أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم20%

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 182

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 182 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73386 / تحميل: 9093
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٣ - وجوب مودَّتهم وحبِّهم

قام الرسل بإبلاغ رسالات اللّه سبحانه إلى الناس ، دون أن يبغوا أجراً منهم ، بل كان عملهم خالصاً لوجهه سبحانه ، لأنّ إبلاغ رسالاته كانت فريضة إلهية على عواتقهم ، فكيف يطلبون الأجر للعمل العبادي الذي لا يبعثهم إليه إلاّ طاعة أمره وطلب رضاه ، ولذلك كان شعارهم دوماً ، قولهم: (  وَما أسأَلكم عليهِ منْ أَجْر إِن أَجْري إِلاّ على اللّه ربّ العالَمين   ) .(١)

فقد ذكر سبحانه على لسان الأنبياء تلك الآية في سورة الشعراء ، ونقلها عن عديد من أنبيائه ، نظراء : نوح(٢) ، وهود(٣) وصالح(٤) ولوط(٥) وشعيب(٦) .

وقد جاء هذا الشعار في سور أُخرى نقلها القرآن الكريم عن رسله وأنبيائه ، فقد كانوا يخاطبون أُمَمهم بقولهم :

____________________

١ - الشورى : ١٠٩ .

٢ - الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

٣ - الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

٤ - الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

٥ - الشعراء :١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

٦ - الشعراء :١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ .

١٤١

(  قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْري إِلاّ على اللّه   ) .(١)

(  يا قَوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الّذي فطرني   ) .(٢)

فإذا كان هذا موقف الأنبياء من أُمّتهم ، فكيف يصحّ للنبيّ الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطلب الأجر ؟! بل هو أولى بأن يكون عمله خالصاً للّه ؛ لأنّه خاتم الرسل وأفضلهم ، وقد كان يرفع ذلك الشعار أيام بعثته ، بأمر منه سبحانه و يتلو قوله تعالى :(  قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكرى لِلْعالَمين   ) (٣) .

هذه هي حقيقة قرآنية لا يمكن إنكارها ، ومع ذلك نرى أنّه سبحانه يأمره في آية أُخرى بأن يطلب منهم مودّة القربى أجراً للرسالة ، ويقول :(  قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَودَّةَ فِي القُربى   ) .(٤)

فكيف يمكن الجمع بين هذه الآية ، وما تقدّم من الآية الخاصة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآيات الراجعة إلى سائر الأنبياء ، فإنّهمعليهم‌السلام كانوا على نهج واحد ؟

هذا هو السؤال المطروح في المقام ، والإجابة عليه تتوقَّف على نقل ما ورد حول الموضوع في القرآن الكريم ، فنقول :

الآيات التي وردت حول أجر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصناف أربعة :

الأوّل : أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً ، قال سبحانه :(  قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكرى لِلْعالَمين   ) .(٥)

____________________

١ - هود :٢٩ .

٢ - هود : ٥١ .

٣ - الأنعام : ٩٠ .

٤ - الشورى : ٢٣ .

٥ - الأنعام : ٩٠ .

١٤٢

الثاني : ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فيقول سبحانه :(  قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ على اللّهِ وهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهيد   ) .(١)

الثالث : ما يُعرّف أجره ، بقوله :(  قُلْ ما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه ِمِنْ أَجْرٍ إِلاّ مَنْ شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً   ) .(٢) فكان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة .

الرابع : ما يجعل مودّة القربى أجراً للرسالة ، ويقول :(  قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُربى   ) .

فهذه العناوين الأربعة لا بدّ أن ترجع إلى معنى واحد ، وهذا هو الذي نحاول أن نسلّط عليه الأضواء .

الجواب : أنّ لفظة الأجر يطلق على الأجر الدنيوي والأخروي غير أنّ المنفي في تلك الآيات بقرينة نفي طلبه عن الناس هو الأجر الدنيوي على الإطلاق ، ولذلك لم ينقل التاريخ أبداً أن يطلب نبيّ لدعوته شيئاً ، بل نقل خلافه .

هذه هي قريش تقدَّمت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي طليعتهم أبو الوليد ، فتقدّم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا بن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا ، حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به مُلكاً ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك ، طلبنا لك الطبَّ ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه ، فإنّه ربّما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، أو كما قال له .

____________________

١ - سبأ : ٤٧ .

٢ - الفرقان : ٥٧ .

١٤٣

حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستمع منه ، قال :أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال :فاسمع منّي قال : أفعل ، فقال : (  بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم * حم * تَنْزَيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحيم* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرآناً عَرَبِياً لِقَومٍ يَعْلَمُونَ * بَشيراً وَنَذِيراً فَأعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون * وَقالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مَمّا تَدْعُونا إِلَيْه   ) .(١)

ثمّ مضى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها يقرؤها عليه فلماّ سمعها منه عتبة ، أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه ، ثمّ انتهى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السجدة منها ، فسجد ثمّ قال :قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك .(٢)

هذا النصّ وغيره يعرب عن أنّ مدار الإثبات والنفي هو الأجر الدنيوي بعامة صوره ، وهذا أمر منفي جداً لا يليق لنبيّ أن يطلبه من الناس .

قال الشيخ المفيد : إنّ أجر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التقرُّب إلى اللّه تعالى هو الثواب الدائم ، وهو مستحقّ على اللّه تعالى في عدله وجوده وكرمه ، وليس المستحقّ على الأعمال يتعلَّق بالعباد ؛ لأنّ العمل يجب أن يكون للّه تعالى خالصاً ، وما كان للّه فالأجر فيه على اللّه تعالى دون غيره .(٣)

إذا عرفت ذلك ، فنقول :

إنّ مودّة ذي القربى وإن تجلّت بصورة الأجر حيث استثنيت من نفي الأجر ، لكنّه أجر صوري وليس أجراً واقعياً ، فالأجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّه في المقام يرجع إلى المُحِبّ قبل رجوعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك لأنّ مودّة ذي القربى تجرّ المُحِبّ إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة ، ويجعلهم أُسوة في

____________________

١ - فصّلت : ١ - ٥

٢ - السيرة النبوية : ١ / ٢٩٣ - ٢٩٤ .

٣ - تصحيح الاعتقاد : ٦٨ .

١٤٤

دينه ودنياه ، ومن الواضح أنّ الحُبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المُحِبّ قال الصادقعليه‌السلام :( ما أحبَّ اللّه عزّ و جلّ من عصاه ) ثمّ تمثَّل ، فقال :

تعصي الإله وأنت تظهر حبّه

هذا محال في الفعال بديع

لو كان حبّك صادقاً لأطعته

إنّ المحبّ لمن يحب مطيع(١)

وسيوافيك أنّ المراد من ذوي القربى ليس كلّ من ينتمي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنسب أو سبب ، بل طبقة خاصة من أهل بيته الذين عرفهم بأنّهم أحد الثقلين في قوله :( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) .(٢)

فإذا كان المراد من ذوي القربى هؤلاء الذين أنيط بهم أمر الهداية والسعادة فحبُّهم ومودَّتهم يرفع الإنسان من حضيض العصيان والتمرّد إلى عزّ الطاعة .

إنّ طلب المودة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعد ما فحصه وكتب وصفة : لا أُريد منك أجراً إلاّ العمل بهذه الوصفة ، فانّ عمل المريض بوصفة الطبيب و إن خرجت بهذه العبارة بصورة الأجر ، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب ، بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الأجر .

وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع ، كأن يقول : قل لا أسألكم عليه أجراً ، وإنّما أسألكم مودّة ذي القربى ، وليس الاستثناء المنقطع

____________________

١ - سفينة البحار : مادة حبَّب .

٢ - أخرجه الحاكم في مستدركه : ٣ / ١٤٨ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفاً بصحته على شرط الشيخين قلت : هذا حديث متواتر وقد ألَّف غير واحد من المحقّقين رسائل حوله .

١٤٥

أمراً غريباً في القرآن ، بل له نظائر مثل قوله :(  لا يسمعون فيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً   ) (١) . وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية ، حيث طرح السؤال ، و قال :

فإن قال قائل : فما معنى قوله :(  قُلْ لا أَسألكم عليهِ أَجْراً إِلاّ المَودَّة فِي القُربى   ) أَوَليس هذا يفيد أنّه قد سألهم مودّة القربى لأجره على الأداء ؟!

قيل له : ليس الأمر على ما ظننت لما قدّمنا من حجّة العقل والقرآن ، والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة لكنّه استثناء منقطع ، ومعناه قل لا أسألكم عليه أجراً لكنّي ألزمكم المودة في القربى و اسألكموها ، فيكون قوله :(  قُلْ لا أَسألكم عليهِ أَجْراً   ) كلاماً تاماً ، قد استوفى معناه ، ويكون قوله :(  إِلاّ المودّة في القُربى   ) كلاماً مبتدَأً , فائدته : لكن المودة في القربى سألتكموها ، وهذا كقوله :(  فَسَجَد المَلائِكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إلا إبْلِيس   ) (٢) . والمعنى فيه : لكنَّ إبليس وليس باستثناء من جملة(٣) .

وعلى ضوء ذلك يظهر معنى قوله سبحانه :( ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ   ) .(٤)

وقد تبَّين أنّ حبّ الأولياء والصالحين لصالح المحب قبل أن يكون لصالحهم .

كما تبَّين معنى قوله سبحانه في شأن ذلك الأجر :( ما أَسأَلكُمْ عليه مِنْ أَجْر إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً   ) .(٥)

____________________

١ - مريم : ٦٢ .

٢ - الحجر : ٣٠ - ٣١ .

٣ - تصحيح الاعتقاد : ٦٨ .

٤ - سبأ : ٤٧ .

٥ - الفرقان : ٥٧ .

١٤٦

فإنّ اتخاذ السبيل لا يخلو من أحد احتمالين :

١ - مودَّة القربى والتفاني في حبّهم الذي سينتهي إلى العمل بالشريعة الموجب لنيل السعادة .

٢ - نفس العمل بالشريعة الذي يصل إليها الإنسان عن طريق حبّهم ومودّتهم وبذلك ترجع الآيات الثلاث إلى معنى واحد من دون أن يكون بينهما أي تناف واختلاف وقد جاء الجمع بين مفاد الآيات الثلاث في دعاء الندبة الذي يشهد علو مضامينه على صدقه ، حيث جاء فيه :

( ثمّ جعلت أجر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مودّتهم في كتابك ، فقلت :(  لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى   ) ، وقلت : ما سألتكم من أجر فهو لكم ، وقلت :(  ما أسألكم عليه من أجر إلاّ من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً   ) ، فكانوا هم السبيل إليك ، والمسلك إلى رضوانك ) .

وإلى ذلك يشير شاعر أهل البيت و يقول :

موالاتهم فرضٌ ، وحبّهم هدى

وطاعتهم ودٍّ وودُّهم تقوى

* * *

وأمّا القربى فهو على وزن البشرى والزلفى بمعنى القرابة ، يقول الزمخشري : القربى مصدر كالزلفى والبشرى ، بمعنى القرابة والمراد في الآية :( أهل القربى ) .(١)

وقد استعمل القرآن الكريم لفظة القربى في عامة الموارد بالمضاف ، فتارة

____________________

١ - الكشاف : ٣ / ٨١ في تفسير الآية .

١٤٧

بلفظة ذي ، قال سبحانه :(  وِبالوالدين أَحساناً وذي القُربى واليَتامى   ) .(١)

وأُخرى بلفظة ذوي ، قال سبحانه :(  وَاتَى المال عَلى حُبِّهِ ذَوي القُربى وَاليَتامى   ) (٢)

وثالثة : بلفظة (أُولي) ، قال سبحانه :(  ما كان لِلنَّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَوكانُوا أُولي قُربى   ) .(٣)

و قد جاءت مرّة واحدة دون إضافة وهي نفس الآية المباركة ، فلأجل ذلك يلزم تقدير شيء مثل لفظة (أهل) كما قدَّره الزمخشري أو لفظاً غير ذلك مثل كلمة (ذي) أو (ذوي) أو (ذوي قربى) إلى هنا تمّت الإجابة عن السؤال الأوّل حول الآية .

السؤال الثاني : (٤)

دلَّت الآية الكريمة على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض مودّة ذي القربى ، على المسلمين ولكن يبقى هناك سؤال وهو أنّ الآية تحتمل وجهين :

أ - أن يكون المراد مودّة ذوي القربى من أقرباء النبي وأهل بيته .

ب - أن يكون المراد ودّ كلّ مسلم أقربائه وعشيرته ومَن يمُّت إليه بصلة ، وليس في الآية ما يدل على المعنى الأوّل .

أقول : إنّ ذي القربى كما علمت بمعنى صاحب القرابة والوشيجة النسبية ، ويتعَّين مورده بتعينُّ المنسوب إليه ، وهو يختلف حسب اختلاف موارد الاستعمال ،

____________________

١ - البقرة : ٨٣ .

٢ - البقرة : ١٧٧ .

٣ - التوبة : ١١٣ .

٤ - مضي السؤال الأوّل : ٢٥٨ .

١٤٨

ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام ، وهي :

الأشخاص المذكورون في الآية أو ما دلَّ عليه سياق الكلام .

فتارة يراد منه الأقرباء دون شخص خاص ، مثل قوله سبحانه :(  ما كانَ لِلنَّبي وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا ذوي قُربى   ) (١)

وقوله سبحانه :(  فَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُربى   ) .(٢)

فإنّ ذكر النبيّ والذين آمنوا معه آية على أنّ المراد قريب كلّ إنسان إليهما ، كما أنّ جملة(  فإذا قلتم فاعدلوا   ) آية أنّ المراد كلّ إنسان قريب إليه .

وأمّا قوله سبحانه :(  قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَةَ فِي القُربى   ) ، فالفعل المتقدّم عليه ، يعنى :(  لا أسألكم   ) ، آية أنّ المراد أقرباء السائل ، مثل قوله سبحانه :( ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرى فَلِلّهِ وَالرَّسُولِ وَلِذِي القُربى   ) (٣) ؛ فإنّ لفظة(  عَلى رَسُولِهِ   ) آية أنّ المراد أقرباء الرسول .

وعلى ذلك فلا بدّ من الرجوع إلى القرائن الحافَّة بالآية وتعيين المراد منه ، و بذلك ظهر أنّ المراد هو أقرباء الرسول .

يقول الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ناقداً انتخاب الخليفة الأوّل في السقيفة لأجل انتمائه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة :

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبيّ وأقرب(٤)

____________________

١ - التوبة : ١١٣ .

٢ - الأنعام : ١٥٢ .

٣ - الحشر : ٧ .

٤ - شرح ابن أبي الحديد : ١٨ / ٤١٦ .

١٤٩

السؤال الثالث :

إنّ سورة الشورى سورة مكّية ، فلو كان المراد من ذوي القربى هو عترته الطاهرة ، أعني : عليّاً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فلم يكن يومذاك بعض هؤلاء كالحسن والحسينعليهما‌السلام ؟ .

والجواب : أنّ الميزان في تمييز المكّي عن المدني ، أمران ، وكلاهما يدلان على أنّ الآية نزلت في المدينة المنوّرة .

الأمر الأوّل : دراسة مضمون الآيات فقد كانت مكافحة الوثنية والدعوة إلى التوحيد والمعاد هي مهمّة النبيّ قبل الهجرة ، ولم يكن المجتمع المكّي مؤهلاً لبيان الأحكام والفروع أو مجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ولذلك تدور أغلب الآيات المكّية حول المعارف والعقائد والعبرة بقصص الماضين ، و ما يقرب من ذلك .

ولمّا استتب له الأمر في المدينة المنورة واعتنق أغلب سكّانها الإسلام ، حينها سنحت الفرصة لنشر الإسلام وتعاليمه ولمناظرة اليهود والنصارى حيث كانوا يثيرون شبهاً ويجادلون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت آيات حول اليهود والنصارى في السور الطوال .

فلو كان هذا هو الميزان بغية تميّز المكّي عن المدني ، فالآية مدنية قطعاً دون ريب لعدم وجود أيَّة مناسبة لسؤال الأجر أو طلب مودّة القربى من أُناس لم يؤمنوا به ، بل حشَّدوا قواهم على قتله ، بخلاف البيئة الثانية فقد كانت تقتضي ذلك حيث التفَّ حوله رجال من الأوّس والخزرج وطوائف كثيرة من الجزيرة العربية .

١٥٠

الأمر الثاني : الاعتماد على الروايات والمنقولات .

فلو كان هذا هو الميزان فقد صرح كثير منهم بأنّ أربعةً آيات من سورة الشورى مكّية ، حتى أنّ المصاحف المطبوعة في الأزهر وغيره ، تصرّح بذلك و تُقرأ فوق السورة هذه الجملة : سورة الشورى مكية الآيات إلاّ ثلاث وعشرين ، وأربع وعشرين ، وسبع وعشرين .

أضف إلى ذلك أنّ كثيراً من المفسرّين والمحدِّثين صرّحوا بذلك .(١)

وهذا هو البقاعيّ مؤلّف (نظم الدرر وتناسب الآيات والسور) يصرّح بأنّ الآيات مكّية ، كما نقله المحقّق الزنجاني في ( تاريخ القرآن ) .(٢)

السؤال الرابع :

الإنسان مفطور على حبّ الجميل وكراهة القبيح فيكون الودّ أمراً خارجاً عن الاختيار ، فكيف يقع في دائرة السؤال ويطلبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المؤمنين مع أنّه كذلك .

والجواب :

أوّلاً : أنّ الحبّ لو كان أمراً خارجاً عن الاختيار فلا يتعلَّق به الأمر ، كما لا يتعلَّق به النهي ، مع أنّه سبحانه ينهى عن ودّ من حادَّ اللّه ورسوله ، ويقول :(  لا تَجد قَوماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ من حادّ اللّهَ وَرَسُولَهُ   ) .(٣)

____________________

١ - انظر الكشاف : ٣ / ٨١ تفسير الرازي : ٧ / ٦٥٥ تفسير أبي السعود في هامش تفسير الرازي نفس الصفحة تفسير أبي حيّان : ٧ / ٥١٦ تفسير النيسابوري : ٦ / ٣١٢ وأمّا من المحدّثين كمجمع الزوائد للهيتمي :٩ / ١٦٨ الصواعق المحرقة : ١٠١ - ١٣٥ .

٢ - تاريخ القرآن : ٥٧ .

٣ - المجادلة : ٢٢ .

١٥١

كما أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو إلى التراحم والتعاطف النابعين عن الودّ والحبّ ، ويقول :

( مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .(١)

كلّ ذلك يدل على أنّ الودّ والبغض ليس على النسق الذي وصفه السائل ، ولذلك نرى الدعوة الكثيرة إلى الحبّ في اللّه والبغض في اللّه .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في اللّه وتبغض في اللّه ) .(٢)

وقد كتب الإمام عليّعليه‌السلام إلى عامله في مصر مالك الأشتر رسالة قال فيها :( واشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبّة لهم ، واللطف بهم ) .(٣)

روى الخطيب في تاريخه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ) .(٤)

و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ؛ فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ) .(٥)

روى أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من أحبّني فليحبّ عليّ ) .(٦)

____________________

١ - مسند أحمد : ٤ / ٢٧٠ .

٢ - سفينة البحار : ٢ / ١١ مادة الحبّ .

٣ - نهج البلاغة : قسم الرسائل : الرسالة ٥٣ .

٤ - تاريخ بغداد : ٤ / ٤١٠ .

٥ - حلية الأولياء : ١ / ٨٦ .

٦ - مسند أحمد :٥ / ٣٦٦ صحيح مسلم : ج كتاب الفتن : ١١٩ .

١٥٢

و أخرج أحمد في مسنده عن الرسول : (من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمَّهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة ) .(١)

وثانياً : أنّ الإيصاء إنّما لا يفيد إذا لم يتوفر في الموصى له ملاك الحبّ والودّ كما إذا كان الرجل محطّاً للرذائل الأخلاقية ، وأمّا إذا كان الموصى له إنساناً مثالياً متحلّياً بفضائل الأخلاق ومحاسنها ، فإنّ الإيصاء به يعطف النظر إليه وبالتالي يجيش حبّه كلَّما تعمَّقت الصلة به .

وحاصل الكلام : أنّ دعوة الناس إلى الحبّ تقوم على إحدى دعامتين :

الأولى : الإشادة بفضائل المحبوب وكمالاته التي توجد في نفس السامع حبّاً وولعاً إليه .

الثانية : الإيصاء بالحبّ والدعوة إلى الودّ ، فانّه يعطف نظر السامع إلى الموصى له ، فكلَّما توطَّدت الأواصر بنيهما وانكشفت آفاق جديدة من شخصيته ازداد الحبّ والودّ له وعلى كلّ تقدير فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المحبوب التام لعامة المسلمين ، فحبُّه لا ينفك عن حبّ من أوصى بحبِّه وأمر بودّه .

وخير ما نختم به هذا البحث حديث مروي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقله صاحب الكشاف حيث قال ، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد بشرَّه ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد يُزفُّ إلى الجنّة كما تزفُّ العروس إلى بيت زوجها ،

____________________

١ مسند أحمد :١ / ٧٧ .

١٥٣

ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد فتح اللّه له في قبره بابين إلى الجنّة ، ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألاَ ومَن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيساً من رحمة اللّه ، ألاَ ومَن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألاَ ومَن مات على بغض آل محمّد لم يشمَ رائحة الجنّة ) .(١)

وروى أيضاً : أنّه لما نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( عليّ وفاطمة وأبناهما ) .(٢)

____________________

١ - الكشّاف :٣ / ٨٢ ، تفسير سورة الشورى ، ط عام ١٣٦٧ .

٢ - الكشّاف :٣ / ٨١ .

١٥٤

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٤ - الصلوات عليهم

إنّ مِن حقوق أهل البيتعليهم‌السلام هي الصلوات عليهم عند الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال سبحانه :(  إِنَّ اللّهَ وَمَلائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيّ يا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وََسَلِّمُوا تَسْلِيماً   ) .(١)

ظاهر الآية هو تخصيص الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن فهم الصحابة أنّ المراد هو الصلاة عليه وعلى أهل بيته ، وقد تضافرت الروايات على ضمّ الآل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند التسليم والصلاة عليه ، وقد جاء ذلك في الصحاح والمسانيد ، نقتصر منها على ما يلي :

١ - أخرج البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة ، قال : ألا أُهدي لك هدية سمعتها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : بلى ، فأهدها لي ، فقال : سألنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلنا : يا رسول اللّه ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فانّ اللّه قد علّمنا كيف نسلم ، قال :

( قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وعلى

____________________

١ - الأحزاب : ٥٦ .

١٥٥

آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حَميدٌ مجيد ) .(١)

وأخرجه أيضاً في كتاب التفسير عند تفسير سورة الأحزاب .(٢)

كما أخرجه مسلم في باب الصلاة على النبي من كتاب الصلاة .(٣)

٢ - أخرج البخاري أيضاً ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا يا رسول اللّه ، هذا التسليم فكيف نصلّي عليك ؟ قال : ( قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك ، كما صلّيت على آل إبراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم ) .(٤)

٣ - أخرج البخاري ، عن ابن أبي حازم عن يزيد ، قال : (كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمّد و آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) .(٥)

٤ - أخرج مسلم ، عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : أتانا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا اللّه تعالى أن نصِّلي عليك ، يا رسول اللّه : فكيف نصلي عليك ؟

قال : فسكت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تمنّينا أنّه لم يَسأله .

ثمّ قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على آل إبراهيم ،وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم

____________________

١ - صحيح البخاري : ٤ / ١٤٦ ضمن باب ( يزفُّون النَسَلان في المشي ) من كتاب بدء الخلق .

٢ - صحيح البخاري : ٦ / ١٥١ ، تفسير سورة الأحزاب .

٣ - صحيح مسلم : ٢ / ١٦ .

٤ - صحيح البخاري : ٦ / ١٥١ ، تفسير سورة الأحزاب .

٥ - المصدر السابق .

١٥٦

في العالمين إنّك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم ) .(١)

إنّ ابن حجر ذكر الآية الشريفة ، وروى جملة من الأخبار الصحيحة الواردة فيها ، وإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه ، لمّا سئل عن كيفية الصلاة والسلام عليه ، قال : وهذا دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الآية ، وإلاّ لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عُقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر ، فلمّا أُجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به ، وإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقامهم في ذلك مقام نفسه ؛ لأنّ القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ، ومنه تعظيمهم ، ومن ثمّ لمّا أُدخل من مرّفي الكساء ، قال :( اللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم ، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم ) ، وقضية استجابة هذا الدعاء : أنّ اللّه صلّى عليهم معه فحينئذٍ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه .

ويروى : لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال : تقولون :اللّهمّ صلّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ثمّ نقل عن الإمام الشافعي قوله :

يا أهل بيت رسول اللّه حبكم

فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له

فقال : فيحتمل : لا صلاة له صحيحة ، فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل ويحتمل : لا صلاة كاملة ، فيوافق أظهر قوليه .(٢)

____________________

١ صحيح مسلم : ٢ / ٤٦ ، باب الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد التشهد من كتاب الصلاة .

٢ الصواعق المحرقة : ١٤٦ ، ط عام ١٣٨٥هـ .

١٥٧

هذا كلّه حول الصلاة على الآل عند الصلاة على الحبيب .

وأمّا حكم الصلاة على آل البيت في التشهّد ، فقال أكثر أصحاب الشافعي : إنّه سنّة .

وقال التربجي : من أصحابه هي واجبة ، ولكنّ الشعر المنقول عنه يدل على وجوبه عنده ، ويؤيده رواية جابر الجعفي - الذي كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وفي طبقة الفقهاء ، عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من صلّى صلاة لم يصلِّ فيها عليّ ولا أهل بيتي لم تقبل منه ) .(١)

وأبو جعفر الجعفي ممَّن ترجمه ابن حجر في تهذيبه ، ونقل عن سفيان في حقّه :

ما رأيت أورع في الحديث منه ، وقال وكيع : مهما شككتم في شيء فلا تشكّوا في أنّ جابراً ثقّة .

وقال سفيان أيضاً لشعبة : لأن تكلَّمت في جابر الجعفي لأتكلمنَّ فيك إلى غير ذلك .(٢)

قال ابن حجر : أخرج الدار قطني والبيهقي حديث من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عَلَيّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه ، وكأنّ هذا الحديث هو مستند قول الشافعي إنّ الصلاة على الآل من واجبات الصلاة ، كالصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنّه ضعيف ، فمستنده الأمر في الحديث المتّفق عليه ، قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، والأمر للوجوب حقيقة على الأصحّ .(٣)

وقال الرازي : إنّ الدعاء للآل مَنصبٌ عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء

____________________

١ - سنن الدارقطني : ١ / ٣٥٥ .

٢ - تهذيب التهذيب : ٢ / ٤٦ .

٣ - الصواعق المحرقة : ٢٣٤ ، ط الثانية ، عام ١٣٨٥هـ .

١٥٨

خاتمة التشهد في الصلاة ، وقوله : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد .

وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل ، فكلّ ذلك يدل على أنّ حبّ آل محمّد واجب ، وقال الشافعي :

يا راكباً قف بالمحصَّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضاً كما نظم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبُّ آل محمد

فليشهد الثقلان أنّي رافضي(١)

وقال النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى :(  قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّة فِي القُربى   ) كفى شرفاً لآل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفخراً ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كلّ صلاة .(٢)

وروى محبّ الدين الطبري في الذخائر عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رض) عنه أنّه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أُصلِّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنّها تقبل .(٣)

وقال المحقّق الشيخ حسن بن عليّ السقاف : تجب الصلاة على آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد الأخير على الصحيح المختار ، لأنّ أقصر صيغة وردت عن سيدنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبت فيها ذكر الصلاة على الآل ، ولم ترد صيغة خالية منه في صيغ تعليم الصلاة ، فقد تقدّم حديث سيدنا زيد بن خارجة ، أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

____________________

١ تفسير الفخر الرازي :٢٧ / ١٦٦ ، تفسير سورة الشورى .

٢ تفسير النيسابوري : تفسير سورة الشورى .

٣ ذخائر العقبى :١٩ ، ذكر الحثّ على الصلاة عليهم .

١٥٩

( صلّوا عليّ واجتهدوا في الدعاء ، وقولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ) .(١)

بلاغ وإنذار :

لقد تبيّن ممّا سبق كيفية الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و انّه لا يصلّى عليه إلاّ بضم الآل إليه ، ومع ذلك نرى أنّه قد راجت الصلاة البتراء بين أهل السنَّة في كتبهم ورسائلهم ، مع أنّ هذه البلاغات من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصب أعينهم ولكنَّهم رفضوها عملاً واكتفوا بالصلاة عليه خاصة ، حتى أنّ ابن حجر الهيتمي (٨٩٩ - ٩٧٤هـ) نقل كيفية الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن كتابه المطبوع مليء بالصلاة البتراء .وإليك نصّ ما قال : ويروى لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، قالوا : وما الصلاة البتراء ، قال :تقولون : اللّهمّ صلّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد .

ولا ينافي ما تقرّر حذف الآل في الصحيحين ، قالوا : يا رسول اللّه : كيف نصلّي عليك ؟ قال : قولوا اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى أزواجه وذريّته ، كما صلّيت على إبراهيم إلى آخره .

لأنّ ذكر الآل ثبت في روايات أُخر ، وبه يعلم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ذلك كلّه فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظه الآخر .(٢)

وفي الختام نذكر ما ذكره الرازي ، أنّه قال : أهل بيته ساووه في خمسة أشياء : في الصلاة عليه وعليهم في التشهّد ، وفي السلام ، والطهارة ، وفي تحريم الصدقة ، وفي المحبّة .(٣)

____________________

١ - صحيح صفة صلاة النبيّ : ٢١٤ .

٢ - الصواعق المحرقة :١٤٦ ، ط الثانية ، عام ١٣٨٥ .

٣ - الغدير : ٢ / ٣٠٣ ، ط طهران نقله عن تفسير الرزاي : ٧ / ٣٩١ ولم نعثر عليه في الطبعتين .

١٦٠

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٥ - دفع الخمس إليهم

الأصل في ضريبة الخمس ، قوله سبحانه :(  وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ   ) (١)

نزلت الآية يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان وهي غزوة بدر الكبرى ، واختلف المفسّرون في تفسير الموصول في (ما غنمتم ) هل هو عام لكلّ ما يفوز به الإنسان في حياته ، كما عليه الشيعة الإمامية ، أو خاص بما يظفر به في الحرب ، وهذا بحث مهم لا نحوم حوله ، لأنّه خارج عّما نحن بصدده ، وقد أشبعنا الكلام فيه في كتابنا (الاعتصام بالكتاب والسنّة) وأثبتنا بفضل القرآن والأحاديث النبوية أنّ الخُمس يتعلَّق بكلّ ما يفوز به الإنسان في حياته ، وأنّ نزول الآية في مورد الغنائم الحربية لا يُخصّص الحكم الكلّي .(٢)

____________________

١ - الأنفال : ٤١ .

٢ - الاعتصام بالكتاب والسنَّة : ٩١- ١٠٥ .

١٦١

إنّما الكلام في تبيين مواضع الخمس ، وقد قسّم الخُمس في الآية إلى ستّة أسهم ، أعني : للّه وللرسول ولذي القربى واليتامى و المساكين وابن السبيل .

فالسهمان الأوّلان واضحان ، إنّما الكلام في السهم الثالث وما بعده ، فالمراد من ذي القربى هم أقرباء النبيّ وذلك بقرينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قد سبق منّا القول في تفسير آية المودة : أنّ تبيين المراد من القربى رهن القرائن الحافَّة بالآية فربّما يراد منها أقرباء الناس ، مثل قوله :(  وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى   ) .(١)

المراد أقرباء المخاطبين ، بقرينة قوله :(  قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ   ) ، نظير قوله : (  وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى   ) والمراد أقرباء الميت .

وعلى ضوء ذلك فإذا تقدَّم عليه لفظ (الرسول ) يكون المراد منه أقرباء الرسول كما في الآية(  وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى   ) ، ومثله قوله :(  مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ   ) .(٢) وقوله :(  فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ   ) .(٣) فالمراد من ذي القربى هم أقرباء الرسول بقرينة توجَّه الخطاب إليه أعني (فآت ) .

ومنه يعلم المراد من المساكين في الآيتين وآية الخمس ، أي : مساكينَ ذي القربى وأيتامهم وأبناء سبيلهم .

هذا هو المفهوم من الآية ، وعلى ما ذكرنا فكلّما يفوز به الإنسان في مكسبه ومغنمه أو ما يفوز به في محاربة المشركين والكافرين ، يُقسم خمسه بين ستة سهام كما عرفت .

____________________

١ - الأنعام : ١٥٢ .

٢ - الحشر : ٧ .

٣ - الروم : ٣٨ .

١٦٢

ويؤيّده الروايات التالية :

١ - روي عن ابن عبّاس : كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم الخمس على ستة : للّه وللرسول سهمان وسهم لأقاربه ، حتى قبض .(١)

٢ - وروي عن أبي العالية الرياحي : كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُؤتى بالغنيمة فيقسّمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفّه ، فيجعله للكعبة وهو سهم اللّه ، ثم يقسَّم ما بقي ، على خمسة أسهم : فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل قال : والذي جعله للكعبة فهو سهم اللّه .(٢)

وأمّا تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل ، فلأجل الروايات الدالة على أنّه لا تحلّ لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس .

أخرج الطبري عن مجاهد ، إنّه قال : كان آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تحلّ لهم الصدقة فجعل لهم الخمس .(٣)

و أخرج أيضاً عنه : قد علم اللّه أنّ في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة .(٤)

كما تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ السهام الأربعة من الخمس ، لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .(٥)

____________________

١ - تفسير النيسابوري : ١٠ / ٤ ، المطبوع بهامش الطبري .

٢- تفسير الطبري : ١٠ / ٤ أحكام القرآن : ٣ / ٦٠ .

٣ - الظاهر زيادة لفظ (خمس) بقرينة ما نقله ثانياً عن مجاهد .

٤ - تفسير الطبري : ١٠ / ٥ .

٥ - الوسائل : ٦ / الباب ٢٩ من أبواب المستحقّين للزَّكاة .

١٦٣

هذا ظاهر الآية ويا للأسف لعب الاجتهاد دوراً كبيراً في تحويل الخمس عن أصحابه وظهرت أقوال لا توافق النصّ القرآني ، وإليك مجملاً من آرائهم :

١ - قالت الشافعية والحنابلة : تقسم الغنيمة ، وهي الخمس إلى خمسة أسهم : واحد منها سهم الرسول ويصرف على مصالح المسلمين ، وواحد يعطى لذوي القربى وهم من انتسب إلى هاشم بالأبوة من غير فرق بين الأغنياء والفقراء ، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أو من غيرهم .

٢ - وقالت الحنفية : إنّ سهم الرسول سقط بموته ، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول .

٣ - وقالت المالكية : يرجع أمر الخمس إلى الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة .

٤ - وقالت الإمامية : إنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوِّض أمرها إلى الإمام أو نائبه ، يضعها في مصالح المسلمين ، والأسهم الثلاثة الباقية تعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم .(١)

٥ - وقال ابن قدامة في المغني بعد ما روى أنّ أبا بكر وعمر قسَّما الخمس على ثلاثة أسهم : وهو قول أصحاب الرأي ، أبي حنيفة وجماعته ، قالوا : يقسّم الخمس على ثلاثة : اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، وأسقطوا سهم رسول اللّه بموته وسهم قرابته أيضاً .

٦ - وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال .

٧ - وقال الثوري : والخمس يضعه الإمام حيث أراه اللّه عزّ وجلّ .

____________________

١ - الفقه على المذاهب الخمسة : ١٨٨ .

١٦٤

وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية ؛ فإنّ اللّه تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً ، كما سمّى الثلاثة أصناف الباقية ، فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب ، وأمّا جعل أبي بكر وعمر سهم ذي القربى ، في سبيل اللّه ، فقد ذُكر لأحمد فسكت وحرّك رأسه ولم يذهب إليه ، و رأى أنّ قول ابن عبّاس ومن وافقه أولى ، لموافقته كتاب اللّه وسنة رسوله .(١)

وقد أجمع أهل القبلة كافّة على أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يختصّ بسهم من الخمس ويخصّ أقاربه بسهم آخر منه ، وأنّه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه اللّه إليه ، واختار اللّه له الرفيق الأعلى .

فلمّا ولى أبو بكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبيّ وسهم ذي القربى بموت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و منع بني هاشم من الخمس ، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم .

قال الزمخشري عن ابن عبّاس : الخمس على ستة أسهم : للّه ولرسوله سهمان ، وسهم لأقاربه ، حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة ، وكذلك روي عن عمر و من بعده من الخلفاء ، قال : وروي أنّ أبا بكر منع بني هاشم الخمس .(٢)

وقد أرسلت فاطمةعليها‌السلام ، تسأله ميراثها من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فَوَجَدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه

____________________

١ - الشرح الكبير على هامش المغني : ١٠ / ٤٩٣ - ٤٩٤ .

٢ - الكشاف : ٢ / ١٢٦ .

١٦٥

حتى توفيت ، وعاشت بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستة أشهر ، فلما تُوفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يُؤذِن بها أبا بكر ، وصلّى عليها .(١)

وفي صحيح مسلم عن بريد بن هرمز ، قال : كتب نجدة بن عامر (الحروري الخارجي) إلى ابن عبّاس ، قال ابن هرمز : فشهدت ابن عبّاس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه ، وقال ابن عبّاس : واللّه لولا أن أرد عن نَتْن يقع فيه ، ما كتبت إليه ولا نُعْمةَ عينٍ ، قال : فكتب إليه إنّك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكرهم اللّه من هم ؟ وإنّا كنّا نرى أنّ قرابة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا .(٢)

____________________

١ - صحيح البخاري : ٣ / ٣٦ باب غزوة خيبر .

٢ - صحيح مسلم : ٢ / ١٠٥ ، كتاب الجهاد و ١٦٧ السير ، باب النساء الغازيات .

١٦٦

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٦ - الفيء لأهل البيتعليهم‌السلام

الفيء عبارة عن الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بلا خيل ولا ركاب ، فإنّ هذه الأموال تقع تحت تصرّف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتباره رئيساً للدولة الإسلامية ، وكان الفيء في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمراً هاماً في تنمية الثروة في المجتمع الإسلامي ، ولا سيّما انتقال الثروة من يد الأغنياء إلى يد الفقراء .

والأساس فيه قوله سبحانه :(  وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ   ) .(١)

(  مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ   ) .(٢)

بيّن سبحانه أحكام الفيء ، وقال :(  وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ   )

____________________

١ - الحشر : ٦ .

٢ - الحشر : ٧ .

١٦٧

الضمير يرجع إلى اليهود ، ولكن الحكم سار على جميع الكفّار .

(  فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ   ) أي : الفيء عبارة عن الأموال التي استوليتم عليها بلا إيجاف خيل ولا إبل ولم تسيروا إليها على خيل ولا إبل .

هذا هو الفيء ، وأمّا المواضع التي يصرف بها هذا الفيء فقد بيَّنها سبحانه في الآية الثانية ، وقال :(  مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى   ) ، أي ما ردَّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك اللّه إيّاهم ذلك ،(  فَلِلَّهِ   ) و(  وَلِلرَّسُولِ   ) و(  وَلِذِي الْقُرْبَى   ) ، فهو للّه بالذات وللرسول و لذي القربى بتمليك اللّه إيّاه .

والمراد من ذي القربى بقرينة الرسول أهل بيت رسول اللّه وقرابته ، و هم بنو هاشم .

(  وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ   ) ، أي : منهم ؛ بقرينة الرسول ، فيكون المعنى ويتامى أهل بيته ومساكينهم وأهل السبيل منهم .

وعلى ذلك فالفيء يقسّم على ستّة أسهم :

١ - سهم للّه المالك لكلّ شيء غير محتاج لشيءٍ ، جعل نفسه قريناً لسائر الأسماء تكريماً لهم .

٢ - سهم الرسول وهو يؤمّن بذلك حاجاته وحاجة الدولة الإسلامية .

٣ - سهم ذوي القربى ، أي : أقرباء الرسول ، فبما أنّ الصدقة تحرم عليهم حلّ ذلك محلّه .

٤ - سهم اليتامى .

٥ - سهم المساكين .

٦ - سهم أبناء السبيل .

١٦٨

وبكلمة جامعة :

( الغنيمة ) - كلّما أُخذ من دار الحرب بالسيف عنوة ممّا يمكن نقله إلى دار الإسلام ، وما لا يمكن نقله إلى دار الإسلام - لجميع المسلمين ينظر فيه الإمام ، ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين .

(الفيء ) - كلّما أخذ من الكفّار بغير قتال أو انجلاء أهلها - للنبيّ ، يضعه في المذكورين في هذه الآية ، ولمن قام مقامه من الأئمّة وقد بيّنه سبحانه في ضمن الآيتين .(١)

____________________

١ - التبيان : ٩ / ٥٦٤ .

١٦٩

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٧ - الأنفال لأهل البيتعليهم‌السلام

وردت لفظة (الأنفال ) في القرآن مرّتين في آية واحدة ، قال سبحانه :(  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ للّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنين   ) .(١)

أقول : إنَّ الضرائب الواردة في القرآن الكريم لا تتجاوز الأربع :

أ - الزكاة ومقسمها ثمانية .

ب - الخمس ومقسمه هو الستة .

ج - الفيء ومقسمه مقسم الخمس كما عرفت .

د - الأنفال ومقسمها اثنان ، وهما ما ذكر في الآية من قوله : (  للّهِ والرَّسُول   ) ، لكن الكلام في بيان المراد من الأنفال .

اختلف المفسّرون في تفسير الأنفال اختلافاً كثيراً ، والذي يمكن أن يقال : أنّ الأنفال من :النفل وهو الزائد من الأموال ، فيشمل كلّ زائد عن حاجات

____________________

١ - الأنفال : ١ .

١٧٠

الحياة ، ولكن السنّة المروية عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام فسّرته بالنحو التالي :

١ - روى حفص البختري عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : ( الأنفال ما لم يوجف عليه بخيلٍ أو ركابٍ ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أُعطوا بأيديهم ، وكلّ أرض خربة ، وبطون الأودية ، فهو لرسول اللّه ، وهو للإمام بعده يضعه حيث يشاء ) .(١)

٢ - وروى حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا ، عن الإمام الكاظمعليه‌السلام في حديث : ( والأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها ، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركابٍ ، ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال ، وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها ، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب ، لأنّ الغصب كلّه مردود ، و هو وارث من لا وارث له ، يعول من لا حيلة له ) .(٢)

٣ - موثّقة إسحاق بن عمّار المروية في تفسير القمّي قال : سألت أبا عبد اللّهعليه‌السلام عن الأنفال ، فقالعليه‌السلام : ( هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها ، فهي للّه وللرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان للملوك فهو للإمام ، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها ، من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال ) . (٣)

إلى غير ذلك من الروايات .

وعلى الرواية الأولى يكون الفيء من أقسام الأنفال ، ولم نجد في تفاسير أهل السنّة من يوافق الشيعة الإمامية في تفسير الأنفال إلاّ شيئاً قليلاً ، فقد عقد أبو

____________________

١ - وعلى هذا يكون الفيء قسماً من الأنفال .

٢ - وسائل الشيعة : ٦ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ١ ، ٤ ، ٢٠ .

٣ - وسائل الشيعة : ٦ ، الباب الأوّل من أبواب الأنفال ، الحديث ١ ، ٤ ، ٢٠ .

١٧١

إسحاق الشيرازي باباً للأنفال وفسّرها بقوله : يجوز لأمير الجيش أن ينفل لمن فعل فعلاً يفضي إلى الظفر بالعدو ، كالتجسيس ، والدلالة على طريق أو قلعة ، أو التقدّم بالدخول إلى دار الحرب أو الرجوع إليها بعد خروج الجيش منها .(١)

____________________

١ - المهذّب في فقه الإمام الشافعي : ٢ / ٢٤٣ .

١٧٢

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٨ - ترفيع بيوتهم

لقد أذن اللّه تعالى في ترفيع البيوت التي يذكر فيها اسمه ويسبِّح له بالغدوِّ والآصال في آية مباركة ، وقال : (  فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ   ) .(١)

وتفسير الآية رهن دراسة أمرين :

الأوّل : ما هو المقصود من البيوت ؟

الثاني : ما هو المراد من الرفع ؟

أمّا الأوّل فربّما قيل : إنّ المراد من البيوت هو المساجد .

قال صاحب الكشّاف :(  فِي بُيُوتٍ   ) يتعلّق بما قبله ، مثل نوره كمشكاة في بعض بيوت اللّه ، وهي المساجد(٢)

ولكنّ الظاهر أنّ التفسير غير صحيح ؛ لأنّ البيت هو البناء الذي يتشكَّل

____________________

١ - النور : ٣٦ - ٣٧ .

٢ - الكشاف : ٢ / ٣٨٩

١٧٣

من جدران أربعة وعليها سقف قائم ، فالكعبة بيت اللّه لأجل كونها ذات قوائم أربعة وعليها سقف ، والقرآن يعبّر عن البيت بالمكان المسقَّف ، ويقول : (  وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ   ) (١)

فالمستفاد من الآية أنّ البيت لا ينفكّ عن السقف ، هذا من جانب ومن جانب آخر : لا يشترط في المساجد وجود السقف ، هذا هو المسجد الحرام تراه مكشوفاً تحت السماء ودون سقف يظلّله .

وقد ورد لفظ البيوت في القرآن الكريم (٣٦ مرّة ) بصور مختلفة ، واستعمل في غير المسجد ، يقول سبحانه :(  طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ   ) (٢) (  وَاذْكُرُن ما يُتلى في بُيوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّه وَالحِكْمَة   ) (٣)

إلى غير ذلك من الآيات ، فكيف يمكن تفسيره بالمساجد ؟

وبما أنّ جميع المساجد ليس على هذا الوصف ، التجأ صاحب الكشّاف بإقحام كلمة ( بعض ) ، وقال : في بعض بيوت اللّه وهي المساجد ، وهو كما ترى ، وهناك حوار دار بين قتادة فقيه البصرة وأبي جعفر الباقرعليه‌السلام يؤيّد ما ذكرنا .

حضر قتادة في مجلس الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام فقال له الإمام :من أنت ؟

قال : أنا قتادة بن دعامة البصري .

فقال أبو جعفر :أنت فقيه أهل البصرة ؟

فقال : نعم قال قتادة : أصلحك اللّه ، ولقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدام ابن عبّاس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ، ما اضطرب قدّامك!

____________________

١ - الزخرف : ٣٣ .

٢ - البقرة : ١٢٥

٣ - الأحزاب : ٣٤ .

١٧٤

فقال أبو جعفرعليه‌السلام :ما تدري أين أنت ؟ أنت بين يدي : (  بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ   ) ونحن أُولئك .

فقال له قتادة : صدقت ، واللّه جعلني فداك ، واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين(١)

و يؤيّد ما رواه الصدوق في الخصال عن النبيّص : أن اللّه اختار من البيوتات أربعة ، ثمّ قرأ هذه الآية : (ِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ َ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ   ) (٢) .(٣)

وعلى هذا الحوار فالمراد من البيت ، بيت الوحي وبيت النبوَّة ، ومن يعيش في هذه البيوت من رجال لهم الأوصاف المذكورة في الآية الكريمة .

هذا كلّه حول الأمر الأوّل .

وأمّا الأمر الثاني ، أعني ما هو المراد من الرفع ؟ فيحتمل وجهين :

الأوّل : أن يكون المراد الرفع المادي الظاهري الذي يتحقّق بإرساء القواعد وإقامة الجدار والبناء ، كما قال سبحانه : (  وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ   ) (٤) و على هذا تدلّ الآية على جواز تشييد بيوت الأنبياء والأولياء وتعميرها في حياتهم بعد مماتهم .

الثاني : أن يكون المراد الرفع المعنوي والعظمة المعنوية ، وعلى هذا تدل الآية بتكريم تلك البيوت وتبجيلها وصيانتها وتطهيرها ممّا لا يليق بشأنها .

____________________

١ - البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ١٣٨ .

٢ - آل عمران : ٣٣ - ٣٤ .

٣ - الخصال : ١ / ١٠٧ .

٤ - البقرة : ١٢٧ .

١٧٥

قال الرازي : المراد من رفعها : بنائها ؛ لقوله تعالى :(  رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا   ) (١) و ثانيها (ترفع ) أي : تعظّم(٢)

هذا كلّه حسب ما تدلّ عليه الآية ، وأمّا بالنظر إلى الروايات فنذكر منها ما يلي :

١ - روى الحافظ السيوطي عن أنس بن مالك وبريدة ، أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ قوله تعالى :(  في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ   ) فقام إليه رجل وقال : أيّ بيوت هذه يا رسول اللّه ؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :بيوت الأنبياء .

فقام إليه أبو بكر وقال : يا رسول اللّه ، وهذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمةعليهما‌السلام .

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :نعم من أفاضلها . (٣)

٢ - روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد و أبي يوسف ، يعقوب بن سفين ، قال ابن عبّاس في قوله تعالى :(  وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً   ) : إنّ دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة ، فنزل عند أحجار الزيت ، ثمّ ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه ، فمضوا الناس إليه إلاّ علي والحسن والحسين وفاطمةعليهم‌السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب ، وتركوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائماً يخطب على المنبر ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد نظر اللّه يوم الجمعة إلى مسجدي فلولا

____________________

١ - النازعات : ٢٨ .

٢ - تفسير الفخر الرازي : ٢٤ / ٣ .

٣ - تفسير الدر المنثور : ٥ / ٥٠ .

١٧٦

هوَلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لأضرمت المدينة على أهلها ناراً ، وحُصبوا بالحجارة كقوم لوط ، ونزل فيهم رجال لا تلهيهم تجارة .(١)

وقد وصف الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام هؤلاء الرجال الذين يسبِّحون في تلك البيوت ؛ عند تلاوته :(  رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ   ) :وإنّ للذكر لأهلاً أخذوه من الدُّنيا بدلاً ، فلم يشغلهم تجارة ولا بيع عنه ، يقطعون به أيام الحياة ، ويهتفون بالزواجر عن محارم اللّه في أسماع الغافلين ، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به ، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه فكأنَّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنّما اطَّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه ، وحقَّقت القيامة عليهم عِداتهُا ، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا ، حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون (٢)

____________________

١ - البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ١٣٩ .

٢ - نهج البلاغة : الخطبة ٢٢٢ .

١٧٧

خاتمة المطاف

أهل البيت في كلام الإمام عليعليه‌السلام

إلى هنا تمّ ما أردنا استعراضه من سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم ، ولو حاول الباحث أن يستعرض أوصافهم وخصوصيّاتهم الواردة في الأحاديث النبوية لاحتاج إلى تأليف مفرد ، و بما أنّ محور بحوثنا هو القرآن الكريم اقتصرنا على ذلك ، وهذا لا يمنعنا أن نذكر ما روي عن عليعليه‌السلام في ذلك المجال :

١ - يقول في حقّهم :( فَإنّهم عيش العلم ، وموت الجهل ، هم الذين يُخبركم حُكمُهم عن علمهم ، وصَمتُهم عن منطقهم ، وظاهرهُم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ، ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهدُ صادق ، وصامت ناطق ) (١)

٢ - وفي خطبة أُخرى :( لا يقاس بآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأمّة أحد ، ولا يُسوَّى بهم مَن جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساسُ الدين ، وعمادُ اليقين ، إليهم يفيءُ الغالي ، وبهم يُلحق التالي ، ولهم خصائص حقِّ الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، الآن إذا رجع الحقّ إلى أهله ، ونُقل إلى منتقله ) (٢)

____________________

١ - نهج البلاغة : الخطبة ١٤٧ .

٢ - نهج البلاغة : الخطبة ٢ .

١٧٨

٣ - وقالعليه‌السلام :( نحنُ الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوتُ إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سُمّي سارق ) .

منها : فيهم كرائمُ القرآن ، وهم كنوز الرحمن ، إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يسبقوا . (١)

٤ - وقالعليه‌السلام :( ألا إنّ مثل آل محمّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كَمَثَلِ نجوم السَّماء : إذا خوى نجم ، طَلَعَ نَجم ، فكأنّكم قد تكاملت من اللّه فيكم الصنائع ، وأراكم ما كنتم تأملون ) (٢)

٥ - وقالعليه‌السلام :( ألا وإنّ لكلِّ دمٍ ثائراً ، ولكلِّ حقٍّ طالباً وإنَّ الثّائِرَ في دمائِنا كالحاكِمِ في حقِّ نفسِهِ ، وهُوَ اللّهُ الذي لا يُعجِزُهُ من طَلَبَ ، ولا يفُوتُهُ من هرب ) (٣)

٦ - وقالعليه‌السلام :( أيّها الناس ، خذوها عن خاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يموت من ماتَ منّا وليس بميِّت ، ويبلى من بَلي منَّا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرِفُون ، فإنّ أكثرَ الحقِّ فيما تُنكِرون ، واعذِروا من لا حُجّة لكم عليه - و هو أنّا - ألم أعمل فيكم بالثَّقل الأكبر ، وأترُك فيكم الثَّقل الأصغر ، قد ركْزتُ فيكُمْ راية الإيمانِ ، ووقفتُكُم على حُدودِ الحلالِ والحرام ، وألبستُكُمُ العافيةَ من عدلي ، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي ،وأريتُكُم كرائمَ الأخلاقِ من نفسي ، فلا تستعملوا الرأيَ فيما لا يُدْرِكُ قعرَهُ البصرُ ، ولا تتغلغل إليهِ الفِكر ) .(٤)

إلى غير ذلك الكلمات الناصعة في خطبه ورسائله وقصار كلمه ممّا نقله

____________________

١ - نهج البلاغة : الخطبة ١٥٤.

٢ - نهج البلاغة : الخطبة ١٠٠.

٣ - نهج البلاغة : الخطبة ١٠٥.

٤ - نهج البلاغة : الخطبة ٨٧.

١٧٩

الرضي في (نهج البلاغة ) وغيره في الكتب الحديثية والتاريخية ، ولنقتصر على ذلك ؛ فإنّ الإفاضة في القول في هذا المضمار يوجب الإطالة .

* * *

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين

جعفر السبحاني

قم - مؤسّسة الإمام الصادقعليه‌السلام

في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق ل- ١٢ من شهر رمضان المبارك

من شهور عام ١٤٢٠ هـ

١٨٠

181

182