مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٥

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 228

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جعفر الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 228
المشاهدات: 125363
تحميل: 8117

توضيحات:

الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 228 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125363 / تحميل: 8117
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 5

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ليقتلنّ أخياركم! وليستعبدنّ شراركم! فبُعداً لمن رضي بالذلّ والعار!

ثمّ قال: يا بن زياد، لأُحدّثنّك حديثاً أغلظ من هذا! رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقعد حسناً على فخذه اليمنى، وحسيناً على فخذه اليسرى، ثمّ وضع يده على يافوخيهما، ثمّ قال:(اللّهم، إنّي أستودعك إيّاهما وصالح المؤمنين) . فكيف كانت وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عندك يا ابن زياد؟!)(١) .

وأنس بن مالك أيضاً!

روى ابن عساكر بأسانيد إلى أنس بن مالك الصحابي أنّه قال: (لما أُتي برأس الحسين - يعني إلى عبيد الله بن زياد - قال: فجعل ينكت بقضيب في يده ويقول: إن كان لحَسَن الثغْر! فقلت: والله، لأسوءنّك! لقد رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يُقبِّل موضع قضيبك منه)(٢) .

إشارة:

روى الشيخ المفيد (ره) بسند عن أبي سلمان المؤذّن، عن زيد بن أرقم قال: نشد عليٌّ النّاس في المسجد فقال:(أُنشد الله رجلاً سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: مَن كنت

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٣١، وانظر: أُسد الغابة: ٢: ٢١، وتاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / تحقيق المحمودي: ٣٨١ - ٣٨٣ رقم ٣٢٢ و٣٢٣، ومقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٣٩، والمعجم الكبير / للطبراني: ٥: ٢٣٤، ومجمع الزوائد: ٩: ١٩٤، وانظر: أمالي الشيخ الطوسي: ٢٥٢: المجلس التاسع: رقم ٤٤٩/٤١ و ٤٥٠/٤٢.

(٢) تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / تحقيق المحمودي: ٣٧٨ - ٣٨٠ رقم ٣١٩ و ٣٢٠، وانظر: رقم ٣٢١، وراجع حواشي هذه الصفحات الثلاث من ذلك الكتاب لمعرفة المصادر الأُخرى التي أوردت هذه الأحاديث أيضاً.

١٢١

مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهم، والِ مَن والاه، وعاد مَن عاداه؟) .

فقام اثنا عشر بدريّاً، ستّة من الجانب الأيمن، وستّة من الجانب الأيسر، فشهدوا بذلك.

قال زيد بن أرقم: وكنت فيمَن سمع ذلك فكتمته! فذهب الله ببصري.

وكان يتندّم على ما فاته من الشهادة ويستغفر)(١) .

وأمّا أنس بن مالك، فقد كان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام بعثه إلى طلحة والزبير - لما جاءعليه‌السلام إلى البصرة - ليُذكِّرهما شيئاً ممّا سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمرهما، فلوى أنس عن ذلك ورجع إليه فقال: (إنّي أُنسيت ذلك الأمر!

فقالعليه‌السلام :(إن كنت كاذباً فضربك الله بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة!) .

فأصاب أنَساً داء البرَص فيما بعد في وجهه! فكان لا يرى إلاّ مُبرقعاً.(٢)

فلا عجب أن يحضر مجلس ابن زياد، ويجلس إلى جانبه، أمثال هذين الصحابيّين، اللذين كانا قد كتما ما سمعاه من الحقّ من فم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

ولا عجب أن يكون هناك آخرون من الصحابة ممَّن تعوّدوا حضور مجلس الطاغية ابن زياد، في الأيّام التي كانت حركة أحداث النهضة الحسينية تمرّ بأخطر مُنعطفاتها!

ألم يكن من واجب أمثال هؤلاء الصحابة أن يكونوا إلى جنب الإمامعليه‌السلام في نهضته، حتّى وإن كانوا ممّن سقط عنه تكليف الجهاد والقتال، حتى تقوى بهم حجّة الحقّ على الباطل؟! ثمّ أليسوا هم ممّن قتل ابن فاطمةعليها‌السلام وأمَّر ابن مرجانة؟!

____________________

(١) الإرشاد: ١: ٣٥٢، ويُلاحَظ أنّ هذه الرواية لا تُحدِّد متى ذهب بصر زيد بن أرقم، كما يُلاحظ أنّ روايات استنكاره على ابن زياد ضربه ثنايا الرأس المقدّس ظاهرة في أنّ زيد بن أرقم كان يتمتّع ببصره حتّى ذلك الوقت، والله العالم.

(٢) راجع: نهج البلاغة: ٥٣٠ رقم ٣١١ / ضبط الدكتور صبحي الصالح.

١٢٢

كيف لا؟! وهم من المقرّبين إلى ابن مرجانة الذين يجلسون إلى جنبه، مُعرضين عن ركب الحسينعليه‌السلام في كربلاء وهي على قرب من الكوفة!

إنّنا لا نملك أن نردّ أو أن نُنكر ما أورده التاريخ، من أنّ هذين الصحابيين قد أنكرا على ابن زياد نكته ثنايا الرأس المقدّس بالقضيب، لكنّنا نملك أن نُفسّر سبب هذا الاستنكار فنقول: إنّ أمثال هؤلاء لا يستنكرون على الطغاة مُفتضح مُنكراتهم وقبائحهم؛ انتصاراً للحقّ وللمعروف، بل يستنكرونها عليهم حرصاً على ما تُبقى لهم أنفسهم عند الناس من سمعة حسنة!! - إن كان ثَمَّ سمعة حسنة لهم! - ثمّ هم لا يصلِون في استنكارهم الحدّ الذي يُهددّ حياتهم ويُعرِّضهم إلى القتل، بل لا يستنكرون إلاّ مع اطمئنانهم من عدم وصول المكروه إليهم! ولو كان أمثال هؤلاء ممّن ينتصرون للحقّ في وجه الباطل في صدق من النيّة والعزم؛ لرأيناهم في صفحة التأريخ تحت راية الهُدى وفي صفّ الحقّ، لا في مجالس الطغاة وأنديتهم وملاهيهم.

وكان للكاهن دَور المستشار هناك أيضاً!

من الملفت للانتباه، أنّ من معالم الحُكم الأُموي - بل من معالم الفترة التي استولت فيها حركة النفاق على سدّة الحُكم منذ السقيفة - هو أنّ أفراد فصيل مُنافقي أهل الكتاب من يهود ونصارى، كانوا يقومون بدَور (المستشار) لحكَّام حركة النفاق(١) .

وهذا الخبر الذي ينقله سبط ابن الجوزي، في كتابه تذكره الخواص من مصاديق هذه الحقيقة: (وقال هشام بن محمّد: لما وضِع الرأس بين يدي ابن زياد قال له كاهنه: قم فضع قدمك على فم عدوّك! فقام فوضع قدمه على فيه! ثمّ قال

____________________

(١) راجع تفاصيل هذه الحقيقة في الجزء الأوّل من هذه الموسوعة: (الإمام الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة) / في مقالة: حركة النفاق قراءة في الهويّة والنتائج.

١٢٣

لزيد بن أرقم: كيف ترى؟!

فقال: والله، لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعاً فاه حيث وضعت قدمك!)(١) .

العقيلة زينب في مواجهة ابن زياد!

(وسيقت العقائل الهاشميّات إلى قصر الإمارة، في موكب تعسٍ، لم تشهد الدنيا له مثيلاً من قبل ولا من بعد!

بنات النبيّ سبايا قد حُملن على أقتاب الجِمال بغير وطاء! مُمزِّقات الجيوب حواسر الوجوه! حافيات الأقدامّ يتقدّمهنّ حمَلَة الرؤوس على أسنّة الرماح!)(٢) .

ويقول الشيخ المفيد (ره): (وأُدخل عيال الحسينعليه‌السلام على ابن زياد، فدخلتْ زينب أُخت الحسين في جملتهم مُتنكّرة وعليها أرذل ثيابها، فمضت حتّى جلست ناحية من القصر، وحفّت بها إماؤها، فقال ابن زياد: مَن هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟! فلم تُجبْه زينب، فأعاد ثانية وثالثة يسأل منها!

فقال له بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله.

فأقبل عليها ابن زياد وقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم!

فقالت زينب:الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وطهّرنا من الرجس تطهيراً،

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٣١ / وفي: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد: ٧٩: (فلما وضِعت الرؤوس بين يدي عبيد الله جعل يضرب بقضيب معه على فم الحسين وهو يقول:

يفلقن هاماً من أُناسٍ أعزّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأشأما).

(٢) موسوعة آل النبيّ عليه الصلاة والسلام / الدكتورة بنت الشاطي: ٨١٩.

١٢٤

وإنّما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله.

فقال ابن زياد: كيف رأيت فِعل الله بأهل بيتك؟!

قالت:كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجُّون إليه وتختصمون عنده!

فغضب ابن زياد واستشاط.

فقال عمرو بن حريث:(١) أيُّها الأمير، إنّها امرأة، والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها، ولا تُذمّ على خطابها.

فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله نفسي من طاغيتك والعُصاة من أهل بيتك!!)(٢) .

وفي عبارة الطبري: (فقال لها ابن زياد: قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المرَدة من أهل بيتك!

قال: فبكت، ثمّ قالت:لعَمري، لقد قتلت كهْلي، وأبَرت أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن يُشفك هذا فقد اشتفيت!

فقال لها عبيد الله: هذه سجّاعة! قد - لعَمري - كان أبوك شاعراً سجّاعاً!

وفي رواية ابن أعثم الكوفي والسيّد ابن طاووس: أنّ ابن زياد لما سأل زينبعليها‌السلام قائلاً: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟!

____________________

(١) عمرو بن حريث: لقد مرّت بنا ترجمة موجزة لهذا المنافق ذي الميل والهوى الأُموي في الجزء الرابع من هذه الموسوعة: (الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء: ٩٤ - ٩٥) فراجع.

(٢) الإرشاد: ٢: ١١٥، وانظر: أمالي الصدوق: ١٤٠ المجلس ٣١ حديث رقم ٣، وروضة الواعظين: ١٩٠، والحدائق الوردية: ١٢٤، وإعلام الورى: ٢٤٧.

(٣) تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٧، وانظر: الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٧، وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب: ٢: ٢٩٢.

١٢٥

قالت:(ما رأيت إلاّ جميلاً! هؤلاء القوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم - يا بن زياد - فتُحاجّون وتُخاصمون، فانظر لمن الفَلَج يومئذٍ! ثكلتك أمّك يا بن مرجانة!) (١) .

الإمام السجّادعليه‌السلام في مواجهة ابن زياد!

قال الشيخ المفيد (ره): (وعُرِض عليه عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، فقال له: مَن أنت؟

فقال:(أنا عليٌّ بن الحسين) .

فقال: أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟!

فقال له عليّعليه‌السلام :(قد كان لي أخٌ يُسمّى عليّاً قتله الناس) .

فقال له ابن زياد: بل الله قتله.

فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام :( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (٢) .

فغضب ابن زياد وقال: وبكَ جُرأة لجوابي؟! وفيك بقيّة للردّ عليّ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه!

فتعلّقت به زينب عمّته وقالت:يا بن زياد حسبك من دمائنا!

واعتنقته وقالت:والله، لا أُفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه!

فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة، ثمّ قال: عجباً للرحِم! والله، إنّي لأظنّها ودّت أنّي قتلتها معه! دعوه فإنّي أراه لِما به!)(٣) .

____________________

(١) الفتوح: ٥: ١٤٢، وانظر: اللهوف: ٢٠١، وتهذيب الكمال: ٦: ٤٢٩، وسير أعلام النبلاء: ٣: ٣٠٩.

(٢) سورة الزمر، الآية ٤٢.

(٣) الإرشاد: ٢: ١١٧، وفي تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٧: أنّ زينبعليها‌السلام قالت لابن زياد: (أسألك بالله إن كنت مؤمناً إن قتلته لما قتلتني معه! قال: وناداه عليٌّ فقال:(يا بن زياد! إن كانت بينك وبينهنّ قرابة فابعث معهنّ رجلاً تقيّاً يصحبهن بصُحبة الإسلام)، وانظر: إعلام الورى: ٢: ٤٧٢.

١٢٦

وفي رواية ابن أعثم الكوفي: (فالتفت ابن زياد إلى عليّ بن الحسين رضي الله عنه وقال: أوَ لم يُقتَل عليّ بن الحسين؟!

قال:(ذاك أخي، وكان أكبر منّي، فقتلتموه، وإنّ له مطلاً (١) منكم يوم القيامة!) .

فقال ابن زياد: ولكنّ الله قتله!

فقال عليّ بن الحسين رضي الله عنه:( ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (٢) ،وقال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ) )(٣) .

فقال ابن زياد لبعض جلسائه: ويحَك! خُذْه إليك فأظنُّه قد أدرك الحُلم؟

قال: فأخذه مري بن معاذ الأحمري، فنحّاه ناحية ثمّ كشف عنه فإذا هو أنبت، فردّه إلى عبيد الله بن زياد وقال: نعم، أصلح الله الأمير، قد أدرك(٤) .

فقال: خُذْه إليك الآن فاضرب عنقه!

قال: فتعلّقت به عمّته زينب بنت عليّ وقالت له: يا بن زياد، إنّك لم تُبقِ منّا أحداً، فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه!

فقال عليّ بن الحسين لعمّته:(اسكُتي حتّى أُكلِّمه) .

____________________

(١) أيّ: أنّ له حقّاً ودَيْنَاً عندكم يُطالبكم به يوم القيامة! راجع معنى المطل في (لسان العرب: ١١: ٦٢٤ - ٣٢٥).

(٢) سورة الزمر، الآية ٤٢.

(٣) سورة يونس، الآية ١٠٠.

(٤) دعوى أنّ ابن زياد فتّش الإمامعليه‌السلام لمعرفة هل بلغ الحُلم أم لا؟! لا تصحّ؛ لأنّ الإمامعليه‌السلام يومذاك كان عمره ثلاثاً وعشرين سنة على رواية الزبير بن بكّار، أو ثماني وعشرين سنة على رواية الواقدي، (وأمّا قول أبي مخنف لوط بن يحيى، وهشام الكلبي: إنّه كان صغيراً ففتّشه ابن زياد، وقال: انظروا هل أدرك ليقتله، فلا يصحّ ذلك، بل هذه القصّة كانت مع عمر بن الحسنعليه‌السلام ، فإنّه كان من جملة الأُسارى). (راجع: سرّ السلسلة العلوية / لأبي نصر البخاري: ٣١).

١٢٧

ثمّ أقبل عليٌّ رضي الله عنه على ابن زياد:(أبالقتل تهدّدني؟! أما علمت أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة؟!) .

قال فسكت ابن زياد، ثمّ قال: أخرجوهم عنّي!

وأنزلهم في دار إلى جانب المسجد الأعظم ...)(١) .

الرباب زوج الإمامعليه‌السلام مع رأسه المقدّس:

قال السيّد المقرّم: (ودعا بهم ابن زياد مرّة أُخرى، فلما أُدخِلوا عليه رأين النسوة رأس الحسين بين يديه، والأنوار الإلهيّة تتصاعد من أساريره إلى عنان السماء، فلم تتمالك الرباب زوجة الحسين دون أن وقعت عليه تُقبّله، وقالت:

إنّ الـذي كـان نـوراً يُستضاء به

بـكـربلاء قـتـيلٌ غـير مـدفون

سـبط الـنبيّ جـزاك الله صـالحة

عـنّا وجُـنِّبت خُـسران الـموازين

قـد كـنتَ لـي جَبلاً صعباً ألوذ به

وكـنت تـصحبنا بـالرحم والـدين

مَـن لـليتامى ومَـن للسائلين ومَن

يُـعنى ويـأوي إلـيه كـلّ مسكين

والله لا أبـتـغي صـهراً بـصهركم

حتّى أُغيَّب بين الماء والطين)(٢) .

____________________

(١) الفتوح: ٥: ١٤٢.

(٢) وهي الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن غدرة بن زيد اللاّت بن رفيدة بن ثور بن كلب. (راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد: ١٨)، وقال هشام بن الكلبي كانت الرباب من خيار النساء وأفضلهنّ. (راجع: الأغاني: ١٦: ١٤٩)، وقال ابن الأثير: كانت حيّة وحُملت إلى الشام فيمَن حُمل من أهله، ثمّ عادت إلى المدينة (راجع: الكامل في التاريخ: ٣: ٣٠٠)، وانظر: تاريخ خليفة بن خيّاط: ١٤٥، ومُستدركات علم رجال الحديث: ٨: ٥٧٤، وتنقيح المقال: ٣: ٧٨.

١٢٨

(وقيل: إنّ الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين، أخذت الرأس ووضعته في حِجرها وقبّلته، وقالت:

وا حـسيناً فـلا نـسيت حـسيناً

أقـصـدته أسـنّـة الأعداء

غادروه بـكـربلاء صـديعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء)(١) .

أمّ كلثومعليها‌السلام في مواجهة ابن زياد!

وفيما رواه الشيخ الصدوق (ره) قوله: (... وأرسل ابن زياد لعنه الله قاصداً إلى أمّ كلثوم (أخت. ظ) بنت الحسينعليه‌السلام ، فقال: الحمد لله الذي قتل رجالكم! فكيف ترون ما فعل بكم؟!

فقالت:يا بن زياد، لئن قرَّت عينك بقتل الحسين عليه‌السلام فطالما قرّت عين جدّه به، وكان يُقبّله ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه! يا بن زياد، اعدّ لجدّه جواباً؛ فإنّه خصمك غداً!) (٢) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٣٣.

(٢) أمالي الصدوق: ١٣٩ المجلس ٣٠ حديث رقم ١ / ولعلّ قوله: (وأرسل ابن زياد لعنه الله قاصداً إلى أمّ كلثوم ...)، إشارة إلى أنّ ابن زياد كان قد استدعاهم إلى مجلسه مرّة ثانية، كما ذهب إلى ذلك السيّد المقرّم في المقتل: ٣٢٦.

ويُلاحَظ على هذه الرواية أنّ فيها ترديداً في أنّ أمّ كلثوم أخت الحسينعليه‌السلام أو ابنته، مع أنّه لم يُعرف - في غير هذا المتن - أنّ للحسينعليه‌السلام بنتاً بهذا الاسم، كما لم يُعرف أنّ هذه الكُنية كانت لواحدة من بناته عليه وعليهنّ السلام.

ويقول الإسفرائيني في كتابه: نور العين في مشهد الحسينعليه‌السلام : ٤٢ (ثمّ قال (ابن زياد): أيُّكم أمّ كلثوم؟ فقالت: ما تُريد منّي يا عدوّ الله؟! فقال: قبَّحكم الله!

فقالت: يا بن زياد! وإنّما يُقبِّح الله الفاسق والكاذب! وأنت الكاذب والفاسق، فأبشر بالنّار! فضحك من قولها وقال: إن صرتُ إلى النّار في الآخرة فقد بلغتُ مرادي وما أؤمّله! فقالت: يا ويلك! قد أرويت الأرض من دم آل البيت. فقال لها: أنت سجَّاعة مثل أبيك! ولولا أنّك امرأة =

١٢٩

إشارات:

هناك عدّة إشارات ومُلاحظات، تُلفت انتباه المتأمّل في وقائع ما جرى في مجلس ابن زياد، وفي مُحاوراته مع رموز بقيّة الركب الحسينيّ، منها:

١ - الشجاعة العُليا التي يتمتّع بها أهل البيتعليهم‌السلام :

وقد تجسَّدت هذه الحقيقة في مجموعة من الردود التي صدرت عنهمعليهم‌السلام في مواجهة ابن زياد، في مثل قول زينبعليها‌السلام :(الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وطهّرنا من الرجس تطهيراً، وإنّما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله ...).

وفي قولها:

(ما رأيت إلاّ جميلاً! هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم - يا بن زياد - فتُحاجّون وتُخاصمون، فانظر لمن الفَلَج يومئذٍ ثكلتك أمّك يا بن مرجانة!).

وفي قول الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

(أبالقتل تُهدّدني؟! أما علمت أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة؟!).

وفي قول أمّ كلثومعليها‌السلام :(يا بن زياد، اعدّ لجدّه جواباً؛ فإنّه خصمك غداً!).

٢ - العرفان والفداء في ذروته عند مولاتنا زينبعليها‌السلام :

وقد تجلَّى ذلك في ردّها على ابن زياد قائلة:(ما رأيت إلاّ جميلاً!) ، ولم

____________________

= لضربت عنقك. فقالت: لولا أنّي سجّاعة ما وقفت بين يديك ينظر إليّ البارُّ والفاجر! وأنا مهتوكة الخباء! وإخوتي بين يديك من غير غطاء!).

وفي المقتل المنسوب لأبي مخنف: ١٦٤ نصّ عن هذه المحاورة بين أمّ كلثومعليها‌السلام وبين ابن زياد لعنه الله، قريب من هذا النصّ!.

١٣٠

تقلعليها‌السلام : (ما رأيت في كربلاء إلاّ جميلاً!)، بل صرّحت بإطلاق رؤية الجميل! أي: أنّهاعليها‌السلام منذ أن رأت لم ترَ من الله إلاّ جميلاً!! في كربلاء وقبلها وبعدها! وفي هذا غاية المعرفة والعرفان، وغاية الرضا بقضاء الله والاطمئنان بقدره، وغاية الرضا عن الله تبارك وتعالى، وغاية الشكر له، ولا يكون ذلك إلاّ من الحبّ لله سبحانه في أعلى مراتبه.

وأمّا فداؤها وتضحيتها صلوات الله عليها، فقد تجسّد في مواصلتها إلقاء نفسها في فم الموت والقتل مراراً؛ دفاعاً عن حجّة الله على عباده وإمام زمانه، مولانا زين العابدينعليه‌السلام ، وإصرارها على أن تُقتل قبله ومعه! ولقد تجسّد ذلك في مثل قولهاعليها‌السلام :(والله، لا أُفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه!) ، حتّى لقد تأثّر اللعين ابن زياد من تضحيتها وفدائها ظنّاً منه أنّ ذلك من عاطفة الرحِم فقط! حتّى قال: (عجباً للرحِم! والله، إنّي لأظنّها ودّت أنّي قتلتها معه!).

٣ - قربان الله وقتيله في كربلاء هو ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

فقاتله قاتلٌ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو خصمه يوم القيامة

وقد تجسّد هذا المعنى في قول أمّ كلثومعليها‌السلام : (يا بن زياد، لئن قرّت عينك بقتل الحسينعليه‌السلام فطالما قرّت عين جدّه به، وكان يُقبّله ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه! يا بن زياد، اعدّ لجدّه جواباً؛ فإنّه خصمك غداً!). كما ظهر هذا المعنى في اعتراض زيد بن أرقم وأنس بن مالك على ابن زياد أيضاً.

٤ - تفنيد المنطق الجبري الذي أشاعه الأُمويُّون:

وكان قد أصرّ ابن زياد لعنه الله، على ترسيخه في أذهان الناس في المجلس، في قوله لزينبعليها‌السلام : (كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟!)، وفي قوله للإمام السجّادعليه‌السلام : (أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟!)، وفي ردّه عليه مرّة أُخرى حيث

١٣١

قال: (بل الله قتله!).

كان الأُمويون يُريدون أن يوهموا النّاس بشُبهة: أنّ كلّ ما يجري من وقائع وأحداث، وظلم وجور وقتل، هو تجسيد لإرادة الله وتحقيق لأمره، فلا يحقّ لأحدٍ أن يعترض على إرادة الله، ففي ذلك الكفر والخروج عن رِبقة الإسلام!! وشقّ لعصا المسلمين!! وتفريق كلمتهم!!

وبذلك يحجر الأُمويون وكلّ الطغاة على الأُمّة أن تعترض، أو تنهض وتقوم لإزالة الظلم والجور والطغيان؛ ليتمادوا هم في مُمارسة ما يحلو لهم من اجتراح المظالم والمجازر، وإخماد كلّ صوت يدعو إلى الحقّ والعدل!

وفي مواجهة هذا المنطق الجبري، حرص أهل البيتعليهم‌السلام على نشر هذه العقيدة الحقّة، وهي: أنّ ما يجري على يد الطغاة الظالمين، من قتل وظلم وجور وفساد لا يُمثِّل إرادة الله؛ لأنّ الله تعالى - فيما صرّح به في كتابه الحكيم - لا يريد الظلم، ولا الفساد، ولا الجور، ولا قتل النفس التي حرَّم قتلها إلاّ بالحقّ، ولا يُحبّ الظالمين ولا يهديهم، بل هو مع المتّقين والمحسنين، ومع المصلحين الذين لا يريدون علوَّاً في الأرض ولا فساداً.

والله تبارك وتعالى قد دعا عباده المؤمنين، المتقّين المصلحين، إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى القيام بوجه الظالمين الجائرين الطغاة، وإلى المتاجرة مع الله بأموالهم وأنفسهم في سبيله، فإذا قُتِلوا في سبيله فهم على الحقيقة أحياء عند ربّهم يرزقون، وهذا لا يعني أنّ الله سبحانه أراد قتلهم على نحو القهر والجبر، وأنّ الطغاة الذين قتلوهم إنّما نفّذوا وحقّقوا الإرادة الإلهيّة بقتلهم! بل هؤلاء الطغاة مسؤولون أمام الله عن قتل كلّ مظلوم.

وقد ردّت زينبعليها‌السلام على دعوى ابن زياد: أنّ ما جرى على أهل بيتها هو من

١٣٢

فعل الله سبحانه!

فقالت: هؤلاء القوم كتب الله عليهم القتل - أي: على نحو الأمر الشرعي في القيام ضدّ الحكم الأُموي، وإن أدّى هذا القيام إلى استشهادهم، فبرزوا إلى مضاجعهم امتثالاً للأمر الشرعي، وسيجمع الله بينك وبينهم يا بن زياد - فأنت يا بن زياد مسؤول أمام الله عن قتلهم - فتُحاجّون وتُخاصمون! فانظر لمن الفَلَج يومئذٍ؟! ثكلتك أمّك يا بن مرجانة.

وقد ردّ الإمام السجّادعليه‌السلام على هذه الدعوى الجبرية أيضاً في قوله:(قد كان لي أخٌ يُسمّى علياً قتله الناس) ، وحينما أصرّ ابن زياد على دعواه بقوله: (بل الله قتله!)، ردّ عليه الإمامعليه‌السلام بهذه الآية الشريفة:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ، أي: أنّه سبحانه يتوفّى الأنفس حين موتها وحين النوم وحين القتل، وهذا لا يعني أنّ الله حتَّم على النفس القتيلة أن تُقتَل على نحو القهر والجبر، بل القاتل مسؤول عند الله، وقد تجسّد هذا في ردّ الإمامعليه‌السلام على ابن زياد - في رواية أُخرى - حيث قال:(ذاك أخي، وكان أبكر منّي، فقتلتموه، وإنّ له مطلاً منكم - أي: حقّاً ودَيْنَاً يُطالبكم به -يوم القيامة!) .

وبهذا يكون هذا المنطق الجبري قد خاب وافتضح، واتّضح بطلانه أمام الناس في مجلس ابن زياد، ببركة وعي وشجاعة الإمام السجّاد والعقيلة زينبعليهما‌السلام .

٥ - الطغيان والتشفّي من علائم الطواغيت دائماً:

وهذا ما يلحظه المتأمّل في سيرة جميع طواغيت العصور، وقد تجلّى ذلك في مجلس ابن زياد في قوله - مُستنكراً على الإمام السجّادعليه‌السلام جرأته وشجاعته في الردّ عليه قائلاً -: (وبك جرأة لجوابي؟! وفيك بقيّة للردّ عليّ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه!)، وفي قوله لزينبعليها‌السلام : (لقد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك!!).

١٣٣

وينتفض رجل من بكر بن وائل في وجه ابن زياد!

ينقل المحقّق القرشي، عن كتاب مرآة الزمان قائلاً: (وكان في المجلس رجل من بكر بن وائل، يُقال له: جابر. فانتفض وهو يقول: لله عليّ أن لا أُصيب عشرة من المسلمين خرجوا عليك إلاّ خرجتُ معهم!)(١) .

ابن زياد يستفزّ الصحابي أبا برزة الأسلمي!

روى الخوارزمي بسند إلى أبي العالية البراء(٢) قال: (لما قُتل الحسينعليه‌السلام أُتي عبيد الله بن زياد برأسه، فأرسل إلى أبي برزة(٣) فقال له عُبَيد الله: كيف شأني وشأن حسين بن فاطمة؟

قال: الله أعلم! فما علمي بذلك؟!

قال: إنّما أسألك عن علمك!

قال: أمّا إذا سألتني عن رأيي، فإنّ علمي أنّ الحسين يشفع له جدّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشفع لك زياد!

فقال له: اخرج! لولا ما جعلت لك؛ لضربت - والله - عنقك! فلما بلغ باب الدار، قال: لئن لم تغدُ عليّ وترُحْ لأضربنّ عنقك!!)(٤) .

____________________

(١) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ٣: ٣٤٣، نقلاً عن مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: ٩٨.

(٢) أبو العالية: البراء البصري، اسمه زياد، وقيل: كلثوم. وهو ثقة، مات في شوّال سنة تسعين. (راجع: تقريب التهذيب: ٢: ٤٤٣).

(٣) أبو برزة الأسلمي: اسمه نضلة بن عبيد. قال الخطيب البغدادي: (سكن المدينة وشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتح مكّة، ثمّ تحوّل إلى المدينة فنزلها، وحضر مع عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قتال الخوارج بالنهروان. (تاريخ بغداد: ١: ١٨٢)، وقال خليفة: (وافى خراسان ومات بها بعد سنة أربع وستّين.). (تاريخ خليفة: ١٠٩). وانظر: سير أعلام النبلاء: ٣: ٤٣، وتقريب التهذيب: ٢: ٣٠٣.

(٤) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٤٩ - ٥٠ رقم ١٤، وانظر: الحدائق الوردية: ١٢٣.

١٣٤

وينقل سبط ابن الجوزي رواية عن الشعبي: أنّه كان عند ابن زياد قيس بن عبّاد(١) ، فقال له ابن زياد: ما تقول فيّ وفي حسين؟

فقال: يأتي يوم القيامة جدّه وأبوه وأمّه فيشفعون فيه، ويأتي جدّك وأبوك وأمّك فيشفعون فيك! فغضب ابن زياد وأقامه من المجلس(٢) .

الركب الحسينيّ في محبس ابن زياد:

روى الشيخ الصدوق (ره) بسند إلى حاجب عبيد الله بن زياد: أنّ ابن زياد (لما جيء برأس الحسينعليه‌السلام أمر فوضِع بين يديه في طست من ذهب، وجعل يضرب بقضيب في يده على ثناياه ويقول: لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله!

فقال رجل من القوم: فإنّي رأيت رسول الله يلثم حيث تضع قضيبك!

فقال: يوم بيوم بدْر!!

ثمّ أمر بعليّ بن الحسينعليه‌السلام فغُلّ وحُمل مع النسوة والسبايا إلى السجن، وكنت معهم، فما مررنا بزقاق إلاّ وجدناه ملاءً رجالاً ونساءً، يضربون وجوههم ويبكون، فحُبسوا في سجن وطُبِق عليهم!

____________________

(١) هو قيس بن عبّاد القيسي الضبعي: أبو عبد الله البصري، عدّه ابن سعد من تابعي أهل البصرة. قال: وكان ثقة قليل الحديث وقتله الحجّاج. (راجع: تهذيب الكمال: ٢٤: ٦٤، والطبقات الكبرى: ٧: ١٣١).

(٢) تذكرة الخواص: ٢٣١، وأورده المحقِّق القرشي في حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ٣٥٣ نقلاً عن عيون الأخبار لابن قتيبة: ٢: ١٩٧ وقال: وجاء في وفيات الأعيان: ٥: ٣٩٥ قال لحارثة بن بدر العدواني : ما تقول فيّ وفي حسين يوم القيامة؟ قال: يشفع له أبوه وجدّه، ويشفع لك أبوك وجدّك! فاعرف من هنا ما تُريد!.

١٣٥

ثمّ إنّ ابن زياد لعنه الله دعا بعليّ بن الحسين والنسوة، وأُحضر رأس الحسينعليه‌السلام ، وكانت زينب بنت عليّعليها‌السلام فيهم، فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحاديثكم!

فقالت زينبعليها‌السلام :

الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّدٍ وطهّرنا تطهيراً يا بن زياد، حسبك ما ارتكبت منّا! فلقد قتلت رجالنا وقطعت أصلنا وأبَحْت حريمنا وسبيت نساءنا وذرارينا، فإن كان ذلك للاشتفاء فقد اشتفيت!

فأمر ابن زياد بردِّهم إلى السجن، وبعث البشائر إلى النواحي بقتل الحسين ...)(١) .

وذهب ابن سعد في طبقاته إلى أنّ عبيد الله بن زياد أمر بحبس مَن قدم به عليه من بقيّة أهل الحسين معه في القصر(٢) .

وقال السيد ابن طاووس (ره): (ثمّ أمر ابن زياد بعليّ بن الحسينعليه‌السلام وأهله، فحُملوا إلى دار جنب المسجد الأعظم، فقالت زينب بنت عليّعليهما‌السلام : لا يدخلنّ علينا عربية إلاّ أمّ ولد أو مملوكة، فإنهنّ سُبين كما سُبينا ...)(٣) .

وروى الطبري قائلاً: (فبينا القوم مُحتبسون، إذ وقع حجَر في السجن معه كتاب مربوط، وفي الكتاب: خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١٤٠ المجلس ٣١ حديث رقم ٣.

(٢) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد / تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي: ٨١.

(٣) اللهوف: ٢٠٢ / وقال المرحوم السيّد المقرّم، في كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام : ٣٢٦: (ولما وضح لابن زياد ولْولة الناس ولغط أهل المجلس، خصوصاً لما تكلّمت معه زينب العقيلة خاف هياج الناس؛ فأمر الشرطة بحبس الأُسارى في دار إلى جنب المسجد الأعظم).

١٣٦

معاوية، وهو سائر كذا وكذا يوماً، وراجع في كذا وكذا، فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل! وإن لم تسمعوا تكبيراً فهو الأمان إن شاء الله.

قال: فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة، إذا حجَرٌ قد أُلقي في السجن، ومعه كتاب مربوط وموسى، وفي الكتاب: أوصوا واعهدوا فإنّما يُنتظر البريد يوم كذا وكذا. فجاء البريد ولم يُسمع التكبير، وجاء كتابٌ بأن سرِّح الأُسارى إليّ)(١) .

إشارة:

هناك عدّة مُلاحظات مُستفادة من مجموعة هذه النصوص:

١ - يُستفاد من نصّ الشيخ الصدوق (ره): أنّ ابن زياد لم يحبسهم معه في القصر، كما ذهب إلى ذلك ابن سعد في طبقاته، ولا في دار إلى جنب المسجد الأعظم، كما روى السيّد ابن طاووس في اللهوف، بل حبسهم في سجن على بُعد من القصر ومن المسجد، بدليل قول الحاجب: (فما مررنا بزقاق إلاّ وجدناه ملاءً رجالاً ونساءً، يضربون وجوههم ويبكون)، وربّما كان ابن زياد قد أمر بحبسهم في السجن المطبق قبل أن تقع بينه وبينهم المحاورات الجريئة الساخنة، ثمّ بعد أن استدعاهم فحاورهم وحاوروه، وصار الناس يولولون ويلغط أهل المجلس خاف ابن زياد، فأمر بردّهم إلى الحبس مرّة أُخرى في دار إلى جنب المسجد، كما ذهب إلى ذلك السيد المقرّم(٢) ، أو في القصر.

٢ - كما أنّ هذا السجن كان مُطبقاً عليهم ومُضيّقاً عليهم فيه، لا يمكن أن يدخل عليهم فيه داخل باختياره، بدليل قول الحاجب كما في رواية الصدوق (ره): (فحُبِسوا في سجن وطُبق عليهم)، لا كما توحي رواية السيّد ابن طاووس (ره) أنّ

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٩، وانظر الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٨.

(٢) مقتل الحسين / للمقرم: ٣٢٦.

١٣٧

بإمكان أيّة امرأة الدخول عليهم، حيث يقول: (فقالت زينب بنت عليّعليه‌السلام : لا يدخلنّ علينا عربية إلاّ أمّ ولد أو مملوكة؛ فإنهنّ سُبين كما سُبينا)، ولعلّ هذه العبارة كانت قد نطقت بها زينبعليها‌السلام في المدينة بعد العودة إليها كما هو المشهور، أو ربّما حصل إمكان دخول النساء عليهم في المحبس، بعدما سُجنوا في المرّة الثانية في دار إلى جنب المسجد إذا أخذنا برواية اللهوف، وذهبنا إلى ما ذهبت إليه السيّد المقرّم، لكنّ رواية الشيخ الصدوق ظاهرة في أنّهم أُعيدوا مرّة أُخرى إلى نفس السجن المطبق الأوّل.

٣ - الذي يبدو ويُحتمل، أنّ مراد حاجب ابن زياد من قوله: (... وبعث البشائر إلى النواحي بقتل الحسين ...) هو أنّ ابن زياد بعث بخبر مقتل الحسينعليه‌السلام إلى بقيّة عمّال بني أميّة وإلى أمرائهم لا إلى الأمّة؛ لأنّ خبر مقتل ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند سواد الأمّة ليس من البشرى في شيء، بل هو مُصيبة عُظمى وفاجعة كُبرى، لكنّ الطغاة من عادتهم تحميل الأُمم المقهورة تحت سلطانهم وظلمهم أفراحهم وأحزانهم، وإن كانت الأُمّة تعيش الحزن فيما يفرح به الطغاة، ويطفح قلبها بالفرح في مصائبهم!

٤ - المثير للتساؤل في رواية الطبري وابن الأثر، أنّه بينما هم في الحبس، إذ سقط عليهم حجَر فيه كتاب مربوط ..)، تُرى مَن هذا الذي أُرسل إليهم هذا الكتاب؟!

هل السلطة الأُموية هي التي أمرت بإرسال هذا الكتاب مع الحجَر إليهم؛ مواصلةً منها للإرهاب النفسي والتعذيب الروحي الذي كانت تُمارسه ضدّهم؟

وهذا النوع من أساليب التعذيب كانت الحكومات الطاغوتية، ولم تزل إلى اليوم تستخدمه ضدّ سجناء المعارضة، حيث لا يعرف السجين هل المرسَل عدوّ

١٣٨

أم صديق مُشفِق؟

أم أنّ أحداً - أو جماعة - من مُحبّي أهل البيتعليهم‌السلام كان على اطّلاع بأخبار البريد ومدّة ذهابه وإيابه، وبعلامة الأمر بالقتل وعلامة الأمان، وأراد أن يُخبر الإمام السجّادعليه‌السلام بذلك؛ ليعهد بعهده ويوصي بوصيّته؟!

ويؤيِّد هذا ما في عبارة رواية الطبري: (وإن لم تسمعوا تكبيراً فهو الأمان إن شاء الله)، فقوله: فهو الأمان إن شاء الله مشعرٌ بأنّ مَن ألقى الحجر والكتاب يتمنّى لهم الأمان والنجاة.

وممّا يؤيّد أيضاً أنّ هذا المرسِل من مُحبّي أهل البيتعليهم‌السلام ، قد لجأ إلى هذا الأسلوب؛ خوفاً من بطش السلطة الأُموية، هو أنّ هذه السلطة لو شاءت أن تُمارس هذا الأسلوب من أجل الإرهاب النفسي والتعذيب الروحي، لمارسته مع بقايا آل الحسينعليه‌السلام علناً؛ إذ العلانيّة لا تنقص من أثره شيئاً، أو إلاّ شيئاً يسيراً.

دفن الإمام وبقيّة الشهداءعليهم‌السلام :

يروي الطبري: أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام بقيّة دفنوا بعد مقتلهم بيوم، أي في اليوم الحادي عشر، وأنّ أهل الغاضريّة من بني أسد قاموا بدفنهم، حيث يروي عن أبي مخنف قائلاً: (ودُفِن الحسين وأصحابه أهل الغاضريّة من بني أسد بعد ما قُتِلوا بيوم ...)(١) .

وذهب إلى ذلك البلاذري أيضاً، حيث يقول: (ودفن أهل الغاضريّة من بني أسد جثّة الحسين، ودفنوا جثث أصحابه رحمهم الله بعدما قُتِلوا بيوم ...)(٢) .

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٥.

(٢) أنساب الأشراف: ٣: ٤١١.

١٣٩

أمّا الخوارزمي فيقول: (وأقام عمر بن سعد يومه ذلك إلى الغد، فجمع قتلاه فصلّى عليهم ودفنهم، وترك الحسين وأهل بيته وأصحابه! فلما ارتحلوا إلى الكوفة وتركوهم على تلك الحالة، عمد أهل الغاضرية من بني أسد فكفّنوا أصحاب الحسين، وصلّوا عليهم، ودفنوهم ...)(١) .

هذا قول جلّ مؤرّخي أهل السنّة ولعلّ المنبع الأوّل الذي أخذوا عنه هذا القول، هو نفس المنبع الذي أخذ عنه الطبري، وهو أبو مخنف.

ويوافقهم في هذا الرأي أبرز مؤرّخي الشيعة! كالمسعودي أيضاً، حيث يقول: (ودفن أهل الغاضريّة - وهم قوم من بني غاضر من بني أسد - الحسين وأصحابه بعد قتلهم بيوم)(٢) .

والشيخ المفيد (ره)؛ حيث يقول: (ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولاً بالغاضرية إلى الحسين وأصحابه رحمة الله عليهم، فصلّوا عليهم، ودفنوا الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن، ودفنوا ابنه عليّ بن الحسين الأصغر(٣) عند رجْليه، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرّعوا حوله ممّا يلي رجْلَي الحسينعليه‌السلام ، وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً، ودفنوا العبّاس بن عليّعليهما‌السلام في موضعه الذي قُتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الآن)(٤) .

وذهب إلى ذلك السيد ابن طاووس (ره) أيضاً؛ حيث يقول: (ولما انفصل عمر ابن سعد لعنه الله عن كربلاء، خرج قوم من بني أسد، فصلُّوا على تلك الجُثث

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٤٤.

(٢) مروج الذهب: ٣: ٧٢.

(٣) ذلك لأنّ الشيخ المفيد (ره) يذهب إلى أنّ سيدنا الإمام السجّاد هو عليّ الأكبر؛ وقد أثبتنا في المجلّد الرابع أنّ عليّ بن الحسينعليه‌السلام المقتول بالطفّ هو الأكبر فراجع.

(٤) الإرشاد: ٢: ١١٤.

١٤٠