الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ0%

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
ISBN: 978-600-5213-37-9
الصفحات: 233

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف: علي موسى الكعبي
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-37-9
الصفحات: 233
المشاهدات: 138924
تحميل: 7199

توضيحات:

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138924 / تحميل: 7199
الحجم الحجم الحجم
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف:
ISBN: 978-600-5213-37-9
العربية

وأبا طالب لأب وأم ، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله ، ولا من أم  أبي طالب .

قال : فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والعم يحجب ابن العم ، وقبض  رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد توفي أبو طالب قبله ، والعباس عمه حي؟ فطلب الإمام الكاظمعليه‌السلام الأمان من الرشيد قبل الجواب فأمنه.

فقلت : إن في قول علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ليس مع ولد الصلب ذكراً  كان أو أنثى لأحد سهم إلاّ للأبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعم مع ولد  الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب ، إلاّ أن تيماً وعدياً وبني أمية قالوا :  العم والد. رأياً منهم بلا حقيقة ، ولا أثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

إلى أن قال الرشيد :زدني يا موسى. فقلت : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لميورث من  لم يهاجر ، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر. فقال : ما حجتك فيه؟ فقلت :  قول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ) (١) وإن عمي العباس لم يهاجر »(٢) .

المبحث الثاني

دورهعليه‌السلام في التشريع والتصنيف

أسهم الإمام الكاظمعليه‌السلام في الدفاع عن مصادر التشريع ، فأكد على اتباع الكتاب والسنة ، وإبطال القياس والرأي والاستحسان ، ورفض كل أشكال الابتداع في دين الله ، وأثرت عن الإمام الكاظمعليه‌السلام كثير من الأخبار التي تتحدث عن سيرته وسننه التي تجسد مبادئ الإسلام وشريعته السمحاء ، وفي

___

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٧٢.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ٨١ / ٩ ، تحف العقول : ٤٠٤ ، الاختصاص : ٤٨ ، الاحتجاج ٢ : ١٦٨.

١٦١

نفس السياق نجد عدّة كتب ورسائل ومسائل رويت عنه في مجال الأحكام والشرائع ، لا يزال بعضها ماثلاً إلى اليوم ، هذا فضلاً عن سعة الرواية عنه في كافة أبواب الفقه ، فقد روى عنه العلماء في فنون العلم من علم الدين وغيره ما ملأ بطون الدفاتر ، وألّفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة المروية عنه بالأسانيد المتصلة ، وكان يُعرف بين الرواة بالعالم. ويمكن أن نطلع على دور الإمامعليه‌السلام في تبليغ أحكام الشريعة مما يلي :

مصادر التشريع :

١ ـ موقفهعليه‌السلام من القياس :

عاش الإمام الكاظمعليه‌السلام في مرحلة ظهر فيها اتجاه القياس والرأي والاستحسان بقوة في خط الاجتهاد ، والقياس هو إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر للظن بأن أساس الحكم هنا هو أساس الحكم هناك ، وقد بدأ القياس كقاعدة من قواعد الاستنباط في عصر الإمام الصادقعليه‌السلام من قبل المذهب الحنفي ، ووقف الإمام الصادقعليه‌السلام ومن بعده الإمام الكاظمعليه‌السلام ضد هذه القاعدة الاجتهادية ، لأن القياس وكذلك الرأي والاستحسان إنما هي تعويل على العقل ، ودين الله سبحانه لا يُصاب بالعقول ، كما أنه لا توجد واقعة إلاّ ويمكن إدراجها تحت الأحكام الكلية المستنبطة من الكتاب والسنة ، روى سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، قال :«قلت : أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه ، أم تقولون فيه برأيكم؟ فقال :بل كل شيء في كتاب الله وسنة  نبيه »(١) .

وعنه ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، قال :«قلت : أصلحك الله ، إنا نجتمع

___

(١) بصائر الدرجات : ٣٢١ / ١.

١٦٢

فنتذاكر ما عندنا ، فما يرد علينا شيء إلاّ وعندنا فيه شيء مسطّر ، وذلك مما أنعم الله به علينا بكم ، ثم يرد علينا الشيء الصغير وليس عندنا فيه شيء ، فينظر بعضنا إلى بعض ، وعندنا ما يشبهه ، أفنقيس على أحسنه؟ فقالعليه‌السلام :وما لكم  والقياس! إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس. ثم قال :إذا جاءكم ما  تعلمون فقولوا به ، وإن جاءكم ما لا تعلمون فها ، وأهوى بيده إلى فيه(١) . فقلت : أصلحك الله ، أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بما يكتفون به في عهده ، قال :نعم ،  وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة. فقلت : ضاع من ذلك شيء؟ فقال :لا ، هو  عند أهله »(٢) .

وهنا يضع الإمامعليه‌السلام اصبعه على موضع الجرح ، فإن مشكلة المسلمين هي أنهم تركوا أهله فلم يرجعوا إليهم فتاهوا في لجّة البحر ، وقد قيل إن أبا حنيفة لم يوثق إلاّ (١٧) أو (١٨) حديثاً ، لذلك لجأ إلى القياس ، ولو كان قد رجع إلى أهل البيتعليهم‌السلام الذين نزل الوحي في بيوتهم وتوارثوا الحديث كابراً عن كابر ، لاستغنى عن الرأي والظن في أحكام الله.

وفي حديث آخر يؤكد الإمامعليه‌السلام سبب ترك القياس ، وهو أن الكتاب والسنة لم يتركا فراغاً في التشريع في أي موضوع ، عن أبي المغرا ، عن عبد صالحعليه‌السلام ، قال :«سألته فقلت : إن أناساً من أصحابنا قد لقوا أباك وجدك وسمعوا منهما الحديث ، فربما كان الشيء يُبتلى به بعض أصحابنا وليس في ذلك عندهم شيء ، وعندهم ما يشبهه ، يسعهم أن يأخذوا بالقياس؟ فقال :لا ، إنما  هلك من كان قبلنا بالقياس. فقلت له : لم تقول ذلك؟ فقال :لأنه ليس من

___

(١) أي اسكتوا.

(٢) الكافي ١ : ٥٧ / ١٣ ، الاختصاص : ٢٨٢ ، بصائر الدرجات : ٣٢٢ / ٤.

١٦٣

شيء إلاّ وجاء في الكتاب والسنة »(١) .

وإنما هلك من هلك بالقياس لأنهم لم يرتكزوا على حجة شرعية في الأحكام التي استنبطوها انطلاقاً مما ظنوه ملاكاً للحكم في الأصل فنقلوه إلى الفرع لوجود الملاك فيه ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.

أمثلة في إبطال القياس :

عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابه. قال :«قال أبو يوسف(٢) للمهدي وعنده موسى بن جعفرعليهما‌السلام : تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شيء؟ فقال له : نعم. فقال لموسى بن جعفرعليهما‌السلام : أسألك؟ قال :نعم . قال : ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال :لا يصلح . قال : فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال :نعم. قال : فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن :ما تقول  في الطامث ، أتقضي الصلاة؟ قال : لا. قال :فتقضي الصوم؟ قال : نعم. قال :ولِمَ؟ قال : هكذا جاء. قال أبو الحسنعليه‌السلام :وهكذا جاء هنا. فقال المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئاً. قال : رماني بحجر دامغ»(٣) .

ويتكرر نفس المشهد ولكن بمحضر الرشيد ، فجاء في جواب الإمامعليه‌السلام لمحمد بن الحسن الشيباني لما أبطل قياسه :«أتعجب من سنة رسول الله! إن  رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كشف ظلاله في إحرامه ، ومشى تحت الظلال وهو محرم ، إن  أحكام الله تعالى يا محمد لا تُقاس ، فمن قاس بعضه على بعض فقد ضل

___

(١) المحاسن : ٢١٢ ، الاختصاص : ٢٨١ ، بصائر الدرجات : ٣٢٢ / ٣.

(٢) هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، من أصحاب الحديث ، ثم غلب عليه الرأي ، أخذ الفقه عن ابن أبي ليلى ثم عن أبي حنيفة ، وولي القضاء لهارون الرشيد.

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ٧٨ / ٦ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٢٩ ، الاحتجاج : ٣٩٤.

١٦٤

عن سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن ، ولم يحُر جواباً»(١) .

٢ ـ موقفهعليه‌السلام من الاستحسان والرأي :

ذكرنا آنفاً أن الإمامعليه‌السلام وقف بوجه هذا التيار المدمر للشريعة مثلما وقف بوجه القياس ، ففي حديثهعليه‌السلام ليونس بن عبد الرحمن قال :«يا يونس ، لا  تكونن مبتدعاً ، من نظر برأيه هلك ، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل ، ومن ترك  كتاب الله وقول نبيه كفر »(٢) .

والمقصود من النظر بالرأي هو اعتبار الاستحسانات الذاتية أساساً للحكم الشرعي من غير حجة شرعية من كتاب أو سنة ، وهو عين الابتداع في الدين ، ولا يعني ذلك رفض الإمامعليه‌السلام لحركة الرأي في الإنسان كوسيلة من وسائل التفكير في معرفة موضوعات الأحكام من الأشياء ، بل انه يريد التأكيد على أن الاستحسان في الحكم الشرعي لا يُعد من الوسائل التي جعلها الشارع أساساً للاستنباط ، ولأن حجيته لم تثبت من كتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أما ترك حديث أهل البيتعليهم‌السلام وما رووه عن جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه يؤدّي إلى الضلال ، لأنهم يملكون الحقيقة مما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في التفسير وتشريع الأحكام ، بكونهم حجة إلى جانب القرآن إلى يوم الدين كما جاء في حديث الثقلين.

ومن الأمثلة العملية على رفض الإمامعليه‌السلام لكافة أنواع الابتداع في الدين ، ما حكي أن المنصور تقدّم إليهعليه‌السلام بالجلوس للتهنية في يوم النيروز ، وقبض ما يحمل إليه ، فقالعليه‌السلامإني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم  أجد لهذا العيد خبراً ، وإنه سنّة للفرس ومحاها الإسلام ، ومعاذ الله أن

___

(١) الإرشاد ٢ : ٢٣٥ ، اعلام الورى ٢ : ٣٠ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٢٩.

(٢) الكافي ١ : ٥٦.

١٦٥

نحيي ما محاه الإسلام. فقال المنصور : إنما نفعل هذا سياسة للجند ، فسألتك باللهالعظيم إلاّ جلست»(١) .

على أن يوم النيروز الذي دخل في تقاليدنا الإسلامية ، قد جاءت به أحاديث تؤكد كونه من الأيام المباركة ويستحب الغسل والصلاة فيه ، ولا تؤكد كونه عيداً لأنّ أعياد المسلمين معروفة ، وليس هذا منها كما جاء في جوابهعليه‌السلام للمنصور ، وقد سكت المنصور عن الرد على الإمامعليه‌السلام إلاّ التذرّع بسياسة الجند ، لكون أغلب الجيش وقادته كانوا من الموالي ، وفي هذا المجال يُروى أنه أُهدي إلى أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فالوذج ، فقال :«ما هذا؟ قالوا : يوم نيروز. قالعليه‌السلام :فنيرزوا إن قدرتم كل يوم . يعني تهادوا وتواصلوا في الله»(٢) .

فلم يعطه الإمامعليه‌السلام أهمية إلاّ بمقدار اعتباره مناسبة لتوزيع الحلوى والتواصل بين المسلمين ، والمسألة تحتاج إلى مزيد من البحث العلمي الدقيق ، لأن إدخال أي يوم ليكون عيداً في التقاليد الإسلامية ، أمر يحتاج إلى التأكد من خلال المصادر الأصلية ، أما من القرآن أو السنة الشريفة ، أو من أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام ، ويبقى الاشكال قائماً لكل من يحتفل به كعيد شرعي إسلامي ، أما الاحتفال به كيوم لمطلع الربيع فهو أمر لا بأس به.

٣ ـ عرض الحديث على الإمامعليه‌السلام :

عرضت على الإمام الكاظمعليه‌السلام بعض الأحاديث إما بأمر منهعليه‌السلام ، أو من السائل لغرض الاستيضاح عن التعارض بين الأحاديث ، وكان موقفهعليه‌السلام من الأحاديث المعروضة عليه إما أن يسقط الحديث جملة ، أو يضعّفه ويطعن

___

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣.

(٢) دعائم الإسلام / القاضي النعمان المغربي ٢ : ٣٢٦.

١٦٦

بإسناده ويعرضه على الكتاب والسنة ، وقد يؤيده غير أنه يدل السائل على أن مورد الحديث خاص.

ومن ذلك ما رواه محمد الرافقي ، قال :«كان لي ابن عمّ يقال له الحسين بن عبد الله ، وكان زاهداً ، فقال له أبو الحسنعليه‌السلام :اذهب فتفقّه واطلب الحديث . قال : عمّن؟ قال :عن فقهاء أهل المدينة ، ثمّ اعرض عليّ الحديث ... قال : فذهب فكتب ، ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله»(١) .

وعن أبان الأحمر ، قال :«سأل بعض أصحابنا أبا الحسنعليه‌السلام عن الطاعون يقع في بلدة وأنا فيها ، أتحول عنها؟ قال : نعم. قال : ففي القرية وأنا فيها ، أتحوّل عنها؟ قال : نعم. قال : ففي الدار وأنا فيها ، أتحول عنها؟ قال :نعم . قلت : إنا نتحدث أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف؟ قال :إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما قال هذا في قوم كانوا يكونون في الثغور في نحو العدو ، فيقع الطاعون ، فيخلّون أماكنهم ويفرون منها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك فيهم »(٢) .

ونقل السيد ابن طاوس عن كتاب (نزهة الكرام وبستان العوام) لمحمد بن الحسين بن الحسن الرازي ، قال :«إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفرعليهما‌السلام فأحضره ، فلما حضر عنده قال : إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم ، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة ، وفقهاء العامة يقولون : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :إذا ذكرني أصحابي فاسكتوا ، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا ،  وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا . وأمير المؤمنينعليه‌السلام كان أعلم الخلائق بعلم

___

(١) الكافي ١ : ٣٥٣ / ٨ ، الإرشاد ٢ : ٢٢٣.

(٢) معاني الأخبار : ٢٥٤ / ١.

١٦٧

النجوم ، وأولاده وذريته الذين تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.

فقال له الكاظمعليه‌السلام :هذا حديث ضعيف ، وإسناده مطعون فيه ، والله تعالى قد مدح النجوم ، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عزّ وجلّ ،  والأنبياء عليهم‌السلام كانوا عالمين بها ، وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل  الرحمن عليه‌السلام : ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (١) .وقال في موضع آخر : ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) (٢) .فلو لم يكن عالماً بعلم النجوم ما نظر فيها ، وما قال : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) .وإدريس عليه‌السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم. واللهتعالى قد أقسم  بمواقع النجوم ( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) (٣) . وقال في موضع آخر : ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ) إلى قوله : ( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (٤) ...»(٥) .

سيرة الإمام الكاظمعليه‌السلام وسننه :

الإمام الكاظمعليه‌السلام في سيرته وسننه نسخة من سيرة وسنن آبائه صلوات الله عليهم ، لأنها ترتوي من منهل واحد ، هو سيرة جدهم المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله التي تجسد مبادئ الإسلام وشريعته السمحاء ، وقد تحدث الرواة في عشرات الأحاديث عن صور كثيرة من سننه وسيرته العملية التي تدخل في صميم مصادر التشريع ، ومنها صلاته ومصلاّه وسجوده ، ودعائه واستغفاره وتلاوته وحفظه ، وحجّه وعمرته وكتابته ، ولباسه وخاتمه ، ومطعمه وآداب أكله

___

(١) سورة الأنعام : ٦ / ٧٥.

(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ٨٨ و ٨٩.

(٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٦.

(٤) سورة النازعات : ٧٩ / ١ ـ ٥.

(٥) فرج المهموم : ١٠٧ / ٢٥.

١٦٨

ووليمته وتخلله ، وحمامه وخضابه ، وحلق شعره ومشطه وتجمره ، وراحلته وزراعته ، وسيرته مع غلمانه وجواريه ، وسعيه في قضاء حاجات المسلمين ، وطبه وحجامته وعلاجاته بعض الأمراض.

وذكرنا في الفصل الخامس سيرته في العبادة والحلم وكظم الغيظ والزهد والتواضع ، وكلها تعكس جوانب وضّاءة من مظاهر العظمة التي يتحلّى بها إمامنا كاظم الغيظعليه‌السلام ، مما يتوجب علينا أن نحوّل ما نتمكن منها إلى برامج عمل في حياتنا ، كي نرتبط بالخطوط الفكرية والعملية التي انطلق بها في الحياة ، ونتحرك في خط الاستقامة الذي ارتضاه الإمامعليه‌السلام لشيعته ، وهذا هو معنى الولاء للإمام ، لأن إمامتهم هي أن يكونوا أمامنا في مسيرة الإسلام التي تبدأ من الله وتنتهي إليه.

المصنفات المنسوبة إليهعليه‌السلام :

ذكر المؤرخون لسيرة الإمام الإمام الكاظمعليه‌السلام والمترجمون لأصحابه من علماء الرجال عدّة كتب ورسائل ومسائل ونسخ ، رواها عنه أصحابه في مجالات شتى منها الأحكام والشرائع والتفسير والدعاء والحكم والمواعظ والوصايا وغيرها ، وقد وصل بعضها إلينا مثل مسندهعليه‌السلام برواية المروزي(١) ، ومسائل أخيه علي بن جعفر(٢) ، وفيما يلي نذكر أهم إسهامات الإمام أبي الحسن موسى الكاظمعليه‌السلام في هذا الاتجاه :

١ـ كتاب الحج ، رواه عنه أبو الحسن علي بن عبيد الله بن علي بن الحسين(٣) .

___

(١) طبع بتحقيق السيد محمد حسين الجلالي ، ويشتمل على (٥٩) حديثاً.

(٢) طبع مع مستدرك عليه بتحقيق مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام .

(٣) رجال النجاشي : ٢٥٦ / ٦٧١ ، الذريعة / الطهراني ٦ : ٢٥١ / ١٣٧٣.

١٦٩

٢ـ دعاء الجوشن الصغير ، أورده السيد ابن طاوس في (مهج الدعوات)(١) وذكر أنه قد كتبه عن إملائهعليه‌السلام جمع من شيعته الحاضرين مجلسه الذين كانوا يحملون معهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال ، فيكتبون كلما نطق بكلمة ، أو أفتى في نازلة كما سمعوا منه(٢) .

٣ـ أدعية أيام الأسبوع ، أوردها هبة الله بن أبي محمد الحسن الموسوي في (المجموع الرائق من أزهار الحدائق).

٤ـ كتاب الحديث ، رواه عنه أبو اسماعيل بكر بن الأشعث الكوفي(٣) .

٥ ـ كتاب رواه عنه أبو جعفر محمد بن صدقة العنبري البصري(٤) .

٦ـ كتاب رواه عنه القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن(٥) .

٧ ـ كتاب رواه عنه خلف بن حماد بن ياسر الكوفي(٦) .

٨ـ وله مسائل عدّة رواها عنه إبراهيم بن أبي محمود الخراساني ، وهي قدر خمس وعشرين ورقة(٧) ، وأخرى رواها الحسن بن علي بن يقطين مولى بني هاشم(٨) ، وثالثة رواها عبد الله بن محمد الأهوازي(٩) ، ورابعة رواها أخوه

___

(١) وطبع في لكهنو سنة ١٨٧١ م.

(٢) الذريعة / الطهراني ٥ : ٢٨٧ / ١٣٣٧.

(٣) رجال النجاشي : ١٠٩ / ٢٧٥ ، الذريعة / الطهراني ٦ : ٣١٦ / ١٧٤٥.

(٤) رجال النجاشي : ٣٦٤ / ٩٨٣.

(٥) رجال النجاشي : ٣١٤ / ٨٥٩.

(٦) رجال النجاشي : ١٥٢ / ٣٩٩.

(٧) رجال الكشي : ٥٦٧.

(٨) رجال النجاشي : ٤٥ / ٩١ ، الفهرست / الشيخ الطوسي : ٩٨ / ١٦٦.

(٩) الذريعة / الطهراني ٢٠ : ٣٦٩ / ٣٤٥٨.

١٧٠

أبو الحسن علي بن جعفر العريضي ، وهي باقية إلى الآن ، وتعد من الأصول المعتبرة بين الطائفة(١) ، وخامسة رواها علي بن يقطين ، الذي قال عنه النجاشي : روى عن موسىعليه‌السلام فأكثر(٢) ، وسادسة رواها يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين(٣) .

٩ـ مسند الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، رواه عنه أبو عمران موسى بن إبراهيم المروزي ، وروي أنه سمع هذا الكتاب وأبو الحسنعليه‌السلام محبوس عند السندي بن شاهك ، وكان هو معلماً لولد السندي بن شاهك(٤) .

١٠ـ رسالة كتبهاعليه‌السلام إلى علي بن سويد السائي(٥) وأوردها ثقة الإسلام الكليني في (الكافي)(٦) .

١١ـ وصية إلى هشام بن الحكم ، أوردها ثقة الإسلام الكليني في (الكافي) ، وابن شعبة في (تحف العقول)(٧) .

ولإسماعيل بن موسى بن جعفر عدة كتب يرويها جميعاً عن أبيه ، سنذكرها

___

(١) الفهرست : ١٥١ / ٣٧٧ ، الذريعة / الطهراني ٢٠ : ٣٦٠ / ٣٤٠٦.

(٢) رجال النجاشي : ٢٧٣ / ٧١٥ ، الفهرست : ١٥٤ / ٣٨٨ ، الذريعة ٢٠ : ٣٦٩ / ٣٤٥٩ ، كشف الحجب والأستار / اعجاز حسين : ٥١٠ / ٢٨٧١.

(٣) الفهرست : ٢٦٦ / ٨١٣ ، كشف الحجب والأستار : ٥١٠ / ٢٨٧٢ ، الذريعة ٢٠ : ٣٦٩ / ٣٤٨٦ و ٣٧٣ / ٣٤٦٠.

(٤) رجال النجاشي : ٤٠٧ / ١٠٨٢ ، الفهرست : ٢٤٣ / ٧٢٢ ، معالم العلماء / ابن شهرآشوب : ١٥٥ / ٧٩٩ ، كشف الظنون / حاجي خليفة ٢ : ١٦٨٢. وقال : رواه أبو نعيم الأصفهاني ، وروى عنه هذا المسند موسى بن إبراهيم.

(٥) رجال النجاشي : ٢٧٦ / ٧٢٤.

(٦) الكافي ٨ : ١٢٤.

(٧) الكافي ١ : ١٠ ـ ١٥ / ١٢ ، تحف العقول : ٣٨٣ ـ ٤٠٢.

١٧١

في المبحث الرابع(١) .

وهناك نسخ عديدة تُنسب إلى الإمام الكاظمعليه‌السلام رواها عنه علي بن حمزة ابن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) ، وأخرى رواها محمد ابن ثابت(٣) ، وثالثة رواها محمد بن زرقان(٤) ، ورابعة رواها محمد بن فضيل بن كثير الصيرفي الأزدي(٥) .

المبحث الثالث

إسهامات علمية اُخرى

١ ـ في تفسير القرآن :

يعدّ حديث أهل البيتعليهم‌السلام من أهم مصادر تفسير آيات الكتاب الكريم ، وبيان أبعاد معانيه ، وتصاريف أغراضه ومراميه ، وقد أثبتت الدلائل والوقائع أنهمعليهم‌السلام الأقدر على تفسير الكتاب وإدراك مضامينه وفهم دقائقه ، لأن القرآن نزل في بيوتهم ، ولأنهم الذين قرن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم وبين الكتاب ، وذكر أنهما لن يفترقا حتَّى يردا عليه الحوض ، قال أمير المؤمنينعليه‌السلامواللهما نزلت آية  إلاَّ وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إنَّ ربّي وهب لي  قلباً عقولاً ، ولساناً طلقاً سؤولاً »(٦) .

ومن تتبع التفسير الأثري الوارد عن أهل البيتعليهم‌السلام يجد أن هناك خطوطاً

___

(١) راجع : رجال النجاشي : ٢٦ / ٤٨ ، الفهرست / الشيخ الطوسي : ٤٥ / ٣١.

(٢) رجال النجاشي : ٢٧٢ / ٧١٤ ، الذريعة / الطهراني ٢٤ : ١٥٢ / ٧٧٩.

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٩ / ١٠٠٣ ، الذريعة / الطهراني ٢٤ : ١٥٢ / ٧٨٠.

(٤) رجال النجاشي : ٣٧٠ / ١٠٠٦ ، الذريعة / الطهراني ٢٤ : ١٥٢ / ٧٨١.

(٥) الذريعة / الطهراني ٢٤ : ١٥٢ / ٧٨٢.

(٦) كنز العمال ١٣ : ١٢٨ / ٣٦٤٠٤.

١٧٢

أساسية رسموها لفهم القرآن الكريم ، يمكن أن نصطلح عليها منهج أهل البيتعليهم‌السلام في التفسير ، وهي تتمثل في تفسير القرآن بالقرآن ، وقولهم بسلامة الكتاب الكريم من التحريف ، وأنه الذي بأيدي المسلمين ما بين الدفتين ، وتفسير الآيات على ضوء القول بتنزيه الخالق عن التجسيم والوصف والرؤية ، وتنزيه الأنبياء عن المعاصي وغيرها من عقائد الإسلام الأصيل.

وقد تركواعليهم‌السلام تراثاً ضخماً من الروايات والأخبار التي تدخل في باب التفسير ، جمعها السيد هاشم البحراني المتوفى سنة (١١٠٧ ه‍ ) في كتابه (البرهان في تفسير القرآن) ، والشيخ عبد علي بن جمعة العروسي المتوفى سنة (١١١٢ ه‍ ) في تفسيره (نور الثقلين) ، فضلاً عن تفاسير الأثر المتقدمة الواصلة إلينا مثل تفسير فرات الكوفي ، والعياشي ، وعلي بن إبراهيم القمي ، وجميعها تقتصر على حديثهم الوارد في هذا الشأن.

وللإمام الكاظمعليه‌السلام نصيب وافر من هذا الكم التفسيري الهائل الوارد في التفاسير الأثرية ، أما تفسيره المبثوث في مصادر الحديث ، فقد راجعنا معجم تفسير أهل البيتعليهم‌السلام (١) الذي أُعدّ بعد تتبّع (١٧٧) مصدراً من مصادر الرواية الأوّلية من كتب الفريقين ، عدا مصادر التفسير ، فوجدنا فيه (٦٨٨) مورداً منقولاً عن الإمام الكاظمعليه‌السلام في تفسير القرآن ، وهو يعكس عظمة جهود الإمامعليه‌السلام ومزيد اهتمامه بتفسيرالكتاب الكريم ، وفيما يلي نماذج من تفسيرهعليه‌السلام :

عن سليمان الفراء ، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، في قول الله تعالى :( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) (٢) ، قال :«الصبر : الصوم ، إذا نزلت بالرجل الشدة أو  النازلة فليصم ، فإن الله يقول : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) ، الصبر :

___

(١) أعدّه قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ، ولم يطبع إلى الآن.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٤٥.

١٧٣

الصوم »(١) .

وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، في قوله تعالى :( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ) (٢) ، قالعليه‌السلامهو التضييع »(٣) .

وعن الحسن بن راشد ، قال :«سئل أبو الحسن موسىعليه‌السلام عن معنى قول الله تعالى :( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) (٤) ، فقال :استولى على ما دقّ  وجلّ »(٥) .

وفي قوله تعالى :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (٦) ، قال أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلامإن الله عزّ وجلّ لما فتح على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فدك وما والاها ، لم  يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) فلم يدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هم ، فراجع في ذلك جبرئيل عليه‌السلام ،  فسأل الله عزّ وجلّ عن ذلك ، فأوحى الله إليه : أن ادفع فدك إلى فاطمة.  فدعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها : يا فاطمة ، إن الله تعالى أمرني أن أدفع  إليك فدك. فقالت : قد قبلت يا رسول الله ، من الله ومنك ، فلم يزل وكلاؤها  فيها حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها ، فأتته  فسألته أن يردها عليها ، فقال لها : ائتيني بأسود أو أحمر ليشهد لك  بذلك. فجاءت بأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام وأم أيمن ، فشهدوا

___

(١) تفسير العياشي ١ : ٤٣ / ٤١.

(٢) سورة الماعون : ١٠٧ / ٥.

(٣) نور الثقلين ٥ : ٦٧٨ / ٩.

(٤) سورة طه : ٢٠ / ٥.

(٥) التوحيد : ٢٣٠ / ٤.

(٦) سورة الإسراء : ١٧ / ٢٦.

١٧٤

لها بذلك ، فكتب بترك التعرض ، فخرجت بالكتاب معها فلقيها عمر ، فقال  لها : ما هذا معك يا بنت محمد؟ قالت : كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. فقال  لها : أرينيه ، فأبت ، فانتزعه من يدها »(١) .

وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، في قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (٢) ، قال :«ما كان من الإيمان  المستقر فمستقر إلى يوم القيامة ، وما كان مستودعاً سلبه الله قبل  الممات »(٣) .

وعن أبي إسحاق المدائني ، قال :«كنت عند أبي الحسنعليه‌السلام إذ دخل عليه رجل فقال له : جعلت فداك ، إن الله يقول :( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاْءَرْضِ فَسَادا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الاْءَرْضِ ) (٤) فأي شيء الذي إذا فعله استحق واحدة من هذه الأربع؟ فقال له أبو الحسنعليه‌السلام :أربع ، فخذ أربعاً بأربع ،  إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً فقَتل قُتل ، فإن قَتل وأخذ  المال قُتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتُل قُطعت يده ورجله من خلاف ،  وإن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً ولم يأخذ المال نفي من  الأرض. فقال له الرجل : جعلت فداك ، وما حدّ نفيه؟ قال :يُنفى من المصر  الذي فعل فيه ما فعل إلى غيره ، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر أن ينادى  عليه بأنه منفي ، فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه ، فإذا خرج من ذلك

___

(١) الكافي ١ : ٤٥٦ / ٥ ، التهذيب ٤ : ١٤٨ / ٤١٤.

(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٩٨.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٧١ / ٧٢.

(٤) سورة المائدة : ٥ / ٣٣.

١٧٥

المصر إلى غيره ، كتب إليهم بمثل ذلك ، فيفعل به ذلك سنة ، فإنه سيتوب  من السنة وهو صاغر... »(١) .

٢ ـ قصار الحكم :

ورد عن الإمام الكاظمعليه‌السلام المزيد من قصار الحكم ، وهي تتسم بجزالة اللفظ ومتانة الأسلوب وعمق المحتوى ، وتختزن مضامين اجتماعية وأخلاقية وتربوية راقية ، تدعو إلى تقويم السلوك وتهذيب النفوس وتحصينها ، وتنمية نوازعها الخيّرة ، لتصل إلى السعادة المبتغاة ، وفي ما يلي مختار منها :

قالعليه‌السلامليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل خيراً  استزاد الله منه ، وحمد الله عليه ، وإن عمل شراً استغفر الله وتاب  إليه ».

«أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج ».

«مثل المؤمن كمثل كفّتي الميزان ، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ،  ليلقى الله عزّ وجلّ ولا خطيئة له ».

«المؤمن أخو المؤمن لاُمه وأبيه وإن لم يلده أبوه ، ملعون من اتهم  أخاه ، ملعون من لم ينصح لأخيه ، ملعون من استأثر على أخيه ، ملعون من  احتجب عن أخيه ، ملعون من اغتاب أخاه ».

«من لك بأخيك كله ، لا تستقصِ عليه فتبقى بلا أخ ».

«إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه  وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخل بينه  وبين عدوه من الناس ، وإن كان أقرب إليه منك ، وعده في مرضه ».

___

(١) تفسير العياشي ١ : ٣١٧ / ٩٨.

١٧٦

«ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظل إلاّ ظله : رجل زوج أخاه  المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سراً ».

المؤمن أعز من الجبل ، الجبل يستقل بالمعاول ، والمؤمن لا يستقل  دينه بشيء ».

«نعم المال النخل ، الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل ».

«المغبون من غبن من عمره ساعة ».

«لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر ، فإنه من حدث نفسه بالفقر  يبخل ، ومن حدثها بطول العمر يحرص ، أداء الإمانة والصدق يجلبان  الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق ».

«لكل شيء زكاة ، وزكاة الجسد صيام النوافل ».

«لا عزّ إلاّ لمن تذلّل لله ، ولا رفعة إلاّ لمن تواضع لله ، ولا أمن إلاّ لمن  خاف الله ، ولا ربح إلاّ لمن باع الله نفسه ».

«وجدت علم الناس في أربع : أولها أن تعرف ربك ، والثانية أن تعرف  ما صنع بك ، والثالثة أن تعرف ما أراد بك ، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من  ذنبك ».

«اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة الله ،  وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم  عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير  محرم ».

«من لم يجد للإساءة مضضاً لم يكن للإحسان عنده موقع ».

«كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان ».

«ما استبّ اثنان إلاّ انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل ».

١٧٧

«من أبطرته النعمة وقّره زوالها ».

«من ولده الفقر أبطره الغنى ».

«من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذر وأسرف زالت عنه  النعمة ».

«المعروف تلو المعروف غلّ لا يفكه إلاّ مكافأة أو شكر ».

«التحدث بنعم الله شكر ، وترك ذلك كفر ، فاربطوا نعم ربكم تعالى  بالشكر ، وحصنوا أموالكم بالزكاة ».

«من أحزن والديه فقد عقهما ».

«من كثر قلقه لم يعرف بِشره ».

«إياك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله».   «يعرف شدة الجور من حكم به عليه ».

«ليس حسن الجوار كف الأذى ، ولكن حسن الجوار الصبر على  الأذى ».

«المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان ».

«اللهينزل المعونة على قدر المؤونة ، وينزل الصبر على قدر  المصيبة ».

«لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال ».

«التدبير نصف العيش ».

«التودد إلى الناس نصف العقل ».

«العجلة هي الخرق ».

«قلة الوفاء عيب بالمروءة ».

«كفى بالتجارب تأديباً ، وبمر الأيام عظة ، وبأخلاق من عاشرت

١٧٨

معرفة ، وبذكر الموت حاجزاً من الذنوب والمعاصي ».

«العجب كل العجب للمحتمين من الطعام والشراب مخافة الداء أن  ينزل بهم ، كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار إذا اشتعلت في  أبدانهم(١) .

٣ ـ وصايا ومواعظ :

وردت المزيد من الوصايا والمواعظ التي أدلى بها الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام في مناسبات شتى ، وسلّط فيها الضوء على الكثير من المضامين الإسلامية السامية ، ويأتي على رأس تلك الوصايا وصيته لهشام بن الحكم ، وهي وصية مسهبة تشتمل على مواعظ بليغة وحكم رائعة وأقوال جامعة ، وضمنهاعليه‌السلام شواهد من آي الكتاب الكريم وحديث الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحاديث أمير المؤمنين علي والحسن وعلي بن الحسينعليهم‌السلام ، وشيئاً من حكمة لقمان والمسيحعليه‌السلام ومواعظ الإنجيل.

ومن مضامينها موضوع العقل وكونه حجة في المعرفة ، إذ ان أحد الأدلة المهمة على الربوبية والتوحيد هو التأمّل في الآفاق ، وأداته العقل ، وعدد فيها مكارم الأخلاق مرغّباً فيها ، وبيّن مساوئ الأخلاق مرغباً عنها ، وفيما يلي مختار منها :

قال هشام بن الحكم :«قال لي أبو الحسنعليه‌السلام :يا هشام ، إن لقمان قال  لابنه : تواضع للحق تكن أعقل الناس. يا بني ، إن الدنيا بحر عميق ، قد

___

(١) اخترنا هذه الكلمات من كتاب تحف العقول : ٤٠٨ ، وأعلام الدين / الديلمي : ١٢٠ ، والتذكرة الحمدونية : ١١١ و ٢٦٩ ، ومعارج اليقين في أصول الدين / السبزواري : ٣١٤ ، ونهاية الارب / النويري ٣ : ٢٤٨ ، وبهجة المجالس / القرطبي ١ : ٦٨٩ ، وملحقات إحقاق الحق / المرعشي ٢٨ : ٥٦٣.

١٧٩

غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكانها الصبر.

يا هشام ، لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكر ، ودليل التفكر  الصمت ، ولكل شيء مطية ، ومطية العاقل التواضع ، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.

يا هشام ، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره.

يا هشام ، إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة ومطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة ، فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.

يا هشام ، إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها.

يا هشام ، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه إذا شاهده ، ويأكله إذا غاب عنه ، إن أعطى حسده ، وإن ابتلى خذله.

إن أسرع الخير ثواباً البر ، وأسرع الشر عقوبة البغي ، وإن شر عبادالله من تكره مجالسته لفحشه ، وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم ، ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.

يا هشام ، لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً ، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو.

يا هشام ، مثل الدنيا مثل ماء البحر ، كلما شرب منه العطشان ازداد

١٨٠