وليس عليك تبعة الخامس ان تعمد إلى اللحم الذى نبت على السحت فتذيبه بالاحزان حتى ينبت لحم غيره السادس ان تذيق الجسم مرارة الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية فحينئذ تقول استغفر الله.

فمما روى في الاستغفار سبعين مرة بعد صلوة العصر ما رواه محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحكم بن مسكين الاعمى قال حدثنا أبو جرير عن ابي عبد الله عليه السلام قال من استغفر الله في اثر العصر سبعين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة عاما فان لم يكن غفر لوالديه فان لم يكن فلقرابته فان لم يكن فلجيرانه.

ومن ذلك ما حدث به أبو الفضل محمد بن عبد الله رحمه الله قال حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العباسي قال حدثنا ابى قال حدثنا عبد الله محمد قال حدثنا محمد بن البخترى العطار عن ابى داود المسترق عن بعض رجاله عن ابي عبد الله عليه السلام قال من استغفر الله تعالى بعد صلوة العصر سبعين

٢٠١

مرة غفر الله سبعماة ذنب.

ورواه ايضا احمد بن عثمان الحبائ قال حدثنى ابى قال حدثنا الزيادي قال حدثنا محمد بن الحسين بن مهزيار عن ابيه عن جده عن ابن ابى عمير عن الحكم بن مسكين عن عبد الله بن الوليد عن ابي عبد الله عليه السلام قال من استغفر الله بعد صلوة العصر سبعين مرة غفر الله له سبعماة ذنب.

ومن المهمات من تعقيب العصر قرائة انا انزلناه في ليلة القدر عشر مرات فإذ اردت قرائتها فلتكن انت على صفات من هو بين يدى سلطان الارضين والسماوات يقرء كلامه جل جلاله في حضرته بالهيبة والاحترام والاعظام ويقصد العبادة له جل جلاله لانه اهل للعبادة لا لاجل الثواب في دار المقام.

فمما روى في قرائتها ما ذكره محمد بن على بن محمد اليزدآبادى قال حدثنا احمد بن محمد بن يحيى العطار قال حدثنا ابى عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن العباس بن الحريص الرازي عن ابي جعفر محمد بن على بن موسى بن جعفر عليهم السلام قال من قرء انا انزلناه في ليلة القدر بعد صلوة العصر عشر مرات له على مثل اعمال الخلايق.

ومن المهمات بعد صلوة العصر الاقتداء بمولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في الدعاء لمولينا المهدى صلوات الله وسلامه وبركاته على محمد جده وبلغ ذلك إليه كما رواه محمد بن بشير الازدي قال حدثنا احمد بن عمر بن موسى الكاتب قال حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور القمى عن ابيه محمد بن جمهور عن يحيى بن الفضل النوفلي قال دخلت على ابى الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ببغداد حين فرغ من صلوة العصر فرفع يديه

٢٠٢

إلى السماء وسمعته يقول انت الله لا اله الا انت الاول والاخر والظاهر والباطن وانت الله لا اله الا انت اليك زيادة الاشياء ونقصانها وانت الله لا اله الا انت خلقت الخلق بغير معونة من غيرك ولا حاجة إليهم انت الله لا اله الا انت منك المشية واليك البدأ انت الله لا اله الا انت قبل القبل وخالق القبل انت الله لا اله الا انت بعد البعد وخالق البعد انت الله لا اله لا انت تمحو ما تشاء وتثبت وعندك ام الكتاب انت الله لا اله الا انت غاية كلشئ ووراثه انت الله لا اله الا انت لا يعزب عنك الدقيق ولا الجليل انت الله لا اله الا انت لا يخفى عليك اللغات ولا تتشابه عليك الاصوات كل يوم انت في شأن لا يشغلك شأن عن شأن عالم الغيب واخفى ديان الدين مدبر الامور باعث من في القبور محى العظام وهى رميم اسئلك باسمك المكنون المخزون الحى القيوم الذى لا يخيب من سئلك به ان تصلى على محمد وآله وان تعجل فرج المنتقم لك من اعدائك وانجز له ما وعدته يا ذا الجلال والاكرام.

قال قلت من المدعو له قال ذلك المهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله قال بابى المنبدح (المنفدح) البطن المقرون الحاجبين احمش الساقين بعيد ما بين المنكبين اسمر اللون يعتاده مع سمرته صفرة من سهر الليل بابى من ليله يرعى النجوم ساجدا وراكعا بابى من لا يأخذه في الله لومة لائم مصباح الدجى بابى القائم بامر الله قلت متى خروجه قال إذا رايت العساكر بالانبار على شاطئ الفرات والصراة ودجلة وهدم قنطرة الكوفة واحراق بعض بيوتات الكوفة فإذا رأيت ذلك فان الله يفعل ما يشاء لاغالب لامر الله ولا معقب لحكمه.

ومن المهمات بعد صلوة العصر لمن اراد تخريق صحيفته المتضمنة

٢٠٣

للسيئات ما رواه أبو محمد هرون بن موسى رضى الله عنه قال حدثنا محمد بن همام قال حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور القمى قال حدثنا ابى عن فضالة بن ايوب عن السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قال بعد صلوة العصر في كل يوم مرة واحدة استغفر الله الذى لا اله الا هو الحى القيوم ذا الجلال والاكرام واسئله ان يتوب على توبة عبد ذليل خاضع فقير بائس مسكين مستكين مستجير لا يملك لنفسه نفعا ولاضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا امر الله تعالى بتخريق صحيفته كاينة ما كانت.

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسينى قدس الله ذكره قد نبهناك على صفة المستغفرين وروينا لك حديث مولينا امير المؤمنين على صلوات الله عليه وسلامه وتادب بغاية الامكان وكن صادقا بقولك انك تتوب توبة عبد ذليل فليظهر الذل على سؤالك وعلى لسان حالك وقلت خاضع فليكن الخضوع على وجه مقالك وفعالك وقلت فقير فليكن صورة مسئلتك صورة عبد فقير لمولى غنى كبير وقلت بائس فلتكن صفتك من اهل البأساء إذا تعرضوا لسؤال اعظم العظماء وقلت مسكين فليكن على قلبك ووجهك وجوارحك اثر المسكنة والاستكانة بالصدق والامانة وقلت مستجير فليكن هربك إلى الله جل جلاله في تلك الحال هرب من قد احاطت به عظايم الاهوال فهرب إلى موليه واستجار به استجارة من لا يملك لنفسه نفعا ولا دفعا وانقطع إليه على كل حال بالقلب والقالب والمقال والفعال فانك ايها العبد إذا صدقت في هذه المقامات كان الله جل جلاله اهلا ان يامر الملكين بتخريق

٢٠٤

صحيفتك من الجنايات فلا تحسب انك إذا قلت ذلك وانت غافل وكاذب في هذه الدعاوى والاستغفارات انك تكون قد سلمت من زيادة الجنايات.

ومن المهمات الاقتداء بمولينا امير المؤمنين عليه السلام في الدعاء عقيب الخمس الصلوات فمن دعائه عقيب صلوة العصر سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم سبحان الله بالغدو والاصال سبحان الله بالعشى والابكار فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والارض وعشيا حين تظهرون سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين سبحان ذى الملك والملكوت سبحان ذى العز والجبروت سبحان الحى الذى لا يموت سبحان الله القائم الدائم سبحان الحى القيوم سبحان العلى الاعلى سبحانه وتعالى سبوح قدوس رب الملائكة والروح اللهم ان ذنبي امسى مستجيرا بعفوك وخوفي مستجيرا بامنك وفقرى امسى مستجيرا بغناك وذلى امسى مستجيرا بعزك اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لى وارحمني انك حميد مجيد اللهم تم نورك فهديت فلك الحمد وعظم حلمك فعفوت فلك الحمد وبسطت يدك فاعطيت فلك الحمد وجهك ربنا اكرم الوجوه وجاهك اعظم الجاه وعطيتك افضل العطاء تطاع ربنا فتشكر وتعصى فتغفر وتجيب المضطر وتكشف الضر وتنجى من الكرب وتغنى الفقير وتشفى السقيم ولا يجازى الاؤك احد وانت ارحم الراحمين.

ومن المهمات الدعاء عقيب العصر بما كانت الزهراء فاطمة سيدة النساء عليها السلام تدعو به في جملة دعائها للخمس الصلوات وهو سبحان من

٢٠٥

يعلم جوارح القلوب سبحان من يحصى عدد الذنوب سبحان من لا يخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء والحمد لله الذى لم يجعلني كافرا لانعمه ولا جاحدا لفضله فالخير منه وهو اهله والحمد لله على حجته البالغة على جميع من خلق ممن اطاعه وممن عصاه فان رحم فمن منه وان عاقب فيما قدمت ايديهم وما الله يريد ظلما للعبيد والحمد لله العلى المكان الرفيع البنيان الشديد الامكان العزيز السطان العظيم الشأن الواضح البرهان الرحيم الرحمن المنعم المنان الحمد لله الذى احتجب عن كل مخلوق يراه بحقيقة الربوبية وقدرة الوحدانية فلم تدركه الابصار ولم تحط به الاخبار ولم يقسه مقدار ولم يتوهمه اعتبار لانه الملك الجبار اللهم قد ترى مكاني وتسمع كلامي وتطلع على امرى وتعلم ما في نفسي وليس يخفى عليك شئ من امرى وقد سعيت اليك في طلبتي وطلبت اليك في حاجتى وتضرعت اليك في مسئلتي وسئلتك لفقر وحاجة وذلة وضيقة وبؤس ومسكنة وانت الرب الجواد بالمغفرة تجد من تعذب غيرى ولا اجد من يغفر لى غيرك وانت عن عذابي وانا فقير إلى رحمتك فاسئلك بفقري اليك وغناك عنى وبقدرتك على وقلة امتناعي منك وان تجعل دعائي هذا دعاء وافق منك اجابة ومجلسي هذا مجلسا وافق منك رحمة وطلبتي هذه طلبة وافقت نجاحا وما خفت عسرته من الامور فيسره وما خفت عجزه من الاشياء فوسعه ومن ارادني بسوء من الخلايق كلهم فاغلبه آمين يا ارحم الراحمين وهون على ما خشيت شدته واكشف عنى ما خشيت كربته ويسر لى ما خشيت عسرته آمين يا رب العالمين اللهم انزع العجب والرياء والكبر والبغى والحسد والضعف والشك والوهن والضر والاسقام والخذلان والمكر

٢٠٦

والخديعة والبلية والفساد من سمعي وبصرى وجميع جوارحي وخذ بناصيتى إلى ما تحب وترضى يا ارحم الراحمين اللهم صلى على محمد وآل محمد واغفر ذنبي واستر عورتى وآمن روعتي واجبر مصيبتي واغن فقرى ويسر حاجتى واقلني عثرتي واجمع شملى واكفنى ما اهمنى وما غاب عنى وما حضرني وما اتخوفه منك يا ارحم الراحمين اللهم فوضت امرى اليك والجأت ظهرى اليك واسلمت نفسي اليك بما جنيت عليها فرقا منك خوفا وطمعا وانت الكريم لا يقطع الرجاء ولا يخيب الدعاء فاسئلك بحق ابراهيم خليلك وموسى كليمك وعيسى روحك ومحمد صفيك ونبيك صلى الله عليه وآله الا تصرف وجهك الكريم عنى حتى تقبل توبتي وتغفر لى خطيئتي يا ارحم الراحمين ويا احكم الحاكمين اللهم اجعل ثارى على من ظلمنى وانصرني على من عاداني اللهم لا تجعل مصيبتي في دينى ولا تجعل الدنيا اكبر همى ولا مبلغ علمي اللهم اصلح لى دينى الذى هو عصمة امرى واصلح لى دنياى التى فيها معاشى واصلح لى آخرتي التى إليها معادى واجعل الحيوة زيادة لى في كل خير واجعل الموت راحة من كل شر اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى اللهم احينى ما علمت الحيوة خير إلى وتوفنى إذا كانت الوفاة خير إلى واسئلك خشيتك في الغيب والشهادة والعدل في الغضب والرضا واسئلك القصد في الفقر والغنى واسئلك نعيما لا يبيد وقرة عين لا تنقطع واسئلك الرضا بعد القضا واسئلك لذة النظر إلى وجهك اللهم انى استهديك لارشاد امرى واعوذ بك من شر نفسي اللهم عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لى انه لا يغفر الذنوب الا انت اللهم انى اسئلك تعجيل عافيتك وصبرا على بليتك وخروجا من الدنيا إلى رحمتك اللهم انى اشهدك واشهدك ملائكتك وحملة

٢٠٧

عرشك واشهد من في السموات ومن في الارض انك انت الله لا اله الا انت وحدك لا شريك لك وان محمدا عبدك ورسولك صلى الله عليه وآله واسئلك بان لك الحمد لا اله الا انت بديع السموات والارض يا كائن قبل ان يكون شئ والمكون لكل شئ والكائن بعد ما لا يكون شئ اللهم إلى رحمتك رفعت بصرى والى جودك بسطت كفى فلا تحرمني وانا اسئلك فلا تعذبني وانا استغفرك اللهم فاغفر لى فانك بى عالم ولا تعذبني فانك على قادر برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم ذا الرحمة الواسعة والصلاة النافعة الرافعة الزاكيه صل على اكرم خلقك عليك واحبهم اليك واوجههم لديك محمد عبدك ورسولك المخصوص بفضائل الوسائل اشرف واكرم وارفع واعظم واكمل ما صليت على مبلغ عنك ومؤتمن على وحيك اللهم كما سددت به العمى وفتحت به الهدى فاجعل مناهج سبله لنا سننا وحجج برهانه لنا سببا نأتم به إلى القدوم عليك اللهم لك الحمد ملا السموات السبع وملا طباقهن وملا الارض السبع وملا ما بينهما وملاء عرش ربنا الكريم وميزان ربنا الغفار ومداد كلمات ربنا القهار وملا الجنة وملا النار وعدد الترى والماء وعدد ما يرى وما لا يرى اللهم واجعل صلواتك وبركاتك ومنك ومغفرتك ورحمتك ورضوانك وفضلك وسلامتك وذكرك ونورك وشرفك ونعمتك وخيرتك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد اللهم اعط محمدا الوسيلة العظمى وكريم جزائك في العقبى حتى تشرفه يوم القيمة يا اله الهدى اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد وعلى جميع ملائكتك ورسلك سلام على جبرئيل وميكائيل واسرافيل وحملة العرش وملائكتك والكرام الكاتبين والكروبين وسلام على

٢٠٨

ملائكتك اجمعين وسلام على ابينا آدم وعلى امنا حواء وسلام على النبيين اجمعين والصديقين وعلى الشهداء والصالحين وسلام على المرسلين اجمعين والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وحسبي الله ونعم الوكيل وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا

ومن المهمات دعوات قدمناها عن الصادق عليه السلام عقيب كل واحدة من الصلوات المفروضات.

ومن المهمات دعاء الصادق عليه السلام بعد العصر وقد قدمنا اسناده عندما يختص بفريضة الظهر برواية معوية بن عمار لكل صلوة من المفروضات.

الدعاء بعد صلاة العصر الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين اللهم صل على محمد في الليل إذا يغشى وصل على محمد في النهار إذا تجلى وصل على محمد في الاخرة والاولى وصل على محمد ما لاح الجديدان وما اطرد الخافقان وما حدا الحاديان وما عسعس ليل وما ادلهم ظلام وما تنفس صبح وما اضاء فجر اللهم اجعل محمدا خطيب وفد المؤمنين اليك والمكسو حلل الامان إذا وقف بين يديك والناطق إذا خرست الالسن بالثناء عليك اللهم اعل منزلته وارفع درجته واظهر حجته وتقبل شفاعته وابعثه المقام المحمود الذى وعدته واغفر ما احدث المحدثون من امته بعده اللهم بلغ روح محمد وآل محمد منى التحية والسلام واورد على منهم تحية كثيرة وسلاما يا ذا الجلال والاكرام والافضال والانعام اللهم انى اعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغى بغير الحق وان اشرك بك ما لم تنزل به سلطانا أو اقول عليك ما لم اعلم اللهم انى اسئلك موجبات

٢٠٩

رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم واسئلك الفوز بالجنة والنجاة من النار اللهم صل على محمد وآل محمد واجعل لى في صلوتى ودعائي بركة تطهر بها قلبى وتؤمن بها روعتي وتكشف بها كربى وتغفر بها ذنبي وتصلح بها امرى وتغنى بها فقرى وتذهب بها ضرى وتفرج بها همى وتسلى بها غمى وتشفى بها سقمى وتؤمن بها خوفى وتجلو بها حزنى وتقضى بها دينى وتجمع بها شملى وتبيض بها وجهى واجعل ما عندك خير إلى اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تدع لى ذنبا الا غفرته ولاكربا الا كشفته ولا خوفا الا امنته ولاسقما الا شفيته ولاهما الا فرجته ولاغما الا اذهبته ولا حزنا الا سليته ولا دينا الا قضيته ولا عدوا الا كفيتنيه ولا حاجة الا قضيتها ولادعوة الا اجبتها ولا مسألة الا اعطيتها ولا امانة الا اديتها ولا فتنة الا صرفتها اللهم اصرف عنى العاهات والافات والبليات وما اطيق وما لااطيق صرفه الا بك اللهم امسى ظلمي مستجيرا بعفوك وامست ذنوبي مستجيرة بمغفرتك وامسي خوفى مستجيرا بامانك وامسي فقرى مستجيرا بغناك وامسي ذلى مستجيرا بعزك وامسي ضعفى مستجيرا بقوتك وامسي وجهى البالى الفاني مستجيرا بوجهك الدائم الباقي يا كائنا قبل كل شئ ويا مكون كل شئ صل على محمد وآل محمد واصرف عنى وعن اهلي ومالى وولدى واهل حزانتى واخواني فيك شر كل ذى شر وشر كل جبار عنيد وشيطان مريد وسلطان جابر وعدو قاهر وحاسد معاند وباغ مراصد ومن شر السامة والهامة وما دب في الليل والنهار ومن شر فساق العرب والعجم وفسقة الجن والانس واعوذ بك بدرعك الحصينة التى لاترام واسئلك ان لا تميتني غما ولاهما ولا مترديا ولاردما ولاغرقا ولا حرقا ولاعطشا

٢١٠

ولاصبرا ولاقودا ولا اكيل السبع وامتنى على فراشي في عافية أو في الصف الذى نعت اهله في كتابك فقلت كأنهم بنيان مرصوص مقبلين غير مدبرين على طاعتك وطاعة رسولك صلى الله عليه وآله قائما بحقك غير جاحد لا لانك ولا معاند لاوليائك ولا مواليا لاعدائك يا كريم اللهم اجعل دعائي في المرفوع المستجاب واجعلني عندك وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون واغفر لى ولوالدي وما ولدا وما ولدت وما توالدوا من المؤمنين والمؤمنات ياخير الغافرين والحمد لله الذى قضى عنى صلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.

ومن المهمات في دعاء مولينا المهدى عليه السلام وقد قدمناه ورويناه لجميع الصلوات.

ومن المهمات دعاء احمد بن عبد الله بن خانبه وقد قدمناه بعد الظهر ومما يدعى به بعد الصلوات لتلافي الجنايات.

فإذا فرغ العبد من جميع ذلك كما ذكرناه أو ما تهياء له مما يوفقه الله جل جلاله ويرضاه فليسجد سجدة الشكر كما تقدم تنبيهنا عليه عند سجدة الشكر في الظهر ويكون كما اشرنا إليه في ذل العبودية للعظمة الالهية فاسجد وقل ما ذكر جدى السعيد أبو جعفر الطوسى رضوان الله عليه ان مولينا على بن الحسين كان يقول صلوات الله عليه إذا سجد يقول مائة مرة الحمد لله شكرا وكلما قال عشر مرات قال شكرا للمجيب ثم يقول يا ذا المن الدائم الذى لا ينقطع ابدا ولا يحصيه غيره غيره وياذا المعروف الذى لا ينفد ابدا يا كريم يا كريم يا كريم ثم يدعو ويتضرع ويذكر حاجته.

ثم يقول لك الحمد ان اطعتك ولك الحجة ان عصيتك لاصنع لى

٢١١

ولا لغيري في احسان منك إلى في حالى الحسنة يا كريم يا كريم صل على محمد واهل بيته وصل بجميع ما سئلتك واسئلك من في مشارق الارض ومغاربها من المؤمنين والمؤمنات وابدء بهم وثن بى برحمتك ثم يضع خده الايمن على الارض ويقول اللهم لا تسلبني ما انعمت به على من ولايتك وولاية محمد وآل محمد عليه وعليهم السلام ثم يضع خده الايسر على الارض ويقول مثل ذلك هذا اخر الرواية.

ثم ادع بما احببت وان شئت قلت وانت ساجد اللهم لك قصدت واليك اعتمدت واردت وبك وثقت وعليك توكلت وانت عالم بما اردت فقد روى ان من قال ذلك لم يرفع رأسه حتى تقضى حاجته انشاء الله تعالى فإذا رفعت رأسك فامسح موضع سجودك ثلث مرات بيدك وقل في كل مرة ما قدمناه بعد سجدة الظهر فامسح بذلك وجهك وان كانت بك علة أو مرض فامسح موضع سجودك سبع مرات وقل في كل مرة ما ذكرناه وامسح بها موضع المرض فانه يزول انشاء الله فان كان قد صلى صلوته في مسجد من المساجد المطلقة أو الخاصة أو مسجد صلوته في داره أو مسجد حضوره في تلك الصلوة بين يدى الله جل جلاله باجتماع قلبه وطهارة اسراره واراد الانفصال من تلك الحال فليكن من نيتك انك تقوم من بين يدى الله جل جلاله امتثالا لامر الله جل جلاله فيما يأمرك به جل جلاله من صالح الاعمال خالصا لعبادته جل جلاله لانه اهل للعبادة على كل حال.

وقل ما رواه محمد بن على بن سعد الكوفى البزاز قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال حدثنا بذلك الحسين بن محمد بن عامر الاشعري عن عمه عبد الله بن عامر عن على بن مهزيار عن جعفر بن محمد الهاشمي

٢١٢

بن ابى جعفر العطار شيخ من اهل المدينة عن ابي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى احدكم وخرج من المسجد فليقل اللهم دعوتني فاجبت دعوتك وصليت مكتوبتك وانتشرت في ارضك كما امرتني فاسئلك من فضلك العمل بطاعتك واجتناب معصيتك والكفاف من الرزق برحمتك.

اقول فينبغي له إذا انفصل بعد صلوة العصر من مقام الذل والذكر ان يكون على خاطره انه ما خرج عن ذل العبودية ولا انفصل عن اطلاع احاطة العلوم الربانية ولا اطلقوه من المعاملة فيما يعمله بعد ذلك من سائر حركاته وسكناته وانه يراد منه ان يكون عابد الله جل جلاله في سائر تصرفاته.

ولقد رأيت في حكايات اهل المراقبات ان بعضهم كان له رفيق قد صحبه مدة من الاوقات فنزلا في سفينة مع قوم وفيها حنطة والحنطة ليست لواحد منهما فغفل احدهما واخذ بيده من الحنطة واكل منها حبة واحدة فنظر إليه رفيقه وقال ما هذا قال غفلت عن نفسي فقال له ما معناه تكون بين يدى الله جل جلاله وهو مطلع عليك وهو سبحانه لو كان يصح عليه الشغل كالمشغول بدوام (بادامة) وجودك وحيوتك وعافيتك والاحسان اليك وتشتغل انت عنه لااصاحبك بعدها فاخاف ان اكتسب من غفلتك وقال ايها الملاح قدم إلى الشط فقدم ففارقه وانفصل منه وقيل شعرا.

اما تقومون كذا أو فاقعدوا

ما كل من رام السماء يصعد

عن تعب اورد ساق اولا

ومسحت غرة سياف يد

لو شرف الانسان وهو وادع

لقطع الصمصام وهو مغمد

٢١٣

الفصل الثاني والعشرون

فيما نذكره من دعاء الغروب وتحرير الصحيفة التى اثبتها الملكان وما تختم به لتعرض على علام الغيوب

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسينى شرف الله قدره وقدس في الملاء الاعلى ذكره رويت باسنادى إلى محمد بن يعقوب الكليني فيما رواه في كتاب الايمان والكفر عن على بن ابراهيم عن ابيه عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن ابى الحسن الماضي صلوات الله عليه قال ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فان عمل حسنا استزاد الله وان عمل سيئا استغفر الله وتاب إليه.

اقول انا فإذا قارب غروب الشمس من يومك وانت سليم مما يقتضى استحقاق عقوبتك أو معاتبتك أو لومك وانت ذلك العبد السعيد وهذا المقام لغير المعصوم بعيد فان مولينا امير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه لما وصف الدنيا في نهج البلاغة وذك وذكر ان النبي صلوات الله عليه وسلامه ابغضها وحقرها وصغرها فان الله جل جلاله كذلك ابغضها وكرهها لاوليائه وخاصته واحبائه فقال عليه السلام ولو لم يكن فينا الا حبنا ما ابغض الله وتعظيمنا ما صغر الله لكفى بذلك محادة لله وخروجا عن امره.

قلت انا فكيف إذا زدنا على هذه المصائب بان يكون توكلنا على حولنا وقوتنا والمال والامل الخايب اقوى من سكوننا إلى الله

٢١٤

جل جلاله المالك للمواهب وتكون ثقتنا بوعود العباد اقوى في نفوسنا من ثقتنا بوعد سلطان المعاد وخوفنا من وعيد بعض الانام اشق علينا من وعيد سلطان الليالى والايام ومرادنا من حب بعضنا لبعض احلى عندنا واقوى من حبنا لله أو حبه جل جلاله لنا وقرب بعضنا من بعض اهم علينا من تقربنا إليه جل جلاله أو قربه منا واقبال بعضنا على بعض اتم عندنا من اقبالنا عليه جل جلاله أو طلب اقباله علينا ومدح بعضنا لبعض اوقع في نفوسنا من مدحنا له جل جلاله أو طلب مدحه لنا وذم بعضنا لبعض اصعب عندنا من ذمه لنا جل جلاله أو ذم بعض اعدائه له جل جلاله فانا قد نصاحب من الكفار من يذمه ولا نسنا بمصاحبة من يعمل في حقنا ما يعمل اعظم من ذلك في حق الله جل جلاله وانسنا بعضنا ببعض اتم علينا من الانس بجلاله وحضوره واحسان بعضنا إلى بعض اعظم في نفوسنا من احسانه الذى نعجز عن شكر يسيره وطلب الحوائج منا والقيام فيها لعباده اخف علينا من القيام في فروضه أو مندوباته أو اتباع مراده وغير ذلك من سقم الالباب التى يضيق عنها مضمون هذا الكتاب وما هكذا تضمن كتابه جل جلاله فيما بين اهل هذه الملة قال جل جلاله ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله.

وروى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الروضة في اول خطبة عن مولينا على عليه السلام اما بعد فان الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته ومن عهود عباده إلى عهوده ومن طاعت عباده إلى طاعته ومن ولاية عباده إلى ولايته ولقد رأيت في بعض الاحاديث ان الله جل جلاله شكى إلى بعض انبيائه وخاصته من ظلم عباده لمقدس جلالته.

٢١٥

قلت انا وكيف لا يشكو لسان الحال إذا لم يقع الشكوى من بيان المقال ونحن على ما شرحناه بعضه من سوء الاعمال ولقد بلغ جهل مماليكه وعبيده إلى انه خلقهم وحده جل جلاله وما شركه احد في خلقهم وتقديرهم فقال جل جلاله منبها لهم على انفراده جل جلاله بانشائهم وتدبيرهم نحن خلقناكم فلولا تصدقون افرأيتم ما تمنون ء انتم تخلقونه ام نحن الخالقون وقال جل جلاله ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولاخلق انفسهم وما خلقهم حتى هيأ لهم الارضين مهادا والسماء سقفا ولم يجعل لها عمادا والجبال للارض اوتادا واجري لهم الانهار وغرس لهم الاشجار ورتب لهم الليل والنهار وبالغ في عمارة هذا المسكن والدار وكلما يحتاجون إليه مدة الاعمار وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار ثم رباهم بالرفق والاكرام ثم صاحبهم بعد البلوغ بالجميل والاحترام وقال جل جلاله ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر ولبحر ولما اساؤا العبودية عاملهم بالعفو والتستر فلاحق الانشاء عرفوا ولا بحقوق التربية اعترفوا ولا عند حقوق الصحبة الجميلة وقفوا ولا من ستره وحلمه استحيوا أو انصفوا ولا بحق الملكة والسيادة قاموا لجلاله ولا بحق العبودية نهضوا لاقباله ولا لاجل جوده ووعوده ولا لاجل تهديده ووعيده وبلغ الامر إلى ان تصرفوا في انفسهم تصرف الاحرار فلا ترى على الوجوه والحركات والسكنات انهم في حضرة مولاهم الذى يريهم فيكون عليهم ذل العبودية والانكسار وكان هذا من اصعب الاخطار.

ثم اعارهم دارا إلى وقت معلوم وعرفهم انه يخرجها منهم إلى غيرهم بتقدم ورسول ومرسوم فتصرفوا فيها تصرف المالكين ولما جاء

٢١٦

رسوله ملك الموت بتقدم خرجوا منها خروج المنازعين له والكارهين واعارهم مالا لينفقوه في رضاه فتصرفوا فيه تصرف من ليس على يده يد اخرى ولا مولاه يراه وتملكوه عليه حتى بلغ سوء ادبهم بين يديه إلى انه إذا كتب إليهم كتابا وبعث محمدا رسولا يطلب من امواله كثيرا أو قليلا ليصرفها في عمارة دار اخرى كرهوا اخراجها عن ايديهم وكانه يخرجها إلى سواهم وصاروا كأنهم هم المالكون لها وكان الله جل جلاله هو المستعير فكان هذا من الهلاك العظيم الكبير وبلغ سوء العبودية بهم إلى ان صاروا في مقام شركاء لمالك حياتهم ومماتهم ينازعون ارادته وكراهاته جل جلاله باراداتهم وكراهاتهم وزاد سوء العبودية إلى انهم عزلوا مولاهم عن مقام الالهية وصاروا لا يرضون من تدبيره الا ما وافق رضاهم وكانهم يريدون ان يكون التدبير لهم واليهم في دنياهم واخزتهم فمن يكون على هذا السبيل أو دونه بقليل اما يكون وجهه اسود عند المطلع على اسراره وصحيفته سوداء عند الله وعند الملائكة الحفظة له في ليله ونهاره. (اقول ولقد رويت ورأيت من كتاب رواية الانبياء عن الآباء من اهل البيت عليهم السلام تأليف محمد بن محمد بن الاشعث وقد ذكر النجاشي انه ثقة باسناده ان مولانا على عليه السلام قال ما رايت ايمانا مع يقين اشبه منه بشك على هذا الانسان انه كل يوم يودع إلى القبور ويشيع والى غرور الدنيا يرجع وعن الشهوة والذنوب لا يقلع. فلو لم يكن لابن آدم المسكين ذنب يتوكفه ولا حساب يوقف عليه الا الموت يبدد شمله ويفرق جمعه ويؤتم ولده لكان ينبغى له ان يحاذر ما هو فيه باشد النصب والتعب.

٢١٧

ولقد غفلنا عن الموت غفلة اقوام غير نازل بهم وركنا إلى الدنيا وشهواتها ركون اقوام قد ايقنوا بالمقام وغفلنا عن المعاصي والذنوب غفلة اقوام لا يرجعون حسابا ولا يخافون عقابا.

اقول وهذا حالنا قد اشار إليها بهذه الاشارة وواضح العبارة على نحو قولهم اياك اعني واسمعي يا جارة).

ولما عرف الائمة عليهم السلام ما بلغت إليه الحال وكان حديث العباد إليهم واشاروا بما اطلعهم الله جل جلاله ورسوله عليه بان يكون ابتداء الصحيفة واخرها خيرا ليغفر ما بين ذلك من حديث الغفران إليه جل جلاله وتقدس كماله.

اقول فمما رويته بعدة طرق إلى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله عليه من اماليه قال اخبرني أبو الحسن احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن ابيه محمد بن الحسن عن محمد بن حسن الصفار عند احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن خلف بن حماد عن ابى جميلة عن جابر ين يزيد عن ابي جعفر الباقر عليه السلام عن ابيه زين العابدين عليه السلام قال ان الملك الموكل بالعبد يكتب في صحيفة اعماله فاملئوا اولها وآخرها خيرا يغفر لكم ما بين ذلك.

ومما ارويه باسنادى إلى جدى ابى جعفر الطوسى مما يرويه عن محمد بن على بن محبوب ونقلته من خطه رضوان الله عليه عن على بن السندي عن جعفر بن محمد بن عبيدالله عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن ابيه قال ما من يوم يأتي على ابن آدم الا قال ذلك اليوم انا يوم جديد وانا عليك شهيد فافعل في خيرا اشهد لك به يوم القيمة فانك لن تراني بعده ابدا.

٢١٨

فاقول فإذا صار اواخر نهار هذا العبد الكثير العثار وهو على ما ذكرناه من سوء العبودية والاصرار فليقبل بقلبه إلى باب رحمة ربه ويتذكر ما جناه في سائر يومه في السرائر والظواهر ويتوب منه توبة عبد ذليل حاضر بين يدى مالك قادر قاهر وان لم يكن يذكر ما اسلفه في نهاره فيدل على قلة اكتراثه بالمطلع على اسراره فيتوب على سبيل الجملة من سائر ذنوبه باطنها وظاهرها اولها وآخرها فان لم توافقه نفسه على مقام التوبة باخلاص الطوية وصدق النية فيكون على صفة اهل الاصرار فإذا خافوا من القصاص ان يهلكوا بالبوار والدمار وخراب الديار ويقف بين يدى الله جل جلاله ويسئله الصفح والعفو عنه فقد يعفو المولى عن عبده وهو غير راض منه.

وان لم تصدق سريرته ولم يكمل ارادته في خلاص طلب العفو بذل المصرين من الجناة وخوف المتمردين من العصاة فليمد رقبته على صفة من قد استسلم لمولاه وحمل نفسه إلى موضع القود مما جناه وليكن على صفات المستسلم الذليل لمالك الاعظم الجليل وليدع على ما كنا وصفناه من آداب اهل المناجاة.

اقول وان كنت مع قوم غافلين فاياك ان تشتغل بهم عن مولاك مالك سعادتك في الدنيا والدين.

(فصل)

(اقول ثم احضر بعقلك وقلبك وقت المحاسبة لعالم الغيب جل جلاله وللملكين الحافظين وكن كما يحاسب العبد أو الساعي في بضاعة لصاحبها أو الشريك لشريكه إذا كان لمن يصاحبه اطلاع على كل ما جرت

٢١٩

الحال عليه وتكون عالما وذاكرا ان الجحود والتغافل لا ينفعك بل يقتضى غضب من تحاسبه ويستقصى عليك.

ثم تستحضر بعقلك ان جوارحك قد كتبت قصصا إلى الله تعالى تشكو من تصريفك لها في غير ما خلقت له وكذلك يشكو منك كل من كلفت القيام له بحق وما قمت له به.

فإذا برزت اليك من باب العدل اكتب معها قصة منك بلسان تشكو إلى الله تعالى منك وتشكو لمن شكى منك واعرضها جميعها من باب الفضل فتقول ما معناه اللهم انى قد حضرت للمحاسبة وما كان عندي قوة منى على حضوري بين يديك لمحاسبتك ولا جرئة على كشف سوء اعمالي فانا ذاكر لحضرتك لكن امرت فاقدمت ممتثلا لامرك وتعظيما لقدرتك واول ما اقول ما معى من عمل ارضاه لك لانني وجدت نفسي انشط لحوائج كثيرة لى ولمن يعز على اكثر من نشاطي لطاعتك ووجدت نفسي اكثر الحوائج التى انشط لها اكثر منك نفعها لغيري كله أو اكثره فانا وقت اشتغالي بها متلف لذلك الوقت من عمرى ومضيع ما كنت قادرا ان اعمله لك ويكون نفعه لى فقد سائنى تدبيرى في معاملتك فما بقى عمل ارضاه لجلالتك ونعمتك.

وانا يا سيدي معسر ايضا عن القوة على عقابك وعتابك وعلى تغير احسانك أو هوانك وقد قلت وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وليس لعسري يسار وكرمك وحلمك وعفوك احق بقبول عذر اهل الاعذار وكيف احبس في حبس غضبك أو عقابك وانت غريمي وشاهدي بالاعسار.

ووجدت في عقلي الذى انعمت على بنوره ان العبد إذا هرب

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296