مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 249049 / تحميل: 9557
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وروى سبط ابن الجوزي، عن الواقدي، عن ربيعة بن عمر قال: ( كنت جالساً عند يزيد بن معاوية في بهوٍ له، إذ قيل: (هذا زحر بن قيس بالباب ). فاستوى جالساً مذعوراً، وأذِن له في الحال، فدخل فقال: ما وراءك؟... ).

إلى أن قال: (... في سبعين راكباً من أهل بيته وشيعته... فأبوا واختاروا القتال... وهم صرعى في الفلاة... )(١) .

تأمُّل ومُلاحظات:

مع مُلاحظة تلك النصوص نصل إلى الحقائق التالية:

الأوّل: خوف يزيد، كما روى سبط ابن الجوزي في الفقرة أعلاه.

الثاني: صلابة الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه الأوفياء، وعظمتهم وعِزّة أنفسهم وقدرتهم الفائقة؛ حيث إنّ الجميع - بما فيهم ابن سعد وابن عبد ربّه وابن أعثم والطبري وابن الجوزي وسبطه وابن الأثير وابن نما وابن كثير والباعوني وغيرهم - اعترفوا بأنّ الإمام وصحبه رفضوا الاستسلام وأبوا إلاّ القتال(٢) .

الثالث: اعتراف العدوّ بقساوة أفعاله وفظاعة جريمته.

الرابع: عجز العدوّ عن مقابلة الواقع والتجاؤه إلى الكذب، حيث يقول: ( وجعلوا يهربون إلى غير وزر ويلوذون منّا بالآكام والحفر... ).

بينما الواقع الثابت على عكس ذلك، والدليل عليه ( تصديق أميرهم عمر بن سعد لكلام عمرو بن الحجّاج، حينما رأى عدم قدرتهم لمبارزتهم فصاح بالناس: ( يا حمقى، أتدرون مَنْ تُقاتلون؟! تُقاتلون فرسان أهل المصر! وتُقاتلون قوماً

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٠.

(٢) مرّ ذكر المصادر مع أرقام الأجزاء والصفحات آنفاً.

١٠١

مُستميتين! لا يبرز إليهم منكم أحد! فإنّهم قليل وقلّما يبقون، والله، لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم )، فقال عمر بن سعد: ( صدقت، الرأي ما رأيت! )، فأرسل في الناس مَن يعزم عليهم ألاّ يُبارز رجل منكم رجلاً منهم )(١) .

ويكفي لقطع نباح هذا الشقي وأمثاله المراجعة إلى ما تجلّى في يوم عاشوراء، من تسابق الحسين وأصحابهعليهم‌السلام في الرواح إلى الله تعالى، برواية الموثوقين من المؤرِّخين، وكذا يكفي ما أبداه بعض الحاضرين في كربلاء من أشقّاء هذا الرجس (زحر بن قيس)، حيث اعتذر عن قتاله وقتله لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما رواه عنه ابن أبي الحديد قال: ( ثارت علينا عصابة، أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية... تُلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها! )(٢) .

ردّ فعل يزيد:

ذكر المؤرِّخون، أنّ يزيد بعدما سمع كلام زحر بن قيس تكلّم بكلمات تدلّ - بنظرنا - على كذبه ونفاقه(٣) .

فمن ذلك ما ذكره ابن سعد أنّه دمعت عينا يزيد! وقال: ( كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين )! ثمّ تمثّل:

مَن يذق الحرب يجد طعمها

مرّاً وتتركه بجعجاع(٤)

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١٠٣.

(٢) شرح نهج البلاغة ٣/ ٣٠٧/ ٢٦٢.

(٣) راجع ما ذكرنا في عنواني (قتله الحسين) و(كذبه)، في المدخل - شخصية يزيد.

(٤) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨١.

١٠٢

ومنه: ما رواه ابن أعثم أنّه ( أطرق يزيد ساعة، ثمّ رفع رأسه فقال: يا هذا، لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين بن علي، أما والله، لو صار إليّ لعفوت عنه، ولكن قبّح الله ابن مرجانة.

قال: وكان عبد الله بن الحَكم - أخو مروان بن الحَكم - قاعداً عند يزيد بن معاوية، فجعل يقول شعراً، فقال يزيد: نعم، لعن الله ابن مرجانة؛ إذ أقدم على قتل الحسين بن فاطمة، أما والله، لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلاّ أعطيته إيّاها، ولدفعت عنه الحتف بكلّ ما استطعت، ولو كان بهلاك بعض ولْدي، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فلم يكن له منه مردّ )(١) .

وأظنّ(٢) أنّ وضع المجلس أدّى بيزيد لاتّخاذ هذا الموقف - كذباً ونفاقاً - ولعلّ هذا أوّل موقف أبرز فيه تراجعه وأظهر ندامته.

وروى نحوه ابن عبد ربّه من أنّ يزيد قال: ( لعن الله ابن سميّة، أما والله، لو كنت صاحبه لتركته، رحم الله أبا عبد الله وغفر له! )(٣) .

وقريب منه ما في الأخبار الطوال، وفيه أنّه تمثّل بعد ذلك:

نُفلِّق هاماً من رجال أعزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(٤)

وقد ذكرنا الشواهد المتقنة والكافية لإثبات أنّ يزيد هو الآمر بقتل الحسينعليه‌السلام والراضي بقتله، وأنّه هو الأصل في ذلك، وأنّ ما أظهره من الندامة يرجع إلى كذبه وخوفه على زوال مُلكه، وتمشّياً مع الوضع العام واستنكار الناس

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٠؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٦.

(٢) مُضافاً إلى ما ذكرناه في المدخل - عن يزيد.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣٠ ونحوه في المنتظم ٥/ ٣٤١.

(٤) الأخبار الطوال: ٢٦٠.

١٠٣

لذلك - بعدما كُشف عن القضية شيئاً فشيئاً - والدليل على ذلك أنّه لم يُعاقِب ابن زياد على ما فعله ولم يعزله عن الإمارة، بل شكر له واستدعاه وشرب معه الخمر كما مرّ ذكره(١) .

وممّا يدلّ على ذلك ما رواه الحافظ البدخشاني، قال: ( ولما قدموا دمشق ودخلوا على يزيد رموا برأس الحسين (رضي الله عنه) بين يديه، فاستبشر الشقيّ بقتله، وجعل ينكت رأسه بالخيزران... )(٢) .

إزاحة وهْم:

قيل: ( إنّ زحر بن قيس الجعفي شهد صِفِّين مع عليّعليه‌السلام وقدّمه على أربعمئة من أهل العراق، وبقي بعده مؤمّراً، وأمّره الحسنعليه‌السلام بأخذ البيعة له، وهو مع ذلك وثّقه الإمام أحمد بن حنبل وأحمد بن عبد الله العجلي؛ ومعه لابدّ أن يكون غيره - وليس هو - الذي أتى برأس الحسين ( عليه السلام ) )(٣) .

الجواب: إنّ الرأي الغالب بين أصحاب السير والتراجم، أنّ الذي أتى بالرأس الشريف هو زحر بن قيس الجعفي(٤) ، وإن قيل: غيره. مثل ما نقله ابن نما، بكونه زحر بن قيس المذحجي(٥) ، وما قيل: بأنّه كان شمر بن ذي الجوشن(٦) .

والظاهر أنّ ما

____________________

(١) في ص٥٩ من هذا الكتاب.

(٢) نُزل الأبرار: ١٥٩.

(٣) اُنظُر بُغية الطلب ٨/ ٣٧٨٤.

(٤) اُنظُر الطبقات (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ): ٨١؛ الفتوح ٢/ ١٨٠؛ العقد الفريد ٥/ ١٣٠؛ تذكرة الخواص: ٢٦٠؛ جواهر المطالب؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥.

(٥) مُثير الأحزان: ٩٨.

(٦) الأخبار الطوال: ٢٦٠.

١٠٤

قيل: بأنّه زفر بن قيس(١) ، أو زجر بن قيس(٢) فإنّه تصحيف، ومردّ الجميع إلى شخص واحد.

نعم، هناك احتمال وجود فرد آخر وهو مُحفَّز بن ثعلبة العائذي(٣) ، والظاهر أنّه كان مع أُسارى أهل البيت حينما دخل على يزيد، وهناك خلط في النقل، فبعضهم يذكرون أنّه أتى بالرأس الشريف(٤) ، وبعضهم يقول: إنّه أتى بالرأس الشريف وأهل بيته(٥) ، وبعضهم يذكر أنّه أتى مع أهل بيت الحسين(٦) ، وهو المختار.

وكيفما كان، فالمشهور أنّ الذي أتى بالرأس الشريف إلى يزيد هو زحر بن قيس لعنه الله.

وأمّا ما قيل: بأنّه كان من أصحاب عليّ و... فإنّه ليس أوّل قارورة كُسِرت، فغير واحدٍ من أصحاب عليّعليه‌السلام انقلبوا إلى الجاهلية السوداء، ألم يكن شمر من أصحاب عليّعليه‌السلام في صِفِّين؟! ألم يُجرح في تلك الحرب؟!(٧) ألم يكن شبث بن ربعي من أصحاب عليّ والحسينعليهما‌السلام ؛ حتّى إنّه قال: ( قاتلنا مع عليّ بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثمّ عدونا على ولَده وهو خير أهل الأرض نُقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية )(٨) ، ولكنّ المهمّ حُسن العاقبة.

وأمّا توثيق الإمام حنبل والعجلي، فلا نُرتِّب عليه أثراً.

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤١.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٠.

(٣) الطبقات (ترجمة الإمام الحسين): ٨٢؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥.

(٤) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ الطبقات: ٨٢؛ تاريخ الإسلام (حوادث ٦١ - ٨٠)؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

(٥) تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤.

(٦) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٧) وقعة صِفّين: ٢٦٧.

(٨) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرَّم: ٢٤٢.

١٠٥

القاتل يطلب الجائزة!

قال أبو الفرج الأصفهاني: ( وحمل (ابن زياد) أهله (الحسينعليه‌السلام ) أسرى، وفيهم عمر وزيد والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكان الحسن بن الحسن بن علي قد ارتُثّ جريحاً فحُمل معهم، وعلي بن الحسين الذي أُمّه أُمّ ولد، وزينب العقيلة، وأُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وسكينة بنت الحسين، لما أُدخلوا على يزيد - لعنه الله - أقبل قاتل الحسين بن علي يقول:

أوقِـرْ ركـابي فِضَّة أو ذهبا

فـقد قـتلت الـملك المحجَّبا

قـتلت خـير الناس أُمّاً وأبا

وخيرهم إذ يُنسبون نَسبا )(١)

وفي مقتل الخوارزمي، بإسناده عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيهعليهم‌السلام : ( ثمّ وضع الرأس في حقّة وأُدخل على يزيد، فدخلت معهم، وكان يزيد جالساً على السرير، وعلى رأسه تاج مُكلَّل بالدُّرّ والياقوت، وحوله كثير من مشايخ قريش، فدخل صاحب الرأس ودنا منه، وقال:

أوقِرْ ركابي فضّةً أو ذهبا

فـقد قتلتُ السيِّدَ المحجّبا

قتلت أَزكَى الناسِ أُمّاً وأبا

وخيرهم إذ يذكرون النَّسَبا

فقال له يزيد: إذا علمت أنّه خير الناس لِمَ قتلته؟!

قال: رجوت الجائزة!

فأمر بضرب عنقه، فحُزّ رأسه... )(٢) .

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ١١٩، وانظر: الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٦.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨١؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٨. وفي ينابيع المودّة (٣/ ٩١): فقال له يزيد: إذا علمت أنّه خير الناس أُمّاً وأبا فلِمَ قتلته؟! اُخْرُج من بين يدي، فلا جائزة لك.

فخرج هارباً خائباً من الجائزة، وخاسراً في عاجل الدُّنيا وآجل الآخرة.

١٠٦

مجلس يزيد:

لقد غمرت الأفراح والمسرّات يزيد، وسُرَّ سروراً بالغاً، وأمر بترتيب مجلس فخم حاشد من الأشراف والأعيان والشخصيات.

قال ابن الجوزي: ( ثمّ جلس يزيد ودعا أشراف أهل الشام، وأجلسهم حوله، ثمّ أدخلهم - أي الأسرى من آل البيتعليهم‌السلام - عليه )(١) .

إنّ التاريخ لم يُزوّدنا بأسماء كلّ مَن حضر ذلك المجلس المشؤوم، لكنّا نعلم أنّه كان حاشداً بالأشراف والأعيان والشخصيات، مثل بعض الصحابة والتابعين! كأبي بُرزة الأسلمي(٢) ، وزيد بن الأرقم(٣) ، وقيل: سمرة بن جندب(٤) ، وبعض الأنصار(٥) ، وبعض ناصري بني أُميّة منهم النعمان بن بشير(٦) ، والكبار من الشجرة الملعونة في القرآن، مثل يحيى بن الحَكم(٧) ، وعبد الله بن الحَكم(٨) ، وعبد الرحمان بن الحَكم(٩) ،

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤١.

(٢) تاريخ الطبري ٤/ ٢٩٣؛ المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٩؛ تذكرة الخواص: ٢٦١؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤ و١٩٩؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ البدء والتاريخ ٦/ ١٢؛ الملهوف: ٢١٤؛ مُثير الأحزان: ١٠٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢؛ الفتوح ٢/ ١٨١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧.

(٣) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٧.

(٤) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢/ ٦٤ (ط دار أنوار الهُدى).

(٥) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٢، عبرات المصطفين ٢/ ٣٢١.

(٦) الجوهرة ٢/ ٢١٩ على ما في عبرات المصطفين.

(٧) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٩؛ المناقب ٤/ ١١٤.

(٨) الفتوح ٢/ ١٨٠.

(٩) أنساب الأشراف ٣/ ٤٢١؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٠ عن المناقب.

١٠٧

وكذا رجال السلطة الحاكمة، وبعض نساء بني أُميّة مثل (ريّا) حاضنة يزيد(١) ، والتحقت بها زوجة يزيد هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز(٢) .

ومن أهل الكوفة الذين أتوا مع أُسارى آل البيتعليهم‌السلام إلى الشام: زحر بن قيس(٣) ، وشمر بن ذي الجوشن(٤) ، ومُخفّر بن ثعلبة(٥) ، وعمر بن سعد(٦) ، ومحقن بن ثعلبة(٧) ، وأبو بُردة بن عوف الأزدي، و(طارق بن أبي ظبيان الأزدي، وجماعة من أهل الكوفة)(٨) ، وغيرهم مثل ربيعة بن عمر(٩) ، والعذري بن ربيعة بن عمرو الجرشي(١٠) ، وعبد الله بن ربيعة الحميري(١١) ، والغار بن ربيعة الجرشي(١٢) ، وروح بن زنباع(١٣) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٥؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٦.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٣؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٢.

(٣) الأخبار الطوال: ٢٦٠؛ الفتوح ٢/ ١٨٠، الإرشاد ٢/ ١١٩؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ إعلام الورى: ٢٤٨..

(٤) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ الأخبار الطوال: ٢٦٠؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ إعلام الورى: ٢٤٨..

(٥) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ الفتوح ٤/ ١٨٠؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨ (وفي الأخيرين محفر بدل مخفر)..

(٦) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٥ (وفيه عمرو بدل عمر).

(٧) الأخبار الطوال: ٢٦٠ (والظاهر اتّحاده مع مخفر وأنّه تصحيف).

(٨) الإرشاد ٢/ ١١٨؛ تاريخ الطبري ٤/ ٢٥١؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٣.

(٩) تذكرة الخواص: ٢٦٠.

(١٠) مُثير الأحزان: ٩٨.

(١١) الإرشاد ٢/ ١١٨.

(١٢) العقد الفريد ٥/ ١٣٠.

(١٣) جوهر المطالب ٢/ ٢٧٠، ولكنّ الظاهر أنّه راوي الخبر عن الغار بن ربيعة الجرشي، كما هو كذلك في العقد الفريد، فهناك سقط في السند.

١٠٨

ومن جانب آخر، نرى بعض مُمثّلي كبار الدولة آنذاك وكبار أهل الكتاب، مثل سفير الروم(١) ورأس الجالوت(٢) .

فتحصّل أنّه كان مجلساً في غاية الأهمّية سياسياً واجتماعياً، داخلياً وخارجياً؛ ومن هنا أراد يزيد أن يُظهر نفسه بأنّه هو الغالب على عدوّه! وقد انتهى كلّ شيء(٣) .

قال المزّي: ( فلما قدموا (الأُسارى من آل البيت) عليه (يزيد) جمع مَن كان بحضرته من أهل الشام، ثمّ أُدخلوا عليه، فهنّأوه بالفتح! )(٤) .

مجلس أم مجالس؟

هل كان مجلس يزيد - الذي أُحضر فيه الرأس الشريف وأُسارى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله - مجلساً واحداً أم مجالس مُتعدّدة؟ يظهر من بعض السير الثاني.

روى الخوارزمي، بإسناده عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال:( لما أُتي برأس الحسين عليه‌السلام إلى يزيد، كان يتّخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرب عليه ) (٥) .

وقال ابن نما: ( وكان يزيد يتّخذ مجالس الشرب واللهو والقيان والطرب، ويُحضِر رأس الحسين بين يديه )(٦) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٣.

(٢) الكامل في التاريخ: ٤/ ٩٠.

(٣) غافلاً أنّ المسيرة سيُكتب لها الظفر، وأنّ المعادلة ستنقلب ضدّه، وأنّ مجلسه سيصير قاعدة إعلام ظفر الحسينعليه‌السلام وبلوغ حركته إلى أهدافها المقدّسة.

(٤) تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٩.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢؛ وعنه الملهوف: ٢٢٠.

(٦) مُثير الأحزان: ١٠٣.

١٠٩

قالوا: ( وحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم )(١) ، وظاهر هذا النقل حصول التَّكرّر، وهو ليس ببعيد؛ لأنّ اللعين كان يُحضِر الرأس الشريف ويشرب الشراب كما روي.

فتحصّل؛ أنّ المجالس تكرّرت، سواء قبل ورود أهل البيت أم بعده، ولكن كان ذلك ضمن مجالس خاصّة، والظاهر أنّ المجلس الذي جرت فيه الأمور الآتي ذكرها، الحاشد بالأعيان والأشراف (بل الأرجاس) من الناس لم يكن إلاّ مجلساً واحداً، وهو المجلس العام الذي سوف نذكر تفاصيل ما جرى فيه.

كيفيّة دخول أُسارى آل البيتعليهم‌السلام :

قال الشيخ المفيد والطبرسي: (ولم يكن عليّ بن الحسينعليه‌السلام يُكلِّم أحداً من القوم في الطريق كلمة حتّى بلغوا - أي الشام -، فلما انتهوا إلى باب يزيد، رفع مجفر بن ثعلبة صوته فقال: هذا مجفر بن ثعلبة، أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة، فأجابه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( ما ولدت أُمّ مجفر أشرّ وألأم ) (٢) .

ونُسِبَت هذه الإجابة إلى يزيد - وهو الأنسب -(٣) .

فمن الذين نسبوا هذه الإجابة إلى يزيد: البلاذريّ(٤) ، وابن سعد(٥) ، والطبري(٦) ،

____________________

(١) الملهوف: ٢٢١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢، ولكن في مُثير الأحزان (ص١٠٣): فحضر مجلسه...

(٢) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨ (وفيه محفر).

(٣) لأنّه قد يرد عليه، أنّ الردّ يتضمّن الإقرار بنسبة اللؤم والفجور إلى أهل البيتعليهم‌السلام - والعياذ بالله - ويقرّر أنّ مخفراً أكثر لؤماً وفجوراً!! وهذا بعيد الصدور من الإمامعليه‌السلام وهو من سادة الفصاحة.

غير أنّ الردّ يتناسب مع نفسية يزيد، الذي يرى أهل البيت أعداء له، ولكنّه لا يُفضّل مخفراً - هذا النكرة - عليهم، إلاّ أن يكون هناك محذوف، مثلاً: أشرّ الناس وألأم.

(٤) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦ (وفيه مخفر بن ثعلبة).

(٥) الطبقات ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ): ٨٢.

(٦) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢ (وفيه محفز).

١١٠

وابن نما(١) ، وابن الأثير(٢) ، وابن كثير(٣) ، والذهبي(٤) ، والخوارزمي(٥) . بتفاوت يسير بينهم.

قال البلاذري: ( ثمّ سرّح (عبيد الله) بهم (الأُسارى) مع مُحفّز بن ثعلبة من عائذة قريش، وشمر بن ذي الجوشن. وقوم يقولون: بعث مع محفز برأس الحسين أيضاً، فلما وقفوا بباب يزيد رفع مُحفّز صوته فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مُحفّز بن ثعلبة أتاك باللئام الفجرة!

فقال يزيد: ما تحفّزت عنه أمّ مُحفّز ألأم وأفجر )(٦) .

أقول: ويل لمن كفّره نمرود!

وقال الطبري وابن الأثير: ( فدعا عبيد الله بن زياد مُحفِّز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن فقال: انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فخرجوا حتّى قدموا على يزيد، فقام مُحفّز بن ثعلبة فنادى - بأعلى صوته -: جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم!

فقال يزيد: ما ولدت أمّ مُحفّز ألأم وأحمق، ولكنّه قاطع ظالم )(٧) .

وقال ابن سعد: ( وقدم برأس الحسين مخفر بن ثعلبة العائذي - عائذة قريش - على يزيد، فقال: أتيتك - يا أمير المؤمنين - برأس أحمق الناس وألأمهم!

فقال يزيد: ما ولدت أمّ مخفر أحمق وألأم، لكنّ الرجل لم يقرأ كتاب الله:( ... تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء... ) (آل عمران: ٢٦)(٨) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٨ - عن تاريخ دمشق - وعنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٩ (وفيه مخفر).

(٢) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٩٦ وفيه محقر بن ثعلبة العائذي.

(٤) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات ٦١ - ٨٠).

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨، وفيه ( ما ولدت أمّ محفز أكفر وألأم وأذمّ ).

(٦) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٧) تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤.

(٨) الطبقات: ٨٢؛ وعنه سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير، حوادث (٦١ - ٨٠).

١١١

وروى الخوارزمي، بإسناده عن مجاهد ( أنّ يزيد حين أُتي برأس الحسين بن علي ورؤوس أهل بيته قال ابن مُحفّز: يا أمير المؤمنين، جئناك برؤوس هؤلاء الكفرة اللئام!

فقال يزيد: ما ولدت أمّ مُحفّز أكفر وألأم وأذمّ )(١) .

وأظنّ أنّ الرأس أُدخِل ثانياً مع مُحفّز في مجلس يزيد؛ لأنّه أُدخِل مع زحر بن قيس في المرّة الأُولى كما ذكرناه - وكان ذاك مجلسه الخاصّ - وفي المرّة الثانية أُدخل في مجلسه العام مع هذا الرجس الخبيث.

وأمّا كيفيّة الورود، فلقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:( لما أُدخل رأس الحسين بن عليّ عليهما‌السلام على يزيد لعنه الله، وأُدخل عليه عليّ بن الحسين وبنات أمير المؤمنين عليه‌السلام كان عليّ بن الحسين مُقيّداً مغلولاً ) (٢) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام :( قُدِم بنا على يزيد بن معاوية لعنه الله، بعدما قُتِل الحسين ونحن اثنا عشر غلاماً، ليس منّا أحد إلاّ مجموعة يداه إلى عنقه، وفينا عليّ بن الحسين... ) (٣) .

وفي مقتل الخوارزمي: ( ثمّ أُتي بهم حتّى أُدخلوا على يزيد، قيل: إنّ أوّل مَن دخل شمر بن ذي الجوشن بعليّ بن الحسين مغلولة يداه إلى عنقه، فقال له يزيد: مَن أنت يا غلام؟

قال:( أنا عليّ بن الحسين )، فأمر برفع الغِلّ عنه )(٤) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

(٢) تفسير القمّي ٢/ ٣٥٢ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٨.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٧ ح١١٧٢. ونحوه عن الإمام زين العابدين في مُثير الأحزان: ٩٨؛ العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ الإمامة والسياسة ٢/ ٨؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧٢ و٢٧٨، إلاّ أنّ فيها محمّد بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والظاهر سقوط كلمة (عليّ) والصحيح: محمّد بن عليّ بن حسين الذي ينطبق على الإمام الباقرعليه‌السلام ؛ إذ لا نعرف ولداً بقي للإمامعليه‌السلام غير الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

(٤) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢.

١١٢

قال السيّد ابن طاووس: ( قال الراوي: ثمّ أُدخل ثقل الحسينعليه‌السلام ونساؤه ومَن تخلّف من أهله على يزيد، وهم مُقرَّنون في الحبال)(١) .

وقال سبط ابن الجوزي: ( وكان عليّ بن الحسين والنساء موثّقين في الحبال )(٢) .

وعنه: ( ولما أُتي يزيد بثقل الحسين (رضي الله عنه) ومَن بقي من أهله فأُدخلوا عليه وقد قُرنوا بالحبال فوقفوا بين يديه )(٣) .

وقال الشبلنجي: (ثمّ أمر بعلي زين العابدين فدخل عليه مغلولاً )(٤) .

رأس الحسينعليه‌السلام في ملجس يزيد!

روى ابن شهر آشوب، عن أبي مخنف قال: (لما دُخِل بالرأس على يزيد كان للرأس طيب قد فاح على كلّ طيب )(٥) .

وعن مرآة الزمان: (لما وضِع الرأس بين يدي يزيد كان بالخضراء(٦) ، فتَهْتَه (فقهقه خ ل) حتّى سمعه مَن كان بالمسجد، ولما سمع صوت النوائح عليه أنشد:

يا صيحة تُحمَد من صوائح

ما أهوَن الموت على النوائح

ويُقال: إنّه كبّر تكبيرة عظيمة! )(٧) .

قال ابن الأثير: ( ثمّ أُدخل نساء الحسين عليه (يزيد) فجعلت فاطمة وسكينة

____________________

(١) الملهوف: ٢١٣.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

(٣) مرآة الزمان: ١٠٠ - مخطوط - على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨.

(٤) نور الأبصار: ١٣٢.

(٥) المناقب ٤/ ٦١.

(٦) الظاهر أنّه قصر الخضراء الواقع قرب المسجد الأُموي حاليّاً.

(٧) عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٤.

١١٣

ابنتا الحسين تتطاولان؛ لتنظرا إلى الرأس، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس! فلما رأين الرأس صحن، فصاح نساء يزيد وولول بنات معاوية )(١) .

وقال السيّد ابن طاووس: ( ثمّ وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه وأجلس النساء خلفه؛ لئلا ينظرن إليه )(٢) .

يزيد ينكت ثنايا الحسينعليه‌السلام !

إنّ هذا الفعل الفضيع ممّا تواتر نقله؛ حتى عُدّ من مُسلّمات التاريخ، وافتضح به فاعله يزيد.

قال أحمد بن أبي طاهر (م٢٨٠): ( لما كان من أمر أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام الذي كان، وانصرف عمر بن سعد - لعنه الله - بالنسوة والبقيّة من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ووجّههنّ إلى ابن زياد لعنه الله، فوجّههنّ هذا إلى يزيد - لعنه الله وغضب عليه - فلما مثلوا بين يديه أمر برأس الحسينعليه‌السلام ، فأُبرز في طست، فجعل ينكت ثناياه بقضيب في يده... )(٣) .

وقال اليعقوبي: ( ووضِع الرأس بين يدي يزيد، فجعل يقرع ثناياه بالقصب )(٤) .

روى ابن الجوزي، عن سالم بن أبي حفصة قال: ( قال الحسن البصري: ( جعل يزيد بن معاوية يطعن بالقضيب موضع في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وا ذلاّه! )(٥) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥.

(٢) الملهوف: ٢١٣، وفيه (فرآه علي بن الحسينعليه‌السلام ، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢، ونحوه في مُثير الأحزان: ٩٩ بتفاوت يسير جدّاً.

(٣) بلاغات النساء: ٢٠.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤٥.

(٥) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧.

١١٤

وقال السيّد ابن طاوس وابن نما: (ثمّ دعا يزيد بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الحسينعليه‌السلام )(١) .

وعن مرآة الزمان: ( قال العامري بن ربيعة: جمع يزيد أهل الشام، ووضع الرأس في طشت، وجعل ينكت عليه بالخيزرانة )(٢) .

روى ابن كثير، عن ابن أبي الدُّنيا، بإسناده عن الحسن قال: ( لما جيء برأس الحسين، جعل يزيد يطعنه بالقضيب )(٣) .

وقال مُطهّر بن طاهر المقدسي: ( ووضع رأسه بين يديه، وجعل ينكث بالقضيب في وجهه )(٤) .

ونقل ذلك كثير من المؤرّخين، مثل الباعوني(٥) ، والشبراوي(٦) وغيرهما، نكتفي بما أوردناه. كما وثّقه الشعراء بقصائدهم؛ أنشد الصاحب بن عبّاد:

يقرع بالعود ثنايا لها

كان النبي المصطفى لاثما(٧)

وقال الجواليقي:

اخـتال بالكبر على ربّه

يـقرع بـالعود ثـناياه

بحيث قد كان نبيّ الهُدى

يـلثم في قُبلته فاه(٨)

____________________

(١) اللهوف: ٢١٤؛ مُثير الأحزان: ١٠٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢.

(٢) نقلناه من عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٩٤.

(٤) البدء والتاريخ ٦/ ١٢.

(٥) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٣.

(٦) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٩.

(٧) المناقب ٤/ ١١٤.

١١٥

ولقد أظهر يزيد بفعله الفضيع ما في قلبه من الكفر والحقد، يفعل ذلك في حقّ مَن قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأنه:( حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط ) (١) . وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ) (٢) .

ولنِعْمَ ما قال ابن الجوزي على ما ذكره سبطه في التذكرة، قال: ( قال جدّي: ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل إليه، ولم يضربه بالقضيب، وكفّنه ودفنه، وأحسن إلى آل رسول الله )(٣) .

وبذلك يظهر ضلالة مَن يدّعي أنّ يزيد ما كان راضياً بقتل الحسينعليه‌السلام وأنّه اغتمّ لذلك! إذ لو صحّ ذلك فلماذا ارتكب هذا الفعل الفضيع؟

نقل الباعوني، عن الشيخ العالم أبي الوفاء ابن عقيل أنّه قال: ( ثمّ قتلوا ابنه (أي ابن الإمام عليّ) الحسينَ بن فاطمة الزهراء، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين بعد أن منعوهم الماء، هذا والعهد بنبيّهم قريب، وهم القرن الذي رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبِّل فمه وترشفه (يرشف ثناياه)، فنكتوا على فمه وثناياه بالقضيب! تذكّروا - والله - أحقاد يوم بدر وما كان فيه. وأين هذا من مطمع الشيطان وغاية أمله بتبتيك آذان الأنعام؟!

هذا مع قرب العهد وسماع كلام ربّ الأرباب:( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ستروا - والله - عقائدهم في عصره مخافة السيف، فلما صار الأمر إليهم كشفوا قناع البغي والحيف )(٤) .

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ٣/ ٢١٣، الفصل السابع ح٨ ط دار أنوار الهُدى، وغيره.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ٧/ ١١٨، كنز العمّال ١٣/ ٦٦١.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٤) جواهر المطالب ٢/ ٣١٣.

١١٦

أ) ما قاله يزيد عند نكته ثنايا الحسينعليه‌السلام !

قال البلاذري: (وحدّثني ابن برد الأنطاكي الفقيه، عن أبيه قال:... وقال يزيد حين رأى وجه الحسين: ما رأيت وجهاً قطّ أحسن منه!

فقيل له: إنّه كان يُشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فسكت )(١) .

وروى ابن سعد، بإسناده عن يزيد بن أبي زياد قال: ( لما أُتي يزيد بن معاوية برأس الحسين بن علي، جعل ينكت بمخصرة معه سنّه، ويقول: ما كنت أظنّ أبا عبد الله يبلغ هذا السنّ!

قال: وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود )(٢) .

وقال محمّد بن حبان: ( فلما وضِع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية، جعل ينقر ثنيّته بقضيب كان في يده ويقول: ما أحسن ثناياه )(٣) .

وعن التلمساني أنّه قال: ( وأُتي يزيد برأس الحسينعليه‌السلام ، فلما وضِع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده ويقول: كان أبو عبد الله صبيحاً )(٤) .

ب) ما أنشده يزيد!

لقد تمثّل يزيد ببيت شعر للحصين بن الحمام المرّي(٥) وهو:

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٢) الطبقات الكبرى ٨٢، ح٢٩٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٢٠؛ تاريخ الإسلام (للذهبي): ١٩.

(٣) كتاب الثقات ٢/ ٣١٣.

(٤) عبرات المصطفين ٢/ ٣١٠ عن كتاب الجوهرة ٢/ ٢١٩ط الرياض.

(٥) الحصين بن الحمام، هو شاعر جاهلي، وقصيدته تشتمل ٤٢ بيتاً، وقد تمثّل يزيد - لعنه الله - بالبيت السادس منها، أُنظر الأغاني ١٤/ ١٠، شرح اختيارات المفضل للخطيب التبريزي ١/ ٣٢٥.

١١٧

نُفلِّق هاماً من رجال أعِزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(١)

وفي بعض الكتب أنّه قال:

يُفلِّقنَ هاماً من رجال أعِزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(٢)

وأمّا زمان إنشاده، فقد ذكروا أنّه كان حينما كشف عن ثنايا سيّد الشهداء وتناوله بقضيب(٣) .

وذكر بعضهم أنّه قالها حينما وُضِع الرأس الشريف بين يديه(٤) .

____________________

(١) أُنظر مقاتل الطالبيين: ١١٩؛ المعجم الكبير (للطبراني) ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦؛ تجارب الأُمم ٢/ ٧٤؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ المناقب ٤/ ١١٤؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧؛ كفاية الطالب: ٤٣٢، إعلام الورى: ٢٤٨؛ مرآة الزمان (مخطوط): ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨.

(٢) أُسد الغابة ٥/ ٣٨١؛ المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٥ و٤٦؛ الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين): ٨٢؛ تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٢ و٢٥٤؛ الفتوح ٢/ ١٨١؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤١٥؛ العقد الفريد ٥/ ١٣١.

(٣) صرّح بذلك ابن سعد في الطبقات (ترجمة الإمام الحسين): ٨٢؛ وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: ١١٩؛ والطبراني في المعجم الكبير ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦؛ والطبري في تاريخه ٤/ ٣٥٦؛ وابن الأثير في أُسد الغابة ٥/ ٣٨١؛ والكامل في التاريخ ٤/ ٨٥؛ وابن الجوزي في المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ والردّ على المتعصّب العنيد: ٤٥ و٤٦؛ وسبطه في مرآة الزمان: ٩٩ - مخطوط - (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ وابن شهر آشوب في المناقب ٤/ ١١٥؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ والمزّي في تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٨.

(٤) صرّح بذلك البلاذري في أنساب الأشراف ٣/ ٤١٥؛ وابن عبد ربّه في العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ والطبراني في المعجم الكبير ٣/ ١٢٤ ح٢٨٤٨؛ وابن أعثم في الفتوح ٢/ ١٨١؛ والطبري في تاريخه ٤/ ٣٥٢ و٤٥٤؛ والشيخ المفيد في الإرشاد ٢/ ١١٩؛ ومسكويه الرازي في تجارب الأُمم ٢/ ٧٤؛ والخوارزمي في مقتله ٢/ ٥٧؛ والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٣٢؛ والطبري في إعلام الورى: ٢٤٨؛ والهيثمي في مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨.

١١٨

نكتفي بذكر ما أورده الطبري، قال: ثمّ أذِن (يزيد) للناس، فدخلوا والرأس بين يديه، ومع يزيد قضيب، فهو ينكت به في ثغره، ثمّ قال: إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام المرّي:

يُفلِّقن هاماً من رجال أحبّة

إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما(١)

وقفة مع بعض الكُتب:

١ - ذكر ابن شهر آشوب - عن الطبري والبلاذري والكوفي -: أنّه لما وضِعت الرؤوس بين يدي يزيد، جعل يضرب بقضيبه على ثنيّته، ثمّ قال: يومٌ بيوم بدر، وجعل يقول: نُفلّق هاماً... إلى آخره(٢) .

هذا أيضاً ممّا يدلّ على كفره وزندقته، وتصريح على أنّ ما ارتكبه يزيد كان انتقاماً من الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليه يُشير ابن عبّاس ضمن رسالته إلى يزيد.

قال سبط ابن الجوزي: ذكر الواقدي وهشام وابن إسحاق وغيرهم: أنّه كتب ابن عبّاس إلى يزيد كتاباً جاء فيه: ( يا يزيد، وإنّ من أعاظم الشماتة حملك بنات رسول الله وأطفاله وحرمه من العراق إلى الشام أُسارى مجلوبين مسلوبين، تُري الناس قدرتك علينا، وأنّك قد قهرتنا واستوليت على آل رسول الله، وفي ظنّك أنّك أخذت بثأر أهلك الكفرة الفجرة يوم بدر، وأظهرت الانتقام الذي كنت تُخفيه والأضغان الذي تكمن في قلبك كمون النار في الزّناد، وجعلت أنت وأبوك دم عثمان وسيلةً إلى إظهارها.

فالويل لك من ديّان يوم الدِّين! ووالله، لئن أصبحت آمناً من جراحة يدي، فما أنت بآمن من جراحة لساني )(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥.

(٢) المناقب ٤/ ١١٤.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٧٦.

١١٩

٢ - ذكر الطبري، بإسناده عن القاسم بن عبد الرحمان مولى يزيد بن معاوية: أنّ يزيد قال بعد تمثّله بأبيات الحصين: ( أما والله، يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك )(١) .

ففيه:

أوّلاً: أنّه منقول عن مولى يزيد، فهو مُتَّهم في حدّ نفسه.

ثانياً: لو لم يكن راضياً بقتله، فلماذا أساء إلى الرأس الشريف وأمر بسبي أهله إلى الشام؟!

ثالثاً: قد ذكرنا الأدلّة الوافية بأنّه هو الذي أمر بقتل الحسينعليه‌السلام والراضي بقتله، وإليه يُنسب الفعل بالسبب.

رابعاً: لو صحّ النقل نقول: لم يقل هذا إلاّ مراعاةً لوضعه وإبقاءً لحُكمه، والدليل عليه ما رواه سبط ابن الجوزي ( أنّه ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب وأنشد للحصين بن الحمام المرّي:... (الأبيات) فلم يبقَ أحد إلاّ عابه وتركه )(٢) .

وبذلك يظهر وهن ما نقله الطبراني عن محمّد بن الحسن المخزومي، أنّه (لما أُدخل ثقل الحسين بن علي على يزيد بن معاوية ووضِع رأسه بين يديه بكى يزيد وقال: نُفلّق... (الأبيات)، أما والله، لو كنت صاحبك ما قتلتك أبداً )(٣) .

وزبير بن بكار روى الخبر عن محمّد بن الحسن، وهو ضعيف ومعاند لأهل البيت؛ قال الشيخ المفيد في شأنه: ( لم يكن موثوقاً به في النقل، وكان مُتّهماً فيما يذكره من بُغضه لأمير المؤمنينعليه‌السلام وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم )(٤) .

إنّها مُحاولة شرذمة من الناس لإنقاذ يزيد، وما هي إلاّ كتشبّث الغريق بالتوافه.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٢) مرآة الزمان: ٩٩ (مخطوط) على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥.

(٣) المعجم الكبير ٣/ ١٢٤، ح٢٨٤٨؛ تاريخ الإسلام ٢/ ٣٥٠.

(٤) تزويج عليّ بنته من عمر: ١٥.

١٢٠

فعل يزيد واستنكار بعض الحاضرين:

لقد سخطت كلّ الضمائر الحُرَّة أشدّ السخط على يزيد وأفعاله، وأنكرت عليه ما ارتكبه في حقّ رأس سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وفيما يلي نذكر بعضهم:

١ - أبو برزة الأسلمي:

قال سبط ابن الجوزي: ( وأمّا المشهور عن يزيد في جميع الروايات، أنّه لما حضر الرأس بين يديه، جمع أهل الشام وجعل ينكت عليه بالخيزران... قال ابن أبي الدُّنيا: وكان عنده أبو برزة الأسلمي، فقال له: يا يزيد، ارفع قضيبك، فوالله، لطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقبِّل ثناياه )(١) .

وروي عنه أيضاً أنّه ( لما ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب وأنشد للحصين بن الحمام المرّي، فلم يبقَ أحد إلاّ عابه وتركه، وكان عنده أبو برزة الأسلمي، فقال له: ارفع قضيبك، فطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبّل ثناياه، أما إنّك ستجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد، ويجيء الحسين وشفيعه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٢) .

وروى المزي(٣) ، والطبري(٤) ، وابن الجوزي(٥) ، والذهبي(٦) ، وابن كثير(٧) ، أنّه بعدما وضِع الرأس الشريف بين يدي يزيد جعل ينكت بالقضيب على فيهعليه‌السلام وتمثّل بالأبيات، فقال له أبو برزة: ارفع قضيبك، فوالله، لربّما رأيت فاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦١ - ٢٦٢.

(٢) مرآة الزمان: ٩٩ - مخطوط - (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥).

(٣) تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٨.

(٤) تاريخ الطبري ٤/ ٢٩٣.

(٥) المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ الردّ على المتعصّب العنيد:٤٧.

(٦) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٩.

(٧) البداية والنهاية ٨/ ١٩٤ و١٩٩.

١٢١

على فيه يلثمه.

وقال البلاذري: (قالوا: وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحسين حين وضع رأسه بين يديه، فقال أبو برزة الأسلمي: أتنكت بالقضيب ثغر الحسين؟! لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً ربّما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشفه، أما إنّك - يا يزيد - تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد، ويجيء الحسين وشفيعه محمّد.

ثمّ قام: ويُقال: إنّ هذا القائل رجلٌ من الأنصار )(١) .

وقد بسط السيّد ابن طاووس وابن نما أنّه أقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال: ( ويحك! يا يزيد، أتنكت بقضيبك ثغر الحسينعليه‌السلام ابن فاطمة؟! أشهد لقد رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول:( أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة، قتل الله قاتلكما ولعنه، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ) ، قال الراوي: فغضب يزيد وأمر بإخراجه فأُخرج سحباً )(٢) .

وفي هذا الموقف يستند أبو برزة - بصفته أحد الصحابة(٣) - إلى فعل

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦. وروي نحوه في البدء والتاريخ ٦/ ١٢؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤؛ جواهر المطالب ٢/ ٦٤.

(٢) الملهوف: ٢١٤؛ مُثير الأحزان: ١٠٠ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢. وانظر: الفتوح ٢/ ١٨١ ومقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧، مع تفصيل أكثر، قالا: - واللفظ للثاني -: ثمّ دعا يزيد بقضيب خيزران، فجعل ينكث به ثنايا الحسينعليه‌السلام وهو يقول: لقد كان أبو عبد الله حسن المضحك. (وفي الفتوح: حسن المنطق)، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي - أو غيره من الصحابة - وقال له: ويحك! يا يزيد، أتنكت بقضيبك ثغر الحسين ابن فاطمة؟ (في الفتوح: أتنكث بقضيبك ثنايا الحسين وشعره؟ لقد أخذ قضيبك هذا مأخذاً من ثغره، أشهد... ) ثمّ ذكر ما نقلناه عن ابن طاووس.

(٣) هو نضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمي، غلبت عليه كُنيته، اختلف في اسمه. صحابي من سكّان المدينة ثمّ البصرة، شهد مع عليّعليه‌السلام النهروان، مات بخراسان سنة ٦٥، انظر تهذيب التهذيب ١٢/ ١٨ رقم ٨٢٨٤؛ الإصابة ٣/ ٥٥٧ ترجمة رقم ٨٧١٨؛ الأعلام ٨/ ٣٣.

١٢٢

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنسبة إلى لزوم حُبّ الحسينعليه‌السلام ، وقوله بالنسبة إلى حبّه والبراءة من أعدائه وقاتله، وهو موقف جليل في أهمّ زمان وأخطر مكان؛ ولأجل ذلك لم يتحمّل الطاغية هذا الموقف، فغضب عليه وأمر بإخراجه، فأُخرج سحباً.

ملاحظتان:

الملاحظة الأُولى:

قيل: إنّ ابن تيميّة - الضالّ المضلّ - نفى حضور أبي برزة الأسلمي مجلس يزيد، بدليل وجوده بالكوفة حينما أُحضر الأُسارى من آل البيت(١) .

فنقول: الدليل عليل من وجوه:

الأوّل: المشهور حضور أبي برزة في الشام وفي مجلس يزيد، وقد ذكر ذلك الجمّ الغفير من المؤرِّخين، مثل البلاذري، والطبري، وابن أعثم، وابن الأثير، والذهبي، وابن كثير، وابن الجوزي، وسبطه، والباعوني، والمزّي والخوارزمي وغيرهم، كما أسلفناه. وهذا أمر لا يمكن لأحد أن يتغافل عنه إلاّ إذا كان أعور!

الثاني: على فرض وجوده بالكوفة زمن وجود الأسرى فيها، فوجوده بالشام زمن وجودهم فيها ليس بأمر مُستبعد؛ لأنّه قد ذكرنا أنّ ابن زياد جهّزهم وأرسلهم إلى الشام ومعهم جماعة، فمن الممكن أن يكون منهم، أو أنّه ذهب بنفسه إلى الشام.

الثالث: أنّ ابن تيمية لم ينفِ هذا فحسب، بل ينفي أموراً بديهيّة ضروريّة ومسلّمة تاريخيّاً، ممّا يدعو إلى السخرية والاستهزاء به؛ فإنّه قال: ( فيزيد لم يأمر بقتل الحسين! ولا حمل رأسه بين يديه، ولا نكت بالقضيب على ثناياه، بل الذي

____________________

(١) اُنظُر حول رأس الحسين ١٧١.

١٢٣

جرى هذا منه هو عبيد الله بن زياد، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، ولا طيِفَ برأسه في الدُّنيا ولا سُبي أحد من أهل الحسين )!!(١) .

إنّ الناظر فيما أوردناه، والمتتبّع في السير يعلم بأنّ ابن تيمية - لكونه من أصلب المدافعين عن يزيد - كيف يُبالغ بحرارة في الدفاع عن هذه الجرثومة الفاسدة، وكيف يُعرض عن جميع ما ذكره أرباب السير والتاريخ من اقتراف يزيد لهذه الجريمة النكراء، فهذا هو ابن كثير الدمشقي - الذي تلوح شقاوته في تاريخه - من جملة مَن اعترف بذلك وقال: ( وقد ورد في ذلك آثار كثيرة )(٢) ، فلأجل ذلك لا يُعتنى بكلامه في المقام.

الرابع: أنّ المهمّ هو اتّخاذ هذا الموقف من أحد الصحابة في المجلس - أيّاً كان ذلك الصحابيّ - وهو ثابت.

الملاحظة الثانية:

قال الخوارزمي: ( وقيل: إنّ الذي ردّ على يزيد ليس أبا برزة، بل هو سمرة بن جندب صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال ليزيد: قطع الله يدك يا يزيد! أتضرب ثنايا طالما رأيت رسول الله يُقبّلهما ويلثم هاتين الشفتين؟

فقال له يزيد: لو لا صحبتك لرسول الله لضربت - والله - عنقك!

فقال سمرة: ويلك! تحفظ لي صحبتي من رسول الله! ولا تحفظ لابن رسول الله بنوّته؟! فضجّ الناس بالبكاء وكادت أن تكون فتنة )(٣) .

ففيه:

____________________

(١) اُنظُر: سؤال في يزيد بن معاوية لابن تيمية: ١٦؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٥.

(٢) البداية والنهاية ٨/ ١٩٤.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

١٢٤

أوّلاً: أنّه خبر مُرسل لا يذكره غيره، ولا يثبت عند الخوارزمي أيضاً، ولذلك يذكره بقوله: (قيل).

وثانياً: إنّ المشهور أنّ سمرة بن جندب قد مات قبل وقعة الطف(١) ، فالمسألة مُنتفية بانتفاء موضوعها رأساً.

وثالثاً: قيل: إنّ سمرة كان عامل معاوية وشريكاً في جرمه، وهو من شرطة ابن زياد الذين حرّضوا الناس على قتال أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، فمن كان هذا حاله يُستبعد منه اتّخاذ مثل هذا الموقف - على فرض حياته وحضوره بالشام آنذاك - وإن لم نستبعد بالمرّة أن يتّخذ إنسان فاسد موقفاً جليلاً في زمنٍ ما.

ونرجع إلى المقصود ونقول: بأنّ المهمّ هو محض اتّخاذ هذا الموقف من أحد الصحابة، وإن لم نعرفه على وجه التحديد.

٢ - زيد بن أرقم:

قال القطب الراوندي: (فدخل عليه (أي على يزيد) زيد بن أرقم، ورأى الرأس في الطشت، وهو يضرب بالقضيب على أسنانه، فقال: ( كفّ عن ثناياه، فطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقبّلها )!

فقال يزيد: لو لا أنّك شيخ خَرِفْت لقتلتك )(٢) .

وإلى ذلك أشار الحميري بقوله:

لم يزل بالقضيب يعلو ثنايا

في جناها الشفاء من كلّ داء

قال زيد ارفعن قضيبك ارفع

عـن ثنايا غُرٍّ غذي باتّقاء

طالما قد رأيت أحمد يلثمها

وكم لي بذاك من شهداء(٤)

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ٢/ ٦٤ط دار أنوار الهدى.

(٢) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨.

(٣) المناقب ٤/ ١١٤.

١٢٥

إنّ زيد هو الذي روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن سبطه سيّد الشهداءعليه‌السلام أنّه قال:( اللّهمّ، إنّي أُحبّه فأحبّه ) (١) ، فلذلك إذا صدر منه هذا الموقف فليس بغريب.

روى ابن الجوزي، عن زيد بن أرقم أنّه قال: ( كنت عند يزيد بن معاوية، فأُتي برأس الحسين بن علي، فجعل ينكت بالخيزران على شفتيه وهو يقول:

يُفلِّقن هاماً من رجال أعزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقلت له: ارفع عصاك!

فقال: تُرابيٌّ؟!

فقلت: أشهد لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضعاً حسناً على فخذه اليمنى، واضعاً حسيناً على فخذه اليسرى، وهو يقول:( اللّهمّ، إنّي أستودعكهما وصالح المؤمنين ) ، فكيف كان حفظك يا يزيد وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! )(٢) .

٣ - نعمان بن بشير:

روي عن محمّد بن أبي بكر التلمساني المشهور بالبري أنّه قال: ( وأُتي يزيد برأس الحسينعليه‌السلام ، فلما وضِع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده ويقول: ( كان أبو عبد الله صبيحاً ).

فقال النعمان بن بشير: ( ارفع يدك - يا يزيد - عن فمٍ طالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبّله)، فاستحيى يزيد وأمر برفع الرأس )(٣) .

٤ - صحابيّ لم يُسمَّ:

روى ابن الأثير، عن عبد الواحد القرشي قال: ( لما أُتي يزيد برأس الحسين

____________________

(١) إحقاق الحقّ ١١/ ٣٠١، عن سير أعلام النبلاء ٣/ ٢١٢ ط مصر.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٦.

(٣) الجوهرة ٢/ ٢١٩ على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٠.

١٢٦

ابن علي (رضي الله عنهما) تناوله بقضيب، فكشف عن ثناياه، فوالله، ما أبرد بأبيض منها، وأنشد:

يُفلِّقن هاماً من رجال أعزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال له رجل عنده: يا هذا، ارفع قضيبك، فوالله، ربّما رأيت شفتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكأنّه يُقبّله.

فرفع مُتذمِّراً عليه مُغضباً )(١) .

قال ابن سعد: (ثمّ مال بالخيزرانة بين شفتي الحسين، فقال له رجل من الأنصار حضره: ارفع قضيبك هذا، فإنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبِّل الموضع الذي وضعته عليه )(٢) .

٥ - يحيى بن الحَكم أو عبد الرحمان بن الحَكم:

وممّن اعترض على فعل يزيد يحيى بن الحَكم أخو مروان بن الحَكم، فإنّه لما رأى ما فعل يزيد برأس الحسين وتمثُّله بالأبيات قال:

لهامٌ بأدنى الطف أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الرذل

أُميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحَكم وقال: اسكُت!

رواه كثير من أرباب السير منهم الشيخ المفيد والطبرسي(٣) .

____________________

(١) أُسد الغابة ٥/ ٣٨١. وروى نحوه عن تاريخ دمشق، وفيه: رجل له صحبة كان عند يزيد بن معاوية حين أُتي برأس الحسين بن علي، إن لم يكن أبا برزة الأسلمي، أو زيد بن أرقم فهو غيرهما (عبرات المصطفين ٢/ ٣٢١ عن تاريخ دمشق المجلّد الأخير: ٥٧، انظر مختصر تاريخ دمشق ٢٩/ ٢٢٠).

وجاء في مقتل الخوارزمي (٢/ ٥٨): فقال له - أي ليزيد - بعض جلسائه: ارفع قضيبك، فوالله، ما أُحصي ما رأيت شفتي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكان قضيبك يُقبّله.

(٢) الطبقات الكبرى ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ): ٨٢.

(٣) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨.

١٢٧

وجاء في بعض الكتب أنّه قال:

لهامٌ بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سُميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وليس لآل المصطفى اليوم من نسل(١)

ونُسب هذا الموقف وهذه الأبيات وموقف يزيد منها إلى أخيه عبد الرحمان بن الحَكم أيضاً (٢) ، ووصفه سبط ابن الجوزي أنّه كان شاعراً فصيحاً، فلعلّ الراجح نسبتها إليه لا إلى أخيه يحيى.

وعن سبط ابن الجوزي، أنّه بعدما أنشد الأبيات صاح وبكى، فضرب يزيد صدره، وقال له: يا بن الحمقاء!، ما لكَ ولهذا؟!(٣) .

وفي البحار عن المناقب بعد ذكر ما أنشده عبد الرحمان بن الحَكم قال يزيد: نعم، فلعن الله ابن مرجانة إذ أقدم على مثل الحسين بن فاطمة، لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلاّ أعطيته إيّاها! ولدفعت عنه الحتف بكلّ ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، لكن قضى الله أمراً فلم يكن له مردّ.

وفي رواية أنّ يزيد أسرّ إلى عبد الرحمان وقال: سبحان الله! أنّى هذا الموضع؟! أما يسعك السكوت؟!(٤) .

٦ - الحسن المثنّى:

روى ابن نما أنّ الحسن بن الحسن لما رآه يضرب بالقضيب موضع فم رسول الله قال: وا ذلاّه!

____________________

(١) اُنظُر تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٩؛ المناقب ٤/ ١١٤؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٤.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤٢١؛ تاريخ الإسلام (للذهبي): ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨؛ مرآة الزمان: ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٠.

(٣) مخطوطة مرآة الزمان: ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥).

(٤) بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٠.

١٢٨

سُميَّة أمسى نسلها عدد الحَصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل(١)

ولقد ذكرنا أنّ الحسن البصري أيضاً قال ذلك حينما سمع بالخبر(٢) . ولعلّه حصل خبط في النقل.

يزيد في موضع الانفعال:

قال سبط ابن الجوزي: ( ولما فعل يزيد برأس الحسين ما فعل تغيّرت وجوه أهل الشام، وأنكروا عليه ما فعل، فقال: أتدرون من أين دهى أبو عبد الله؟!

قالوا: لا.

قال: من الفقه والتأويل، كأنّي به قد قال:أبي خيرٌ من أبيه، وأُمّي خيرٌ من أُمّه، وجدّي خيرٌ من جدّه، فأنا أحقّ بهذا الأمر منه. ولم يلحظ قوله تعالى:( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ... ) الآية(٣) . فسرى عن وجوه أهل الشام )(٤) .

قال ابن أعثم والخوارزمي: (ثمّ أقبل (يزيد) على أهل مجلسه وقال: هذا يفخر عليَّ ويقول:( أبي خير من أبي يزيد، وأُمّي خيرٌ من أُمّه، وجدّي خيرٌ من جدّ يزيد، وأنا خير من يزيد ) ، فهذا الذي قتله! فأمّا قوله: (إنّ أبي خير من أبي يزيد)، فقد حاجّ أبي أباه فقضى الله لأبي على أبيه! وأمّا قوله: (إنّ أُمّي خير من أُمّ يزيد) فلعَمْرِي، إنّه صادق! إنّ فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيرٌ من أُمّي، وأمّا قوله: (إنّ جدّي خير من جدّ يزيد) فليس أحد يؤمن الله واليوم الآخر يقول: إنّه خيرٌ من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا قوله: (أنا) خيرٌ منّي. فلعلّه لم يقرأ هذه الآية:( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ... قَدِيرٌ ) (٥) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠٠.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧.

(٣) آل عمران: ٢٦.

(٤) مرآة الزمان ١٠ - مخطوط - على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٤.

(٥) الفتوح ٢/ ١٨١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧؛ تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥.

١٢٩

ومن المعلوم أنّ يزيد التجأ إلى هذا القول بعد اعتراض كثير من الحاضرين، وفيهم بعض الصحابة وأقاربه أيضاً، فصار مُحرجاً، فسعى لتشويه أهداف نهضة الحسين بهذا القياس السخيف، وإلاّ فأين الثرى من الثُّريّا؟! أين معاوية الطليق ابن الطليق من عليّ أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وقائد الغرّ المحجّلين؟! وأين هند آكلة الأكباد من فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين؟! وأين أبو سفيان الطليق من النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله سيد الأوّلين والآخرين؟! وأين يزيد اللعين من الحسينعليه‌السلام وهو سيّد شباب أهل الجنّة أجمعين؟!

وبعبارة أخصر: أين الشجرة الملعونة في القرآن من الشجرة المباركة، التي أصلها ثابت وفرعها في السماء؟!

ويختم يزيد كلامه بذكر مشيئة الله وقضائه وقدره، وهو لا يعلم منها شيئاً، وهذا هو سلاح المتجبّرين أن يُنهوا كلّ شيء إلى هذه النقطة ويروّجوا لمسلك الجبر في المقام، ويُسكتوا أصوات مخالفيهم والساذجين من الناس.

نعم، التجأ يزيد إلى هذا الموقف المنفعل، بعدما رأى فضاعة إساءته إلى رأس سبط الرسول وثمرة البتول، ولذلك ذكروا أنّه قال بهذا المقال بعدما اعترضه أبو برزة الأسلمي(١) ، أو ابن الحَكم(٢) ، وبعد ذلك تمثّل بأبيات ابن الزبعرى.

ويزيد نفسه يعلم مَن هو الحسينعليه‌السلام ومكانته في قلوب الناس العارفين.

إنّ ابن كثير - مع ما فيه - يعترف بعلوّ مكانة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام في عيون الناس، ويقول: ( بل الناس إنّما ميلهم إلى الحسين لأنّه السيّد الكبير وابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس على وجه الأرض يومئذٍ أحدٌ يُسايره ولا يُساويه )(٣) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ١٣١.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٥١.

١٣٠

تمثُّل يزيد بأبيات ابن الزبعرى:

قال الخوارزمي: ( ثمّ كشف (يزيد) عن ثنايا رأس الحسين بقضيبه ينكته به وأنشد.. فقال بعض جلسائه: ارفع قضيبك! فوالله، ما أُحصي ما رأيت شفتي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكان قضيبك يُقبّله! فأنشد يزيد:

يا غراب البين ما شئت فقُل

إنّـما تـندب أمـراً قد فُعِل

كـلّ مُـلك ونـعيم زائـل

وبـنات الـدهر يلعبن بكلّ

لـيت أشـياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهـلّـوا واسـتهلّوا فـرحاً

ثـمّ قـالوا يـا يزيد لا تُشلّ

لـست من خِندف إن لم أنتقم

مـن بـني أحمد ما كان فعل

لـعبت هـاشم بـالملك فلا

خـبرٌ جـاء ولا وحيٌ نزل

قـد أخـذنا مـن عليٍّ ثارنا

وقـتلنا الفارس الليث البطل

وقـتلنا الـقُرم مـن ساداتهم

وعـدلناه بـبدرٍ فاعتدل(١)

عدّة ملاحظات:

١ - إنّ يزيد تمثّل بأبيات ابن الزبعرى في المقام. صرّح بذلك الكثير.

منهم: أبو الفرج الأصفهاني(٢) ، وابن أعثم الكوفي(٣) ، وسبط ابن الجوزي(٤) ، وابن شهر أشوب(٥) ، والخوارزمي(٦) ..

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

(٢) مقاتل الطالبيين: ١١٩.

(٣) الفتوح ٢/ ١٨٢.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٦١.

(٦) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٦.

١٣١

وابن نما(١) ، وابن عساكر(٢) ، والباعوني(٣) ، والسيّد ابن طاووس(٤) ، وابن أبي الحديد المعتزلي(٥) ، وابن عبد ربّه(٦) ، والبدخشاني(٧) ، وغيرهم. وادّعى سبط ابن الجوزي الشهرة في ذلك(٨) .

أمّا أصل الأشعار، فقد ذكرها ابن هشام (المتوفَّى سنة ٢١٣ أو ٢١٨)(٩) ، ومحمّد بن سلام الجمهي ( المتوفّى سنة ٢٣١)(١٠) ، والجاحظ (المتوفّى سنة ٢٥٥)(١١) ، وأقدمها وأكملها في سيرة ابن هشام.

وأمّا ابن الزبعرى، فهو عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم، أبو سعد، شاعر قريش من الجاهلية، كان شديداً على المسلمين، قيل: إنّه أسلم في الفتح سنة ثمان، ومات سنة ١٥ من الهجرة(١٢) .

قال الخوارزمي: ( قال الحاكم: الأبيات التي أنشدها يزيد بن معاوية هي

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠١.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩.

(٤) الملهوف: ٢١٤.

(٥) شرح نهج البلاغة ١٤/ ٢٨٠.

(٦) العقد الفريد ٥/ ١٣٩.

(٧) نُزل الأبرار: ١٥٩.

(٨) تذكرة الخواص: ٢٦١.

(٩) السيرة النبوية ٣/ ١٤٣.

(١٠) طبقات الشعراء: ٥٧.

(١١) الحيوان ٥/ ٥٦٤.

(١٢) الإصابة ٢/ ٣٠٨ - ترجمة رقم ٤٦٧٩؛ المؤتلف: ١٣٢.

قال محمّد بن سلام الجمهي: وبمكّة شعراء، فأعبرهم شعراً عبد الله بن الزبعرى، والزبعرى في اللغة السيّئ الخُلق والغليظ. (طبقات الشعراء: ٥٧).

١٣٢

لعبد الله بن الزبعرى، أنشدها يوم أُحد لما استُشهد حمزة عمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجماعة من المسلمين، وهي قصيدة طويلة )(١) .

قال ابن هشام: (قال ابن إسحاق: وقال عبد الله بن الزبعرى في يوم أُحد:

يـا غراب البين أسْمَعْتَ فقل

إنّـما تـنطق شـيئاً قد فُعل

إنّ لـلـخير ولـلشرّ مـدىً

وكـلا ذلـك وجـدٌ وقُـبِل

والـعطيّات خـساس بـينهم

وسـواء قـبر مُـثْرٍ ومُقل

كـلّ عـيش ونـعيم زائـل

وبـنات الـدهر يلعبن بكل

أبـلغا حـسّان عـنّي آيـة

فقريض الشعر يشفي ذا الغلل

كـم ترى بالجرّ من جمجمة

وأكُـفّ قـد أمـرَّت ورجل

وسـرابيل حِـسان سـريت

عن كماة أهلكوا في المنتزل

كـم قـتلنا مـن كـريمٍ سيِّد

مـاجد الـجدّين مقدام بطل

صـادق الـنجدة قَـرم بارع

غـير مُلتاث لدى وقع الأسل

فـسل الـمِهراس من ساكنه

بـين أقـحاف وهام كالجحل

لـيت أشـياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

حـين حـكّت بـقباء بركها

واستحرّ القتل في عبد الأشل

ثـمّ خـفّوا عند ذاكم رُقّصا

رقص الحفّان يعلو في الجبل

فـقتلنا الضعف من أشرافهم

وعـدلنا مـيل بـدر فاعتدل

لا ألــوم الـنفس إلاّ أنّـنا

لـو كـررنا لـفعلنا المفتعل

فأجابه حساّن بن ثابت الأنصاري (رضي الله عنه) بقصيدة مطلعها:

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ٢/ ٧٤ (ط دار أنوار الهدى).

١٣٣

ذهبت يا بن الزبعرى وقعة

كان منّا الفضل فيها لو عدل (١)

ورواه الخوارزمي بهذا التفصيل مع تفاوت يسير(٢) .

٢ - إنّ يزيد قد زاد على أبيات ابن الزبعرى ما يدلّ على كفره وخبث باطنه وسريرته، ويكشف عمّا في قلبه من الإلحاد والحقد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطيّبين الطاهرين.

قال ابن أعثم: ثمّ زاد فيها هذا البيت من نفسه:

لستُ من عُتبة إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل (٣)

وقال سبط ابن الجوزي: قال الشعبي: وزاد فيها يزيد فقال:

لعبت هاشم بالملك... الأبيات(٤) .

وعنه أنّه قال: وقيل: إنّ يزيد زاد فيها هذه الأبيات:

لاسـتهلّوا ثـمّ طـاروا فرحاً

ثـمّ قـالوا يـا يزيد لا تُشل

لـعبت هـاشم بـالملك فـلا

خـبرٌ جـاء ولا وحـيٌ نزل

لـست من خِندف إن لم أنتقم

من بني هاشم ما كان فعل(٥)

ولذلك اتّخذ كثير من علماء المسلمين موقفاً جليّاً وصلباً، أمام هذا الطاغي الملحد؛ استناداً إلى هذه الأبيات - وإلى غيرها من أعماله السيّئة - كما ذكرنا ذلك بالتفصيل في المباحث السابقة، ومنه على سبيل المثال:

____________________

(١) أحجمنا عن ذكر القصيدة بكاملها لطولها، فمَن شاء فليُراجع: السيرة النبويّة ٣/ ١٤٣.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٦.

(٣) الفتوح ٢/ ١٨٢.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٦١.

(٥) مرآة الزمان: ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥).

١٣٤

قال مجاهد: ( نافق فيها، ثمّ والله ما بقي من عسكره أحد إلاّ تركه )(١) .

٣ - لقد أوضحنا أنّ أرباب كُتب السير والتاريخ قد ذكروا تمثّل يزيد بهذه الأبيات، وإن كان هناك اختلاف يسير في كيفيّة النقل وعدد الأبيات، فبعضهم لم يذكر إلاّ بيتاً واحداً(٢) ، وبعضهم اثنين(٣) ، وبعضهم ثلاثة(٤) ، وبعضهم أربعة(٥) ، وبعضهم خمسة(٦) ، وبعضهم ستّة(٧) ، وبعضهم سبعة(٨) ، وبعضهم ثمانية أبيات منها(٩) .

٤ - لقد استندت العقيلة السيّدة زينب الكبرى بنت الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى إنشاد يزيد لهذه الأبيات في المجلس بقولها:

( ألا إنّها نتيجة خلال الكفر، وضبّ يُجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر، فلا يُستبطئ في بغضنا أهل البيت مَن كان نظره إلينا شنفاً وشناناً، وإحناً وأضغاناً، يُظهر كفره برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويُفصح ذلك بلسانه، وهو يقول - فرحاً بقتل ولده وسبي ذريّته غير متحوّب ولا مُستعظم يهتف بأشياخه -:

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤٣؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧؛ تذكرة الخواص: ٢٦١؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤.

(٢) أمالي الصدوق: ٢٣١.

(٣) مقاتل الطالبيّين: ١١٩؛ المنتظم ٥/ ٣٤٣؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٦.

(٤) مُثير الأحزان: ١٠١.

(٥) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨٠؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤؛ تفسير القمّي (على ما في بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٧ ح١٣.

(٦) مرآة الزمان: ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ الملهوف: ٢١٤؛ المناقب ٤/ ١١٤.

(٧) بلاغات النساء: ٢١؛ الفتوح ٢/ ١٨٢؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٢.

(٨) روضة الواعظين ١/ ١٩١.

(٩) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

١٣٥

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ولقالوا يا يزيد لا تُشل

مُنتحياً على ثنايا أبي عبد الله - وكان مُقبَّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - ينكتها بمِخصرته، قد التمع السرور بوجهه(١) .. فلترِدَنّ وشيكاً موردهم، ولتودنّ أنّك شُللت وبُكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت )(٢) .

٥ - قال ابن أبي الحديد المعتزلي، في جملة أبيات ذكرها عن ابن الزبعرى، أنّه قالها لوصف يوم أحُد:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

حين حطّت بقباء بركها

واستحرّ القتل في عبد الأشل

ثمّ قال: (كثير من الناس يعتقدون أنّ هذا البيت ليزيد بن معاوية، وقال مَن أكره التصريح باسمه: هذا البيت ليزيد؟

فقلت له: إنّما قاله يزيد مُتمثِّلاً، لما حُمل إليه رأس الحسينعليه‌السلام وهو لابن الزبعرى.

فلم تسكن نفسه إلى ذلك، حتّى أوضحته له فقلت: ألا تراه قال: (جزع الخزرج من وقع الأسل) والحسينعليه‌السلام لم تُحارب عنه الخزرج، وكان يليق أن يقول: جزع بني هاشم من وقع الأسل.

فقال بعض مَن كان حاضراً: لعلّه قاله يوم الحرّة، فقلت: المنقول أنّه أنشده لما حُمل إليه رأس الحسينعليه‌السلام ، والمنقول أنّه شعر ابن الزبعرى، ولا يجوز أن يُترك المنقول إلى ما ليس بمنقول )(٣) .

أقول: لا ريب في صحّة ما قاله المعتزلي، من أنّ أصل الأبيات لابن الزبعرى

____________________

(١) الاحتجاج ٢/ ١٢٦ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٨.

(٢) الملهوف: ٢١٦ - ٢١٧.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٤/ ٢٨٠ عنه بحار الأنوار ٣٤/ ١٥٦؛ عوالم ٢٧/ ٣٩٨.

١٣٦

وإن زاد عليها يزيد أبياتاً - كما مرّ - وكذلك لا خلاف في أنّه أنشده لما حُمل إليه رأس الحسينعليه‌السلام بالشام، ولكن ما ادّعاه من عدم نقل إنشاده في وقعة الحرّة، فإنّه غير صحيح؛ فلقد روي ابن عبد ربّه ذلك بقوله: (وبعث مسلم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد، فلما أُلقيت بين يديه جعل يتمثّل بقول ابن الزبعرى يوم أُحد:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهـلّـوا واسـتهلّوا فـرحاً

ولـقـالوا لـيزيد لا فـشل

فقال له رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارتدد عن الإسلام يا أمير المؤمنين؟!

قال: بلى، نستغفر الله.

قال: والله، لا ساكنتك أرضاً أبداً! وخرج عنه )(١) .

وهذا اعتراف من يزيد على نفسه، بأنّ قوله يوجب الكفر والارتداد عن الدِّين! وإن أمكن أن يُقال: بأنّها سالبة بانتفاع الموضوع!!

٦ - جاء في تفسير القمّي في ذيل الآية الشريفة:( ... ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) (٢) :

( وأمّا قوله:( ... ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ... ) ، فهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أخرجته قريش من مكّة، وهرب منهم إلى الغار وطلبوه ليقتلوه، فعاقبهم الله يوم بدر، فقُتل عتبة وشيبة والوليد وأبو جهل وحنظلة بن أبي سفيان

____________________

(١) العقد الفريد ٥/ ١٣٩.

(٢) الحج: ٦٠.

١٣٧

وغيرهم، فلما قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طُلِب بدمائهم، فقُتل الحسين وآل محمّد بغياً وعدواناً، وهو قول يزيد حين تمثّل بهذا الشعر: ( وذكر الأبيات ثمّ قال: )

وقال الشاعر في مثل ذلك:

وكذاك الشيخ أوصاني به

فاتّبعت الشيخ فيما قد سُئِل

وقال يزيد أيضاً - والرأس مطروح يُقلّبه -:

يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر

حتّى يقيسوا قياساً لا يُقاس به

أيّام بدرٍ لكان الوزن بالقدر

فقال الله تبارك وتعالى:( ... وَمَنْ عَاقَبَ... ) يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( ... بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ... ) ، يعني حين أرادوا أن يقتلوه ( ... ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ... ) يعني بالقائمعليه‌السلام من ولْده(١) .

٧ - روى ابن عساكر، بإسناده عن حمزة بن زيد الحضرمي قال: ( رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهنّ يُقال لها: (ريا) كان بنو أُميّة يُكرمونها، وكان هشام (أي هشام بن عبد الملك) يُكرمها، وكانت إذا جاءت إلى هشام تجيء راكبة، فكلّ مَن رآها من بني أُميّة أكرمها، ويقولون: ريا حاضنة يزيد بن معاوية، فكانوا يقولون: قد بلغت من السنّ مئة سنة، وحُسن وجهها وجمالها باق بنضارته! فلما كان من الأمر الذي كان(٢) استترت في بعض منازل أهلنا، فسمعتها - وهي تقول وتعيب بني أميّة مداراة لنا - قالت: دخل بعض بني أُميّة على يزيد، فقال: ( أبشِر! يا أمير المؤمنين، فقد أمكنك الله من عدوّ الله! وعدوّك - يعني الحسين بن علي - قد قُتل ووُجِّه برأسه إليك )، فلم يلبث إلاّ أيّاماً حتّى جيء برأس الحسين، فوضِع بين يدي يزيد في طشت، فأمر الغلام، فرفع الثوب كان عليه، فحين رآه خمّر وجهه بكمه -

____________________

(١) تفسير القمّي ٣/ ٨٦؛ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٧.

(٢) من زوال ملك بني أُميّة ونقله إلى بني العبّاس.

١٣٨

كأنّه يشمّ منه رائحة(١) - وقال: الحمد لله الذي كفانا المؤونة بغير مؤونة! كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله.

قالت ريا: فدنوت منه، فنظرت إليه وبه ردع من حنّا.

قال حمزة: فقلت لها: أقَرَعَ ثناياه بالقضيب كما يقولون؟

قالت: إي والذي ذهب بنفسه وهو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بالقضيب في يده، ويقول أبياتاً من شعر ابن الزبعرى(٢) .

أقول: ليس بغريب أن يتمثّل يزيد بتلك الأبيات في مواطن عديدة، ومواقف مختلفة ومتعدّدة، ومن المحتمل أنّ ما روته ريا حصل في مجلسه الخاص، كما جرى ذلك في مجلسه العام، كذلك استند إليها في وقعة الحرّة كما مرّ ذكره.

٨ - أنكر ابن تيمية - في رسالته (سؤال في يزيد بن معاوية) التي كتبها بعد قرون من وقعة الطف مُنتصراً ليزيد - كونه المردِّد لشعر ابن الزبعرى(ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا) (٣) .

وإنكار ابن تيميّة لمثل هذه المسألة الواضحة المسلّمة تأريخيّاً - التي ادّعى سبط ابن الجوزي حصول الشهرة عليها(٤) - ليس إلاّ إنكار أمر بديهي، وليس الداعي لذلك إلاّ نصرة يزيد، حشره الله معه، ولقد ذكرنا مصادر البحث شافياً فلا نُعيد.

____________________

(١) روى الشبراوي عنها أنّها قالت: دنوت من رأس الإمام الحسين حين شمّ يزيد منه رائحة لم تُعجبه فإذا تفوح منه رائحة من ريح الجنّة كالمسك الأذفر بل أطيب.. انظر الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٦.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠ ترجمة ريا حاضنة يزيد بن معاوية. وروي في سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٥؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٦ بتفاوت.

(٣) أُنظر: سؤال في يزيد بن معاوية: ١٤.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٦١.

١٣٩

مُحاورات الإمام السجّادعليه‌السلام مع يزيد:

لقد بلغت الحرب النفسيّة الذروة بعد وقعة الطف الأليمة، ولم تكن بأقلّ من الحرب في ظلّ السيوف، فيزيد يريد أن يظهر بمظهر الغالب الظافر في جميع المجالات، وأن يرى انتهاء الأمر بتمامه، لكي يتمّ بذلك كلّ شيءٍ له! وهو يعلم أنّه لا يصل إليه إلاّ بظفره في هذه الحرب النفسيّة، فثمّ يتمّ ترجيح إحدى كفّتي المعادلة.

وفي جبهة الحق نرى أنّها تسير على مسير قائدها، وتتحرّك نحو تحقق أهدافها.

وللإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام القدح المعلّى في ذلك؛ لأنّه هو الحجّة على الأرض بعد أبيه، ولذلك نرى أنّ زينب الكبرى تقف خلفه في جميع المواقف، ومنها ما روي أنّه قال يزيد لزينب: تُكلّميني؟!

فقالت: هو - أي الإمام زين العابدينعليه‌السلام - المتكلِّم(١) ، نعم، ولعمّته زينب الكبرى (سلام الله عليها) الدور الأوفى بعده كما نذكره إن شاء الله.

كان الإمامعليه‌السلام يواجه مشاكل عديدة ينبغي له أن يتغلّب عليها:

١ - طاغوتاً يُسمَّى بيزيد مُتستّر بستار الخلافة الإسلامية، لابدّ أن يُفتضح على رؤوس الأشهاد، ويكشف الغطاء عن واقعه الرذل، ليُكسِّر أمام مُحبّيه ومواليه.

٢ - حُكماً دمويّاً تحت غطاء ديني، فيزيد يستند إلى بعض الآيات القرآنية! ولابدّ للإمام أن يواجه ذلك، ويتمسّك بالقرآن في الإجابة، أو يفسّره بواقعه.

٣ - إعلاماً مضلّلُاً وبيئة مسمومة، فلقد عرّفوا الحسينعليه‌السلام بأنّه رجل خارجيّ! فعلى الإمام أن يواجه ذلك بكلّ صلابة ويُعرِّف أباه ونفسه وأهل بيته بأنّهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث يتكرّر ذلك في مواطن عديدة.

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460