أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم20%

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 182

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 182 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73409 / تحميل: 9093
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

بل قصرّوا شيئاً فيهما .

ج -سابق بالخيرات بإذن اللّه ، هم الجماعة المثلى أدّوا وظائفهم بالحفظ والعمل على النحو الأتم ، فلذلك سبقوا إلى الخيرات كما يقول سبحانه :(  سابِقُوا إلى الخَيرات بِإِذْنِ رَبِّهِمْ   ) وعلى هذا ورثة الكتاب في الحقيقة هم الطائفة الثالثة أعني الذين سبقوا بالخيرات وأمّا ما هو المراد من الطائفة الثالثة فيتكفَّل الحديث لبيان ملامحها

روى الكليني عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في تفسير الآية أنّه قال: (السابق بالخيرات الإمام ، والمقتصد العارف بالإمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام ) وروي نفس الحديث عن الإمام الرضاعليه‌السلام وهناك روايات أُخرى تؤيّد المضمون فمن أراد فليراجع .(١)

ثمّ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوضح ورثة الكتاب في حديثه المعروف الذي اتّفق على نقله أصحاب الصحاح والمسانيد

أخرج مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه ، قال : قام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً ، بماء يدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة ، فحمد اللّه تعالى ، وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثمّ قال :

( أمّا بعد : ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه ، استمسكوا به ) ، فحثّ على كتاب اللّه ورغَّبَ فيه ، ثمّ قال : ( وأهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل

١ - البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ٣٦٣ .

١٢١

بيتي ) .(١)

هذا ما أخرجه مسلم ، و من الواضح انّه لم ينقل على وجه دقيق ؛ وذلك لأنّ مقتضى قوله : أوّلهما ، أنّ يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ثانيهما أهل بيتي مع أنّه لم يذكر كلمة : (ثانيهما) وقد رواها الإمام أحمد بصورة أفضل ممّا سبق ، كما رواه النسائي في فضائل الصحابة كذلك .

أخرج أحمد في مسنده عن أبي الطفيل ، عن زيد بن الأرقم ، قال : لما رجع رسول اللّه عن حجّة الوداع ونزل غدير خُم ، أمر بدوحات فقمّمن ، ثمّ قال :( كأنّي قد دعيت فأجبت : إنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ؛ فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) .

ثمّ قال : ( إنّ اللّه مولاي ، وأنا ولي كلّ مؤمن ) ، ثمّ أخذ بيد عليّ ، فقال : ( من كنت وليّه فهذا وليّه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) .(٢)

هذه إلمامة سريعة بحديث الثقلين ، ومن أراد أن يقف على أسانيده ومتونه فعليه أن يرجع إلى الكتب المؤلَّفة حوله ، وأبسط كتاب في هذا الموضوع ما ألفه السيد المجاهد مير حامد حسين حيث خصّ أجزاءً من كتابه (العبقات) لبيان تفاصيل أسانيده ومضمونه ، وقد طبع ما يخصَّ بالحديث في ستَّة أجزاء .

كما بسط الكلام في أسانيده وأسانيده غيره سيد مشايخنا البروجردي (١٢٩٢ - ١٣٨٠ه -) في كتابه (جامع أحاديث الشيعة) ، فقال بعد استيفاء

١ - صحيح مسلم : ٤ / ١٨٧٣ برقم ٢٤٠٨ ، ط عبد الباقي .

٢ - مسند أحمد : ١ / ١١٨ .

١٢٢

نصوص الحديث وأسانيده : وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوجب على الأمّة قاطبة التمسُّك بالعترة الطيبة في الأمور الشرعية والتكاليف الإلهية ، وأكَّد وجوبه وشدَّده وأوثقه وكرَّره بكلمات عديدة وألفاظ مختلفة بحيث لا يمكن إنكاره ولا يجوز تأويله ، و قد اكتفينا بذلك وأنّ كثيراً من طرق الحديث قد ضمّن - مضافاً إلى المذكورات - ما يدل على حجّية أقوالهم ووجوب اتّباعهم وحرمة مخالفتهم .(١)

والجدير بالمسلمين التركيز على مسألة تعيين المرجع العلمي بعد رحيل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لا يسوغ في منطق العقل أن يترك صاحب الرسالة ، الأمّة المرحومة بلا راع ، وهو يعلم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برحيله سوف يواجه المسلمون حوادث مستجدة ووقائع جديدة تتطلّب أحكاماً غير مبيّنة في الكتاب والسنَّة ، فلا محيص من وجود مرجع علمي يحُلُّ مشاكلها ويذلّل أمامها الصعاب ، وقد قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببيان من يتصدّى لهذا المنصب بحديث الثقلين .

ومن العجب أنّ كثيراً من المسلمين يطرقون كلّ باب إلاّ باب أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يذكر شيئاً ممّا يرجع إلى غير هؤلاء ، فلا أدري ما هو وجه الإقبال على غيرهم والإعراض عنهم ؟!

قال السيد شرف الدين العاملي : والصحاح الحاكمة بوجوب التمسّك بالثقلين متواترة ، وطرقها عن بضعٍ وعشرين صحابياً متضافرة وقد صدع بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى .

تارة يوم غدير خُم كما سمعت ، وتارة يوم عرفة في حجّة الوداع ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، ومرّة على منبره في المدينة ، وأُخرى في حجرته المباركة في

١ - جامع أحاديث الشيعة :١ / ١٣١ - ١٣٢ .

١٢٣

مرضه ، والحجرة غاصَّة بأصحابه ، إذ قال :( أيّها الناس يوشك أن ُأقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب اللّه عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي ) ، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها ، فقال :( هذا عليّ مع القرآن ، والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض ) .

وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور ، حتى قال ابن حجر : ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً .

قال : ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه ، وفي بعض تلك الطرق أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة ، وفي أُخرى أنّه قاله بالمدينة في مرضه ، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أُخرى أنّه قال : ذلك بغدير خُم ، وفي أُخرى أنّه قال : ذلك لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف .

قال : ولا تنافي ؛ إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة .

وحسب أئمّة أهل العترة الطاهرة أن يكونوا عند اللّه ورسوله بمنزلة الكتاب ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكفى بذلك حجّة تأخذ بالأعناق إلى التعبُّد بمذهبهم ، فانّ المسلم لا يرتضي بكتاب اللّه بدلاً ، فكيف يبتغي عن أعداله حِولاً(١)

١ - المراجعات : المراجعة رقم ٨ .

١٢٤

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٨ - حرمة الصدقةُ عليهم

اتّفق الفقهاء على أنّه لا تحلّ الصدقة المفروضة على بني هاشم الواردة في الآية المباركة ، أعني : قوله سبحانه :(  خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ   ) (١) ؛ وذلك لأنّ التطهير والتزكية إنّما يتعلَّق بما فيه وسخ ، وأهل البيت أعلى من أن يعيشوا بأوساخ الناس .

قال ابن قدامة : ( لا نعلم خلافاً في أنّ بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة) (٢) . وقد تضافرت الروايات على ذلك وجمعها ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام ، نقتبس منها ما يلي :

١ - عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ النّاس ) .(٣)

وفي رواية : ( وإنّها لا تحلُّ لمحمّد ولا لآل محمّد) ، رواه مسلم .(٤)

١ - التوبة : ١٠٣ .

٢ - المُغني : ٢ / ٥٤٧ .

٣ - بلوغ المرام : ١٢٩ ، برقم ٦٦٥ .

٤ - بلوغ المرام : ١٢٩ ، برقم ٦٦٥ .

١٢٥

٢ - روى أبو هريرة ، قال : أخذ الحسن بن عليّعليهما‌السلام تمرة من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( كخٍ ، كخٍ ) ليطرحها ، ثمّ قال :( أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة ) ، رواه الشيخان البخاري ومسلم ولمسلم :أما علمت أنّا لا تحل لنا الصدقة .(١)

٣ - عن أنسٍ : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ بتمرة في الطريق ، وقال :( لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها ) رواه مسلم وأبو داود .(٢)

٤ - عن عائشة ، قالت : أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلحم ، فقلت : هذا ما تُصدِّق به على بريرة ، فقال :( هو لها صدقة ، ولنا هدية ) رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود .(٣)

٥ - كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه ، فإن قيل : هدية ، أكل منها ، وإن قيل : صدقة ، لم يأكل منها رواه الترمذي ومسلم .(٤)

٦ - عن عبد اللّه بن حرث الهاشمي ، وساق حديثاً حتى قال :إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس وإنّها لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد رواه مسلم والنسائي .(٥)

٧ - عن أبي رافع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم ، فقال لأبي رافع : اصحبني فإنّك تصيب منها ، قال : حتى آتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسأله ، فأتاه فسأله ، فقال :مولى القوم من أنفسهم وإنّا لا تحلُّلنا الصدقة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه .(٦)

١ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٢ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٣ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٤ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٥ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٦ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

١٢٦

الفصل الثالث: حقوق أهل البيتعليهم‌السلام في القرآن الكريم

قد عرفت مَن هم أهل البيتعليهم‌السلام في الآيات والروايات الواردة على لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جادت به القرائح العربية حولهم من قصائد وأراجيز ، كما عرفت سماتهم وخصوصياتهم .

وحان البحث لبيان حقوقهم على المسلمين الَّتي نزل بها الوحي في الكتاب العزيز ، وها نحن نذكر بعض حقوقهم :

١٢٧

١٢٨

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

١ - ولاية أهل البيتعليهم‌السلام

قد دلّت الروايات المتضافرة على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتحل وقد نصب عليّاًعليه‌السلام للولاية والخلافة ، فأبان ولايته وولاية من بعده من الأئمّة في مواقف مختلفة ، نذكر منها موقفين :

الأوّل : أنّ سائلاً أتى مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام راكع ، فأشار بيده للسائل ، أي اخلع الخاتم من يدي ، فنزل قوله سبحانه :(  إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُون   ) .(١)

وقد تضافرت الروايات على نزول الآية في حقّ عليّعليه‌السلام و نقلها الحفّاظ ، منهم : ابن جرير الطبري(٢) ، والحافظ أبو بكر الجصّاص الرازي(٣) ، والحاكم النيسابوري(٤) ، والحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري(٥) ، وجار اللّه الزمخشري(٦) ، إلى غير ذلك من أئمّة الحفّاظ و كبار المفسِّرين ربّما ناهز عددهم السبعين وهم بين

____________________

١ - المائدة : ٥٥ .

٢ - تفسير الطبري : ٦ / ١٨٦ .

٣ - أحكام القرآن : ٢ / ٥٤٢ .

٤ - معرفة أُصول الحديث : ١٠٢ .

٥ - أسباب النزول : ١١٣

٦ - الكشّاف : ١ / ٤٦٨ .

١٢٩

محدِّث ومفسّر ومؤرِّخ .

والذي يجب التركيز عليه هو فهم معنى الولي الوارد في الآية المباركة والذي وقع وصفاً للّه سبحانه ولرسوله ومن جاء بعده المراد من الولي في الآية هو الأولوية الواردة في قوله سبحانه : (  النَّبيُّ أولى بِالمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ   ) .(١)

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم فهو بما أنّه زعيم المسلمين ووليّهم ، يتصرّف فيهم حسب ما تقتضيه المصالح في طريق حفظ كيان الإسلام وصيانة هويَّتهم والدفاع عن أراضيهم ولغاية نشر الإسلام .

وليست الغاية من هذه الولاية الموهوبة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي حفظ مصالح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشخصية ، بل الغاية كما عرفت هو صيانة مصالح الإسلام والمسلمين .

فالولاية بهذه المعنى هي المراد من قوله سبحانه :(  إِنَّما وَليّكُمُ اللّهَ وَرَسُولُه   ) والقرائن الدالَّة على تعُّين هذا المعنى كثيرة ، نذكر منها ما يلي :

الأُولى * : إذا كان المراد من الوليّ هو الزعامة يصحّ تخصيصها باللّه سبحانه و رسوله ومن أعقبه ، وأمّا لو كان المراد منه هو الناصر و المحب ، فهو ليس مختصاً بهوَلاء ، لاَنّ كلّموَمن محب للآخرين أو ناصر لهم كما يقول سبحانه:(  وَالمُوَْمِنُونَ وَالمُوَْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَولياءُ بَعْضٍ   ) .(٢)

الثانية: أنّ ظاهر الآية أنّ هناك أولياء وهناك مولى عليهم ، ولا يتحقّق التمايز إلاّ بتفسير الولاية بمعنى الزعامة حتى يتميّز الزعيم عن غيره ، وهذا بخلاف ما لو فسّرناه بمعنى الحبّ والود أو النصر ، فتكون الطوائف الثلاث على حدّ سواء

____________________

* جاء تعداد القرائن في الكتاب بصيغة المذكر : (الأوّل ، الثاني ...) فغيّرنا الصيغة إلى صيغة المؤنّث ؛ لأنّه أوفق بالسياق ، ولكي لا يشتبه بتعداد المواقف السابق عليه [ شبكة الإمامين الحسنين / قسم التقويم ]

١ - الأحزاب: ٦ .

٢ - التوبة: ٧١ .

١٣٠

الثالثة : إذا كان المراد من الولي هو الزعيم ، يصحّ تخصيصه بالمؤمن المؤدّي للزكاة حال الصلاة ، وأمّا لو كان المراد بمعنى المحبّ والناصر وما أشبهها يكون القيد زائداً ، أعني : إعطاء الزكاة في حال الصلاة ، فإنّ شرط الحبّ هو إقامة الصلاة وأداء الزكاة ، وأمّا تأديتها في حال الركوع فليس من شرائط الحبّ والنصرة ، وهذا دليل على أنّ المراد فرد أو جماعة خاصة يوصفون بهذا الوصف لا كلّ المؤمنين .

الرابعة : أنّ الآية التالية تفسّر معنى الولاية ، يقول سبحانه:(  ومَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُون   ) .(١)

فإنّ لفظة :(  وَالّذينَ آمَنُوا   ) في هذه الآية هو الوارد في الآية المتقدّمة ، أعني :(  وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاة   ) ، وعلى هذا يكون المراد من القول أخذهم زعيماً وولياً بشهادة أنّ حزب اللّه لا ينفك من زعيم يدبِّر أمرهم .

إلى هنا تبيّن أنّ الإمعان في القرائن الحافَّة بالآية تفسّر معنى الولي وتعّين المعنى وتثبت أنّ المقصود هو الزعيم ، لكن من نكات البلاغة في الآية أنّه سبحانه صرّح بولايته وولاية رسوله ومَن جاء بعده وعلى ذلك صارت الولاية للثلاثة ، وكان اللازم عندئذٍ أن يقول : إنّما أولياؤكم ، بصيغة الجمع ، لكنّه أتى بصيغة المفرد إشارة إلى نكتة ؛ وهي أنّ الولاية بالأصالة للّه سبحانه وأمّا ولاية غيره فبإيهاب من اللّه سبحانه لهم ، ولذلك فرّد الكلمة ولم يجمعها ، لكنّ هذه الولاية لا تنفكّ من آثار ، وقد أُشير إلى تلك الآثار في آيات مختلفة ، وإليك بيانها :

١ -(  أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ   ) .(٢)

فإنّ لزوم إطاعة اللّه والرسول وغيرهما من آثار ولايتهم وزعامتهم ، فالزعيم

____________________

١ - المائدة : ٥٦ .

٢ - النساء : ٥٩

١٣١

يجب أن يكون مطاعاً .

٢ -(  وَما كانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ   ) .(١)

فينفذ قضاؤه سبحانه والَّذي هو من آثار الزعامة ، ونظيره قوله سبحانه :(  إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ   ) .(٢)

٣ -(  فَلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَو يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ   ) .(٣) فحرمة مخالفة أمر اللّه ورسوله من توابع زعامتهم وولايتهم .

فهذه الحقوق ثابتة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنصِّ القرآن الكريم ، ولمن بعده بحكم أنّهم أولياء بعد النبيّ فإنّ ثبوتها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجل ولايته فإذا كانت الولاية مستمرّة بعده فيتمتّع كلّ وليٍّ بهذه الحقوق .

وبهذا تبيَّنت دلالة الآية على ولاية عليّعليه‌السلام وأنّها حقّ من حقوقهم لصالح الإسلام والمسلمين .

نعم ، بعض من لا تروقهم ولاية أهل البيتعليهم‌السلام وزعامتهم حاولوا تضعيف دلالة الآية بشبهات واهية واضحة الرد ، وقد أجبنا عنها في بعض مسفوراتنا فلنكتف في المقام بهذا المقدار .

غير أنّا نركّز على نكتة وهي أنّ الصحابة الحضور لم يفهموا من الآية سوى الولاية ؛ ولذلك صبَّ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما فهمه من الآية بصفاء ذهنه في قالب الشعر ، وقال :

____________________

١ - الأحزاب : ٣٦ .

٢ - النساء : ١٠٥ .

٣ - النور : ٦٣ .

١٣٢

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيد

و يا خير شار ثمّ يا خير بايع

فأنزل فيك اللّه خير ولاية

و بينّها في محكمات الشرائع(١)

والظاهر ممّا رواه المحدّثون أنّ الأمّة الإسلامية سيُسألون يوم القيامة عن ولاية عليعليه‌السلام ، حيث ورد السؤال في تفسير قوله سبحانه :(  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ   ) .(٢)

روى ابن شيرويه الديلمي في كتاب (الفردوس) في قافية الواو ، باسناده عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ   ) عن ولاية علي بن أبي طالب .(٣)

ونقله ابن حجر عن الديلمي ، وقال :(  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ   ) أي عن ولاية عليّ وأهل البيت ؛ لأنّ اللّه أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعرّف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودّة في القربى ، والمعنى إنّهم يسألون : هل والَوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة ؟(٤)

الثاني (٥) : من تلك المواقف هو يوم الغدير وهو أوضحها وآكدها وأعمّها وقد صدع بها في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في منصرفه من حجّة الوداع ، وقد قام في محتشد كبير بعد ما خطب خطبة مفصَّلة وأخذ من الناس الشهادة على التوحيد والمعاد ورسالته وأعلن انّه فرط على الحوض ، ثمّ ذكر الثقلين وعرَّفهما ، بقوله :( الثقل الأكبر ، كتاب اللّه ، والآخر الأصغر : عترتي ؛ وأنّ اللطيف

____________________

١ - مناقب الخوارزمي : ١٧٨ كفاية الطالب للكنجي : ٢٠٠ تذكرة ابن الجوزي : ٢٥ .

٢ - الصّافات : ٢٤ .

٣ - شواهد التنزيل للحَسَكاني : ٢ / ١٠٦ .

٤ - الصواعق المحرقة : ١٤٩ .

٥ - تقدّم الأوّل في صفحة : ١٢٩ .

١٣٣

الخبير نبَّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) ، ثمّ قال :( أيّها النّاس مَن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ) قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال :( إنّ اللّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ) ، ثمّ قال :( اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألاّ فليبلغ الشاهد الغائب ) .

ففي هذه الواقعة الفريدة من نوعها أعلن النبيّ ولاية عليّعليه‌السلام للحاضرين وأمرهم بإبلاغها للغائبين ، ونزل أمين الوحي بآية الإكمال ، أعني : قوله سبحانه :(  الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي   ) .(١)

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللّه أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعليّ من بعدي ) .

ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنينعليه‌السلام و ممَّن هنَّأه في مقدّم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّ يقول : بخٍ بخٍ لك يابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة .

وقد تلقّى الصحابة الحضور أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوجب ولايته على المؤمنين ، وقد أفرغ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما تلقّاه عن الرسول ، في قصيدته وقال :

فقال له قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق موالياً

قد ذكرنا مصادر الخطبة والأبيات عند البحث عن الإمامة فراجع .(٢)

____________________

١ - المائدة : ٣ .

٢ - راجع مفاهيم القرآن : الجزء العاشر .

١٣٤

مِن حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٢ - أهل البيتعليهم‌السلام وضرورة إطاعتهم

أمر سبحانه باطاعة الرسول وأُولي الأمر ، وقال :(  يا أَيُّهَاالّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللّه والرَّسُول إِنْ كُنْتُمْ تُْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر ذلِكَ خَيرٌ وَأَحْسَنُ تَأْويلاً   ) .(١)

تأمر الآية بإطاعة اللّه كما تأمر بإطاعة الرسول وأُولي الأمر لكن بتكرار الفعل ، أعني :(  وأَطيعُوا الرَّسُول   ) ، وما هذا إلاّ لأنّ سنخ الإطاعتين مختلف ، فإطاعته سبحانه واجبة بالذات ، و إطاعة النبيّ وأُولي الأمر واجبة بإيجابه سبحانه .

والمهم في الآية هو التعرُّف على المراد من أُولي الأمر ، فقد اختلف فيه المفسّرون على أقوال ثلاثة :

١ - الأمراء ٢ - العلماء ٣ - صنف خاص من الأمّة ، وهم أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

____________________

١ - النساء : ٥٩ .

١٣٥

وبما انّه سبحانه أمر بإطاعة أُولي الأمر إطاعة مطلقة غير مقيدة بما إذا لم يأمروا بالمعصية ، يمكن استظهار أنّ أولي الأمر المشار إليهم في الآية والذين وجبت طاعتهم على الإطلاق ، معصومون من المعصية والزلل ، كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اقترنوا في لزوم الطاعة في الآية .

وبعبارة أُخرى : أنّه سبحانه أوجب طاعتهم على الإطلاق ، كما أوجب طاعته ، وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن توجب طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح ، وليس ذلك بحاصل في الأمراء ، ولا العلماء سواهم ، جلّ اللّه عن أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه .(١)

وقد أوضحه الرازي في تفسيره ، وذهب إلى أنّ المقصود من أُولي الأمر هم المعصومون في الأمّة ، وإن لم يخض في التفاصيل ، ولم يستعرض مصاديقهم ، لكنّه بيّن المراد منهم بصورة واضحة ، وقال :

والدليل على ذلك أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع ، لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأً منهي عنه ، فهذا يُفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وأنّه

____________________

١ - مجمع البيان : ٣ / ١٠٠ .

١٣٦

محال .

فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أنّ كلّ مَن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم ، وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنّ أُولي الأمر المذكورون في هذه الآية لا بدّ وأن يكونو معصومين .(١)

وقد أوضح السيد الطباطبائي دلالة الآية على عصمة أُولي الأمر ببيان رائق وإليك نصّه ، قال : الآية تدلّ على افتراض طاعة أُولي الأمر هؤلاء ، ولم تقيده بقيد ولا شرط ، وليس في الآيات القرآنية ما يقيد الآية في مدلولها حتى يعود معنى قوله :(  وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأمْر مِنْكُمْ   ) إلى مثل قولنا : وأطيعوا أُولي الأمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطئهم ، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم ، وإن علمتم خطأهم فقوِّموهم بالردّ إلى الكتاب والسنّة ، وليس هذا معنى قوله :(  وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأمْرِمِنْكُمْ   ) .

مع أنّ اللّه سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة ، كقوله في الوالدين :(  وَوَصَّيْنَا الإنْسان بِوالِدَيهِ حُسناً وَإِنْ جاهَداكَ لتشرِكَ بِي ما لَيْسَلَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما   ) .(٢) فما باله لم يُظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل على أُس أساس الدين ، وإليها تنتهي عامة أعراق السعادة الإنسانية .

على أنّ الأية جمع فيها بين الرسول و أُولي الأمر ، وذكر لهما معاً طاعة واحدة ، فقال :(  وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ   ) ، ولا يجوز على الرسول أن يأمر

____________________

١ - التفسير الكبير : ١ / ١١٤ .

٢ - العنكبوت : ٨ .

١٣٧

بمعصية أو يغلط في حكم ، فلو جاز شيء من ذلك على أُولي الأمر ، لم يسع إلاّ أن يذكر القيد الوارد عليهم فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أن تقيّد ، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أُولي الأمر ، كما اعتُبر في جانب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير فرق .(١)

وبذلك تبَّين أنّ تفسير أُولي الأمر بالخلفاء الراشدين أو أُمراء السرايا أو العلماء أمر غير صحيح ؛ لأنّ الآية دلَّت على عصمتهم ولا عصمة لهؤلاء ، فلا بدّ في التعرُّف عليهم من الرجوع إلى السنَّة التي ذكرت سماتهم ولا سيّما حديث الثقلين حيث قورنت فيه العترة بالكتاب ، فإذا كان الكتاب مصوناً من الخطأ ، فالعترة مثله أخذاً بالمقارنة .

ونظيره حديث السفينة : ( مَثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ) .(٢)

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تنصُّ على عصمة العترة الطاهرة ، فإذاً هذه الأحاديث تشكّل قرينة منفصلة على أنّ المراد من أُولي الأمر هم العترة أحد الثقلين .

بل يمكن كشف الحقيقة من خلال الإمعان في آية التطهير ، وقد عرفت دلالتها على عصمة أهل البيت الذين عيَّنهم الرسول بطرق مختلفة .

وعلى ضوء ذلك فآية التطهير ، وحديث الثقلين ، وحديث السفينة ، إلى غيرها من الأحاديث الواردة في فضائل العترة الطاهرة ، كلّها تدلّ على عصمتهم .

هذا من جانب و من جانب آخر دلَّت آية الإطاعة على عصمة أُولي الأمر ،

____________________

١ - الميزان : ٤ / ٣٩١ .

٢ - المستدرك للحاكم : ٣ / ١٥١ أخرجه مسنداً إلى أبي ذر .

١٣٨

فبضم القرائن الآنفة الذكر إلى هذه الآية يتّضح المرادمن أُولي الأمر الذين أمر اللّه سبحانه بطاعتهم و قرن طاعتهم بطاعة الرسول .

وأمّا الرواية عن النبيّ: فقد روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنينعليه‌السلام حين خلّفه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة ، فقال:( يا رسول اللّه ، أتخلفّني بين النساء والصبيان ؟ ) فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا عليّ ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، حين قال له : (  اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ   ) ، فقال بلى واللّه ) .

(  وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ   ) ، قال : علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولاّه الله أمر الأمّة بعد محمّد حين خلّفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة فأمر العباد بطاعته وترك خلافه ) .(١)

وأمّا ما رُوي عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام حول الآية فحدّث عنها ولا حرج ، فلنقتصر في المقام على رواية واحدة نقلها الصدوق باسناده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري .

قال : لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ   ) قلت : يا رسول اللّه ، عَرَفنا اللّه ورسوله ، فمن أولوا الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين من بعدي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سَمِيِّ محمّد

____________________

١ - المناقب لابن شهراشوب : ٣ / ١٥ ، ط المطبعة العلميّة .

١٣٩

وكنيتي ، حجّة اللّه في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذاك الذي يفتح اللّه تعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان ) .

قال جابر ، فقلت له : يا رسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاّها سحاب يا جابر هذا من مكنون سرّ اللّه ومخزون علم اللّه ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) .(١)

____________________

١ - البرهان في تفسير القرآن : ١ / ٣٨١ .

١٤٠

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٣ - وجوب مودَّتهم وحبِّهم

قام الرسل بإبلاغ رسالات اللّه سبحانه إلى الناس ، دون أن يبغوا أجراً منهم ، بل كان عملهم خالصاً لوجهه سبحانه ، لأنّ إبلاغ رسالاته كانت فريضة إلهية على عواتقهم ، فكيف يطلبون الأجر للعمل العبادي الذي لا يبعثهم إليه إلاّ طاعة أمره وطلب رضاه ، ولذلك كان شعارهم دوماً ، قولهم: (  وَما أسأَلكم عليهِ منْ أَجْر إِن أَجْري إِلاّ على اللّه ربّ العالَمين   ) .(١)

فقد ذكر سبحانه على لسان الأنبياء تلك الآية في سورة الشعراء ، ونقلها عن عديد من أنبيائه ، نظراء : نوح(٢) ، وهود(٣) وصالح(٤) ولوط(٥) وشعيب(٦) .

وقد جاء هذا الشعار في سور أُخرى نقلها القرآن الكريم عن رسله وأنبيائه ، فقد كانوا يخاطبون أُمَمهم بقولهم :

____________________

١ - الشورى : ١٠٩ .

٢ - الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

٣ - الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

٤ - الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

٥ - الشعراء :١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

٦ - الشعراء :١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

١٤١

(  قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْري إِلاّ على اللّه   ) .(١)

(  يا قَوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الّذي فطرني   ) .(٢)

فإذا كان هذا موقف الأنبياء من أُمّتهم ، فكيف يصحّ للنبيّ الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطلب الأجر ؟! بل هو أولى بأن يكون عمله خالصاً للّه ؛ لأنّه خاتم الرسل وأفضلهم ، وقد كان يرفع ذلك الشعار أيام بعثته ، بأمر منه سبحانه و يتلو قوله تعالى :(  قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكرى لِلْعالَمين   ) (٣) .

هذه هي حقيقة قرآنية لا يمكن إنكارها ، ومع ذلك نرى أنّه سبحانه يأمره في آية أُخرى بأن يطلب منهم مودّة القربى أجراً للرسالة ، ويقول :(  قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَودَّةَ فِي القُربى   ) .(٤)

فكيف يمكن الجمع بين هذه الآية ، وما تقدّم من الآية الخاصة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآيات الراجعة إلى سائر الأنبياء ، فإنّهمعليهم‌السلام كانوا على نهج واحد ؟

هذا هو السؤال المطروح في المقام ، والإجابة عليه تتوقَّف على نقل ما ورد حول الموضوع في القرآن الكريم ، فنقول :

الآيات التي وردت حول أجر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصناف أربعة :

الأوّل : أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً ، قال سبحانه :(  قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكرى لِلْعالَمين   ) .(٥)

____________________

١ - هود :٢٩ .

٢ - هود : ٥١ .

٣ - الأنعام : ٩٠ .

٤ - الشورى : ٢٣ .

٥ - الأنعام : ٩٠ .

١٤٢

الثاني : ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فيقول سبحانه :(  قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ على اللّهِ وهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهيد   ) .(١)

الثالث : ما يُعرّف أجره ، بقوله :(  قُلْ ما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه ِمِنْ أَجْرٍ إِلاّ مَنْ شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً   ) .(٢) فكان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة .

الرابع : ما يجعل مودّة القربى أجراً للرسالة ، ويقول :(  قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُربى   ) .

فهذه العناوين الأربعة لا بدّ أن ترجع إلى معنى واحد ، وهذا هو الذي نحاول أن نسلّط عليه الأضواء .

الجواب : أنّ لفظة الأجر يطلق على الأجر الدنيوي والأخروي غير أنّ المنفي في تلك الآيات بقرينة نفي طلبه عن الناس هو الأجر الدنيوي على الإطلاق ، ولذلك لم ينقل التاريخ أبداً أن يطلب نبيّ لدعوته شيئاً ، بل نقل خلافه .

هذه هي قريش تقدَّمت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي طليعتهم أبو الوليد ، فتقدّم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا بن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا ، حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به مُلكاً ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك ، طلبنا لك الطبَّ ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه ، فإنّه ربّما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، أو كما قال له .

____________________

١ - سبأ : ٤٧ .

٢ - الفرقان : ٥٧ .

١٤٣

حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستمع منه ، قال :أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال :فاسمع منّي قال : أفعل ، فقال : (  بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم * حم * تَنْزَيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحيم* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرآناً عَرَبِياً لِقَومٍ يَعْلَمُونَ * بَشيراً وَنَذِيراً فَأعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون * وَقالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مَمّا تَدْعُونا إِلَيْه   ) .(١)

ثمّ مضى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها يقرؤها عليه فلماّ سمعها منه عتبة ، أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه ، ثمّ انتهى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السجدة منها ، فسجد ثمّ قال :قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك .(٢)

هذا النصّ وغيره يعرب عن أنّ مدار الإثبات والنفي هو الأجر الدنيوي بعامة صوره ، وهذا أمر منفي جداً لا يليق لنبيّ أن يطلبه من الناس .

قال الشيخ المفيد : إنّ أجر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التقرُّب إلى اللّه تعالى هو الثواب الدائم ، وهو مستحقّ على اللّه تعالى في عدله وجوده وكرمه ، وليس المستحقّ على الأعمال يتعلَّق بالعباد ؛ لأنّ العمل يجب أن يكون للّه تعالى خالصاً ، وما كان للّه فالأجر فيه على اللّه تعالى دون غيره .(٣)

إذا عرفت ذلك ، فنقول :

إنّ مودّة ذي القربى وإن تجلّت بصورة الأجر حيث استثنيت من نفي الأجر ، لكنّه أجر صوري وليس أجراً واقعياً ، فالأجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّه في المقام يرجع إلى المُحِبّ قبل رجوعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك لأنّ مودّة ذي القربى تجرّ المُحِبّ إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة ، ويجعلهم أُسوة في

____________________

١ - فصّلت : ١ - ٥

٢ - السيرة النبوية : ١ / ٢٩٣ - ٢٩٤ .

٣ - تصحيح الاعتقاد : ٦٨ .

١٤٤

دينه ودنياه ، ومن الواضح أنّ الحُبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المُحِبّ قال الصادقعليه‌السلام :( ما أحبَّ اللّه عزّ و جلّ من عصاه ) ثمّ تمثَّل ، فقال :

تعصي الإله وأنت تظهر حبّه

هذا محال في الفعال بديع

لو كان حبّك صادقاً لأطعته

إنّ المحبّ لمن يحب مطيع(١)

وسيوافيك أنّ المراد من ذوي القربى ليس كلّ من ينتمي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنسب أو سبب ، بل طبقة خاصة من أهل بيته الذين عرفهم بأنّهم أحد الثقلين في قوله :( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) .(٢)

فإذا كان المراد من ذوي القربى هؤلاء الذين أنيط بهم أمر الهداية والسعادة فحبُّهم ومودَّتهم يرفع الإنسان من حضيض العصيان والتمرّد إلى عزّ الطاعة .

إنّ طلب المودة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعد ما فحصه وكتب وصفة : لا أُريد منك أجراً إلاّ العمل بهذه الوصفة ، فانّ عمل المريض بوصفة الطبيب و إن خرجت بهذه العبارة بصورة الأجر ، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب ، بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الأجر .

وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع ، كأن يقول : قل لا أسألكم عليه أجراً ، وإنّما أسألكم مودّة ذي القربى ، وليس الاستثناء المنقطع

____________________

١ - سفينة البحار : مادة حبَّب .

٢ - أخرجه الحاكم في مستدركه : ٣ / ١٤٨ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفاً بصحته على شرط الشيخين قلت : هذا حديث متواتر وقد ألَّف غير واحد من المحقّقين رسائل حوله .

١٤٥

أمراً غريباً في القرآن ، بل له نظائر مثل قوله :(  لا يسمعون فيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً   ) (١) . وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية ، حيث طرح السؤال ، و قال :

فإن قال قائل : فما معنى قوله :(  قُلْ لا أَسألكم عليهِ أَجْراً إِلاّ المَودَّة فِي القُربى   ) أَوَليس هذا يفيد أنّه قد سألهم مودّة القربى لأجره على الأداء ؟!

قيل له : ليس الأمر على ما ظننت لما قدّمنا من حجّة العقل والقرآن ، والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة لكنّه استثناء منقطع ، ومعناه قل لا أسألكم عليه أجراً لكنّي ألزمكم المودة في القربى و اسألكموها ، فيكون قوله :(  قُلْ لا أَسألكم عليهِ أَجْراً   ) كلاماً تاماً ، قد استوفى معناه ، ويكون قوله :(  إِلاّ المودّة في القُربى   ) كلاماً مبتدَأً , فائدته : لكن المودة في القربى سألتكموها ، وهذا كقوله :(  فَسَجَد المَلائِكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إلا إبْلِيس   ) (٢) . والمعنى فيه : لكنَّ إبليس وليس باستثناء من جملة(٣) .

وعلى ضوء ذلك يظهر معنى قوله سبحانه :( ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ   ) .(٤)

وقد تبَّين أنّ حبّ الأولياء والصالحين لصالح المحب قبل أن يكون لصالحهم .

كما تبَّين معنى قوله سبحانه في شأن ذلك الأجر :( ما أَسأَلكُمْ عليه مِنْ أَجْر إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً   ) .(٥)

____________________

١ - مريم : ٦٢ .

٢ - الحجر : ٣٠ - ٣١ .

٣ - تصحيح الاعتقاد : ٦٨ .

٤ - سبأ : ٤٧ .

٥ - الفرقان : ٥٧ .

١٤٦

فإنّ اتخاذ السبيل لا يخلو من أحد احتمالين :

١ - مودَّة القربى والتفاني في حبّهم الذي سينتهي إلى العمل بالشريعة الموجب لنيل السعادة .

٢ - نفس العمل بالشريعة الذي يصل إليها الإنسان عن طريق حبّهم ومودّتهم وبذلك ترجع الآيات الثلاث إلى معنى واحد من دون أن يكون بينهما أي تناف واختلاف وقد جاء الجمع بين مفاد الآيات الثلاث في دعاء الندبة الذي يشهد علو مضامينه على صدقه ، حيث جاء فيه :

( ثمّ جعلت أجر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مودّتهم في كتابك ، فقلت :(  لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى   ) ، وقلت : ما سألتكم من أجر فهو لكم ، وقلت :(  ما أسألكم عليه من أجر إلاّ من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً   ) ، فكانوا هم السبيل إليك ، والمسلك إلى رضوانك ) .

وإلى ذلك يشير شاعر أهل البيت و يقول :

موالاتهم فرضٌ ، وحبّهم هدى

وطاعتهم ودٍّ وودُّهم تقوى

* * *

وأمّا القربى فهو على وزن البشرى والزلفى بمعنى القرابة ، يقول الزمخشري : القربى مصدر كالزلفى والبشرى ، بمعنى القرابة والمراد في الآية :( أهل القربى ) .(١)

وقد استعمل القرآن الكريم لفظة القربى في عامة الموارد بالمضاف ، فتارة

____________________

١ - الكشاف : ٣ / ٨١ في تفسير الآية .

١٤٧

بلفظة ذي ، قال سبحانه :(  وِبالوالدين أَحساناً وذي القُربى واليَتامى   ) .(١)

وأُخرى بلفظة ذوي ، قال سبحانه :(  وَاتَى المال عَلى حُبِّهِ ذَوي القُربى وَاليَتامى   ) (٢)

وثالثة : بلفظة (أُولي) ، قال سبحانه :(  ما كان لِلنَّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَوكانُوا أُولي قُربى   ) .(٣)

و قد جاءت مرّة واحدة دون إضافة وهي نفس الآية المباركة ، فلأجل ذلك يلزم تقدير شيء مثل لفظة (أهل) كما قدَّره الزمخشري أو لفظاً غير ذلك مثل كلمة (ذي) أو (ذوي) أو (ذوي قربى) إلى هنا تمّت الإجابة عن السؤال الأوّل حول الآية .

السؤال الثاني : (٤)

دلَّت الآية الكريمة على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض مودّة ذي القربى ، على المسلمين ولكن يبقى هناك سؤال وهو أنّ الآية تحتمل وجهين :

أ - أن يكون المراد مودّة ذوي القربى من أقرباء النبي وأهل بيته .

ب - أن يكون المراد ودّ كلّ مسلم أقربائه وعشيرته ومَن يمُّت إليه بصلة ، وليس في الآية ما يدل على المعنى الأوّل .

أقول : إنّ ذي القربى كما علمت بمعنى صاحب القرابة والوشيجة النسبية ، ويتعَّين مورده بتعينُّ المنسوب إليه ، وهو يختلف حسب اختلاف موارد الاستعمال ،

____________________

١ - البقرة : ٨٣ .

٢ - البقرة : ١٧٧ .

٣ - التوبة : ١١٣ .

٤ - مضي السؤال الأوّل : ٢٥٨ .

١٤٨

ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام ، وهي :

الأشخاص المذكورون في الآية أو ما دلَّ عليه سياق الكلام .

فتارة يراد منه الأقرباء دون شخص خاص ، مثل قوله سبحانه :(  ما كانَ لِلنَّبي وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا ذوي قُربى   ) (١)

وقوله سبحانه :(  فَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُربى   ) .(٢)

فإنّ ذكر النبيّ والذين آمنوا معه آية على أنّ المراد قريب كلّ إنسان إليهما ، كما أنّ جملة(  فإذا قلتم فاعدلوا   ) آية أنّ المراد كلّ إنسان قريب إليه .

وأمّا قوله سبحانه :(  قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَةَ فِي القُربى   ) ، فالفعل المتقدّم عليه ، يعنى :(  لا أسألكم   ) ، آية أنّ المراد أقرباء السائل ، مثل قوله سبحانه :( ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرى فَلِلّهِ وَالرَّسُولِ وَلِذِي القُربى   ) (٣) ؛ فإنّ لفظة(  عَلى رَسُولِهِ   ) آية أنّ المراد أقرباء الرسول .

وعلى ذلك فلا بدّ من الرجوع إلى القرائن الحافَّة بالآية وتعيين المراد منه ، و بذلك ظهر أنّ المراد هو أقرباء الرسول .

يقول الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ناقداً انتخاب الخليفة الأوّل في السقيفة لأجل انتمائه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة :

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبيّ وأقرب(٤)

____________________

١ - التوبة : ١١٣ .

٢ - الأنعام : ١٥٢ .

٣ - الحشر : ٧ .

٤ - شرح ابن أبي الحديد : ١٨ / ٤١٦ .

١٤٩

السؤال الثالث :

إنّ سورة الشورى سورة مكّية ، فلو كان المراد من ذوي القربى هو عترته الطاهرة ، أعني : عليّاً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فلم يكن يومذاك بعض هؤلاء كالحسن والحسينعليهما‌السلام ؟ .

والجواب : أنّ الميزان في تمييز المكّي عن المدني ، أمران ، وكلاهما يدلان على أنّ الآية نزلت في المدينة المنوّرة .

الأمر الأوّل : دراسة مضمون الآيات فقد كانت مكافحة الوثنية والدعوة إلى التوحيد والمعاد هي مهمّة النبيّ قبل الهجرة ، ولم يكن المجتمع المكّي مؤهلاً لبيان الأحكام والفروع أو مجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ولذلك تدور أغلب الآيات المكّية حول المعارف والعقائد والعبرة بقصص الماضين ، و ما يقرب من ذلك .

ولمّا استتب له الأمر في المدينة المنورة واعتنق أغلب سكّانها الإسلام ، حينها سنحت الفرصة لنشر الإسلام وتعاليمه ولمناظرة اليهود والنصارى حيث كانوا يثيرون شبهاً ويجادلون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت آيات حول اليهود والنصارى في السور الطوال .

فلو كان هذا هو الميزان بغية تميّز المكّي عن المدني ، فالآية مدنية قطعاً دون ريب لعدم وجود أيَّة مناسبة لسؤال الأجر أو طلب مودّة القربى من أُناس لم يؤمنوا به ، بل حشَّدوا قواهم على قتله ، بخلاف البيئة الثانية فقد كانت تقتضي ذلك حيث التفَّ حوله رجال من الأوّس والخزرج وطوائف كثيرة من الجزيرة العربية .

١٥٠

الأمر الثاني : الاعتماد على الروايات والمنقولات .

فلو كان هذا هو الميزان فقد صرح كثير منهم بأنّ أربعةً آيات من سورة الشورى مكّية ، حتى أنّ المصاحف المطبوعة في الأزهر وغيره ، تصرّح بذلك و تُقرأ فوق السورة هذه الجملة : سورة الشورى مكية الآيات إلاّ ثلاث وعشرين ، وأربع وعشرين ، وسبع وعشرين .

أضف إلى ذلك أنّ كثيراً من المفسرّين والمحدِّثين صرّحوا بذلك .(١)

وهذا هو البقاعيّ مؤلّف (نظم الدرر وتناسب الآيات والسور) يصرّح بأنّ الآيات مكّية ، كما نقله المحقّق الزنجاني في ( تاريخ القرآن ) .(٢)

السؤال الرابع :

الإنسان مفطور على حبّ الجميل وكراهة القبيح فيكون الودّ أمراً خارجاً عن الاختيار ، فكيف يقع في دائرة السؤال ويطلبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المؤمنين مع أنّه كذلك .

والجواب :

أوّلاً : أنّ الحبّ لو كان أمراً خارجاً عن الاختيار فلا يتعلَّق به الأمر ، كما لا يتعلَّق به النهي ، مع أنّه سبحانه ينهى عن ودّ من حادَّ اللّه ورسوله ، ويقول :(  لا تَجد قَوماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ من حادّ اللّهَ وَرَسُولَهُ   ) .(٣)

____________________

١ - انظر الكشاف : ٣ / ٨١ تفسير الرازي : ٧ / ٦٥٥ تفسير أبي السعود في هامش تفسير الرازي نفس الصفحة تفسير أبي حيّان : ٧ / ٥١٦ تفسير النيسابوري : ٦ / ٣١٢ وأمّا من المحدّثين كمجمع الزوائد للهيتمي :٩ / ١٦٨ الصواعق المحرقة : ١٠١ - ١٣٥ .

٢ - تاريخ القرآن : ٥٧ .

٣ - المجادلة : ٢٢ .

١٥١

كما أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو إلى التراحم والتعاطف النابعين عن الودّ والحبّ ، ويقول :

( مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .(١)

كلّ ذلك يدل على أنّ الودّ والبغض ليس على النسق الذي وصفه السائل ، ولذلك نرى الدعوة الكثيرة إلى الحبّ في اللّه والبغض في اللّه .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في اللّه وتبغض في اللّه ) .(٢)

وقد كتب الإمام عليّعليه‌السلام إلى عامله في مصر مالك الأشتر رسالة قال فيها :( واشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبّة لهم ، واللطف بهم ) .(٣)

روى الخطيب في تاريخه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ) .(٤)

و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ؛ فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ) .(٥)

روى أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من أحبّني فليحبّ عليّ ) .(٦)

____________________

١ - مسند أحمد : ٤ / ٢٧٠ .

٢ - سفينة البحار : ٢ / ١١ مادة الحبّ .

٣ - نهج البلاغة : قسم الرسائل : الرسالة ٥٣ .

٤ - تاريخ بغداد : ٤ / ٤١٠ .

٥ - حلية الأولياء : ١ / ٨٦ .

٦ - مسند أحمد :٥ / ٣٦٦ صحيح مسلم : ج كتاب الفتن : ١١٩ .

١٥٢

و أخرج أحمد في مسنده عن الرسول : (من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمَّهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة ) .(١)

وثانياً : أنّ الإيصاء إنّما لا يفيد إذا لم يتوفر في الموصى له ملاك الحبّ والودّ كما إذا كان الرجل محطّاً للرذائل الأخلاقية ، وأمّا إذا كان الموصى له إنساناً مثالياً متحلّياً بفضائل الأخلاق ومحاسنها ، فإنّ الإيصاء به يعطف النظر إليه وبالتالي يجيش حبّه كلَّما تعمَّقت الصلة به .

وحاصل الكلام : أنّ دعوة الناس إلى الحبّ تقوم على إحدى دعامتين :

الأولى : الإشادة بفضائل المحبوب وكمالاته التي توجد في نفس السامع حبّاً وولعاً إليه .

الثانية : الإيصاء بالحبّ والدعوة إلى الودّ ، فانّه يعطف نظر السامع إلى الموصى له ، فكلَّما توطَّدت الأواصر بنيهما وانكشفت آفاق جديدة من شخصيته ازداد الحبّ والودّ له وعلى كلّ تقدير فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المحبوب التام لعامة المسلمين ، فحبُّه لا ينفك عن حبّ من أوصى بحبِّه وأمر بودّه .

وخير ما نختم به هذا البحث حديث مروي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقله صاحب الكشاف حيث قال ، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد بشرَّه ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد يُزفُّ إلى الجنّة كما تزفُّ العروس إلى بيت زوجها ،

____________________

١ مسند أحمد :١ / ٧٧ .

١٥٣

ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد فتح اللّه له في قبره بابين إلى الجنّة ، ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألاَ ومَن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيساً من رحمة اللّه ، ألاَ ومَن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألاَ ومَن مات على بغض آل محمّد لم يشمَ رائحة الجنّة ) .(١)

وروى أيضاً : أنّه لما نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( عليّ وفاطمة وأبناهما ) .(٢)

____________________

١ - الكشّاف :٣ / ٨٢ ، تفسير سورة الشورى ، ط عام ١٣٦٧ .

٢ - الكشّاف :٣ / ٨١ .

١٥٤

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٤ - الصلوات عليهم

إنّ مِن حقوق أهل البيتعليهم‌السلام هي الصلوات عليهم عند الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال سبحانه :(  إِنَّ اللّهَ وَمَلائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيّ يا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وََسَلِّمُوا تَسْلِيماً   ) .(١)

ظاهر الآية هو تخصيص الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن فهم الصحابة أنّ المراد هو الصلاة عليه وعلى أهل بيته ، وقد تضافرت الروايات على ضمّ الآل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند التسليم والصلاة عليه ، وقد جاء ذلك في الصحاح والمسانيد ، نقتصر منها على ما يلي :

١ - أخرج البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة ، قال : ألا أُهدي لك هدية سمعتها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : بلى ، فأهدها لي ، فقال : سألنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلنا : يا رسول اللّه ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فانّ اللّه قد علّمنا كيف نسلم ، قال :

( قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وعلى

____________________

١ - الأحزاب : ٥٦ .

١٥٥

آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حَميدٌ مجيد ) .(١)

وأخرجه أيضاً في كتاب التفسير عند تفسير سورة الأحزاب .(٢)

كما أخرجه مسلم في باب الصلاة على النبي من كتاب الصلاة .(٣)

٢ - أخرج البخاري أيضاً ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا يا رسول اللّه ، هذا التسليم فكيف نصلّي عليك ؟ قال : ( قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك ، كما صلّيت على آل إبراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم ) .(٤)

٣ - أخرج البخاري ، عن ابن أبي حازم عن يزيد ، قال : (كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمّد و آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) .(٥)

٤ - أخرج مسلم ، عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : أتانا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا اللّه تعالى أن نصِّلي عليك ، يا رسول اللّه : فكيف نصلي عليك ؟

قال : فسكت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تمنّينا أنّه لم يَسأله .

ثمّ قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على آل إبراهيم ،وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم

____________________

١ - صحيح البخاري : ٤ / ١٤٦ ضمن باب ( يزفُّون النَسَلان في المشي ) من كتاب بدء الخلق .

٢ - صحيح البخاري : ٦ / ١٥١ ، تفسير سورة الأحزاب .

٣ - صحيح مسلم : ٢ / ١٦ .

٤ - صحيح البخاري : ٦ / ١٥١ ، تفسير سورة الأحزاب .

٥ - المصدر السابق .

١٥٦

في العالمين إنّك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم ) .(١)

إنّ ابن حجر ذكر الآية الشريفة ، وروى جملة من الأخبار الصحيحة الواردة فيها ، وإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه ، لمّا سئل عن كيفية الصلاة والسلام عليه ، قال : وهذا دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الآية ، وإلاّ لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عُقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر ، فلمّا أُجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به ، وإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقامهم في ذلك مقام نفسه ؛ لأنّ القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ، ومنه تعظيمهم ، ومن ثمّ لمّا أُدخل من مرّفي الكساء ، قال :( اللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم ، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم ) ، وقضية استجابة هذا الدعاء : أنّ اللّه صلّى عليهم معه فحينئذٍ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه .

ويروى : لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال : تقولون :اللّهمّ صلّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ثمّ نقل عن الإمام الشافعي قوله :

يا أهل بيت رسول اللّه حبكم

فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له

فقال : فيحتمل : لا صلاة له صحيحة ، فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل ويحتمل : لا صلاة كاملة ، فيوافق أظهر قوليه .(٢)

____________________

١ صحيح مسلم : ٢ / ٤٦ ، باب الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد التشهد من كتاب الصلاة .

٢ الصواعق المحرقة : ١٤٦ ، ط عام ١٣٨٥هـ .

١٥٧

هذا كلّه حول الصلاة على الآل عند الصلاة على الحبيب .

وأمّا حكم الصلاة على آل البيت في التشهّد ، فقال أكثر أصحاب الشافعي : إنّه سنّة .

وقال التربجي : من أصحابه هي واجبة ، ولكنّ الشعر المنقول عنه يدل على وجوبه عنده ، ويؤيده رواية جابر الجعفي - الذي كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وفي طبقة الفقهاء ، عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من صلّى صلاة لم يصلِّ فيها عليّ ولا أهل بيتي لم تقبل منه ) .(١)

وأبو جعفر الجعفي ممَّن ترجمه ابن حجر في تهذيبه ، ونقل عن سفيان في حقّه :

ما رأيت أورع في الحديث منه ، وقال وكيع : مهما شككتم في شيء فلا تشكّوا في أنّ جابراً ثقّة .

وقال سفيان أيضاً لشعبة : لأن تكلَّمت في جابر الجعفي لأتكلمنَّ فيك إلى غير ذلك .(٢)

قال ابن حجر : أخرج الدار قطني والبيهقي حديث من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عَلَيّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه ، وكأنّ هذا الحديث هو مستند قول الشافعي إنّ الصلاة على الآل من واجبات الصلاة ، كالصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنّه ضعيف ، فمستنده الأمر في الحديث المتّفق عليه ، قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، والأمر للوجوب حقيقة على الأصحّ .(٣)

وقال الرازي : إنّ الدعاء للآل مَنصبٌ عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء

____________________

١ - سنن الدارقطني : ١ / ٣٥٥ .

٢ - تهذيب التهذيب : ٢ / ٤٦ .

٣ - الصواعق المحرقة : ٢٣٤ ، ط الثانية ، عام ١٣٨٥هـ .

١٥٨

خاتمة التشهد في الصلاة ، وقوله : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد .

وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل ، فكلّ ذلك يدل على أنّ حبّ آل محمّد واجب ، وقال الشافعي :

يا راكباً قف بالمحصَّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضاً كما نظم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبُّ آل محمد

فليشهد الثقلان أنّي رافضي(١)

وقال النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى :(  قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّة فِي القُربى   ) كفى شرفاً لآل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفخراً ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كلّ صلاة .(٢)

وروى محبّ الدين الطبري في الذخائر عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رض) عنه أنّه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أُصلِّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنّها تقبل .(٣)

وقال المحقّق الشيخ حسن بن عليّ السقاف : تجب الصلاة على آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد الأخير على الصحيح المختار ، لأنّ أقصر صيغة وردت عن سيدنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبت فيها ذكر الصلاة على الآل ، ولم ترد صيغة خالية منه في صيغ تعليم الصلاة ، فقد تقدّم حديث سيدنا زيد بن خارجة ، أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

____________________

١ تفسير الفخر الرازي :٢٧ / ١٦٦ ، تفسير سورة الشورى .

٢ تفسير النيسابوري : تفسير سورة الشورى .

٣ ذخائر العقبى :١٩ ، ذكر الحثّ على الصلاة عليهم .

١٥٩

( صلّوا عليّ واجتهدوا في الدعاء ، وقولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ) .(١)

بلاغ وإنذار :

لقد تبيّن ممّا سبق كيفية الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و انّه لا يصلّى عليه إلاّ بضم الآل إليه ، ومع ذلك نرى أنّه قد راجت الصلاة البتراء بين أهل السنَّة في كتبهم ورسائلهم ، مع أنّ هذه البلاغات من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصب أعينهم ولكنَّهم رفضوها عملاً واكتفوا بالصلاة عليه خاصة ، حتى أنّ ابن حجر الهيتمي (٨٩٩ - ٩٧٤هـ) نقل كيفية الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن كتابه المطبوع مليء بالصلاة البتراء .وإليك نصّ ما قال : ويروى لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، قالوا : وما الصلاة البتراء ، قال :تقولون : اللّهمّ صلّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد .

ولا ينافي ما تقرّر حذف الآل في الصحيحين ، قالوا : يا رسول اللّه : كيف نصلّي عليك ؟ قال : قولوا اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى أزواجه وذريّته ، كما صلّيت على إبراهيم إلى آخره .

لأنّ ذكر الآل ثبت في روايات أُخر ، وبه يعلم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ذلك كلّه فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظه الآخر .(٢)

وفي الختام نذكر ما ذكره الرازي ، أنّه قال : أهل بيته ساووه في خمسة أشياء : في الصلاة عليه وعليهم في التشهّد ، وفي السلام ، والطهارة ، وفي تحريم الصدقة ، وفي المحبّة .(٣)

____________________

١ - صحيح صفة صلاة النبيّ : ٢١٤ .

٢ - الصواعق المحرقة :١٤٦ ، ط الثانية ، عام ١٣٨٥ .

٣ - الغدير : ٢ / ٣٠٣ ، ط طهران نقله عن تفسير الرزاي : ٧ / ٣٩١ ولم نعثر عليه في الطبعتين .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182