الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ0%

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
ISBN: 978-600-5213-37-9
الصفحات: 233

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف: علي موسى الكعبي
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-37-9
الصفحات: 233
المشاهدات: 138694
تحميل: 7182

توضيحات:

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138694 / تحميل: 7182
الحجم الحجم الحجم
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف:
ISBN: 978-600-5213-37-9
العربية

والكرم ، توفي بشيراز ودفن حيث مرقده اليوم مزار متبرك به ، وقيل دخل شيراز من جور العباسيين ، واختفى بمكان فكان يكتب القرآن ، وقد اعتق ألف نسمة من أجرة كتابته(١) .

١٠ـفاطمة عليها‌السلام : لها منزلة عظيمة ، وكرامات كثيرة وهي فاطمة الكبرى ، المدفونة في قم ، قيل : إن ولادتها في المدينة غرة ذي القعدة سنة (١٧٩ ه‍ ) ، أي في نفس السنة التي حمل فيها الرشيد الإمامعليه‌السلام إلى بغداد ، وخرجت فاطمة تقصد أخاها الرضاعليه‌السلام في سنة (٢٠١ ه‍ ) ، فلما وصلت إلى ساوة مرضت ، فطلبت حملها إلى قم ، ونزلت في بيت موسى بن خزرج الأشعري ، ثم توفيت فأمر موسى بدفنها في أرض كانت له ، ودفنت إلى جنبها أم محمد بنت موسى بن محمد بن علي الرضاعليه‌السلام ، وميمونة أختها ، وأم القاسم بنت علي الكوكبي ، وجاءت عدة روايات في فضل زيارتها مروية عن أبي الحسن الرضا والجوادعليهما‌السلام (٢) .

اُخوته :

كان لأبي الحسنعليه‌السلام ستة أخوة وهم : إسماعيل ، وعبد الله ، وإسحاق ، ومحمد ، والعباس ، وعلي ، وثلاث أخوات وهن : أم فروة ، وأسماء ، وفاطمة(٣) .

___

(١) الارشاد ٢ : ٢٤٥ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٤٥ و ٢٨٤ و ٢٩٠ و ٣١٦ ، ملحقات إحقاق الحق ٣٣ : ٨٣٣ ، الفصول المهمة : ٢٣٢.

(٢) كامل الزيارات : ٣٢٤ / ١ و ٢ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٦٧ / ١ ، ثواب الأعمال : ٩٨ ، تاريخ قم : ٢١٣ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٨٠.

(٣) الارشاد ٢ : ٢٠٩ ، تاج المواليد : ٤٥ ، الهداية الكبرى : ٢٤٧ ، تاريخ أهل البيتعليهم‌السلام : ١٠٥ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٥.

١٠١

في سيرة بعضهم :

١ـإسحاق : هو ومحمد أخوا الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام لاُمه وأبيه. وكان إسحاق من أهل الفضل والصلاح والورع والاجتهاد ، وروى عنه الناس الحديث والآثار ، وكان ابن كاسب إذا حدث عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر ، وكان إسحاق يقول بإمامة أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وروى عن أبيه النص بالإمامة على أخيه موسىعليه‌السلام (١) .

وقال ابن عنبة :«ويكنى أبا محمد ، ويلقب المؤتمن ، وولد بالعريض ، وكان من أشبه الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُمه أم أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام ، وكان محدثاً جليلاً ، وادّعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة ، وكان سفيان بن عيينة إذا روى عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام .

وهو زوج السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن السبطعليه‌السلام صاحبة الروضة المعروفة بالقاهرة بالست نفيسة ، سافرا معاً إلى مصر ، وأقاما بالفسطاط(٢) .

٢ـإسماعيل : وكان أبوه الصادقعليه‌السلام شديد المحبة له والبرّ به والاشفاق عليه ، وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعده ، إذ كان أكبر اُخوته سناً ، ولميل أبيه إليه وإكرامه له ، لكنه مات في حياة أبيه بالعريض(٣) سنة (١٤٣ ه‍ ) ، وقيل : سنة (١٣٣ ه‍ ) ، وحمل على رقاب الرجال ، وتقدم الصادقعليه‌السلام سريره بلا حذاء ولا رداء ، وأمر بوضع سريره على الأرض

___

(١) الارشاد ٢ : ٢١١.

(٢) بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٩.

(٣) العريض : واد بالمدينة فيه بساتين نخل.

١٠٢

قبل دفنه مراراً كثيرة ، وكان يكشف عن وجهه يريدعليه‌السلام بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته له من بعده ، وإزالة الشبهة عنهم في حياته ، ودفن بالبقيع.

وإسماعيل هو جد الخلفاء الفاطميين في المغرب ومصر(١) ، وكان عالماً فقيهاً ثقة ، ومن رواة الحديث ، له عدة كتب رواها عن أبيهعليه‌السلام (٢) .

٣ـعبد الله الأفطح : وكان أكبر اُخوته بعد إسماعيل ، وكان متهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال إنه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذاهب المرجئة ، وادعى بعد أبيه الإمامة ، واحتج بأنه أكبر اُخوته الباقين ، فاتبعه على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ثم رجعوا بعد ذلك إلى القول بامامة أخيه موسىعليه‌السلام لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسنعليه‌السلام ودلالة حقه وبراهين إمامته(٣) .

٤ـعلي بن جعفر العُريضي : كنيته أبو الحسن ، وهو أصغر ولد أبيه ، قيل : مات أبوهعليه‌السلام وهو ابن سنتين ، وسكن العُريض من نواحي المدينة ونسب إليه ، وكان كثير الفضل ، جليل القدر ، شديد الورع ، سديد الطريق ، وهو مُحدِّث ثقة مشهور ، وكان شديد التمسك بأخيه موسىعليه‌السلام والانقطاع إليه ، والتوفر على أخذ معالم الدين منه ، وله مسائل مشهورة عنه ، وجوابات رواها سماعاً منه ، وهي مطبوعة ومتداولة إلى اليوم ، وعمَّر طويلاً حتى أدرك الإمام الجوادعليه‌السلام وقال بإمامته ومن قبله من الأئمة ، له كتب منها كتاب المناسك ، وكتاب في الحلال والحرام ، وله مشاهد ثلاثة ، الأول في قم مشهور ، والثاني في

___

(١) الارشاد ٢ : ٢٠٩ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٥ ، الاعلام / الزركلي ١ : ٣١١.

(٢) رجال النجاشي : ٢٦ / ٤٨ ، الفهرست / الشيخ الطوسي : ٤٥ / ٣١.

(٣) الارشاد ٢ : ٢١١ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٩.

١٠٣

خارج قلعة سمنان ، والثالث في العُريض(١) .

٥ـمحمد : وكان زاهداً عابداً شجاعاً سخياً ، كثير الفضل ، راوية للحديث ، سكن مكة وروى بها الحديث ، وأقام بمرو وروى عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، وكان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف ، خرج على المأمون في سنة (١٩٩ ه‍ ) بمكة ، واتبعته الزيدية الجارودية ، فخرج لقتاله عيسى الجلودي ففرق جمعه وأخذه وأنفذه إلى المأمون ، فلما وصل إليه أكرمه وأدنى مجلسه منه وأحسن جائزته ، فكان مقيماً معه بخراسان حتى توفي بها.

وقيل : سافر مع المأمون حين عودته من خراسان إلى العراق ، فلما وصل المأمون جرجان قتله بالسم ، وكان قبره معروفاً بجرجان إلى القرن الرابع(٢) .

 ***

___

(١) رجال النجاشي : ٢٥١ / ٦٦٢ ، الفهرست / الطوسي : ١١٣ / ٣٧٩ ، رجال الطوسي : ٢٤١ / ٢٨٩ ، رجال الحلي : ٩٢ / ٤ ، تقريب التهذيب ٢ : ٣٣ / ٣٠٤ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٩٣ / ٥٠٢ ، لسان الميزان ٧ : ٣١٠ / ٤١٠١ ، شذرات الذهب ٢ : ٢٤ ، العبر ١ : ٨٢ ، عمدة الطالب : ١٩٥ و ٢٤١ ، تاريخ قم : ٢٢٤ ، مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٢٨٠ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٣٠٠ ، معجم رجال الحديث / السيد الخوئي ١١ : ٢٨٨ / ٧٩٦٥ ، مقدمة كتاب مسائل علي بن جعفر : ١٥.

(٢) الارشاد ٢ : ٢١٠ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٣٠٠.

١٠٤

الفصل الرّابع

النص عليه بالإمامة

كل واحد من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام إنما صار إماماً بعهد من الإمام الذي سبقه ، فضلاً عن النصوص الجامعة الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأسمائهمعليهم‌السلام ، وخصال الكمال التي اجتمعت في نفوسهم ، وسبقم في العلم والمعرفة.

قال الشيخ المفيد :«وكان الإمام بعد أبي عبد اللهعليه‌السلام ابنه أبا الحسن موسى ابن جعفر العبد الصالحعليه‌السلام ، لاجتماع خلال الفضل فيه والكمال ، ولنص أبيه بالإمامة عليه وإشارته بها إليه.

وكانعليه‌السلام أجلّ ولد أبي عبد اللهعليه‌السلام قدراً ، وأعظمهم محلاً ، وأبعدهم في الناس صيتاً ، ولم ير في زمانه أسخى منه ، ولا أكرم نفساً وعشرة ، وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم ، وأجلهم وأفقههم ، واجتمع جمهور شيعة أبيه على القول بإمامته ، والتعظيم لحقه ، والتسليم لأمره. ورووا عن أبيهعليه‌السلام نصوصاً كثيرة عليه بالإمامة ، وإشارات إليه بالخلافة ، وأخذوا عنه معالم دينهم ، ورووا عنه من الآيات والمعجزات ما يقطع بها على حجية وصواب القول بإمامته»(١) .

وفيما يلي نذكر أهم الأدلة الواردة في إمامتهعليه‌السلام وكما يلي :

___

(١) الارشاد ٢ : ٢١٤.

١٠٥

أولاً ـ نص آبائه عليهعليه‌السلام :

وردت المزيد من النصوص عن النبي والآل المعصومينعليهم‌السلام تصرح بتعيين أوصياء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه من عترته واحدا بعد واحد بأسمائهم وأوصافهم بشكل يجلو العمى عن البصائر وينفي الشك عن القلوب ، نكتفي هنا بالإشارة إلى أهم مظانّ الأحاديث الواردة عن آبائه المعصومينعليهم‌السلام (١) .

ثانياً ـ نص أبيه عليهعليهما‌السلام :

روى صريح النص بالإمامة على أبي الحسن موسىعليه‌السلام عن أبيه الصادقعليه‌السلام من شيوخ أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام وخاصته وبطانته وثقاته : كالمفضل بن عمر الجعفي ، ومعاذ بن كثير ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، والفيض ابن المختار ، ويعقوب السراج ، وسليمان بن خالد ، وصفوان بن مهران الجمال ، وحمران بن أعين ، وأبي بصير ، وداود الرقي ، ويزيد بن سليط ، ويونس بن ظبيان وغيرهم. وروى ذلك من اُخوته : إسحاق وعلي ابنا جعفر ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان(٢) .

فيما يلي نعرض مختاراً من أهم النصوص الواردة عن أبيهعليه‌السلام في النص عليه والإشارة إليه بالإمامة من بعده :

١ـ عن الفيض بن المختار ، قال :«قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام خذ بيدي من النار ، من لنا بعدك؟ فدخل عليه أبو إبراهيمعليه‌السلام ، وهو يومئذ غلام ، فقال :هذا

___

(١) اُصول الكافي ١ : ٢٨٦ ـ باب ما نص الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمّةعليهم‌السلام واحداً فواحداً ، إكمال الدين : ٢٥٠ـ٣٧٨ـالأبواب ٢٣ـ٣٦ ، بحار الأنوار ٣٦ : ١٩٢ـ ٤١٨ـباب ٤٠ـ٤٨.

(٢) الارشاد ٢ : ٢١٤ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٤.

١٠٦

صاحبكم ، فتمسك به »(١) .

٢ـ عن معاذ بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال :«قلت له : أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها ، فقال :قد  فعل الله ذلك ، قال : قلت : من هو جعلت فداك؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال :هذا الراقد ، وهو غلام»(٢) .

٣ـ عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال :«دخلت على جعفر بن محمدعليهما‌السلام في منزله ، فإذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له ، وهو يدعو ، وعلى يمنيه موسى ابن جعفرعليهما‌السلام يؤمّن على دعائه ، فقلت له : جعلني الله فداك ، قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك ، فمن ولي الناس بعدك؟ فقال :إن موسى قد لبسالدرع واستوت عليه ، فقلت له : لا أحتاج بعد هذا إلى شيء»(٣) .

٤ـ عن المفضل بن عمر ، قال :«كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل أبو إبراهيمعليه‌السلام وهو غلام ، فقال :استوص به ، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك »(٤) .

٥ـ إسحاق بن جعفر ، قال :«كنت عند أبي يوماً ، فسأله علي بن عمر بن علي ، فقال : جعلت فداك ، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك؟ فقال :إلى صاحب الثوبين الأصفرين والغديرتين (٥) ، وهو الطالع عليك من هذا الباب ، يفتح البابين بيده جميعاً ، فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذة بالبابين ففتحهما ، ثم

___

(١) الكافي ١ : ٣٠٧ / ١.

(٢) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٢.

(٣) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٣.

(٤) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٤.

(٥) يعني الذؤابتين.

١٠٧

دخل علينا أبو إبراهيمعليه‌السلام »(١) .

٦ـ عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال :«قال له منصور بن حازم : بأبي أنت وأمي ، إن الأنفس يُغدى عليها ويُراح ، فإذا كان ذلك فمن؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :إذا كان ذلك فهو صاحبكم ، وضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمنـفي ما أعلمـوهو يومئذ خماسي ، وعبد الله بن جعفر جالس معنا»(٢) .

٧ـ عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال :«قلت له : إن كان كونـولا أراني الله ذلكـفبمن أئتمّ؟ قال : فأومأ إلى ابنه موسىعليه‌السلام »(٣) .

٨ـ عن المفضل بن عمر ، قال :«ذكر أبو عبد اللهعليه‌السلام أبا الحسنعليه‌السلام وهو يومئذ غلام ، فقال :هذا المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه »(٤) .

٩ـ عن فيض بن المختارـفي حديث طويلـقال أبو عبد الله مشيراً إلى ولده أبي الحسن موسىعليه‌السلامهو صاحبك الذي سألت عنه ، فقم إليه فأقرّ له بحقه ، فقمت حتى قبّلت رأسه ويده ، ودعوت الله عزّ وجلّ له»(٥) .

١٠ـ عن طاهر بن محمد ، قال :«كان أبو عبد اللهعليه‌السلام يلوم عبد الله ويعاتبه ويعظه ويقول :ما منعك أن تكون مثل أخيك؟! فواللهإني لأعرف النور في

___

(١) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٥.

(٢) الكافي ١ : ٣٠٩ / ٦.

(٣) الكافي ١ : ٣٠٩ / ٧.

(٤) الكافي ١ : ٣٠٩.

(٥) الغيبة / النعماني : ٣٤٤ / ٢.

١٠٨

وجهه. فقال عبد الله : لِمَ؟ أليس أبي وأبوه واحداً ، واُمي واُمه واحدة؟!(١) ، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام :انه من نفسي وأنت ابني »(٢) .

١١ـ عن يعقوب السراج ، قال :«دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام وهو واقف على رأس أبي الحسن موسىعليه‌السلام وهو في المهد ، فجعل يساره طويلاً ، فجلست حتى فرغ ، فقمت إليه فقال لي :ادنُ من مولاك فسلم ، فدنوت فسلمت عليه...»(٣) .

١٢ـ عن سليمان بن خالد ، قال :«دعا أبو عبد اللهعليه‌السلام أبا الحسنعليه‌السلام يوماً ونحن عنده ، فقال لنا :عليكم بهذا ، فهو واللهصاحبكم بعدي »(٤) .

١٣ـ عن صفوان الجمال ، قال :«سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن صاحب هذا الأمر ، فقال : إن صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ، وأقبل أبو الحسن موسىعليه‌السلام وهو صغير ومعه عناق مكية ، وهو يقول لها :اسجدي لربك ، فأخذه أبو عبد اللهعليه‌السلام وضمّه إليه ، وقال :بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب »(٥) .

١٤ـ عن فيض بن المختار ، قال :«إني لعند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ أقبل أبو الحسن موسىعليه‌السلام وهو غلام ، فالتزمته وقبلته ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :أنتم السفينة وهذا ملاحها ، قال : فحججت من قابل ومعي ألفا دينار ، فبعثت بألف إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وألف إليه ، فلما دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :يا فيض

___

(١) في الارشاد واعلام الورى : أصلي وأصله واحداً.

(٢) الكافي ١ : ٣١٠ / ١٠.

(٣) الكافي ١ : ٣١٠ / ١١.

(٤) الكافي ١ : ٣١٠ / ١٢.

(٥) الكافي ١ : ٣١١ / ١٥.

١٠٩

عدلته بي؟ قلت : إنما فعلت ذلك لقولك ، فقال :أما واللهما أنا فعلت ذلك ، بلالله عزوجل فعله به »(١) .

١٥ـ عن محمد بن الوليد ، قال :«سمعت علي بن جعفر الصادقعليه‌السلام يقول : سمعت أبي جعفر بن محمدعليهما‌السلام يقول لجماعة من خاصته وأصحابه :استوصوا بابني موسى خيراً ، فإنه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي ، وهو القائم مقامي ، والحجة للهتعالى على كافة خلقه من بعدي »(٢) .

١٦ ـ عن إبراهيم الكرخي ، قال :«دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فإني لجالس عنده ، إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام وهو غلام ، فقمت إليه فقبّلته وجلست ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :ياإبراهيم ، أما أنه صاحبك من بعدي ، أما ليهلكن فيه قوم ويسعد آخرون ، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب »(٣) .

١٧ـ عن يزيد بن سليط الزيدي ، قال :«لقينا أبا عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام في الطريق قاصداً إلى مكة ونحن جماعة ، فقلت له : بأبي أنت وأمي ، أنتم الأئمة المطهرون ، والموت لا يتعرى منه أحد ، فأحدث إليّ شيئاً ألقيه إلى ما يخلفني. فقال لي :نعم ، هؤلاء ولدي ، وهذا سيدهم ـ وأشار إلى ابنه موسى الكاظم ـففيه العلم والحكمة والفهم والسخاء والمعرفة فيما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار ، وهو باب من أبواب الله عزّ وجلّ »(٤) .

___

(١) الكافي ١ : ٣١١ / ١٦.

(٢) اعلام الورى : ٢٩١ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٠ / ٣٠.

(٣) إكمال الدين : ٣٣٤ / ٥ و ٦٤٧ / ٨ ، الغيبة / النعماني : ٩٠ / ٢١.

(٤) الكافي ١ : ٣١٣ / ١٤ ، عيون أخبار الرضا ١ : ٢٣ / ٩.

١١٠

١٨ـ وعن سلمة بن محرز ، قال :«قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إن رجلاً من العجلية(١) ، قال لي : كم عسى أن يبقى لكم هذا الشيخ ، إنما هو سنة أو سنتين حتى يهلك ، ثم تصيرون ليس لكم أحد تنظرون إليه؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :ألا  قلت له : هذا موسى بن جعفر قد أدرك ما يدرك الرجال »(٢) .

١٩ـ يزيد بن أسباط ، قال :«دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام في مرضته التي مات فيها ، فقال لي :يا يزيد ، أترى هذا الصبي؟ إذا رأيت الناس قد اختلفوا  فيه فاشهد علي بأني أخبرتك أن يوسف إنما كان ذنبه عند اُخوته حتى  طرحوه في الجبّ الحسد له حين أخبرهم أنه رأى أحد عشر كوكباً  والشمس والقمر وهم له ساجدون ، وكذلك لا بدّ لهذا الغلام من أن يُحسد ، ثم دعا موسىعليه‌السلام ، وعبد الله ، وإسحاق ، ومحمداً ، والعباس ، وقال لهم :هذا  وصي الأوصياء ، وعالم علم العلماء ، وشهيد على الأموات والأحياء ، ثم قال : يزيد( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) »(٣) .

هذه هي بعض أهم النصوص وأوثقها ، وهناك المزيد من النصوص نقتصر فقط على الاشارة إلى مظانها(٤) .

وصية الصادقعليه‌السلام :

إن الباحث في نصوص الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام على ابنه موسى الكاظمعليه‌السلام ، والمتصفح لتاريخ الحقبة التي أعقبت وفاة الإمام الصادقعليه‌السلام ،

___

(١) وهم طائفة من الغلاة.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ : ٢٤ / ٢٠.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٤. والآية من سورة الزخرف : ٤٣ / ١٩.

(٤) غيبة النعماني : ٣٤٢ ، الإمامة والتبصرة / ابن بابويه القمي : ٦٦ ، كفاية الأثر / الخزاز القمي : ٢٥٥ ، اعلام الورى ٢ : ١١ ، بحار الأنوار ٨٤ : ١٢.

١١١

تواجهه جملة أخبار يصرح بها الإمامعليه‌السلام بالوصية إلى خمسة أو ثلاثة نفر.

منها خبر أبي أيوب النحوي ، قال : بعث إليّ أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته ، فدخلت عليه وهو جالس على كرسي ، وبين يديه شمعة وفي يده كتاب ، فقال لي : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات ، فانا للهوإنا إليه راجعون ، وأين مثل جعفر؟ ثم قال لي : اكتب ، قال : فكتبت صدر الكتاب ، ثم قال : اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه ، قال : فرجع إليه الجواب أنه قد أوصى إلى خمسة ، وأحدهم أبو جعفر المنصور ، ومحمد بن سليمان ، وعبد الله ، وموسى ، وحميدة ، فقال أبو جعفر : ليس إلى قتل هؤلاء سبيل.

ونحوه عن النضر بن سويد إلاّ أنه ذكر أنه أوصى إلى أبي جعفر المنصور ، وعبد الله ، وموسىعليه‌السلام ، ومحمد بن جعفر ، ومولى لأبي عبد اللهعليه‌السلام (١) .

وفي رواية ابن شهر آشوب أنه أوصى إلى ابنه عبد الله ، وموسىعليه‌السلام ، وأبي جعفر المنصور(٢) .

والإمام كما هو معهود لا يوصي إلى أكثر من واحد ، لكن شدة تطلّب الإمام المنصوص عليه بعد الصادقعليه‌السلام من قبل رأس السلطة وإصراره على تصفيته ، كما هو صريح الأخبار ، حدا بالامام الصادقعليه‌السلام إلى أن يتحاشى الصراحة في النص على إمامة ولده الكاظمعليه‌السلام إلاّ للخواص من شيوخ أصحابه وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ، كما تقدم عن الشيخ المفيد وغيره(٣) ، وشدّد عليه الإمام الصادقعليه‌السلام وهو يوصي المفضل بن عمر ، مشيراً

___

(١) الكافي ١ : ٣١٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣.

(٣) الارشاد ٢ : ٢١٤ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٤.

١١٢

إلى الإمام الكاظمعليه‌السلاماستوص به ، وضع أمره عند من تثق به من  أصحابك »(١) .

لكن بعد انتشار خبر إمامة أبي الحسن الكاظمعليه‌السلام وتوسع قاعدته والتفاف وجوه أصحاب أبيهعليه‌السلام حوله ، ورجوع من قال بإمامة غيره إليه ، فقد روى النص ونقله ما لا يحصون كثرة من أصحاب الصادقعليه‌السلام ، قال أمين الإسلام الطبرسي :«إن الجماعة التي نقلت النص عليه من أبيه وجده وآبائهعليهم‌السلام قد بلغوا من الكثرة إلى حد يمتنع معه منهم التواطؤ على الكذب ، إذ لا يحصرهم بلد ومكان ، ولا يضمهم صقع ، ولا يحصيهم إنسان»(٢) .

إذن كان النص على أبي الحسنعليه‌السلام خاصاً في أول صدوره ، ولم يصدر بين ليلة وضحاها ، بل استغرق مدة طويلة ، وكان الصادقعليه‌السلام في كل مناسبة يحيط أصحابه علماً بذلك منذ أن أشرقت الدنيا بولادة الكاظمعليه‌السلام ، وحيث كان في المهد ، ويوم كان صبياً صغيراً وخماسياً وغلاماً ، وحين أدرك ما يدرك الرجال ، وأخيراً في مرضته التي مات فيها ، كما صرحت النصوص المتقدمة. والطابع العام في كل تلك النصوص ، هو زيادة التأكيد على ضرورة الكتمان حتى عن عامة الشيعة ريثما يتهيأ الجو المناسب لذلك ، خوفاً من مكائد السلطة الحاكمة التي كانت تتربص بالامامعليه‌السلام وتراقبه أشد المراقبة ، وتبيت الغدر والعدوان على حياته ، سيما في السنين الأخيرة من حياته المباركة.

ولعل رواية هشام بن سالم خير مؤشر على ذلك ، قال حين أومأ إليه رجل هو رسول الإمام الكاظمعليه‌السلام :«رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه ، يومئ إليّ بيده ، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور ، وذلك أنه كان له بالمدينة

___

(١) الكافي ١ : ٣٠٨ / ٤.

(٢) اعلام الورى ٢ : ١٠.

١١٣

جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر عليه فيضربون عنقه ، فخفت أن يكون منهم»(١) .

من هنا فإن هذه الوصية أسهمت في الحفاظ على حياة الإمامعليه‌السلام واخفات الأضواء عليه في أيام المنصور العباسي على الأقل ، لأنه كان عازماً على قتل وصي الصادقعليه‌السلام ، وقد حققت تلك الوصية مراد الإمام الصادقعليه‌السلام ، بما لا يتحقق بقراع الأسنّة.

أبعاد الوصية ورمزيتها :

عرفنا أن الوصية لأكثر من واحد ، ما هي إلاّ تدبير من قبل الإمام الصادقعليه‌السلام للحفاظ على حياة وصيه ، وعلى الرغم من صراحة ذكر الأسماء فيها إلاّ أنه كان بعض الأصحاب يدرك المغزى الحقيقي وراءها ، لأن الإمام لا يوصى إلاّ إلى واحد ، كما هو معهود ، فلما أوصى إلى أكثر من واحد ، تأملوا معنىً رمزياً وبعداً موحياً من خلال النص.

فقد روى داود بن كثير الرقي قال :«أتى أعرابي إلى أبي حمزة ، وكان جالساً في لمّة من أصحابه ، فسأله خبراً ، فقال : توفي جعفر الصادقعليه‌السلام ، فشهق شهقة وأغمي ، فلما أفاق قال : هل أوصى إلى أحد؟ قال : نعم ، أوصى إلى ابنه عبد الله وموسى وأبي جعفر المنصور ، فضحك أبو حمزة وقال : الحمد للهالذي هدانا ولم يضلنا ، بيّن لنا عن الكبير ، ودلّنا على الصغير ، وأخفى عن أمر عظيم ، فسئل عن قوله فقال : بيّن عيوب الكبير ، ودلّ على الصغير بأن أدخل يده مع الكبير ، وستر الأمر الخطير بالمنصور ، لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل : أنت»(٢) .

___

(١) الكافي ١ : ٣٥١.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣.

١١٤

وأشار الشيخ المفيد إلى بعض أبعاد الوصية ومعناها الرمزي بقوله :«قد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، وحراسته ابنه موسى بن جعفرعليهما‌السلام بعد وفاته من ضرر بوصيته إليه ، وأشاع الخبر عند الشيعة إذ ذاك باعتقاد إمامته من بعده ، والاعتماد في حجتهم على إفراده بوصيته مع نصه عليه بنقل خواصه. فعدل عن إقراره بالوصية عند وفاته ، وجعلها إلى خمسة نفر : أولهم المنصور وقدمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبر أهله ، ثم صاحبه الربيع من بعده ، ثم قاضي وقته ، ثم جاريته وأم ولده حميدة البربرية ، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفرعليهما‌السلام يستر أمره ويحرس بذلك نفسه. ولم يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده ، لعلمه بأن منهم من يدعي مقامه من بعده ، ويتعلق بادخاله في وصيته. ولو لم يكن موسىعليه‌السلام ظاهراً مشهوراً في أولاده معروف المكان منه وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وامتثاله وكماله ، بل كان مثل ستر الحسنعليه‌السلام ولده ، لما ذكره في وصيته ، ولاقتصر على ذكر غيره ممن سميناه ، لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه»(١) .

إمامة الكاظمعليه‌السلام :

استقبل الإمام الكاظمعليه‌السلام إمامته في جو محفوف بالمخاطر ، فمن جهة يواجه سلطة تراقبه وتذكي عيونها لتبطش به ، فهو يضطر إلى الاستمرار في اتباع اُسلوب الحذر والكتمان من إبداء أي نشاط يدل على إمامته لشدة طلب المنصور لصاحب الوصية من أهل البيتعليهم‌السلام بعد الإمام الصادقعليه‌السلام ، ومن جانب آخر هو مطالب برفع الحيرة عن شيعته ، الذين قال بعضهم بإمامة غيره ، وذلك يستوجب إظهار النص ونشره إلى أوسع قاعدة من أصحابه.

___

(١) المسائل العشر في الغيبة : ٧٠ ـ ٧١.

١١٥

كان الإمام الكاظمعليه‌السلام في تباشير إمامته لا يباشر النص حتى لأصحابه ، ففي رواية هشام بن سالم الذي جاء متحرياً عنه ، قال :«فقلت له : جعلت فداك ، مضى أبوك؟ قال : نعم. قال : جعلت فداك ، مضى في موت؟ قال :نعم (١) . قلت : جعلت فداك ، فمن لنا بعده؟ فقال :إن شاء الله يهديك هُداك . قلت : جعلت فداك ، إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه؟ فقال :يريد عبد الله أن لا يعبد الله ، قال : قلت له : جعلت فداك ، فمن لنا بعده؟ فقال :إن شاء الله أن يهديك هداك  أيضاً . قلت : جعلت فداك ، أنت هو؟ قال :ما أقول ذلك . قلت في نفسي : لم أصب طريق المسألة. قال : قلت : جعلت فداك ، عليك إمام؟ قال :لا ، فدخلني شيء لا يعلمه إلاّ الله إعظاماً له وهيبة ، أكثر ما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه»(٢) .

يتبين من خلال مقاطع هذا الحوار مدى الحذر الذي يبديه الإمامعليه‌السلام حتى مع أقرب أصحابه ، خشية من أن يشيع الخبر ولو من غير قصد.

وفي مقطع آخر يشير إلى تربص السلطة به وبأصحابه ، ويأخذ على صاحبه بالسرية إلاّ لمن يطمئن له ، ويكرر محذراً كلمة الذبح مرتين ، قال : «قلت : جعلت فداك ، أسألك عما كان يسأل أبوك؟ قال :سل تخبر ولا تذع ،  فان أذعت فهو الذبح . قال : فسألته فإذا هو بحر. قال : قلت : جعلت فداك ، شيعتك وشيعة أبيك ضلال فالقي إليهم وأدعوهم إليك ، فقد أخذت عليّ الكتمان؟ قال :من آنست منهم رشداً فألق إليهم ، وخذ عليهم الكتمان ، فإن أذاعوا  فهو الذبح . وأشار بيده إلى حلقه»(٣) .

___

(١) فيه إشارة إلى التأثر بادعاء البعض غيبته ، وهم الناووسية.

(٢) الكافي ١ : ٣٥١.

(٣) الكافي ١ : ٣٥١.

١١٦

وكان لأصحاب الأئمة دور في تمييز الحق بطرق ألفوها مع سائر الأئمةعليهم‌السلام عند ضبابية النص لظروف خاصة ، وذلك من خلال تفوق الإمام بالعلم ، وظهور الكرامات على يده ، والأمارات التي تساعدهم في المعرفة على أنـّه صاحب الملكة النفسانية الرادعة عن المعاصي المسمّاة بالعصمة من بين سائر أولاد الإمام ، ومن بين الطرق التي تميز المدعي من غيره الاختبار العلمي ، وأخيراً لا يقطعون عليه إلاّ بعد تحري النص.

وهناك عدة روايات تدل على تشخيص خلص أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام للإمام الحق ، وإسقاطهم المدعين للإمامة ، من خلال دقة تحريهم في هذا الأمر الخطير ، منها رواية هشام بن سالم المتقدمة ، التي يذهب بها إلى اُسلوب اختبار المقدرة العلمية فضلاً عن النص ، قال :«كنا في المدينة أنا ومحمد ابن النعمان صاحب الطاق والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر على أنه صاحب الأمر بعد أبيه ، فدخلنا عليه والناس عنده ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب ، فقال : في مائتي درهم خمسة دراهم ، فقلنا له : ففي مائة؟ قال : درهمان ونصف ، قلنا : واللهما تقول المرجئة هذا. فقال : واللهما أدري ما تقول المرجئة.

من هنا أسقطوا عبد الله من الإمامة ، فتوجهوا إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، فقال هشام قلت : جعلت فداك ، أسألك عما كان يُسأل أبوك؟ قال :سل تخبر ولا  تذع ، فإن أذعت فهو الذبح . قال : فسألته فإذا هو بحر. إلى أن قال : ثم لقينا الناس أفواجاً ، فكان كل من دخل عليه قطع عليه ، وفي كل ذلك يوصي أصحابه بالكتمان»(١) .

___

(١) الكافي ١ : ٣٥١.

١١٧

ومنها حديث محمد بن أبي عمير ، وحديث أبي جعفر محمد بن إبراهيم النيسابوري(١) ، إذ توجّها إلى عبد الله بن جعفر بمسائل عرفا من خلالها أنه ليس بصاحبهما.

وأخيراً استطاع أبو الحسن الكاظمعليه‌السلام التوفيق بين حالة الكتمان والإعلان ، عن طريق التصريح بالوصية لخاصته وخلص أصحابه ، وأخذ الحيطة والحذر عليهم ريثما تتوفر الفرصة المناسبة لذلك ، وفي أيام المهدي العباسي اشتهر الإمامعليه‌السلام وتوسعت قاعدة مرجعيته ، بعد أن تساقط المدعين للإمامة واهتدى إليه أكثر من لم يقل بإمامته ، ورجعوا إليه في أمور دينهم.

حجتهم داحضة :

ذكرنا أن الظروف القاهرة جعلت الإمام الصادقعليه‌السلام يوصى إلى أكثر من واحد ، وجعلت الإمام بعده يضطر إلى اُسلوب الكتمان ، حتى أن الرواة من خلص أصحابه كانوا إذا أسندوا الحديث إليه لا يصرحون باسمه تقية عليه ، من هنا استغل بعض الطامعين تلك الظروف ، فتقمصوا المنصب الإلهي الخطير ، وارتدوا غير ردائهم ، وأعلنوا إمامتهم ، كما أن الشيعة ممن لم يصلهم النص الذي اقتصر على الخواص مع أمر الكتمان اختلفوا بعد وفاة أبي عبد اللهعليه‌السلام على أقوال سرعان ما انتهت جميعاً إلى القول بإمامة موسىعليه‌السلام .

فقائل يقول : إن الصادقعليه‌السلام لم يمت ولا يموت حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً لأنه القائم المهدي ، وهم الناووسية(٢) ،

___

(١) الثاقب في المناقب / محمّد الطوسي : ٤٤٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٢٨.

(٢) وهم فرقة من الغُلاة ، منسوبون إلى عبد الله بن ناووس المصريـأو البصريـ، وقيل عجلان بن ناووس ، نسبة إلى ناووسا. المقالات والفرق / الأشعري : ٢١٢.

١١٨

وقولهم باطل لقيام الدليل على موته كقيامه على موت آبائهعليهم‌السلام ، وبانقراض هذه الفرقة بأسرها ، ولو كانت على شيء من البرهان لما انقرضت(١) .

وقائل يقول بإمامة عبد الله بن جعفر ، وهم الفطحية(٢) ، وقولهم باطل لأنهم لم يعولوا في ذلك على نص عليه من أبيه بالإمامة(٣) ، وإنما عولوا في ذلك على أنه أكبر ولده ، وما رووه أن الإمامة تكون في الأكبر ، وهذا حديث لم يرو قط إلاّ مشروطاً ، وهو أن الإمامة تكون في الأكبر ما لم تكن به عاهة ، وتواتر الخبر أن عبد الله كان به عاهة في الدين ، لأنه كان يذهب إلى مذاهب المرجئة(٤) ، الذين يقعون في عليعليه‌السلام وعثمان ، وأن أبا عبد اللهعليه‌السلام قال وقد خرج من عنده :«عبد الله هذا مرجئ كبير »(٥) . ودخل عليه عبد الله يوماً وهو يحدث أصحابه ، فلما رآه سكت حتى خرج ، فسئل عن ذلك فقال :«أو ما  علمتم أنه من المرجئة »(٦) .

___

(١) اعلام الورى ٢ : ٨ ، الفصول المختارة / السيد المرتضى : ٣٠٥.

(٢) سُميت بذلك لأن رئيساً لها يقال له عبد الله بن أفطح ، ويقال : انه كان أفطح الرجلين ، ويقال : بل كان أفطح الرأس ، ويقال : إن عبد الله كان هو الأفطح. أي أفطح الرأس ، بمعنى أنـّه كان ذا رأسٍ عريض ، أو أفطح الرجلين ، وهو أن يرتفع أخمص قدمه.

(٣) فالرواية التي ورد فيها اسمه كانت للتمويه كما تقدم ، لذا لم يروِ فيه نص خاص بمفرده ، وإنما ورد النص الخاص بموسىعليه‌السلام فيما أوردناه في محله.

(٤) وهم القائلون : لا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وقالوا : الإيمان قول بلا عمل ، كأنهم قدّموا الإيمان وأرجأُوا العمل ، أي أخّروه ، لأنّهم يرون أنهم لو لم يُصلّوا ولم يصوموا نجّاهم إيمانهم ، وقد أسقطوا الوعيد جملةً عن المسلمين. معجم الفرق الإسلامية / شريف يحيى الأمين : ٢١٩.

(٥) الفصول المختارة : ٢٥٣.

(٦) الفصول المختارة : ٢٥٣.

١١٩

هذا مع أن عبد الله لم يكن له من العلم ما يتخصص به من العامة ، ولا روي عنه شيء من الحلال والحرام ، ولا كان بمنزلة من يُستفتى في الأحكام ، وقد ادّعى الإمامة بعد أبيه فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها ، فأي علة أكبر مما ذكرناه تمنع من إمامة هذا الرجل؟!

مع أنه لو لم تكن علة تمنع من إمامته لما جاز من أبيه صرف النص عنه ، ولو لم يكن قد صرفه عنه لأظهره فيه ، ولو أظهره لنقل وكان معروفاً في أصحابه ، وفي عجز القوم عن التعلق بالنص عليه دليل على بطلان ما ذهبوا إليه ، وأيضاً فإنهم رجعوا عن ذلك ، إلاّ شذاذ منهم ، وانقرضت الجماعة الشاذة أيضاً فلا يوجد منهم أحد(١) .

وقال فيه الصادق والكاظمعليهما‌السلام أحاديث كثيرة تدل على نفي الإمامة عنه ، منها قول الصادق لأصحابه قبل وفاته :«انه ليس على شيء مما أنتم  عليه »(٢) ، وقوله في الحديث المتقدم في النصوص : عن طاهر بن محمد ، قال : «كان أبو عبد اللهعليه‌السلام يلوم عبد الله ويعاتبه ويعظه ويقول :ما منعك أن تكون  مثل أخيك؟! فواللهإني لأعرف النور في وجهه . فقال عبد الله : لِم؟ أليس أبي وأبوه واحداً ، وأُمّي وأُمّه واحدة؟! ، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام :إنه من نفسي  وأنت ابني »(٣) .

وحديث محمد بن حمران : عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، قال :«قلت له : أكان عبد الله إماماً؟ فقال :لم يكن كذلك ، ولا أهل لذلك ، ولا موضع ذاك »(٤) .

___

(١) الفصول المختارة : ٣٠٧.

(٢) الإمامة والتبصرة : ٧٣.

(٣) الكافي ١ : ٣١٠ / ١٠.

(٤) الإمامة والتبصرة : ٧٢.

١٢٠