أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم20%

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 182

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 182 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73410 / تحميل: 9093
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

يبغضني إلاّ منافق ولا يُحبّني إلاّ مؤمن .(١)

و قد أعرب عن ذلك الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام في خطبته في جامع دمشق ، عند ما صعد المنبر وعرَّف نفسه فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، ثمّ قال :

( أيّها الناس ! أُعطينا ستّاً وفُضِّلنا بسبع ، أعطينا : العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبّة في قلوب المؤمنين ) .(٢)

ولا عجب في أنّه تبارك وتعالى سمّاهم كوثراً ، أي الخير الكثير ، وقال :(  إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثر   ) قال الرازي : الكوثر أولاده ؛ لأنّ هذه السورة إنّما نزلت على مَن عابهعليه‌السلام بعدم الأولاد ، فالمعنى : أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان فانظر كم قتل من أهل البيتعليهم‌السلام والعالم ممتلئ منهم ولم يبقَ من بني أُمية في الدنيا أحد يعبأ به ، ثمّ انظر كم كان فيها من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام .(٣)

إنّ محبّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام لم تكن محبّة نابعة من حبّه لنسَبه ، بل كان واقفاً على ما يبلغ إليه ولده الحسينعليه‌السلام في الفضل والكمال والشهادة في سبيله ، ونجاة الأمّة من مخالب الظلم ، والثورة على الظلم والطغيان وهناك كلام للعلاّمة المجلسي يقول :

إنّ محبّة المقرّبين لأولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليست من جهة الدواعي

____________________

١ - بحار الأنوار : ٤٥ / ١٣٨ .

٢ - تفسير الفخر الرازي :٣٢ / ١٢٤ .

٣ - تفسير الفخر الرازي : ٣٢ / ١٢٤ .

١٠١

النفسانية والشهوات البشرية ، بل تجرّدوا عن جميع ذلك وأخلصوا حُبَّهم ، ووُدَّهم للّه وحُبّهم لغير اللّه إنّما يرجع إلى حبّهم له ، ولذا لم يحبّ يعقوب من سائر أولاده مثل ما أحبّ يوسفعليه‌السلام منهم ، ولجهلهم بسبب حبّه له نسبوه إلى الضلال ، وقالوا : نحن عصبة ، ونحن أحقّ بأن نكون محبوبين له ؛ لأنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أُمور الدنيا ، ففرط حبّه يوسف إنّما كان لحبّ اللّه تعالى له واصطفائه إيّاه ؛ فمحبوب المحبوب محبوبٌ .(١)

____________________

١ - سفينة البحار : ١ / ٤٩٦ ، مادة حبب .

١٠٢

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٣ - استجابة دعائهمعليهم‌السلام

الابتهال إلى اللّه وطلب الخير منه وطلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب أمر مرغوب ، يقوم به الإنسان تارة بنفسه ، وأُخرى يتوصّل إليه بدعاء الغير .

واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب والوصول إليه سبحانه ، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه :(  أُدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ   ) (١) ، وليس كلّ دعاء مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه ؛ فإنّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الإنسان العادي .

نعم ، هناك أُناس مطهّرون من الذنوب يكون دعاؤهم صاعداً إلى اللّه سبحانه ومستجاباً قطعاً ، ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب الاستغفار منه ، قال سبحانه :(  وَلَو أنّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أنفسهُمْ جاءُوكَ فاستغْفروا اللّه وَاسْتَغْفر لَهُمُ الرَّسُول لَوَجدوا اللّه تَوّاباً رَحيماً   ) .(٢)

وقال سبحانه :(  وَإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغْفِر لَكُمْ رَسُول اللّه لَوّوا رُؤوسهُمْ

____________________

١ - غافر : ٦٠ .

٢ - آل عمران : ٦٥ .

١٠٣

وَرأيتهم يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) (١)

ولذلك طلب أبناء يعقوب أباهم أن يستغفر في حقّهم :(  قالُوا يا أَبانا استَغْفِر لَنا ذُنُوبنا إنّا كُنّا خاطِئين   ) .(٢)

ويظهر ممّا جرى بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفد نجران من المحاجَّة والمباهلة أنّ أهل البيت إذ أمَّنوا لدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُستجاب دعاءه ، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة ، فحاجَّهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة : (  إِنَّ مَثل عيسى عِنْد َاللّه كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُون   ) .(٣)

فقد قارعهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية ، حيث كانوا نصارى نجران يحتجّون ببنوة المسيح بولادته بلا أبٍ ، فوافاهم الجواب : ( بأنّ مثل المسيح كمثل آدم ، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن ابناً للّه سبحانه ) وأولى منه أن لا يكون المسيح ابناً له .

ولمّا أُفحموا في المحاجّة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة ، وهي وإن كانت دائرة بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجال النصارى ، لكن عمَّت الدعوة للأبناء والنساء ، ليكون أولى على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ ؛ وذلك لما أودع اللّه سبحانه في قلب الإنسان من محبّة الأولاد والشفقة عليهم ، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الأهوال والأخطار دونهم ، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الأبناء على النساء ، وقال :(  فَمَنْ حاجّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكََ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءُكُمْ وَنساءَنا ونساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنُفسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَة اللّه

____________________

١ - المنافقون : ٥ .

٢ - يوسف : ٩٧ .

٣ - آل عمران : ٥٩ .

١٠٤

عَلى الكاذِبين ) .

وحيث إنّه سبحانه أتى بلفظ الأبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده ، بل أبناؤه ونساؤه ، ولذلك عدَّدتهم الآية ، نفس النبيّ ، ونساء النبيّ ، وأبناءه ، من بين رجال الأمّة ونسائهم وأبنائهم .

ثمّ إنّ المفسّرين قد ساقوا قصّة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشّاف ، قال : لما دعاهم إلى المباهلة ، قالوا : حتى نرجع وننظر ، فلّما تخالوا قالوا للعاقب ، وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال : واللّه لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، واللّه ما باهل قوم نبياً قط ، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ! ولئن فعلتم لتهلكنّ ، فإن أبيتم إلا إلفَ دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم .

فأتوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد غدا محتضناً الحسين ، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه ، وعليّ خلفها ، وهو يقول :( إذا أنا دعوت فأمَّنوا ) .

فقال أُسقف نجران : يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يُزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها !! فلا تباهلوا فتُهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك ، وأن نقرّك على دينك ، ونثبت على ديننا قال :( فإذا أبيتم المباهلة ، فأسلموا ، يكن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم ) .

١٠٥

فأبوا ، قال :( فانّي أُناجزكم ) ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ، ولا تخيفنا ، ولا تردُّنا عن ديننا ، على أن نؤدي إليك كلّ عام ألفي حلّة ، ألف في صَفر ، وألف في رجب ، وثلاثين درعاً عادية من حديد ، فصالحهم على ذلك .

وقال : ( والذي نفسي بيده : إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمُسِخوا قِرَدة وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولمَا حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا ) .

وعن عائشة : أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فأدخله ، ثمّ فاطمة ، ثمّ علي ، ثمّ قال : (  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ   ) .(١)

الشاهد على استجابة دعائهم أمران :

أ - قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أنا دعوت فأمّنوا ، فكان دعاء النبيّ يصعد بتأمينهم ، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاعداً بفضل دعائهم .

ب - قول أُسقف نجران : ( إنّي لأرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ) والضمير يرجع إلى الوجوه ، أي لأزاله بدعائهم ولأزاله بالقسم على اللّه بهم ، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في ( العمدة ) ، حيث قال : المباهلة بهم تصدّق دعوى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على اللّه بهم .(٢)

____________________

١ - الزمخشري : الكشاف : ١ / ٣٢٦- ٣٢٧ ، ط عام ١٣٦٧هـ .

٢ - العمدة : ٢٤٣ .

١٠٦

وقد تركت مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين ، يشهد بها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ،عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ، فقال : ما يمنعك أن تسبَّ أبا تراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلن أسبَّه ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم .

سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي :يا رسول اللّه ، خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي ؟

و سمعته يوم خيبر ، يقول : لأُعطين الراية رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله .

قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليّا ، فأُتي به أرمد العين ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح اللّه على يديه .

ولما نزلت هذه الآية :(  فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ   ) دعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسينا ، وقال :اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي . (١)

____________________

١ - صحيح مسلم : ٧ / ١٢٠ ، باب فضائل علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

١٠٧

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٤ - ابتغاء مرضاة اللّه تعالى

الإنسان الكامل هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلاّ لابتغاء مرضاة اللّه تبارك وتعالى ، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلى مكان تفنى فيه كلّ الدوافع والحوافز إلاّ داع واحد ، وهو طلب رضا اللّه تبارك وتعالى ، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الإنساني ، وربَّما يبلغ الإنسان في ظلّ الرضا درجة لا يتمنّى وقوع ما لم يقع ، وعدم ما وقع ، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته :

وبهجة بما قضى اللّه رضا

وذو الرضا بما قضى ما اعترضا

أعظم باب اللّه ، الرضا وُعي(١)

وخازن الجنّة رضواناً دُعي

فقرا على الغنى صبورٌ ارتضى

وذان سيّان لصاحب الرضا

عن عارف عمّر سبعين سنة

إن لم يقل رأساً لأشيا كائنة

يا ليت لم تقع ، ولا لما ارتفع

مماّ هو المرغوب ليته وقع(٢)

____________________

١ - إشارة إلى ما روي أنّ الرضا باب اللّه الأعظم .

٢ - شرح منظومة السبزواري : ٣٥٢ .

١٠٨

وممَّن يمثل ذلك المقام في الأمّة الإسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو في عامة مواقفه في جهاده ونضاله ، وعزلته وقعوده في بيته ، وفي تسنّمه على منصَّة الخلافة بإصرار من الأمّة ، فهو في كلّ هذه الأحوال والمواقف ، لا همّ له إلاّ طلب رضوانه تعالى

و قد صرح الإمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة ، فقال : ( أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارُّوا على كظّة ظالم ، ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ ) .(١)

وقد تجلّت هذه الخصلة في عليّعليه‌السلام حين مبيته في فراش النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى المحدّثون أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد الهجرة خلّف عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بمكّة لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له :يا عليّ ، اتَّشح ببردي الحضرمي الأخضر ، ثمّ نم على فراشي ، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه ، إن شاء اللّه عزّ وجلّ .

ففعل ذلكعليه‌السلام فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى جبرئيل وميكائيلعليهما‌السلام : إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ، فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليهما : ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه ، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه .

____________________

١ - نهج البلاغة : الخطبة ٣ .

١٠٩

فقال جبرئيل :بخٍ بخٍ مَن مثلك يا بن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة ؟! فأنزل اللّه تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متوجِّه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالبعليه‌السلام :(  وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّه ) (١)

وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ عليّعليه‌السلام .

وقال ابن عبّاس : أنشدني أمير المؤمنين شعراً قاله في تلك الليلة :

وقيت بنفسي من وطىَ الحصى

وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر

وبتَّ أراعي منهم ما يسوءني

وقد صَّبرت نفسي على القتل والأسر

وبات رسول اللّه في الغار آمناً

ومازال في حفظ الإله وفي الستر(٢)

وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسّان بن ثابت في شعره عند مدح عليّعليه‌السلام :

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعا

وأسرّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمد أسرى يوَم الغارا

من كان في القرآن سمّي

في تسع آيات تلين غزارا(٣)

محاولة طمس الحقيقة لولا !

إنّ عظمة هذه الفضيلة وأهمية هذا العمل التضحويّ العظيم دفعت بكبار علماء الإسلام إلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الإمام عليّعليه‌السلام وإلى أن

____________________

١ - البقرة : ٢٠٧ .

٢ - شواهد التنزيل : ١ / ١٣٠ أُسد الغابة : ٤ / ٢٥ .

٣ - سبط ابن الجوزى : تذكرة الخواصّ : ٢٥ ، ط عام ١٤٠١هـ .

١١٠

يَصِفُوا بها علياً بالفداء والبذل والإيثار ، وإلى أن يعتبروا نزول الآية المذكورة في شأنه من المسلّمات ، كلّما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ إليها .(١)

إنّ هذه الحقيقة ممّا لا ينسى أبداً ، فانّه من الممكن إخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إلاّ أنّه سرعان ما تمزّق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجبَ الأوهام ، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم .

إنّ معاداة معاوية لأهل بيت النبوة وبخاصة للإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ممّا لا يمكن النقاش فيه .

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلوّث صفحات التاريخ اللامعة ويخفي حقائقه بوضع الأكاذيب ، ولكنّه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً .

فقد عمد (سمرة بن جندب ) الذي أدرك عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ انضمّ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بلاط معاوية بالشام ، عمد إلى تحريف الحقائق لغاية أموال أخذها من الجهاز الأموي ، الحاقد على أهل البيت .

فقد طلب منه معاوية بإصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن عليّعليه‌السلام ، ويقول للناس أنّها نزلت في حقّ قاتل عليّ ( أي : عبد الرحمن بن ملجم المرادي) ، ويأخذ في مقابل هذه الأكذوبة الكبرى ، وهذا الاختلاق الفضيع الذي أهلك به دينه ، مئة ألف درهم .

فلم يقبل (سمرة) بهذا المقدار ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ أربعمئة ألف درهم ، فقبل الرجل بذلك ، فقام بتحريف الحقائق الثابتة ، مسوَّداً

____________________

١ - الغدير : ٢ / ٤٨ .

١١١

بذلك صفحته السوداء أكثر من ذي قبل ، وذلك عندما رقى المنبر وفعل ما طلب منه معاوية .(١)

وقبل السامعون البسطاء قوله ، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً أنّ (عبد الرحمن بن ملجم) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك فكيف يصحّ ؟!

ولكن الحقيقة لا يمكن أن تخفى بمثل هذه الحجب الواهية ، ولا يمكن أن تُنسى بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة .

فقد زالت حكومة معاوية وزال معها أعوانها ، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهدها المشئوم ، وطلعت شمس الحقيقة من وراء حُجبُ الجهل والافتراء مرّة أُخرى ، واعترف أغلبُ المفسّرين الأجلّة والمحدّثين الأفاضل - في العصور والأدوار المختلفة - بأنّ الآية المذكورة نزلت في ( ليلة المبيت ) في بذل عليّعليه‌السلام ومفاداته النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه .

____________________

١ - لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٧٣ .

١١٢

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٥ - الإيثار

إنّه سبحانه تبارك وتعالى وصف الإيثار في كتابه الكريم وهو من صفات الكرام حيث يقدِّمون الغير على أنفسهم ، يقول سبحانه في وصف الأنصار :(  وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ   ) .(١)

كما أنّه سبحانه أمر بالوفاء بالنذر ، قال سبحانه :(  ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نذرٍ فَإنَّ اللّهَ يعلمهُ   ) (٢) ، وقال سبحانه :(  ثُمَّ لْيقضُوا تَفثهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورهُمْ   ) (٣)

وفي الوقت نفسه ندب إلى الخوف من عذابه يقول سبحانه :(  يَخافُونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوب وَالأبْصار   ) (٤) ، وقال سبحانه :(  وَالّذِينَ يصلُونَ ما أَمَر اللّه بهِ

١ - الحشر :٩ .

٢ - البقرة : ٢٧٠ .

٣ - الحجّ : ٢٩ .

٤ - النور : ٣٧ .

١١٣

أَنْ يُوصل وَيَخشونَ ربّهم ويخافُونَ سُوء الحِساب   ) .(٥)

ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلّى بها أولياؤه سبحانه ، ونجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيتعليهم‌السلام في سورة واحدة ، يقول سبحانه :

(  يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً * وَيطعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسيراًً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّه لا نُريدُ مِنْكُمْ جزاءً وَلا شكوراً * إِنَّا نَخاف مِنْ رَبِّنا يَوماً عَبُوساً قَمْطَريراً   ) .(١)

فقوله سبحانه : (  ويُطْعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّه   ) إشارة إلى إيثارهم الغير على أنفسهم ، والضمير في(  عَلى حُبِّهِ   ) يرجع إلى الطعام ، أي إنّهم مع حبّهم للطعام قدَّموا المسكين على أنفسهم ، كما أنّ قوله :(  يُوفُونَ بِالنَّذْر   ) إشارة إلى صلابتهم في طريق إقامة الفرائض .

ثمّ قوله :(  وَيَخافُونَ يَوماً   ) إشارة إلى خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة .

وقد نقل أكثر المفسّرين - لو لم نقل كلّهم - أنّ الآيات نزلت في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام

رُوي عن ابن عبّاس (رض) : أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام مرضا فعادهما رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أُناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة جارية لهما : إن شفاهما اللّه تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا وما معهم

١ - الرعد : ٢١

٢ - الإنسان : ٧ - ١٠ .

١١٤

شيء ، فاستقرض عليعليه‌السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنّة ، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صائمين فلماّ أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه وجاءهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك .

فلما أصبحوا أخذ عليّعليه‌السلام بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام و دخلوا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلماّ أبصرهم ، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، قال :ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك .

فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال :خذها يا محمّد هنّأك اللّهُ في أهل بيتك ، فاقرأها السورة .(١)

روى السيوطي في الدر المنثور ، وقال : اخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله :(  وَيطعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّهِ   ) الآية ، قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .(٢)

ورواه الثعلبي في تفسيره ، وقال : نزلت في عليّ بن أبي طالب و فاطمةعليهما‌السلام وفي جاريتهما فضّة ، ثمّ ذكر القصّة على النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة .

وقال : وذهب محمّد بن علي ، صاحب الغزالي ، على ما ذكره الثعلبي في كتابه

١ - الكشّاف : ٣ / ٢٩٧ تفسير الفخر الرازي : ٣٠ / ٢٤٤ .

٢ - الدر المنثور :٨ / ٣٧١ ، تفسير سورة الإنسان .

١١٥

المعروف ب- (البلغة ) أنّهمعليهم‌السلام نزلتعليهم‌السلام مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام ، وحديث المائدة ونزولها عليهم في جواب ذلك مذكور في سائر الكتب .(١)

وقد سرد سبب نزول هذه الآية في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام غير واحد من أئمّة الحديث .(٢)

١ - ابن البطريق : العمدة : ٢ / ٤٠٧ - ٤١٠ .

٢ - شواهد التنزيل للحافظ الحاكم الحَسَكاني :٢ / ٤٠٥ - ٤٠٨ أُسد الغابة : ٥ / ٥٣٠ مناقب ابن المغازلي : ٢٧٢ .

١١٦

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٦ - هم خير البريّة

إنّ خير الناس في منطق القرآن الكريم من آمن باللّه ورسوله وعرف خالقه ومنعمه ، وقد قال سبحانه :(  لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وََالمَلائِكَةِ وَالكِتابِ وَالنَّبِيّينَ وَآتَى المالَ عَلى حُبّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتامَى وَالْمَساكينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسّائلينَ وَفِي الرِّقابِ و أقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عَاهَدُوا وَالصَّابِرينَ فِي البَأْساءِ والضَّرّاءِ وحِينَ البَأْس أُولئكَ الّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ الْمُتَّقُون   ) .(١)

وهذه الصفات المذكورة في الآية تجدها ، متمثّلة في أهل البيتعليهم‌السلام شهد على ذلك سيرتهم ، ولذلك صاروا خير البرية

أخرج الطبري في تفسير قوله سبحانه :(  إِنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة   ) (٢) ، بإسناده عن أبي الجارود ،عن محمّد بن علي ، قال :

١ - البقرة : ١٧٧ .

٢ - البيّنة : ٧ .

١١٧

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(أنت يا عليّ وشيعتك) .(١)

روى الخوارزمي عن جابر قال : كنّا عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل عليّ بن أبي طالب ، فقال رسول اللّه :( قد أتاكم أخي ) ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثمّ قال :( والذي نفسي بيده ! إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ) ، ثمّ قال :( إنّه أوّلكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد اللّه ، وأقومكم بأمر اللّه ، وأعدلكم في الرعيّة ، وأقسمكم بالسوّية ، وأعظمكم عند اللّه مزيّة ) ، قال : وفي ذلك الوقت نزلت فيه :(  إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحات أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة   ) ، وكان أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبل عليّ ، قالوا : قد جاء خير البرية .(٢)

وروى أيضاً من طريق الحافظ ابن مردويه ، عن يزيد بن شراحيل الأنصاري ، كاتب عليّعليه‌السلام ، قال سمعت عليّاً ، يقول :( حدَّثني رسول اللّه وأنا مُسْنده إلى صدري ، فقال : أي عليّ ! ألم تسمع قول اللّه تعالى : (  إِنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات أُولئكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة   ) ؟! أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض ، إذا جاءت الأمم للحساب تُدعون غرّاً محجّلين ) (٣)

وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله عن ابن عبّاس ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام :( أنت و شيعتك ، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيّين ، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين ) .(٤)

١ - تفسير الطبري :٣٠ / ١٤٦ .

٢ - المناقب للخوارزمي : ٦٦ .

٣ - المناقب للخوارزمي :١٧٨ .

٤ - الفصول : ١٢٢ .

١١٨

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٧ - أهل البيتعليهم‌السلام ورثة الكتاب

اختلفت الأمة الإسلامية بعد رحيل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الخلافة - وإن كان اللائق بها عدم الاختلاف فيها ؛ للنصوص الصحيحة الصادرة عنه في مختلف الموارد - وقد استقصينا البحث فيها في مبحث الإمامة من هذا الجزء .

والذي نركِّز عليه في هذا البحث هو تبيين المرجع العلمي بعد رحيله - سواء أكانت الخلافة لمن نصَّ عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير أو من اختاره بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة .

والمراد من المرجع العلمي مَن ترجع إليه الأمّة في أُصول الدين وفروعه ، ويصدر عنهم في تفسير القرآن وتبيين غوامضه ، ويستفهم منه أسئلة الحوادث المستجدَّة .

يقول سبحانه :(  وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ

١١٩

الْكَبِيرُ   ) .(١)

المراد من الكتاب في قوله :(  أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ   ) ، هو القرآن بلا شكّ ، وكونه حقّاً لأجل براهين قطعية تُثبت أنّه منزّل من ربّه ، فإنّ قوانينه تنسجم مع الفطرة الإنسانية ، والقصص الواردة فيها مصونة من الأساطير ، والمجموع خالٍ من التناقض إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أنّه حقّ ومع ذلك هو مصدِّق لما بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب السماوي هذا هو مفاد الآية الأولى .

ثمّ إنّه سبحانه يقول :(  ثُمَّ أَورَثْنا الكتابَ   ) المراد من الكتاب هو القرآن : لأنَّ الّلام للعهد الذِّكري ، أي الكتاب المذكور في الآية المتقدِّمة ، والوراثة عبارة عمّا يستحصله الإنسان بلا مشقّة وجهد ، والوارث لهذا الكتاب هم الذين ُأشير إليهم بقوله :(  الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا   ) ، فلو قلنا بأنّ(  مِن   ) للتبيين فيكون الوارث هو الأمّة الإسلامية جميعاً ، ولو قلنا : إنّ( مِن ) للتبعيض فيكون الوارث جماعة خاصة ورثوا الكتاب .

والظاهر هو التبيين كما في قولنا :(  وَسَلامٌ عَلى عِبادِه الّذينَ اصْطَفى   ) (٢) ، ولكن الأمّة الإسلامية صاروا على أقسام ثلاثة :

أ -ظالم لنفسه ، الَّذين قصَّروا في وظيفتهم في حفظ الكتاب والعمل بأحكامه ، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم ، فلذلك صاروا ظالمين لأنفسهم .

ب -مقتصد ، الذين أدُّوا وظيفتهم في الحفظ و العمل لكن لا بنحوٍ كامل ،

١ - فاطر : ٣١ - ٣٢ .

٢ - النمل : ٥٩ .

١٢٠

بل قصرّوا شيئاً فيهما .

ج -سابق بالخيرات بإذن اللّه ، هم الجماعة المثلى أدّوا وظائفهم بالحفظ والعمل على النحو الأتم ، فلذلك سبقوا إلى الخيرات كما يقول سبحانه :(  سابِقُوا إلى الخَيرات بِإِذْنِ رَبِّهِمْ   ) وعلى هذا ورثة الكتاب في الحقيقة هم الطائفة الثالثة أعني الذين سبقوا بالخيرات وأمّا ما هو المراد من الطائفة الثالثة فيتكفَّل الحديث لبيان ملامحها

روى الكليني عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في تفسير الآية أنّه قال: (السابق بالخيرات الإمام ، والمقتصد العارف بالإمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام ) وروي نفس الحديث عن الإمام الرضاعليه‌السلام وهناك روايات أُخرى تؤيّد المضمون فمن أراد فليراجع .(١)

ثمّ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوضح ورثة الكتاب في حديثه المعروف الذي اتّفق على نقله أصحاب الصحاح والمسانيد

أخرج مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه ، قال : قام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً ، بماء يدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة ، فحمد اللّه تعالى ، وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثمّ قال :

( أمّا بعد : ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه ، استمسكوا به ) ، فحثّ على كتاب اللّه ورغَّبَ فيه ، ثمّ قال : ( وأهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل

١ - البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ٣٦٣ .

١٢١

بيتي ) .(١)

هذا ما أخرجه مسلم ، و من الواضح انّه لم ينقل على وجه دقيق ؛ وذلك لأنّ مقتضى قوله : أوّلهما ، أنّ يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ثانيهما أهل بيتي مع أنّه لم يذكر كلمة : (ثانيهما) وقد رواها الإمام أحمد بصورة أفضل ممّا سبق ، كما رواه النسائي في فضائل الصحابة كذلك .

أخرج أحمد في مسنده عن أبي الطفيل ، عن زيد بن الأرقم ، قال : لما رجع رسول اللّه عن حجّة الوداع ونزل غدير خُم ، أمر بدوحات فقمّمن ، ثمّ قال :( كأنّي قد دعيت فأجبت : إنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ؛ فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) .

ثمّ قال : ( إنّ اللّه مولاي ، وأنا ولي كلّ مؤمن ) ، ثمّ أخذ بيد عليّ ، فقال : ( من كنت وليّه فهذا وليّه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) .(٢)

هذه إلمامة سريعة بحديث الثقلين ، ومن أراد أن يقف على أسانيده ومتونه فعليه أن يرجع إلى الكتب المؤلَّفة حوله ، وأبسط كتاب في هذا الموضوع ما ألفه السيد المجاهد مير حامد حسين حيث خصّ أجزاءً من كتابه (العبقات) لبيان تفاصيل أسانيده ومضمونه ، وقد طبع ما يخصَّ بالحديث في ستَّة أجزاء .

كما بسط الكلام في أسانيده وأسانيده غيره سيد مشايخنا البروجردي (١٢٩٢ - ١٣٨٠ه -) في كتابه (جامع أحاديث الشيعة) ، فقال بعد استيفاء

١ - صحيح مسلم : ٤ / ١٨٧٣ برقم ٢٤٠٨ ، ط عبد الباقي .

٢ - مسند أحمد : ١ / ١١٨ .

١٢٢

نصوص الحديث وأسانيده : وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوجب على الأمّة قاطبة التمسُّك بالعترة الطيبة في الأمور الشرعية والتكاليف الإلهية ، وأكَّد وجوبه وشدَّده وأوثقه وكرَّره بكلمات عديدة وألفاظ مختلفة بحيث لا يمكن إنكاره ولا يجوز تأويله ، و قد اكتفينا بذلك وأنّ كثيراً من طرق الحديث قد ضمّن - مضافاً إلى المذكورات - ما يدل على حجّية أقوالهم ووجوب اتّباعهم وحرمة مخالفتهم .(١)

والجدير بالمسلمين التركيز على مسألة تعيين المرجع العلمي بعد رحيل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لا يسوغ في منطق العقل أن يترك صاحب الرسالة ، الأمّة المرحومة بلا راع ، وهو يعلم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برحيله سوف يواجه المسلمون حوادث مستجدة ووقائع جديدة تتطلّب أحكاماً غير مبيّنة في الكتاب والسنَّة ، فلا محيص من وجود مرجع علمي يحُلُّ مشاكلها ويذلّل أمامها الصعاب ، وقد قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببيان من يتصدّى لهذا المنصب بحديث الثقلين .

ومن العجب أنّ كثيراً من المسلمين يطرقون كلّ باب إلاّ باب أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يذكر شيئاً ممّا يرجع إلى غير هؤلاء ، فلا أدري ما هو وجه الإقبال على غيرهم والإعراض عنهم ؟!

قال السيد شرف الدين العاملي : والصحاح الحاكمة بوجوب التمسّك بالثقلين متواترة ، وطرقها عن بضعٍ وعشرين صحابياً متضافرة وقد صدع بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى .

تارة يوم غدير خُم كما سمعت ، وتارة يوم عرفة في حجّة الوداع ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، ومرّة على منبره في المدينة ، وأُخرى في حجرته المباركة في

١ - جامع أحاديث الشيعة :١ / ١٣١ - ١٣٢ .

١٢٣

مرضه ، والحجرة غاصَّة بأصحابه ، إذ قال :( أيّها الناس يوشك أن ُأقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب اللّه عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي ) ، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها ، فقال :( هذا عليّ مع القرآن ، والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض ) .

وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور ، حتى قال ابن حجر : ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً .

قال : ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه ، وفي بعض تلك الطرق أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة ، وفي أُخرى أنّه قاله بالمدينة في مرضه ، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أُخرى أنّه قال : ذلك بغدير خُم ، وفي أُخرى أنّه قال : ذلك لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف .

قال : ولا تنافي ؛ إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة .

وحسب أئمّة أهل العترة الطاهرة أن يكونوا عند اللّه ورسوله بمنزلة الكتاب ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكفى بذلك حجّة تأخذ بالأعناق إلى التعبُّد بمذهبهم ، فانّ المسلم لا يرتضي بكتاب اللّه بدلاً ، فكيف يبتغي عن أعداله حِولاً(١)

١ - المراجعات : المراجعة رقم ٨ .

١٢٤

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٨ - حرمة الصدقةُ عليهم

اتّفق الفقهاء على أنّه لا تحلّ الصدقة المفروضة على بني هاشم الواردة في الآية المباركة ، أعني : قوله سبحانه :(  خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ   ) (١) ؛ وذلك لأنّ التطهير والتزكية إنّما يتعلَّق بما فيه وسخ ، وأهل البيت أعلى من أن يعيشوا بأوساخ الناس .

قال ابن قدامة : ( لا نعلم خلافاً في أنّ بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة) (٢) . وقد تضافرت الروايات على ذلك وجمعها ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام ، نقتبس منها ما يلي :

١ - عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ النّاس ) .(٣)

وفي رواية : ( وإنّها لا تحلُّ لمحمّد ولا لآل محمّد) ، رواه مسلم .(٤)

١ - التوبة : ١٠٣ .

٢ - المُغني : ٢ / ٥٤٧ .

٣ - بلوغ المرام : ١٢٩ ، برقم ٦٦٥ .

٤ - بلوغ المرام : ١٢٩ ، برقم ٦٦٥ .

١٢٥

٢ - روى أبو هريرة ، قال : أخذ الحسن بن عليّعليهما‌السلام تمرة من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( كخٍ ، كخٍ ) ليطرحها ، ثمّ قال :( أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة ) ، رواه الشيخان البخاري ومسلم ولمسلم :أما علمت أنّا لا تحل لنا الصدقة .(١)

٣ - عن أنسٍ : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ بتمرة في الطريق ، وقال :( لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها ) رواه مسلم وأبو داود .(٢)

٤ - عن عائشة ، قالت : أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلحم ، فقلت : هذا ما تُصدِّق به على بريرة ، فقال :( هو لها صدقة ، ولنا هدية ) رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود .(٣)

٥ - كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه ، فإن قيل : هدية ، أكل منها ، وإن قيل : صدقة ، لم يأكل منها رواه الترمذي ومسلم .(٤)

٦ - عن عبد اللّه بن حرث الهاشمي ، وساق حديثاً حتى قال :إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس وإنّها لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد رواه مسلم والنسائي .(٥)

٧ - عن أبي رافع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم ، فقال لأبي رافع : اصحبني فإنّك تصيب منها ، قال : حتى آتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسأله ، فأتاه فسأله ، فقال :مولى القوم من أنفسهم وإنّا لا تحلُّلنا الصدقة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه .(٦)

١ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٢ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٣ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٤ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٥ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٦ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

١٢٦

الفصل الثالث: حقوق أهل البيتعليهم‌السلام في القرآن الكريم

قد عرفت مَن هم أهل البيتعليهم‌السلام في الآيات والروايات الواردة على لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جادت به القرائح العربية حولهم من قصائد وأراجيز ، كما عرفت سماتهم وخصوصياتهم .

وحان البحث لبيان حقوقهم على المسلمين الَّتي نزل بها الوحي في الكتاب العزيز ، وها نحن نذكر بعض حقوقهم :

١٢٧

١٢٨

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

١ - ولاية أهل البيتعليهم‌السلام

قد دلّت الروايات المتضافرة على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتحل وقد نصب عليّاًعليه‌السلام للولاية والخلافة ، فأبان ولايته وولاية من بعده من الأئمّة في مواقف مختلفة ، نذكر منها موقفين :

الأوّل : أنّ سائلاً أتى مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام راكع ، فأشار بيده للسائل ، أي اخلع الخاتم من يدي ، فنزل قوله سبحانه :(  إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُون   ) .(١)

وقد تضافرت الروايات على نزول الآية في حقّ عليّعليه‌السلام و نقلها الحفّاظ ، منهم : ابن جرير الطبري(٢) ، والحافظ أبو بكر الجصّاص الرازي(٣) ، والحاكم النيسابوري(٤) ، والحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري(٥) ، وجار اللّه الزمخشري(٦) ، إلى غير ذلك من أئمّة الحفّاظ و كبار المفسِّرين ربّما ناهز عددهم السبعين وهم بين

____________________

١ - المائدة : ٥٥ .

٢ - تفسير الطبري : ٦ / ١٨٦ .

٣ - أحكام القرآن : ٢ / ٥٤٢ .

٤ - معرفة أُصول الحديث : ١٠٢ .

٥ - أسباب النزول : ١١٣

٦ - الكشّاف : ١ / ٤٦٨ .

١٢٩

محدِّث ومفسّر ومؤرِّخ .

والذي يجب التركيز عليه هو فهم معنى الولي الوارد في الآية المباركة والذي وقع وصفاً للّه سبحانه ولرسوله ومن جاء بعده المراد من الولي في الآية هو الأولوية الواردة في قوله سبحانه : (  النَّبيُّ أولى بِالمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ   ) .(١)

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم فهو بما أنّه زعيم المسلمين ووليّهم ، يتصرّف فيهم حسب ما تقتضيه المصالح في طريق حفظ كيان الإسلام وصيانة هويَّتهم والدفاع عن أراضيهم ولغاية نشر الإسلام .

وليست الغاية من هذه الولاية الموهوبة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي حفظ مصالح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشخصية ، بل الغاية كما عرفت هو صيانة مصالح الإسلام والمسلمين .

فالولاية بهذه المعنى هي المراد من قوله سبحانه :(  إِنَّما وَليّكُمُ اللّهَ وَرَسُولُه   ) والقرائن الدالَّة على تعُّين هذا المعنى كثيرة ، نذكر منها ما يلي :

الأُولى * : إذا كان المراد من الوليّ هو الزعامة يصحّ تخصيصها باللّه سبحانه و رسوله ومن أعقبه ، وأمّا لو كان المراد منه هو الناصر و المحب ، فهو ليس مختصاً بهوَلاء ، لاَنّ كلّموَمن محب للآخرين أو ناصر لهم كما يقول سبحانه:(  وَالمُوَْمِنُونَ وَالمُوَْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَولياءُ بَعْضٍ   ) .(٢)

الثانية: أنّ ظاهر الآية أنّ هناك أولياء وهناك مولى عليهم ، ولا يتحقّق التمايز إلاّ بتفسير الولاية بمعنى الزعامة حتى يتميّز الزعيم عن غيره ، وهذا بخلاف ما لو فسّرناه بمعنى الحبّ والود أو النصر ، فتكون الطوائف الثلاث على حدّ سواء

____________________

* جاء تعداد القرائن في الكتاب بصيغة المذكر : (الأوّل ، الثاني ...) فغيّرنا الصيغة إلى صيغة المؤنّث ؛ لأنّه أوفق بالسياق ، ولكي لا يشتبه بتعداد المواقف السابق عليه [ شبكة الإمامين الحسنين / قسم التقويم ]

١ - الأحزاب: ٦ .

٢ - التوبة: ٧١ .

١٣٠

الثالثة : إذا كان المراد من الولي هو الزعيم ، يصحّ تخصيصه بالمؤمن المؤدّي للزكاة حال الصلاة ، وأمّا لو كان المراد بمعنى المحبّ والناصر وما أشبهها يكون القيد زائداً ، أعني : إعطاء الزكاة في حال الصلاة ، فإنّ شرط الحبّ هو إقامة الصلاة وأداء الزكاة ، وأمّا تأديتها في حال الركوع فليس من شرائط الحبّ والنصرة ، وهذا دليل على أنّ المراد فرد أو جماعة خاصة يوصفون بهذا الوصف لا كلّ المؤمنين .

الرابعة : أنّ الآية التالية تفسّر معنى الولاية ، يقول سبحانه:(  ومَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُون   ) .(١)

فإنّ لفظة :(  وَالّذينَ آمَنُوا   ) في هذه الآية هو الوارد في الآية المتقدّمة ، أعني :(  وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاة   ) ، وعلى هذا يكون المراد من القول أخذهم زعيماً وولياً بشهادة أنّ حزب اللّه لا ينفك من زعيم يدبِّر أمرهم .

إلى هنا تبيّن أنّ الإمعان في القرائن الحافَّة بالآية تفسّر معنى الولي وتعّين المعنى وتثبت أنّ المقصود هو الزعيم ، لكن من نكات البلاغة في الآية أنّه سبحانه صرّح بولايته وولاية رسوله ومَن جاء بعده وعلى ذلك صارت الولاية للثلاثة ، وكان اللازم عندئذٍ أن يقول : إنّما أولياؤكم ، بصيغة الجمع ، لكنّه أتى بصيغة المفرد إشارة إلى نكتة ؛ وهي أنّ الولاية بالأصالة للّه سبحانه وأمّا ولاية غيره فبإيهاب من اللّه سبحانه لهم ، ولذلك فرّد الكلمة ولم يجمعها ، لكنّ هذه الولاية لا تنفكّ من آثار ، وقد أُشير إلى تلك الآثار في آيات مختلفة ، وإليك بيانها :

١ -(  أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ   ) .(٢)

فإنّ لزوم إطاعة اللّه والرسول وغيرهما من آثار ولايتهم وزعامتهم ، فالزعيم

____________________

١ - المائدة : ٥٦ .

٢ - النساء : ٥٩

١٣١

يجب أن يكون مطاعاً .

٢ -(  وَما كانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ   ) .(١)

فينفذ قضاؤه سبحانه والَّذي هو من آثار الزعامة ، ونظيره قوله سبحانه :(  إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ   ) .(٢)

٣ -(  فَلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَو يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ   ) .(٣) فحرمة مخالفة أمر اللّه ورسوله من توابع زعامتهم وولايتهم .

فهذه الحقوق ثابتة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنصِّ القرآن الكريم ، ولمن بعده بحكم أنّهم أولياء بعد النبيّ فإنّ ثبوتها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجل ولايته فإذا كانت الولاية مستمرّة بعده فيتمتّع كلّ وليٍّ بهذه الحقوق .

وبهذا تبيَّنت دلالة الآية على ولاية عليّعليه‌السلام وأنّها حقّ من حقوقهم لصالح الإسلام والمسلمين .

نعم ، بعض من لا تروقهم ولاية أهل البيتعليهم‌السلام وزعامتهم حاولوا تضعيف دلالة الآية بشبهات واهية واضحة الرد ، وقد أجبنا عنها في بعض مسفوراتنا فلنكتف في المقام بهذا المقدار .

غير أنّا نركّز على نكتة وهي أنّ الصحابة الحضور لم يفهموا من الآية سوى الولاية ؛ ولذلك صبَّ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما فهمه من الآية بصفاء ذهنه في قالب الشعر ، وقال :

____________________

١ - الأحزاب : ٣٦ .

٢ - النساء : ١٠٥ .

٣ - النور : ٦٣ .

١٣٢

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيد

و يا خير شار ثمّ يا خير بايع

فأنزل فيك اللّه خير ولاية

و بينّها في محكمات الشرائع(١)

والظاهر ممّا رواه المحدّثون أنّ الأمّة الإسلامية سيُسألون يوم القيامة عن ولاية عليعليه‌السلام ، حيث ورد السؤال في تفسير قوله سبحانه :(  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ   ) .(٢)

روى ابن شيرويه الديلمي في كتاب (الفردوس) في قافية الواو ، باسناده عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ   ) عن ولاية علي بن أبي طالب .(٣)

ونقله ابن حجر عن الديلمي ، وقال :(  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ   ) أي عن ولاية عليّ وأهل البيت ؛ لأنّ اللّه أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعرّف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودّة في القربى ، والمعنى إنّهم يسألون : هل والَوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة ؟(٤)

الثاني (٥) : من تلك المواقف هو يوم الغدير وهو أوضحها وآكدها وأعمّها وقد صدع بها في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في منصرفه من حجّة الوداع ، وقد قام في محتشد كبير بعد ما خطب خطبة مفصَّلة وأخذ من الناس الشهادة على التوحيد والمعاد ورسالته وأعلن انّه فرط على الحوض ، ثمّ ذكر الثقلين وعرَّفهما ، بقوله :( الثقل الأكبر ، كتاب اللّه ، والآخر الأصغر : عترتي ؛ وأنّ اللطيف

____________________

١ - مناقب الخوارزمي : ١٧٨ كفاية الطالب للكنجي : ٢٠٠ تذكرة ابن الجوزي : ٢٥ .

٢ - الصّافات : ٢٤ .

٣ - شواهد التنزيل للحَسَكاني : ٢ / ١٠٦ .

٤ - الصواعق المحرقة : ١٤٩ .

٥ - تقدّم الأوّل في صفحة : ١٢٩ .

١٣٣

الخبير نبَّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) ، ثمّ قال :( أيّها النّاس مَن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ) قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال :( إنّ اللّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ) ، ثمّ قال :( اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألاّ فليبلغ الشاهد الغائب ) .

ففي هذه الواقعة الفريدة من نوعها أعلن النبيّ ولاية عليّعليه‌السلام للحاضرين وأمرهم بإبلاغها للغائبين ، ونزل أمين الوحي بآية الإكمال ، أعني : قوله سبحانه :(  الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي   ) .(١)

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللّه أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعليّ من بعدي ) .

ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنينعليه‌السلام و ممَّن هنَّأه في مقدّم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّ يقول : بخٍ بخٍ لك يابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة .

وقد تلقّى الصحابة الحضور أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوجب ولايته على المؤمنين ، وقد أفرغ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما تلقّاه عن الرسول ، في قصيدته وقال :

فقال له قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق موالياً

قد ذكرنا مصادر الخطبة والأبيات عند البحث عن الإمامة فراجع .(٢)

____________________

١ - المائدة : ٣ .

٢ - راجع مفاهيم القرآن : الجزء العاشر .

١٣٤

مِن حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٢ - أهل البيتعليهم‌السلام وضرورة إطاعتهم

أمر سبحانه باطاعة الرسول وأُولي الأمر ، وقال :(  يا أَيُّهَاالّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللّه والرَّسُول إِنْ كُنْتُمْ تُْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر ذلِكَ خَيرٌ وَأَحْسَنُ تَأْويلاً   ) .(١)

تأمر الآية بإطاعة اللّه كما تأمر بإطاعة الرسول وأُولي الأمر لكن بتكرار الفعل ، أعني :(  وأَطيعُوا الرَّسُول   ) ، وما هذا إلاّ لأنّ سنخ الإطاعتين مختلف ، فإطاعته سبحانه واجبة بالذات ، و إطاعة النبيّ وأُولي الأمر واجبة بإيجابه سبحانه .

والمهم في الآية هو التعرُّف على المراد من أُولي الأمر ، فقد اختلف فيه المفسّرون على أقوال ثلاثة :

١ - الأمراء ٢ - العلماء ٣ - صنف خاص من الأمّة ، وهم أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

____________________

١ - النساء : ٥٩ .

١٣٥

وبما انّه سبحانه أمر بإطاعة أُولي الأمر إطاعة مطلقة غير مقيدة بما إذا لم يأمروا بالمعصية ، يمكن استظهار أنّ أولي الأمر المشار إليهم في الآية والذين وجبت طاعتهم على الإطلاق ، معصومون من المعصية والزلل ، كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اقترنوا في لزوم الطاعة في الآية .

وبعبارة أُخرى : أنّه سبحانه أوجب طاعتهم على الإطلاق ، كما أوجب طاعته ، وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن توجب طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح ، وليس ذلك بحاصل في الأمراء ، ولا العلماء سواهم ، جلّ اللّه عن أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه .(١)

وقد أوضحه الرازي في تفسيره ، وذهب إلى أنّ المقصود من أُولي الأمر هم المعصومون في الأمّة ، وإن لم يخض في التفاصيل ، ولم يستعرض مصاديقهم ، لكنّه بيّن المراد منهم بصورة واضحة ، وقال :

والدليل على ذلك أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع ، لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأً منهي عنه ، فهذا يُفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وأنّه

____________________

١ - مجمع البيان : ٣ / ١٠٠ .

١٣٦

محال .

فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أنّ كلّ مَن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم ، وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنّ أُولي الأمر المذكورون في هذه الآية لا بدّ وأن يكونو معصومين .(١)

وقد أوضح السيد الطباطبائي دلالة الآية على عصمة أُولي الأمر ببيان رائق وإليك نصّه ، قال : الآية تدلّ على افتراض طاعة أُولي الأمر هؤلاء ، ولم تقيده بقيد ولا شرط ، وليس في الآيات القرآنية ما يقيد الآية في مدلولها حتى يعود معنى قوله :(  وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأمْر مِنْكُمْ   ) إلى مثل قولنا : وأطيعوا أُولي الأمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطئهم ، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم ، وإن علمتم خطأهم فقوِّموهم بالردّ إلى الكتاب والسنّة ، وليس هذا معنى قوله :(  وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأمْرِمِنْكُمْ   ) .

مع أنّ اللّه سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة ، كقوله في الوالدين :(  وَوَصَّيْنَا الإنْسان بِوالِدَيهِ حُسناً وَإِنْ جاهَداكَ لتشرِكَ بِي ما لَيْسَلَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما   ) .(٢) فما باله لم يُظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل على أُس أساس الدين ، وإليها تنتهي عامة أعراق السعادة الإنسانية .

على أنّ الأية جمع فيها بين الرسول و أُولي الأمر ، وذكر لهما معاً طاعة واحدة ، فقال :(  وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ   ) ، ولا يجوز على الرسول أن يأمر

____________________

١ - التفسير الكبير : ١ / ١١٤ .

٢ - العنكبوت : ٨ .

١٣٧

بمعصية أو يغلط في حكم ، فلو جاز شيء من ذلك على أُولي الأمر ، لم يسع إلاّ أن يذكر القيد الوارد عليهم فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أن تقيّد ، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أُولي الأمر ، كما اعتُبر في جانب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير فرق .(١)

وبذلك تبَّين أنّ تفسير أُولي الأمر بالخلفاء الراشدين أو أُمراء السرايا أو العلماء أمر غير صحيح ؛ لأنّ الآية دلَّت على عصمتهم ولا عصمة لهؤلاء ، فلا بدّ في التعرُّف عليهم من الرجوع إلى السنَّة التي ذكرت سماتهم ولا سيّما حديث الثقلين حيث قورنت فيه العترة بالكتاب ، فإذا كان الكتاب مصوناً من الخطأ ، فالعترة مثله أخذاً بالمقارنة .

ونظيره حديث السفينة : ( مَثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ) .(٢)

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تنصُّ على عصمة العترة الطاهرة ، فإذاً هذه الأحاديث تشكّل قرينة منفصلة على أنّ المراد من أُولي الأمر هم العترة أحد الثقلين .

بل يمكن كشف الحقيقة من خلال الإمعان في آية التطهير ، وقد عرفت دلالتها على عصمة أهل البيت الذين عيَّنهم الرسول بطرق مختلفة .

وعلى ضوء ذلك فآية التطهير ، وحديث الثقلين ، وحديث السفينة ، إلى غيرها من الأحاديث الواردة في فضائل العترة الطاهرة ، كلّها تدلّ على عصمتهم .

هذا من جانب و من جانب آخر دلَّت آية الإطاعة على عصمة أُولي الأمر ،

____________________

١ - الميزان : ٤ / ٣٩١ .

٢ - المستدرك للحاكم : ٣ / ١٥١ أخرجه مسنداً إلى أبي ذر .

١٣٨

فبضم القرائن الآنفة الذكر إلى هذه الآية يتّضح المرادمن أُولي الأمر الذين أمر اللّه سبحانه بطاعتهم و قرن طاعتهم بطاعة الرسول .

وأمّا الرواية عن النبيّ: فقد روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنينعليه‌السلام حين خلّفه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة ، فقال:( يا رسول اللّه ، أتخلفّني بين النساء والصبيان ؟ ) فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا عليّ ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، حين قال له : (  اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ   ) ، فقال بلى واللّه ) .

(  وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ   ) ، قال : علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولاّه الله أمر الأمّة بعد محمّد حين خلّفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة فأمر العباد بطاعته وترك خلافه ) .(١)

وأمّا ما رُوي عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام حول الآية فحدّث عنها ولا حرج ، فلنقتصر في المقام على رواية واحدة نقلها الصدوق باسناده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري .

قال : لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ   ) قلت : يا رسول اللّه ، عَرَفنا اللّه ورسوله ، فمن أولوا الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين من بعدي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سَمِيِّ محمّد

____________________

١ - المناقب لابن شهراشوب : ٣ / ١٥ ، ط المطبعة العلميّة .

١٣٩

وكنيتي ، حجّة اللّه في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذاك الذي يفتح اللّه تعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان ) .

قال جابر ، فقلت له : يا رسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاّها سحاب يا جابر هذا من مكنون سرّ اللّه ومخزون علم اللّه ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) .(١)

____________________

١ - البرهان في تفسير القرآن : ١ / ٣٨١ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182