مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد أمين الأميني
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 225028
تحميل: 8085

توضيحات:

الجزء 6
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225028 / تحميل: 8085
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 6

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

مُقدِّمة مركز الدراسات الإسلامية

التابع لممثلية الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، ودليلاً على نعمه وآلائه، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

وبعد: فهذا هو الجزء السادس والأخير من موسوعتنا التاريخية (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة)، ويدور هذا الجزء حول المقاطع الأخيرة من هذه الدراسة، وهي:

١ - الركب الحسيني في الشام.

٢ - عودة الركب الطاهر إلى كربلاء.

٣ - رجوع أهل البيت إلى المدينة.

إذن؛ هذا الجزء يتناول مرحلة ما بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه؛ ومن ثَمّ فهو يُعنى أيضاً بمعرفة نتيجة هذه المسيرة التي سارها هذا الركب الطاهر، ومَن هو المنتصر حقّاً؛ لذلك أفرد المؤلّف الفاضل فصلاً مُستقلاً تحت عنوان (المظلوم ينتصر)، بيّن فيه كيف أنّ نتيجة هذا الصراع الدامي كانت لصالح الحسين المظلومعليه‌السلام ، وأنّ نقطة انقلاب المعادلة بدأت بمُجرّد وصول الأُسارى من آل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الشام وقصر يزيد؛ ومن هنا استحقّت أن يطلق عليها اسم (المسيرة المظفّرة).

٣

ولما كانت الشام مركز الحُكم الذي أمر بارتكاب هذه الجريمة النكراء، وبقي آل الرسول فيها مدّة شهدوا خلالها حوادث ووقائع، وألقوا هم فيها - بدورهم - خطباً بقيت تُدوِّي في آذان الدهر، وأدّوا أدواراً...

رأى المؤلّف الفاضل إعطاء صورة عن الشام ووضعها قبل ورود أهل البيت، وكذلك عن حكّامها - ويزيد بالخصوص ومسؤوليّته في الموضوع - ليكون الباحث على معرفة بخلفية القضايا التي يتناولها الكتاب.

وهكذا تمّ في هذا الجزء ربط الختام بالمطلع، كما يُقال.

ونحمد الله تعالى على أن وفّقنا في المبدأ والمآل.

بيد أنّ النقطة التي نرى من واجبنا الإشارة إليها، هي أنّ المؤلّف الفاضل سعى لأن يكون كتابه جامعاً في تناوله لمواضيعه، فالتقط كلّ ما له علاقة بأبحاث الكتاب، ونحن لا يسعنا في هذا المقام إلاّ أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى سماحة المؤلّف المحترم الشيخ الأميني - حفظه الله - وكلّ الإخوة الذين آزرونا في مراجعة وتنظيم هذا البحث القيِّم والأجزاء الأُخرى من هذا الكتاب، ونسأل الله أن يتقبّل منّا جميعاً، وأن يوفّقنا لما فيه رضاه، إنّه خير ناصر ومُعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مركز الدراسات الإسلامية          

التابع لممثلية الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

٤

مُقدِّمة المؤلّف

المسيرة المظفّرة في فصلها الأخير

٥

٦

مقدمة المؤلف

المسيرة المظفّرة في فصلها الأخير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

إنّها مسيرة مُظفّرة، تحمل رسالة خالدة، إلى أُناس تعرَّفوا على الدِّين من طريق حكّامهم الطواغيت، آخذين بأقوالهم، مُمتثلين أوامرهم، تاركين نواهيهم، مُعتقدين أنّهم خلفاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، زاعمين أنّ كلّ صوت يُرفع بوجههم لابدّ أن يُخمد، وكلّ مَن يقف أمامهم لابدّ أن يُقتل، يحسبون أنّ كلّ حركة تتحرّك نحو إيقاظ شعور الأمّة فتنة، وقادتها أرباب الفتنة! والفتنة لابدّ أن تُخمد! وكلّ مَنْ يُعارض السلطة الحاكمة خارجيٌّ، لابدّ أن يُقطع رأسه ويُدار به بالبلدان! ويُصلب في قلب العاصمة، ويُسبى أهله ويُطاف بهم البلاد؛ لكي يتعلّم الجميع أنّه ليس لديهم إلاّ الصمت والالتزام بما يراه الخليفة المتغلِّب على الحُكم مهما كان، وبلغ ما بلغ!

وإلى أُناس تعرّفوا على إسلام أُمويّ في ظلّ حُكمٍ دمويّ! ولم يعرفوا أيّ حقّ لآل بيت نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل لم يعرفوا مَن هو المقتول! ومَن أبوه وجدّه! فكيف يدرون لماذا قُتل! وما الذي دعاه لهذه النهضة الدامية؟

٧

أجل، إنّهم لم يكونوا يعلمون إلاّ كلمة واحدة تعلّموها من وعّاظ سلاطينهم - أصحاب الزمرة المتسلّطة الجائرة الفاسدة - وهي أنّ هؤلاء القتلى خرجوا على أمير المؤمنين يزيد!

لهذه المسيرة رسالتان؛ الأُولى إلى شعب ضائع جاهل بالواقع، قد تربَّى على نهج بني أُميّة، وأُخرى إلى عامّة الأمّة الإسلامية الكبرى، الزاعمة أنّ الحُكم لمن غلب!

وتهدف الرسالتان لبثّ الروح في ضمير هؤلاء الناس، وإحيائهم بعد أن ماتوا معنويّاً، وإيقاظهم من رقدتهم، واستنهاضهم للوقوف بوجه كلّ حاكم جابر وصل بالغلبة إلى السلطة، فاقد لشرائط الحُكم والإمامة، وذاك - لعَمْرِي - هو الإصلاح في أمّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما صرّح به سيّد الشهداء وقائد الأحرار الإمام الحسين بن عليّعليهما‌السلام في مقولته الشهيرة:(... وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله ... ) (١) .

وهذا المهمّ تبنّته هذه المسيرة، وعلى رأسها ابن قائد النهضة، الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، وأُخته العقيلة زينب الكبرى بنت الإمام أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، وقد نهضا بها على أحسن وجه وفوق ما يُتصوَّر، حتّى انقلبت المعادلة والركب ما زال في قلب العاصمة، ولم يكن ليزيد اللعين بُدٌّ إلاّ البكاء تصنّعاً، والتظاهر بلعن ابن مرجانة والبراءة منه، وإبراز تأسُّفه على ما جرى! وإعادة بقيّة عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة المنوّرة؛ إبقاءً على حكمه وخوفاً على زوال سلطته، وهذا ما سنتوفّر عليه خلال قراءتنا لهذه القطعة من تاريخ النهضة الحسينيّة المباركة، إن شاء الله. والسلام.

محمّد أمين الأمينيّ ( پور أميني )

____________________

(١) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، العلاّمة المجلسي ٤٤/ ٣٢٩.

٨

المدخل

الشام وحكَّامها الأُمويّون

٩

التعرُّف على الشام من الجهات الجغرافية، والطبيعيّة، والاجتماعية، والتأريخية، ومعرفة حُكّامها في تلك الفترة - أي بني أُميّة - وطبيعة حكمهم، وجذور علاقتهم بالشام، ولا سيّما حاكمها آنذاك يزيد بن معاوية... يُعطينا آفاقاً جديدة ورؤىً واضحة، لمعرفة جذور ما يواجهنا حينما نقرأ هذا المقطع من التاريخ، إذاً من الأجدر أن نتوقّف عند هذه المحطّة قبل متابعة مسيرة الركب الطاهر.

١٠

المدخل

الشام وحُكّامها الأُمويّون

التعريف بالشام:

الشام اسم يتناول عامّة الأقاليم الداخلة اليوم في سورية ولبنان وفلسطين. وللّغويّين والجغرافيّين في سبب تسميته شاماً آراء مختلفة، فقيل: سُمّي بسام بن نوح؛ لأنّه نزل به واسمه بالسريانيّة شام بشين مُعجمة. وقيل: لأنّ أرضه مُختلفة الألوان بالحمرة والسواد والبياض؛ فسُمّي شاماً لذلك كما يُسمَّى الخال في بدن الإنسان شامة. وقيل: سُمّي شاماً؛ لأنّه عن شمال الكعبة، والشام لغة في الشمال(١) .

وهو قطرٌ تأخذ فيه الفصول الأربعة حُكمها، وتتمّ في قيعانه وجباله أسباب النعيم، معتدل الأهوية، مُتهاطل الأمطار والثلوج، مُمرع التربة، فيه الغابات والمعادن، والحمّامات المعدنية والأنهار الجارية، والبحيرات النافعة والأجواء البهيجة، والرباع المنبسطة والمناظر المدهشة، فيه تنبت الحبوب والبقول، والأشجار على اختلاف أنواعها(٢) .

من خواصّ الشام:

قيل: إنّ من خواصّها الطاءات الثلاث: الطعن، والطاعة، والطاعون.

أمّا الطعن فمشهور أنّ أجنادها شجعان، وأمّا الطاعة فما يُضرب به المثل، حتّى قيل: إنّما تمشّى الأمر لمعاوية لأنّه كان في أطوع جند، وكان عليّعليه‌السلام في أعصى جند وهم أهل العراق، وأمّا الطاعون فكثير الحدوث فيها...(٣) .

____________________

(١) خُطط الشام، محمد كرد علي ١/ ٧.

(٢) خُطط الشام ١/ ١٤.

(٣) دائرة المعارف، المعلم بطرس البستاني ١٠/ ٣٩٥.

١١

ومن الخصائص التي امتازت بها الشام - وما تزال - تعايش أصحاب الديانات والقوميّات المختلفة - كالروم والرومان، والفرس والعرب... - فيه(١) .

الشام مدخل الفاتحين:

جاء الفاتحون الشام بحراً وبرّاً... بل من جهاتها الأربع، فجاءها الفراعنة من البحر والبرّ، والبابليّون والفرس من الشرق والشمال، والإسكندر والصليبيّون والعثمانيّون من الشمال، وغازان وهولاكو وتيمور لنك من الشرق، والعرب الفاتحون من الشرق والجنوب، ونابليون من الجنوب ومن الغرب بحراً و...(٢) .

وخضعت دمشق للآشوريّين إلى سنة ٧٢١ حين استولى البابليّون والفرس عليها، ثمّ جاهر أهلها مع سائر السوريّين بالعصيان على بختنصر...

وفي سنة ٣٣١ ق. م استولى إسكندر ذو القرنين عليها، ثمّ صارت من مملكة السلوقيّين اليونانية إلى زمن استيلاء الرومان عليها سنة ٦٤ق. م.

وفي سنة ٥٩ق. م قُتل فيها كثير من الإسرائيليّين، وفي نحو سنة ٢٠ق. م عاد الإسرائيليّون إليها، وفي نحو سنة ٣٧ للميلاد أتاها بولس، وكان مستولياً عليها وقتئذٍ موقّتاً الحارث الغسّانيّ العربيّ حمو هيرودرس الكبير.. ولما تنصّرت الدولة الرومانية ذاعت النصرانية في دمشق وأمر يثودوسيوس بإبطال عبادة الأصنام.. وفي بُرهة وجيزة تنصّر أهلها جميعاً خلا الإسرائيليّين منهم.

وسنة ٥٤٠ للميلاد فتحها الفرس.. وعادت بعد بُرهة قصيرة إلى المملكة الرومانية، وكان عمّالهم فيها بنو غسان، وسنة ٦٣٣ ميلادية فتحها المسلمون.. واستعمل عليها عمر معاوية بن أبي سفيان، وكانت مدّة إمارته عليها عشرين سنة، وسنة (٤١) بايعه الناس! بالخلافة، فهو مؤسّس الدولة الأُمويّة التي جعلت دمشق قاعدة المماليك الإسلامية، وظلّت كذلك إلى سنة ١٣٢ هجرية..(٣) .

____________________

(١ و٢) خطط الشام ١/ ٢٨.

(٣) دائرة المعارف ٨/ ١٨ (بتلخيص).

١٢

فتح الشام:

كانت الشام من أوّل الأقطار التي فكّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمرها لنشر كلمة التوحيد وبثّ الدعوة إلى الإسلام، وكانت تحت حُكم الرومان منذ سبعة قرون، وملكها صاحب مملكة بيزنطية أو مملكة الروم الشرقية ويُعرف باسم هرقل، وكانت علائق عرب الحجاز في الجاهلية كثيرة جدّاً مع أهل هذا القطر.

بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بدومة الجندل جمعاً كثيراً يريدون أن يدنوا من المدينة، وهي طرف من أفواه الشام، بينها وبين دمشق خمس ليالٍ، وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ستّ عشرة ليلة، فندب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس، واستخلف على المدينة، وخرج في ألف من المسلمين، فكان يسير الليل ويكمن النهار.. إلى أن صالحهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الجزية، وذلك في السنة السادسة من الهجرة، ثمّ أرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله كتاباً إلى هرقل - وهو بالشام - والحارث بن أبي شمر - أمير دمشق - يدعوهما إلى الإسلام.

وفي السنة الثامنة للهجرة، بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سريّة كعب بن عُمير الغفاريّ إلى ذات أطلاح من ناحية الشام، وهي وراء وادي القرى بين تبوك وأذرعات.. وفي هذه السنة استنفر الرسولُ الناسَ إلى الشام، فكانت غزوة ذات السلاسل.. ومن السرايا التي أُرسلت إلى الشام سريّة زيد بن حارثة إلى جذام بحسمى وراء وادي القرى ممّا يلي فلسطين من أرض الشام.. وفيه غزوة مؤتة التي بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جيشاً مؤلّفاً من ثلاثة آلاف مقاتل، بلغوا تخوم البلقاء فلقيتهم جموع هرقل ومعهم العرب المتنصّرة بقرية من قرى البلقاء يُقال لها: مشارف. فانحاز المسلمون إلى قرية يُقال لها: مؤتة. فلقيتهم الروم في جمع عظيم، فاستُشهد من الأُمراء زيد بن حارثة، ثمّ جعفر بن أبي طالب، ثمّ عبد الله بن رواحة..

وفي السنة التاسعة من الهجرة حصلت غزوة تبوك، وكان مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٣

ثلاثون ألفاً، والخيل عشرة آلاف، والجمال اثنا عشر ألفاً.. إلى أن صالح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نجبة بن رؤبة - أسقف أيلة على البحر الأحمر، صالحه - على الجزية، وصالح الرسولُ أهلَ جربا، وأذرح من أرض الشراة، صالح أهل أذرح على مئة دينار، وأهل مقنا - على مقربة من أيلة - على ثلاثمئة دينار، وعلى ربع عروكهم وغزولهم وربع كراعهم.

وفي أواخر أيّام حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جهّز جيشاً إلى الشام، وأمّر عليه أُسامة بن زيد، وقال:( لعن الله مَن تخلّف عن جيش أُسامة... ) (١) .

هذا خلاصة ما جرى في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنسبة إلى اهتمامه الوافر بهذا القُطْر، ولا يخفى أنّ داعي المسألة لم يكن إلاّ إنقاذ البشرية ووضعهم على جادّة الحقيقة، وإيصالهم إلى رحمة الحقّ، وما كان هدف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله توسيع رقعة حكمه جغرافياً، بل كان ذلك أمراً عرضيّاً تابعاً لبسط كلمة التوحيد، والتفاف الناس حول راية الإسلام، وإنّما هدفه هو هداية الناس إلى الله تبارك وتعالى.

بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تغيّرت الموازين تدريجيّاً، وانقلبيت الدواعي والحوافز شيئاً فشيئاً، وغرّت الدُّنيا كثيراً من الناس، وأصبحت الغنيمة والحصول على المناصب الدنيوية، وبسط السلطة والنفوذ من أهمّ الدواعي لفتوح البلدان، وهذه نقطة مهمّة لابدّ أن نلتفت إليها ونُميّز بها غزوات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّا جرى بعده، خاصّة في ظلّ حُكم بني أميّة وبني العبّاس.

يقول صاحب خُطط الشام: وبعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - بعد قتال أبي بكرٍ أهل الرُّدّة - كتب أبو بكر إلى أهل مكّة، والطائف، واليمن، وجميع العرب بنجد والحجاز يستنفرهم للجهاد في الشام، ويُرغّبهم فيه وفي غنائم الروم، فسارعَ الناس إليه بين

____________________

(١) خُطط الشام ١/ ٦٩ - ١٧٦ (بتلخيص).

١٤

مُحتسبٍ وطامعٍ، فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال، وهم: يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص.. وقد شيّع أبو بكر يزيد بن أبي سفيان راجلاً إلى ما بعد ربض المدينة وأوصاه بوصايا.. إلى أن وصل الجيش إلى مشارف الشام، فنزل في أبل وزيزاء والقسطل، وكان جيش الروم من دون زيزاء بثلث، وطلع ماهان قائد الروم وقدم قدّامه الشماسة والرهبان والقسّيسين يحضّون جيش الروم على القتال، وكان هرقل - وهو من عظام القوّاد - أدرك الخطر، ورأى - لما أتاه الخبر بقرب جيش المسلمين - أن لا يُقاتلهم ويُصالحهم، وقال لقومه: فوالله، لأن تُعطوهم نصف ما أخرجت الشام وتأخذوا نصفاً وتقرُّ بكم جبال الروم، خير لكم من أن يغلبوكم على الشام ويُشاركوكم في جبال الروم. فلما رآهم يعصونه ويردّون عليه بعث أخاه تيودورا وأمّر الأُمراء، وأوّل وقعة كانت بين المسلمين والروم بقرية من قرى غزة يُقال لها: دائن. في ١٢هـ، كانت بينهم وبين بِطْريق غزة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهُزم الروم، وتوجّه يزيد بن أبي سفيان في طلب ذلك البطريق.. وانتهى إليه ستّة من قوّاد الروم.. وهُزم الروم، هزمهم المسلمون..

أمّا أبو عبيدة فصالحهم، وخالد بن الوليد حاربهم.. حتّى أن فتح المسلمون جميع أرض حوران وغلبوا عليها سنة ١٣هـ، وأهمّ الوقائع التي انهزم فيها الروم شرّ هزيمة ولحق فلّهم بالشمال وقعة يرموك - واليرموك نهر - فهي الوقعة الفاصلة التي هان (للمسلمين) بها الاستيلاء على القدس ودمشق وما إليها، ثمّ على حمص وحماة وحلب وما إليها من البُلدان.. في حين ما كان خالد يريد الفتح والغلبة، جاءه البريد يُعرّفه بموت أبي بكر وخلافة عمر وتأمير أبي عبيدة على الشام كلّه وعزل خالد، فأخذ الكتاب منه وتركه في كنانته، ووكّل به مَن يمنعه أن يُخبر الناس من الأمر لئلاّ يضعفوا!

وتوفّي أبو بكر قبل فتح اليرموك بعشر ليالٍ، وبعد أن أُصيب الروم بالهزيمة القاطعة على اليرموك، كانت وقعة فحل من الأردن بعد خلافة عمر بن

١٥

الخطّاب بخمسة عشر شهراً، ولما انتصر المسلمون على اليرموك كان هرقل في البيت المقدّس، جاءها للاحتفال بتخليص الصليب الذي استردّه قبل ذلك فصار إلى أنطاكية، واستنفر الروم وأهل الجزيرة، وبعث عليهم رجالاً من خاصّته وثقاته، فلقوا المسلمين بفحل، فقاتلوهم أشدّ قتال حتّى ظهروا (أي ظهر المسلمون) عليهم، وقُتل بِطْريقهم وزهاء عشرة آلاف معه، وتفرّق الباقون من مُدن الشام، ولحق بعضهم بهرقل.. ثمّ نهض المسلمون إلى الروم وهم بفحل فاقتتلوا، فهُزمت الروم ودخل المسلمون فحل في ذي القعدة سنة ١٣هـ.. وافتتح شرحبيل بن حسنة الأردن عنوة ما خلا طبرية، فإنّ أهلها صالحوه.. وفتح عمرو بن العاص غزّة ثمّ سبسطية ونابلس ويبنى وعمودس و... وظلّت القدس وقيسارية مُحاصرتَين، ولم تُفتح القدس إلّا سنة خمس عشرة أي بعد فتح دمشق بسنة...(١) .

فتح دمشق:

فتحها المسلمون في رجب سنة ١٤ للهجرة بعد حصار ومُنازلة، وكان قد نزل على كلّ باب من أبوابها أمير من المسلمين، فصدّهم خالد بن الوليد من الباب الشرقيّ حتّى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وكان كلٌّ منهم على ربع الجيش، فسألوهم الأمان فأمنوهم، وفتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، ودخل خالد من الباب الشرقي بالقهر وملكوهم...(٢) .

____________________

(١) خُطط الشام ١/ ٧٧ - ٨٤ (بتلخيص وتصرّف).

(٢) دائرة المعارف ٨/ ٢.

١٦

بنو أُميّة والشام

جذور العلاقة:

أُميّة هو عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب... وعبد شمس - والد أُميّة - هو أخو هاشم - الجدّ الثاني للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله -، قيل: وُلد هاشم وعبد شمس توأمين، وإنّ أحدهما قُبل الآخر وله إصبع مُلتصقة بجبهة صاحبه، فتنجّبت فسال الدم، فقيل: يكون بينهما دم..

وأوّل منافرة كانت بين أُميّة وعمّه هاشم، أنّ هاشماً لما وليَ بعد أبيه عبد مناف ما كان له من السقاية والرفادة، حسده أُميّة على رئاسته وإطعامه، فتكلّف أن يصنع صنيع هاشم، فعجز فشمَّتت به ناس من قريش، فغضب ونال من هاشم، ودعاه إلى المنافرة، فكره هاشم ذلك لسنِّه وقَدره، فلم تدَعْه قريش حتّى نافره على خمسمئة ناقة والجلاء عن مكّة عشر سنين، فرضي أُميّة، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعيّ ومنزله بعسفان، فقضى لهاشم بالغلبة. وأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها الناس، وغاب أميّة عن مكّة بالشام عشر سنين، فكانت هذه أوّل عداوة بينهما(١) .

لو صحّ هذا النقل، فهذا يعني أنّ هذه المسألة كانت انطلاقاً لأمرين:

الأمر الأوّل: كانت بداية العداوة بين بني أُميّة وبني هاشم، بداعي الحسد، وبعد ظهور الإسلام تغيّرت الدواعي وكثرت، وحصلت آفاق جديدة في البين، وهذا ما سنُبيّنه في الأبحاث الآتية.

الأمر الثاني: بداية علاقة بني أُميّة بالشام، فإنّ الشام بموقعه الخاص، وطبيعته الجميلة، وأنهاره الكثيرة، وتنوّع سُكّانه أصبح موقعاً مُهمّاً للتجارة؛ ولذلك نرى قريشاً - ومنهم أبو سفيان الأُمويّ - أنشأوا الروابط الاقتصادية والتجارية مع الشام.

____________________

(١) دائرة المعارف ٤/ ٤١٩.

١٧

ومن الغريب جدّاً أن نرى بني أُميّة - الطلقاء - يقومون بدور مُهمّ في فتح الشام، ويأخذون بزمام أمرها قبل الفتح، ولم يتركوه حتى غُلبوا على أمرهم.

فأبو سفيان بنفسه يحضر المعركة في مشيخة من قريش، يُحارب تحت راية ابنه يزيد، وكان له ولابنيه يزيد ومعاوية - بل ولجماعة من أُسرته بل للنساء منهنّ - اليد الطولى والكعب المعلّى في فتح الشام!.. ولقد قاتل بعض النساء بالفعل يوم اليرموك، مثل جويرية ابنة أبي سفيان وكانت مع زوجها. وكذلك هند بنت عتبة أمّ معاوية بن أبي سفيان )(١) .

هذا الكلام وإن لم يخلُ من المبالغة؛ بسبب حُبّ المؤلِّف لمعاوية وانحرافه عن الحقّ - كما نلمسه في مطاوي كتابه - بيدَ أنّ دوافع المسألة معلومة إجمالاً، وتتمثَّل في حُبّ بني أُميّة لهذه المنطقة وتعلُّقهم بها، ولا يبعد أن تكون ثمّة خطّة مدروسة بدأوا بتنفيذها شيئاً فشيئاً.

إذنْ؛ حضر المعركة أبو سفيان وابناه وزوجته وبعض بناته وأُسرته، وأصبح يزيد بن أبي سفيان حاكماً على دمشق، بوعدٍ من الخليفة الذي شيّعه راجلاً إلى خارج المدينة، كما مرّ ذكره عن (الخُطط)، وبقي الشام ليزيد بن أبي سفيان، لكنّه لم يطُلْ أمدُ ولايته؛ لأنّه هلك في طاعون عمواس(٢) ، وبعد يأتي دور أخيه معاوية بن أبي سفيان.

معاوية مؤسِّس الحكومة الأُمويّة السوداء:

لما هلك يزيد بن أبي سفيان والي دمشق سنة ١٨ من الهجرة، ولّى عمر بن الخطّاب أخاه معاوية بن أبي سفيان، فلم يزل والياً لعمر حتّى قُتل عمر، ثمّ ولاّه

____________________

(١) خُطط الشام ١/ ٩٣.

(٢) المصدر: ٩٧. وعمواس من الرملة على أربعة أميال ممّا يلي بيت المقدس ومات فيه ٢٥٠٠٠ إنسان.

١٨

عثمان، وأقرَّ عمّال عمر على الشام، فلما مات عبد الرحمان بن علقمة الكناني - وكان على فلسطين - ضمّ عمله إلى معاوية، وكان عمير بن سعيد الأنصاري في سنة ٢١ على دمشق والثنيَّة وحوران وحمص وقنسرين والجزيرة، ومعاوية على الأردن وفلسطين، والسواحل وأنطاكية، ومعرّة ومصرين وقيليقية، ثمّ جعل عمير في سنة ٢٣ على حمص ومعاوية على دمشق.

اجتمع الشام على معاوية لسنتين من إمارة عثمان، أضاف عثمان إليه حمص وحماة وقنسرين والعواصم وفلسطين مع دمشق، ورزقه ألف دينار كلّ شهر(١) .

وهكذا ترسّخ الحُكم الأُموي في الشام، في ظلّ قيادةٍ وتوجّهات جاءت خطواتها تنفيذاً لما قاله أبو سفيان، بعد استقرار خلافة عثمان: ( يا بني أُميّة، تلقّفوها تلقّف الكُرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرنَّ إلى صبيانكم وراثة )(٢) .

يقول صاحب الخُطط: ( وما زال عثمان على شيخوخته مغلوباً لمروان وبني أُميّة، أخذ الناس ينقمون - في الحجاز وغيره - على عثمان لستّ سنين من خلافته، فاجتمع ناس من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكتبوا كتاباً ذكروا فيه عدّة أمور، منها ما كان من هبة خُمس أفريقية لمروان، وما كان من تطاوله في البنيان؛ حتّى عدّوا سبع دور بناها بالمدينة، داراً لنائلة، وداراً لعائشة وغيرهما من أهله وبناته، وبنيان مروان القصور بذي خشب، وعمارة الأموال بها من الخُمس الواجب لله ولرسوله، وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني أُميّة أحداث وغُلمة، لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأمور )(٣) ، إلى أن حصلت فتنة قتل عثمان.

____________________

(١) خُطط الشام ١/ ١٠٠.

(٢) الغدير ٨/ ٢٧٨.

(٣) خُطط الشام ١/ ١٠٣.

١٩

يقول محمّد فريد وجدي: ( لما قُتل الخليفة الثالث عثمان بن عفّان، وتولَّى الخلافة عليُّ بن أبي طالب وهو من قريش، حدث شِقاق بين الأُسرتين الأُمويّة والقرشية، وتداعى الناس إلى العصبية الجاهلية، وكان في مقدّمة النافخين في نار هذه الفتنة معاوية بن أبي سفيان الأُمويّ والي الشام، فقام يُطالب بدم عثمان مُتّهماً عليّ بن أبي طالب بالإغراء على قتله، ولما كانت ولايته للشام منذ عشرين سنة، وأهل الشام لا يدرون من أمر الخلافة إلاّ ما كان يُريد لهم، التفّت حوله جموع منهم أكثرهم من شذّاذ القبائل العربية وأصحاب المطامع الذاتية، فشقّ عصا الطاعة لعليّ وادّعى لنفسه الخلافة... )(١) .

لقد استفاد معاوية من جهل الناس أقصى ما يمكن، مستنداً إلى مكره وشيطنته، ولقد كان أهل الشام قريبي العهد بالإسلام، ما عرفوه إلاّ من خلال حُكم الخلفاء وإمارة أمرائهم، وما وجدوه إلاّ مجسّداً في شخص معاوية المتستّر بالدين، فهو يؤمّهم بالصلاة وهم يقتدون به، يخطبهم في الجُمع، ويترأسهم باسم الخلافة الإسلامية، ويُدير شؤونهم في الحرب والسِّلْم.

وانتهز معاوية الفرصة في فتنة قتل عثمان.

ومع أنّه كان منصوباً من قِبله على الشام، وأميراً من أُمرائه لم يُلبِّ دعوته لنُصرته حين كتب عثمان إليه: إنّ أهل المدينة قد كفروا! وخلعوا الطاعة ونكثوا البيعة؛ فابعث إليّ من قِبَلك من مُقاتلة أهل الشام على كلّ صعب وذلول.

ولقد أخطأ صاحب الخُطط؛ إذ زعم أنّ معاوية تربّص به وكره إظهار مُخالفة أصحاب رسول الله وقد علم اجتماعهم، فأبطأ أمره على عثمان حتّى قُتل(٢) .

وإنّما أراد معاوية أن يُبدّل الإمارة بالخلافة.

____________________

(١) دائرة معارف القرن العشرين، محمّد فريد وجدي ١/ ٦٢٢.

(٢) خُطط الشام ١/ ١٠٣.

٢٠