الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ0%

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
ISBN: 978-600-5213-37-9
الصفحات: 233

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف: علي موسى الكعبي
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-37-9
الصفحات: 233
المشاهدات: 138664
تحميل: 7182

توضيحات:

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138664 / تحميل: 7182
الحجم الحجم الحجم
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف:
ISBN: 978-600-5213-37-9
العربية

عطشاً حتى يقتله.

يا هشام ، من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما أوتي عبد علماً فازداد للدنيا حباً إلاّ ازداد من الله بعداً ، وازداد الله عليه غضباً».

وذكر في آخر الوصية خلق العقل ، ووزيره وهو الخير ، وجنوده وهي مكارم الأخلاق وعددها خمسة وسبعين ، وذكر الجهل ووزيره وهو الشر ، وجنوده وهي المساوئ التي تضادّ وتقابل المكارم ، وعددها خمسة وسبعين أيضاً ، مثل : الإيمان والكفر ، التصديق والتكذيب ، الإخلاص والنفاق ، العدل والجور ، الرضا والسخط ، الشكر والكفران ، اليأس والطمع ، الرأفة والغلظة.

ثم قال بعدها :«يا هشام ، لا تُجمع هذه الخصال إلاّ لنبي أو وصي أو  مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وأما سائر ذلك من المؤمنين فإن أحدهم  لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى  يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل ، فعند ذلك يكون في الدرجة  العليا مع الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، وفّقنا الله وإياكم لطاعته »(١) .

ومن مواعظه ووصاياه الاُخرى :

عن سعد بن أبي خلف ، قال موسى بن جعفرعليهما‌السلام لبعض شيعته :«أي  فلان ، اتقِ الله ، وقل الحق وإن كان فيه هلاكك ، فإن فيه نجاتك. أي فلان ،  اتق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك ، فإن فيه هلاكك »(٢) .

وقال لبعض ولده :«يا بني ، إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها ،  وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها ، ولا تخرجنّك نفسك عن التقصير  في عبادة الله وطاعته ، فإن الله لا يعبد حق عبادته ، وإياك والمزاح فإنه

___

(١) الكافي ١ : ١٠ ـ ١٥ / ١٢ ، تحف العقول : ٣٨٣ ـ ٤٠٢.

(٢) تحف العقول : ٤٠٨.

١٨١

يذهب بنور إيمانك ويستخف مروءتك ، وإياك والضجر والكسل فإنهما  يمنعان حظك من الدنيا والآخرة »(١) .

ورأىعليه‌السلام رجلين يتسابان ، فقال :«البادئ أظلم ، ووزره ووزر صاحبه  عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم »(٢) .

وسمععليه‌السلام رجلاً يتمنى الموت ، فقال له :«هل بينك وبين الله قرابة  يحاميك لها؟ قال : لا. قال : فهل لك حسنات قدّمتها تزيد على سيئاتك؟ قال : لا. قال : فأنت إذن تتمنى هلاك الأبد »(٣) .

وعن حفص بن غياث ، قال : سمعت موسى بن جعفرعليهما‌السلام عند قبر وهو يقول :«إن شيئاً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله ، وإن شيئاً هذا أوله  لحقيق أن يخاف آخره »(٤) .

قال الحسن بن أسد : ذكر عنده بعض الجبابرة فقالعليه‌السلامأما واللهلئن عزّ  بالظلم في الدنيا ليذلنّ بالعدل في الآخرة »(٥) .

وقالعليه‌السلام للفضل بن يونس :«أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمّعة. قلت : وما الإمعة؟ قال :لا تقل أنا مع الناس ، وأنا كواحد من الناس »(٦) .

وعن سعيد بن محمد بن مسعدة ، قال :«قال لي أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام :إن عيال الرجل إسراؤه ، فمن أنعم الله عليه نعمة ، فليوسع على

___

(١) السرائر / ابن إدريس ٣ : ٥١٩ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٠٨.

(٢) الكافي ٢ : ٣٦٠ / ٤ ، وفي تحف العقول : ٤٠٩ ما لم يعتد المظلوم ، وفي الكافي ٢ : ٣٢٢ / ٣ ما لم يتعد المظلوم.

(٣) كشف الغمة ٢ : ٢٥٢ ، ورواه الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف : ٥٤.

(٤) تحف العقول : ٤٠٨ ، معاني الأخبار : ٣٤٢ / ١.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١٤.

(٦) تحف العقول : ٤١٢.

١٨٢

إسرائه ، فإن لم يفعل أوشك أن تزول عنه تلك النعمة »(١) .

وعن كليب الصيداوي ، قال :«قال لي أبو الحسنعليه‌السلام :إذا وعدتم  الصبيان ففُوا لهم ، فإنهم يرون أنكم الذين ترزقونهم ، إن الله عزّ وجلّ  ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان »(٢) .

٤ ـ ما نُسب إليهعليه‌السلام من الشعر :

كانعليه‌السلام قليل التعاطي للشعر مع قدرته عليه ، فقد كان يجيز(٣) الشعر منذ أن كان صبياً ، يدل على ذلك ما روى عنهعليه‌السلام ، قال :«دخلت ذات يوم من  المكتب ومعي لوحي قال : فأجلسني أبي بين يديه وقال : يا بني اكتب :  تنحّ عن القبيح ولا ترده. ثم قال : أجزه. فقلت : ومن أوليته حسناً فزده. ثم  قال : ستلقى من عدوك كل كيد. فقلت : إذا كاد العدو فلا تكده. قال : فقال :  ذرية بعضها من بعض »(٤) .

ومما ورد من الشعر منسوباً إليه ، ما جاء في حديث شقيق بن إبراهيم البلخي الأزدي ، أنه خرج حاجاً في سنة (١٤٩ ه‍ ) ، ورأى الإمام أبا الحسنعليه‌السلام وكان قائماً على بئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماءً ، فسقطت الركوة من يده في البئر ، فرمق السماء وأنشأ يقول :

أنت ريي إذا ظمئت إلى الماء

وقوتي إذا أردت الطعاما(٥)

وعن موسى بن بكر ، قال : ما أحصي ما سمعت أبا الحسن موسىعليه‌السلام ينشد :

___

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٠٢ ، روضة الواعظين : ٣١٠.

(٢) الكافي ٦ : ٥٠ / ٨ ، أمالي الصدوق : ٥٢٦ / ٧١٢ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٨٧ / ٨٦٣.

(٣) الإجازة : أن تتم مصراع بيت الشعر الذي يقوله غيرك.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣.

(٥) كشف الغمة ٣ : ٣ ، نور الأبصار : ١٤٩ ، تذكرة الخواص : ٣٤٨.

١٨٣

فإن يك يا أميم علي دين

فعمران بن موسى(١) يستدين(٢)

وجاء في مناظرة له مع الرشيد حين لقيه في الحج أنه أنشدعليه‌السلام :

هب الدنيا تؤاتينا سنينا

فتكدر تارة وتلذ حينا

فما أرضى بشيء ليس يبقى

وأتركه غداً للوارثينا

كأني بالتراب علي يُحثى

وبالإخوان حولي نائحينا

ويوم تزفر النيران فيه

وتقسم جهرة للسامعينا

وعزة خالقي وجلال ربي

لأنتقمن منكم أجمعينا(٣)

٥ ـ إسهاماتهعليه‌السلام في علم الطب :

للإمام الكاظمعليه‌السلام إرشادات كثيرة تنضوي تحت علم الطب ، منها مواصفات لبعض الأدوية والأغذية وعلاجات لبعض الأمراض ، وقد جمع زميلنا الأستاذ شاكر شبع في كتابه الموسوم (طب الإمام الكاظمعليه‌السلام )(٤) كل ما ورد عن الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام من حديث يتعلق بعلم الطب ، وجعل في هامش كتابه دراسة وافية ومقارنة بين طبهعليه‌السلام والطب الإسلامي والعربي واليوناني.

وفيما يلي بعض ما ورد عن الإمام الكاظمعليه‌السلام من إرشادات طبية عامة :

مضاعفات الدواء :

قال أبو الحسن الأولعليه‌السلامادفعوا معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنكم ،

___

(١) قيل : المراد موسى بن عمران ، وإنّما قلب للوزن.

(٢) الكافي ٥ : ٩٥ / ١٠.

(٣) إحقاق الحق ١٢ : ٣١٢ ، عن الروض الفائق : ٦٥ ـ القاهرة.

(٤) نشر : المؤتمر العالمي للإمام الرضاعليه‌السلام ـ مشهد.

١٨٤

فإنه بمنزلة البناء قليله يجر إلى كثيره »(١) .

وعن عثمان الأحول ، قال :«سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول :ليس من دواء إلاّ  وهو يهيج داء ، وليس شيء في البدن أنفع من إمساك اليد إلاّ عما يحتاج  إليه »(٢) .

الحمية :

عن عمرو بن إبراهيم ، قال :«سمعت أبا الحسن يقول :لو أن الناس قصدوا  في المطعم ، لاستقامت أبدانهم »(٣) .

وقال أبو الحسنعليه‌السلامالحمية رأس كل دواء ، والمعدة بيت الأدواء ،  وعوِّد بدنك ما تعوَّد »(٤) .

وعن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، قال :«ليس الحمية أن  تدع الشيء أصلاً لا تأكله ، ولكن الحمية أن تأكل من الشيء وتخفف »(٥) .

الحمام :

عن سليمان الجعفري ، عن أبي الحسنعليه‌السلامالحمام يوم ويوم لا ، يكثر  اللحم ، وإدمانه كل يوم يذيب شحم الكليتين »(٦) .

وعنهعليه‌السلام ، قال :«لا تدخلوا الحمام على الريق ، لا تدخلوه حتى  تطعموا شيئاً »(٧) .

___

(١) علل الشرائع : ٤٦٥ / ١٧.

(٢) الكافي ٨ : ٢٧٣ / ٤٠٩.

(٣) المحاسن : ٤٣٩ / ٢٩٦.

(٤) فقه الإمام الرضاعليه‌السلام : ٣٤٠.

(٥) الكافي ٨ : ٢٩١ / ٤٤٣.

(٦) الكافي ٦ : ٤٩٦ / ٢.

(٧) من لا يحضره الفقيه ١ : ١١٦ / ٢٤٥.

١٨٥

علامات الدم :

عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : «علامات الدم أربعة : الحكة ، والبثرة ، والنعاس ، والدوران »(١) .

سنن الرأس والبدن :

وعن الحسن بن الجهم ، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال :«خمس من السنن في  الرأس ، وخمس في الجسد؛ فأما التي في الرأس : فالسواك ، وأخذ الشارب ،  وفرق الشعر ، والمضمضة ، والاستنشاق. وأما التي في الجسد : فالختان ،  وحلق العانة ، ونتف الإبطين ، وتقليم الأظفار ، والاستنجاء »(٢) .

وجاء عنهعليه‌السلام وصفاً لبعض العلاجات وذكراً لمواصفات كثير من الأغذية والأدوية نذكر منها :

علاج البصر :

عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، قال :«ثلاثة  يجلين البصر : النظر إلى الخضرة ، والنظر إلى الماء الجاري ، والنظر إلى  الوجه الحسن »(٣) .

وعن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، قال :«إن الشعر على  الرأس إذا طال أضعف البصر ، وذهب بضوء نوره ، وطمّ الشعر يجلي البصر  ويزيد في ضوء نوره »(٤) .

وعن سليم مولى علي بن يقطين ، أنه كان يلقى من عينيه أذىً ، قال : «فكتب إليه أبو الحسنعليه‌السلام :ما يمنعك من كحل أبي جعفر عليه‌السلام ؟ جزء كافور

___

(١) الخصال : ٢٥٠ / ١١٥.

(٢) الخصال : ٢٧١ / ١١.

(٣) الخصال : ٩٢ / ٣٥.

(٤) السرائر ٣ : ٥٧٥.

١٨٦

رباحي ، وجزء صبر اصقوطري ، يدقان جميعاً وينخلان بحريرة ، يكتحل  منه مثلما يكتحل من الإثمد ، الكحلة في الشهر تحدر كل داء في الرأس وتخرجه من البدن. قال : فكان يكتحل به ، فما اشتكى عينه حتى مات»(١) .

الحجامة :

قال العالمعليه‌السلامالحجامة بعد الأكل ، لأنه إذا شبع الرجل ثم احتجم  اجتمع الدم وخرج الداء ، وإذا احتجم قبل الأكل خرج الدم وبقي الداء »(٢) .

وعن حمزة بن الطيار ، قال :«كنت عند أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، فرآني أتأوّه ، فقال :ما لك؟ قلت : ضرسي. فقال :احتجم. فاحتجمت فسكن ، فأعلمته ، فقال لي :ما تداوى الناس بشيء خير من مصة دم أو مزعة عسل . قلت : جعلت فداك ، ما المزعة عسل؟ قال :لعقة عسل »(٣) .

التفاح :

عن الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن الأولعليه‌السلام يقول :«التفاح شفاء من  خصال : من السم ، والسحر ، واللمم يعرض من أهل الأرض ، والبلغم الغالب ،  وليس شيء أسرع منفعة منه »(٤) .

وعن زياد القندي ، قال :«دخلت المدينة ومعي أخي سيف ، فأصاب الناس رعاف ، فكان الرجل إذا رعف يومين مات ، فرجعت إلى المنزل ، فإذا سيف يرعف رعافاً شديداً ، فدخلت على أبي الحسنعليه‌السلام فقال :يا زياد ، أطعم  سيفاً التفاح. فأطعمته إياه فبرئ »(٥) .

___

(١) الكافي ٨ : ٣٨٢ / ٥٨٢.

(٢) مكارم الأخلاق : ٧٣.

(٣) الكافي ٨ : ١٩٤ / ٢٣١.

(٤) المحاسن : ٥٥٣ / ٨٩٨.

(٥) الكافي ٦ : ٣٥٦ / ٤.

١٨٧

الإجاص :

عن زياد القندي ، قال : «دخلت على أبي الحسن الأولعليه‌السلام وبين يديه تور ماء فيه إجاص أسود في إبّانه ، فقال :إنه هاجت بي حرارة ، وإن الأجاص  الطري يطفئ الحرارة ، ويسكن الصفراء ، وإن اليابس منه يسكن الدم ،  ويسل الداء الدوي »(١) .

خبز الشعير :

وعنهعليه‌السلام ، قال :«فضل خبز الشعير على البُرّ كفضلنا على الناس ، ما  من نبي إلاّ وقد دعا لآكل الشعير وبارك عليه ، وما دخل جوفاً إلاّ وأخرج كل  داء فيه ، وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار ، أبى الله أن يجعل قوت الأنبياء  للأشقياء »(٢) .

البيض :

عن عمر بن أبي حسنة الجمال ، قال :«شكوت إلى أبي الحسنعليه‌السلام قلة الولد ، فقال :استغفر الله وكل البيض بالبصل »(٣) .

المبحث الرابع

الدور العلمي لأصحابهعليه‌السلام

التفّ حول الإمام أبي الحسنعليه‌السلام المئات من الرواة الثقات ممن أخذ عنه وتلمّذ له من أهل بيته ومن غيرهم ، قال الشيخ المفيد :«قد روىٰ الناس عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم

___

(١) الكافي ٦ : ٣٥٩ / ١.

(٢) مكارم الأخلاق : ١٥٤.

(٣) المحاسن : ٤٨٠ / ٥١٠.

١٨٨

لكتاب الله»(١) .

وكان على رأس أصحابه أقطاب مدرسة أبيه الصادقعليه‌السلام الذين تواصلوا مع الإمام الكاظمعليه‌السلام طيلة وجوده في المدينة ، وكان منهم الرواة الثقات والفقهاء والمؤلفون وأهل الكلام والفلسفة والأدب والتاريخ من وجوه الطائفة ، وسجلوا دوراً فاعلاً في تأصيل مبادئ العقيدة ونشر الأحكام الشرعية والمعارف الدينية ومختلف العلوم الإسلامية كالحديث والتفسير والفقه والكلام وغيرها ، ولا تزال بعض نتاجاتهم إلى اليوم منها رجال البرقي ، ومسائل علي ابن جعفر ، ومسند الإمام الكاظمعليه‌السلام للمروزي.

لقد بلغ عدد أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام الذين رووا عنه وتلمذوا له وصحبوه (٢٧٤) رجلاً على ما ذكره الشيخ الطوسي في الرجال ، وبلغوا أكثر من خمسمائة رجل وفق أحصاء أحد المتتبعين المعاصرين(٢) ، ومع كون هذه الأرقام هي أقل من الواقع إلاّ أنها تعكس حجم الدور الذي اضطلع به الإمامعليه‌السلام وأصحابه على صعيد رواية العلم ونشره.

وكان من دأب أصحاب الإمام أنّهم إذا سمعوا حديثا عنه بادورا إلى إثباته في أُصولهم ، روى ابن طاوس عن زيد النهشلي ، قال : كان جماعة من خاصة أبي الحسنعليه‌السلام من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح أبنوس لطاف وأميال ، فإذا نطق أبو الحسنعليه‌السلام بكلمة ، أو أفتى في نازلة ، أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك(٣) ، ودأب بعضهم على الرواية عنه أو مكاتبته حتى في ظروف السجن ، فكان لعلي بن سويد السائي مكاتبات إلى أبي الحسنعليه‌السلام يوم

___

(١) الإرشاد ٢ : ٢٣٥.

(٢) الأستاذ عبد الحسين الشبستري في كتابه أحسن التراجم لأصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام وقد عدّ فيه (٥٤٠) رجلاً.

(٣) مهج الدعوات : ٢١٩.

١٨٩

كان محبوساً ، وكان لأبي عمران موسى بن إبراهيم المروزي مسند عنهعليه‌السلام رواه عنه في السجن حين كان معلماً لأولاد السندي.

وكانت لأصحاب الإمام أصول وكتب ونسخ دوّنوها عنه ، وكان بعضهم كلما صنّف كتاباً قرأه على أصحابه في المسجد ، روي عن سهل بن زياد الآدمي أنه لما صنّف عبد الله بن المغيرة كتابه ، وعد أصحابه أن يقرأ عليهم في زاوية من زوايا مسجد الكوفة(١) .

وصارت تلك الكتب والأصول مصادر أولية للحديث ، استقرّ الأمر فيما بعد على اعتبارها والتعويل عليها لتشكّل المراجع الأساسية لمجاميع الحديث المتأخرة عن عهد الأئمة.

وأمام هذا العدد الكبير من الرواة ، ومع تنوع عطاءاتهم العلمية ، لا تتاح لنا فرصة التفصيل ، لذلك اقتصرنا على ذكر المؤلفين والثقات من أصحاب الإمامعليه‌السلام ، كي لا نخرج عن الغرض في هذه الدراسة المقتضبة ، وهي بنظرنا كافية لبيان نشاطهم ودورهم الفاعل في خدمة رسالة الإسلام ، ونشر الوعي بين أوساط الأُمّة.

ونذكر أولاً من صرح المترجمون له من مصنفي الرجال أن له كتاباً أو أصلاً أو نوادر أو مسائل أو نسخة ، بحسب ترتيب الحروف : إبراهيم بن أبي البلاد.. إبراهيم بن أبي محمود الخراساني.. إبراهيم بن صالح الأنماطي.. ابراهيم بن عيسى الخزّاز.. إبراهيم بن محمد الأشعري.. إبراهيم بن مهزم الأسدي.. إبراهيم بن نصر الجعفي.. إبراهيم بن نعيم العبدي.. إبراهيم بن يوسف الكندي.. أحمد بن أبي بشر السراج.. أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي.. إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الاشعري.. إسحاق بن عمار الكوفي.. إسماعيل بن جابر الجعفي.. إسماعيل بن عبد الخالق الكوفي.. إسماعيل بن همام الكندي.. أيوب بن الحر الجعفي.. بسطام بن سابور الواسطي.. بشر بن مسلمة الكوفي.. بشر بن يسار العجلي.. بكر

___

(١) بحار الأنوار ٤٨ : ١٧٤.

١٩٠

بن الأشعث الكوفي.. بكر بن محمد الأزدي.. ثعلبة بن ميمون القاري.. جميل بن صالح الأسدي.. الحارث بن المغيرة بياع الزطي.. حبيب بن المعلل الخثعمي.. حديد بن حكيم الأزدي.. حذيفة بن منصور الكوفي بياع السابري.. حسان بن مهران الجمال.. الحسن بن أيوب.. الحسن بن زياد الصيقل.. الحسن بن علي الوشاء.. الحسن بن علي بن يقطين.. الحسين بن أبي غندر.. حفص بن البختري.. حفص بن سوقة العمري.. حماد بن عثمان الرؤاسي.. موسى بن إبراهيم المروزي.. حميد بن المثنّى العجلي.. خالد بن زياد القلانسي.. خالد بن سعيد القمّاط.. خالد ابن يزيد الكوفي.. خلف بن حماد الكوفي.. داود بن زربي.. داود بن سرحان العطار الكوفي.. داود بن علي الهاشمي.. داود بن فرقد الأسدي.. داود بن النعمان الأنباري بياع الأنماط.. ربعي بن عبد الله الهذلي(١) .. رفاعة بن موسى النخّاس(٢) .. رومي ابن زرارة بن أعين.. زيد بن محمد الشحام.. سالم بن مكرم الكناسي.. سعد بن أبي خلف الزهري.. سعيد بن عبد الرحمن الأعرج.. سعيد بن يسار الحناط.. سلمة بن محمد الخزاعي.. سليم بن عمران الفراء.. سليمان بن جعفر الجعفري(٣) .. سماعة بن مهران الحضرمي.. سندي بن الربيع.. سهل بن اليسع الأشعري.. سيف بن عميرة النخعي.. شعيب بن يعقوب العقرقوفي.. صالح ابن خالد المحاملي.. صفوان بن مهران الجمال.. الضحاك الحضرمي(٤) .. العباس بن عامر القصباني.. عبد الله بن حكيم الخثعمي.. عبد الله بن غالب الأسدي.. عبد الله بن القاسم الحضرمي.. عبد الله بن محمد الأهوازي.. عبد الله بن يحيى الكاهلي.. عبد الحميد بن سالم العطار.. عبد الرحمن بن الحجاج بياع السابري..

___

(١) له كتاب الراهب والراهبة.

(٢) له كتاب مبوب في الفرائض.

(٣) له كتاب فضل الدعاء.

(٤) له كتاب في التوحيد.

١٩١

عبد العزيز بن المهتدي الأشعري.. عبد الكريم بن عمرو الخثعمي.. عبد الملك بن عتبة الصيرفي.. علي بن حديد المدائني.. علي بن حمزة بن الحسن القرشي الهاشمي.. علي بن سويد السائي.. علي بن شجرة الشيباني.. علي بن عبيد الله القرشي الهاشمي(١) .. علي بن وهبان.. علي بن يقطين.. عمر بن اُذينة(٢) .. عمار بن موسى الساباطي.. عمر بن عبد العزيز البصري.. عمر بن محمد بن يزيد بياع السابري(٣) .. عمرو بن المنهال القيسي.. عيسى بن عبد الله الأشعري.. عيسى بن المستفاد البجلي(٤) .. عيص بن القاسم البجلي.. فرج بن السندي.. الفضل بن محمد الأشعري.. الفضل بن يونس الكاتب.. القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل.. القاسم بن محمد الجوهري الكوفي البغدادي.. الليث بن البختري.. محمد بن إسحاق الصيرفي.. محمد بن بكر بن جناح.. محمد بن تميم النهشلي.. محمد ابن ثابت.. محمد بن زرقان.. محمد بن الصباح.. محمد بن صدقة.. محمد بن عذافر.. محمد بن عمر بياع السابري.. محمد بن الفرج الرخجي.. محمد بن فضيل بن كثير الصيرفي.. محمد بن مرازم الساباطي.. منصور بن يونس بزرج.. نشيط بن صالح ابن لفافة العجلي.. نصر بن قابوس اللخمي.. النضر بن سويد الصيرفي.. هيثم بن عبد الله الرماني.. يحيى بن عبد الرحمن الأزرق.. يحيى بن عمران الحلبي.. يحيى ابن القاسم أبو بصير(٥) .. يعقوب بن شعيب التمار.. يونس بن يعقوب البجلي(٦) .. أبو شعيب المحاملي.

___

(١) له كتاب في الحج يرويه عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

(٢) له كتاب الفرائض.

(٣) له كتاب في مناسك الحج وفرائضه ، وما هو مسنون من ذلك.

(٤) له كتاب الوصية.

(٥) له كتاب يوم وليلة.

(٦) له كتاب الحج.

١٩٢

أما الذين صرح الرجاليون بأن لهم أكثر من مصنَّف أو كتاب فهم :

١ـ أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر البيزنطي ، له كتابا نوادر ، وكتاب الجامع.

٢ـ إسماعيل بن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، له عدّة كتب يرويها عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام منها : الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الصوم ، الحج ، الجنائز ، النكاح ، الطلاق ، الحدود ، الديات ، الدعاء ، السنن والآداب ، الرؤيا.

٣ ـ الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الشيباني ، له كتاب ومسائل.

٤ـ الحسن بن علي بن فضال الكوفي ، له عدّة كتب ، منها : الزيارات ، البشارات ، النوادر ، الردّ على الغالية ، الشواهد من كتاب الله ، المتعة ، الناسخ والمنسوخ ، الملاحم ، الصلاة ، الزهد ، الديات ، التفسير ، الطب ، الأنبياء ، المبتدأ ، الرجال وغيرها.

٥ـ الحسن بن محبوب بن وهب السراد ، له كتب منها : كتاب المشيخة ، الحدود ، الديات ، الفرائض ، المناكح ، الطلاق ، النوادر وهو نحو ألف ورقة ، التفسير ، معرفة رواة الأخبار ، العتق وغيرها.

٦ـ حماد بن عيسى الجهني ، له كتاب النوادر ، الزكاة ، الصلاة ، مسائل التلميذ وتصنيفه عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، وفيه عبر ومواعظ وتنبيهات على منافع الأعضاء من الإنسان والحيوان ، وفصول من الكلام في التوحيد ، وهو عبارة عن مسائل حماد للإمام الصادقعليه‌السلام .

٧ـ حمدان بن المعافى الصبيحي ، له كتاب شرائع الايمان ، وكتاب الإهليلجة.

٨ ـ داود بن كثير الرقي ، له كتاب المزار ، والإهليلجة.

٩ـ دعبل بن علي الخزاعي ، له من الكتب : طبقات الشعراء ، الواحدة في مثالب العرب ومناقبها ، ديوان شعر.

١٩٣

١٠ـ زرارة بن أعين الشيباني ، له كتاب العهود ، الاستطاعة ، الجبر.

١١ـ زكريا بن آدم القمي ، له كتاب ومسائل.

١٢ـ سعيد بن جناح الكوفي ، له كتاب صفة الجنة والنار ، قبض روح المؤمن والكافر ، أدرجه الشيخ المفيد في العيون والمحاسن.

١٣ـ صفوان بن يحيى البجلي ، صنّف ثلاثين كتاباً منها : كتاب الوضوء ، الصلاة ، الصوم ، الحج ، الزكاة ، النكاح ، الطلاق ، الفرائض ، الوصايا ، الشراء والبيع ، العتق والتدبير ، البشارات ، النوادر.

١٤ـ عبد الله بن إبراهيم بن محمد الجعفري ، له كتب منها : خروج محمد بن عبد الله ومقتله ، خروج صاحب فخ ومقتله.

١٥ـ عبد الله بن حماد الأنصاري ، له من الكتب : شعر أبي طالب وأخباره ، طبقات الشعراء.

١٦ـ عبد الله بن سنان الكوفي ، له من الكتب : الصلاة ، الصلاة الكبير ، الحلال والحرام.

١٧ ـ عبد الله بن مسكان ، له عدّة كتب منها : الإمامة ، الحلال والحرام.

١٨ـ عبد الله بن المغيرة البجلي ، قالوا : إنه صنّف ثلاثين كتاباً ، منها : كتاب الوضوء ، الصلاة ، الزكاة ، الفرائض ، وكتاب في أصناف الكلام.

١٩ ـ عبد الله بن الوضّاح الكوفي ، له كتب منها : كتاب الصلاة.

٢٠ـ علي بن جعفر الصادقعليه‌السلام ، له كتب منها : المسائل ، كتاب في الحلال والحرام ، قال النجاشي : يروي عنه تارة مبوباً وأخرى غير مبوب.

٢١ـ علي بن رئاب الطحّان ، له أصل ، وله كتب منها : الوصية ، الإمامة ، الديات.

٢٢ ـ فضالة بن أيوب الأهوازي ، له كتاب النوادر ، الصلاة.

٢٣ـ محمد بن أبي عمير ، ذكر ابن بطة أن له أربعة وتسعين كتاباً ، منها :

١٩٤

الاحتجاج ، النوادر ، يوم وليلة ، المغازي ، الكفر والإيمان ، فضائل الحج ، البداء ، الملاحم ، الاستطاعة ، المعارف ، الرضاع ، الطلاق ، التوحيد ، الردّ على أهل القدر والجبر ، الإمامة ، المتعة ، المسائل وغيرها.

٢٤ـ محمد بن إسماعيل بن بزيع الكوفي ، له كتب منها : الحج ، وثواب الحج.

٢٥ـ محمد بن خالد البرقي ، كان أديباً حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العرب ، له عدّة كتب منها : حروب الأوس والخزرج ، رجال البرقي الكبير ، الطبقات الصغير ، مكة والمدينة ، النوادر ، التحريف والتبديل ، التنزيل والتعبير ، يوم وليلة ، التفسير ، العلل ، كتاب في علم الباري ، الخطب.

٢٦ـ محمد بن علي بن النعمان ، المعروف بمؤمن الطاق ، له عدّة كتب منها : الجمل ، الردّ على المعتزلة في إمامة المفضول ، المعرفة ، الإمامة ، إثبات الوصية ، كتاب مجالسه مع أبي حنيفة ، كتاب كلامه على الخوارج.

٢٧ـ معاوية بن عمار الدهني ، له كتب منها : كتاب الحج ، الصلاة ، يوم وليلة ، الدعاء ، الطلاق ، مزار أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٢٨ـ مسمع بن عبد الملك البصري ، له نوادر كثيرة ، وأيام البسوس.

٢٩ ـ معاوية بن وهب البجلي ، له كتب منها : كتاب فضائل الحج.

٣٠ ـ منصور بن حازم البجلي ، له كتب منها : أصول الشرائع ، الحج.

٣١ـ هشام بن الحكم ، وكان من خواصهعليه‌السلام ، وكانت له مناظرات كثيرة مع المخالفين ، وهو ممن فتق الكلام في الإمامة ، حاذق بصناعة الكلام ، حاضر الجواب ، كان له أصل ، وله مصنّفات كثيرة تجاوزت الثلاثين ، نذكر منها : الدلالات على حدوث الأشياء ، الردّ على الزنادقة ، الردّ على أصحاب الإثنين ، كتاب التوحيد ، الرد على أصحاب الطبائع ، الجبر والقدر ، الرد على المعتزلة ، الرد على إرسطاطاليس في التوحيد ، الألفاظ ، علل التحريم ، الميزان وغيرها.

٣٢ـ هشام بن سالم الجواليقي ، له كتب منها : الحديث ، التفسير ، الحج ،

١٩٥

المعراج.

٣٣ـ يونس بن عبد الرحمن ، له أكثر من ثلاثين كتاباً ، منها : جامع الآثار ، الشرائع ، علل الحديث ، اختلاف الحديث ، السهو ، الأدب ، الدلالة على الخير ، اختلاف الحج ، كتاب الاحتجاج في الطلاق ، الفرائض ، الجامع الكبير في الفقه ، التجارات ، تفسير القرآن ، فضل القرآن ، الحدود ، الآداب ، المثالب ، علل النكاح ، البداء ، البيوع ، الرد على الغلاة.

ونودّ التذكير أن أغلب هؤلاء من الثقات أو الممدوحين عند أهل الجرح والتعديل ، وهناك من الثقات لم يرد لهم تصنيف ، ولم نذكرهم مع المؤلفين ، ومنهم : إسماعيل بن الفضل الهاشمي.. جعفر بن إبراهيم بن محمد القرشي.. القاسم ابن بريد بن معاوية العجلي.. معتب المدني مولى أبي عبد اللهعليه‌السلام .. أبو عامر بن جناح.. أبو المحتمل الكوفي.. أبو مصعب الزيدي(١) .

 ***

___

(١) راجع : رجال النجاشي ، الفهرست والرجال والاختيار لشيخ الطائفة ، خلاصة العلاّمة ، رجال ابن داود ، معالم العلماء / ابن شهرآشوب ، فهرست ابن النديم ، هدية العارفين / إسماعيل باشا البغدادي ، الذريعة / آقا بزرك الطهراني.

١٩٦



الفصل السابع

شهادتهعليه‌السلام

انتهت رحلة العذاب التي قطعها الإمام الكاظم موسى بن جعفرعليه‌السلام بشهادته مسموماً ، وكانعليه‌السلام على موعد مع الشهادة من يوم عودته إلى المدينة خلال رحلته الاُولى إلى العراق ، إذ نزل زبالة فالتقاه أبو خالد الزبالي فسلم عليه ، وقال :«الحمد للهالذي خلّصك منهم ، فنعى إليه نفسه قائلاًعليه‌السلام :يا أبا خالد ، إن لهم إليّ عودة لا أتخلّص  منها »(١) .

لقد كان رأي رجال السلطة وعلى رأسهم هارون قائماً على تصفية الإمامعليه‌السلام ، وقد تخلّص بإذن الله من عدّة محاولات في هذا السبيل ، فحين كان مودعاً في سجن عيسى بن جعفر بن المنصور في البصرة ، كتب الرشيد إلى عيسى في دمه ، فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خاصته وثقاته ، فاستشارهم فيما كتب به الرشيد ، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه ، وحين سلمه إلى الفضل بن الربيع أراده الرشيد على شيء من أمره فأبى ، فكتب إليه بتسليمه إلى الفضل بن يحيى البرمكي ، فتسلمه منه ووسّع عليه ، فكتب إليه الرشيد وهو في الرقة ينكر عليه ذلك ويأمره بقتله ، فتوقف عن ذلك ، فاغتاظ

___

(١) الكافي ١ : ٤٧٧ / ٣ ، إثبات الوصية : ١٦٥ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣١٥ / ٨.

١٩٧

الرشيد ، وأمر بجلد الفضل بن يحيى مائة سوط ولعنه ، ثم أن يحيى بن خالد اعتذر للرشيد بقوله : إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد ، ثم خرج يحيى إلى بغداد ، فدعا السندي فأمره بأمره فامتثله ، وجعل سماً في طعام فقدمه إليه ، وقيل : جعله في رطب ، ولبث ثلاثاً بعده موعوكاً ، ثم مات في اليوم الثالث شهيداً مظلوماً صابراً محتسباً.

فلما استشهد الإمامعليه‌السلام أدخل السندي الفقهاء ووجوه أهل بغداد عليه ، وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه ولا أثر به ، فنظروا إليه وشهدوا على ذلك ، وإنما فعل ذلك ليواري سوأته ، وأخرج الجثمان المطهر فوضع على الجسر ببغداد ، ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرّسون في وجهه وهو ميت ، ثم حُمل فدفن في مقابر قريش(١) .

فكان دم الإمامعليه‌السلام موزعاً بين ثلاثة : أولهم الرشيد الذي أمر بالقتل ، والثاني المنفّذ للقتل وهو السندي ، والثالث يحيى بن خالد الوزير المقرب الذي أراد إرضاء الرشيد والتزلف إليه بسبب عصيان ابنه الفضل لأوامر الرشيد ، فنفذ ما أراد الرشيد أمر السندي بقتل الإمامعليه‌السلام ، لأن الرشيد يريد أن يظهر بمظهر البريء من دمه إلى آخر الشوط.

على الجسر :

وضع النعش المحمول على الجسر ، وكان أمر الرشيد بإحضار أكثر وجوه

___

(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٠ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٤٠ ، مقاتل الطالبيين : ٣٣٦ ، الغيبة / الطوسي : ٢٦ / ٦ ، اعلام الورى / الطبرسي ٢ : ٣٣ ، الفصول المهمة / ابن الصباغ : ٢٢٠.

١٩٨

بغداد ليشهدوا على موت الإمامعليه‌السلام ، وأنه لا أثر به يدلّ على القتل ، قال ابن عنبة :«إن السندي عمل محضراً بأنه مات حتف أنفه ، وترك ثلاثة أيام على الطريق ، يأتي من يأتي فينظر إليه ، ثم يكتب في المحضر»(١) .

ولعل من دواعي الإشهاد والمحضر هو أن الرشيد كان يحاول أن يبرئ نفسه من مسؤولية قتل الإمام ، كي يتلافى ردود الأفعال والتداعيات التي قد تنجم من هذا العمل العظيم ، فحاول أن يخطو خطوة على طريق دفع الشبهة وإرضاء الرأي العام ، ولكن وضع جنازة رجل عظيم على الجسر ببغداد بحد ذاته إنما يثير الشكوك في قتله ، وتلك سنة درج عليها حكام بني العباس فيما بعد مع كل مقتول من الأئمة وغيرهم لدفع الضرر والتخلّص من التهمة ، فالمعتز لما قتله قادة الجند أشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر(٢) ، ولما سموا الإمام العسكريعليه‌السلام وضعوا جنازته للصلاة ، فدنا أبو عيسى منها وكشف عن وجهه ، فعرضه على بني هاشم من العلويين والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وأشهدهم انه مات حتف أنفه على فراشه وليس به أثر(٣) .

اما النداء على نعش الإمامعليه‌السلام بعد موته ، فالذي في غالب المصادر أنه لما مات أخرجه السندي ووضعه على الجسر ببغداد ونودي عليه : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه ، أو هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه ، وهذا أمر ممكن من قبل دولة تريد الانتقاص من عقائد مناوئيها التقليديين بكونهم رافضة أولاً ، ويكذبون بزعمهم عدم موت إمامهم بينما هو ميت وموضوع على الجسر.

___

(١) عمدة الطالب : ١٩٦ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٤٨ / ٥٧.

(٢) الكامل في التاريخ ٦ : ٢٠٠ ، الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٣.

(٣) إكمال الدين ـ المقدمة : ٤٢ ـ ٤٣.

١٩٩

والحق أن الدولة إنما تغالط بسحبها التهمة إلى الطائفة جمعاء ، بينما الذي يزعم ذلك فرقة ضالة تسمى الواقفة ، ادعوا أن الكاظمعليه‌السلام حي يرزق ، وأنه هو القائم من آل محمدعليهم‌السلام ، وأن حبسه غيبته ، وقد روّج لهذه الفكرة بعض أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام كعلي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي وغيرهم بسبب رغبات مادية كان لها الأثر في نفوسهم الضعيفة ، حيث تجمعت لديهم أموال طائلة من الحقوق المالية ، لأنهم كانوا من وكلاء الإمام الكاظمعليه‌السلام وخزنة أمواله في وقتٍ كان فيه الإمامعليه‌السلام مودعاً السجن ، وبعد شهادة الإمامعليه‌السلام أبوا عن تسليم تلك الأموال لولده القائم بعده علي الرضاعليه‌السلام ، وشدّدوا على إنكار موته ، وقد انقرضت هذه الفرقة بمرور الأيام ، بعد ظهور زيف مدعياتها.

وقد تنبّه الشيخ المفيد إلى هذا الأمر ، فتعرّض له أثناء ذكره شهادة الإمام الكاظمعليه‌السلام بقوله :«وقد كان قوم زعموا في أيام موسىعليه‌السلام أنه القائم المنتظر ، وجعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم ، من هنا أمر يحيى بن خالد أن ينادى عليه عند موته : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه»(١) .

وهناك صورة اُخرى قبيحة للنداء على نعش الإمامعليه‌السلام ، من قبل السلطة العباسية ، رواها الشيخ الصدوق عن عبد الله الصيرفي. تعبر بوضوح عن حقارة دولتهم ودناءة سلاطينها وحقدهم على أهل البيتعليهم‌السلام ، ويكتفي بذلك أن إباحة قتل الإمام الكاظمعليه‌السلام بلا ذنب ، وتوغّلت في دماء آل أبي طالب بظلم صارخ ووحشية مروعة ، حتى قال الشاعر :

يا ليت جور بني مروان عاد لنا

وليت عدل بني العباس في النار

___

(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٠.

٢٠٠