مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٥

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 228

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جعفر الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 228
المشاهدات: 125321
تحميل: 8117

توضيحات:

الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 228 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125321 / تحميل: 8117
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 5

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

النيران!)(١) .

وروى سبط ابن الجوزي، بسند إلى مروان بن الوصين، قال: (نُحرت الإبل التي حُمل عليها رأس الحسين وأصحابه، فلم يستطيعوا أكل لحومها، كانت أمَرَّ من الصبْر!)(٢) .

وروى الطبراني بسنده عن ذويد الجعفي، عن أبيه قال: (لما قُتل الحسين انتُهب جزور من عسكره، فلما طُبخت إذا هي دم! فأكفوها)(٣) .

وقال ابن حجر: (وأخرج أبو الشيخ، أنّ الوَرْس الذي كان في عسكرهم تحوّل رماداً، وكان في قافلة من اليمن تُريد العراق فوافتهم حين قتله!)(٤) .

آثار الحُزن في العوسجة المباركة!

روى الزمخشري، عن هند بنت الجون أنّه: نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيمة خالتي أمّ معبد(٥) ، فقام من رقدته ودعا بماء فغسل يديه، ثمّ تمضمض ومجّ في عوسجة إلى جانب الخيمة، فأصبحنا وهي كأعظم دوحة! وجاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الوَرْس ورائحة العنبر وطعم الشهد! ما أكل منها جائع إلاّ شبع، ولا ظمآن إلاّ روى، ولا سقيم إلاّ برئ! ولا أكل من ورقها بعير إلاّ سمن، ولا شاة إلاّ درّ لبنها،

____________________

(١) سِيَر أعلام النبلاء: ٣: ٣١٣.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٤٠.

(٣) المعجم الكبير: ٣: ١٢١ حديث رقم ٢٨٦٤، وراجع نظم دُرر السمطين ٢٢٠، إحقاق الحق ١١: ٥٠٢.

(٤) الصواعق المحرقة: ١٩٤.

(٥) اشتهرت بكُنيتها، واسمها عاتكة بنت خالد بن خليف بن منقذ بن ربيعة الخزاعية وكان منزلها بقديد، نزل عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين هاجر إلى المدينة. (راجع: الاستيعاب: ٤: ١٩٥٨).

٤١

فكنّا نُسميّها المباركة!

وينتابنا من البوادي، مَن يستشفي بها ويتزوّد بها، حتّى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها واصفّر ورقها! ففزعنا فما راعنا إلاّ نعي رسول الله، ثمّ إنّها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها، وتساقط ثمرها وذهبت نَضرتها! فما شعرنا إلاّ بمقتل أمير المؤمنين عليّ، فما أثمرت بعد ذلك، فكنّا ننتفع بورقها، ثمّ أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط! وقد ذبُل ورقها! فبينا نحن فزعين بورقها إذ أتانا خبر مقتل الحسين، ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت!)(١) .

____________________

(١) ربيع الأبرار: ١: ٢٨٥، وانظر: مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٩٨، وإحقاق الحقّ: ١١: ٤٩٤.

٤٢

المقصد الأول

الفصل الثاني

الوقائع المتأخِّرة عن قتل الإمام الحسينعليه‌السلام

٤٣

٤٤

الفصل الثاني

الوقائع المتأخّرة عن قتلهعليه‌السلام

صورٌ من عواقب قتَلتِه وأعدائهعليه‌السلام :

لا شكّ في أنّ كلّ مَن اشترك في قتل سيّد شباب أهل الجنّة وسلْبه ونهْبه، ابتُلي ببليّة في دار الدنيا قبل الآخرة.

روى الخوارزمي في المقتل، عن مينا أنّه قال: (ما بقي من قَتَلَةِ الحسين أحدٌ لم يُقتل إلاّ رُمي ببلاء في جسده قبل أن يموت)(١) .

ونقل سبط ابن الجوزي، عن الزهري أنّه قال: (ما بقي منهم أحدٌ إلاّ وعوقِب في الدنيا، إمّا بالقتل، أو العَمى، أو سواد الوجه، أو زوال الملك في مدّة يسيرة)(٢) .

مَصير عبيد الله بن زياد لعنه الله:

قُتِل عبيد الله بن زياد (ل) على يد إبراهيم بن مالك الأشتر (ره) في وقعة الخازر، حيث التقاه في ميدان المعركة، فضربه ضربة بالسيف شرّقت منها يداه، وغرّبت رِجلاه، وكان ذلك في الليل، فلما تأكّدوا منه وجدوا أنّه عبيد الله بن زياد نفسه،

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ١: ١٠٤.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٥٢.

٤٥

فاجتزّوا رأسه، وقال إبراهيم بن مالك: الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي(١) .

وبعث إبراهيم بن مالك (ره) برأس عبيد الله بن زياد لعنه الله، ورؤوس الرؤساء من أهل الشام وفي آذانهم رقاع أسمائهم، فقدِموا على المختار وهو يتغدّى، فحمد الله تعالى على الظفر، فلما فرغ من الغداء قام فوطأ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ رمى بها إلى غلامه وقال: اغْسِلها؛ فإنّي وضعتها على وجه نجس كافر(٢) .

وروى الخوارزمي بسنده، عن عمارة بن عمير قال: (لما جيء برأس عبيد الله بن زياد إلى المختار مع رؤوس أصحابه، نُضِّدت في المسجد في الرحْبة، فانتهيت إلى الناس وهم يقولون: قد جاءت! قد جاءت! فلم أدرِ! فإذا حيّة قد جاءت فتخلّلت الرؤوس حتّى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد! فمكثت هُنيئة، ثمّ خرجت فذهبت حتّى تغيّبت، ثمّ قالوا: قد جاءت! قد جاءت! ففعلت ذلك أمامي مرّتين أو ثلاثاً!

قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث صحيح)(٣) .

(قال أبو عمر البزّاز: كنت مع إبراهيم بن مالك الأشتر، لما لقي عبيد الله بن زياد - لعنه الله - بالخازر، فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم. قيل: كانوا سبعين ألفاً، وصَلب إبراهيمُ ابنَ زياد مُنكَّساً، فكأنّي أنظر إلى خُصْيَيه كأنّهما جعلان!)(٤) .

____________________

(١) راجع: ذوب النضار: ١٣٢ - ١٣٨.

(٢) ذوب النضار: ١٤٢.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٩٦ / وروى أيضاً عن عبد الملك بن كردوس، عن حاجب عبيد الله قال: (دخلت القصر خلْف عبيد الله فاضطرم في وجهه ناراً! فقال هكذا بكُمّه على وجهه، والتفت إليّ فقال: هل رأيت؟ قلت: نعم. فأمرني أن أكتم ذلك!) (نفس المصدر: ٢: ٩٩).

(٤) ذوب النضار: ١٤٢ / وعن أبي الطفيل عامر بن وائلة الكناني قال: وضِعتْ الرؤوس عند السدّة =

٤٦

مَصير عمَر بن سعد لعنه الله:

كانت الندامة والحَسرة قد أكلت قلب عمر بن سعد لعنه الله؛ لأنّه لم يَنَلْ من ابن زياد ما كان يؤمَّله من مناصب الدنيا وأطماعها، وخرج من مجلس ابن زياد يُريد منزله إلى أهله (وهو يقول في طريقه: ما رجع أحدٌ مثل ما رجعت! أطعت الفاسق ابن زياد الظالم ابن الفاجر! وعصيت الحاكم العدل! وقطعت القرابة الشريفة! وهجَره الناس، وكان كلّما مرّ على ملأ من الناس أعرضوا عنه، وكلّما دخل المسجد خرج النّاس منه، وكلّ مَن رآه قد سبّه! فلزم بيته إلى أن قُتِل!)(١) .

وكان المختار (ره) قد أعطى عمر بن سعد الأمان بشرط ألاّ يُحدِث حدَثاً(٢) ، ولما علم عمَر بقول المختار فيه عزم على الخروج من الكوفة، فأحضر رجلاً اسمه مالك بن دومة وكان شجاعاً، وأعطاه أربعمئة دينار نفقة لحوائجهما، وخرجا من الكوفة، فلما كانا عند حمّام عمر أو نهر عبد الرحمان أطلع عمر صاحبه على نيّته في الهرب خوفاً من المختار، لكنّ صاحبه أقنعه بأنّ المختار أعجز من أن ينال عمَر بسوء، وأوحى إليه أنّه أعزّ العرب! فاغترّ بكلامه فرجعا إلى الكوفة، ولما علم المختار بخروجه من الكوفة قال: ألله أكبر! وفَينا له وغدَر! وفي عُنقه سلسلة لو جهد أن ينطلق لَما استطاع!

____________________

= بالكوفة، عليها ثوب أبيض، فكشفنا عنها الثوب وحيّة تتغلغل في رأس عبيد الله بن زياد! ونُصبت الرؤوس في الرحبة.

قال عامر: ورأيت الحيّة تدخل في منافذ رأسه وهو مصلوب مراراً!!) (نفس المصدر: ١٤٢ - ١٤٣).

(١) تذكرة الخواص: ٢٣٣.

(٢) قال الإمام الباقرعليه‌السلام :(إنّما قصد المختار (إلاّ أن تُحدِث حدَثاً!) هو أن يدخل بيت الخلاء ويُحدِث!) (راجع: ذوب النضار: ١٥٧).

٤٧

وأرسل عمَر ابنه إلى المختار فقال له: أين أبوك؟

قال: في المنزل - ولم يكونا يجتمعان عند المختار، وإذا حضر أحدهما غاب الآخر خوفاً أن يجتمعا فيقتلهما - فقال حفص: أبي يقول: أتفي لنا بالأمان؟

قال: اجلس! وطلب المختار أبا عمرة - وهو كيسان التمّار - فأسرّ إليه أن اقتُل عمر بن سعد، وإذا دخلت عليه وسمعته يقول: يا غلام! عليّ بطيلساني، فاعلم أنّه يُريد السيف، فبادره واقتله!

فلم يلبث أن جاء ومعه رأسه!

فقال حفص: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فقال له: أتعرف هذا الرأس؟ قال: نعم، ولا خير في العيش بعده! فقال: إنّك لا تعيش بعده! وأمَر بقتله.

وقال المختار: عمَر بالحسينعليه‌السلام ، وحفص بعليّ بن الحسينعليه‌السلام ، ولا سواء، والله، لأقتلنّ سبعين ألفاً كما قُتل بيحيى بن زكرياعليهما‌السلام .

وقيل: إنّه قال: لو قتلت ثلاثة أرباع قريش، لَما وفوا بأنمُلة من أنامل الحسينعليه‌السلام (١) .

مَصير شمر بن ذي الجوشن لعنه الله:

قال مسلم بن عبد الله الضبابي: (كنا مع شمْر حين هزَمَنا المختار، فدنا منّا العبد(٢) ، فقال شمر: اركضوا وتباعدوا؛ لعلّ العبد يطمع فيّ! فأمعنّا في التباعد عنه،

____________________

(١) راجع: ذوب النضار: ١٢٦ - ١٢٩.

(٢) في ذوب النضار: ١١٦ / (ثمّ علم المختار أنّ شمر بن ذي الجوشن - لعنه الله - خرج هارباً ومعه نفر ممّن شرك في قتل الحسينعليه‌السلام ، فأمر عبداً له أسود - يُقال له: رزين. وقيل: زربي، ومعه عشرة وكان شجاعاً - يتّبعه فيأتيه برأسه).

٤٨

حتى لحقه العبد فحمل عليه شمر فقتله، ومشى فنزل في جانب قرية اسمها الكلتانيّة(١) على شاطئ نهر إلى جانب تلّ، ثمّ أخذ من القرية علْجاً فضربه، ودفع إليه كتاباً، وقال: عجّل به إلى مصعب بن الزبير فمشى العلْج حتّى دخل قرية فيها أبو عمرة بعثه المختار إليها في أمرٍ ومعه خمسمئة فارس، فأقرأ الكتاب رجلاً من أصحابه، وقرأ عنوانه، فسأل عن شمر وأين هو؟ فأخبره أنّ بينهم وبينه ثلاثة فراسخ قال مسلم بن عبد الله: قلت لشمر: لو ارتحلت من هذا المكان فإنّا نتخوّف عليك! قال: ويلكم! أكلّ هذا الجزع من الكذّاب؟! - والله - لا برحت فيه ثلاثة أيّام! فبينما نحن في أوّل النوم، إذ أشرفت علينا الخيل من التلّ وأحاطوا بنا، وهو عريان متّزرٌ بمنديل، فانهزمنا وتركناه!

فأخذ سيفه ودنا منهم فلم يكُ بأسرع أن سمعنا: قُتل الخبيث! قتله أبو عمرة، وقُتل أصحابه.

ثمّ جيء بالرؤوس إلى المختار، فخرّ ساجداً، ونُصبت الرؤوس في رحبة الحذّائين، حذاء الجامع)(٢) .

مَصير سنان بن أنس لعنه الله:

(وهرب سنان بن أنس لعنه الله إلى البصرة فهُدم داره، ثمّ خرج من البصرة نحو القادسيّة، وكان عليه عيون، فأخبروا المختار، فأخذه بين العذيب والقادسيّة، فقطّع أنامله ثمّ يديه ورجْليه، وأغلى زيتاً في قِدر وألقاه فيه)(٣) .

____________________

(١) الكلتانيّة: قرية ما بين السوس والصيمرة. (مراصد الإطّلاع: ٣/١١٧٤).

(٢) راجع: ذوب النضار: ١١٦ - ١١٨.

(٣) ذوب النضار: ١٢٠.

٤٩

مصير خولِّي بن يزيد الأصبحي لعنه الله:

(ثمّ بعث أبا عمرة، فأحاط بدار خولّي بن يزيد الأصبحي، وهو حامل رأس الحسينعليه‌السلام إلى عبيد الله بن زياد، فخرجت امرأته إليهم وهي النوّار ابنة مالك - كما ذكر الطبري في تأريخه - وقيل: اسمها العيّوف، وكانت مُحبّةً لأهل البيتعليهم‌السلام ، قالت: لا أدري أين هو؟! وأشارت بيدها إلى بيت الخلاء! فوجدوه وعلى رأسه قوصرة(١) ، فأخذوه وقتلوه، ثمّ أمر بحرقه)(٢) .

مَصير حكيم بن الطُّفيل السنبسي لعنه الله:

(ثمّ بعث عبد الله بن كامل إلى حكيم بن الطُّفيل السنبسي، وكان قد أخذ سلْب العبّاس ورماه بسهم، فأخذوه قبل وصوله إلى المختار، ونصبوه هدفاً، ورموه بالسهام)(٣) .

مَصير حرملة بن كاهل لعنه الله:

(حدّث المنهال بن عمرو قال: دخلت على زين العابدينعليه‌السلام أُودِّعه وأنا أُريد الانصراف من مكّة، فقال:(يا منهال! ما فعل حرملة بن كاهل؟!) . وكان معي بشر بن غالب، فقلت: هو حيٌّ بالكوفة!

فرفع يديه وقال:(اللّهمّ، أذِقْه حرّ الحديد، اللهمّ، أذِقْه حرّ الحديد، اللهمّ، أذِقْه حرّ النار!) .

قال المنهال: وقدمت إلى الكوفة والمختار بها فركبت إليه، فلقيته خارجاً من داره، فقال: يا منهال! ألم تشركنا في ولايتنا هذه؟

فعرّفته أنّي كنت بمكّة، فمشى حتّى أتى الكُناس، ووقف كأنّه ينتظر شيئاً! فلم يلبث أن جاء قوم فقالوا: أبشِر أيُّها

____________________

(١) القوصرة: وعاء للتمر يُصنع من نسج أوراق سعف النخيل.

(٢) ذوب النضار: ١١٨ - ١١٩.

(٣) ذوب النضار: ١١٩.

٥٠

الأمير فقد أُخذ حرملة! فجيء به، فقال: لعنك الله، الحمد لله الذي أمكنني منك! الجزّار الجزّار! فأُتي بجزّار، فأمره بقطع يديه ورجْليه، ثمّ قال: النّار النّار!، فأُتي بنار وقصب فأُحرق ...)(١) .

مَصير بَجْدل بن سليم لعنه الله:

وكان ممّن سلبوا الإمامعليه‌السلام ، وكانوا قد أتوا المختار به (وعرّفوه أنّه أخذ خاتمه وقطع إصبعه! فأمر بقطع يديه ورجْليه، فلم يزل ينزف حتّى مات)(٢) .

مَصير الذين وطأوا جسد الإمامعليه‌السلام بالخيل:

(قال موسى بن عامر: فأوّل مَن بدأ به(٣) الذين وطأوا الحسينعليه‌السلام بخَيلهم، وأنامهم على ظهورهم، وضرب سكك الحديد في أيديهم وأرجلهم، وأجرى الخيل عليهم حتّى قطّعتهم، وحرّقهم بالنار، ثمّ أخذ رجُلين اشتركا في دم عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب وفي سلْبه، كانا في الجبّانة، فضرب أعناقهما، ثمّ أحرقهما بالنار، ثمّ أحضر مالك بن بشير(٤) فقتله في السوق)(٥) .

مَصير عمرو بن صبيح الصيداوي لعنه الله:

(وطلب عمرو بن صبيح الصيداوي(٦) ، فأتوه وهو على سطحه بعدما هدأت

____________________

(١) ذوب النضار: ١٢١.

(٢) ذوب النضار: ١٢٣.

(٣) أي المختار.

(٤) تذكره مصادر تأريخية أُخرى باسم: مالك بن النسر، وهو الذي سلب الإمامعليه‌السلام بُرنسه وكان من خزّ، وروي أنّه يبست يداه ولم يزل فقيراً بأسوء حال إلى أن مات. (راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٣٤).

(٥) ذوب النضار: ١١٨.

(٦) وهو أيضاً من الذين رضّوا جسد الإمامعليه‌السلام .

٥١

العيون، وسيفه تحت رأسه، فأخذوه وسيفه، فقال: قبّحك الله من سيف! ما أبعدك على قُربك!

فجيء به إلى المختار، فلما كان من الغَداة طعنوه بالرماح حتّى مات)(١) .

مَصير زيد بن رقاد الجهني لعنه الله:

(وأحضر زيد بن رقاد فرماه بالنبْل والحجارة وأحرقه)(٢) .

مصير أبجر بن كعب لعنه الله:

قال الخوارزمي: (وقال عبيد الله بن عمّار: رأيت على الحسين سراويل تلمع ساعة قُتِل، فجاء أبجر بن كعب فسلبه وتركه مُجرّداً! وذكر محمّد بن عبد الرحمان: أنّ يدي أبجر بن كعب كانتا تنضحان الدم في الشتاء وتيبسان في الصيف كأنّهما عود!)(٣) .

ويروي الخوارزمي أيضاً عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال:(وجِد فيه (٤) ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة، وأخذ سراويله بحير بن عمرو الجرمي فصار زمناً مُقعداً من رجْليه، وأخذ عمامته جابر بن يزيد الأزدي فاعتمّ بها فصار

____________________

(١) ذوب النضار: ١٢٢.

(٢) ذوب النضار: ١٢٠.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٤٣ - ٤٤ / ويُلاحَظ أنّ المصادر التأريخية المعتبرة الأُخرى أثبتت أيضاً اسم هذا اللعين: أبجر بن كعب، كما في تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٣، والإرشاد: ٢: ١١٠، وإعلام الورى: ١: ٤٦٨، واللهوف: ١٧٨، والمناقب لابن شهر آشوب: ٤: ١٢٠، وتذكرة الخواص: ٢٢٨، وورد في الدرّ النظيم: ٥٥٧: الحرّ بن كعب، والظاهر أنّه تصحيف، وقال المحقّق السماوي في إبصار العين: ٧٤: (ويمضي في بعض الكُتب ويجري على بعض الألسن: أبحر بن كعب، وهو غلط وتصحيف).

(٤) أي الحسينعليه‌السلام .

٥٢

مجذوماً، وأخذ مالك بن نسر الكندي درعه فصار معتوهاً ...) (١) .

مَصير أحد سالبي الإمامعليه‌السلام :

(ورُئي رجل بلا يدَين ولا رجْلين وهو أعمى، يقول: ربِّ، نجّني من النّار! فقيل له: لم تبقَ عليك عقوبة وأنت تسأل النجاة من النار؟ قال: إنّي كنت في مَن قاتل الحسين بن عليّ في كربلاء، فلما قُتل رأيت عليه سراويل وتكّة حسنة، وذلك بعدما سلَبه الناس، فأردت أن أنتزع التكّة، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكّة، فلم أقدر على دفعها فقطعت يمينه! ثمّ أردت انتزاع التكّة، فرفع شماله ووضعها على التكّة، فلم أقدر على دفعها فقطعت شماله، ثمّ هممت بنزع السراويل! فسمعت زلزلة فخفت وتركته، فألقى الله عليّ النوم، فنمت بين القتلى، فرأيت كأنّ النبيّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل ومعه عليّ وفاطمة والحسنعليهم‌السلام ، فأخذوا رأس الحسين، فقبّلتْه فاطمة وقالت:يا بنيّ، قتلوك! قتلهم الله! وكأنّه يقول:ذبحني شمر، وقطع يدي هذا النائم! وأشار إليّ.

فقالت فاطمة:قطع الله يديك ورجليك، وأعمى بصرك وأدخلك النار ، فانتبهت وأنا لا أُبصر شيئاً، ثمّ سقطت يداي ورجلاي منِّي! فلم يبقَ من دعائها إلاّ النار!)(٢) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٤٢.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ١١٥، وفي اللهوف: ١٨٣: (وروى ابن رباح قال: لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين، فسُئل عن ذهاب بصَره.

فقال: كنت قد شهدت قتله عاشر عشرة، غير أنّي لم أطعن ولم أضرب ولم أرمِ، فلما قُتل رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الآخرة، ونمت، فأتاني آتٍ في منامي فقال: أجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقلت: مالي وله؟!

فأخذ بتلابيبي وجرّني إليه، فإذا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في صحراء، حاسر عن ذراعيه، آخذ بحربة! ومَلَكٌ قائم بين يديه وفي يديه سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً! فدنوت منه وجثوت بين يديه وقلت: السلام عليك يا رسول الله. فلم يردّ عليّ، =

٥٣

وروى الخوارزمي عن أبي عبد الله غلام الخليل قال: (حدّثنا يعقوب بن سليمان قال: كنت في ضيعتي فصلّينا العُتمة، وجعلنا نتذاكر قتل الحسينعليه‌السلام ، فقال رجل من القوم: ما أعان أحدٌ عليه إلاّ أصابه بلاءٌ قبل أن يموت. فقال شيخ كبير من القوم: أنا ممّن شهدها، وما أصابني أمرٌ كرهته إلى ساعتي هذه!

وخبا السِراج، فقام ليُصلحه فأخذته النار! وخرج مُبادراً إلى الفرات وألقى نفسه فيه، واشتعل وصار فحمة!)(١) .

____________________

= ومكث طويلاً، ثمّ رفع رأسه وقال:يا عدوّ الله! انتهكت حُرمتي! وقتلت عترتي! ولم ترعَ حقّي وفعلت ما فعلت! فقلت: يا رسول الله، والله، ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم. فقال:صدقت، ولكن كثّرت السواد، اُدنُ منّي! فدنوت منه فإذا طشت مملوٌّ دماً! فقال لي:هذا دم ولدي الحسين عليه‌السلام ! فكحَّلني من ذلك الدم، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً!)، ورواه الخوارزمي أيضاً في المقتل: ٢: ١١٧ - ١١٨ وفيه ابن رماح بدلاً من ابن رباح، وقال الخوارزمي: وأورد هذا الحديث مجد الأئمة السرخسي ورواه عن أبي عبد الله الحدّاد، عن الفقيه أبي جعفر الهنداوني

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٦٢ على ما في طبعة الغري / نقلاً عن إحقاق الحق: ١١: ٥٣٦، ورواه الخوارزمي، أيضاً في المقتل: ٢: ١١١ عن عطاء بن مسلم، عن السدّي، بتفاوت، والشيخ المحترق فيه من قبيلة طيّ، ورواه ابن حجر في صواعقه، ١٩٣ عن أبي الشيخ بتفاوت.

وانظر: تهذي التهذيب: ٢: ٣٥٣، وتذكرة الخواص: ٢٩٢، ووسيلة المآل لأحمد بن الفضل بن محمّد بن كثير: ١٩٧ (على ما في إحقاق الحقّ: ١١: ٥٣٨)، وانظر: نظم درر السمطين للزرندي: ٢٢٠، وسير أعلام النبلاء: ٣: ٢١١، وينابيع المودّة: ٣٢٢، وإسعاف الراغبين: ١٩١، وجواهر المطالب: ٢: ٢٨٩، وبشارة المصطفى للطبري: ٤٢٦ رقم ٣.

٥٤

نَهب المخيَّم الحسيني:

لم يكتفِ جلاوزة بني أُميّة، أعداء الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد قتل الإمامعليه‌السلام بسلْبه ورضِّ جسده الطاهر بحوافر الخيل، بل جاوزوا المدى، فعدوا على المخيّم؛ لنهب ما فيه، ولهتك ستْر حُرَم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بسلْب ما عليهن من حُليّ وحجاب بصورة فجيعة يَندى لها جبين كلّ أبيّ غيور! وما أحسن ما قال اليافعي: (لما قُتل السادة الأخيار، مال الفجرة الأشرار إلى خيام الحريم المصونة وهتكوا الأستار!)(١) .

وقال الدينوري: (ثمّ مال الناس على ذلك الوَرْس الذي كان أخذه من العِير، وإلى ما في المضارب فانتهبوه!)(٢) .

وروى الطبري، عن أبي مخنف قائلاً: (ومال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه، فإن كانت المرأة لتُنازع ثوبها عن ظهرها حتى تُغلَب عليه فيُذهب به منها!)(٣) .

ويقول السيّد ابن طاووس (ره): (وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرّة عين الزهراء البتول، حتّى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها، وخرجن بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحريمه يتساعدن على البكاء ويندبن لفِراق الحماة والأحبَّاء)(٤) .

وكان نهب المخيّم بأمرٍ مُباشر من عمر بن سعد! قال الإسفراييني: (قال (أي عمر بن سعد): دونكم الخيام انهبوها!

فدخلوا وجعلوا يسلبون ما على الحريم

____________________

(١) مرآة الجنان: ١: ١٣٥.

(٢) الأخبار الطوال: ٢٥٨.

(٣) تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٤، وانظر: الإرشاد: ٢: ١١٢، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٥.

(٤) اللهوف: ١٨٠.

٥٥

والأطفال من اللباس! ثمّ قطَّعوا الخيام بالسيوف، فخرجت أمّ كلثوم وقالت:

يا بن سعد، الله يحكم بيننا وبينك! ويحرمك شفاعة جدّنا! ولا يسقيك من حوضه كما فعلت بنا وأمرت بقتال سبط الرسول، ولم ترحم صبيانه، ولم تُشفِق على نسائه! فلم يلتفت إليها)(١) .

وكان المبادر لتنفيذ هذا العمل المخزي شمر بن ذي الجوشن! يقول حسام الدين في الحدائق الوردية: (وأقبل شمر بن ذي الجوشن إلى الخيام، وأمر بسلب كلّ ما مع النساء، فأخذوا كلّ ما في الخيمة، حتّى أخذوا قِرطاً في أذُن أمّ كلثوم وخرموا أذنها، وفرغ القوم من القسمة، وضربوا فيها النار!)(٢) .

وروى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن عبد الله بن الحسنعليهما‌السلام ، عن أمّه فاطمة(٣)،

____________________

(١) نور العين في مشهد الحسينعليه‌السلام : ٤٦.

(٢) الحدائق الوردية: ١٢٣، وانظر: مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : ٤: ١١٢ وفيه: (وقصد شمر إلى الخيام، فنهبوا ما وجدوا حتّى قُطِعت أُذن أمّ كلثوم لحلقة!).

(٣) هي فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، القرشيّة الهاشميّة المدنية.

روت عن بلال المؤذِّن مُرسلاً، وعن أبيها الحسينعليه‌السلام ، وعن عبد الله بن عباس، وأخيها زين العابدينعليه‌السلام ، وعن أسماء بنت عميس، وعن عمّتها زينب العقيلةعليها‌السلام ، وعن عائشة، وعن جدّتها فاطمة الكبرى بنت رسول الله مُرسلاً.

وروى عنها: أبناؤها: إبراهيم بن الحسين المثنّى، وأخوه الحسن المثلّث، وأخوه عبد الله بن الحسن المثنّى، وغيرهم (راجع: تهذيب الكمال: ٢٥: ٢٥٤).

قال ابن سعد: أمّها أمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، وتزوّجها ابن عمّها حسن بن حسن، فولدت له عبد الله وإبراهيم وحسناً وزينب (الطبقات: ٧: ٤٧٣، وانظر: مقاتل الطالبين: ١٧١).

وهي التي قال فيها الحسينعليه‌السلام لابن أخيه الحسن المثنّى: إنّي اخترت لك ابنتي فاطمة، فهي أكثرهما شبهاً بأمّي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . (راجع: مُستدركات علم رجال الحديث: =

٥٦

بنت الحسينعليهما‌السلام قالت:(دخلت الغاغة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة، وفي رجْليّ خلخالان من ذهب، فجعل رجلٌ يفضّ الخلخالين من رجْلي وهو يبكي! فقلت: ما يُبكيك يا عدوّ الله؟! فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله!

فقلت: لا تسلبني. قال: أخاف أن يجيء غيري فيأخذه!

____________________

= ٨: ٥٩٢).

روى العلاَّمة المجلسي في البحار ٢٦: ٢١٤، عن أبي المقدام قال: كنت أنا وأبي (المقدام) حاجَّين، قال: فماتت أمُّ أبي المقدام في طريق المدينة، قال: فجئت أُريد الإذن على أبي جعفرعليه‌السلام فإذا بغلته مسرجة، وخرج ليركب، فلما رآني قال:(كيف أنت يا أبا المقدام؟) . قال: قلت: بخير جُعلت فداك. ثم قال:(يا فلانة استأذني على عمّتي) . قال: ثمّ قال:(لا تعجل حتى آتيك) . قال: فدخلت على عمّته فاطمة بنت الحسين، وطرحتْ لي وسادة فجلست عليها، ثمّ قالت: كيف أنت يا أبا المقدام؟ قلت: بخير جعلني الله فداكِ، يا بنت رسول الله.

قال: قلت: يا بنت رسول الله، شيء من آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . قال: فدعت وُلْدها فجاؤوا خمسة، فقالت: يا أبا المقدام، هؤلاء لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودمه. وأرتني جفنة فيها وضرُ عجين، وضبّابته حديد، فقالت: هذه الجفنة التي أُهديت إلى رسول الله ملاء لحم وثريد! قال: فأخذتها وتمسّحت بها!

وقال العلاّمة المجلسي: وكون الجفنة عندها يُنافي سائر الأخبار، إلاّ أن يكون الإمامعليه‌السلام أودعها عندها مع أنّها حينئذ كانت في بيتهعليه‌السلام كما هو ظاهر الخبر.

وقال النمازي: وهي أكبر من سكينة. وبالجملة، لا نظير لها في التقوى والكمال والفضائل والجمال؛ ولذا تُسمّى الحور العين!

توفِّيت في المدينة سنة ١١٧ هـ. (راجع مُستدركات علم رجال الحديث ٨: ٥٩٢).

وكانت فيمَن قدم دمشق بعد قتل أبيها، ثمّ خرجت إلى المدينة. (تهذيب الكمال: ٣٥: ٢٥٥) وروى لها أبو داود، والترمذي، والنسائي في مُسند عليّ، وابن ماجة.

٥٧

قالت: وانتهبوا ما في الأبنية حتّى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا!) (١) .

وقال ابن نما (ره): (ثمّ اشتغلوا بنهب عيال الحسين ونسائه، حتّى تُسلب المرأة مقنعتها من رأسها، أو خاتمها من أصبعها، أو قُرطها من أُذنها، وحِجلها من رجْلها، وجاء رجل من سنبس(٢) إلى ابنة الحسينعليه‌السلام وانتزع ملحفتها من رأسها، وبقين عرايا تراوحهنّ رياح النوائب وتعبث بهنّ أكفّ المصائب، قد غشيهنّ القدَر النازل، وساورهنّ الخطْب الهائل ...)(٣) .

____________________

(١) أمالي الشيخ الصدوق: ١٣٩ - ١٤٠ المجلس ٣١، حديث رقم ٢ / وفي بعض النُسَخ (دخلت الغنمة علينا ...) وفي أُخرى (العامة)، والغاغة مأخوذة من الغوغاء، وأصل الغوغاء الجُراد حين يخفّ للطيران، ثمّ استُعير للسَّفلة من الناس والمتسرِّعين إلى الشرّ. (راجع: لسان العرب: ١٠: ١٤٦)، ورواه ابن سعد في طبقاته أيضاً، راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد: ٧٨، وانظر: سيَر أعلام النبلاء: ٣: ٣٠٣.

(٢) سنبس: اسم قبيلة هذا الرجل، فهو سنبسي.

(٣) مُثير الأحزان: ٧٦ / وينقل العلاّمة المجلسي (ره) قائلاً: (رأيت في بعض الكتب أنّ فاطمة الصغرى قالت: كنت واقفة بباب الخيمة، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مُجزّرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول، وأنا أُفكّر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أُميّة: أيقتلوننا أو يأسروننا؟ فإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه، وهنّ يلُذن بعضهنّ ببعض، وقد أخذ ما عليهنّ من أخمرة وأسورة، وهنّ يصحنَ: وا جدّاه، وا أبتاه، وا عليّاه، وا قلّة ناصراه، وا حسناه! أما من مُجير يُجيرنا؟ أما من ذائد يذود عنّا؟ قالت: فطار فؤادي وارتعدت فرائصي، فجعلت أُجيل بطرفي يميناً وشمالاً على عمّتي أمّ كلثوم؛ خشية منه أن يأتيني، فبينا أنا على هذه الحالة، وإذا به قد قصدني ففررت منهزمة، وأنا أظنّ أنِّي أسلم منه، وإذا به قد تبعني فذُهلت خشية منه، وإذا بكعب الرمح بين كتفيّ فسقطت على وجهي، فخرم أُذني وأخذ قُرطي ومقنعتي، وترك الدماء تسيل على خدّي، ورأسي تصهره الشمس، وولىّ راجعاً إلى الخيم، وأنا مغشيّ عليّ، وإذا أنا بعمّتي عندي تبكي وهي تقول: قومي نمضي! ما أعلم ما جرى على البنات وأخيك العليل؟ =

٥٨

روى ابن شهر آشوب، عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه قال:

(إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يُحرِّمون القتال فيه، فاستُحلّت فيه دماؤنا! وهُتك فيه حُرمتنا! وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا! وأُضرمت النيران في مضاربنا! وانتُهب ما فيها من ثقلنا!) (١) .

____________________

= فقمت وقلت: يا عمّتاه، هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النُّظّار؟ فقالت: يا بنتاه، وعمّتك مثلك! فرأيت رأسها مكشوفاً وقد اسودّ من الضرب، فما رجعنا إلى الخيمة إلاّ وهي قد نُهبت وما فيها، وأخي عليّ بن الحسين مكبوب على وجهه لا يُطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا) (البحار: ٤٥: ٦٠ - ٦١).

ويقول الإسفراييني في كتابه - نور العين في مشهد الحسينعليه‌السلام ص٤٥ -: (قالت زينب أخت الحسين: كنّا ذلك الوقت جلوساً في الخيام، إذ دخل علينا رجال فيهم رجل أزرق العيون، فأخذ كلّ ما كان في خيمتنا التي كنّا مجتمعين فيها، ثمّ نظر إلى علي بن الحسين، وهو مطروح على قطعة من الأديم، فجذبها من تحته ورماه على الأرض، ثمّ أخذ قناعي من رأسي، ونظر إلى قِرط في أذُني، فعالجه وقرضه بأسنانه، فخرم أذُني ونزعه، وجعل الدم يسيل على ثيابي، وهو مع ذلك يبكي! ثمّ نظر إلى خلخال كان في رجلَيْ فاطمة الصغرى، فجعل يُعالجها حتّى كسرهما وخرج الخلخال منهما، فقالت له: أتسلبنا وأنت تبكي؟! فقال: أبكي لِما حلّ بكم أهل البيت!!

قالت زينب: فخنقتني العَبرة من وجع أذُني وبكاء فاطمة، فقلت له: قطع الله يديك ورجليك، وأذاقك الله النار في الدنيا قبل الآخرة!

فقال: والله، لا جاوزت دعوتها ثمّ قطع يديه ورجليه وأحرقه بالنار وذهب).

(١) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : ٢: ٢٠٦، وانظر: مُسند الإمام الشهيد: ٢: ١٩٦.

٥٩

محاولة قتل الإمام زين العابدينعليه‌السلام !

لا شكّ في أنّ الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام كان حاضراً في كربلاء مع أبيهعليه‌السلام ، وكان مريضاً، وهذا ممّا تسالم عليه التاريخ، وكان شمر بن ذي الجوشن قد سعى بعد قتل الإمام الحسينعليه‌السلام إلى قتل البقيّة الباقية، من ذريّة الحسينعليه‌السلام مُتمثّلة بابنه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وكان ذلك بأمر صادر عن ابن زياد لعنه الله، كما صرّح شمر نفسه بهذا(١) .

قال الشيخ المفيد (ره) في كتابه الإرشاد: (قال حميد بن مسلم: فوالله، لقد كنت أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله، تُنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تُغلب عليه فيُذْهَب به منها، ثمّ انتهينا إلى عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض، ومع شمر جماعة من الرجّالة، فقالوا له: ألا نقتل هذا العليل؟

فقلت: سبحان الله! أيُقتل الصبيان؟! إنّما هو صبيّ وإنّه لما به! فلم أزل حتّى رددتهم عنه.

وجاء عمر بن سعد، فصاح النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لا يدخل أحدٌ منكم بيوت هؤلاء النسوة، ولا تعرّضوا لهذا الغلام المريض.

وسألته ليسترجع ما أُخذ منهنّ ليتستّرنّ به، فقال: مَن أخذ من متاعهنّ شيئاً فليردّه عليهن!

فوالله، ما رَدّ أحدٌ منهم شيئاً، فوكَّل بالفسطاط وبيوت النساء، وعليّ بن الحسين، جماعة ممّن كانوا معه وقال: احفظوهم؛ لئلاّ يخرج منهم أحد، ولا تُسيئُنّ إليهم!)(٢) .

____________________

(١) كان الشمر قد أجاب مَن طلب إليه ألاّ يقتل الإمام السجّادعليه‌السلام قائلاً: (قد صدر أمر الأمير عبيد الله، أن أقتل جميع أولاد الحسينعليه‌السلام ) (راجع: معالي السبطين: ٢: ٨٧).

(٢) الإرشاد: ٢: ١١٢ - ١١٣، وانظر: تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٥.

٦٠