مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٢

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 421

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ نجم الدين الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 208890
تحميل: 8617

الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208890 / تحميل: 8617
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 2

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


الامام الحسين (ع) في مكة المكرمة

سابق في سموّ مرتبتهم ولا يلحق بهم لاحق، كما قرّر ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ؛ إذ المعذور وغير المعذور من المتخلّفين سواء - من حيث النتيجة العملية لا من حيث الحساب والجزاء - في حرمانهم من ذلك الشرف الذي لا يُضاهى والمجد الذي لا يُدانى، وحَقَّ لكلّ مؤمن «غير أنصار الحسين عليه‌السلام » أن تذهب نفسه حسرات أسفاً، على حرمانه من ذلك الفوز العظيم كلّما ردّد: ( يا ليتني كنت معكم، فأفوز واللّه فوزاً عظيماً!! ).

مع هذا، فإنّ من علمائنا مَن روى ونقل أنّ سيّدنا محمد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه كان مريضاً أيّام خروج الإمام الحسينعليه‌السلام ، إلى درجة أنّه كان لا يقوى على حمل السيف!

وفي طليعة هؤلاء الأعلام السيّد ابن طاووس «قدّس سرّه »، فقد أورد في كتابه: عن أبي مخنف قوله: « وقد كان محمد بن الحنفية موكوعاً(٢) ؛ لأنّه أُهدي إلى أخيه الحسينعليه‌السلام درع من نسج داود على نبيّنا وعليه السلام، فلبسه ففضل عنه ذراع وأربعة أصابع، فجمع محمّد بن الحنفية ما فضل منه وفركه بيده فقطعه، فأصابته نظرة، فصارت أنامله تجري دماً مدّة، ولهذا لم يخرج مع الحسينعليه‌السلام يوم كربلاء؛ لأنّه ما كان يقدر أن يقبض قائم سيف ولا كعب رمح »(٣) .

ومن هؤلاء الأعلام أيضاً العلاّمة الحلّي (ره)، ففي إجابته عن سؤال: « ما يقول سيّدنا في محمّد بن الحنفية؟ هل كان يقول بإمامة أخويه وزين العابدينعليهما‌السلام أم لا؟ وهل ذكر أصحابنا له عذراً في تخلّفه عن الحسينعليه‌السلام وعدم

____________________

(١) بحار الأنوار،٤١:٢٩٥، باب ١١٤، حديث رقم ١٨.

(٢) الوكع: مَيْل الأصابع قِبَل السبّابة حتى تصير كالعّقفَة، خِلقةً أو عرضاً. (راجع لسان العرب،٨:٤٠٨، مادّة وكع).

(٣) كتاب (حكاية المختار في أخذ الثار برواية أبي مخنف ): ٣٣; المطبوع مع كتاب اللهوف في قتلى الطفوف ; منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف.

٢٦١

نصرته له أم لا؟ وكيف يكون الحال إن كان تخلّفه عنه لغير عذر؟ وكذلك عبد الله بن جعفر وأمثاله؟ ». قال العلاّمة الحلّي (ره): « قد ثبت في أصول الإمامة، أنّ أركان الإيمان: التوحيد والعدل والنبّوة والإمامة، والسيّد محمّد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر وأمثالهم، أجلّ قدراً وأعظم شأناً من اعتقادهم خلاف الحق وخروجهم عن الإيمان، الذي يحصل به اكتساب الثواب الدائم والخلاص من العقاب. وأمّا تخلّفه عن نُصرة الحسين عليه‌السلام فقد نُقل أنّه كان مريضاً، ويُحتمل في غيره عدم العلم بما وقع لمولانا الحسين عليه‌السلام من القتل وغيره، وبنوا على ما وصل من كُتب الغَدَرَةِ إليه، وتوهمّوا نصرتهم له! »(١) .

____________________

(١) المسائل المهنّائية: ٣٨، المسألة رقم ٣٣.

لكنّنا نقول: إن احتمال عدم علم محمد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه بمصير الإمام الحسين عليه‌السلام - كما احتمله العلاّمة الحلّي (ره) - مُستبعدٌ جدّاً؛ لوجود الروايات الكثيرة المنتشرة آنذاك والمخبرة بمقتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، المرويّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعن الإمام الحسين نفسه عليه‌السلام ، ولا يُحتمل أنّ محمّد بن الحنفية لم يكن على علم ببعضها على الأقلّ! كيف، وقد روي عن محمّد نفسه حول أصحاب الإمام الحسين عليه‌السلام قوله: ( وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم! ). (مناقب آل أبي طالب، ٤: ٥٣)؟!

هذا فضلاً عن الروايات التي تقول: إنّ الإمام الحسين عليه‌السلام كان قد أخبر أخاه محمّداً بذلك، ومنها الرواية المرويّة عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، والتي تُخبر أنّ الإمام عليه‌السلام بعث برسالة إلى محمد بن الحنفية ومَن قِبَله من بني هاشم يقول فيها:(... مَن لحق بي استُشهِد... ) . (كامل الزيارات: ٧٥، باب ٢٤، حديث ١٥)، والرواية الأُخرى المرويّة بأسانيد مُتعدِّدة، والتي تقول: إنّ الإمام عليه‌السلام قال لمحمّدرضي‌الله‌عنه :( والله - يا أخي -، لو كنت في جُحر هامّة من هوامّ الأرض، لاستخرجوني منه حتى يقتلوني ) . (البحار:، ٤٥:٩٩، باب ٣٧)، ومع اعتقاد محمّد بن الحنفية بإمامة الحسين عليه‌السلام ، فإنّ أخذه عنه أخذ عن صادق مُصدَّق، خبره الخبر اليقين الذي لا ريب فيه. لكنّ الذي يُهوّن الخطب، أنّ احتمال العلاّمة في غير ابن الحنفية - على الأظهر - وإلاّ فإنّ ابن الحنفية كان مريضاً.

٢٦٢

كما أورد الدربندي في «أسرار الشهادة»، نقلاً عن أبي مخنف مُحاورة في المدينة بين الإمامعليه‌السلام وبين أخيه محمّد، كان منها قول محمّد: « إنّي والله ليحزنني فراقك، وما أقعدني عن المسير معك إلاّ لأجل ما أجده من المرض الشديد، فو الله، يا أخي ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح، فو الله، لا فرحت بعدك أبداً.

ثمّ بكى شديداً حتى غُشي عليه، فلمّا أفاق من غشيته قال: يا أخي استودعك الله من شهيد مظلوم! »(١) .

كما تعرّض الشيخ حبيب الله الكاشاني لهذا، وذكر أنّ ابن الحنفية كان مُصاباً بألم، فلم يقدر على حمل السيف والجهاد(٢) ، بل ذكر أنّ المشهور هو أنّ ابن الحنفية كان مريضاً في المدينة(٣) .

وجدير بالذكر: أنّ محمّد بن يزيد المبّرد في كتابه «الكامل»، روى قصّة محمد بن الحنفية مع الدرع قائلاً: « وكان عبد الله بن الزبير يُظهر البُغض لابن الحنفية إلى بُغض أهله! وكان يحسدُه على أيْدِهِ « أي قوّته »، ويُقال: إنّ عليّاً استطال درعاً فقال: لينقص منها كذا وكذا حلْقة، فقبض محمّد بن الحنفية بإحدى يديه على ذيلها، وبالأُخرى على فضلها، ثمّ جذبه فقطعه من الموضع الذي حدَّه أبوه، فكان ابن الزبير إذا حُدِّث بهذا الحديث غضب واعتراه له أَفْكَلٌ « أي رعدة »! »(٤) .

____________________

(١) أسرار الشهادة: ٢٤٦; ومعالي السبطين،١:٢٣٠.

(٢) تذكرة الشهداء: ٧١.

(٣) نفس المصدر: ٨٢.

(٤) الكامل،٣:٢٦٦ / دار الفكر العربي - القاهرة.

٢٦٣

زيادة.. ربّما كانت أُمويّة!

ادّعى ابن عساكر في تأريخه، ومن بعده المزّي، والذهبي، أنّ ابن الحنفية لما يأس في مكّة من تغيير عزم الإمام الحسينعليه‌السلام ومنعه من الخروج إلى العراق، منع وِلْدَه من الالتحاق بالإمامعليه‌السلام ؛ حيث قالوا: « وبعث الحسين إلى المدينة، فقدم عليه مَن خَفّ معه من بني عبد المطّلب، وهم تسعة عشر رجلاً، ونساء، وصبيان، من إخوانه وبناته ونسائهم. وتبعهم محمّد بن الحنفية، فأدرك حسيناً بمكّة، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل [ رأيه ]، فحبس محمّد بن علي وُلْده [ عنه ]، فلم يبعث معه أحداً منهم، حتى وجَد حسين في نفسه على محمّد وقال [ له ]: ( أترغب بولْدك عن موضع أُصاب فيه؟! ).

فقال محمّد: وما حاجتي أن تُصاب ويُصابون معك؟! وإن كانت مُصيبتك أعظم عندنا منهم! »(١) .

أقول: لم نعثر على هذا - أي حبس محمّد أولاده عن الالتحاق بالإمامعليه‌السلام - في كُتبنا، بل في تواريخ غيرنا أيضاً، سوى ما أورده ابن عساكر، ثمّ المزيّ(٢) ، ثمّ الذهبي(٣) ،

وقد أورد الذهبي هذه الرواية مُرسلة، وكذلك أوردها المزّي، ولعلّهما أخذاها عن ابن عساكر الذي أوردها بسند، فيه أكثر من مجهول، وفيه مَن اتّهمه ابن عساكر نفسه برقّة دينه كالبزّاز!(٤) ، وفيه مَن هو ليس بالقويّ في حديثه، كابن

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام ) تحقيق المحمودي: ٢٠٤ - ٢٠٥، رقم ٢٥٤.

(٢) تهذيب الكمال،٤:٤٩٣.

(٣) تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٦١، صفحة ٩.

(٤) وهو أبو بكر محمّد بن عبد الباقي البزّاز (راجع: سير أعلام النبلاء، ٢٠: ٢٥).

٢٦٤

فَهْم(١) .

فضلاً عن هذا، فإنّ مثل هذا الأمر لو كان قد حصل فعلاً، لكان سُبّةً وسَوْءةً يُعيَّر بها ابن الحنفية وأبناؤه، ولكان لهذا الحدث آثار مُمتدّة يُعرف من خلالها، كأنْ يُعاتب ابن الحنفية أو أبناؤه مِن قِبَل واحد من أهل البيتعليهم‌السلام أو أكثر مثلاً، أو مِن قِبَل أحد الهاشميين، أو من قِبَل بعض الناس، فيردّ محمّد - أو أبناؤه - مُدافعاً عن موقفه في منع أولاده من الالتحاق بالإمامعليه‌السلام .

ولا شكّ أنّ جميع هذه الآثار - أو بعضها - سوف تنطبع على صفحة التأريخ، فنقرأها في المطبوع منه أو في المخطوط.

لكنّنا لا نجد شيئاً من هذا على صفحة التأريخ، ولا في المأثور عن أهل البيتعليهم‌السلام بصدد نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام ، أو بصدد محمد بن الحنفية نفسه، بل ولا نجد له أثراً في المأثور عن ابن الحنفية نفسه وعن أبنائه.

من هنا؛ نرى أنّ ما رواه ابن عساكر بهذا الصدد، زيادة مكذوبة، ولا يبعد أن يكون أحد الرواة في سندها ذا ميل أُمويّ(٢) ، فأراد أن يُشوِّه وحدة الصفّ الهاشمي في الموقف من نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ويُسيء بالخصوص إلى محمد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه ، الذي كان مُعتقداً بإمامة الحسنينعليهما‌السلام ، وبإمامة زين العابدينعليه‌السلام

____________________

(١) وهو حسين بن فَهْم الفقيه، قال الدار قطني: ليس بالقويّ (راجع: سير أعلام النبلاء،١٣:٤٢٧ وتاريخ بغداد، ٨: ٩٣).

(٢) في سند رواية ابن عساكر هذه: محمد بن عمر الواقدي، الذي قال فيه الشيخ المفيد (ره): ( إنّ الواقدي كان عثماني المذهب بالميل عن علي أمير المؤمنين ) ( كتاب الجمل: ٥٤).

وكان الواقدي يقول: ( الكرخ مفيض السُّفَّل! )، وقد عنى بذلك مواضع يسكنها الرافضة! (تاريخ بغداد، ٣:٣ وقاموس الرجال: ٩: ٤٩٢).

وقد اتّهمه جُلُّ رجاليّي العامّة بالكذب (راجع: الفصل الثاني، الملاحظة الرابعة من الملاحظات حول رسالة يزيد إلى ابن عباس، ص:١٥٠ - ١٥١).

٢٦٥

أئمّة له في حياته بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام .

تحرّك عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه :

لم يُحدّثنا التأريخ عن شيء من تحرُّك عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه (١) طيلة أيّام

____________________

(١) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين: ولِد بأرض الحبشة، أيّام هجرة أبيه إليها، وأمّه أسماء بنت عميس، وكان عبد الله جليل القدر عظيم الشأن، وآية في الحِلم والجود والكرم، وهو من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، والحسنينعليهما‌السلام ، وقد شهِد صِفِّين مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان على الخيل، وقد ورد في مدحه روايات من طريق الفريقين، وهو من رواة حديث الغدير، وقد احتجّ على معاوية بذلك بعد شهادة عليّ عليه‌السلام ، ومات عبد الله بن جعفر سنة ثمانين وأربع أو خمس، عن تسعين أو أزيد، ومن أولاده: عون، ومحمد، وهما من شهداء الطّف، وزاد المجلسيّ (نقلاً عن أبي الفرج الأصبهاني) ثالثاً: وهو عبد الله أو عبيد الله من الشهداء.. (راجع: مُستدركات علم الرجال،٤:٥٠٢، وانظر خلاصة الأقوال للحلِّي: ١٠٣، ومُنتهى المقال للحائري،٤:١٦٧، ونقد الرجال للتفرشي، ٣: ٩٣).

وقال الذهبي: ( عبد الله بن جعفر، السيّد العالم، كفله النبيّ ونشأ في حِجره، كان كبير الشأن كريماً جواداً يصلح للأمامة... وقد دعا النبيّ له قائلاً:( اللّهم، بارك له في تجارته ) ، وكان يوم صِفِّين على قريش وأسد وكنانة ) (سير أعلام النبلاء، ٣: ٤٥٦).

وكان عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه جريئاً فيقول الحق، فقد روي أنّ عمرو بن العاص نال من عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلس معاوية، بمحضر عبد الله بن جعفر فـ ( التمع لونه واعتراه أفكَلٌ حتى أرعدت خصائله، ثمّ نزل عن السرير وحسر عن ذراعيه وقال: يا معاوية، حتّامَ نتجرَّع غيظك؟! وإلى كم الصبر على مكروه قولك وسيّئ أدبك وذميم أخلاقك؟! هبلتك الهبول! أما يزجرك ذمام المجال عن القذع لجليسك؟! أما والله، لو عطفتك أواصر الأرحام، أو حاميت على سهمك في الإسلام، لما أرعيت بني الإماء أعراض قومك، فلا يدعونّك تصويب ما فَرط من خطئك في سفك دماء المسلمين ومُحاربة أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى التمادي في ما قد وضح لك الصواب في خلافه. فأقسم عليه معاوية =

٢٦٦

النهضة الحسينية إلاّ في ثلاث قضايا:

الأولى: - كتابته الرسالة التي بعث بها من المدينة إلى الإمامعليه‌السلام في مكّة، بعد انتشار الخبر في أهل المدينة، بأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يُريد الخروج إلى العراق «على ما في رواية الفتوح»، أو بعثها إليه من مكّة بعد خروجهعليه‌السلام منها «على ما في رواية الطبري».

والثانية: - وساطته بين والي مكّة والمدينة - يومئذ عمرو بن سعيد الأشدق - وبين الإمامعليه‌السلام بُعَيْدَ خروجه من مكّة.

____________________

= وجعل يترضّاه ويسكّن غضبه، وقال له فيما قال: أنت ابن ذي الجناحين وسيّد بني هاشم! فقال: كلاّ! بل سيّد بني هاشم الحسن والحسينعليهما‌السلام لا يُنازعهما في ذلك أحد ). (قاموس الرجال،٦:٢٨٤، وانظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد،٦:٢٩٥ - ٢٩٧).

وروى الشيخ الصدوق (ره) بسندين عن سليم بن قيس الهلالي، عن عبد الله بن جعفر الطيّار يقول: ( كنّا عند معاوية أنا والحسن والحسين، وعبد الله بن عبّاس، وعمر بن أبي سلمة، وأسامة بن زيد، فجرى بيني وبين معاوية كلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( أنا أَولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أَولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استُشهد عليٌّ فالحسن بن عليّ أَولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابنه الحسين بعدُ أَولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استُشهد فابنه عليّ بن الحسين الأكبر أَولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابني محمد بن عليّ الباقر أَولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستُدركه يا...، ثمّ تكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين رضي‌الله‌عنه ... ) . (الخصال، ٢:٤٧٧، باب ١٢، رقم ٤١).

وهذه الرواية دالّة - بلا ريب - على إمامية مذهب عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه .

يقول السيّد الخوئي (ره): ( أقول: جلالة عبد الله بن جعفر الطيّار بن أبي طالب بمرتبة لا حاجة معها إلى الإطراء، وممّا يدلّ على جلالته، أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يتحفّظ عليه من القتل، كما كان يتحفّظ على الحسن والحسينعليهما‌السلام ومحمد بن الحنفية... ) (مُعجم رجال الحديث،١٠:١٣٨، رقم ٦٧٥١).

٢٦٧

والثالثة: - إرساله ولَدَيه محمّداً وعوناً لنُصرة الإمامعليه‌السلام .

أمّا في قضية الرسالة، فتقول رواية الفتوح:

«... واتّصل الخبر بالمدينة، وبلغهم أنّ الحسين عزم على الخروج إلى العراق، فكتب إليه عبد الله بن جعفر الطيّار:

« بسم الله الرحمن الرحيم: للحسين بن علي، من عبد الله بن جعفر: أمّا بعدُ، فإنّي أنشدك الله أن تخرج عن مكّة؛ فإنّي خائف عليك من هذا الأمر الذي قد أزمعت عليه أن يكون فيه هلاكك وأهل بيتك، فإنّك إن قُتلتَ أخاف أن يُطفأ نور الأرض وأنت روح الهدى، وأمير المؤمنين، فلا تعجل بالمسير إلى العراق؛ فإنّي آخذٌ لك الأمان من يزيد وجميع بني أميّة، على نفسك ومالك وولْدك وأهل بيتك، والسلام »(١) .

فكتب إليه الحسينعليه‌السلام :

( أمّا بعدُ، فإنّ كتابك ورد عليَّ فقرأته وفهمت ما ذكرت، وأُعلمك أنّي قد رأيت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي، فخبّرني بأمر وأنا ماضٍ له، لي كان أو عليَّ، والله - يا بن عميّ - لو كنت في جُحر هامّة من هوامّ الأرض لاستخرجوني ويقتلوني! واللّه - يا بن عمّي - ليعدَينّ عليَّ كما عدَت اليهود على السبت. والسلام ) (٢) .

أمّا الطبري، فقد روى أنّ عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه كان قد بعث برسالته هذه إلى الإمامعليه‌السلام من مكّة بعد خروجهعليه‌السلام منها، وقد رواها عن علي بن

____________________

(١) الفتوح،٥:٧٤ وعنه الخوارزمي في المقتل بتفاوت،١:٣١١ - ٣١٢.

(٢) المصدر السابق.

٢٦٨

الحسين عليه‌السلام قال:( لما خرجنا من مكّة كتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، إلى الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمد: أمّا بعدُ، فإنّي أسألك باللّه لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإنّي مُشفق عليك من الوجه الذي تُوجَّه له أن يكون فيه هلاكك، واستئصال أهل بيتك، إنّ هلكت اليوم طُفئ نور الأرض؛ فإنّك عَلَم المهتدين ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير؛ فإنّي في أثر الكتاب، والسلام ) (١) .

تأمُّل ومُلاحظات:

١) - يُستفاد من نصّ رواية الفتوح، أنّ هذه الرسالة كتبها عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه من المدينة إلى الإمامعليه‌السلام ، بعد أن شاع في المدينة نفسها خبر عزم الإمامعليه‌السلام على التوجّه إلى العراق، أي في أواخر الأيام المكّيّة من عُمر النهضة الحسينية، بل المستفاد من رواية الطبري، أنّ هذه الرسالة كُتبت بعد خروج الإمامعليه‌السلام من مكّة، أي بعد انتهاء الأيّام المكيّة من عُمر النهضة الحسينية.

وعلى كِلا الاحتمالين، قد يستشعر المتأمّل أنّ تحرّك عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه جاء مُتأخّراً كثيراً قياساً إلى بداية حركة أحداث النهضة الحسينية، هذا على ضوء المتون التاريخية المتوفّرة، والله العالم.

أمّا ابن عساكر، فقد أشار إلى هذه الرسالة فقط بقوله: « وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتاباً يُحذّره من أهل الكوفة، ويُناشده الله أن يشخص إليهم »(٢) ، كما لم يَروِ من جواب الإمامعليه‌السلام إلاّ:( إنّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) تاريخ الطبري،٣:٢٩٧، والكامل في التأريخ،٢:٥٤٨، والإرشاد: ٢١٩.

(٢) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين، تحقيق المحمودي): ٢٠٢، وانظر: البداية والنهاية،٨:١٦٩، وتهذيب الكمال، ٤: ٤٩١).

٢٦٩

وأمرني بأمر أنا ماضٍ له، ولستُ بمُخبر بها أحداً حتى أُلاقي عملي ) (١) .

٢) - يظهر من نصّ رسالة ابن جعفررضي‌الله‌عنه ، أنّه يشترك مع ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه وابن الحنفيّةرضي‌الله‌عنه وغيرهم، في النظرة إلى قيام الإمامعليه‌السلام من زاوية النصر أو الانكسار الظاهريّين، هذه النظرة التي كانت مُنطلق مشوراتهم ونصائحهم، وخوفهم أن يُقتل الإمامعليه‌السلام في الوجهة التي عزم عليها؛ ولذا فقد كان الإمامعليه‌السلام يُجيبهم بأنّ منطقه الذي يتحرّك على أساسه غير هذا، من خلال الرؤيا التي رأى فيها جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه مأمور بهذا النوع من التحرُّك؛ امتثالاً لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣) - كما يظهر من نصّ رسالة عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه أنّه كان يعتقد أو يأمل - من خلال الوساطة - أن تتحقَّق المتاركة بين السلطة الأُمويّة وبين الإمامعليه‌السلام ، إذا انثنى عن القيام والخروج وإن لم يُبايع!

ولذا؛ فقد ردّ الإمامعليه‌السلام على هذا الوهم، بأنّه ما لم يُبايع يُقتل لا محالة؛ ولأنّه لا يُبايع يزيد أبداً؛ فالنتيجة لا محالة هي:( لو كنت في جُحر هامّة من هوامّ الأرض لاستخرجوني حتى يقتلوني!... ) ، وفي هذا ردٌّ أيضاً على تصوّر عبد الله بن جعفر - على فرض صحّة رواية الفتوح - بأنّه يستطيع أخذ الأمان من الأُمويين للإمامعليه‌السلام ولمالِه وأولاده وأهله!

ولا يخفى على العارف، أنّنا هنا إنّما نُناقش معاني مُستوحاة من نصّ الرسالتين، وإلاّ فإنّ الإمامعليه‌السلام لم يكن لينثني عن قيامه ونهضته، حتّى لو أُعطي الأمان مع عدم المبايعة؛ ذلك لأنّه لم يخرج لفقده الأمان، بل لطلب الإصلاح في أمّة جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويسير بسيرة جدّه وأبيه صلوات الله عليهما وآلهما.

____________________

(١) راجع: المصادر السابقة.

٢٧٠

أمّا قصّة وساطته بين عمرو الأشدق وبين الإمامعليه‌السلام ...

فالظاهر من رواية الطبري، أنّ عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه لم يكتفِ بمُراسلة الإمامعليه‌السلام ، بل ترك المدينة مُسرعاً إلى مكّة؛ لتحقيق وعده بتحصيل الأمان الأُموي للإمامعليه‌السلام !

ويُستفاد من هذه الرواية أيضاً، أنّ عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه حينما توسّط في الأمر، كان الإمامعليه‌السلام قد تحرّك بالفعل خارجاً عن مكّة المكرّمة...

تقول الرواية: « وقام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه، وقال: أكتبُ إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتُمنيِّه فيه البرّ والصلة، وتوثّق له في كتابك، وتسأله الرجوع، لعلّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع.

فقال عمرو بن سعيد: اكتُبْ ما شئت، وأتني به حتّى أختمه.

فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب، ثمّ أتى به عمرو بن سعيد، فقال له: اختمه وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد؛ فإنّه أحرى أن تطمئنّ نفسه إليه، ويعلم أنّه الجدّ منك.

ففعل... فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر، ثمّ انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب، فقالا: أقرأناه الكتاب وجهدنا به، وكان ممَّا اعتذر به إلينا أن قال:« إنّي رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأُمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، عليَّ كان أو لي! » .

فقالا له: فما تلك الرؤيا؟!

قال:« ما حدّثتُ أحداً بها، وما أنا مُحدِّث بها حتى ألقى ربّي! » .

قال: وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ:

بسم الله الرحمن الرحيم. من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ:

٢٧١

أمّا بعد، فإنّي أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لما يُرشدك، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق، وإنّي أُعيذك بالله من الشقاق، فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد، فأقبل إليَّ معهما، فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحُسن الجوار، لك الله عليَّ بذلك شهيدٌ وكفيلٌ ومُراعٍ ووكيل، والسلام عليك »(١) .

تأمُّل ومُلاحظات:

١) - توحي هذه الرواية - كما أوحت ذلك من قبل أيضاً رسالة عبد الله بن جعفر إلى الإمامعليه‌السلام التي رواها صاحب الفتوح - بأنّ عبد الله بن جعفر كان يعتقد أنّ الإمامعليه‌السلام إنّما خرج لفقده الأمان على حياته، لا لأمر آخر وراء ذلك، فهو هنا يقول للأشدق: أكتبُ للحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتُمنّيه فيه البرّ والصلة... لعلَّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع!

كما توحي أيضاً، بأنّه كان يرى إمكان تحقُّق المتاركة بين السلطة الأُموية وبين الإمامعليه‌السلام في حال عدم مُبايعته ليزيد! الأمر الذي لم يكن يراه محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، كما هو المستفاد من مُحاوراتهما مع الإمامعليه‌السلام .

ونحن نستبعد جدّاً أن يكون عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه ذا اعتقاد كهذا! وهو ابن عمّ الإمامعليه‌السلام ، القريب منه الحميم العلاقة به، والمعتقِد بإمامته وعصمته، العارف بنظرته إلى الأمور، البصير بمشربه.

ونعتقد أنّ قلّة الوثائق التاريخية المتعلّقة بأخبار وتفاصيل موقف ابن

____________________

(١) تأريخ الطبري:٣:٢٩٧، والكامل في التأريخ:٢:٥٤٨.

٢٧٢

جعفررضي‌الله‌عنه من قيام الإمام عليه‌السلام ساعدت كثيراً على مظلوميّته!

والنزر القليل جدّاً من الروايات التاريخية المتوفّرة في هذا الصدد قد شوّه الصورة الناصعة لهذا الهاشمي العظيم، الذي وردت روايات فيه أنّه أشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلقاً وخُلقاً(١) .

٢) - وتدّعي هذه الرواية أيضاً، أنّ رسالة الأشدق إلى الإمامعليه‌السلام كان قد كتبها عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه . وهذا من مظلوميته التاريخية أيضاً؛ ذلك لأنّ المتأمّل في متن هذه الرسالة، يرى فيها كثيراً من سوء الأدب في مُخاطبة الإمامعليه‌السلام ، كمثل: « أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لما يُرشدك... وإنّي أُعيذك بالله من الشقاق! »، وهذا مُستبعد صدروه من رجل مؤمن بإمامة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ويراه: « نور الأرض » و« أمير المؤمنين » و« روح الهدى »(٢) .

ومن الجدير بالذكر هنا: أنّ ابن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح(٣) قد ذكر هذه الرسالة التي بعثها الأشدق إلى الإمامعليه‌السلام ، ولكنّه ذكر أن عمرو بن سعيد الأشدق هو الذي كتبها، وليس عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه ، كما ذكر أنّ حاملها إلى الإمامعليه‌السلام كان يحيى بن سعيد وحده - أي لم يكن عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه معه!

كما أنّ الشيخ المفيد (ره) روى نفس قصّة هذه الرسالة - كما رواها الطبري - لكنّه لم يذكر أنّ عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه هو الذي كتبها(٤) ، بل قال: « فكتب إليه

____________________

(١) انظر: سير أعلام النبلاء،٣:٤٥٦.

(٢) كما ورد ذلك في رسالة عبد الله بن جعفر إلى الإمام عليه‌السلام على ما في رواية الفتوح،٥:٧٥، وكذلك تأريخ الطبري،٣:٢٩٦.

(٣) الفتوح،٥:٧٥ وعنه الخوارزمي في المقتل،١:٣١٢ / لكنّه ذكر أنّه كتبها إليه من المدينة.

(٤) وهكذا في الكامل لابن الأثير،٢:٥٤٨، وفي البداية والنهاية،٨:١٦٩.

٢٧٣

عمرو بن سعيد كتاباً... »(١) ، فتأمّل!

وأمّا قصّة التحاق ابنَيه عون ومحمّد(٢) بالإمامعليه‌السلام ...

فإنّ ظاهر القرائن التاريخية يُفيد أنّهما كانا مع أبيهما، ثمّ التحقا بالإمامعليه‌السلام وانضمّا إلى الركب الحسيني بعد خروجه من مكّة، بعلم من أبيهما وبإذنه، يقول الشيخ المفيد (ره): « فلمّا آيَس منه عبد الله بن جعفر (ره) أمر ابنَيه عوناً ومحمّداً بلزومه والمسير معه والجهاد دونه، ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكّة »(٣) .

وقد كان ابناه محمد وعون حاملي رسالة أبيهما إلى الإمامعليه‌السلام قبل ذلك، على ما في رواية الطبري والمفيد(٤) ، وإن كان سياق القصّة على ما في رواية الفتوح أنّه بعثهما برسالته من المدينة إلى الإمامعليه‌السلام في مكّة(٥) ، وهذا ما ذهب إليه ابن الصبّاغ أيضاً في الفصول المهمّة، حيث قال: « ثمّ إنّه وردت على الحسينعليه‌السلام كتب من أهل المدينة، من عند عبد الله بن جعفر على يدي ابنيه عون ومحمّد، ومن سعيد بن العاص، ومعه جماعة من أعيان المدينة... »(٦) .

وإرسال عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه ولَدَيه عوناً ومحمّداً؛ ليُجاهدا دون

____________________

(١) الإرشاد: ٢١٩.

(٢) عون وأمّه زينب بنت عليّعليهما‌السلام ، ومحمّد وأمّه الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة... بن بكر بن وائل (راجع: إبصار العين: ٧٥ - ٧٧).

(٣) الإرشاد: ٢١٩.

(٤) تأريخ الطبري،٣:٢٩٧، والإرشاد: ٢١٩.

(٥) الفتوح،٥:٧٥، والخوارزمي في المقتل،١:٣١١.

(٦) الفصول المهمّة: ١٨٧، ونور الأبصار: ٢٥٨. أمّا ابن عبد ربّه، فعلى عادته في قلب الحقائق، قال في كتابه: ( أرسل عبد الله بن جعفر ابنيه عوناً ومحمّداً ليردّا حسيناً! فأبى حسين أن يرجع! وخرج ابنا عبد الله بن جعفر معه! ) (العقد الفريد: ٤: ٣٧٧).

٢٧٤

الإمام عليه‌السلام وليُستشهدا بين يديه؛ دليل تامٌّ على تأييده النهضة الحسينية، وهنا يلمح المتأمّل، أنّ عبد الله بن جعفر يشترك مع ابن الحنفية وابن عباس، في أصل تأييد قيام الإمام عليه‌السلام ، وفي أصل معارضة خروجه إلى العراق..

ومن الروايات الكاشفة عن تأييدهرضي‌الله‌عنه لقيام الإمامعليه‌السلام ، ما رواه الشيخ المفيد (ره) قائلاً: « ودخل بعض موالي عبد الله بن جعفر بن أبي طالبعليهم‌السلام فنعى إليه ابنيه، فاسترجع. قال أبو السلاسل « أبو اللسلاس »(١) ، مولى عبد الله: هذا ما لقينا من الحسين بن عليّ!

فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله، ثم قال: يا بن اللخناء! أللحسينعليه‌السلام تقول هذا؟! والله، لو شهدتُه لأحببتُ أن لا أُفارقه حتى أُقتل معه! والله، إنّه لممّا يُسخِّي نفسي عنهما، ويُعزّي عن المصاب بهما أنَّهما أُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيَين له، صابرَين معه.

ثمّ أقبل على جلسائه فقال: الحمدُ للّه! عزَّ عليَّ مصرع الحسين! إن لا أكُنْ آسيت حسيناً بيدي، فقد آساه ولداي »(٢) .

وجدير بالذكر هنا، أن نُضيف أنّ أبا الفرج الأصبهاني روى، أنّ لعبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه ولداً آخر اسمه عبيد الله، وأمّه الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف، قُتل أيضاً في كربلاء بين يدي الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهو أخو محمد بن عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه لأمّه وأبيه(٣) .

____________________

(١) كما ضبطها المحقّق السماوي (راجع: إبصار العين: ٧٦).

(٢) الإرشاد: ٢٤٧، والكامل في التأريخ:٢:٥٧٩، والطبري:٣:٣٤٢.

(٣) راجع: مقاتل الطالبيِّين: ٦١، وعنه البحار، ٤٥:٣٤.

٢٧٥

لماذا لم يلتحق عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه بالإمام عليه‌السلام ؟!

لم نعثر - بحسب تتبُّعنا - على مَن تأمّل في جلالة عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه ، لا في كُتبنا ولا في كُتب السنّة، فكأنّ جلالة قدر عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه أمرٌ مُتسالم ومُتّفق عليه.

فالعلاّمة الحلّي (ره) - على سبيل المثال لا الحصر - يقول فيه وفي محمّد بن الحنفية رضوان الله عليهما: « والسيّد محمّد بن الحنفية، وعبد الله بن جعفر وأمثالهم أجلُّ قدراً وأعظم شأناً من اعتقادهم خلاف الحقّ وخروجهم عن الإيمان... »(١) .

ويقول السيّد الخوئي (ره): « جلالة عبد الله بن جعفر الطيّار بن أبي طالب بمرتبة لا حاجة معها إلى الإطراء... »(٢) .

ويقول الذهبي: « عبد الله بن جعفر، السيّد العالم... كان كبير الشأن، كريماً جواداً، يصلح للإمامة... »(٣) .

ولا شكّ أنّ المتتبّع العارف بسيرة عبد الله بن جعفررضي‌الله‌عنه ، وبأخباره، وبمواقفه الجريئة في الدفاع عن الحق ودحض الباطل، وبانقطاعه إلى عمّه أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام والحسنينعليهما‌السلام من بعده، وبمعرفته بأئمته الذين فرض الله طاعتهم وولايتهم(٤) ، وبعلاقته الحميمة بالإمام الحسينعليه‌السلام وبقُربه منه، يقطع مطمئنّاً بأنّ هذا السيّد الهاشميّ الإماميّ، الشجاع البصير، المنقطع إلى الإمام

____________________

(١) المسائل المهنّائية: ٣٨، المسألة ٣٣.

(٢) مُعجم رجال الحديث:١٠:١٣٨، رقم ٦٧٥١

(٣) سير أعلام النبلاء:٣:٤٥٦.

(٤) راجع: الخصال:٢:٤٧٧، باب ١٢، رقم ٤١.

٢٧٦

الحسين عليه‌السلام كان عارفاً بفرض امتثال أمر إمامه عليه‌السلام ، وبوجوب نُصرته، فلابدّ أنّه كان معذوراً في عدم التحاقه بالركب الحسيني، وكيف يتخلّف بلا عذر، وقد خرجت زوجته وابنة عمّه المكرّمة زينب الكبرى بنت عليّعليهما‌السلام ، وخرج ولداه - أو أولاده - مع الإمام عليه‌السلام في رحلة الفتح بالشهادة؟!

إنّ مَن يواسي الإمامعليه‌السلام بأعزّ ما عنده من أهل بيته، لابدّ وأن يكون تخلُّفه عن الإمامعليه‌السلام على كُرْه منه، بسبب عُذر قاهر!

يقول المامقاني (ره): « وقد واساه بوِلْده عون ومحمّد وعبد الله، قُتلوا معه بالطفّ، لمَا كان هو معذوراً في الخروج معه »(١) .

أمّا ما هو عذره في عدم الالتحاق بالإمامعليه‌السلام ، فإنَّنا لم نعثر - مع تتبُّع غير يسير- على مصدر يُشخِّص نوع هذا العذر، إلاّ ما وجدناه في كتاب «زينب الكبرى» للمحقّق الشيخ جعفر النقدي، حيث يقول: « أمّا عدم خروجه مع الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء، فقد قيل: إنّه مكفوف البصر! »(٢) .

____________________

(١) تنقيح المقال: ٢:١٧٣.

(٢) زينب الكبرى: ٨٧.

٢٧٧

عبد الله بن الزبير.. والنصائح المتناقضة!

لم يستثقل عبد الله بن الزبير(١) وجود الإمام الحسينعليه‌السلام من قبلُ في أيّ مكان

____________________

(١) عبد الله بن الزبير بن العوّام: وأمّه أسماء بنت أبي بكر، وقيل: إنّه ولِد في السنة الأُولى أو السنة الثانية من الهجرة، وقد عُدَّ من صغار الصحابة (راجع: سير أعلام النبلاء، ٣: ٣٦٤)، وهو الذي قال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - حين شرب دم حجامته -:( ويلٌ للناس منك! ) . وهو الذي كان يُخالف السنّة الثابتة ويواصل في الصوم سبعة أيّام. وإن حاول الذهبي الاعتذار عنه بقوله: لعلّه ما بلغه النهي عن الوصال! (راجع: سير أعلام النبلاء، ٣: ٣٦٦)، وهو الذي ركع فقرأ في ركوعه البقرة وآل عمران والنساء والمائدة، مع النهي الوارد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وإن حاول الذهبي أيضاً الاعتذار عنه بقوله: بأنّ ابن الزبير لم يبلغه حديث النهي! (راجع: سير أعلام النبلاء، ٣: ٣٦٩).

وقد وصفه أمير المؤمنين عليه‌السلام في واحد من أخباره بالمغيّبات قائلاً:( خَبٌّ، ضبٌّ، يروم أمراً ولا يُدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعدُ مصلوب قريش! ) . (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ٧: ٢٤).

وكان ابن الزبير قد رغّب عثمان بن عفّان - أثناء الحصار - بالتحوُّل إلى مكّة، لكنّ عثمان أبى ذلك قائلاً: إنّي سمعتُ رسول الله يقول:( يُلحد بمكّة كبش من قريش اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس ) . (راجع: سير أعلام النبلاء:٣: ٣٧٥).

وقد حذّره عبد الله بن عمرو بقوله: ( إيّاك والإلحاد في حرم الله! فأشهد لسمعتُ رسول الله يقول:( يُحلّها - وتُحلُّ به -رجل من قريش لو وزِنت ذنوبه بذنوب الثقلَين لوزنتها ) ، (سير أعلام النبلاء، ٣: ٣٧٨).

وكان عبد الله بن الزبير من أهمّ العوامل التي أثّرت في تغيير مسار أبيه، وفي هذا يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام :( مازال الزبير منّا حتّى نشأ ابنه عبد الله! ) (بحار الأنوار، ٣٤: ٢٨٩)، وهو الذي حرّض عائشة على مواصلة المسير إلى البصرة، حين قصدت الرجوع بعد نباح كلاب الحوأب عليها، وهو الذي بقي أربعين يوماً لا يُصلّي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في خُطبته حتى التأَتْ عليه الناس، فقال: إنّ له أهل بيت سوء! إذا ذكرته اشرأبّت نفوسهم إليه وفرحوا بذلك، فلا أُحبّ أن أقرَّ أعينهم بذلك! (راجع: العقد الفريد،٤:٤١٣، وبحار الأنوار، ٤٨: ١٨٣)، وهو الذي دعا ابن عباس ومحمّد بن الحنفية وجماعة من =

٢٧٨

- بعد وقعة الجَمل - كما أستثقله في مكّة المكرّمة أيّام تواجد الإمام عليه‌السلام فيها، بعد رفضه البيعة ليزيد؛ ذلك لأنّ ابن الزبير كان قد نوى - منذ البدء - أن يتّخذ مكّة المكرّمة منطلقاً للتمرّد على السلطة الأموية، ومركزاً لإدارة أمور البُلدان الأُخرى في حال نجاحه في مسعاه؛ ولذا فقد كان في حاجة ماسّة إلى أن يخلو له وجه مكّة من أيّ مُنافس، وتصفو له من كلّ مزاحم، فما بالك بمزاحم ومُنافس لا يرى الناس ابن

____________________

= بني هاشم إلى بيعته، فلمّا أبوا عليه جعل يشتمهم ويتناولهم على المنبر.. ثمّ قال: لتُبايعُنّ أو لأُحرقنّكم بالنار! فأبوا عليه، فحبس محمد بن الحنفية في خمسة عشر من بني هاشم في السجن (العقد الفريد،٤:٤١٣، وانظر: مروج الذهب:٣:٨٦/الطبعة الميمنيّة).

وقد كان ابن الزبير يُبغض بني هاشم ويلعن عليّاً عليه‌السلام ويسبّه، وكان حريصاً جدّاً على الإمارة والسلطة، وكان يدعو الناس إلى طلب الثأر قبل موت يزيد، فلمّا مات طلب الملك لنفسه لا للثار. (راجع: مُستدركات علم الرجال، ٥: ١٨).

وكان ابن الزبير هذا مُتصّفاً بصفات وخِلال تُنافي أخلاقيات الرئاسة، ولا يصلح معها للخلافة؛ إذ كان بخيلاً، سيّئ الخُلق، حسوداً، كثير الخِلاف؛ ولذا تراه أخرج ابن الحنفية، ونفى ابن عباس إلى الطائف (راجع: فوات الوفيات، ١: ٤٤٨).

وقد عانى الناس أيّام سلطته القصيرة أنواع البؤس والجوع والحرمان، وخصوصاً الموالي، فقد لاقوا منه أنواع الضيق، حتى أنشد شاعرهم فيه:

إنَّ الموالي أمست وهي عاتبة

على الخليفة تشكو الجوع والسغبا

ماذا علينا وماذا كان يُرزؤنا

أيُّ الملوك على من حولنا غلبا

(راجع: مروج الذهب، ٣: ٢٢).

وكان تصنّعه النُّسك والتقشُّف والتقوى لصيد البسطاء، وإغراء السذَّج من هذه الأمّة، ويُنقل أنّ زوجة عبد الله بن عمر ألحَّت عليه أن يُبايع ابن الزبير؛ لما رأت من ظاهر طاعته وتقواه، فقال لها ابن عمر: أما رأيتِ بغلات معاوية التي كان يحجُّ عليها الشهباء؟! فإنّ ابن الزبير ما يُريد غيرهنّ!! (راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهم‌السلام ،٢:٣١٠ عن المختار: ٩٥).

٢٧٩

الزبير قباله شيئاً مذكوراً؟! ولا يعبأون بحضوره أو بغيابه إذا حضر ذلك الشخص المبجّل عندهم؟!

فمع وجود الإمام الحسينعليه‌السلام في مكّة المكرّمة، كانت الأرض قد ضاقت على ابن الزبير بما رحبت، وضاقت عليه حرجاً أنفاسه كأنّما يَصَّعدُ في السماء، لكنّه كان يُداري حراجة تلك الأيّام باستظهار هدوء مُفتعل، وصبر مُصطنع، ويتكتّم على حسده وغِلّه ونواياه بما هو فوق طاقته! يقول التأريخ:

« واشتدّ ذلك على ابن الزبير؛ لأنّه كان قد طمع أن يُبايعه أهل مكّة، فلمّا قدم الحسين شقّ ذلك عليه، غير أنّه لا يُبدي ما في قلبه إلى الحسين، لكنّه يختلف إليه ويُصلّي بصلاته، ويقعد عنده ويسمع حديثه، وهو يعلم أنّه لا يُبايعه أحدٌ من أهل مكّة والحسين بن عليّ بها؛ لأنّ الحسين عندهم أعظم في أنفسهم من ابن الزبير »(١) .

« وأمّا ابن الزبير، فإنّه لزم مُصلاّه عند الكعبة، وجعل يتردّد في غبون ذلك إلى الحسين في جملة الناس، ولا يُمكنه أن يتحرّك بشيء ممّا في نفسه مع وجود الحسين؛ لِما يعلم من تعظيم الناس له وتقديمهم إيّاه عليه... بل الناس إنّما مَيلهم إلى الحسين؛ لأنّه السيّد الكبير، وابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليس على وجه الأرض يومئذ أحدٌ يُساميه ولا يُساويه... »(٢) .

من هنا؛ كان كلُّ همِّ عبد الله بن الزبير وأقصى أُمنيته، أن يُخرِج الإمام الحسينعليه‌السلام من مكّة لتخلو له، وكان ابن الزبير يظنّ أنّ ما يُضمره خافٍ على

____________________

(١) الفتوح،٥:٢٦، وإعلام الورى: ٢٢٣، وانظر البداية والنهاية،٨:١٥٣، وكذلك روضة الواعظين: ١٧٢.

(٢) البداية والنهاية،٨:١٥٣، وانظر: تأريخ الإسلام: ٢٦٨.

٢٨٠