مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٢

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 421

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ نجم الدين الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 208967
تحميل: 8617

الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208967 / تحميل: 8617
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 2

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


الامام الحسين (ع) في مكة المكرمة

بني تميم، وتركتهم أشدّ تتابعاً لك من الإبل الظمّاء يوم خمسها لورود الماء، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد، وغسلت لك دَرَن صدورها بماء سحابة مُزن حين استهلّ برْقها فلَمع.

فلمّا قرأ الحسينعليه‌السلام الكتاب قال:

( آمنك الله يوم الخوف، وأعزّك، وأرواك يوم العطش الأكبر. ) (١) .

وفي رواية ابن نما (ره) قال: «فلمّا تجهّز المشار إليه للخروج إلى الحسين صلوات الله وسلامه عليه، بلغه قتله قبل أن يسير، فجزع لذلك جزعاً عظيماً لما فاته من نصرته. »(٢) .

ملاحظات وتأمّل:

١) - كان الإمام الحسينعليه‌السلام قد كتب نسخة واحدة إلى رؤساء الأخماس في البصرة وإلى الأشراف فيها، وذكر الطبري(٣) ، أنّ الإمامعليه‌السلام كتب إلى مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد الله بن معمر.

لكنّ التأريخ لم يُسجّل أنّ أحداً من هؤلاء قد أجاب على رسالة الإمامعليه‌السلام ، أو ردَّ ردّاً حميداً، فالأحنف بن قيس ردّ على رسالة الإمامعليه‌السلام يوصيه بالصبر! وألاّ يستخفّه الذين لا يوقنون! أمّا المنذر بن الجارود، فقد سلّم الرسالة والرسول إلى ابن زياد الذي قتل الرسول! وأمّا مالك بن مسمع البكري، فقد كان أُمويّ الهوى(٤) ،

____________________

(١) اللهوف: ١١٠، ومُثير الأحزان: ٢٧ - ٢٩.

(٢) مُثير الأحزان: ٢٩.

(٣) تأريخ الطبري ٣: ٢٨٠; وراجع: الفتوح ٥: ٤٢.

(٤) راجع: ترجمته في الفصل الأول: ص٣٢.

٣٦١

ولم يُسجّل التأريخ أنّه أجاب على رسالة الإمام عليه‌السلام ! وأمّا قيس بن الهيثم، فقد كان عثماني الهوى، مُتباعداً عن أهل البيتعليهم‌السلام إلى آخر عمره(١) ، ولم يذكر التأريخ أيضاً أنّ قيس بن الهيثم قد أجاب على رسالة الإمام عليه‌السلام ! وأمّا عمر «أو عمرو» بن عبيد الله بن معمر، فلم تذكر له كُتب التواريخ والتراجم أيّة علاقة طيّبة مع أهل البيتعليهم‌السلام ، بل عُرف عنه ولاؤه لابن الزبير أيّام سلطانه، وكان على ميمنة مصعب بن الزبير في قتال المختار، ثمّ انقلب ولاؤه لعبد الملك بن مروان! فكان يأتمر بأمره، حتّى وفد عليه بدمشق، فمات عنده بالطاعون سنة ٨٢ هـ(٢) ، ولم يذكر التأريخ أيضاً، أنّ هذا الرجل قد أجاب على رسالة الإمام الحسين عليه‌السلام ! وأمّا مسعود بن عمرو الأزدي، فقد كان أيضاً مُجانباً ومُعادياً لأهل البيتعليهم‌السلام ، وصديقاً حميماً وناصراً وحامياً لابن زياد، حتى بعد مقتل الحسين عليه‌السلام (٣) ، ولم يذكر التأريخ أيضاً، أنّ مسعود بن عمرو الأزدي هذا قد أجاب على رسالة الإمام الحسين عليه‌السلام !(٤) .

____________________

(١) راجع: ترجمته في الفصل الأوّل ص٣٤ - ٣٥.

(٢) راجع: البداية والنهاية ٩: ٤٩ و٨: ٢٩ و٢٩٦ / والمعارف: ٤١٤ / وتاريخ الطبري ٣: ٣٧٧ و ٤٠٧ و ٤٨٤ و ٥٤١ / وكان المحقّق السماوي (ره) قد ذكره باسم: عبد الله بن عبيد الله بن معمر التيمي، تيم قريش. (راجع: إبصار العين: ٤١).

(٣) راجع: ترجمته في الفصل الأوّل ص٣٤.

(٤) لكنّ المحقّق السماوي (ره) قال في مسعود هذا: ( وهو الذي جمع الناس وخطبهم لنُصرة الحسين فلم يتوفّق، ويمضي في كُتب المقاتل أنّه يزيد بن مسعود النهشلي، وهذا تميميٌّ يُكنّى بأبي خالد، وليس من رؤساء الأخماس، ولعلّه مكتوب إليه أيضاً، والذي يُستظهر من الخطبة والكتاب إلى الحسين عليه‌السلام أنّ الذي جمع الناس هذا، لا مسعود، ولكنّ الطبري وغيره من المؤرّخين لم يذكروا الثاني ). (إبصار العين: ٤١). ولا يخفى، أنّ ما ذهب إليه الشيخ السماوي (ره) اشتباه محض، لا تُساعد عليه سيرة مسعود بن عمرو الأزدي المعادي لأهل البيتعليهم‌السلام ، ولعلّ مردّ هذا الاشتباه هو ظنّ الشيخ السماوي (ره) أنّ الذين كتب إليهم الإمام عليه‌السلام هم رؤساء الأخماس لا سواهم، وأنّهم الذين ذكرهم =

٣٦٢

فإذا كان جلُّ رؤساء الأخماس في البصرة وأشرافها بين متباعد عن أهل البيتعليهم‌السلام مجانب لهم، وبين متردّد متذبذب في حبّه إياهم وموقفه منهم، وبين مُتربّص خائن طامع في دنيا أعدائهم، فما هو السرّ في كتابة الإمامعليه‌السلام إلى مثل هؤلاء؟!

لعلّ مجموعة الأسباب التالية هي التي دعت الإمامعليه‌السلام إلى كتابة هذه الرسالة إلى رؤساء الأخماس والأشراف في البصرة:

أ - كانت مُخاطبة القبائل في ذلك الوقت لا تتمُّ ولا تُثمر، إلاّ من خلال رؤسائها وأشرافها؛ ذلك لأنّ أفراد كلِّ قبيلة كانوا لا يتجاوزون رؤساءهم وأشرافهم في اتِّخاذ أيِّ موقف وقرار، والمتأمّل في خطبة يزيد بن مسعود النهشلي في بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، وردّهم عليه يرى هذه الحقيقة واضحة جليّة.

ب - إلقاء الحجّة على جميع أهل البصرة، بما فيهم رؤساؤهم وأشراف

____________________

= الطبري فقط! والأمر ليس كذلك: أولاً:لأنّ عبارة الطبري صريحة في أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام بعث بنُسخ من رسالته إلى أشراف في البصرة ليسوا من رؤساء الأخماس؛ حيث قال: ( وكتب بنسخة إلى رؤوس الأخماس وإلى الأشراف... ) (تأريخ الطبري ٣: ٢٨٠). وثانياً:لأنّ يزيد بن مسعود النهشلي كان من أشراف البصرة وكبار وجهائها، وإن لم يكن من رؤساء الأخماس فيها، وقد ذكر مؤرّخون آخرون في غاية الاعتبار - كالسيّد ابن طاووس (ره) في كتابه (اللهوف: ١١٠) وابن نما (ره) في كتابه (مُثير الأحزان: ٢٧ - ٢٩) -: أنّ يزيد بن مسعود النهشلي ممّن كتب إليهم الإمام الحسين عليه‌السلام . وأمّا قول الشيخ السماوي (ره) في ترجمته للشهيد الحجّاج بن بدر التميمي السعدي: ( كان الحجّاج بصرياً من بني سعد بن تميم، جاء بكتاب مسعود بن عمرو إلى الحسين، فبقي معه وقُتل بين يديه ) (إبصار العين: ٢١٢) فناشئ من نفس هذا الاشتباه، ولا دليل عليه! بل كان الحجّاج هذارضي‌الله‌عنه رسول يزيد بن مسعود النهشلي على ما ذكره بعض أهل المقاتل، ولقد ذكر السماويّ نفسه هذا في (إبصار العين: ٢١٣).

٣٦٣

قبائلهم، خصوصاً وأنّ البصرة برغم سيطرة ابن زياد عليها - ما يزيد على خمس سنين حتى ذلك الوقت - لم تكن قد انغلقت لصالح الأُمويين كما هو حال مُدن الشام؛ إذ كان فيها أشراف ورؤساء يعرفون حقّانية أهل البيتعليهم‌السلام ، وأفئدتهم تهوي إليهم، كما كان في البصرة مُعارضة شيعية لها اجتماعاتها ومُنتدياتها السرّيّة.

إذن؛ ففي مُبادرة الإمامعليه‌السلام في الكتابة إلى كلّ هؤلاء، إلقاء للحجّة عليهم، وقطع العذر عليهم بالقول: إنَّهم لم ينصروا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّهم لم يعلموا بقيامه ونهضته.

ج - قد تُثمر رسالة الإمامعليه‌السلام صدّ المتردّد من الأشراف ورؤساء الأخماس عن الانضمام إلى أيّ فعل مُضادّ لحركة الإمامعليه‌السلام ، وقد يعتزل هو وكثير من أفراد قبيلته فلا ينصرون الحُكم الأُمويّ، وهذا على أيّة حال أفضل من اشتراكهم في القتال ضدّ الإمامعليه‌السلام .

د - من ثمرات هذه الرسالة إعلام البصريِّين الراغبين في نُصرتهعليه‌السلام بأمر نهضته، وتعبئتهم لذلك من خلال أشرافهم الموالين لأهل البيتعليهم‌السلام كمثل يزيد بن مسعود النهشلي وأمثاله.

٢) - في قصّة رسالة الإمام الحسينعليه‌السلام إلى رؤساء الأخماس في البصرة وإلى أشرافها، لم يوفّق أحدٌ منهم إلى الموقف المحمود، إلاّ يزيد بن مسعود النهشلي (ره)، الذي كشفت خطبته في بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، ورسالته إلى الإمامعليه‌السلام ، عن أنّه كان مؤمناً بمقام أهل البيتعليهم‌السلام عامة وبمقام الإمام الحسينعليه‌السلام خاصة، وكان عارفاً بحقّهم، ويكفيه مجداً وفخراً موقفه الرائع هذا، كما يكفيه سعادة دعاء الإمامعليه‌السلام له:( آمنك اللّه يوم الخوف، وأعزّك، وأرواك يوم العطش الأكبر! ) .

٣٦٤

لكنّ ممّا يؤسف له، أنّنا لم نعثر في كُتب التواريخ والتراجم على ما يزيدنا معرفة بهذا الرجل الشريف، الوجيه الماجد، عدا ما ورد في قصّة هذه الرسالة، وعدا أنّه أرسل جوابه إلى الإمامعليه‌السلام مع الحجّاج بن بدر التميمي السعديرضي‌الله‌عنه ، الذي أوصل الرسالة إلى الإمامعليه‌السلام بمكّة، وبقي معه ورافقه إلى كربلاء واستُشهد بين يديه يوم عاشوراء(١) .

٣) - قال يزيد بن مسعود النهشلي (ره) في خطبته: « إنّ معاوية مات، فأهْوِنْ به واللّه هالكاً ومفقوداً، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم... ».

والظاهر من طبيعة هذه العبائر، أنّ يزيد النهشلي (ره) كان يُقرّر لجموع بني تميم حقيقة مُسلَّمة عندهم وعند جميع أهل البصرة، في أنّهم كانوا قد عانوا الأمرّينَ من ظلم وجور ومآثم معاوية وولاته عليهم.

إنّ الكوارث التي أصابت البصريّين على يد ولاة الأُمويّين، لم تكن أقلّ من تلك التي أصابت الكوفة طيلة حوالي عشرين من السنوات العجاف، من بعد شهادة أمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام .

هذا سمرة بن جندب مثلاً(٢) ، كان « في زمن ولايته البصرة يخرج من داره مع

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ٢١٣ - ٢١٤.

(٢) سمرة بن جندب: روي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:( آخر أصحابي موتاً في النار! ) ، فبقي سمرة بن جندب - حليف الأنصار - بالبصرة، وأبو محذورة بمكّة، وكان سمرة يسأل مَن يقدم من الحجاز عن أبي محذورة، وكان أبو محذورة يسأل مَن يقدم من البصرة عن سمرة، حتى مات أبو محذورة قبله. (راجع: أنساب الأشراف ١: ٥٢٧)، وقال ابن الأثير: ( توفِّي سنة تسع وخمسين، بالبصرة، وسقط في قدر مملوءة ماءً حارّاً، كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز شديد أصابه، فسقط فيها فمات ) (أُسد الغابة ٢: ٣٥٥)، لكنّ ابن أبي الحديد قال: ( كان - أي سمرة بن جندب - من شرطة ابن زياد، وكان أيّام مسير الحسين عليه‌السلام إلى العراق يحرّض الناس على الخروج إلى قتاله) (شرح نهج البلاغة ٤: ٧٤)،=

٣٦٥

____________________

= وكذلك صرّح ابن قتيبة في كتاب (المعارف: ١٧٢) أنّ سمرة مات سنة بضع وستّين. وعليه، فلا يُلتفت إلى قول ابن الأثير: بأنّ سمرة هلك سنة تسع وخمسين بالبصرة.

لقد كان سمرة بن جندب من شرار مَن صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخدم طيلة حياته في خطِّ حركه النفاق، وكان لا يعبأ بالحرمات، ففي (الكافي ٨: ٣٢٢ ح ٥١٥) أنّه ضرب على رأس ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فشجّها! فخرجت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فشكته!وكان يُجاهر بمعصية الله ورسوله! ففي (التهذيب ٧: ١٤٧) عن زرارة، عن الإمام الباقر عليه‌السلام : أنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاريّ بباب البستان، وكان يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن! فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة! فجاء الأنصاري إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه فأخبره الخبر، فأرسل إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وخبّره بقول الأنصاري وقال: ( إذا أردتَ الدخول فاستأذن ) .

فأبى! فلمّا أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء، فأبى أن يبيعه!

فقال: ( لك بها عذقٌ مُذلَّلٌ في الجنّة ) . فأبى أن يقبل! فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري: ( اذهب فاقلعها وارمِ بها إليه، فإنّه لا ضرر ولا ضِرار ) .

وروى الطبري عن أبي سوار العدويّ قال: ( قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً قد جمع القرآن ) (تأريخ الطبري ٥: ٢٣٧).

وروى أيضاً عن عوف قال: ( أقبل سمرة من المدينة، فلمّا كان عند دور بني أسد، خرج رجل من بعض أزقّتهم ففاجأه أوّل الخيل، فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة! ثمّ مضت الخيل، فأتى عليه سمرة وهو مُتشحّطٌ بدمه فقال: ما هذا؟! فقيل: أصابته أوائل خيل الأمير. فقال: إذا سمعتم بنا ركبنا فاتّقوا أسنّتنا ) (تأريخ الطبري ٥: ٢٣٧).

وكان سمرة من المأجورين الذين استخدمهم معاوية للكذب على الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد روي أنّ معاوية بذل له مئة ألف درهم على أن يروي أنّ آية:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا - إلى قوله تعالى: -وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ) ، نزلت في عليّ عليه‌السلام ، وأنَّ آية( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) ، نزلت في ابن ملجم، فلم يقبل! فبذل له مئتي ألف فلم يقبل! فبذل ثلاثمئة ألف فلم يقبل! فبذل أربعمئة ألف فقبل! (راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي =

٣٦٦

خاصّته ركباناً بغارة، فلا يمرُّ بحيوان ولا طفل، ولا عاجز ولا غافل إلاّ سحقه هو وأصحابه بخيلهم! وهكذا إذا رجع! ولا يمرُّ عليه يوم يخرج به إلاّ وغادر به قتيلاً أو أكثر! »(١) ، و« قتل من أهل البصرة ثمانية آلاف رجل من الشيعة في ستّة أشهُر، وهي أيّام إمارته على البصرة! »(٢) .

ويروي الذهبي، عن عامر بن أبي عامر قال: « كنّا في مجلس يونس بن عبيد، فقالوا: ما في الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه - يعنون دار الإمارة - قُتل بها سبعون ألفاً!

فسألتُ يونس، فقال: نعم، من بين قتيل وقطيع!

قيل: مَن فعل ذلك؟!

قال: زياد وابنه وسمرة... »(٣) .

____________________

= الحديد ٤: ٧٣).

وعن الطبري: أنّ معاوية أقرّ سمرة بعد زياد ستّة أشهر ثمّ عزله، فقال سمرة: لعن الله معاوية! والله، لو أطعتُ الله كما أطعتُ معاوية ما عذّبني أبداً! (تأريخ الطبري ٥: ٢٣٧).

ومع كلّ هذا، فإن تعجب فعجبٌ قول الذهبي: ( إنّ سمرة من علماء الصحابة، له أحاديث صالحة!! )!! ولعلّ الذهبي قصد بها الأحاديث المكذوبة، التي اختلقها سمرة في ذمّ عليّ عليه‌السلام خدمة لحركة النفاق!

كما ينقل الذهبي عن ابن سيرين قوله: ( كان سمرة عظيم الأمانة صدوقاً!! ). ويقول الذهبي في قصّة هلاكه: ( إنّ سمرة استجمر، فغفل عن نفسه حتى احترق... فهذا إن صحّ فهو مُراد النبيّ، يعني نار الدنيا! ) (راجع: سير أعلام النبلاء ٣: ١٨٦).فالذهبي يأبى إلاّ أن يُحرّف صريح مراد قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( آخِر أصحابي موتاً في النار ) ؛ ليكون معناه: آخر أصحابي يموت احتراقاً بالنار!! تُرى، كم هو الفرق كبير وشاسع بين صريح مراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين مُدّعى هذا المذهوب بنور بصره وبصيرته؟!

(١) تنقيح المقال ٢: ٦٢.

(٢) تنقيح المقال ٢: ٦٩.

(٣) سير أعلام النبلاء ٣: ١٨٦.

٣٦٧

وروى الطبري، عن محمّد بن سليم قال: « سألتُ أنس بن سيرين: هل كان سمرة قتل أحداً؟

قال: وهل يُحصى مَن قتلهم سمرة؟! استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة، وقد قتل ثمانية آلاف من الناس! فقال له زياد: هل تخاف أن تكون قتلت أحداً بريئاً؟ قال: لو قتلت مثلهم ما خشيت! »(١) .

من هنا؛ يمكننا أن نستفيد بُعداً آخر ودافعاً جديداً، يُضاف إلى مجموعة الدوافع التي كانت من وراء كتابة الإمامعليه‌السلام رسالته إلى أهل البصرة، وهو أنّ أهل البصرة - كما أهل الكوفة - أَولى من غيرهم في مجال المبادرة إلى النهوض مع الإمامعليه‌السلام ، والجهاد بين يديه لإزالة الظلم والجور وإحقاق الحقّ؛ لأنّهم عانوا الأمرَّين من جور وظلم بني أميّة الذين قتلوا الآلاف منهم، ولعلّ يزيد بن مسعود النهشلي (ره) كان أيضاً قد أراد هذا المعنى، في مخاطبته بني تميم، حينما ابتدأ خطبته بتذكيرهم بهذه الحقيقة.

المؤتمر الشيعيّ السرّيُّ في البصرة:

روى الطبري، عن أبي مخارق الراسبي قال: « اجتمع ناسٌ من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس يقال لها: مارية(٢) ابنة سعد - أو - منقذ أيّاماً، وكانت

____________________

(١) تأريخ الطبري ٥: ٢٣٦.

(٢) قال المامقاني: ( مارية بنت منقذ أو سعيد العبدية: يُستفاد كونها إماميّة تقيّة، ممّا روي عن أبي جعفر عليه‌السلام من أنّها كانت تتشيّع، وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدّثون فيها... ) (تنقيح المقال ٣: ٨٢)، وعلّق على قوله التُّستري قائلاً: ( أقول: المصنّف رأى كلام بعضهم: أنّ أبا جعفر قال: مارية كانت تتشيَّع. فتوّهم أنَّ مراده بأبي جعفر أبو جعفر الباقر عليه‌السلام ، مع أنّ مراده أبو جعفر الطبري ). (قاموس الرجال ١١: ٣٥ / الطبعة الأُولى - مكتبة الصدوق)، وقال النمازى: (قيل: إنّ المراد بأبي جعفر: الطبري لا =

٣٦٨

تتشيّع، وكان منزلها لهم مألفاً يتحدّثون فيه!

وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين، فكتب إلى عامله بالبصرة أن يضع المناظر ويأخذ الطريق!

قال: فأجمع يزيد بن نبيط(١) الخروج وهو من عبد القيس إلى الحسين، وكان له بنون عشرة، فقال: أيّكم يخرج معي؟ فانتدب معه ابنان له: عبد الله وعبيد الله، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة: إنّي قد أزمعت على الخروج، وأنا خارج. فقالوا له: إنّا نخاف عليك أصحاب ابن زياد. فقال: إنّي - واللّه - لو قد استوت أخفافهما بالجُدد لهان عليَّ طلب مَن طلبني!

قال: ثمّ خرج فقويَ في الطريق حتّى انتهى إلى حسينعليه‌السلام فدخل في رحله بالأبطح... »(٢) .

إشارة:

شهدت البصرة في السرّ انعقاد هذا المؤتمر الشيعيّ فيها، في الأيام التي كانت تشهد أيضاً في العلانية تحرّكات رؤساء الأخماس والأشراف، على أثر وصول رسالة الإمامعليه‌السلام إليهم، وكان الفارق كبيراً جدّاً بين المشهدين؛

____________________

= أبو جعفر الإمام عليه‌السلام ). (مُستدركات علم الرجال ٨: ٥٩٨).

(١) يزيد بن نبيط العبدي: ذكره المحقّق السماوي (ره) في (إبصار العين: ١٩١) باسم يزيد بن ثبيط، وقال: ويمضي في بعض الكُتب: ثبيث ونبيط، وهما تصحيف. وهو مع ابنيه رضوان الله تعالى عليهم من شهداء الطفّ، وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة باسم: يزيد بن ثبيت، كما ورد السلام على ولديه فيها أيضاً، وسيأتي ذكرهم تحت عنوان (الملتحقون بالركب الحسيني في مكّة المكرّمة).

(٢) تأريخ الطبري ٣: ٢٧٨.

٣٦٩

ذلك لأنّها شهدت في تحرّكات الرؤساء والأشراف: تردّداً في نصرة الإمامعليه‌السلام ، وشهدت إعراضاً عنه، وخيانة وغدراً! اللّهمّ، إلاّ ما شهدته في تحرّك يزيد بن مسعود النهشلي (ره) من تحريك وتوجيه المشاعر القبلية - من خلال مزجها بمشاعر دينيّة - باتّجاه نصرة الإمامعليه‌السلام .

لكنّ ما شهدته البصرة في السرّ، كان شهوداً من نوع آخر!

إذ شهدت اجتماعاً استمرّ أيّاماً في السرّ، لم يقم على أساس الانتماء القبلي، فالمجتمعون كانوا من قبائل شتّى، بل قام على أساس الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام والبراءة من أعدائهم، وقد تذاكر فيه المجتمعون أمر الإمامة وما آلَ إليه الوضع الراهن يومذاك(١) ، وتداولوا ما يجب عليهم القيام به؛ أداءً للتكليف الديني « فأجمع رأي بعض على الخروج فخرج، وكتب بعض بطلب القدوم »(٢) ، وبالفعل فقد نتج عن هذا المؤتمر المبارك، أن انطلقت كوكبة كريمة من البصريين، برغم أعين الرصد وحواجز الحصار، تتجّه مسرعة إلى مكّة المكرّمة؛ لتلتحق بالركب الحسيني ولتفوز الفوز العظيم.

خمسمئة من البصريين في سفر ابن زياد إلى الكوفة!

روى الطبري، عن عيسى بن يزيد الكناني قال: « لما جاء كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد، انتخب من أهل البصرة خمسمئة، فيهم عبد الله بن الحارث بن

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ٢٥.

(٢) إبصار العين: ٢٥ / لكنّنا لم نعثر على أثر تاريخي يُفيد بأنّ بعض الشيعة في البصرة كتب إلى الإمام عليه‌السلام في مكّة، يطلب منه القدوم إلى العراق عامة أو البصرة خاصة، ولعلَّ الشيخ السماوي (ره) كان قد عثر على مثل هذا فقال به!

٣٧٠

نوفل(١) ، وشريك بن الأعور(٢) ، وكان شيعة لعليّ، فكان أوّل من سقط بالناس شريك، فيُقال: إنّه تساقط غمرة ومعه ناس، ثمَّ سقط عبد الله بن الحارث وسقط معه ناس، ورجَوا أن يلوي عليهم عبيد الله ويسبقه الحسين إلى الكوفة! فجعل لا يلتفت إلى مَن سقط، ويمضي حتّى ورد القادسية، وسقط مهران مولاه فقال: أيا

____________________

(١) عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلّب بن هاشم، القرشي الهاشمي، أبو محمد، لقبه: ببّه، وأمّه هند بنت أبي سفيان أخت معاوية... ولِد على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحنّكه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحوّل إلى البصرة، واصطلح عليه أهل البصرة بعد موت يزيد بن معاوية، فأقرّه عبد الله بن الزبير.

قال ابن حبان: توفِّي سنة تسع وسبعين، قتلته السَّموم، ودفن بالأبواء.

وقال محمد بن سعد: توفِّي بعمان سنة أربع وثمانين، عند انقضاء فتنة عبد الرحمان بن الأشعث، وكان خرج إليها هارباً من الحجّاج. (راجع: تهذيب الكمال ١٠: ٧٤)، و( كان رسول الحسن بن عليعليهم‌السلام من المدائن إلى معاوية... وكان من أفاضل المسلمين، تحوّل إلى البصرة فسكنها وبنى بها داراً، ولما كان أيّام مسعود بن عمرو وخرج عبيد الله عن البصرة، واختلف الناس بينهم، وأجمعوا أمرهم فولّوا عبد الله بن الحارث صلاتهم وفيأهم، وكتبوا بذلك إلى عبد الله بن الزبير، وقالوا: إنّا رضينا به.

فأقرّه ابن الزبير على البصرة، فلم يزل عاملاً عليها سنة، ثمّ عزله، وخرج عبد الله بن الحارث إلى عمان فمات بها... وكان ظاهر الصلاح، وله رضاً في العامة، وأراده أهل البصرة على التعسُّف لصلاح البلد، فعزل نفسه وقعد في منزله... (راجع: تاريخ بغداد ١: ٢١٢ وسير أعلام النبلاء ١: ٢٠١).

وقال المامقاني: ( وإن وثّقه الثلاثة - أي أبو موسى الأصفهاني، وابن منده، وابن عبد البرّ - إلاّ أنّ مبناهم في التوثيق غير معلوم، وبعد استفادة كونه إمامياً من ظاهر كلام الشيخ (الطوسي) نجعل توثيق الجماعة إيّاه مدحاً، مُدرجاً له في الحسان ). (راجع: تنقيح المقال ٢: ١٧٦).

وقال النمازي: ( أنفذه الحسن عليه‌السلام إلى معاوية، وحبسه ابن زياد مع المختار وميثم... جملة من رواياته المفيدة حسنة ). (مُستدركات علم الرجال ٤: ٥٠٨).

(٢) شريك بن الأعور: مرّت بنا ترجمة مُختصرة له في ص١٥٩.

٣٧١

مهران، على هذه الحال إن أمسكتَ عنك حتى تنظر إلى القصر فلكَ مئة ألف! قال: لا واللّه، ما استطيع.

فنزل عبيد اللّه، فأخرج ثياباً مُقطّعة من مُقطّعات اليمن، ثمّ اعتجر بمعجرة يمانية، فركب بغلته ثمّ انحدر راجلاً وحده... »(١) .

إشارة:

يبدو من ظاهر نصّ هذا الخبر، أنّ عدد الشيعة الذين صحبوا ابن زياد إلى الكوفة في هذا السفر لم يكن قليلاً - إن لم يكونوا هم الأكثر - فقد تساقط شريك الحارثي ومعه ناس! وكذلك تساقط عبد اللّه - يتأخّر - بن الحارث ومعه ناس! راجين أن يتأخّر ابن زياد لأجلهم، فلا يسبقُ الإمامعليه‌السلام في الوصول إلى الكوفة!

تُرى، هل كان هذا التساقط أفضل الوسائل لتعويق ابن زياد، ومنعه من دخول الكوفة قبل الإمامعليه‌السلام ؟! وإذا كان شريك ومَن معه من الشيعة، يعرفون الدور الخطير، الذي سيقوم به ابن زياد؛ لاستباق حركة الأحداث في الكوفة وإدارتها لصالح يزيد! أفلم يكن من الراجح أن يقتلوا ابن زياد بأيّة صورة، سرّاً أو علناً، وإن أدّى ذلك إلى قتل أحدهم أو جماعة منهم أو جميعهم بعد ذلك، ترجيحاً لمصلحة الإسلام العُليا؟!

أم إنَّنا هنا أيضاً أمام صورة أُخرى من صور الوهن والشلل النفسي، الذي أصاب الأمّة وتفشّى فيها، فأصاب هؤلاء أيضاً، فرأوا أنّ أقصى ما يمكنهم المبادرة إليه هو التساقط في الطريق فقط! مُتمنّين للإمامعليه‌السلام أن ينصره الله على أن لا تتعرّض دنياهم لأيّ ضرر أو خطر؟!

إنّنا لا نشكُّ في إخلاص شريك وأمثال شريك من شيعة عليّعليه‌السلام ، ولكنّنا

____________________

(١) تأريخ الطبري ٣: ٢٨١; وانظر: مقتل الحسين عليه‌السلام للمقرّم:١٤٩.

٣٧٢

نعجب من اقتصارهم على التفكير في التساقط فقط! وعدم تدبيرهم لخطّة يتخلّصون بها من ابن زياد، ويُخلّصون الأمّة منه في ثنايا الطريق من البصرة إلى الكوفة! وربّما كان قتل ابن زياد بتدبير خفيٍّ غامض في ليلة ظلماء في هذه الرحلة، أيسر بكثير - من حيث الاعتبارات العرفيّة والتبعات - من قتله في بيت هاني بن عروة، على ضوء الخطّة التي اقترحها شريك نفسه يومذاك!

نقول: هذا كلّه بحسب الموازين والحسابات الظاهرية، ونعلم أنّ إرادة الله وتقديراته شيء آخر!

الملتحقون بالركب الحسينيّ في مكّة المكرّمة:

التحق بالإمام الحسينعليه‌السلام في مكّة المكرّمة، مجموعة من أخيار هذه الأمّة وأبرارها، فانضمّوا إلى الركب الحسينيّ المتشكّل آنذاك ممّن كان قد قدم مع الإمامعليه‌السلام من المدينة المنوّرة، ومنهم مَن لازم الإمامعليه‌السلام حتّى استُشهد معه في كربلاء يوم عاشوراء، ومنهم مَن أرسله الإمامعليه‌السلام فقُتل أو عاد إليه، ويُمكننا أن نصنّفهم، حسب الأمكنة التي انطلقوا منها للالتحاق بالإمامعليه‌السلام في مكّة المكرّمة إلى:

١) - الملتحقون بهعليه‌السلام في مكّة من أهل المدينة.

٢) - الملتحقون بهعليه‌السلام في مكّة، ولم تُحدِّد التواريخ والتراجم أمكنة انطلاقهم.

٣) - الملتحقون بهعليه‌السلام في مكّة من أهل الكوفة.

٤) - الملتحقون بهعليه‌السلام في مكّة من أهل البصرة.

٣٧٣

١) - الملتحقون به عليه‌السلام في مكّة من أهل المدينة:

روى ابن عساكر قائلاً: « وبعث الحسين إلى المدينة، فقدم عليه مَن خفَّ معه من بني عبد المطلّب وهم تسعة عشر رجلاً، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم... »(١) .

ولا يخفى، أنّ متن هذه الرواية لا يُحدِّد لنا أسماء هؤلاء الملتحقين من بني هاشم! كما أنّه « لم يرد في الكُتب التاريخية ذكر تفصيليٌّ لأسماء الهاشميين في الركب الحسينيّ، القاصد من المدينة إلى مكّة المكرّمة، بل ورد في أغلب هذه الكُتب ذكر إجمالي لمن خرج من الهاشميين مع الإمامعليه‌السلام من المدينة... »(٢) .

ولذا؛ فقد يعسر تماماً على المتتبّع أن يُحدّد بدقّة كاملة أسماء جميع بني هاشم، الذين خرجوا مع الإمامعليه‌السلام من المدينة، فيعرف على ضوء هذا أسماء مَن التحقوا بهعليه‌السلام في مكّة.

ولذا؛ فالمسألة بهذا الصدد تبقى على إجمالها وإبهامها!

نعم، تُشير مجموعة من الدلائل التاريخية(٣) ، إلى أنّ الإمامعليه‌السلام كان قد خرج من المدينة المنوّرة بجميع أبنائه، وجميع أبناء أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام ، وجميع بقيّة إخوته لأبيه، عدا محمّد بن الحنفيّةرضي‌الله‌عنه ، وعدا عمر الأطراف، كما هو الظاهر من سيرته(٤) .

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام / تحقيق المحمودي): ٢٩٨ رقم ٢٥٦; وانظر: البداية والنهاية ٨: ١٧٨.

(٢) راجع: الجزء الأول من (الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة): ٤٠٤ - ٤٠٦.

(٣) راجع: الإرشاد: ٢٠١ والأخبار الطوال: ٢٢٨ والفتوح ٥: ٢١ وتاريخ الطبري ٣: ٢٧١.

(٤) راجع: قاموس الرجال ٨: ٢١٤ وانظر: تنقيح المقال ٢: ٣٤٦.

٣٧٤

وتُشير هذه الدلائل(١) أيضاً، إلى أنّ مسلم بن عقيلعليه‌السلام كان معه أيضاً في خروجه من المدينة. ومع هذا، فإنّ ذلك لا يُخرج القضية من الإجمال إلى التفصيل التام؛ ذلك لأنّنا مثلاً لا نستطيع القول - على ضوء ما عندنا من وثائق تاريخية - بالنسبة إلى آل عقيل الذين كانوا مع الإمامعليه‌السلام في مكّة: مَن منهم التحق به في مكّة، ومَن منهم جاء معه من المدينة.

نعم، تُفيد بعض المصادر التاريخية، أنّ ولدي عبد الله بن جعفر - عوناً ومحمّداً - كانا مع أبيهما في القدوم إلى مكّة للقاء الإمامعليه‌السلام ، ثمّ التحقا بالركب الحسيني أوائل خروجه من مكّة المكرّمة(٢) ، وتُفيد مصادر أُخرى، أنّ أباهما أرسلهما من المدينة إلى مكّة بكتاب إلى الإمامعليه‌السلام ، وفي مكّة التحقا بالإمامعليه‌السلام (٣) .

هذا غاية ما اتّضح لنا حول مَن التحق بالإمامعليه‌السلام في مكّة المكرّمة من بني هاشم. أمّا من غير بني هاشم، فلا نعلم أنّ أحداً التحق بالإمامعليه‌السلام في مكّة، قادماً إليه من المدينة المنوّرة، سوى ما نظنّه ظنّاً بالنسبة إلى جُنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري الخزرجيرضي‌الله‌عنه ، الذي التحق مع عائلته بالإمامعليه‌السلام في مكّة المكرّمة؛ ذلك لأنّنا لم نعثر في التواريخ على أنّه كان من سكنة مكّة، أو الكوفة، أو البصرة، أو حاضرة أُخرى من حواضر العالم الإسلامي آنذاك، وربّما كان مع عائلته من المعتمرين، أو ممّن أراد الحجّ سنة ستّين للهجرة، فالتحق بالإمامعليه‌السلام في مكّة وصحبه إلى كربلاء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عبد الرحمان بن عبد ربّ الأنصاري الخزرجيرضي‌الله‌عنه ، لكنّنا صنّفناهما مع عمّار بن حسّان الطائيرضي‌الله‌عنه تحت

____________________

(١) راجع: الإرشاد: ٢٠٢ / مُحاورته عليه‌السلام مع مسلم في إصراره عليه‌السلام على سلوك الطريق الأعظم.

(٢) راجع: الإرشاد: ٢١٩ وتأريخ الطبري ٣: ٢٩٧

(٣) راجع: الفتوح: ٥: ٧٥ ومقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي ١: ٣١١.

٣٧٥

العنوان التالي، مع أنَّنا نظنّ ظنّاً قوّياً أيضاً، أنّ عمّار بن حسّان الطائيرضي‌الله‌عنه كان من سكنة الكوفة.

٢) - الملتحقون به عليه‌السلام في مكّة ولم تُحدّد التواريخ والتراجم أمكنة انطلاقهم:

* جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاريّ الخزرجي رضي‌الله‌عنه : قال المحقّق السماوي (ره): « كان جنادة ممّن صحب الحسينعليه‌السلام من مكّة، وجاء معه هو وأهله، فلمّا كان يوم الطفّ تقدّم إلى القتال فقُتل في الحملة الأُولى »(١) .

وذكرته بعض المصادر التاريخية باسم «جنادة بن الحارث الأنصاري»(٢) ، كما ذكرت ابنه الذي استُشهد بعده في الطفّ باسم «عمرو بن جنادة».

أمّا السماويّ (ره) فقد ذكر ابنه باسم «عمر بن جنادة»(٣) .

لكنّ السماوي (ره) لما ذكر أسماء أنصار الإمامعليه‌السلام الذين التحقوا بالإمامعليه‌السلام مع عوائلهم، ذكر جنادة هذا باسم «جنادة بن الحرث السلماني»(٤) .

ويرى النمازي اتِّحاد جنادة بن الحرث الأنصاري، مع جنادة بن كعب بن الحارث الأنصاري، ويراه غير جنادة بن الحارث السلماني الأزدي، الذي عدّه المامقاني من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولم يجد النمازي في زيارة الناحية المقدّسة أو في الرجبية ذكراً لاسم جنادة - خلافاً لما قال المامقانيّ(٥) -

____________________

(١) إبصار العين:١٥٨.

(٢) مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٥ ومناقب آل أبي طالب ٤: ١٠٤.

(٣) إبصار العين: ١٥٩.

(٤) إبصار العين: ٢٢٠ / (الفائدة الثالثة).

(٥) قال المامقاني: ( وسلّم الحجّة عليه‌السلام عليه بقوله:( السلام على جنادة بن كعب بن الحارث =

٣٧٦

بل وجد في الموضعين: السلام على حيّان بن الحارث السلماني الأزدي(١) ، وهذا هو الوارد في متن الزيارتين بالفعل(٢) .

وروي في بعض الكُتب، أنّ جُنادةرضي‌الله‌عنه قُتل بين يدي الإمامعليه‌السلام في الحملة الأُولى(٣) ، كما روي في بعض كُتب المقاتل هكذا: « ثُمّ خرج من بعده - أي بعد نافع بن هلالرضي‌الله‌عنه - جنادة بن الحرث الأنصاري وهو يقول:

أنـا جـنادة أنـا ابن الحارث

لـسـتُ بـخوّار ولا بـناكثِ

عـن بيعتي حتى يقوم وارثي

من فوق شلْو في الصعيد ماكثِ

فحمل، ولم يزل يُقاتل حتى قُتل.

ثمّ خرج من بعده عمرو بن جنادة، وهو يُنشد ويقول:

أضِقْ الخناق من ابن هند وارمه

فـي عـقره بفوارس الأنصار

ومُـهاجرين مُخضّبين رماحهم

تـحت الـعجاجة من دم الكفّار

خـضبت على عهد النبيّ محمّد

فـاليوم تُـخضب من دم الفُجّار

واليوم تُخضب من دماء معاشر

رفضوا القُران لنُصرة الأشرار

طـلبوا بـثأرهم بـبدر وانثنوا

بـالمرهفات وبـالقنا الـخَطّار

والـلّهِ ربِّـي لا أزال مُضارباً

لـلـفاسقين بـمـرهف بـتَّار

هـذا عـليَّ الـيوم حقٌّ واجب

فـي كـلّ يـوم تعانقٍ وحوارِ

____________________

=الأنصاري وابنه عمرو بن جنادة ) . (تنقيح المقال ١: ٢٣٤).

(١) راجع: مُستدركات علم الرجال ٢: ٢٣٩.

(٢) راجع: الإقبال ٣: ٧٩ وعنه البحار ٩٨: ٢٧٣.

(٣) إبصار العين: ١٥٨.

٣٧٧

ثُمَّ حمل فقاتل حتى قُتل »(١) .

وقال السيد المقرّم (ره): « وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري، بعد أن قُتل أبوه، وهو ابن إحدى عشرة سنة، يستأذن الحسين فأبى وقال:( هذا غلامٌ قُتِل أبوه في الحملة الأُولى، ولعلّ أُمّه تكره ذلك ) . قال الغلام: إنّ أمّي أمرتني! فأذن له، فما أسرع أن قُتِل ورُمي برأسه إلى جهة الحسينعليه‌السلام ، فأخذته أمّه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلاً قريباً منها فمات! وعادت إلى المخيّم فأخذت عموداً وقيل سيفاً وأنشأت:

أنا عجوز في النسا ضعيفة

خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة

فردّها الحسين إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجُلين »(٢) .

ولعلّ عمرو بن جنادة هو الشابّ المقصود في الرواية التالية - لمشتركاتها الكثيرة مع الرواية السابقة - تقول هذه الرواية: « ثمّ خرج شابّ قُتِل أبوه في المعركة، وكانت أمّه معه، فقالت له أمّه: اُخْرُج يا بُنيَّ وقاتل بين يدي ابن رسول الله! فخرج، فقال الحسينعليه‌السلام :( هذا شابٌّ قُتل أبوه، ولعلَّ أمّه تكره خروجه ) . فقال الشابّ: أمّي أمرتني بذلك! فبرز وهو يقول:

أمـيري حسينٌ ونِعم الأمير

سـرور فؤاد البشير النذير

عـلـيٌّ وفـاطمةٌ والـداه

فـهل تعلمون له من نظير

له طلعةٌ مثل شمس الضحى

لـه غُـرّة مـثل بدر مُنير

وقاتل حتّى قُتِل، وجُزَّ رأسه ورُمي به إلى عسكر الحسينعليه‌السلام ، فحملت أمّه رأسه وقالت: أحسنتَ يا بُنيَّ! يا سرور قلبي ويا قُرّة عيني. ثُمَّ رمت برأس ابنها

____________________

(١) مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٥ وانظر البحار ٤٥: ٢٨ عن مناقب آل آبي طالب ٤: ١٠٤.

(٢) مقتل الحسين عليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٣.

٣٧٨

رجُلاً فقتلته، وأخذت عمود خيمة، وحملت عليهم وهي تقول:

أنا عجوزٌ سيّدي ضعيفة

خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة

وضربت رجُلين فقتلتهما!

فأمر الحسينعليه‌السلام بصرفها، ودعا لها »(١) .

* عبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاري الخزرجي رضي‌الله‌عنه : قال المحقّق السماوي (ره): « كان صحابياً، له ترجمة ورواية، وكان من مُخلصي أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام . قال ابن عقدة: حدّثنا محمد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي، عن محمّد بن جعفر النميري، عن عليّ بن الحسن العبدي، عن الأصبغ بن نباتة، قال: نشد عليٌّعليه‌السلام الناس في الرحبة:( مَن سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم غدير خمٍّ ما قال إلاّ قام، ولا يقوم إلاّ مَن سمع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ) . فقام بضعة عشر رجلاً، فيهم أبو أيّوب الأنصاري، وأبو عمرة بن عمرو بن محصن، وأبو زينب، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبد الله بن ثابت، وحبشي بن جنادة السلولي، وعبيد بن عازب، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فضالة الأنصاري، وعبد الرحمان بن عبد ربّ الأنصاري، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( ألا إنّ اللّه عزّ وجلّ وليِّي، وأنا وليّ المؤمنين، ألا فمَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ، والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه، وأحبّ مَن أحبّه وابغض مَن أبغضه، وأعِنْ مَن أعانه ) (٢) .

وقال صاحب الحدائق: وكان عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام هو الذي علّم

____________________

(١) البحار ٤٥: ٢٧ - ٢٨، وانظر: مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٥ - ٢٦، ومناقب آل أبي طالب ٤: ١٠٤.

(٢) إبصار العين: ١٥٧ - ١٥٨.

٣٧٩

عبد الرحمن هذا القرآن وربّاه(١) .

وكان عبد الرحمان جاء مع الإمام الحسينعليه‌السلام فيمَن جاء معه من مكّة، وقُتل بين يديه في الحملة الأُولى(٢) .

* عمّار بن حسّان الطائي رضي‌الله‌عنه : قال المامقاني (ره): « هو عمّار بن حسّان بن شريح، قال علماء السير: إنّه كان من الشيعة المخلصين في الولاء، ومن الشجعان المعروفين، صحب الحسينعليه‌السلام من مكّة، ولازمه حتى أتى كربلاء، فلمّا شبّ القيام يوم الطفّ تقدّم واستُشهد بين يديه رضوان الله عليه، ومع شرف الشهادة، نال شرف تخصيصه بالسلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة »(٣) .

وقال المحقّق السماويّ (ره): « كان عمّار من الشيعة المخلصين في الولاء، ومن الشجعان المعروفين، وكان أبوه حسّان ممَّن صحب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقاتل بين يديه في حرب الجَمل، وصِفِّين، فقُتل بها، وكان عمّار صحب الحسينعليه‌السلام من مكّة ولازمه حتى قُتل بين يديه. قال السروي: قُتل في الحملة الأُولى(٤) .

وورد السلام على عمّار في زيارة الناحية المقدّسة هكذا:( السلام على عمّار

____________________

(١) راجع: الحدائق الورديّة: ١٢٢، وانظر: تنقيح المقال ٢: ١٤٥، ومُستدركات علم الرجال ٤: ٤٠٤ وقاموس الرجال: ٦: ١١٩، والإصابة ٣: ٣٠٧.

(٢) إبصار العين: ١٥٨ /، وقال السماوي (ره): ومن أحفاد عمّار: عبد الله بن أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن عمّار هذا، أحد علمائنا ورواتنا، صاحب كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، يرويها عن أبيه عن الرضا عليه‌السلام . (إبصار العين: ١٩٧ - ١٩٨).

(٣) تنقيح المقال ٢: ٣١٧.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤: ١١٣.

٣٨٠