مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عزت الله المولائي والشيخ نجم الدين الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 477
المشاهدات: 249547
تحميل: 8428

توضيحات:

الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 249547 / تحميل: 8428
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 4

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والقوافل السيّارة المارّة بها بالمنتوجات من حبوب وتمور وأثمار، وقد ازدهرت حتّى في العصر الكلداني، وكان يسكنها قومٌ من النصارى والدهاقين، وكانت تُسمّى آنذاك بـ (كور بابل)، وقد أُقيم على أرضها معبد تقام فيه الصلاة، وحولها معابد أخرى، وقد عُثر في قرى مجاورة لها على جثث أموات في أوانٍ خَزفية يعود تاريخها إلى ما قبل ميلاد المسيحعليه‌السلام .

وقد اشتهرت في عهد اللخميين الذين كانت الحِيرة عاصمتهم، وقد كانت (عين التمر) يومئذٍ من البلاد التي تُستورد منها أنواع التمور، وتُنيخ فيها القوافل السيارة مُناخ ركابها للاستراحة فيها، وقد اكتسبت كربلاء أهميتها التجارية يومذاك من موقعها المشرف آنذاك على الطُرق المؤدّية إلى الحِيرة والأنبار والشام والحجاز، كلّ ذلك كان قبل الفتح الإسلامي لتلك المنطقة ولأرض السواد من العراق.

ويرى الشيخ محمّد باقر المدرّس في كتابه(مدينة الحسين عليه‌السلام ) : أنّ الفرس في عصر المَلِك سابور ذي الأكتاف الذي بويع سنة ٣١٠م في إيران - وهو من الملوك الفرس الساسانيين - كانوا قد قسّموا أرض العراق بعد فتحها إلى عشرة ألوية، وكلّ لواء إلى طسوج، وكلّ طسج إلى رساتيق، وكانت الأرض الواقعة بين عين التمر والفرات تُعَدُّ اللواء العاشر، وكانت كربلاء أحد طسوج هذا اللواء(١) .

ولقد فُتحت كربلاء في جملة أراضي العراق التي فُتحت عُنوة على يد المسلمين في زمن أبي بكر (سنة ١٢ هـ. ق)، وكان الذي أخذها عُنوَة خالد بن عرفطة - وكان قد بعثه سعد بن أبي وقّاص مقدّمة له - ولقد اتخذها مقرّاً ومعسكراً لجُنده فترة من الزمن، وبعد أن استنفد منها غاياته الحربية تركها وانتقل إلى الكوفة،

____________________

(١) راجع: شهر حسينعليه‌السلام : ١٠.

٢١

لوَخامة المناخ والرطوبة في كربلاء.

ثمّ لم تزل كربلاء - بعد ازدهار الكوفة وتعاظم أهميتها - قرية من قراها الكثيرة المبثوثة حولها، لا يأتي على ذكرها ذاكرٌ إلاّ في مناسبة من نوادر المناسبات، كما في مرور أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام عليها في جيشه الزاحف نحو الشام، أو جرت على لسان متحدّث يروي خبراً من أخبار الملاحم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أمير المؤمنينعليه‌السلام بصدد مقتل سيد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وأرض مصرعه.

(وتقع كربلاء غرب نهر الفرات على حافة البادية، وسط المنطقة الرسوبية المعروفة بأرض السواد، وعلى شمالها الغربي مدينة الأنبار، وعلى شرقها مدينة بابل الأثرية، وفي الغرب منها الصحراء الغربية، وفي الجنوب الغربي منها مدينة الحيرة عاصمة المناذرة... وتقع كربلاء على حدود البادية، يقصدها البدو من بلاد الحجاز والشام للميرة والتموين، وإلى عهد قريب كان هذا شأنها، وهي على مسافة قريبة من العَين، وهي واحة وارفة الأشجار وفيرة المياه، وقد كانت مدينة العين من المدن المهمة في منطقة البادية...)(١) .

(وكان للحائر وهْدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة، وربوات متصلة في الجهات الشمالية والغربية والجنوبية منه، تُشكّل للناظرين نصف دائرة مدخلها الجهة الشرقية، حيث يتوجه منها الزائر إلى مثوى سيدنا العبّاس بن عليعليهما‌السلام )(٢) .

ويقول السيّد هبة الدين الشهرستاني: إنّ المُنقّبين وجدوا في أعماق البيوت

____________________

(١) راجع: تاريخ مرقد الحسين والعبّاسعليهما‌السلام : ١٨.

(٢) راجع: تاريخ مرقد الحسين والعبّاسعليهما‌السلام : ٢٨ عن نهضة الحسينعليه‌السلام : ٨٠.

٢٢

المحدِقة بقبر الحسينعليه‌السلام آثاراً تدلّ على ارتفاعها القديم في أراضي جهات الشمال والغرب، ولا يجدون في الجهة الشرقيّة سوى تربة رخوة واطئة، الأمر الذي يُرشدنا إلى وضعيّة هذه البقعة، وأنّها كانت في عصرها الأوّل واطئة من جهة الشرق، ورابية من جهتي الشمال والغرب على شكل هلالي، وفي هذه الدائرة الهلالية حوصر ابن الزهراء البتول الطاهرة(١) .

* الأسماء الأُخرى لكربلاء

هنالك أسماء أخرى تُطلق على أرض مصرع الإمام الحسينعليه‌السلام ، هي إمّا أسماء عامّة للمنطقة التي منها كربلاء، أو هي أسماء لقُرىً مجاورة لكربلاء، فأُطلقت أسماؤها على كربلاء أيضاً؛ ربّما من باب المجاز أو لعلاقة القرب والجوار، كإطلاق نينوى أو الغاضرية على كربلاء، أو هي أسماء كانت تُطلق على أرض كربلاء في غابر الزمان، فوردت أيضاً في لسان الروايات، كما في إطلاق عمورا على كربلاء، وأهمّ هذه الأسماء:

١) - الطفّ أو الطفوف:

من المواضع التي عرفها العرب قديماً قرب كربلاء (الطفّ)، قالياقوت الحموي : (وهو في اللغة ما أشرفَ من أرض العرب على رِيف العراق، قالالأصمعي : وإنّما سُمّي طفّاً؛ لأنّه دانٍ من الريف.. وقالأبو سعيد: سُمّي الطفّ؛ لأنّه

____________________

(١) راجع: نهضة الحسينعليه‌السلام : ٩٠ / وقال السيّد الشهرستاني (ره): (ويؤيّد هذا ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارات، وشيخه الكليني في الكافي، والمجلسي في مزار البحار عن الصادقعليه‌السلام :(إنّ زائر الحسين عليه‌السلام يغتسل على نهر الفرات، ويدخل من الجانب الشرقي إلى القبر الشريف) .

٢٣

مشرف على العراق، مِنْ أطفَّ على الشيء بمعنى أطلّ، والطفّ: طفّ الفرات أي الشاطئ، والطفّ: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرّيّة فيها كان مقتل الحسين بن عليرضي‌الله‌عنه ، وهي أرض بادية قريبة من الريف فيها عدّة عيون ماء جارية، منها: الصيد، والقطقطانة، والرُّهَيمة، وعين جمل، وذواتها، وهي عيون كانت للموكّلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم.. فلمّا كان يوم ذي قار ونصرَ الله العرب بنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، غَلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقي بعضها في أيدي الأعاجم، ثمّ لمّا قدمَ المسلمون الحيرة وهربت الأعاجم بعدما طمّت عامّة ما كان في أيديها منها، وبقي ما في أيدي العرب.. ولمّا انقضى أمر القادسيّة والمدائن وقع ما جلا عنه الأعاجم من أرض تلك العيون إلى المسلمين...

قال أبو دهبل الجُمحي(١) يرثي الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه ، ومَن قُتل معه بالطفّ:

مـررتُ عـلى أبيات آل محمّدٍ

فـلم أرَهـا أمـثالها يـوم حُلَّتِ

فـلا يُـبعد اللهُ الـديارَ وأهـلها

وإنْ أصبحتْ منهم برغمي تخلَّتِ

ألا إنّ قتلى الطفّ من آل هاشمٍ

أذلّـتْ رقاب المسلمين فذلّتِ...

وقال أيضاً:

تـبيتُ سـكارى مـن أُميّة نُوَّماً

وبـالطفّ قـتلى مـا ينام حميمُها

ومـا أفـسدَ الإسـلام إلاّ عصابة

تـأمّـر نَـوْكاها فـدام نـعيمها

فـصارت قناة الدين في كفّ ظالمٍ

إذا اعوجّ منها جانبٌ لا يُقيمها(٢)

____________________

(١) وتُنسب هذه الأبيات وغيرها إلى سليمان بن قتّة (راجع: البحار: ٤٥: ٢٤٤).

(٢) راجع: معجم البلدان: ٤: ٣٥ - ٣٦.

٢٤

٢) - نينوى:

قال ياقوت الحموي: (.. وبسواد الكوفة ناحية يُقال لها نينوى، منها كربلاء التي قُتل بها الحسينرضي‌الله‌عنه ...)(١) .

وقال الأُستاذ الدكتورمصطفى جواد : (وزعم الأُستاذ فيردهوفر Ferd Hofer أنّ أسترابون Strabon الجغرافي اليوناني - المولود في أواسط القرن الأوّل قبل الميلاد - ذكر في كتابه(ما بين النهرين: آشورية وبابل وكلدية) ، ذكرَ نينوى ثانية غير نينوى الشمالية، فإن صحّ زعمه كانت نينوى الجنوبية هي المقصود ذِكرها.. وكانت على نهر العلقمي)(٢) .

وقالالطبري يصف رحلة الركب الحسيني من منزل قصر بني مقاتل إلى نينوى - ويعني بها كربلاء - : (فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة، ثمّ عجّل الركوب، فأخذ يتياسر بأصحابه يُريد أن يفرّقهم، فيأتيه الحُرّ بن يزيد فيردّهم فيردّه! فجعل إذا ردّهم إلى الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتسايرون حتّى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين)(٣) .

٣) - النواويس:

الناووس والقبر واحد(٤) ، والناووس: مقابر النصارى(٥) ، والنواويس كانت مقابر للنصارى الذين سكنوا (كربلاء) قبل الإسلام، وتقع هذه المقابر شمال غرب

____________________

(١) معجم البلدان: ٥: ٣٣٩.

(٢) موسوعة العتبات المقدّسة: ٨: ٣٢.

(٣) تاريخ الطبري: ٤: ٣٠٨.

(٤) معجم البلدان: ٥: ٢٥٤.

(٥) لسان العرب: ٦: ٢٤٥.

٢٥

(كربلاء) في الأيام الحاضرة(١) .

وقد ذكرها الإمام الحسينعليه‌السلام في خطبته بمكّة، حيث قال:(.. كأنّي بأوصالي تُقطّعها عُسلان الفلَوات بين النواويس وكربلاء..) (٢) .

٤) - الغاضرية:

قال ياقوت الحموي : (الغاضريّة.. منسوبة إلى غاضرة من بني أسد، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء)(٣) ؛ وهذا الوصف يدلّ على أنّ الغاضرية أُنشئت بعد انتقال قبيلة بني أسد إلى العراق في صدر الإسلام، فليست الغاضرية قديمة التاريخ جاهلية(٤) ، وهي في شمال كربلاء إلى شمالها الشرقي، وتبعد عنها أقلّ من نصف كيلومتر(٥) .

وكان الإمام الحسينعليه‌السلام بعد نزوله كربلاء في أوائل العشرة الأولى من المحرّم سنة ٦١ هـ، قد اشترى من أهل الغاضريّة ونينوى مساحة كبيرة من الأراضي الواقعة أطراف مرقده المقدّس، كانت تبلغ مساحتها من حيث المجموع أربعة أميال في أربعة أميال، بستّين ألف درهم، ثمّ تصدّق عليهم بتلك الأراضي الواسعة بشرط أن يقوم أهلها بإرشاد الزائرين إلى قبره الشريف، وأن يقوموا بضيافتهم ثلاثة أيّام، غير أنّهم لم يفوا بهذا الشرط، فسقط حقّهم فيها، وبقيت تلك الأراضي المُشتراة منهم ملكاً للإمامعليه‌السلام ولوِلده من بعده، كما كان الحال قبل التصدّق عليهم

____________________

(١) راجع: تاريخ مرقد الحسين والعباسعليهما‌السلام : ٢٣ - ٢٤.

(٢) اللهوف: ٢٦.

(٣) معجم البلدان: ٤: ١٨٣.

(٤) موسوعة العتبات المقدّسة: ٨: ٣٤.

(٥) مدينة الحسينعليه‌السلام / محمد حسين الكليدار: ١٤.

٢٦

بذلك الشرط(١) .

وقد ورد ذكر الغاضرية في أدب الطفّ كثيراً، من ذلك هذه الأبيات:

يا كوكب العرش الذي من نوره

الكرسيّ والسبعُ العُلى تتشعشعُ

كيف اتخذت الغاضريّة مضجعاً

والعرش ودَّ بأنّه لك مضجعُ

٥) - عمورا:

روى قطب الدين الراونديرحمه‌الله بسند عن جابر، عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال:(قال الحسين بن عليّ عليهما‌السلام لأصحابه قبل أن يُقتل:

(إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا بُنيَّ، إنّك ستُساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرض تُدعى (عمورا)، وإنّك تُستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك، لا يجدون أَلَم مسَّ الحديد، وتلا: ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ، تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً، فأبشروا...) إلى آخر تفاصيل الرواية الشريفة(٢) .

٦) - أرض بابل:

روى ابن عساكر أنّ عمرة بنت عبد الرحمان كتبت إلى الإمامعليه‌السلام ، تُعظّم عليه ما يريد أن يصنع من إجابة أهل الكوفة، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة! وتخبره أنّه إنّما يُساق إلى مصرعه، وتقول: أشهد لَحَدّثتني عائشة أنّها سَمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:(يُقتل حسينٌ بأرض بابل...) (٣) .

____________________

(١) راجع: تاريخ مرقد الحسين والعبّاسعليهما‌السلام : ٢٦ عن جغرافية كربلاء القديمة وبقاعها للدكتور عبد الجواد الكليدار (مخطوط): ١٢.

(٢) الخرايج والجرايح: ٢:٨٤٨، رقم ٦٣.

(٣) تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / المحمودي: ٢٩٥، رقم ٢٥٦.

٢٧

٨) - شطّ الفرات:

أخرجَ ابن أبي شيبة بسند، عن عبد الله بن يحيى الحضرمي، عن أبيه، أنّه سافر مع عليّعليه‌السلام - وكان صاحب مطهرته - حتّى حاذى (نينوى) وهو منطلِق إلى (صِفّين)، فنادى:(صبراً أبا عبد الله! صبراً أبا عبد الله!

فقلت: ماذا أبا عبد الله؟!

فقال:دخلتُ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعيناه تفيضان، قلت: يا رسول الله ما لعينيك تفيضان، أغضَبكَ أحدٌ؟!

قال: قام من عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين عليه‌السلام يُقتل بـ (شط الفرات)، فلم أملك عَينيَّ أن فاضتا) (١) .

٩) - أرض العراق:

أخرج أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوّة بسنده، عن سحيم، عن أنس بن الحارث (رض) قال: سمعت رسول الله يقول:(إنّ ابني هذا يُقتل بأرض العراق، فمَن أدركهُ فلينصره) (٢) .

١٠) - ظَهر الكوفة

أخرج ابن قولويه (ره) بإسناده، عن سعيد بن عمر الجلاّب، عن الحارث الأعور (ره) قال: قال عليٌّعليه‌السلام :(بأبي وأمّي الحسين المقتول بظَهر الكوفة، والله كأنّي

____________________

(١) المصنّف لابن أبي شيبة: ١٥: ٩٨، رقم ١٩٢١٤. وانظر: مسند أحمد: ١: ٥٨، ومقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي ١: ١٧ عن ابن مبارك مسنداً عنهعليه‌السلام ، وفيه:(إنّ الحسين يُقتل بالفرات..) .

(٢) دلائل النبوّة لأبي نعيم الأصبهاني: ٢: ٥٥٤، حديث رقم ٤٩٣. وكذلك انظر تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، المحمودي: ٣٤٧، حديث رقم ٢٨٣.

٢٨

أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره من أنواع الوحوش يبكونه ويرْثونه ليلاً حتّى الصباح! فإذا كان ذلك فإيّاكم والجفاء!) (١) .

١١) - الحائر والحَيْر

قال ياقوت الحموي: (الحاير: بعد الألف ياء مكسورة وراء، وهو في الأصل حوض يصبّ إليه مسيل الماء من الأمطار، سُمّي بذلك؛ لأنّ الماء يتحيّر فيه يرجع من أقصاه إلى أدناه.. وأكثر الناس يُسمّون الحائر: الحَيْر، والحائر، قبر الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه .. قال أبو القاسم: هو الحائر إلاّ أنّه لا جمع له؛ لأنّه اسم لموضع قبر الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه ، فأمّا الحِيران فجمع حائر، وهو مستنقع ماءٍ يتحير فيه فيجيء ويذهب.. يقولون الحَيْر بلا إضافة إذا عنَوا كربلاء..)(٢) .

وقال ابن منظور: (.. وحار الماء فهو حائر، وتحيّر: تردّد، وتحيّر الماء، اجتمع ودار، والحائر: مجتمع الماء... والحائر: كربلاء، سُمّيت بأحد هذه الأشياء..)(٣) .

وقد حار الماء عن قبر الإمام الحسينعليه‌السلام لمّا أجراه (الديزج)، الذي بعثه المتوكل؛ ليطمس آثار معالم القبر المقدّس ويعفي أثره سنة ٢٣٦ هـ(٤) .

وقال الدكتور مصطفى جواد: (وقد ذكرنا أنّ الحائر اسم عربيّ، وأنّ العرب سكنوا هذه البلاد منذ عصور الجاهلية، فلابدّ من أن يكون معروفاً قبل استشهاد الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّ هذه التسمية هي والحَيْر والحيرة من أصل واحد..)(٥) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٨٢، باب ٢٦، حديث رقم ٢ و ٣٠٥، باب ٩٧، حديث رقم ٣.

(٢) معجم البلدان: ٢: ٢٠٨.

(٣) لسان العرب: ٤: ٢٢٣.

(٤) راجع: تاريخ كربلاء، د. عبد الجواد الكليدار: ٦٠، الطبعة الثانية، وعنه تاريخ مرقد الحسين والعبّاسعليهما‌السلام : ٢٧.

(٥) موسوعة العتبات المقدّسة: ٨: ٢٣.

٢٩

لكنّ الدكتور عبد الجواد الكليدار زعم أنّه: (لم يرد في التاريخ أو الحديث ذكر لكربلاء باسم الحائر أو الحَيْر قبل وقعة الطفّ، أو أثناء هذه الوقعة، أو بعدها بزمن يسير؛ إذ إنّ الأحاديث النبوية المنبِئة بقتل الحسينعليه‌السلام بأرض العراق، تضمّنت كُلَّ الأسماء عدا اسم الحائر...)(١) .

غير أنّ الطبري في تاريخه عن القاسم بن يحيى قال: (بعث الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن عليّ في الحَيْر، قال: فأُتي بهم، فنظر إليه الحسن بن راشد وقال: مالكَ؟! قال: بعث إليَّ هذا الرجل (يعني الرشيد) فأحضَرَني ولست آمنُه على نفسي، قال له: فإذا دخلتَ عليه فسألك فقل له الحسن بن راشد وضَعني في ذلك الموضع، فلمّا دخل عليه قال هذا القول، قال: ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن، أحضِروه، قال: فلمّا حضر قال: ما حملك على أن صيّرتَ هذا الرجل في الحَيْر؟! قال: رحم الله مَن صيّره في الحَير! أمَرَتني أمّ موسى أن أصيّره فيه، وأن أُجري عليه في كلّ شهر ثلاثين درهماً، فقال: ردّوه إلى الحَيْر، وأجرَوا عليه ما أجْرته أمّ موسى، وأمّ موسى هي أمّ المهدي..)(٢) .

____________________

(١) تاريخ كربلاء، عبد الجواد الكليدار: ٦٥.

(٢) تاريخ الطبري: ٦: ٥٣٦ - ٥٣٧، (ونجد أنّ الرشيد وإن كان قد تغاضى عنهم وأقرَّ بالظاهر ما كانت قد أقرّته أمّ المهديّ من قبل، ولكنّه كان قد عزم في تلك اللحظة على أمرٍ أهول وأخطر من ذلك، كما أثبتته الحوادث فيما بعد، فدعاه فرْطُ بُغضه لآل الرسول إلى هدم كربلاء من الأساس، فأمر توّاً في نفس السنة ١٩٣هـ وهي السنة الأخيرة من حياته بهدم الحائر والقبّة المطهّرة، والدور المجاورة، واقتلاع السدرة، وحرث الأرض؛ ليمحي بذلك كلّ أثر للقبر الشريف، كما روى ذلك غير واحد من الرواة والمؤرّخين.

ورواه الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في (أماليه) بسنده عن يحيى بن المغيرة الرازي: كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق، فسأله جرير عن خبر الناس، فقال: تركت الرشيد وقد كربَ قبر الحسينعليه‌السلام ، وأمرَ أن تُقطع السِدرة =

٣٠

ولعلّ أوائل ما ورد اسم (الحائر) في النصوص الدينية، ما جاء في بعض الروايات عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، التي علّم بعض الأصحاب فيها بعض طُرق زيارة سيّد الشهداءعليه‌السلام ، كما في رواية يوسف بن الكناسيّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:(إذا أتيتَ قبر الحسين فائتِ الفرات واغتسل بحيال قبره وتوجّه إليه، وعليك السكينة والوقار حتى تدخل الحائر من جانبه الشرقيَّ، وقل حين تدخله...) (١) .

وكان في رواية عن الحسن بن عطيّة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:(إذا دخلتَ الحائر فقل...) (٢) ، وغيرها أيضاً ممّا روي عن الصادقعليه‌السلام (٣) .

وكان المراد بالحائر في تلك الأيام: ما حواه سُور المشهد الحسيني على مشرِّفه السلام(٤) ، وهذا القول تؤيّده اللغة والقرائن والروايات معاً؛ لأنّ الحائر لغةً هو فناء الدار، أو ما يحيط بها من كل جانب)، (وقالوا: لهذه الدار حائر واسع..)(٥) .

ثمّ توسّع الاستعمال حتّى صار المراد بالحائر كربلاء نفسها.

ويمكن أن يُقال: إنّ كربلاء كانت من مساكن العرب منذ الجاهلية، وكانت تُسمّى (الحَيْر) بلا إضافة - كما ذكر ياقوت الحموي - لكنّ هذا الاسم ضعُف

____________________

= فقُطعت، فرفع جرير يده وقال: الله أكبر، جاءنا في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:(لعن الله قاطع السِدرة، ثلاثاً) فلم نقف على معناه حتى الآن؛ لأنّ القصد بقطعها تغيير مصرع الحسين؛ حتى لا يقف الناس على قبره!). (راجع: تاريخ كربلاء: ٣٤).

(١) كامل الزيارات: ٢٢١، حديث رقم ٣.

(٢) كامل الزيارات: ٢١٣، باب ٧٩، رقم ١.

(٣) نفس المصدر: ٢١٧، باب ٧٩، رقم ٢.

(٤) راجع: مجمع البحرين: ٥: ٢٨٠.

(٥) لسان العرب: ٤: ٢٢٣.

٣١

استعماله وندر إطلاقه بعدما غلب اسم (الحائر) على كربلاء مكانه، خصوصاً بعدما أُحيط به اسم (الحائر) من حرمة وتقديس، وأُنيط به من أعمال وأحكام في الرواية والفقه(١) .

فضلُ كربلاء وقداسة تُربتها

أُعطيت أرض كربلاء - حسب النصوص الواردة - من الشرف ما لا تُعطى أيّ بقعة من بقاع الأرض حتّى مكّة المعظّمة منذ أن خلق الله الأرض.

ففي حديث - على سبيل المثال لا الحصر - عن الإمام السجادعليه‌السلام أنّه قال:(اتخذَ الله أرض كربلاء حَرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلُق أرض الكعبة ويتخذها حَرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وإنّه إذا زلزلَ الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها، رُفعت كما هي بتُربتها نورانيّة صافية فجُعلت في أفضل روضة من رياض الجنّة، وأفضل مسكن في الجنّة، لا يسكنها إلاّ النبيّون والمرسلون - أو قال:أولوا العزم من الرسُل - وإنّها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب لأهل الأرض، يُغشي نورها أبصار أهل الجنّة وهي تنادي: (أنا أرض الله المقدّسة، الطيبة، المباركة، التي تضمّنت سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة)) (٢) .

وهي التي في تربتها الشفاء كما قال الصادقعليه‌السلام :(في طين قبر الحسين عليه‌السلام الشفاء من كلّ داء، وهو الدواء الأكبر) (٣) .

____________________

(١) وللتوسّع في مزيد من المعرفة حول هذا الاسم (الحائر)، يمكن للقارئ الكريم أن يقرأ تفصيلاً أكثر ومناقشات أوسع في كتاب (تاريخ كربلاء) للدكتور عبد الجواد الكليدار.

(٢) المزار للشيخ المفيد: ٣٤، وكامل الزيارات: ١٨٠، باب ٨٨، رقم ٤.

(٣) المزار للشيخ المفيد: ١٢٥، وكامل الزيارات: ٢٨٩، باب ٩١، رقم ٤.

٣٢

والأحاديث في فضلها لم تنحصر فيما روى الشيعة عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام ، بل هي متوفرة أيضاً في كتب بقية الفِرق الإسلامية، فقد روى السيوطي ما يناهز على عشرين حديثاً عن أكابر ثقات أبناء العامة: كالحاكم، والبيهقي، وأبي نعيم وأمثالهم(١) .

وناهيك عن أنَّ قداسة بعض البقاع أو التُرَب لم تكن منحصرة فيما رواه العلماء سَلفاً عن سلف عند الفريقين، بل إنّ السيرة العملية المستمرة بين المسلمين منذ الصدر الأوّل وحتى في زمن النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تحكي أنّهم كانوا يقدّسون بعض البقاع والتُرَب ويتبركون ويستشفون بترابها.

قال البرزنجي: (ويجب على مَن أخرج شيئاً من المدينة ردّه إلى محلّه، ولا يزول عصيانه إلاّ بذلك، نعم، استُثني من ذلك ما دعت الحاجة إليه من تراب الحرم للتداوي به منه: كتراب مصرع حمزة سيد الشهداء، وتربة صهيب؛ لإطباق السلف والخلف على ذلك)(٢) .

وهكذا استمرت هذه السيرة بعد زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً، فقد قالالعلاّمة السمهمودي في كتاب (وفاء الوفاء): (لمّا توفّي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صاروا يأخذون من تربته الشريفة، فأمَرَت عائشة بجدار فضُرب عليهم، وكانت في الجدار كوّة فكانوا يأخذون منها، فأمَرت بالكوّة فسُدَّت)(٣) .

ولم يقتصروا على الاستشفاء بالتراب، بل كانوا يقدّسون مواضع أقدام بعض أولياء الله وغير ذلك، وإذا كان كذلك فكيف لا تُقدّس تربة ابن الرسول الأعظم

____________________

(١) راجع: الأرض والتربة الحسينية: ٣٣ - ٣٤، محمد حسين كاشف الغطاء، مؤسسة أهل البيت، بيروت.

(٢) نزهة الناظرين للبرزنجي: ص١١٦.

(٣) وفاء الوفاء: ١: ٣٨٥.

٣٣

وريحانته وفلذة كبده وبضْعته، وهي أطيب تربة وأزكاها؟!.

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(إنّ فاطمة عليها‌السلام بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كانت سِبحتها من خيط صوف مفتّل معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت تديرها بيدها تكبّر وتسبّح حتى قُتل حمزة بن عبد المطلب، فاستعمَلَت تربته، وعملت التسابيح، فاستعملها الناس، فلمّا قُتل الحسين صلوات الله عليه عُدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته؛ لِما فيها من الفضل والمزيّة) (١) .

وقال العلاّمة كاشف الغطاء: (... حمزة دُفن في أُحُد، وكان يسمّى سيّد الشهداء ويسجدون على تراب قبره... ولمّا قُتل الحسينعليه‌السلام صار هو سيد الشهداء، وصاروا يسجدون على تربته)(٢) .

واستمرت سيرة شيعة أئمة أهل البيت خصوصاً إلى زمن الصادقعليه‌السلام ، حيث كانوا يحملون معهم (حمزة)، وهي كانت عبارة عن مقدار من التراب في صرّة أعدّوها للسجود عليها، وقد تطوّرت إلى قطعة من تراب قبر الحسينعليه‌السلام بصورة ألواح تسهيلاً للمصلين - ولمّا كان تعفير الجبين والسجود على الأرض فريضة؛ لكونه أبلغ في التواضع، فلماذا لا يكون السجود على أتقى وأزكى وأجود وأطيب وأقدس تربة في الأرض - وهي تربة الحسينعليه‌السلام ، التي نطقت الأحاديث بفضلها(٣) .

وأئمة الهدىعليهم‌السلام هم الذين أسّسوا ذلك، فنرى أوّل مَن صلّى على تربة الحسينعليه‌السلام واتخذها مسجداً:الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، إذ بعد أن دفن جثمان أبيهعليه‌السلام أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف، وعمل منها سجّادة

____________________

(١) البحار، ١٠١: ١٣٣.

(٢) الأرض والتربة الحسينية: ص٤٩.

(٣) الأرض والتربة الحسينية: ٥٠ - ٥٣.

٣٤

وسبحة، وكانعليه‌السلام يديرها حين دخوله على يزيد لعنه الله، وبعدما رجع من الشام، وصار يتبرك بتلك التربة ويسجد عليها ويعالج بعض مرضى عائلته بها، فشاع عند العلويين وأتباعهم وأشياعهم(١) .

ومن بعد الإمام زين العابدينعليه‌السلام تبعه في ذلك ابنه الإمام الباقرعليه‌السلام ، ومن بعده الإمام الصادقعليه‌السلام وهكذا.

ولعلّ من أسرار السجود على تربة الحسينعليه‌السلام : أنَّ السجود على تربة الحسينعليه‌السلام يجعل المصلّي على ذكرٍ دائم؛ لِما جرى من المصائب والفجائع العظيمة على الإمام الحسينعليه‌السلام ، الذي حفظَ بقيامه ضدّ الحكم الأمويّ الطاغوتي وبشهادته، الإسلام المحمديّ الخالص، والصلاة المحمّدية، من عبث، وتحريفات الفئة الباغية، والشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن(أشهدُ أنّك قد أقمتَ الصلاة..) ، فلولا قيام الحسينعليه‌السلام ؛ لمَا بقيت الصلاة، ولا كانت الزكاة، ولأُفرغ من معناه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل لمَا بقي الإسلام، وصحَّ تماماً ذلك القول الرائع:(الإسلام محمّدي الوجود، حسينيّ البقاء) .

والذي ينبغي أن نشير إليه: أنَّ تقديس تربةٍ ما لا ينحصر بالاستشفاء بها، بل حتّى بالسجود لله عليها، فهي بما أنّها أرض طاهرة زاكية، ويجب السجود على الأرض، كان الأَولى والأفضل السجود على تراب أقدس وأزكى وأطهر بقعة منها.

وما افترَوه على الشيعة في قضية السجود على التربة الطاهرة الحسينية: بأنَّ السجود على تربة الحسينعليه‌السلام ضربٌ من عبادة الأصنام والأوثان التي حاربها الإسلام، فهي مردودة؛ للفرْق بين السجود للشيء والسجود على الشيء، فالشيعة تسجد لله على تربة الحسين لا لتربة الحسينعليه‌السلام .

____________________

(١) المصدر السابق.

٣٥

كربلاء في تاريخ بعض أنبياء اللهعليهم‌السلام

١) - عن سعد بن عبد الله القمّي (ره) في جملة الأسئلة التي سأل الإمام القائمعليه‌السلام عنها، قلت: فأخبِرني يا بن رسول الله عن تأويل (كهيعص)؟

قال:(هذه الحروف من أنباء الغيب أطلعَ الله عليها عبده زكريّا، ثمّ قصّها على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها، فكان زكريّا إذا ذكر محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن سُرِّيَ عنه همّه، وانجلى كرْبه، وإذا ذُكر اسم الحسين خنقتهُ العَبرة، ووقعت عليه البُهرة، فقال ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرتُ الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأهُ الله تبارك وتعالى عن قصّته وقال: (كهيعص)، (فالكاف): اسم كربلاء، و(الهاء): هلاك العترة الطاهرة، و(الياء): يزيد وهو ظالم الحسين، و(العين): عطشه، و(الصاد): صبره.. إلى آخر الخبر)(١) .

٢) -قال العلاّمة المجلسي (ره): (وروي مرسَلاًأنّ آدم لمّا هبط إلى الأرض لم يَرَ حوّاء، فصار يطوف الأرض في طلبها، فمرَّ بكربلاء فاغتمَّ وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الذي قُتل فيه الحسين حتّى سال الدمّ من رجله، فرفعَ رأسه إلى السماء وقال: (إلهي هل حدث منّي ذنبٌ آخر فعاقبتني به؟ فإنّي طفتُ جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض؟

فأوحى الله إليه: يا آدم، ما حدثَ منك ذنب، ولكن يُقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلُماً، فسال دمُك موافقة لدمِه.

فقال آدم :يا ربّ، أيكون الحسين نبيّاً؟

قال :لا، ولكنّه سبط النبيّ محمّد.

____________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ٢: ٤٦١، رقم ٢١، وانظر: دلائل الإمامة: ٥١٣ رقم ٤٩٢ / ٩٦.

٣٦

فقال: ومَن القاتل له؟

قال: قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض.

فقال آدم: فأيّ شيء أصنع يا جبرئيل؟

فقال: العَنه يا آدم).

فلَعنهُ أربع مرّات، ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حوّاء هناك) (١) .

٣) -وقال العلاّمة المجلسي (ره): (ورويأنّ نوحاً لمّا ركب السفينة طافت به جميع الدنيا، فلمّا مرّت بكربلا أخذته الأرض، وخاف نوح الغرق فدعا ربّه وقال: (إلهي، طفتُ جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض؟

فنزل جبرئيل وقال: يا نوح، في هذا الموضع يُقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء.

فقال: ومَن القاتل له يا جبرئيل؟

قال: قاتلهُ لعين أهل سبع سموات وسبع أرضين.

فلعنه نوح أربع مرّات، فسارت السفينة حتّى بلغت الجوديّ واستقرّت عليه) (٢) .

٤) - وقال (ره) أيضاً: (ورويأنّ إبراهيم عليه‌السلام مرَّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً، فعثرَت به وسقط إبراهيم وشُجَّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: (إلهي، أيّ شيء حدث منّي؟

فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم، ما حدثَ منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه.

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٢ - ٢٤٣، باب ٣٠، حديث ٣٧.

(٢) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٣، باب ٣٠، حديث رقم ٣٨.

٣٧

قال: يا جبرئيل، ومَن يكون قاتله؟

قال: لعين أهل السموات والأرضين، والقلم جرى على اللوح بلعْنِه بغير إذن ربّه، فأوحى الله تعالى إلى القلم: إنّك استحققتَ الثناء بهذا اللعن.

فرفع إبراهيمعليه‌السلام يديه ولعن يزيد لعناً كثيراً، وأمّن فرَسه بلسان فصيح! فقال إبراهيم لفَرَسِه: أيّ شيء عرفتَ حتى تؤمّن على دعائي؟

فقال: يا إبراهيم، أنا أفتخر بركوبك عليَّ، فلمّا عثرتُ وسقطتَ عن ظهري عظُمت خجلتي؛ وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى) (١) .

٥) - وقال (ره) أيضاً: (ورويأنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشطّ الفرات، فأخبره الراعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً! فسأل ربّه عن سبب ذلك، فنزل جبرئيل وقال: (يا إسماعيل، سلْ غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك؟

قال لها: لِمَ لا تشربين من هذا الماء؟!

فقالت بلسان فصيح: قد بلغنا أنّ وَلدك الحسينعليه‌السلام سبط محمّد يُقتل هنا عطشاناً؛ فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حُزناً عليه!

فسألها عن قاتله؟ فقالت: يقتله لعين السموات والأرضين والخلائق أجمعين، فقال إسماعيل: اللّهم العن قاتل الحسين عليه‌السلام ) (٢) .

٦) - وقال (ره) أيضاً:( ورويأنّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله، وانقطع شراكه، ودخل الحسك في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي، أيّ شيء حدث منّي؟

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٣، باب ٣٠، حديث رقم ٣٩.

(٢) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٣ - ٢٤٤، باب ٣٠، حديث رقم ٤٠.

٣٨

فأُوحي إليه أنّ: هنا يُقتل الحسينعليه‌السلام ، وهنا يُسفك دمه، فسالَ دمك موافقة لدمه.

فقال: ربِّ، ومَن يكون الحسين؟

فقيل له: هو سبط محمّد المصطفى وابن عليٍّ المرتضى.

فقال: ومَن يكون قاتله؟

فقيل: هو لَعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء .

فرفع موسى يديه ولعنَ يزيد ودعا عليه، وأمّن يوشع بن نون على دعائه، ومضى لشأنه) (١) .

٧) - وقال (ره) أيضاً: (ورويأنّ سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء، فمرَّ ذات يوم وهو سائر في أرض كربلا، فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتّى خاف السقوط، فسكَنَت الريح، ونزل البساط في أرض كربلا.

فقال سليمان للريح: لِمَ سكنتِ؟

فقالت: إنّ هاهنا يُقتل الحسينعليه‌السلام .

فقال: ومَن يكون الحسين؟

فقالت: هو سبط محمّد المختار، وابن عليّ الكرّار.

فقال: ومَن قاتله؟

قالت: لعين أهل السموات والأرض يزيد.

فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه، وأمّن على دعائه الإنس والجنّ، فهبّت الريح وسار البساط) (٢) .

٨) - وقال (ره) أيضاً: (ورويأنّ عيسى كان سائحاً في البراري ومعه الحواريّون، فمرّوا بكربلا فرأوا أسداً كاسراً قد أخذَ الطريق، فتقدّم عيسى إلى

____________________

(١) و (٢) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٤، باب ٣٠، حديث رقم ٤١ و ٤٢.

٣٩

الأسد فقال له: (لِمَ جلست في هذا الطريق، لا تدعنا نمرّ فيه ؟

فقال الأسد بلسان فصيح: إنّي لن أدع لكم الطريق حتّى تلعنوا يزيد قاتل الحسينعليه‌السلام !

فقال عيسىعليه‌السلام : ومَن يكون الحسين؟

قال: هو سبط محمّد النبيّ الأُميّ، وابن عليّ الوليّ.

قال: ومَن قاتله؟)

قال: قاتله لعين الوحوش والذّباب والسِباع أجمع، خصوصاً أيّام عاشورا.

فرفع عيسى يديه ولعنَ يزيد ودعا عليه، وأمّن الحواريّون على دعائه، فتنحّى الأسد عن طريقهم، ومضوا لشأنهم) (١) .

٩) - وروى الشيخ الصدوق (ره) في أماليه وفي كمال الدين بإسنادين مختلفين إلى ابن عبّاس، عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام في حديث طويل (جرى أثناء مرورهعليه‌السلام بكربلاء حين خروجه إلى صِفّين)، قال ابن عبّاس: (... ثمّ قال:يا بن عبّاس، اطلب لي حولها بعْر الظِباء، فو الله ما كذَبتُ ولا كُذّبت، وهي مصفرّة لونها لون الزعفران، قال ابن عبّاس: فطلبتُها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين، قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي، فقال عليٌّعليه‌السلام :صدقَ الله ورسوله ، ثمّ قامعليه‌السلام يهرول إليها، فحملها وشمّها، وقال:هي هي بعينها، أتعلم يا بن عبّاس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمّها عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وذلك أنَّه مرَّ بها ومعه الحواريّون، فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسى عليه‌السلام وجلس الحواريون معه، فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لِمَ جلس ولِمَ بكى، فقالوا: يا روح الله وكلمته، ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أيّ أرض هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يُقتل فيها فرْخ الرسول أحمد، وفرْخ الحرّة الطاهرة

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٤، باب ٣٠، حديث رقم ٤٣.

٤٠