مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عزت الله المولائي والشيخ نجم الدين الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 477
المشاهدات: 249640
تحميل: 8428

توضيحات:

الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 249640 / تحميل: 8428
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 4

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إنّي عجوزٌ في النسا ضعيفة

خـاويـةٌ بـالـية نـحيفة

أضـربكم بـضربةٍ عنيفة

دون بَـني فاطمة الشريفة

فردّها الحسين إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجُلين)(١) .

لكنّ الخوارزمي في المقتل ذكر مصرع جنادة ثمّ مصرع ابنه عمرو هكذا: (ثمّ خرج من بعده(٢) جنادة بن الحرث الأنصاري(٣) ، وهو يقول:

أنـا جـنادة أنـا ابن الحارث

لـسـتُ بـخوّارٍ ولا بـناكث

عـن بيعتي حتى يقوم وارثي

من فوق شلوٍ في الصعيد ماكثِ

فحملَ، ولم يزل يُقاتل حتّى قُتل.

ثمّ خرجَ من بعده عمرو بن جنادة، وهو ينشد ويقول:

أَضِق الخِناقَ من ابن هندٍ وارمِه

فـي عِـقره بفوارس الأنصارِ

ومـهاجرين مخضّبين رماحهم

تـحت الـعجاجة من دم الكفّار

خـضبت على عهد النبيّ محمّد

فـاليوم تُـخضب من دمِ الفجّار

واليوم تُخضب من دماء معاشرٍ

رفضوا القرآن لنصرة الأشرار

طـلبوا بـثأرهم بـبدرٍ وانثنوا

بـالمرهفات وبـالقنا الـخطّار

واللهِ ربـي لا أزال مـضارباً

لـلـفاسقين بـمـرهف بـتّارِ

_______________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٣، وانظر: إبصار العين: ١٥٩، وحياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ٢٣٣ - ٢٣٤.

(٢) أي من بعد نافع بن هلال الجملي (راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٤ - ٢٥).

(٣) في أنصار الحسينعليه‌السلام المستشهدين بين يديه في كربلاء رجلان باسم (جنادة)، هما: الأوّل: جنادة بن الحرث المذحجي المرادي السلماني الكوفي (رض)، وقد استشهد مع عمرو بن خالد الصيداوي (رض) وجماعة في أوائل القتال، والثاني: جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي (رض)، وقد قُتل في الحملة الأولى (راجع: إبصار العين: ١٤٤ و ١٥٨).

٣٢١

هـذا عـليَّ الـيومَ حقٌّ واجبٌ

فـي كـلّ يـوم تعانقٍ وحوار

ثمّ حملَ، فقاتل حتّى قُتل)(١) .

ثمّ يروي الخوارزمي الواقعة - التي ذكرها كلُّ من المحقّق السماوي (ره)، والمحقّق المقرّم (ره) - لشاب آخر، قائلاً: (ثُمَّ خرجَ من بعده شابٌ قُتل أبوه في المعركة، وكانت أمّه عنده، فقالت: يا بُنيّ اُخرج فقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تُقتل، فقال: أَفعلُ، فخرج، فقال الحسين:(هذا شابٌ قُتل أبوه، ولعلَّ أُمَّه تكره خروجه)، فقال الشاب: أمّي أمَرَتني يا بن رسول الله! فخرجَ وهو يقول:

أميري حسينٌ ونِعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

عـليٌّ وفـاطمةٌ والـداه

فهل تعلمون له من نظير

ثُمّ قاتل فقُتل، وحُزَّ رأسه ورُمي به إلى عسكر الحسين، فأخذت أمُّه رأسه وقالت له: أحسنتَ يا بُنيَّ، يا قُرَّة عيني وسرورَ قلبي.

ثمّ رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته، وأخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول:

إنّا عجوزٌ في النسا ضعيفة

بـاليـة خـاوية نـحيفة

أضـربكم بـضربةٍ عنيفة

دون بَـني فاطمة الشريفة

فضرَبت رجلين فقتلتهما، فأمرَ الحسينعليه‌السلام بصرفها ودعا لها)(٢) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢٥ - ٢٦.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٥ - ٢٦، وانظر: البحار ٤٥: ٢٧ - ٢٨ عن تسلية المجالس، وفيه إضافة هذا البيت:

له طلعةٌ مثل شمس الضحى

لــه غُرَّة مثـل بدر منير

وقد ذكرَ ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١٠٤ بعد ذكره مصرع جنادة بن الحارث (رض) قائلاً: (ثمّ برزَ ابنه واستشهد، ثمّ برز فتى قائلاً..) وأوردَ الأبيات وبقيّة الواقعة، وقال الشيخ القمي =

٣٢٢

مقتلُ الأخَوين الغفاريين (رض)

يروي الطبري قائلاً: (فلمّا رأى أصحاب الحسين أنّهم قد كُثِروا، وأنّهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسيناً ولا أنفسهم تنافسوا في أن يُقتَلوا بين يديه، فجاءه عبد الله وعبد الرحمان ابنا عزرة (عروة)(١) الغفاريّان، فقالا: يا أبا عبد الله، عليك السلام حازَنا العدوّ إليك فأحببنا أن نُقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك.

قال:(مرحباً بكما اُدنوا منّي.

فدَنوا منه، فجعلا يقاتلان قريباً منه، وأحدهما يقول:

قـد عَـلمتْ حـقّاً بـنو غِـفار

وخِـنـدَفٌ بـعـد بـني نـزار

لـنـضربنَّ مـعـشرَ الـفُـجّار

بـكـلّ عـضبٍ صـارم بـتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأحرار(٢)

بـالمشرفيّ والـقنا الـخطّار(٣)

أمّا الخوارزمي، فقد ذكرَ أنَّ (قُرّة بن أبي قُرّة الغفاري) خرجَ بعد خروج (يحيى بن سليم المازني) وهو يقول:

____________________

= في نَفَس المهموم: ٢٩٣: (أقول: إنّي أحتمل أن يكون هذا الفتى ابن مسلم بن عوسجة الأسدي رضوان الله عليهما، لِما حُكي عن روضة الأحباب قريباً من ذلك لابن مسلم بن عوسجة بعد ذكر قَتل والده رضوان الله عليهما، ومثله في روضة الشهداء، والله العالم)، كما قال الشيخ القمي (ره) في حاشية ص٢٩٣ من نَفَس المهموم أيضاً: (ويُحتمل أن يكون هو ابن مسعود بن الحجّاج، ففي الزيارة المرويّة عن الناحية المقدّسة (البحار ٤٥: ٧٢)(السلام على مسعود بن الحجّاج وابنه) .

(١) ضبطَ المحقّق المرحوم الشيخ السماوي اسم أبيهما أنّه (عروة) وليس عزرة، وذكرَ أنّ اسم جدّهما حرّاق، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وممّن شاركَ معه في حروبه الثلاث (راجع: إبصار العين: ١٧٥).

(٢) في إبصار العين: ١٧٦ في البيت الثالث (عن بني الأطهار) بدلاً من (عن بني الأحرار).

(٣) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٨.

٣٢٣

قد عَلمتْ حقّاً بنو غفار

وخندفٌ بعد بني نزارِ(١)

ثمَّ حملَ فقاتل حتّى قُتِل(٢) .

والظاهر أنّ هذا هو نفسه (عبد الله بن عروة الغفاري)؛ ذلك لأنّ الخوارزمي يذكر أنّ أخاه (عبد الرحمان بن عروة) كان قد خرج بعد خروج عمرو بن قرظة، وأنّه كان يقول أيضاً:

قد عَلمتْ حقّاً بنو غفار

وخندفٌ بعد بني نزارِ

ثمّ قاتلَ حتّى قُتل(٣) .

والجدير بالذكر: أنّ ابن شهرآشوب كان قد ذكر أنّ عبد الله قد قُتل في الحملة الأولى(٤) ، كما أنَّ ما ذكره المحقّق السماوي (ره) - أنّ عبد الله وأخاه عبد الرحمان كانا قد دنوا من الإمامعليه‌السلام ، وجعلا يقاتلان قريباً منه، وإنّ أحدهما ليرتجز ويُتمّ له الآخر.. فلم يزالا يقاتلان حتّى قُتلا(٥) - لا يبعد أن يكون قتالهما هذا ومقتلهما أثناء

____________________

(١) وبقيّة أبياته:

بأنّني الليث الهزبر الضاري

لأضـربنّ مـعشر الفجّار

بـحدِّ عـضبٍ ذكـر بتّار

يـشعُّ لـي في ظلمة الغبار

دون الـهداة السادة الأبرار

رَهـط النبيّ أحمد المختار

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢١، وكذلك ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١٠٢ فقد ذكرهُ باسم (قُرَّة بن أبي قُرّة الغفاري)، وذكر أيضاً أنّه قتلَ ثمانية وستين رجلاً، لكنّ الشيخ الصدوق (ره) في أماليه: ١٣٦ المجلس ٣٠، حديث ١، كان قد ذكره باسم (عبد الله بن أبي عروة الغفاري)، وذكرَ رجزه، وذكر أنّه قتل عشرين رجلاً.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٦.

(٤) راجع: مناقب آل أبي طالب: ٤: ١١٣.

(٥) راجع: إبصار العين: ١٧٥ - ١٧٦.

٣٢٤

الحملة الأولى.

وقد ورد السلام عليهما من الناحية المقدّسة هكذا:(السلام على عبد الله وعبد الرحمان ابنَي عروة بن حراق الغفاريين) (١) .

مقتلُ حنظلة بن أسعد الشبامي والأخوين الجابريين سيف ومالك (رض)

روى الطبري قائلاً: (وجاء الفَتَيان الجابريّان: سيف بن الحارث بن سريع، ومالك بن عبد(٢) بن سريع، وهما ابنا عمّ وأخوان لأُمّ، فأتيا حسيناً فدنوا منه وهما يبكيان، فقال:(أي ابنَيْ أخي ما يُبكيكما؟ فو الله إنّي لأرجو أن تكونا عن ساعة قريريْ عين.

قالا: جعلنا الله فداك، لا والله ما على أنفسنا نبكي، ولكنّا نبكي عليك! نراك قد أُحيط بك لا نقدر على أن نمنعك.

فقال:جزاكما الله يا ابنَيْ أخي بِوَجْدكما من ذلك ومواساتكما إيّايَ بأنفسكما أحسنَ جزاء المتّقين) .

وجاء حنظلة بن أسعد الشباميّ فقام بين يدي حسين، فأخذَ يُنادي: يا قومِ، إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود الذين من بعدهم، وما الله يريد ظلماً للعباد، ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التنادِ يومَ تُولّون مُدبرين مالكم من الله من عاصم، ومَن يُضللِ اللهُ فماله من هادٍ، يا قوم لا تقتلوا

____________________

(١) البحار: ٤٥: ٧١.

(٢) ضبط المحقّق السماوي (ره) اسم والد مالك: (عبد الله) (راجع: إبصار العين: ١٣٢).

٣٢٥

حسيناً فيُسحتكم الله بعذاب وقد خاب مَن أفترى).

فقال له حسين:(يا بن أسعد رحمك الله، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إلي من الحقّ ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصادقين؟!

قال: صدقتَ جُعلت فداك، أنتَ أفقه منّي وأحقّ بذلك، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا؟

قال:رُحْ إلى خيرٍ من الدنيا وما فيها، وإلى مُلكٍ لا يبلى.

فقال: السلام عليك أبا عبد الله، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك، وعَرّف بيننا وبينك في جنّته.

فقال:آمين آمين.

فاستقدمَ فقاتل حتّى قُتل.

ثُمّ استقدم الفتيان الجابريان يلتفتان إلى حسين ويقولان: السلام عليك يا بن رسول الله.

فقال:وعليكما السلام ورحمة الله).

فقاتلا حتّى قُتلا)(١) .

وقد وردَ السلام على حنظلة من الناحية المقدّسة هكذا:(السلام على حنظلة بن أسعد الشّباميّ) (٢) .

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٨ - ٣٢٩، وانظر: الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٢، وأنساب الأشراف: ٣: ٤٠٥، والإرشاد: ٢: ١٠٥، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢٨، واللهوف: ١٦٤، وتسلية المجالس ٢: ٢٩٤، وتسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٦.

(٢) البحار: ١٠١: ١٠١: ٢٧٣ و ٤٥: ٧٣، وكذلك في الزيارة الرجبيّة والشعبانية (راجع: البحار: ١٠١: ٣٤٠).

٣٢٦

وعلى الجابرييّن:(السلام على شبيب (١) بن الحارث بن سريع، السلام على مالك بن عبد الله بن سريع) (٢) .

مقتلُ شوذب بن عبد الله (رض) (٣)

وروى الطبري أيضاً يقول: (وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر، فقال: يا شوذب، ما في نفسك أن تصنع؟

قال: ما أصنع؟ أُقاتل معك دون ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أُقتل.

قال: ذلك الظنّ بك، أمّا الآن فتقدّمْ بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك كما احتسبَ غيرك من أصحابه، وحتّى أحتسبك أنا؛ فإنّه لو كان معيَ الساعة أحدٌ أنا أولى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يديَّ حتى أحتسبه، إنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما قدرنا عليه، فإنّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب.

.. فتقدّم فسلّم على الحسين، ثمّ مضى فقاتل حتّى قُتل)(٤) .

وقال الشيخ المفيد (ره): (وتقدّمَ بعده(٥) شوذب مولى شاكر فقال: السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاتُه، أستودعك الله وأسترعيك، ثمّ قاتل حتّى

____________________

(١) لعلّ (شبيب) تصحيف (سيف)، ويؤيّد هذا: أنّ اسمه في الزيارة الرجبيّة والشعبانيّة (سيف بن الحارث) (راجع البحار: ١٠١: ٣٤٠).

(٢) البحار: ١٠١: ٢٧٣ و٤٥: ٧٣ و ١٠١: ٣٤٠.

(٣) هكذا ضبطه المحقّق السماوي (ره): شوذب بن عبد الله الهمداني الشاكري (مولى لهم). (راجع: إبصار العين: ٢٩).

(٤) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٩، وانظر: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢٦.

(٥) أي بعد حنظلة الشامي (ره). (راجع: الإرشاد: ٢: ١٠٥).

٣٢٧

قُتلرحمه‌الله )(١) .

مقتلُ عابس بن أبي شبيب الشاكري (رض)

ثمَّ لما قُتل شوذب (رض) تقدّم عابس (رض) إلى الإمامعليه‌السلام ثمّ قال: يا أبا عبد الله، أمَا والله ما أمسى على ظهر الأرض قريبٌ ولا بعيدٌ أَعزّ عليَّ ولا أحبّ إليَّ منك، ولو قدرتُ على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليَّ من نفسي ودمي لفعلته، السلام عليك يا أبا عبد الله، أُشهدُ الله أنّي على هدْيك وهَدْيِ أبيك.

ثمّ مشى بالسيف مصلتاً نحوهم وبه ضربةٌ على جبينه)(٢) .

ويقول رجل همداني - يُقال له ربيع ين تميم - شهدَ ذلك اليوم: (لمّا رأيتهُ مُقبلاً عَرفته، وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس، فقلت: أيّها النّاس هذا أسدُ الأُسود، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجنّ إليه أحدٌ منكم، فأخذَ ينادي: ألا رجلٌ لرجل؟! فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة.

قال: فرُمي بالحجارة من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك ألقى دِرعه ومِغْفَره، ثمّ شدَّ على الناس، فو الله لرأيته يكرد(٣) أكثر من المئتين من النّاس، ثمّ إنهم تعطّفوا عليه من كل جانب فقُتل.

قال: فرأيتُ رأسه في أيدي رجالٍ ذوي عدَّة، هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول:

____________________

(١) الإرشاد: ٢: ١٠٥.

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٩، وانظر: أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٤، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢٦ - ٢٧.

(٣) يكرد ويطرد سواء في المعنى. (راجع: إبصار العين: ١٢٩، ولسان اللسان: ٢: ٤٥٢).

٣٢٨

أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله سنان(١) واحد، ففرّق بينهم بهذا القول)(٢) .

مقتلُ الأخوين الأنصاريين (رض)

وهما: سعد بن الحرث الأنصاري العجلانيّ (رض)، وأخوه أبو الحتوف بن الحرث الأنصاري العجلاني (رض)، وكانا قد التحقا بالإمام الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء، يقول المحقّق السماوي (ره): (كانا من أهل الكوفة ومن المحكّمة(٣) ، فخرجا مع عمر بن سعد إلى قتال الحسينعليه‌السلام .

قال صاحب الحدائق: فلمّا كان اليوم العاشر، وقُتل أصحاب الحسين فجعل الحسين يُنادي:(ألا ناصرٌ فينصرنا) ، فَسمعته النساء والأطفال، فتصارخن، وسمعَ سعدٌ وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسينعليه‌السلام والصراخ من عياله، فمَالا بسيفيهما مع الحسين على أعدائه، فجعلا يُقاتلان حتّى قَتلا جماعة وجَرحا آخرين، ثمّ قُتلا معاً)(٤) .

وذكر صاحب الحدائق: أنّهما (رض) قد قتلا من الأعداء ثلاثة نفر(٥) .

وفي ضوء هذا الخبر: إذا كان المراد من (وقُتل أصحاب الحسين) قُتل أصحابه

____________________

(١) في مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢٧: (هذا لم يقتله إنسان واحد)، وكذلك في تسلية المجالس: ٢: ٢٩٨.

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٩، وانظر: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢٦ - ٢٧.

(٣) من المحكّمة: أي من الخوارج، وفي أنّهما كانا من الخوارج كلام وأخذٌ وردٌّ بين المحقّقين (راجع: قاموس الرجال: ٥: ٢٨ رقم ٣١٤٧).

(٤) إبصار العين: ١٥٩، والحدائق الوردية: ١٢٢، وانظر: تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٤.

(٥) راجع: الحدائق الوردية: ١٢٢، وتسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٤.

٣٢٩

بعد الحملة العامة الأولى، فإنّ هذين الأنصاريين (رض) يكونان - حسب الظاهر - قد قُتلا أواخر الحملة الأولى أو بعدها مباشرة، وإذا كان المراد من (وقُتل أصحاب الحسين) قُتل أصحابه جميعاً، فإنّ هذين الأنصاريين (رض) يكونان آخر مَن قُتل معهعليه‌السلام ، والنصوص المتوفّرة في مقتلهما لا تساعد بأكثر من هذا على تشخيص ساعة مقتلهما في الملحمة.

مقتلُ الأنصار الجهنيين الثلاثة (رض)

وهم: مجمع بن زياد بن عمرو الجهني (رض)(١) ، وعبّاد بن المهاجر بن أبي المهاجر الجهني (رض)(٢) ، وعقبة بن الصلت الجهني (رض)(٣) ، وكان هؤلاء الأبرار

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ٢٠١، وانظر: تنقيح المقال: ٣: ٥٣ وفيه: (قال أهل السيَر: إنّه كان صحابياً شهدَ بدراً وأُحداً، وكان في منازل جهينة حول المدينة، فلمّا خرج الحسينعليه‌السلام من مكّة إلى العراق مرَّ بهم، وكان الرجل ممّن تبعهُ ولزمه إلى أن تقدّم يوم الطفّ وقاتلَ بين يديه، وقَتل جمعاً كثيراً من القوم، فتعطّفوا عليه من كلّ جانب فقتلوه في حومة الحرب بعدما عقروا فرسه)، لكنّ محققين آخرين لم يذكروا أنّه كان صحابياً، بل أنكر ذلك المحقّق التستري في قاموس الرجال: ٨: ٦٧٤ رقم ٦٢٥٣ قائلاً: (ولو كان صحابياً لعنونهُ الجزري الذي جمع كلّ صحيح وسقيم!).

(٢) راجع: إبصار العين: ٢٠١، وانظر: تنقيح المقال: ٢: ١٢٣، وقال الزنجاني في وسيلة الدارين: ١٦٢ رقم ٨٧: (وقُتل في الحملة الأولى..)، لكنّنا لم نعثر على ما يؤيّد ذلك في المصادر التي نقل عنها.

(٣) راجع إبصار العين: ٢٠١ - ٢٠٢، وانظر: تنقيح المقال: ٢: ٢٥٤ وفيه: (له رواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ..)، لكنّ المحقّقين الآخرين لم يذكروا ذلك، بل أنكر ذلك المحقّق التستري في قاموس الرجال: ٧: ٢٢٠ رقم ٤٩١٦ قائلاً: (ولو كان صحابياً لعنونه الجزري الذي استقصاهم!)، وقال الزنجاني في وسيلة الدارين: ١٧١، رقم ١٠٤ نقلاً عن صاحب كتاب الحوادث (الشيخ محمد =

٣٣٠

قد التحقوا بالإمامعليه‌السلام من مياه جهينة (منازل جهينة) وهو في طريقه من المدينة إلى مكّة، وثبتوا معه ولازموه، فلم ينفضّوا عنه حين انفضّ كثير من الأعراب عنهعليه‌السلام في زُبالة، فلمّا كان يوم العاشر قاتلوا بين يديه حتّى قُتلوا رضوان الله عليهم.

مقتلُ يزيد بن ثبيط العبدي البصري (رض)

كان ولداه عبد الله وعبيد اللهرضي‌الله‌عنهما قد قُتلا في الحملة الأولى(١) ، أمّا هو رضوان الله تعالى عليه فقد قُتل مبارزة(٢) ، وقد مرّت بنا ترجمته وقصة ارتحاله إلى الإمامعليه‌السلام من البصرة مع مجموعة من المجاهدين البصريين، والتحاقهم بالإمامعليه‌السلام في مكّة المكرّمة، وملازمتهم الإمامعليه‌السلام حتى فوزهم بالشهادة بين يديه(٣) .

مقتلُ رافع بن عبد الله (رض) مولى مسلم الأزدي (رض)

كان رافع بن عبد الله (رض) قد خرج إلى الإمام الحسينعليه‌السلام مع مولاه مسلم بن كثير الأعرج الأزدي (رض) من الكوفة، وانضمّا إلى الإمامعليه‌السلام في كربلاء، ولمّا كان اليوم العاشر ونشب القتال قُتل مسلم بن كثير (رض) في الحملة الأولى، أمّا مولاه عبد الله فتقدّم بعد صلاة الظهر مبارزاً للأعداء بين يدي الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقاتلَ ثمّ نال شرف الشهادة(٤) .

____________________

= باقر) أنّه قُتل في الحملة الأولى.

(١) راجع: مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام : ٤: ١١٣.

(٢) راجع: إبصار العين: ١٩٠.

(٣) راجع: الجزء الثاني من هذه الدراسة (الإمام الحسينعليه‌السلام في مكّة المكرّمة): ٣٨٩ - ٣٩٣.

(٤) راجع: إبصار العين: ١٨٥، وذخيرة الدارين: ٢٧٠، وتنقيح المقال: ٣: ٤٢٢.

٣٣١

مقتلُ حبشي بن قيس النهمي (رض)(١)

ومن أنصارهعليه‌السلام الذين قُتلوا معه في كربلاء: حبشي (حبشة)(٢) بن قيس النهمي (رض)، ولم نعثر في المصادر الأخرى على تفصيل مصرعه ومقتله.

مقتلُ زياد بن عريب الهمداني الصائدي (رض)(٣)

وكنيته أبو عمرة(٤) ، وهو ممّن أدركَ زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد روى الشيخ (ابن نما) عن مهران الكاهلي - أي مولى لبني كاهل - قال: شهدت كربلاء مع الحسينعليه‌السلام فرأيت رجلاً يُقاتل قتالاً شديداً، لا يَحمل على قوم إلاّ كشفهم، ثمّ يرجع إلى الحسينعليه‌السلام ويرتجز ويقول:

أَبشِر هُديتَ الرُشد يا بن أحمدا

في جنّة الفردوس تعلوا صعّدا

فقلت: مَن هذا؟ قالوا: أبو عمر النهشلي(٥) ، وقيل: الخثعمي فاعترضهُ عامر بن نهشل - أحد بني اللات بن ثعلبة - فقتله واحتزّ رأسه.

____________________

(١) مرّت بنا ترجمته في جملة مَن التحق بالإمامعليه‌السلام في كربلاء حتّى ليلة العاشر، وراجع أيضاً: إبصار العين: ١٣٤، والإصابة: ٢: ١٠٤ - ١٠٥ رقم ٣٦٤٤.

(٢) هكذا كما في الإصابة، وانظر أيضاً: وسيلة الدارين: ١١٨ رقم ٣٠.

(٣) مرّت بنا ترجمته في جملة مَن التحق بالإمامعليه‌السلام في كربلاء حتى ليلة العاشر، وراجع أيضاً إبصار العين: ١٣٤ - ١٣٥، وانظر: وسيلة الدارين: ١٤٥ رقم ٥٥ وفيه أيضاً كان أبوه عريب صحابياً ذكره جماعة في الطبقات والتراجم: كعزّ الدين الجزري في أُسد الغابة، وابن عبد البرّ في الاستيعاب، والعسقلاني في الإصابة كما ذكرنا، وذكر المامقاني أنّه كان من أهل التقوى وكان يسهر الليل إلى الصبح...).

(٤) هكذا ضبط المحقّق السماوي (رض) كنيته.

(٥) نقل السماوي (ره) في إبصار العين: ١٣٥ عن مثير الأحزان: الحنظلي بدلاً من النهشلي.

٣٣٢

قال: وكان أبو عمرو هذا متهجّداً كثير الصلاة)(١) .

مقتلُ قعنب بن عمر النمري (رض)

ومن أنصارهعليه‌السلام الذين استشهدوا بين يديه في كربلاء: قعنب بن عمر النمري البصري (رض)، الذي كان قد جاء إلى الإمامعليه‌السلام مع الحجّاج بن بدر السعدي (رض) من البصرة، والتحقا به في مكّة، ولم يزل ملازماً له، حتى نشبَ القتال يوم عاشوراء، فقاتل في الطفّ بين يدي الإمامعليه‌السلام حتّى قُتل رضوان الله عليه(٢) ، ولم تذكر المصادر التاريخية تفصيلاً لمصرعه، إلاّ أنّ الزنجاني نقل عن صاحب الذخيرة أنّه قُتل في الحملة الأولى(٣) ، وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة هكذا:(السلام على قعنب بن عمرو النمري) (٤) .

مقتلُ بكر بن حي التيمي (رض)

قال المحقّق السماوي (ره): (كان بكر ممّن خرجَ مع ابن سعد إلى حرب الحسينعليه‌السلام ، حتّى إذا قامت الحرب على ساق، مالَ مع الحسين على ابن سعد، فقُتل بين يدي الحسينعليه‌السلام بعد الحملة الأولى، ذكرهُ صاحب الحدائق(٥) وغيره)(٦) ، ولم نعثر على تفصيل لمصرعه (رض) في مصادر أخرى.

____________________

(١) مثير الأحزان: ٥٧.

(٢) راجع: إبصار العين: ٢١٥ - ٢١٦.

(٣) وسيلة الدارين: ١٨٤ رقم ١٣٢ - وقال أيضاً: (وقال غيره: قُتل مبارزة).

(٤) البحار: ٤٥: ٧٢ و ١٠١: ٢٧٣.

(٥) انظر: الحدائق الورديّة: ١٢٢ وفيه: (وقُتل بكر بن حي التيمي من بني تيم الله بن ثعلبة).

(٦) إبصار العين: ١٩٤.

٣٣٣

مقتلُ سالم بن عمرو (رض) مولى بني المدينة

وقال المحقّق السماوي (ره) أيضاً: (كان سالم مولى لبني المدينة، وهم بطن من كلب، كوفيّاً من الشيعة، خرجَ إلى الحسينعليه‌السلام أيّام المهادنة، فانضمّ إلى أصحابه، قال في الحدائق: وما زال معه حتّى قُتل(١) .

وقال السروي: قُتل في أوّل حملة مع مَن قُتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام (٢) ، وله في القائميات ذكر وسلام(٣) )(٤) .

مقتلُ الغلام التركي (رض)

قال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ غلام تركيّ مبارز، قارئ للقرآن، عارف بالعربية، وهو من مَوالي الحسين، فجعل يقاتل ويقول:

البحر من طعني وضربي يصطلي

والـجوُّ مـن سهمي ونبلي يمتلي

إذا حُـسامي فـي يـميني ينجلي

يـنشقُّ قـلب الـحاسد الـمبجّل

فقتلَ جماعة، فتحاوشوه فصرعوه، فجاءه الحسين وبكى ووضع خدَّه على خدّه، ففتحَ عينيه ورآه فتبسّم، ثمّ صار إلى ربّه)(٥) .

____________________

(١) انظر: الحدائق الوردية: ١٢١.

(٢) لم نعثر على اسمه في مجموعة أسماء شهداء الحملة الأولى الذين ذكرهم ابن شهرآشوب السروي في المناقب: ٤: ١١٣.

(٣) ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة هكذا:(السلام على سالم مولى بني المدينة الكلبي) (انظر: البحار: ٤٥: ٧٢).

(٤) إبصار العين: ١٨٢.

(٥) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٨.

٣٣٤

لكنّ ابن شهرآشوب ذكرَ هذه الأبيات لغلامٍ تركيّ للحرّ، قائلاً: (وروي أنّه برزَ غلام تركيّ للحرّ، وجعل يقول...)، كما ذكر أنّه قتل سبعين رجلاً(١) .

أمّا المحقّق السماوي (ره)، فقد قال في ترجمة (أسلم بن عمرو مولى الحسين بن عليعليه‌السلام ): (كان أسلم من مَوالي الحسين، وكان أبوه تركيّاً، وكان ولده أسلم كاتباً، قال بعض أهل السيَر والمقاتل: إنّه خرجَ إلى القتال وهو يقول:

أميري حسينٌ ونِعمَ الأمير

سرورُ فؤاد البشير النذير

فقاتل حتّى قُتل، فلمّا صُرع مشى إليه الحسينعليه‌السلام ، فرآه وبه رمقٌ يومي إلى الحسينعليه‌السلام فاعتنقه الحسين ووضع خدّه على خدّه، فتبسّم وقال: مَن مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعٌ خدّه على خدّي، ثُمّ فاضت نفسه رضوان الله عليه)(٢) .

وقال صاحب ذخيرة الدارين: (ومشى الحسينعليه‌السلام إلى أسلم مولاه واعتنقه، وكان به رمق فتبسّم وافتخر بذلك)(٣) .

____________________

(١) راجع: مناقب آل أبي طالب ٤: ١٠٤.

(٢) إبصار العين: ٩٥ - ٩٦، لكنّ المحقّق السماوي (ره) قال في ترجمة واضح التركي مولى الحرث المذحجي السلماني: (..والذي أظنّ أنّ واضحاً هذا هو الذي ذكر أهل المقاتل أنّه برزَ يوم العاشر إلى الأعداء فجعل يقاتلهم راجلاً بسيفه وهو يقول:

البحر من ضربي وطعني يصطلي

والـجوّ مـن عـثير نقعي يمتلي

إذا حـسامي فـي يـميني ينجلي

يـنشقّ قـلب الـحاسد الـمبجّل

قالوا: ولما قُتل استغاث، فانقضّ عليه الحسين واعتنقهَ وهو يجود بنفسه فقال: مَن مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضع خدّه على خدّي، ثمّ فاضت نفسهرضي‌الله‌عنه )، (إبصار العين: ١٤٥)، فالسماوي (ره) متردّد بين واضح وأسلم؛ ولذا تراه يقول في الفائدة الثالثة عشرة: (.. وواضح الرومي أو أسلم التركي فإنّه لمّا قُتل مشى إليه واعتنقه...) (إبصار العين: ٢٢٦).

(٣) ذخيرة الدارين: ٣٦٦.

٣٣٥

مقتلُ بشر (١) بن عمرو بن الأُحدوث الحضرمي (رض)

ذكرنا فيما مضى في قائمة أسماء شهداء الحملة الأولى اسم (بشر بن عمرو الحضرمي) في جملة أولئك الشهداء رضوان الله عليهم، وقلنا في حاشية اسمه: إنّ المحقّق السماوي (ره) ذكر أنّه قُتل في الحملة الأولى نقلاً عن قول ابن شهرآشوب السرويّ في المناقب(٢) .

وقلنا: إنّنا بعد مراجعة كتاب المناقب وجدنا أنّ ابن شهرآشوب لم يذكره في أسماء شهداء الحملة الأولى(٣) ، لكنّ الزنجاني في وسيلة الدارين ذكره في أسماء شهداء الحملة الأولى(٤) وقال في ترجمته: (قال أهل السيَر: فلمّا ثبتَ القتال بين الفريقين تقدّم بشر بن عمرو الحضرمي إلى الحرب، وقاتلَ حتّى قُتل في الحملة الأولى مع مَن قُتل في أصحاب الحسينعليه‌السلام )(٥) ، ولا نعلم مَن هم أهل السيَر الذين عناهم الزنجاني؟

لكنّ الطبري في تاريخه(٦) روى أنّ آخر مَن بقي مع الإمامعليه‌السلام من أصحابه

____________________

(١) تتفاوت المصادر التاريخية في ضبط اسمه (رض)، فبعضها يذكره باسم (بشير) كما في تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٠، وأنساب الأشراف: ٣: ٤٠٤، وورد بعنوان (بشير بن عمر) كما في تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٦،، وفي إبصار العين: ١٧٣: (بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي)، ووردَ السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة باسم (بشر بن عمر الحضرمي). (البحار: ٤٥: ٧٠).

(٢) راجع: إبصار العين: ١٧٤.

(٣) راجع: مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : ٤: ١١٣.

(٤) راجع: وسيلة الدارين: ٩٤ - ٩٥ ذكره باسم (بشير بن عمرو).

(٥) وسيلة الدارين: ١١٠ رقم ١٣.

(٦) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٩.

٣٣٦

سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي (رض)، وبشير بن عمرو الحضرمي (رض).

ومن الغريب أنَّ المحقّق السماوي (ره)(١) في موضع آخر من كتابه، ذكرَ أيضاً أنّ بشراً الحضرمي (رض) قُتل في آخر أصحاب الإمامعليه‌السلام قبل سويد بن عمرو (رض).

وروى البلاذري يقول: « وقاتلَ بشير بن عمرو الحضرمي وهو يقول:

اليومَ يا نفسُ أُلاقي الرحمن

واليــومَ تُجـزَين بكلّ إحسان

لا تجزعي فكلُّ شــيءٍ فان

والصبر أحظى لكِ عند الديّان »(٢)

وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة هكذا:(السلام على بشر بن عمر الحضرمي، شكرَ الله لك قولك للحسين وقد أذِن لك في الانصراف: أكَلَتني إذاً السباعُ حيّاً إن فارقتك! وأسأل عنك الركبان؟! وأخذلك مع قلّة الأعوان؟! لا يكون هذا أبداً!) (٣) .

مقتلُ سويد بن عمرو بن أبي المطاع (رض)

روى الطبري: أنّ سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي (رض) كان آخر مَن بقي مع الحسينعليه‌السلام من أصحابه(٤) ، وقال المحقّق السماوي (ره) في ترجمته: (كان سويد شيخاً شريفاً عابداً كثير الصلاة، وكان شجاعاً مجرّباً في الحروب، كما ذكره

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ٣: ١٦٩.

(٢) أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٤.

(٣) البحار: ٤٥: ٧٠.

(٤) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٩، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٣، وأنساب الأشراف: ٣: ٤٠٩.

٣٣٧

الطبري والداوودي)(١) .

وقال السيّد ابن طاووس (ره): (وتقدّم سويد بن عمرو بن أبي المطاع، وكان شريفاً كثير الصلاة، فقاتلَ قتال الأسد الباسل، وبالغ في الصبر على البلاء النازل حتّى سقط بين القتلى وقد أُثخن بالجراح، ولم يزل كذلك وليس به حراك، حتّى سمعهم يقولون: قُتل الحسين، فتحاملَ وأخرج من خفّه سكيناً، وجعل يقاتلهم بها حتّى قُتل رضوان الله عليه)(٢) .

وقال المحقّق السماوي (ره): (وقال أهل السيَر: إنّ بشراً الحضرمي قُتل، فتقدّم سويد وقاتل حتّى أُثخن بالجراح، وسقطَ على وجهه فظُنَّ بأنّه قُتل، فلمّا قُتل الحسينعليه‌السلام وسمعهم يقولون: قُتل الحسين، وجدَ به إفاقة، وكانت معه سكّين خبّأها، وكان قد أُخذ سيفه منه، فقاتلهم بسكّينه ساعة، ثمّ إنّهم عطفوا عليه، فقتلهُ عروة بن بكّار التغلبي، وزيد بن ورقاء الجهني(٣) )(٤) .

قصّةُ الضحّاك بن عبد الله المشرقي

قال الطبري: (قال أبو مخنف: حدّثنا عبد الله بن عصام الفائشيّ - بطن من همدان - عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي قال: قدِمتُ ومالك بن النضر الأرحبي على الحسين، فسلّمنا عليه ثمّ جلسنا إليه، فردّ علينا ورحّب بنا، وسَأَلنا عمّا جئنا

____________________

(١) إبصار العين: ١٦٩.

(٢) اللهوف: ١٦٥.

(٣) وفي تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٤ والحدائق الوردية: ١٠٤: (قتله هاني بن ثبيت الحضرمي).

(٤) إبصار العين: ١٦٩ - ١٧٠.

٣٣٨

له، فقلنا: جئنا لنُسلّم عليك وندعو الله لك بالعافية، ونُحدث بك عهداً، ونخبرك خبر النّاس، وإنّا نُحدّثك أنّهم قد جمعوا على حربك، فَرِ رأيك؟

فقال الحسينعليه‌السلام :(حسبي الله ونعم الوكيل.

قال: فتذمّمنا وسلّمنا عليه ودعونا الله له.

قال:فما يمنعكما من نصرتي؟!

فقال مالك بن النضر: عليَّ دَين، وليَ عيال!

فقلت: إنّ عليَّ دَيناً، وإنّ لي لعيالاً، ولكنّك إنْ جعلتني في حِلّ من الانصراف إذا لم أجد مقاتلاً، قاتلتُ عنك ما كان لك نافعاً وعنك دافعاً!

قال: قال:فأنتَ في حِلّ)، فأقمتُ معه)(١) .

ويستفاد من هذا المتن: أنّ هذا اللقاء كان في الطريق إلى كربلاء(٢) ، أو في كربلاء قبل الحصار؛ ذلك لأنّ مالك بن النضر كان قد ترك الإمامعليه‌السلام ، ولا يكون ذلك بمقدوره إلاّ قبل الحصار.

ثمّ نجد الطبري يروي بنفس السند عن الضحّاك هذا تفاصيل عن وقائع مهمّة في ليلة عاشوراء، وفي يوم عاشوراء، منها احتجاج الإمامعليه‌السلام على أعدائه قبل نشوب الحرب.

ثمّ يروي الطبري بنفس السند عن الضحّاك المشرقي، كيف استأذن الإمامعليه‌السلام بالتخلّي عنه آخر الأمر، وكيف فرّ من الميدان، وكيف نجا من القتل!

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣١٣.

(٢) لقد أشار الشيخ الصدوق (ره) إلى مثل هذا اللقاء في كتابه ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ٢٣٢ في منزل قصر بني مقاتل، والرجلان المشرقيان في رواية الشيخ الصدوق (ره) هما: عمرو بن قيس المشرقي، وابن عمّ له.

٣٣٩

قال الضحّاك: (لما رأيتُ أصحاب الحسين قد أُصيبوا، وقد خَلُص إليه وإلى أهل بيته، ولم يبقَ معه غيرُ سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي، وبشير بن عمرو الحضرمي، قلت له: يا بن رسول الله، قد علمتَ ما كان بيني وبينك، قلتُ لك: أقاتلُ عنك ما رأيت مقاتلاً، فإذا لم أرَ مقاتلاً فأنا في حلّ من الانصراف، فقلتَ: نعم.

قال:(صدقتَ، وكيف لك بالنجاء؟ إنْ قدرتَ على ذلك فأنتَ في حِلّ! قال: فأقبلتُ إلى فرسي وقد كُنت حيث رأيتُ خيل أصحابنا تُعقَر أقبلت بها حتّى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلتُ أُقاتل معهم راجلاً، فقتلتُ يومئذٍ بين يدي الحسين رجلين، وقطعتُ يدَ آخر، وقال لي الحسين يومئذٍ مراراً:لا تُشلل، لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله ) .

فلمّا أذِن لي استخرجتُ الفرس من الفسطاط، ثمّ استويتُ على متنها ثمّ ضربتها، حتّى إذا قامت على السنابك رميتُ بها عرض القوم فأفرجوا لي، واتّبعني منهم خمسة عشر رجلاً، حتّى انتهيتُ إلى شُفيّة قرية قريبة من شاطئ الفرات، فلمّا لَحقوني عطفتُ عليهم، فعرَفني كثير بن عبد الله الشعبي، وأيوب بن مشرح الخيوانيّ، وقيس بن عبد الله الصائدي، فقالوا: هذا الضحّاك بن عبد الله المشرقي، هذا ابن عمّنا، ننشدكم الله لمَا كففتم عنه، فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى والله، لنجيبنّ إخواننا وأهلَ دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم، قال: فلمّا تابعَ التميميون أصحابي كفّ الآخرون، قال: فنجّاني الله)(١) .

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٩.

٣٤٠