مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٢

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 421

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ نجم الدين الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 208881
تحميل: 8617

الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208881 / تحميل: 8617
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 2

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


الامام الحسين (ع) في مكة المكرمة

الفصل الأول

حركة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام في مكَّة

٢١

٢٢

الفصل الأول

‏حركة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام في مكَّة

ورود الإمام الحسين عليه‌السلام مكّة المكرّمة:

سار الإمامعليه‌السلام بالركب الحسينيّ من المدينة المنوَّرة حتى وافى مكّة المكرّمة، فلمّا نظر إلى جبالها من بعيد جعل يتلو هذه الآية الكريمة:( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) (١) ، وذلك ما قاله رسول الله موسى بن عمرانعليه‌السلام حينما خرج من مصر إلى مَدْين.

وقيل: إنَّه لما قدم مكّة قال:« اللّهمَّ، خِرْ لي واهدني سواء السبيل » (٢) . وقد دخلعليه‌السلام مكّة ليلة الجمعة، لثلاث مضين من شعبان(٣) . أو دخلهاعليه‌السلام يوم الجمعة(٤) ، ومكث فيها أربعة أشهر وخمسة أيّام.

الاستقبال الحافل والحفاوة البالغة:

قال ابن كثير: « وعكف الناس بمكّة يفِدون إليه، ويجلسون حواليه،

____________________

(١) سورة القصص: الآية ٢٢.

(٢) الفتوح، ٦: ٢٥; وروضة الواعظين: ١٧٢.

(٣) إعلام الورى: ٢٢٣; والبداية والنهاية: ١٦٠; وأنساب الأشراف، ٣:١٢٩٧.

(٤) مقتل الحسين عليه‌السلام للمقرَّم: ١٤١.

٢٣

ويستمعون كلامه، وينتفعون بما يسمعون منه، ويضبطون ما يروون عنه »(١) .

وقال الشيخ المفيد (قدس سره): « فأقبل أهلها يختلفون إليه، ومَن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق... »(٢) .

وقال ابن الصباغ: « فأقبل الحسين حتى دخل مكّة المشرّفة ونزل بها، وأهلها يختلفون إليه ويأتونه، وكذلك مَن بها من المجاورين والحُجَّاج والمعتمرين من سائر أهل الآفاق »(٣) .

وذكر بعض المؤرّخين: أنّ أهل مكّة فرحوا بهعليه‌السلام فرحاً شديداً، وجعلوا يختلفون إليه بُكرة وعشيّاً.(٤) .

ويبدو أنّ بعض المتتبِّعين المعاصرين - كباقر شريف القرشيّ - قد استفاد من مجموع مثل هذه النصوص، أنّ المكّيّين أنفسهم هم الذين احتفوا بالإمامعليه‌السلام وكانوا يختلفون إليه بُكرة وعشياً، فأطلق القول هكذا: « وقد استُقبِل الإمامعليه‌السلام استقبالاً حافلاً من المكِّيّين، وجعلوا يختلفون إليه بُكرة وعشيّاً، وهم يسألونه عن أحكام دينهم وأحاديث نبيّهم »(٥) .

لكنَّنا نرجّح - كما قدّمنا في مقدِّمة الكتاب - أنّ الذين احتفوا بالإمام الحسينعليه‌السلام وكانوا يفِدون إليه، ويجلسون حواليه، ويستمعون كلامه، وينتفعون بما يسمعون منه، ويضبطون ما يروون عنه، هم أهل الأقطار الأُخرى من

____________________

(١) البداية والنهاية، ٨: ١٥٣.

(٢) الإرشاد: ٢٢٣.

(٣) الفصول المهمَّة: ١٨٣.

(٤) راجع: الفتوح، ٥: ٢٦; وإعلام الورى: ٢٢٣.

(٥) حياة الإمام الحسين عليه‌السلام ، ٢: ٨٠٣.

٢٤

المعتمرين والحجَّاج المتواجدين آنذاك في مكّة، وفيهم من المكِّيين القليل، ممَّن ليسوا من بطون قريش، ممَّن سكن مكّة بعد الفتح وبعد انتشار الإسلام في الأرض؛ ذلك لأنّ قريشاً توارثت العداء لعليّ وآل عليّعليهم‌السلام ، والظاهر أنّ جُلَّ المكِّيّين آنذاك هم من قريش، ولا ننسى قول الإمام السجاد عليه‌السلام :

( ما بمكَّة والمدينة عشرون رجلاً يُحبّنا... ) (١) .

منزل الإمام الحسين عليه‌السلام بمكّة:

صرّح الذهبي: بأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام « نزل بمكّة دار العبّاس »(٢) ، وكذلك قال المزّي(٣) ، ومن قبلهما ابن عساكر(٤) ، غير أنّ بعضاً آخر من المؤرِّخين ذكروا: أنَّهعليه‌السلام « نزل في شِعب عليّعليه‌السلام »(٥) ، ولا مُنافاة بين القولين؛ ولأنّ دار العبّاس بن عبد المطلب كانت في شِعب عليّعليه‌السلام .

لكنَّ السؤال الذي قد يفرض نفسه هنا، هو: لماذا اختار الإمام الحسينعليه‌السلام دار العبّاس بن عبد المطّلب؟

هل هناك غرض سياسي أو اجتماعي أو تبليغي من وراء ذلك؟ أم أنَّهعليه‌السلام لم يُرد أن يكون لأحد عليه منّة بذلك، أو أنّهعليه‌السلام خشي أن ينزل على أحد فيُكلّف المنزول به ثمناً باهضاً وحرجاً شديداً؛ لأنّ السلطة الأُموية بعد ذلك سوف تضطهد صاحب المنزل بأشدّ عقوباتها، أو أنَّهعليه‌السلام لم يُرِد أن يمنح رجلاً من أهل

____________________

(١) الغارات: ٣٩٣; وشرح النهج لابن أبي الحديد، ٤:١٠٤.

(٢) تأريخ الإسلام: حوادث سنة ٦١، صفحة ٨.

(٣) تهذيب الكمال، ٤: ٤٨٩.

(٤) تأريخ دمشق، ١٤: ١٨٢.

(٥) الأخبار الطوال: ٢٢٩، وحياة الإمام الحسين ٢: ٣٠٨.

٢٥

مكّة بنزوله عنده اعتباراً اجتماعياً، ومنزلةً في قلوب الناس لا يستحقّها، أو يستثمرها بعد ذلك لمنافعه الخاصة.

أم أنّ الإمامعليه‌السلام لم ينزل من دور بني هاشم في مكّة إلاّ دار العباس بن عبد المطلب؛ لأنّ بني هاشم لم تبقَ لهم دار في مكّة إلاّ دار العبّاس؛ ذلك لأنّ عقيل بن أبي طالب كان قد باع دور المهاجرين من بني هاشم خشية أنّ تستولي عليها قريش وتُصادرها؛ لأنّ قريشاً عمدت حينذاك إلى مُصادرة منازل المهاجرين من المسلمين إلى المدينة انتقاماً وإرهاباً، ولم يكن العبّاس بن عبد المطلب قد هاجر آنذاك - على فرض إسلامه حين هجرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - فسلمت داره من المصادرة.

يقول الواقدي: « قيل للنبي: ألا تنزل منزلك من الشِّعب؟ قال:( فهل ترك لنا عقيل منزلاً؟! ) . وكان عقيل قد باع(١) منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكّة »(٢) .

ويُعلِّل السيد علي خان الشيرازي هذه المصادرة قائلاً: « كان عقيل قد باع دور بني هاشم المسلمين بمكّة، وكانت قريش تُعطي مَن لم يُسلم مال مَن أسلم، فباع دور قومه حتى دار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة يوم الفتح قيل: ألا تنزل دارك يا رسول الله؟ فقال:( وهل ترك لنا عقيل من دار؟! ) (٣) .

أمّا الشيخ الطوسي، فيُعلّل هذه المصادرة بسبب الهجرة لا بسبب الإسلام فقط؛ حيث يقول: «... قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكّة وقد قيل له: ألا تنزل دارك؟ فقال:

____________________

(١) ولعلَّ عقيلاً قد قام بذلك برضا أصحاب المنازل من بني هاشم، أو مُحرزاً لرضاهم وتوكيلهم إيّاه؛ لأنّ عقيلاً أجلُّ شأناً وأنزه من أن يدفع غصباً بغصب.

(٢) المغازي ٢: ٨٢٩.

(٣) الدرجات الرفيعة: ١٥٤. وراجع الذريعة ٨: ٦٠.

٢٦

( وهل ترك لنا عقيل من رَبْع؟! ) ؛ لأنّه كان قد باع دور بني هاشم لما خرجوا إلى المدينة... »(١) .

وفي الإجابة عن السؤال المثار حول سبب اختيار الإمامعليه‌السلام دار العبّاس بن عبد المطّلب نقول: ممّا لا شكّ فيه، أنّ سبب هذا الاختيار لا ينحصر في كون دار العبّاس هي الدار السانحة آنذاك؛ وذلك لأنّ الإمامعليه‌السلام كان مُقتدراً ذا سعة، وكان بإمكانه - بل من اليسير عليه - أن يُهيِّأ داراً أو أكثر من دار في مكّة له ولغيره من أفراد الركب الحسينيّ، ونرى ألاَّ مُنافاة بين جميع الدواعي المعقولة لهذا الاختيار، سواء التي ذكرناها في معرض التساؤل أم التي لم نذكرها، فمن الممكن أن يجتمع السبب السياسي مع السبب الاجتماعي مع السبب التبليغي مع الأسباب الأُخرى، وتتعاضد جميعها في مُتَّجه واحد لتُشكِّل العلَّة التامّة لهذا الاختيار.

رسائل الإمام عليه‌السلام إلى الولايات الأُخرى:

رسالته عليه‌السلام إلى البصرة:

كانت الشيعة - بعد استشهاد الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام - على صلة بالإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، رغم الاضطهاد والإرهاب والمراقبة الشديدة من قِبَل الحُكم الأُمويّ على مُحبِّي أهل البيتعليهم‌السلام ، فكانت الشيعة في أنحاء البلاد الإسلامية تبعث إلى الإمام الحسينعليه‌السلام المكاتيب، وتسأله عمّا يُهمّها من أمور دينهم، وكان للبصرة نصيبها من الصلة بالإمامعليه‌السلام ، وقد أثبت التأريخ بعض رسائل شيعتها إليه، كالرسالة التي بعثوا بها إلى الإمامعليه‌السلام ، يسألونه فيها عن معنى الصَّمَد، وبعث إليهم

____________________

(١) التبيان ٩: ٣٦٩، ومجمع البيان ٩: ١٤٧.

٢٧

بجوابها...(١) .

لكنّ الملفت للانتباه في الرسالة التي بعث بها الإمامعليه‌السلام إلى أشراف البصرة ورؤساء الأخماس(٢) فيها، هو أنَّ الإمامعليه‌السلام كان البادئ بالمكاتبة، وقد دعا فيها أولئك الأشراف والرؤساء ومَن يتبعهم من أهل البصرة إلى نُصرته، في وقت لم يكن أحدٌ من أولئك قد بعث من قبل إلى الإمامعليه‌السلام بكتاب يدعوه فيه إلى القيام والنهضة ضدَّ الحكم الأُموي، كما فعل أشراف الكوفة ووجهاؤها، وكثير من أهلها الذين كانت رسائلهم تنهال على مكّة، حتى بلغت في يوم واحد ستّمئة رسالة!

فما هي علّة مُبادرة الإمامعليه‌السلام إلى الكتابة إلى أشراف البصرة ورؤسائها؟ لا يشكُّ مُطّلع على التأريخ الإسلامي، بالأهمّية الخاصة التي كانت تتمتّع بها كلٌّ من ولايتي الكوفة والبصرة، وأثرهما البالغ على حركة أحداث العالم الإسلامي آنذاك، خصوصاً وأنّ هاتين الولايتين المهمَّتين لم تنغلقا لصالح الحكم الأُموي، كما انغلق الشام تماماً لصالحه آنذاك، فمُحبّوا أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم في كلٍّ من هاتين الولايتين - برغم الإرهاب والقمع الأمويّ - كانت لهم اجتماعاتهم ومنتدياتهم السرِّيّة، وتطلّعاتهم إلى يوم الخلاص من كابوس الحكم الأُمويّ.

نعم، هناك فارق واضح بين الكوفة والبصرة، من حيث تأريخ كلّ منهما في نصرة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن حيث عدد الشيعة في كلٍّ منهما، ومن حيث درجة

____________________

(١) راجع: مكاتيب الأئمّة ٢: ٤٨ نقلاً عن التوحيد: ٩٠ / وكذلك: سيَر أعلام النبلاء ٣:٢٩٣.

(٢) أخماس البصرة: كانت البصرة قد قسّمت خمسة أقسام، ولكلِّ خمس منها رئيس من الأشراف. (وقعة الطف: ١٠٤) / وأخماس البصرة خمسة: فالخُمس الأوّل: العالية، والخُمس الثاني: بكر بن وائل، والخُمس الثالث: تميم، والخُمس الرابع: عبد القيس، والخُمس الخامس: الأزد. (لسان العرب: مادة خَمَسَ: ٦: ٧١).

٢٨

تحفّزهم للتحرّك ضدَّ الحُكم الأمويّ.

ويُضافُ إلى ذلك، أنّ البصرة آنذاك كانت تحت سيطرة والٍ قويّ وإرهابي مستبدّ هو عبيد الله بن زياد الذي كان قد هيمن على إدارة أمورها، وأحكم الرقابة الشديدة على أهلها، في وقت كانت الكوفة قد تراخت أزمّة أمورها بيد وال ضعيف يميل الى العافية والسلامة هو النعمان بن بشير، فكان الشيعة في الكوفة أقدر على الحركة والفعل من الشيعة في البصرة عموماً؛ ممّا قد يفسّر سبب مبادرة أهل الكوفة وبهذا الكمّ الكثير إلى المبادرة في الكتابة إلى الإمامعليه‌السلام ودعوته إليهم، في وقت لم تصل إلى الإمامعليه‌السلام رسالة من أهل البصرة يدعونه فيها إليهم أو يظهرون فيها استعدادهم لنصرته.(١)

فبادر الإمامعليه‌السلام إلى الكتابة إلى أهل البصرة عن طريق أشرافها ورؤساء الأخماس فيها؛ لأنّ أهلها - عدا خلّص الشيعة منهم - لا يتجاوزون أشرافهم في اتخاذ موقف وقرار، فكان لابدّ من مخاطبتهم عن طريق أشرافهم ورؤساء الأخماس، وإن كان بعض هؤلاء ممن يميل إلى بني أميّة، وبعضهم ممن لا يؤتمن، وبعضهم ممن لا تتّسق مواقفه باتجاه واحد..

ولعلّ الإمامعليه‌السلام أراد إلقاء الحجّة على الجميع،(٢) مع ما قد تُثمر رسالته من صدّ

____________________

(١) هذا هو المشهور الثابت، لكنّ الشيخ محمد السماوي في كتابه إبصار العين يقول: «وبلغ أهل البصرة ما عليه أهل الكوفة، فاجتمعت الشيعة في دار مارية بنت منقذ العبدي - وكانت من الشيعة - فتذاكروا أمر الإمامة وما آل إليه الأمر، فأجمع رأي بعض على الخروج فخرج، وكتب بعض بطلب القدوم..» (إبصار العين: ٢٥).

لكنه لم يذكر من الذي كتب ولا ماذا كتب! كما لم يذكر عمّن أخذ هو هذا القول!

(٢) يقول الشيخ باقر شرف القرشي: «إنّ رسالة الحسين إلى أهل البصرة ترينا كيف كان يعرف مسؤوليته وبمضي معها، فأهل البصرة لم يكتبوا إليه ولم يدعوه إلى بلدهم كما فعل أهل الكوفة، ومع =

٢٩

المتردّد من الأشراف ورؤساء الأخماس عن الانضمام إلى أيّ فعل مضاد لحركة الإمام عليه‌السلام ، وما تثمره هذه الرسالة أيضاً من إعلام البصريين الراغبين في نصرته بأمر نهضته وتعبئتهم لذلك، من خلال أشرافهم الموالين لأهل البيتعليهم‌السلام كمثل يزيد بن مسعود النهشلي وأمثاله.

نصّ رسالة الإمام عليه‌السلام إلى أهل البصرة

قال الطبري: «قال أبو مخنف: حدّثني الصقعب بن زهير، عن أبي عثمان النهدي، قال كتب الحسين مع مولى لهم يقال له سليمان، وكتب بنُسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف، فكتب إلى مالك بن مسمع البكري، وإلى الأحنف بن قيس، وإلى المنذر بن الجارود، وإلى مسعود بن عمرو، وإلى قيس بن الهيثم، وإلى عمرو بن عبيد الله بن معمر.

فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها:

أمّا بعد، فإنّ الله اصطفى محمّداً على خلقه وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه، وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفُرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممن تولاه، وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحقّ، فرحمهم الله وغفر لنا ولهم. (١)

____________________

= هذا فهو يكتب إليهم، ويعدّهم للمجابهة المحتومة، ذلك أنّه حين قرّر أن ينهض بتبعات دينه وأمّته كان قراره هذا آتيا من أعماق روحه وضميره، وليس من حركة أهل الكوفة ودعوتهم إيّاه» (حياة الإمام الحسين عليه‌السلام ٢: ٣٢٢).

(١) لا يبعد أن تكون فقرة (وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحق..) مدخولة من قِبل بعض المؤرّخين =

٣٠

وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أميتت، وإنّ البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله). (١)

وقد نقل ابن نما الكتاب باختصار واختلاف قائلاً:

«كتبعليه‌السلام كتاباً إلى وجوه أهل البصرة، منهم الأحنف بن قيس، وقيس بن الهيثم، والمنذر بن الجارود، ويزيد بن مسعود النهشلي.

وبعث الكتاب مع زرّاع السدوسي، وقيل مع سليمان المكنّى بأبي رزين فيه:

(أدعوكم إلى الله وإلى نبيّه، فإنّ السنّة قد أميتت، فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد). (٢)

نماذج من أشراف البصرة الذين كتب إليهم الإمام عليه‌السلام

مَن هم أولئك البصريون الذين كتب إليهم الإمامعليه‌السلام رسالته؟ هل كانوا جميعاً من محبّي أهل البيتعليهم‌السلام أو شيعة لهم؟ أم كانوا جميعاً على هوى واحد لبني أميّة؟ أم كانوا مختلفين في الميل والهوى؟

يحسن منا هنا أن نلقي ضوء - وإن كان يسيراً - يكشف لنا عن هوية نماذج من هذه الشخصيات ومتجهات ميولها، لعلّنا بذلك نتعرّف على حقيقة الوضع النفسي والاجتماعي لولاية البصرة آنذاك، كما يساعدنا ذلك على معرفة سبب كون رسالة

____________________

= على أصل متن الرسالة. أو أنّ الإمام عليه‌السلام اضطرّ إلى ذلك؛ تأليفاً لقلوب المخاطبين بهذه الرسالة، ودفعاً لشرّهم، ومنعاً لتفرّق المسلمين خصوصاً وهو يعلم أنّ جلّ المخاطبين بها ليسوا من شيعته.

(١) تاريخ الطبري ٣: ٢٨٠، وراجع الفتوح ٥: ٤٢.

(٢) مثير الأحزان: ٢٧.

٣١

الإمام عليه‌السلام بذلك النصّ بالتحديد؛ لأنّ نوع المخاطب مؤثّر في نوع الخطاب، فمن هذه الشخصيات المؤثرة في حياة المجتمع البصري آنذاك:

١ - مالك بن مسمع: كان رأيه مائلاً إلى بني أميّة، وكان مروان بن الحكم قد لجأ إليه يوم الجَمل، وكان مالك بن مسمع يأمر الناس بعد واقعة الطف وقتل الإمام الحسينعليه‌السلام بتجديد البيعة ليزيد بن معاوية.(١)

٢ - الأحنف بن قيس: قيل إنّه ولد في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يدركه، ومات عام ٦٧ هـ، وقد روى فضائل عليّعليه‌السلام عن أبي ذر، وعندما قرأ ابن عبّاس كتاب عليّعليه‌السلام على أهل البصرة كان الأحنف أوّل رجل أجابه وقال: نعم، والله لنجيبنّك... وهو الذي اقترح على أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يجعله حكماً، وقد وجّهه عليّعليه‌السلام إلى الخوارج.

وهو الذي بعث إلى عليّ قائلاً: إن شئت أتيتك في مئتي فارس فكنت معك، وإن شئت اعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستّة آلاف سيف. فاختار عليّعليه‌السلام اعتزاله.(٢)

وعلى ضوء هذه المواقف يراه الرجالي المعروف المامقانيّ حسناً.(٣)

ويقول رجاليّ آخر وهو النمازي: «يظهر منه كماله وحكمته ورضاية أمير المؤمنينعليه‌السلام به، وأنه من السفراء الفصحاء».(٤)

ولكن أليس الأحنف بن قيس هو القائل بعد أن دعاه الإمام أبو عبد الله الحسين

____________________

(١) راجع كتاب الغارات: هامش صفحة ٢٦٦، (والهامش للمرحوم عبد الزهراء الخطيب).

(٢) الجمل (للمفيد): ١٥٨، وقاموس الرجال ١: ٦٩١.

(٣) تنقيح المقال ١: ١٠٣.

(٤) مستدركات علم الرجال ١: ٥٢٠.

٣٢

إلى نصرته ولم يجبه: «قد جرّبنا آل أبي الحسن فلم نجد عندهم إيالة للملك، ولا جمعاً للمال، ولا مكيدة للحرب».(١)

أليس الأحنف بن قيس هو الذي ساعد مصعب بن الزبير على قتل المختار،(٢) وكان على خمس تميم في قتل المختار.(٣)

أليس هو القائل في صِفّين - وهو مع عليّعليه‌السلام - «هلك العرب».(٤)

وفي هذا مؤشّر على ضعف اعتقاد الأحنف بأمير المؤمنينعليه‌السلام وبالحسنينعليهما‌السلام ، إذ لو كان له اعتقاد راسخ بهمعليهم‌السلام ؛ لكان سلماً لِمن سالمهم وحرباً لِمن حاربهم، ولَما همّه بعد ذلك، هلكَت العرب في حقّ أو بقيت.

ولذا لم يرتض رجاليّ آخر وهو التستري(٥) تحسين المامقاني له، كما سكت الخوئي(٦) في المعجم عن تأييده أو تضعيفه.

ومن المواقف الدالّة على عدم رسوخ اعتقاده بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، بل الدالّة على تردده وضعف يقينه ووهْن موقفه في وجوب نصرة أهل الحقّ، وخذلان أهل الباطل: أنّه حينما قرأت رسالة معاوية على أهل البصرة؛ لتحريضهم على أمير المؤمنينعليه‌السلام تحت شعار الأخذ بثأر عثمان أنّ الأحنف قال: «أمّا أنا فلا ناقة

____________________

(١) قاموس الرجال ١: ٦٩١.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ٩٥، وقاموس الرجال ١: ٦٩١.

(٣) قاموس الرجال ١: ٦٩١.

(٤) وقعة صِفّين: ٣٨٧.

(٥) قاموس الرجال ١: ٦٩١.

(٦) معجم رجال الحديث ٢: ٣٧٢.

٣٣

لي في هذا ولا جَمل، واعتزل أمرهم».(١)

٣ - مسعود بن عمرو بن عدي الأزدي: وهو أحد قادة الأزد في معركة الجَمل في جيش عائشة وطلحة والزبير،(٢) وهو الذي أجار ابن مرجانة لما نابذه الناس ومنعه منهم،(٣) ومكث ابن مرجانة تسعين يوما بعد موت يزيد، ثم خرج إلى الشام، وبعث معه مسعود بن عمرو مئة من الأزد عليهم قرّة بن قيس حتى قدموا به إلى الشام، وكان ابن زياد قد استخلف مسعود بن عمرو على البصرة حينما تركها متوجهاًَ إلى الشام.(٤)

٤ - قيس بن الهيثم السلمي: لما استنصر عثمان بأهل البصرة، قام قيس فخطب وحرّض الناس على نصر عثمان، فسارع الناس إلى ذلك، وأتاهم قتل عثمان فرجعوا،(٥) وكان قيس هذا والياً لعثمان على خراسان،(٦) وقد ولي شرطة البصرة على عهد معاوية لعبد الله بن عامر، ثم بعثه والياً على خراسان سنتين حيث عزله عنها بعد ذلك وعاقبه وسجنه،(٧) وكان من أخواله فتشفّعت فيه أمّه فأخرجه(٨) ... ثم عطف على قيس فاستخلفه على البصرة... ثمّ ولّى معاوية على البصرة زياد بن سميّة سنة ٤٥ هـ، فبعث قيس بن الهيثم على مرود الروذ والفارياب والطالقان، ثم

____________________

(١) الغارات: ٢٦٣.

(٢) تاريخ الطبري ٥: ٥٠٥.

(٣) نفس المصدر ٥: ٥٢٥.

(٤) نفس المصدر ٥: ٥١٩ و ٥٢٢ و ٥٢٥ - وقعة الطفّ: ١٠٦.

(٥) تاريخ الطبري ٥: ٣٦٩.

(٦) تاريخ الطبري ٥: ١٧٢ و ٢٠٩.

(٧) نفس المصدر.

(٨) تاريخ الطبري ٥: ٢١٠.

٣٤

انعزل قيس بعزل يزيد لعبد الرحمان بن زياد، فلمّا هلك يزيد كان قيس بالبصرة.

وكان قيس هذا على المقاتلة لابن الزبير في مُقاتلة مثنّى بن مخربة الداعي إلى المختار سنة ٦٦هـ، وكان على خُمس أهل العالية مع مصعب بن الزبير لمقاتلة المختار سنة ٦٧هـ، وكان قيس سنة ٧١هـ يستأجر الرجال ليقاتلوا معه خالد بن عبد الله، داعية عبد الملك بن مروان مُعيناً وناصراً لابن الزبير، وكان يُحذّر أهل العراق من الغدر بمصعب(١) .

٥- المنذر بن الجارود العبدي: ولاّه الإمام عليّعليه‌السلام بعض أعماله فخان فيه، فكتبعليه‌السلام إليه:

( أمّا بعد، فإنّ صلاح أبيك غرَّني منك، وظننت أنّك تتّبع هدْيه وتسلك سبيله، فإذا أنت فيما رُقي إليَّ عنك لا تدع لهواك انقياداً، ولا تُبقي لآخرتك عتاداً، أتُعمِّر دنياك بخراب آخرتك؟! وتصِل عشيرتك بقطيعة دينك؟! ولئن كان ما بلغني عنك حقَّاً لجَمَل أهلك وشسع نعلك خيرٌ منك، مَن كان بصفتك فليس بأهل أن يُسدَّ به ثغر أو يُنفذ به أمر أو يُعلى له قدر أو يُشرَك في أمانة أو يؤمَن على جباية، فأقبِل إليَّ حين يصلُ إليك كتابي هذا إن شاء الله ) (٢) .

وقالعليه‌السلام في المنذر بن الجارود هذا أيضاً:

( إنّه لنظّارٌ في عطفَيه، مختالٌ في بُردَيْه، تفَّال في شِراكَيْه ) (٣) .

____________________

(١) راجع: وقعة الطف: ١٠٦.

(٢) نهج البلاغة: ٤٦١ - ٢٦٢، كتاب رقم ٧١.

(٣) بحار الأنوار ٣٣: ٥٠٦.

٣٥

أي أنَّه ذو زهْوٍ، مُعجَب بنفسه ومظهره، مُتكبِّر، همّه في نظافة ظاهره، لا في طهارة الباطن، وتزكية النفس وتهذيب المحتوى والعروج إلى آفاق المعنويات السامية.

و« كان عليّعليه‌السلام ولاّه فارساً فاحتاز مالاً من الخَراج... وكان المال أربعمئة ألف درهم، فحبسه عليّعليه‌السلام ، فشفع فيه صعصعة وقام بأمره وخلّصه »(١) .

ولقد شفّع المنذر بن الجارود خيانته في الأموال بخيانته في النفوس، حيث قدّم نسخة رسالة الإمام الحسينعليه‌السلام إليه مع رسول الإمامعليه‌السلام سليمان بن رزين إلى عبيد الله بن زياد؛ تقرُّباً إليه وطمعاً في الزُّلفة منه، وكانت نتيجة هذه الخيانة أن قُتل رسول الإمامعليه‌السلام صبراً.

ولقد كافأ ابن زياد ابن الجارود على خيانته؛ فولاَّه السنْد حيث توفِّي فيها سنة ٦١ هـ(٢) ، فلم يهنأ بجائزته إلاَّ شهوراً قليلة.

هذه صورة موجزة لمجموعة من أشراف البصرة آنذاك، قد تُمثِّل جلُّ أشراف البصرة المعروفين يومها، ورأيناها مؤلّفة من ذي هوىً أُموي خالص كمالك بن مسمع، ومعادٍ لأهل البيتعليهم‌السلام كمسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم السلمي، أو ذي معرفة بحقّ أهل البيتعليهم‌السلام ضعيف اليقين مُتردِّد واهن المواقف كالأحنف بن قيس، أو طالب للدنيا مُتكبّر، مُعجَب بنفسه، مُتملّق للأُمراء غير مؤتمَن كالمنذر بن الجارود العبدي.

وكما قلنا من قبل، فقد اضطرّ الإمامعليه‌السلام إلى الكتابة إلى هؤلاء؛ لأنَّهم المنْفَذ الوحيد إلى جُلِّ أهل البصرة، الذين كانوا تبعاً لأشرافهم في فهْم الأحداث وتبنِّي

____________________

(١) بحار الأنوار ٣٤: ٣٣٣، و الغارات: ٣٥٧.

(٢) الغارات: ٣٥٨ (الهامش).

٣٦

المواقف، وكان لابدّ من إلقاء الحجّة على الجميع من خلال هذا الطريق، فلعلَّ ثمّة مَن يهتدي ويُسعد بإبلاغ الحجّة.

وهنا لابدّ من التنبيه؛ أنّ من أشراف البصرة مجموعة تعرف حقّ أهل البيتعليهم‌السلام وتواليهم، ولها مواقف كريمة ورائعة في المبادرة إلى نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام ، كمثل يزيد بن مسعود النهشلي، الذي دعا قومه إلى نُصرة الإمامعليه‌السلام وعبّأهم روحياً بهذا الاتِّجاه، وهو من الأشراف الذين كتب إليهم الإمامعليه‌السلام بتلك النسخة أيضاً، وسيأتي تفصيل موقفه في فصل حركة الأمّة فيما يأتي من البحث، وقد دعا له الإمامعليه‌السلام بهذا الدعاء المبارك:

( ما لكَ؟ آمنك الله يوم الخوف، وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر ) (١) .

وكيزيد بن ثبيط العبدي، وهو من أشراف البصرة أيضاً، ومن الشيعة، وقد بادر - بعدما علم بما عزم عليه الإمام الحسينعليه‌السلام - إلى الالتحاق بركب الإمامعليه‌السلام في مكّة، مع ولديه عبد الله وعبيد الله وجماعة آخرين من الشيعة البصريين، ورُزقوا الشهادة بين يدي الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم العاشر من المحرَّم(٢) .

الشهيد الأوّل في الثورة الحسينيّة:

يُطلق لقب (الشهيد الأوّل) في الثورة الحسينية عادةً على مولانا مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، وهو المشهور، وهذا صحيح إذا أردنا بذلك الشهيد الأوّل من شُهداء بني هاشم في هذه الثورة المقدّسة، ولكنّنا إذا أردنا (الشهيد الأوّل) من شهداء هذه الثورة المقدّسة عموماً، فإنّ رسول الإمام الحسينعليه‌السلام إلى أشراف البصرة ورؤساء

____________________

(١) اللهوف: ١٩ - انظر: ص٣٥٨ من هذا الكتاب.

(٢) راجع: كتاب إبصار العين: ١٨٩ - ١٩٢.

٣٧

الأخماس فيها هو ذلك الشهيد الأوّل رضوان الله تعالى عليه، الذي قتله عبيد الله بن زياد، قبل يوم من تركه البصرة مُتوجِّهاً إلى الكوفة؛ وذلك بسبب خيانة المنذر بن الجارود العبدي، الذي زعم(١) أنّه خاف أن يكون الكتاب دسيساً من عبيد الله بن زياد - وكانت بحرية بنت المنذر زوجة لعبيد الله بن زياد - فأخذ عبيد الله بن زياد الرسول فصلبه(٢) ، أو قدّمه فضرب عنقه(٣) .

وقد ذهب جُلّ المؤرّخين إلى أنّ اسم هذا الرسول هو سليمان، إلا أنّ ابن نما ذكر - على قول - أنَّ اسمه زرَّاع السدوسي، حيث قال: « وبعث الكتاب مع زرَّاع السدوسي، وقيل: مع سليمان المكنّى بأبي رزين.. »(٤) ، لكنّ السلام الوارد عليه في زيارة الناحية المقدّسة يؤكّد أنّ اسمه سليمان:( السلام على سليمان مولى الحسين ابن أمير المؤمنين، ولعن الله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي ) (٥) ، ويُكنَّى سليمان بأبي رزين، وقيل: إنّ أبا رزين « هو اسم أبيه، وأمّه كبشة، جارية للحسينعليه‌السلام ، فتزوَّجها أبو رزين فولدها سليمان »(٦) . لكنّ المحقّق السماوي ضبط اسم هذا الشهيد هكذا: سليمان بن رزين(٧) .

وكان سليمان قد خرج مع الإمام الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكّة، ثم بعثه

____________________

(١) راجع: تاريخ الطبري ٣: ٢٨٠.

(٢) اللهوف: ١٩.

(٣) تاريخ الطبري ٣: ٢٨٠.

(٤) مُثير الأحزان: ٢٧، ولواعج الأشجان: ٣٦.

(٥) البحار ١٠١: ٢٧١ / ولعلّ سليمان بن عوف هو المباشر لقتله بأمر ابن زياد.

(٦) وقعة الطف: ١٠٤.

(٧) إبصار العين: ٩٤.

٣٨

الإمام عليه‌السلام برسالته إلى البصرة(١) ، وهذا كاشف عن ثقته به واعتماده عليه ومنزلته الخاصة عنده.

اجتماع الإمام عليه‌السلام برُسل أهل الكوفة ومبعوثيهم:

بعد أن علم أهل الكوفة بامتناع الإمامعليه‌السلام عن البيعة ليزيد، وأنّهعليه‌السلام قد صار إلى مكّة، تقاطرت رسائلهم الكثيرة إليه بلا انقطاع، وقد أبدوا فيها استعدادهم لنُصرته والقيام معه، ودعوه فيها إلى القدوم إليهم، « وتلاقت الرُّسل كلّها عنده، فقرأ الكُتب، وسأل الرُّسل عن الناس... »(٢) ، وكان هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله الحنفي آخر الرُّسل القادمين عليه. « فقال الحسينعليه‌السلام لهاني وسعيد بن عبد الله الحنفي:

( خبِّراني مَن اجتمع على هذا الكتاب الذي كُتب معكما إليّ؟ ).

فقالا: يا أمير المؤمنين(٣) ، اجتمع عليه شبث بن ربعي، وحجّار بن أبجر، ويزيد

____________________

(١) قال السيد عبد المجيد الشيرازي الحائري في كتابه ذخيرة الدارين: (.. قال أبوعلي في رجاله: سليمان المكنّى بأبي رزين مولى الحسين بن علي، قُتل معه. وقال المحقِّق الإسترابادي في رجاله: سليمان بن أبي رزين، مولى الحسين، قُتل مع الحسين عليه‌السلام .

أقول:.. ظاهر كلامهما أنّ سليمان استُشهد مع الحسين في وقعة الطف، وهو خلاف ما ذكره أهل السيَر والمقاتل، من أنّه قُتل بالبصرة، وليس في الزيارة دلالة على ذلك، نعم، ويمكن حمل كلامهما على أنّ مَن قُتل لأجل الحسين بن علي في الكوفة أو البصرة، كسائر أصحابه الذين قُتلوا معه يوم الطف وإن لم يُقتلوا بين يديه ). (ذخيرة الدارين: ١٧٢ / المطبعة المرتضوية - النجف - ١٣٤٥هـ.ق).

(٢) الإرشاد: ٢٠٤.

(٣) لا يبعد أن يكون هذا التعبير من ابن أعثم الكوفي صاحب الفتوح أو من الناسخ؛ لأنَّ المأثور أنّ =

٣٩

ابن الحارث، ويزيد بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجّاج، ومحمد بن عمير بن عطارد(١) .

قال: فعندها قام الحسينعليه‌السلام فتطهّر وصلّى ركعتين بين الركن والمقام، ثمّ انفتل من صلاته وسأل ربّه الخير فيما كتب إليه أهل الكوفة، ثمّ جمع الرُّسل فقال لهم:( إني رأيتُ جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي، وقد أمرني بأمر وأنا ماضٍ لأمره، فعزم الله لي بالخير، إنَّه وليّ ذلك والقادر عليه إن شاء الله تعالى ) (٢) .

رسالة الإمام الحسين عليه‌السلام إلى أهل الكوفة:

«... ثمَّ كتب مع هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله(٣) ، وكانا آخر الرُّسل:

____________________

= الأئمة عليهم‌السلام كانوا يرفضون أن يُخاطبوا بهذا اللقب؛ لاختصاص أمير المؤمنين علي عليه‌السلام به، ففي الأثر: ( دخل رجلٌ على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقام أبو عبد الله عليه‌السلام قائماً وقال: ( مَهْ، إنّ هذا الاسم لا يصلح لأحد إلاّ لأمير المؤمنين... ) (مستدرك الوسائل ١٠: ٤٠٠ حديث رقم ٥ ».

(١) ستأتي ترجمة جُلّ هؤلاء الذين كتبوا إلى الإمام عليه‌السلام فيما يأتي من المقاطع الأُخرى من هذا البحث / وفي تاريخ الطبري (طبعة دار الكتب العلميّة - بيروت):٣:٢٧٨ ورد: يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم، وورد أيضاً عزرة بدل عروة، أمّا طبعة مؤسسة الأعلمي - بيروت:٤:٢٦٢ ففيها: يزيد بن الحارث ويزيد بن رويم، أمّا في كتاب الإرشاد: ٢٠٣ ففيه: يزيد بن الحارث بن رويم.

(٢) الفتوح ٥: ٣٤.

(٣) ذكر صاحب المناقب أنّ، هذه الرسالة بعثها الإمام عليه‌السلام مع مسلم بن عقيل عليه‌السلام إلى أهل الكوفة لا مع هانئ وسعيد (مناقب آل أبي طالب ٤: ٩٠).

لكنّ المامقاني ذهب إلى أنّ الإمام عليه‌السلام بعثها إلى أهل الكوفة مع هاني وسعيد قبل مسلم بن عقيل، ثمّ قال: ( أمّا هاني هذا فهو مجهول الحال، وليس هو ابن هاني بن عروة، فإنّ ابن ذاك يحيى، وقد نال الشهادة بالطّف » (تنقيح المقال ٣: ٢٩٠).

ويظهر من ترجمة المزّي ليحيى بن هاني، خلاف ذلك، وأنَّ يحيى كان حيَّاً بعد والده، قال: ( وكان من =

٤٠