مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 249073 / تحميل: 9558
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

فعل يزيد واستنكار بعض الحاضرين:

لقد سخطت كلّ الضمائر الحُرَّة أشدّ السخط على يزيد وأفعاله، وأنكرت عليه ما ارتكبه في حقّ رأس سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وفيما يلي نذكر بعضهم:

١ - أبو برزة الأسلمي:

قال سبط ابن الجوزي: ( وأمّا المشهور عن يزيد في جميع الروايات، أنّه لما حضر الرأس بين يديه، جمع أهل الشام وجعل ينكت عليه بالخيزران... قال ابن أبي الدُّنيا: وكان عنده أبو برزة الأسلمي، فقال له: يا يزيد، ارفع قضيبك، فوالله، لطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقبِّل ثناياه )(١) .

وروي عنه أيضاً أنّه ( لما ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب وأنشد للحصين بن الحمام المرّي، فلم يبقَ أحد إلاّ عابه وتركه، وكان عنده أبو برزة الأسلمي، فقال له: ارفع قضيبك، فطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبّل ثناياه، أما إنّك ستجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد، ويجيء الحسين وشفيعه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٢) .

وروى المزي(٣) ، والطبري(٤) ، وابن الجوزي(٥) ، والذهبي(٦) ، وابن كثير(٧) ، أنّه بعدما وضِع الرأس الشريف بين يدي يزيد جعل ينكت بالقضيب على فيهعليه‌السلام وتمثّل بالأبيات، فقال له أبو برزة: ارفع قضيبك، فوالله، لربّما رأيت فاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦١ - ٢٦٢.

(٢) مرآة الزمان: ٩٩ - مخطوط - (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥).

(٣) تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٨.

(٤) تاريخ الطبري ٤/ ٢٩٣.

(٥) المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ الردّ على المتعصّب العنيد:٤٧.

(٦) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٩.

(٧) البداية والنهاية ٨/ ١٩٤ و١٩٩.

١٢١

على فيه يلثمه.

وقال البلاذري: (قالوا: وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحسين حين وضع رأسه بين يديه، فقال أبو برزة الأسلمي: أتنكت بالقضيب ثغر الحسين؟! لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً ربّما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشفه، أما إنّك - يا يزيد - تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد، ويجيء الحسين وشفيعه محمّد.

ثمّ قام: ويُقال: إنّ هذا القائل رجلٌ من الأنصار )(١) .

وقد بسط السيّد ابن طاووس وابن نما أنّه أقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال: ( ويحك! يا يزيد، أتنكت بقضيبك ثغر الحسينعليه‌السلام ابن فاطمة؟! أشهد لقد رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول:( أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة، قتل الله قاتلكما ولعنه، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ) ، قال الراوي: فغضب يزيد وأمر بإخراجه فأُخرج سحباً )(٢) .

وفي هذا الموقف يستند أبو برزة - بصفته أحد الصحابة(٣) - إلى فعل

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦. وروي نحوه في البدء والتاريخ ٦/ ١٢؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤؛ جواهر المطالب ٢/ ٦٤.

(٢) الملهوف: ٢١٤؛ مُثير الأحزان: ١٠٠ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢. وانظر: الفتوح ٢/ ١٨١ ومقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧، مع تفصيل أكثر، قالا: - واللفظ للثاني -: ثمّ دعا يزيد بقضيب خيزران، فجعل ينكث به ثنايا الحسينعليه‌السلام وهو يقول: لقد كان أبو عبد الله حسن المضحك. (وفي الفتوح: حسن المنطق)، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي - أو غيره من الصحابة - وقال له: ويحك! يا يزيد، أتنكت بقضيبك ثغر الحسين ابن فاطمة؟ (في الفتوح: أتنكث بقضيبك ثنايا الحسين وشعره؟ لقد أخذ قضيبك هذا مأخذاً من ثغره، أشهد... ) ثمّ ذكر ما نقلناه عن ابن طاووس.

(٣) هو نضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمي، غلبت عليه كُنيته، اختلف في اسمه. صحابي من سكّان المدينة ثمّ البصرة، شهد مع عليّعليه‌السلام النهروان، مات بخراسان سنة ٦٥، انظر تهذيب التهذيب ١٢/ ١٨ رقم ٨٢٨٤؛ الإصابة ٣/ ٥٥٧ ترجمة رقم ٨٧١٨؛ الأعلام ٨/ ٣٣.

١٢٢

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنسبة إلى لزوم حُبّ الحسينعليه‌السلام ، وقوله بالنسبة إلى حبّه والبراءة من أعدائه وقاتله، وهو موقف جليل في أهمّ زمان وأخطر مكان؛ ولأجل ذلك لم يتحمّل الطاغية هذا الموقف، فغضب عليه وأمر بإخراجه، فأُخرج سحباً.

ملاحظتان:

الملاحظة الأُولى:

قيل: إنّ ابن تيميّة - الضالّ المضلّ - نفى حضور أبي برزة الأسلمي مجلس يزيد، بدليل وجوده بالكوفة حينما أُحضر الأُسارى من آل البيت(١) .

فنقول: الدليل عليل من وجوه:

الأوّل: المشهور حضور أبي برزة في الشام وفي مجلس يزيد، وقد ذكر ذلك الجمّ الغفير من المؤرِّخين، مثل البلاذري، والطبري، وابن أعثم، وابن الأثير، والذهبي، وابن كثير، وابن الجوزي، وسبطه، والباعوني، والمزّي والخوارزمي وغيرهم، كما أسلفناه. وهذا أمر لا يمكن لأحد أن يتغافل عنه إلاّ إذا كان أعور!

الثاني: على فرض وجوده بالكوفة زمن وجود الأسرى فيها، فوجوده بالشام زمن وجودهم فيها ليس بأمر مُستبعد؛ لأنّه قد ذكرنا أنّ ابن زياد جهّزهم وأرسلهم إلى الشام ومعهم جماعة، فمن الممكن أن يكون منهم، أو أنّه ذهب بنفسه إلى الشام.

الثالث: أنّ ابن تيمية لم ينفِ هذا فحسب، بل ينفي أموراً بديهيّة ضروريّة ومسلّمة تاريخيّاً، ممّا يدعو إلى السخرية والاستهزاء به؛ فإنّه قال: ( فيزيد لم يأمر بقتل الحسين! ولا حمل رأسه بين يديه، ولا نكت بالقضيب على ثناياه، بل الذي

____________________

(١) اُنظُر حول رأس الحسين ١٧١.

١٢٣

جرى هذا منه هو عبيد الله بن زياد، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، ولا طيِفَ برأسه في الدُّنيا ولا سُبي أحد من أهل الحسين )!!(١) .

إنّ الناظر فيما أوردناه، والمتتبّع في السير يعلم بأنّ ابن تيمية - لكونه من أصلب المدافعين عن يزيد - كيف يُبالغ بحرارة في الدفاع عن هذه الجرثومة الفاسدة، وكيف يُعرض عن جميع ما ذكره أرباب السير والتاريخ من اقتراف يزيد لهذه الجريمة النكراء، فهذا هو ابن كثير الدمشقي - الذي تلوح شقاوته في تاريخه - من جملة مَن اعترف بذلك وقال: ( وقد ورد في ذلك آثار كثيرة )(٢) ، فلأجل ذلك لا يُعتنى بكلامه في المقام.

الرابع: أنّ المهمّ هو اتّخاذ هذا الموقف من أحد الصحابة في المجلس - أيّاً كان ذلك الصحابيّ - وهو ثابت.

الملاحظة الثانية:

قال الخوارزمي: ( وقيل: إنّ الذي ردّ على يزيد ليس أبا برزة، بل هو سمرة بن جندب صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال ليزيد: قطع الله يدك يا يزيد! أتضرب ثنايا طالما رأيت رسول الله يُقبّلهما ويلثم هاتين الشفتين؟

فقال له يزيد: لو لا صحبتك لرسول الله لضربت - والله - عنقك!

فقال سمرة: ويلك! تحفظ لي صحبتي من رسول الله! ولا تحفظ لابن رسول الله بنوّته؟! فضجّ الناس بالبكاء وكادت أن تكون فتنة )(٣) .

ففيه:

____________________

(١) اُنظُر: سؤال في يزيد بن معاوية لابن تيمية: ١٦؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٥.

(٢) البداية والنهاية ٨/ ١٩٤.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

١٢٤

أوّلاً: أنّه خبر مُرسل لا يذكره غيره، ولا يثبت عند الخوارزمي أيضاً، ولذلك يذكره بقوله: (قيل).

وثانياً: إنّ المشهور أنّ سمرة بن جندب قد مات قبل وقعة الطف(١) ، فالمسألة مُنتفية بانتفاء موضوعها رأساً.

وثالثاً: قيل: إنّ سمرة كان عامل معاوية وشريكاً في جرمه، وهو من شرطة ابن زياد الذين حرّضوا الناس على قتال أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، فمن كان هذا حاله يُستبعد منه اتّخاذ مثل هذا الموقف - على فرض حياته وحضوره بالشام آنذاك - وإن لم نستبعد بالمرّة أن يتّخذ إنسان فاسد موقفاً جليلاً في زمنٍ ما.

ونرجع إلى المقصود ونقول: بأنّ المهمّ هو محض اتّخاذ هذا الموقف من أحد الصحابة، وإن لم نعرفه على وجه التحديد.

٢ - زيد بن أرقم:

قال القطب الراوندي: (فدخل عليه (أي على يزيد) زيد بن أرقم، ورأى الرأس في الطشت، وهو يضرب بالقضيب على أسنانه، فقال: ( كفّ عن ثناياه، فطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقبّلها )!

فقال يزيد: لو لا أنّك شيخ خَرِفْت لقتلتك )(٢) .

وإلى ذلك أشار الحميري بقوله:

لم يزل بالقضيب يعلو ثنايا

في جناها الشفاء من كلّ داء

قال زيد ارفعن قضيبك ارفع

عـن ثنايا غُرٍّ غذي باتّقاء

طالما قد رأيت أحمد يلثمها

وكم لي بذاك من شهداء(٤)

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ٢/ ٦٤ط دار أنوار الهدى.

(٢) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨.

(٣) المناقب ٤/ ١١٤.

١٢٥

إنّ زيد هو الذي روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن سبطه سيّد الشهداءعليه‌السلام أنّه قال:( اللّهمّ، إنّي أُحبّه فأحبّه ) (١) ، فلذلك إذا صدر منه هذا الموقف فليس بغريب.

روى ابن الجوزي، عن زيد بن أرقم أنّه قال: ( كنت عند يزيد بن معاوية، فأُتي برأس الحسين بن علي، فجعل ينكت بالخيزران على شفتيه وهو يقول:

يُفلِّقن هاماً من رجال أعزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقلت له: ارفع عصاك!

فقال: تُرابيٌّ؟!

فقلت: أشهد لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضعاً حسناً على فخذه اليمنى، واضعاً حسيناً على فخذه اليسرى، وهو يقول:( اللّهمّ، إنّي أستودعكهما وصالح المؤمنين ) ، فكيف كان حفظك يا يزيد وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! )(٢) .

٣ - نعمان بن بشير:

روي عن محمّد بن أبي بكر التلمساني المشهور بالبري أنّه قال: ( وأُتي يزيد برأس الحسينعليه‌السلام ، فلما وضِع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده ويقول: ( كان أبو عبد الله صبيحاً ).

فقال النعمان بن بشير: ( ارفع يدك - يا يزيد - عن فمٍ طالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبّله)، فاستحيى يزيد وأمر برفع الرأس )(٣) .

٤ - صحابيّ لم يُسمَّ:

روى ابن الأثير، عن عبد الواحد القرشي قال: ( لما أُتي يزيد برأس الحسين

____________________

(١) إحقاق الحقّ ١١/ ٣٠١، عن سير أعلام النبلاء ٣/ ٢١٢ ط مصر.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٦.

(٣) الجوهرة ٢/ ٢١٩ على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٠.

١٢٦

ابن علي (رضي الله عنهما) تناوله بقضيب، فكشف عن ثناياه، فوالله، ما أبرد بأبيض منها، وأنشد:

يُفلِّقن هاماً من رجال أعزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال له رجل عنده: يا هذا، ارفع قضيبك، فوالله، ربّما رأيت شفتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكأنّه يُقبّله.

فرفع مُتذمِّراً عليه مُغضباً )(١) .

قال ابن سعد: (ثمّ مال بالخيزرانة بين شفتي الحسين، فقال له رجل من الأنصار حضره: ارفع قضيبك هذا، فإنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبِّل الموضع الذي وضعته عليه )(٢) .

٥ - يحيى بن الحَكم أو عبد الرحمان بن الحَكم:

وممّن اعترض على فعل يزيد يحيى بن الحَكم أخو مروان بن الحَكم، فإنّه لما رأى ما فعل يزيد برأس الحسين وتمثُّله بالأبيات قال:

لهامٌ بأدنى الطف أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الرذل

أُميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحَكم وقال: اسكُت!

رواه كثير من أرباب السير منهم الشيخ المفيد والطبرسي(٣) .

____________________

(١) أُسد الغابة ٥/ ٣٨١. وروى نحوه عن تاريخ دمشق، وفيه: رجل له صحبة كان عند يزيد بن معاوية حين أُتي برأس الحسين بن علي، إن لم يكن أبا برزة الأسلمي، أو زيد بن أرقم فهو غيرهما (عبرات المصطفين ٢/ ٣٢١ عن تاريخ دمشق المجلّد الأخير: ٥٧، انظر مختصر تاريخ دمشق ٢٩/ ٢٢٠).

وجاء في مقتل الخوارزمي (٢/ ٥٨): فقال له - أي ليزيد - بعض جلسائه: ارفع قضيبك، فوالله، ما أُحصي ما رأيت شفتي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكان قضيبك يُقبّله.

(٢) الطبقات الكبرى ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ): ٨٢.

(٣) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨.

١٢٧

وجاء في بعض الكتب أنّه قال:

لهامٌ بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سُميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وليس لآل المصطفى اليوم من نسل(١)

ونُسب هذا الموقف وهذه الأبيات وموقف يزيد منها إلى أخيه عبد الرحمان بن الحَكم أيضاً (٢) ، ووصفه سبط ابن الجوزي أنّه كان شاعراً فصيحاً، فلعلّ الراجح نسبتها إليه لا إلى أخيه يحيى.

وعن سبط ابن الجوزي، أنّه بعدما أنشد الأبيات صاح وبكى، فضرب يزيد صدره، وقال له: يا بن الحمقاء!، ما لكَ ولهذا؟!(٣) .

وفي البحار عن المناقب بعد ذكر ما أنشده عبد الرحمان بن الحَكم قال يزيد: نعم، فلعن الله ابن مرجانة إذ أقدم على مثل الحسين بن فاطمة، لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلاّ أعطيته إيّاها! ولدفعت عنه الحتف بكلّ ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، لكن قضى الله أمراً فلم يكن له مردّ.

وفي رواية أنّ يزيد أسرّ إلى عبد الرحمان وقال: سبحان الله! أنّى هذا الموضع؟! أما يسعك السكوت؟!(٤) .

٦ - الحسن المثنّى:

روى ابن نما أنّ الحسن بن الحسن لما رآه يضرب بالقضيب موضع فم رسول الله قال: وا ذلاّه!

____________________

(١) اُنظُر تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٩؛ المناقب ٤/ ١١٤؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٤.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤٢١؛ تاريخ الإسلام (للذهبي): ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨؛ مرآة الزمان: ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٠.

(٣) مخطوطة مرآة الزمان: ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥).

(٤) بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٠.

١٢٨

سُميَّة أمسى نسلها عدد الحَصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل(١)

ولقد ذكرنا أنّ الحسن البصري أيضاً قال ذلك حينما سمع بالخبر(٢) . ولعلّه حصل خبط في النقل.

يزيد في موضع الانفعال:

قال سبط ابن الجوزي: ( ولما فعل يزيد برأس الحسين ما فعل تغيّرت وجوه أهل الشام، وأنكروا عليه ما فعل، فقال: أتدرون من أين دهى أبو عبد الله؟!

قالوا: لا.

قال: من الفقه والتأويل، كأنّي به قد قال:أبي خيرٌ من أبيه، وأُمّي خيرٌ من أُمّه، وجدّي خيرٌ من جدّه، فأنا أحقّ بهذا الأمر منه. ولم يلحظ قوله تعالى:( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ... ) الآية(٣) . فسرى عن وجوه أهل الشام )(٤) .

قال ابن أعثم والخوارزمي: (ثمّ أقبل (يزيد) على أهل مجلسه وقال: هذا يفخر عليَّ ويقول:( أبي خير من أبي يزيد، وأُمّي خيرٌ من أُمّه، وجدّي خيرٌ من جدّ يزيد، وأنا خير من يزيد ) ، فهذا الذي قتله! فأمّا قوله: (إنّ أبي خير من أبي يزيد)، فقد حاجّ أبي أباه فقضى الله لأبي على أبيه! وأمّا قوله: (إنّ أُمّي خير من أُمّ يزيد) فلعَمْرِي، إنّه صادق! إنّ فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيرٌ من أُمّي، وأمّا قوله: (إنّ جدّي خير من جدّ يزيد) فليس أحد يؤمن الله واليوم الآخر يقول: إنّه خيرٌ من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا قوله: (أنا) خيرٌ منّي. فلعلّه لم يقرأ هذه الآية:( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ... قَدِيرٌ ) (٥) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠٠.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧.

(٣) آل عمران: ٢٦.

(٤) مرآة الزمان ١٠ - مخطوط - على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٤.

(٥) الفتوح ٢/ ١٨١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧؛ تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥.

١٢٩

ومن المعلوم أنّ يزيد التجأ إلى هذا القول بعد اعتراض كثير من الحاضرين، وفيهم بعض الصحابة وأقاربه أيضاً، فصار مُحرجاً، فسعى لتشويه أهداف نهضة الحسين بهذا القياس السخيف، وإلاّ فأين الثرى من الثُّريّا؟! أين معاوية الطليق ابن الطليق من عليّ أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وقائد الغرّ المحجّلين؟! وأين هند آكلة الأكباد من فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين؟! وأين أبو سفيان الطليق من النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله سيد الأوّلين والآخرين؟! وأين يزيد اللعين من الحسينعليه‌السلام وهو سيّد شباب أهل الجنّة أجمعين؟!

وبعبارة أخصر: أين الشجرة الملعونة في القرآن من الشجرة المباركة، التي أصلها ثابت وفرعها في السماء؟!

ويختم يزيد كلامه بذكر مشيئة الله وقضائه وقدره، وهو لا يعلم منها شيئاً، وهذا هو سلاح المتجبّرين أن يُنهوا كلّ شيء إلى هذه النقطة ويروّجوا لمسلك الجبر في المقام، ويُسكتوا أصوات مخالفيهم والساذجين من الناس.

نعم، التجأ يزيد إلى هذا الموقف المنفعل، بعدما رأى فضاعة إساءته إلى رأس سبط الرسول وثمرة البتول، ولذلك ذكروا أنّه قال بهذا المقال بعدما اعترضه أبو برزة الأسلمي(١) ، أو ابن الحَكم(٢) ، وبعد ذلك تمثّل بأبيات ابن الزبعرى.

ويزيد نفسه يعلم مَن هو الحسينعليه‌السلام ومكانته في قلوب الناس العارفين.

إنّ ابن كثير - مع ما فيه - يعترف بعلوّ مكانة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام في عيون الناس، ويقول: ( بل الناس إنّما ميلهم إلى الحسين لأنّه السيّد الكبير وابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس على وجه الأرض يومئذٍ أحدٌ يُسايره ولا يُساويه )(٣) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ١٣١.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٥١.

١٣٠

تمثُّل يزيد بأبيات ابن الزبعرى:

قال الخوارزمي: ( ثمّ كشف (يزيد) عن ثنايا رأس الحسين بقضيبه ينكته به وأنشد.. فقال بعض جلسائه: ارفع قضيبك! فوالله، ما أُحصي ما رأيت شفتي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكان قضيبك يُقبّله! فأنشد يزيد:

يا غراب البين ما شئت فقُل

إنّـما تـندب أمـراً قد فُعِل

كـلّ مُـلك ونـعيم زائـل

وبـنات الـدهر يلعبن بكلّ

لـيت أشـياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهـلّـوا واسـتهلّوا فـرحاً

ثـمّ قـالوا يـا يزيد لا تُشلّ

لـست من خِندف إن لم أنتقم

مـن بـني أحمد ما كان فعل

لـعبت هـاشم بـالملك فلا

خـبرٌ جـاء ولا وحيٌ نزل

قـد أخـذنا مـن عليٍّ ثارنا

وقـتلنا الفارس الليث البطل

وقـتلنا الـقُرم مـن ساداتهم

وعـدلناه بـبدرٍ فاعتدل(١)

عدّة ملاحظات:

١ - إنّ يزيد تمثّل بأبيات ابن الزبعرى في المقام. صرّح بذلك الكثير.

منهم: أبو الفرج الأصفهاني(٢) ، وابن أعثم الكوفي(٣) ، وسبط ابن الجوزي(٤) ، وابن شهر أشوب(٥) ، والخوارزمي(٦) ..

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

(٢) مقاتل الطالبيين: ١١٩.

(٣) الفتوح ٢/ ١٨٢.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٦١.

(٦) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٦.

١٣١

وابن نما(١) ، وابن عساكر(٢) ، والباعوني(٣) ، والسيّد ابن طاووس(٤) ، وابن أبي الحديد المعتزلي(٥) ، وابن عبد ربّه(٦) ، والبدخشاني(٧) ، وغيرهم. وادّعى سبط ابن الجوزي الشهرة في ذلك(٨) .

أمّا أصل الأشعار، فقد ذكرها ابن هشام (المتوفَّى سنة ٢١٣ أو ٢١٨)(٩) ، ومحمّد بن سلام الجمهي ( المتوفّى سنة ٢٣١)(١٠) ، والجاحظ (المتوفّى سنة ٢٥٥)(١١) ، وأقدمها وأكملها في سيرة ابن هشام.

وأمّا ابن الزبعرى، فهو عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم، أبو سعد، شاعر قريش من الجاهلية، كان شديداً على المسلمين، قيل: إنّه أسلم في الفتح سنة ثمان، ومات سنة ١٥ من الهجرة(١٢) .

قال الخوارزمي: ( قال الحاكم: الأبيات التي أنشدها يزيد بن معاوية هي

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠١.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩.

(٤) الملهوف: ٢١٤.

(٥) شرح نهج البلاغة ١٤/ ٢٨٠.

(٦) العقد الفريد ٥/ ١٣٩.

(٧) نُزل الأبرار: ١٥٩.

(٨) تذكرة الخواص: ٢٦١.

(٩) السيرة النبوية ٣/ ١٤٣.

(١٠) طبقات الشعراء: ٥٧.

(١١) الحيوان ٥/ ٥٦٤.

(١٢) الإصابة ٢/ ٣٠٨ - ترجمة رقم ٤٦٧٩؛ المؤتلف: ١٣٢.

قال محمّد بن سلام الجمهي: وبمكّة شعراء، فأعبرهم شعراً عبد الله بن الزبعرى، والزبعرى في اللغة السيّئ الخُلق والغليظ. (طبقات الشعراء: ٥٧).

١٣٢

لعبد الله بن الزبعرى، أنشدها يوم أُحد لما استُشهد حمزة عمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجماعة من المسلمين، وهي قصيدة طويلة )(١) .

قال ابن هشام: (قال ابن إسحاق: وقال عبد الله بن الزبعرى في يوم أُحد:

يـا غراب البين أسْمَعْتَ فقل

إنّـما تـنطق شـيئاً قد فُعل

إنّ لـلـخير ولـلشرّ مـدىً

وكـلا ذلـك وجـدٌ وقُـبِل

والـعطيّات خـساس بـينهم

وسـواء قـبر مُـثْرٍ ومُقل

كـلّ عـيش ونـعيم زائـل

وبـنات الـدهر يلعبن بكل

أبـلغا حـسّان عـنّي آيـة

فقريض الشعر يشفي ذا الغلل

كـم ترى بالجرّ من جمجمة

وأكُـفّ قـد أمـرَّت ورجل

وسـرابيل حِـسان سـريت

عن كماة أهلكوا في المنتزل

كـم قـتلنا مـن كـريمٍ سيِّد

مـاجد الـجدّين مقدام بطل

صـادق الـنجدة قَـرم بارع

غـير مُلتاث لدى وقع الأسل

فـسل الـمِهراس من ساكنه

بـين أقـحاف وهام كالجحل

لـيت أشـياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

حـين حـكّت بـقباء بركها

واستحرّ القتل في عبد الأشل

ثـمّ خـفّوا عند ذاكم رُقّصا

رقص الحفّان يعلو في الجبل

فـقتلنا الضعف من أشرافهم

وعـدلنا مـيل بـدر فاعتدل

لا ألــوم الـنفس إلاّ أنّـنا

لـو كـررنا لـفعلنا المفتعل

فأجابه حساّن بن ثابت الأنصاري (رضي الله عنه) بقصيدة مطلعها:

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ٢/ ٧٤ (ط دار أنوار الهدى).

١٣٣

ذهبت يا بن الزبعرى وقعة

كان منّا الفضل فيها لو عدل (١)

ورواه الخوارزمي بهذا التفصيل مع تفاوت يسير(٢) .

٢ - إنّ يزيد قد زاد على أبيات ابن الزبعرى ما يدلّ على كفره وخبث باطنه وسريرته، ويكشف عمّا في قلبه من الإلحاد والحقد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطيّبين الطاهرين.

قال ابن أعثم: ثمّ زاد فيها هذا البيت من نفسه:

لستُ من عُتبة إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل (٣)

وقال سبط ابن الجوزي: قال الشعبي: وزاد فيها يزيد فقال:

لعبت هاشم بالملك... الأبيات(٤) .

وعنه أنّه قال: وقيل: إنّ يزيد زاد فيها هذه الأبيات:

لاسـتهلّوا ثـمّ طـاروا فرحاً

ثـمّ قـالوا يـا يزيد لا تُشل

لـعبت هـاشم بـالملك فـلا

خـبرٌ جـاء ولا وحـيٌ نزل

لـست من خِندف إن لم أنتقم

من بني هاشم ما كان فعل(٥)

ولذلك اتّخذ كثير من علماء المسلمين موقفاً جليّاً وصلباً، أمام هذا الطاغي الملحد؛ استناداً إلى هذه الأبيات - وإلى غيرها من أعماله السيّئة - كما ذكرنا ذلك بالتفصيل في المباحث السابقة، ومنه على سبيل المثال:

____________________

(١) أحجمنا عن ذكر القصيدة بكاملها لطولها، فمَن شاء فليُراجع: السيرة النبويّة ٣/ ١٤٣.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٦.

(٣) الفتوح ٢/ ١٨٢.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٦١.

(٥) مرآة الزمان: ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥).

١٣٤

قال مجاهد: ( نافق فيها، ثمّ والله ما بقي من عسكره أحد إلاّ تركه )(١) .

٣ - لقد أوضحنا أنّ أرباب كُتب السير والتاريخ قد ذكروا تمثّل يزيد بهذه الأبيات، وإن كان هناك اختلاف يسير في كيفيّة النقل وعدد الأبيات، فبعضهم لم يذكر إلاّ بيتاً واحداً(٢) ، وبعضهم اثنين(٣) ، وبعضهم ثلاثة(٤) ، وبعضهم أربعة(٥) ، وبعضهم خمسة(٦) ، وبعضهم ستّة(٧) ، وبعضهم سبعة(٨) ، وبعضهم ثمانية أبيات منها(٩) .

٤ - لقد استندت العقيلة السيّدة زينب الكبرى بنت الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى إنشاد يزيد لهذه الأبيات في المجلس بقولها:

( ألا إنّها نتيجة خلال الكفر، وضبّ يُجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر، فلا يُستبطئ في بغضنا أهل البيت مَن كان نظره إلينا شنفاً وشناناً، وإحناً وأضغاناً، يُظهر كفره برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويُفصح ذلك بلسانه، وهو يقول - فرحاً بقتل ولده وسبي ذريّته غير متحوّب ولا مُستعظم يهتف بأشياخه -:

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤٣؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧؛ تذكرة الخواص: ٢٦١؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤.

(٢) أمالي الصدوق: ٢٣١.

(٣) مقاتل الطالبيّين: ١١٩؛ المنتظم ٥/ ٣٤٣؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٦.

(٤) مُثير الأحزان: ١٠١.

(٥) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨٠؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤؛ تفسير القمّي (على ما في بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٧ ح١٣.

(٦) مرآة الزمان: ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ الملهوف: ٢١٤؛ المناقب ٤/ ١١٤.

(٧) بلاغات النساء: ٢١؛ الفتوح ٢/ ١٨٢؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٢.

(٨) روضة الواعظين ١/ ١٩١.

(٩) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

١٣٥

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ولقالوا يا يزيد لا تُشل

مُنتحياً على ثنايا أبي عبد الله - وكان مُقبَّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - ينكتها بمِخصرته، قد التمع السرور بوجهه(١) .. فلترِدَنّ وشيكاً موردهم، ولتودنّ أنّك شُللت وبُكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت )(٢) .

٥ - قال ابن أبي الحديد المعتزلي، في جملة أبيات ذكرها عن ابن الزبعرى، أنّه قالها لوصف يوم أحُد:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

حين حطّت بقباء بركها

واستحرّ القتل في عبد الأشل

ثمّ قال: (كثير من الناس يعتقدون أنّ هذا البيت ليزيد بن معاوية، وقال مَن أكره التصريح باسمه: هذا البيت ليزيد؟

فقلت له: إنّما قاله يزيد مُتمثِّلاً، لما حُمل إليه رأس الحسينعليه‌السلام وهو لابن الزبعرى.

فلم تسكن نفسه إلى ذلك، حتّى أوضحته له فقلت: ألا تراه قال: (جزع الخزرج من وقع الأسل) والحسينعليه‌السلام لم تُحارب عنه الخزرج، وكان يليق أن يقول: جزع بني هاشم من وقع الأسل.

فقال بعض مَن كان حاضراً: لعلّه قاله يوم الحرّة، فقلت: المنقول أنّه أنشده لما حُمل إليه رأس الحسينعليه‌السلام ، والمنقول أنّه شعر ابن الزبعرى، ولا يجوز أن يُترك المنقول إلى ما ليس بمنقول )(٣) .

أقول: لا ريب في صحّة ما قاله المعتزلي، من أنّ أصل الأبيات لابن الزبعرى

____________________

(١) الاحتجاج ٢/ ١٢٦ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٨.

(٢) الملهوف: ٢١٦ - ٢١٧.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٤/ ٢٨٠ عنه بحار الأنوار ٣٤/ ١٥٦؛ عوالم ٢٧/ ٣٩٨.

١٣٦

وإن زاد عليها يزيد أبياتاً - كما مرّ - وكذلك لا خلاف في أنّه أنشده لما حُمل إليه رأس الحسينعليه‌السلام بالشام، ولكن ما ادّعاه من عدم نقل إنشاده في وقعة الحرّة، فإنّه غير صحيح؛ فلقد روي ابن عبد ربّه ذلك بقوله: (وبعث مسلم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد، فلما أُلقيت بين يديه جعل يتمثّل بقول ابن الزبعرى يوم أُحد:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهـلّـوا واسـتهلّوا فـرحاً

ولـقـالوا لـيزيد لا فـشل

فقال له رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارتدد عن الإسلام يا أمير المؤمنين؟!

قال: بلى، نستغفر الله.

قال: والله، لا ساكنتك أرضاً أبداً! وخرج عنه )(١) .

وهذا اعتراف من يزيد على نفسه، بأنّ قوله يوجب الكفر والارتداد عن الدِّين! وإن أمكن أن يُقال: بأنّها سالبة بانتفاع الموضوع!!

٦ - جاء في تفسير القمّي في ذيل الآية الشريفة:( ... ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) (٢) :

( وأمّا قوله:( ... ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ... ) ، فهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أخرجته قريش من مكّة، وهرب منهم إلى الغار وطلبوه ليقتلوه، فعاقبهم الله يوم بدر، فقُتل عتبة وشيبة والوليد وأبو جهل وحنظلة بن أبي سفيان

____________________

(١) العقد الفريد ٥/ ١٣٩.

(٢) الحج: ٦٠.

١٣٧

وغيرهم، فلما قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طُلِب بدمائهم، فقُتل الحسين وآل محمّد بغياً وعدواناً، وهو قول يزيد حين تمثّل بهذا الشعر: ( وذكر الأبيات ثمّ قال: )

وقال الشاعر في مثل ذلك:

وكذاك الشيخ أوصاني به

فاتّبعت الشيخ فيما قد سُئِل

وقال يزيد أيضاً - والرأس مطروح يُقلّبه -:

يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر

حتّى يقيسوا قياساً لا يُقاس به

أيّام بدرٍ لكان الوزن بالقدر

فقال الله تبارك وتعالى:( ... وَمَنْ عَاقَبَ... ) يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( ... بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ... ) ، يعني حين أرادوا أن يقتلوه ( ... ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ... ) يعني بالقائمعليه‌السلام من ولْده(١) .

٧ - روى ابن عساكر، بإسناده عن حمزة بن زيد الحضرمي قال: ( رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهنّ يُقال لها: (ريا) كان بنو أُميّة يُكرمونها، وكان هشام (أي هشام بن عبد الملك) يُكرمها، وكانت إذا جاءت إلى هشام تجيء راكبة، فكلّ مَن رآها من بني أُميّة أكرمها، ويقولون: ريا حاضنة يزيد بن معاوية، فكانوا يقولون: قد بلغت من السنّ مئة سنة، وحُسن وجهها وجمالها باق بنضارته! فلما كان من الأمر الذي كان(٢) استترت في بعض منازل أهلنا، فسمعتها - وهي تقول وتعيب بني أميّة مداراة لنا - قالت: دخل بعض بني أُميّة على يزيد، فقال: ( أبشِر! يا أمير المؤمنين، فقد أمكنك الله من عدوّ الله! وعدوّك - يعني الحسين بن علي - قد قُتل ووُجِّه برأسه إليك )، فلم يلبث إلاّ أيّاماً حتّى جيء برأس الحسين، فوضِع بين يدي يزيد في طشت، فأمر الغلام، فرفع الثوب كان عليه، فحين رآه خمّر وجهه بكمه -

____________________

(١) تفسير القمّي ٣/ ٨٦؛ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٧.

(٢) من زوال ملك بني أُميّة ونقله إلى بني العبّاس.

١٣٨

كأنّه يشمّ منه رائحة(١) - وقال: الحمد لله الذي كفانا المؤونة بغير مؤونة! كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله.

قالت ريا: فدنوت منه، فنظرت إليه وبه ردع من حنّا.

قال حمزة: فقلت لها: أقَرَعَ ثناياه بالقضيب كما يقولون؟

قالت: إي والذي ذهب بنفسه وهو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بالقضيب في يده، ويقول أبياتاً من شعر ابن الزبعرى(٢) .

أقول: ليس بغريب أن يتمثّل يزيد بتلك الأبيات في مواطن عديدة، ومواقف مختلفة ومتعدّدة، ومن المحتمل أنّ ما روته ريا حصل في مجلسه الخاص، كما جرى ذلك في مجلسه العام، كذلك استند إليها في وقعة الحرّة كما مرّ ذكره.

٨ - أنكر ابن تيمية - في رسالته (سؤال في يزيد بن معاوية) التي كتبها بعد قرون من وقعة الطف مُنتصراً ليزيد - كونه المردِّد لشعر ابن الزبعرى(ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا) (٣) .

وإنكار ابن تيميّة لمثل هذه المسألة الواضحة المسلّمة تأريخيّاً - التي ادّعى سبط ابن الجوزي حصول الشهرة عليها(٤) - ليس إلاّ إنكار أمر بديهي، وليس الداعي لذلك إلاّ نصرة يزيد، حشره الله معه، ولقد ذكرنا مصادر البحث شافياً فلا نُعيد.

____________________

(١) روى الشبراوي عنها أنّها قالت: دنوت من رأس الإمام الحسين حين شمّ يزيد منه رائحة لم تُعجبه فإذا تفوح منه رائحة من ريح الجنّة كالمسك الأذفر بل أطيب.. انظر الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٦.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠ ترجمة ريا حاضنة يزيد بن معاوية. وروي في سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٥؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٦ بتفاوت.

(٣) أُنظر: سؤال في يزيد بن معاوية: ١٤.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٦١.

١٣٩

مُحاورات الإمام السجّادعليه‌السلام مع يزيد:

لقد بلغت الحرب النفسيّة الذروة بعد وقعة الطف الأليمة، ولم تكن بأقلّ من الحرب في ظلّ السيوف، فيزيد يريد أن يظهر بمظهر الغالب الظافر في جميع المجالات، وأن يرى انتهاء الأمر بتمامه، لكي يتمّ بذلك كلّ شيءٍ له! وهو يعلم أنّه لا يصل إليه إلاّ بظفره في هذه الحرب النفسيّة، فثمّ يتمّ ترجيح إحدى كفّتي المعادلة.

وفي جبهة الحق نرى أنّها تسير على مسير قائدها، وتتحرّك نحو تحقق أهدافها.

وللإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام القدح المعلّى في ذلك؛ لأنّه هو الحجّة على الأرض بعد أبيه، ولذلك نرى أنّ زينب الكبرى تقف خلفه في جميع المواقف، ومنها ما روي أنّه قال يزيد لزينب: تُكلّميني؟!

فقالت: هو - أي الإمام زين العابدينعليه‌السلام - المتكلِّم(١) ، نعم، ولعمّته زينب الكبرى (سلام الله عليها) الدور الأوفى بعده كما نذكره إن شاء الله.

كان الإمامعليه‌السلام يواجه مشاكل عديدة ينبغي له أن يتغلّب عليها:

١ - طاغوتاً يُسمَّى بيزيد مُتستّر بستار الخلافة الإسلامية، لابدّ أن يُفتضح على رؤوس الأشهاد، ويكشف الغطاء عن واقعه الرذل، ليُكسِّر أمام مُحبّيه ومواليه.

٢ - حُكماً دمويّاً تحت غطاء ديني، فيزيد يستند إلى بعض الآيات القرآنية! ولابدّ للإمام أن يواجه ذلك، ويتمسّك بالقرآن في الإجابة، أو يفسّره بواقعه.

٣ - إعلاماً مضلّلُاً وبيئة مسمومة، فلقد عرّفوا الحسينعليه‌السلام بأنّه رجل خارجيّ! فعلى الإمام أن يواجه ذلك بكلّ صلابة ويُعرِّف أباه ونفسه وأهل بيته بأنّهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث يتكرّر ذلك في مواطن عديدة.

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

١٤٠

إنّ كلّ ذلك يحتاج إلى اتّخاذ مواقف بطولية، وشجاعة علوية، وصمود فاطميّ، وقد تمثّلت في زين العابدين وزينب الكبرى (سلام الله عليهما).

وحينها سوف ترى مَن هو الغالب؟!

قال ابن سعد: (ثمّ أُتي يزيد بن معاوية بثقل الحسين ومَن بقي من أهله، فأُدخلوا عليه قد قُرنوا في الحبال، فوقفوا بين يديه، فقال له عليّ بن الحسين:( أنشدك بالله يا يزيد، ما ظنّك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا مُقرّنين في الحبال، أما كان يرقّ لنا؟! ) .

فأمر يزيد بالحبال، فقُطّعت، وعُرف الانكسار فيه! )(١) .

وهكذا تمكَّن الإمامعليه‌السلام - في أوّل موقف وقفه أمام هذا الطاغي - أن يُجرّده من السلاح، فهوعليه‌السلام لم يكسره نفسياً فحسب، بل جعل الانكسار يبين ويُعرف فيه، كما صرّح بذلك ابن سعد، وسبط ابن الجوزي - في المرآة .

قال سبط ابن الجوزي: ( وكان عليّ بن الحسين والنساء موثّقين في الحبال، فناداه علي:( يا يزيد، ما ظنّك برسول الله لو رآنا موثّقين في الحبال، عرايا على أقتاب الجمال؟! ) ، فلم يبقَ في القوم إلاّ مَن بكى )(٢) .

وهذه الرواية تُصرّح بتغيير وضع المجلس بهذه الكلمة.

قال ابن نما: ( فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( وأنا مغلول، فقلت: أتأذن لي في الكلام؟

____________________

(١) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٣. روى مضمونه: الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ مُثير الأحزان: ٩٨؛ الملهوف: ٢١٣؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٤؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤ وفيه: (... وكان أوّل مَن دخل شمر بن ذي الجوشن على يزيد بعليّ بن الحسينعليه‌السلام مغلولة يده إلى عنقه... ).

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

١٤١

فقال: قل ولا تقل هُجْراً !

قلت: لقد وقفت موقفاً لا ينبغي لمثلي أن يقول الهُجْر، ما ظنّك برسول الله لو رآني في الغِلّ؟!

فقال لمن حوله: حلّوه ) (١) .

قال ابن أعثم: ( ثمّ أُتي بهم - الأسرى من آل البيت - حتّى أُدخلوا على يزيد، وعنده يومئذٍ وجوه أهل الشام، فلما نظر إلى عليّ بن الحسين (رضي الله عنه) قال: مَن أنت يا غلام؟!

فقال:( أنا عليّ بن الحسين ) .

فقال: يا عليّ، إنّ أباك الحسين قطع رحمي، وجهل حقّي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت.

فقال عليّ بن الحسين:( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (٢) .

فقال يزيد لابنه خالد: (اردد عليه يا بُني)، فلم يدرِ خالد ماذا يقول، فقال يزيد قل له:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٣) )(٤) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٩.

أقول: لو لم يتجرّأ ذلك القائل بقوله في يوم الرزيّة: إنّ النبيّ ليهجر، أو أنّه قد غلبه الوجع - والعياذ بالله - لما كان يتجرّأ هذا الخبيث أن يتفوّه بمثل هذه الكلمات في حقّ أبنائه.

(٢) الحديد: ٢٢.

(٣) الشورى: ٣٠.

(٤) الفتوح: ٢/ ١٨٤. وروي مضمونه في: أنساب الأشراف ٣/ ٤١٩؛ الطبقات الكبرى - من القسم غير المطبوع - ٨٣؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ الكامل ٤/ ٨٦؛ الإرشاد ٢/ ١٢٠؛ إعلام الورى: ٢٤٩؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨.

١٤٢

يُستفاد من هذه الرواية استشهاد يزيد بالآية الشريفة، دون أن يردّه الإمام، وفيه تأمّل واضح، فكيف يستند الطاغي إلى آية شريفة في المقام - وهو يريد المغالطة في البين - والإمام قادر على الجواب ولا يفعل!

فلذلك نرى حصول خلل في النقل.

فبعضهم لم يذكر شيئاً عن إجابة يزيد لكلام الإمام، مثل ما أورده ابن الجوزي في المنتظم(١) ، ولا بأس به.

ولنِعْمَ ما ذكره أبو الفرج الأصفهاني في المقام! قال: ( ثمّ دعا يزيد - لعنه الله - بعليّ بن الحسين، فقال: ما اسمك؟

فقال:( عليّ بن الحسين ) .

قال: أوَ لم يقتل الله عليّ بن الحسين؟!

قال:( قد كان لي أخ أكبر منّي يُسمّى علياً فقتلتموه! ) .

قال: بل الله قتله.

قال علي:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا... ) (٢) .

قال له يزيد:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) (٣) .

فقال علي:( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (٤) .

فوثب رجل من أهل الشام فقال: دعني أقتله، فألقت زينب نفسها عليه )(٥) .

فتحصّل أنّه بناءً على ما ذكره أبو الفرج ينتهي الكلام بما استند به الإمامعليه‌السلام ، وهو المطلوب المختار.

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤٣.

(٢) الزمر: ٤٢.

(٣) الشورى: ٣٠

(٤) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٥) مقاتل الطالبيين: ١٢٠.

١٤٣

والدليل عليه ما رواه علي بن إبراهيم القمّي، عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، قال: قال الصادقعليه‌السلام :

(لما أُدخِل رأس الحسين بن عليّعليهما‌السلام على يزيد لعنه الله، وأُدخل عليه عليّ بن الحسين وبنات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان عليّ بن الحسينعليه‌السلام مُقيّداً مغلولاً، فقال يزيد: يا عليّ بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك.

فقال عليّ بن الحسين:( لعن الله مَن قتل أبي ) .

فغضب يزيد وأمر بضرب عُنقه.

فقال عليّ بن الحسين:( فإذا قتلتني فبنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَن يردّهم إلى منازلهم وليس لهم محرم غيري؟ ) .

فقال: أنت تردّهم إلى منازلهم!

ثمّ دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده.

ثمّ قال له: يا عليّ بن الحسين، أتدري ما الذي أريد بذلك؟

قال:( بلى، تُريد أن لا يكون لأحد عليَّ منّة غيرك ) .

فقال يزيد: هذا - والله - ما أردت أفعله.

ثمّ قال يزيد: يا عليّ بن الحسين( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) (١) .

فقال عليّ بن الحسين:( كلاّ، ما هذه فينا نزلت، إنّما نزلت فينا: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ... وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ... ) (٢) ،

____________________

(١) الشورى: ٣٠.

(٢) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

١٤٤

فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا، ولا نفرح بما أتانا منها ) (١) .

نعم، ذكر ابن الصبّاغ المالكي بعد ذكر استشهاد يزيد بآية:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) كلاماً للإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام يكون بمنزلة تفسير هذه الآية.

قال: فقال عليّعليه‌السلام :( هذا في حقّ مَن ظَلَم، لا في مَنْ ظُلم ) (٢) ، فالإمام يهدم أصل استناد يزيد من الأساس، ويُبيّن عدم فقهه بمعنى الآية الشريفة.

قالوا: ( ثمّ دعا بالنساء والصبيان، فأُجلِسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة فقال: قبّح الله ابن مرجانة، لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم هكذا )(٣) .

وهذا أيضاً موضع آخر لتبيِّن الانكسار في وجه يزيد، والتجائه للتفوّه بهذه الكلمات الواهية، وهو يريد أن يتخلّى عن المسؤولية، ويرميها على عاتق فاسق مثله هو ابن زياد.

ملاحظات:

ذكر بعضٌ وقوع المكالمة بين يزيد والإمام زين العابدينعليه‌السلام والاستناد بتلك الآيات الشريفة في هذه المواقف:

١ - قال ابن قتيبة: (وذكروا أنّ أبا معشر قال: حدّثني محمّد بن الحسين بن علي(٤) قال:

____________________

(١) تفسير القمّي ٢/ ٣٥٢ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٨ ح١٤.

(٢) الفصول المهمّة: ١٩٥.

(٣) أُنظر تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٦؛ اعلام الورى: ٢٤٩.

(٤) الظاهر هنا سقط، وهو كلمة عليّ بن، والصحيح هو محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي الذي ينطبق على الإمام محمّد الباقر الذي كان حاضراً في مجلس يزيد.

١٤٥

( دخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر غلاماً مُغلّلين في الحديد، وعلينا قُمُصٌ، فقال يزيد: أخلصتم أنفسكم بعبيد أهل العراق؟! وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج ولا بقتله حين قُتل، فقال عليّ بن الحسين: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (١) .

فغضِب يزيد وجعل يعبث بلحيته، وقال: ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير ٍ ) (٢) ،يا أهل الشام، ما ترون في هؤلاء؟

فقال رجل من أهل الشام: لا تتّخذنّ من كلب سوء جرواً... ) (٣) .

فبناءً على ما ذكره ابن قتيبة لم يفسح المجال للإمام حتّى يقوم بالجواب.

٢ - ذكر ابن عبد ربّه عن، عليّ بن عبد العزيز، عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الخرامي، عن أبيه قال: ( فقتله ( أي الإمام الحسينعليه‌السلام ) عبيدُ الله، وبعث برأسه وثقله إلى يزيد، فلما وُضِع الرأس بين يديه تمثّل بقول حصين بن الحمام المرّي:

يُفلِّقن هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له عليّ بن الحسين - وكان في السبي -:( كتاب الله أولى بك من الشِّعر،

____________________

(١) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) الإمامة والسياسة ٢/ ٨. وروى مضمونه: العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨، ح١١٧٢؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧٢؛ وذكره تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥ بتفاوت.

١٤٦

يقول الله: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (١) .

فغضب يزيد وجعل يعبث بلحيته، ثمّ قال: غير هذا من كتاب الله أولى بك وبأبيك، قال الله:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٢) ، ما ترون يا أهل الشام في هؤلاء؟... )(٣) .

فبناءً على هذا الخبر - أيضاً - لم يفسح يزيد المجال لإجابة الإمامعليه‌السلام .

أورد الحافظ الطبراني، بإسناده عن الليث قال: ( أبى الحسينُ بن علي (رضي الله عنهما) أن يُستأسر(٤) ، فقاتلوه فقتلوه، وقتلوا بنيه وأصحابه الذين قاتلوا معه بمكان يُقال له: الطف. وانُطلِق بعليّ بن حسين وفاطمة بنت حسين وسكينة بنت حسين إلى عبيد الله بن زياد، وعليّ يومئذٍ غلام قد بلغ، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فأمر بسكينة فجعلها خلف سريره لئلاّ ترى رأس أبيها، وذو قرابتها وعليّ بن الحسين (رضي الله عنهما) في غلّ فوضع رأسه، فضرب على ثنيتي الحسين (رضي الله عنه) فقال:

نُفلِّق هاماً من رجالٍ أحبَّة

إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال عليّ بن الحسين (رضي الله عنه):( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن

____________________

(١) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣١. انظر: تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ كفاية الطالب: ٤٣٢؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧١.

(٤) جاء في المصدر أن يستأنس، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه، كذا في تاريخ الإسلام للذهبي ١٨ وسير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩ وتاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٩٣ ومجمع الزوائد ٩/ ١٩٥..

١٤٧

قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (١) .

فثقل على يزيد أن يتمثّل ببيت شعر وتلا عليّ آية من كتاب الله عزّ وجلّ، فقال يزيد: بل( ... بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٢) .

فقال عليّعليه‌السلام :( أما والله، لو رآنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغلولين لأحبّ أن يُخلِّينا من الغِلّ ) .

قال: صدقت، فخلّوهم من الغِل.

قال:( ولو وقفنا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحبّ أن يُقرّبنا ) .

قال: صدقت، فقرّبوهم.

فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لتريان رأس أبيهما، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما... )(٣) .

التأمّل الذي ذكرناه يجري في هذا النقل، وعلى فرض صحّته، فالكلام الواقع بين الإمام ويزيد محمول على إرادة الإمام تجريد يزيد من سلاحه، وذلك بتعريف نفسه وأهل بيته بأنّهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ ما يجري باسم الخلافة الإسلامية هو على خلاف سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نجح الإمامعليه‌السلام في ذلك.

قال ابن أعثم والخوارزمي - واللفظ للأوّل -:

( فتقدّم عليّ بن الحسين حتّى وقف بين يدي يزيد بن معاوية، وجعل يقول:

____________________

(١) الحديد: ٢٢.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) المعجم الكبير ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦. وروى ذلك تاريخ مدينة دمشق - ترجمة فاطمة بنت الحسين - ١٩/ ٤٩٣؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ تاريخ الإسلام: ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٥.

١٤٨

لا تطمعوا أن تُهينونا ونُكرمكم

وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا

فالله يـعـلم أنّـا لا نـحبّكُم

ولا نـلومكُم إن لـم تـحبّونا

فقال يزيد: صدقت يا غلام، ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين، فالحمد لله الذي أذلّهما وسفك دماءهما!

فقال له عليّ بن الحسين:( يا بن معاوية وهند وصخر، لم يزل آبائي وأجدادي فيهم الإمرة من قبل أن تلد [تولد]، ولقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -يوم بدر وأُحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفر ) .

ثمّ جعل عليّ بن الحسين يقول:

مـاذا تـقولون إن قال النبيّ لكم

مـاذا فـعلتم وأنـتم آخـر الأُمم

بـعترتي وبـأهلي بـعد مُنقلبي

مـنهم أُسارى ومنهم ضُرِّجوا بدم

أكـان هـذا جزائي أن نصحتكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

ثمّ قال عليّ بن الحسين:( ويلك - يا يزيد -! إنّك لو تدري ما صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي، وأخي وعمومتي، إذاً لهربت في الجبال، وفرشت الرمال، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس الحسين بن فاطمة وعلي منصوباً على باب المدينة، وهو وديعة رسول الله فيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأبشِر بالخزي والندامة غداً، إذا جُمِع الناس ليومٍ لا ريبَ فيه! ) (١) .

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٤. اُنظُر: مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ تسلية المجالس ٢/ ٢٨٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٥.

١٤٩

وفيه نقاط للبحث والتأمّل:

١ - صلابة موقف الإمام وصموده في المقام.

٢ - جعل الإمام مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام - وما جرى في وقعة الطف وبعده - على عاتق يزيد وتنبيهه لعمق الفاجعة الكبرى، ووعيده بنار جهنّم.

٣ - تبيين موضع جبهة يزيد، بأنّه وأباه وجدّه كانوا على خطِّ الباطل، وفي قِباله هو وأبوه وجدّه على نهج الحقّ، وأنّ النهضة الحسينيّة هي استمرار لتلك المواجهة والمقابلة.

٤ - وفي هذا الخبر أيضاً ما يفضح يزيد نفسه، فقد رأينا أنّه يُحاول أحياناً أن يتخلّى عن مسؤولية قتل الإمام الحسين ويدّعي - كذباً وزوراً - بعدم علمه بقتل الحسينعليه‌السلام وعدم رضاه بذلك، بينما نراه - في هذا الخبر - يُفصح عمّا في ضميره، ويُصرّح بفرحه وسروره بقتل سيّد الشهداء ويحمد الله على ذلك!

يزيد يهمُّ بقتل الإمامعليه‌السلام !

قال الفقيه المحدّث قطب الدين الراوندي: ( وروي أنّه لما حُمِل عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إلى يزيد عليه اللعنة همَّ بضرب عنقه، فوقفه بين يديه وهو يُكلّمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله، وعليّعليه‌السلام يُجيبه حسب ما يُكلّمه، وفي يده سبحة صغيرة يُديرها بأصابعه، وهو يتكلّم، فقال له يزيد عليه ما يستحقّه: أنا أُكلّمك وأنت تُجيبني وتُدير أصابعك بسبحة في يدك! فكيف يجوز ذلك؟!

فقالعليه‌السلام :( حدّثني أبي عن جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه كان إذا صلّى الغداة وانفتل لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه، فيقول: اللّهم، إنّي أصبحت أُسبّحك وأحمدك، وأُهلّلك وأُكبّرك، وأُمجّدك بعدد ما أُدير به سبحتي، ويأخذ السبحة في

١٥٠

يده ويُديرها وهو يتكلّم بما يُريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح، وذكر أنّ ذلك مُحتسب له، وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه، فإذا آوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول، ووضع سبحته تحت رأسه، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت، ففعلت هذا اقتداءً بجدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) .

فقال له يزيد عليه اللعنة مرّة أُخرى: لست أُكلِّم أحداً منكم إلاّ ويُجيبني بما يفوز به.

وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه )(١) .

إشارة بعض الحاضرين بقتل الإمام!

قال المسعودي: ( فلما استُشهد (أي الإمام الحسينعليه‌السلام ) حُمِل عليّ بن الحسين مع الحرم، وأُدخل على اللعين يزيد، وكان لابنه أبي جعفرعليه‌السلام سنتان وشهور، فأُدخِل معه، فلما رآه قال له: كيف رأيت يا عليّ بن الحسين؟!

قال:( رأيت ما قضاه الله عزّ وجلّ قبل أن يخلق السماوات والأرض ) .

فشاور يزيد جلساءه في أمره، فأشاروا بقتله وقالوا له: لا تتّخذ من كلبِ سوءٍ جرواً.

فابتدر أبو محمّد الكلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال ليزيد لعنه الله:( لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه، حيث شاورهم في موسى وهارون، فإنّهم قالوا له: أرْجِه وأخاه، وقد أشار هؤلاء عليك لقتلنا، ولهذا سبب ) .

____________________

(١) الدعوات: ٦١ ح١٥٢، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٠.

١٥١

فقال يزيد: وما السبب؟

فقالعليه‌السلام :( إنّ أولئك كانوا الرشدة، وهؤلاء لغير رشدك، ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلاّ أولاد الأدعياء ) .

فأمسك يزيد مُطرقاً، ثمّ أمر بإخراجهم على ما قُصّ وروي )(١) .

وحيث كان هذا الكلام يحتوي على أحسن برهان وأتقن دليل، لم يجد يزيد أيّ ملجأ يهرب إليه.

مُجابهة الإمام زين العابدين مع الرجل الشامي!

قال ابن سعد: ( فقام رجل من أهل الشام فقال: ( إنّ سباءهم لنا حلال! ).

فقال عليّ بن حسين:( كذبت ولؤمت، ما ذاك لك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتأتي بغير ديننا ) .

فأطرق يزيد مليّاً، ثمّ قال للشامي: اجلس )(٢) .

وروى القاضي نعمان، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: ( ووجّه بي إلى يزيد لعنه الله مع سائر حرم الحسينعليه‌السلام وحرم مَن أُصيب معه، فلما صرنا بين يدي يزيد اللعين قام رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين، نساؤهم لنا حلال.

فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام :( كذبت إلاّ أن تخرج من ملّة الإسلام، فتستحلّ ذلك بغير دين ) .

فأطرق يزيد ملياً، وأمر بالنسوة، فأدخلن إلى نسائه... )(٣) .

____________________

(١) إثبات الوصية: ١٤٥.

(٢) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٣؛ الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام ) ٥/ ٢١٢. ونحوه في: المنتظم ٥/ ٣٤٥؛ عبرات المصطفين؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٥٣، وفيه: ( فأطرق يزيد، ولم يقل في ذلك شيئاً )؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣ بتفاوت.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ١٥٨ ح١٠٨٩.

١٥٢

زينب الكبرى في مجلس يزيد:

إنّها بنت عليّ وفاطمة، وأُخت الحسن والحسين، قد تربَّت في أحضان النبوّة والولاية، وهي اليوم بطلة المعركة، تقف أمام الطاغي بكلّ صلابة، وتُكلِّمه بتمام الشجاعة؛ لأنّها ترى الواقع الثابت عند الله، وتعلم بأنّ أخاها ومسيره الغالبان، والطاغي هو المخذول المغلوب على أمره، ولأجل ذلك نرى أنّه لم يُدركها الهول والفزع، وتقوم برسالتها وبواجبها امتداداً لثورة كربلاء، وتجسيداً رائعاً لقيمها الكريمة وأهدافها السامية.

فهي تتكلّم في وقت الكلام، وتسكت في وقت السكوت، حينما يسألها يزيد بكلامه ( تُكلّميني؟! ) تجعل المسؤولية على عاتق عليّ بن الحسينعليه‌السلام بقولها: هو المتكلِّم(١) ، حتّى تُعرِّف الإمام والحجّة وقائد المسيرة، وحينما يكون الوقت مُقتضياً نرى أنّها تأخذ بزمام الكلام وتنطق بكلمات عالية، تكشف عن كونها تربّت في مدرسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

قال القندوزي: ( ثمّ أمر يزيد الملعون أن يُحضِروا عنده حرم الحسين وأهل بيته، قالت زينب:

يا يزيد، أما تخاف الله ورسوله من قتل الحسين؟! وما كفاك ذلك حتّى تستجلب بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العراق إلى الشام؟! وما كفاك حتّى تسوقنا إليك كما تُساق الإماء على المطايا بغير وطاء؟! وما قتل أخي الحسين (سلام الله عليه) أحدٌ غيرُك يا يزيد، ولو لا أمرك ما يقدر ابن مرجانة أن يقتله؛ لأنّه كان أقلّ عدداً وأذلّ نفساً، أما خشيت من الله بقتله وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أخيه:( الحسن والحسين

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

١٥٣

سيّدا شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين ) ؟، فإن قلت: لا. فقد كذبت، وإن قلت: نعم. فقد خصمت نفسك واعترفت بسوء فعلك.

فقال: (ذرّية يتبع بعضها بعضاً). وبقي يزيد خجلاً ساكتاً )(١) .

وفي هذا الخطاب نقاط لابدّ من الالتفات إليها:

١) التركيز على الانتساب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وذلك لأجل كسر حاجز الخوف الإعلامي المشوّه والمسموم.

٢) التركيز على جعل مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام على عاتق يزيد، وعدم إمكانه من التخلّي عنه، وأنّه لولاه لما تمكّن ابن مرجانة أن يرتكبه.

٣) تأثير كلام زينب الكبرى، بحيث إنّ يزيد لم يحِرْ جواباً.

بين يدي رأس الإمام!

نرى أنّ زينب الكبرى (سلام الله عليها) تتّخذ موقفاً عاطفياً، حينما تواجه رأس أخيها سيّد الشهداء (سلام الله عليه)، ومع ذلك تؤثّر على المجلس تأثيراً تامّاً، بحيث ينقلب المجلس، حتّى يبكي كلُّ مَن كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت.

قال السيّد ابن طاووس: ( وأمّا زينب، فإنّها لما رأته ( رأس الحسينعليه‌السلام ) أهوت إلى جيبها فشقّته، ثمّ نادت بصوت حزين يُقرح القلوب: يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا بن مكّة ومنى! يا بن فاطمة الزهراء سيّدة النساء! يا بن بنت المصطفى! ).

قال الراوي: ( فأبكت - والله - كلّ مَن كان حاضراً في المجلس، ويزيد ساكت )(٢) .

____________________

(١) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢.

(٢) الملهوف: ٢١٣. ونحوه: مُثير الأحزان: ١٠٠؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٣؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤.

١٥٤

خُطبة زينب الكبرى:

إنّ من أروع الخطب التي سجّلها التأريخ، فصارت من متمِّمات النهضة الحسينيّة المباركة، هي الخطبة التي ألقتها زينب الكبرى في مجلس يزيد.

يقول الأستاذ باقر شريف القرشي: ( فقد دمّرت فيه حفيدة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جبروت الطاغية، وألحقت به الهزيمة والعار، وعرّفته أنّ دعاة الحقّ لا تنحني جباههم أمام الطغاة والظالمين )(١) .

ولقد ذكر كثيرٌ تلك الخُطبة الغرّاء، أقدمهم ابن طيفور (ت: ٢٨٠) نذكرها حسب نقله؛ لقدمته وعلوّ مضامينه، ثمّ نردف ما نقله بالصيغة التي رواها الخوارزمي؛ وذلك لأجل وجود فروق كثيرة في نقل الأخير، ولاشتماله على مطالب راقية ومضامين عالية.

قال ابن طيفور - بعد ذكر تمثّل يزيد بأبيات ابن الزبعرى -:

فقالت زينب بنت عليّعليهما‌السلام :

صدق الله ورسوله يا يزيد( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) (٢) ، أَظَنَنْتَ - يَا يَزِيدُ - حين أُخِذ عَلَيْنَا بأَطراف الأَرْضِ وَأكناف السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الأُسارى أَنَّ بِنَا هَوَاناً عَلَى اللهِ، وَبِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةً، وَأَنَّ هذا لِعَظِيمِ خَطَرِكَ؟! فَشَمخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ في عِطْفِكَ، جَذلان فرحاً حينَ رِأَيْتَ الدُّنْيَا مُسْتَوْسِقَةً لكَ، وَالأُمُورَ مُتَّسِقَةً عليك،

____________________

(١) حياة الإمام الحسين ٣/ ٣٨٠.

(٢) الروم: ١٠.

١٥٥

وقد أُمْهِلت ونُفِّست، وهو قول الله تبارك وتعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١) ، أمِنَ العدل - يا بن الطُّلقاء - تخديرك نساءك وإماءَك وسوقك بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هتكت ستورهن وأصحلت صوتهن، مكتئبات تحذي بهنّ الأباعر ويحدو بهنّ الأعادي من بلدٍ إلى بلد، لا يُراقبن ولا يؤوين، يتشوفهنّ القريب والبعيد، ليس معهنّ وليّ من رجالهنّ؟! وكيف يُستبطأ في بُغضنا مَن نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان؟! أتقول: ( ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا ) غير مُتأثِّم ولا مُستعظم، وأنت تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟! ولِمَ لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشافة بإهراقك دماء ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب؟! ولتردنّ على الله وشيكاً موردهم ولتودَنّ أنّك عميت وبُكمت، وأنّك لم تقل: (فاستهلّوا وأهلّوا فرحاً).

اللّهمَّ، خُذْ بحقّنا وانتقم لنا ممّن ظلمنا! والله، ما فريت إلاّ في جلدك ولا حززت إلاّ في لحمك، وسترد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برغمك وعترته ولحُمته في حظيرة القدس، يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث، وهو قول الله تبارك وتعالى:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ

____________________

(١) آل عمران: ١٧٨.

١٥٦

اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ، وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحَكَم الله والخصم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوارحك شاهدة عليك، فبِئْسَ للظالمين بدلاً! أيّكم شرٌّ مكاناً وأضعف جنداً؟! مع أنّي - والله - يا عدوّ الله وابن عدوّه أستصغر قَدرك وأستعظم تقريعك، غير أنّ العيون عبرى! والصدور حرّى! وما يجزي ذلك أو يُغني عنّا، وقد قُتل الحسينعليه‌السلام ، وحزب الشيطان يُقرِّبنا إلى حزب السفهاء ليُعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، وهذه الأفواه تتحلَّب من لحومنا، وتلك الجُثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات، فلئن اتّخذتنا مغنماً لتتّخذنّ مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، تستصرخ ابن مرجانة ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعُك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوّدك معاوية قتلك ذرّية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوالله، ما اتّقيتُ غير الله، ولا شكواي إلاّ إلى الله، فكِدْ كيدك واسْعَ سعيك وناصب جهدك، فوالله، لا يدحض عنك عار ما أتيت إلينا أبداً، والحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبّان الجنان، فأوجب لهم الجنّة، أسأل الله أن يرفع لهم الدرجات، وأن يوجب لهم المزيد من فضله، فإنّه وليٌّ قدير(٢) .

____________________

(١) آل عمران: ١٦٩.

(٢) بلاغات النساء: ٣٥.

١٥٧

وأمّا ما ذكره الخوارزمي فهو:

فقامت زينب بنت علي - وأُمّها فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقالت:

( الْحَمْدُ للهِ ربّ العالمين، والصلاة والسلام على(١) سيّد المرسلين، صدق الله تعالى إذ يقول:( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون ) (٢) . أظننت - يا يزيد - حيث أخذت علينا أقطار الأرض(٣) ، وآفاق السّماء وأصبحنا(٤) نُساق كما تُساق الأُسارى(٥) أنّ بنا على الله(٦) هواناً (٧) ، وبك عليه كرامة(٨) ، وأنّ ذلك لعُظم خِطرك عنده(٩) ؟! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك(١٠) ، جَذلان مسروراً، حين رأيت الدّنيا لك مستوسقة، والأُمور(١١) مُتَّسقةً، وحين صفا لك مُلكنا(١٢) وسلطاننا، فمهلاً

____________________

(١) في الاحتجاج: على جدّي سيّد المرسلين.

(٢) الروم: ١٠.

(٣) في الاحتجاج: وضيّقت علينا آفاق السماء.

(٤) في الاحتجاج: فأصبحنا لك في أسار نُساق إليك سَوْقَ في قطار، وأنت علينا ذو اقتدار.

(٥) في الملهوف: الإماء.

(٦) في الاحتجاج: من الله.

(٧) في الاحتجاج: وعليك منه كرامة وامتناناً.

(٨) في مصير الأحزان: وبك على الله كآبة، فشمخت.

(٩) في الاحتجاج: وأنّ ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك.

(١٠) في الاحتجاج: تضرب أصدريك فرحاً وتنقض مذرويك مرحاً.

(١١) في الاحتجاج: الأُمور لديك.

(١٢) في الاحتجاج: مُلكنا وخلص لك سلطاننا.

١٥٨

مهلاً(١) ! أنسيت قول الله تعالى: ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (٢) ؟!

أمِنَ العدل - يا بن الطّلقاء - تخديرك إماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا؟! قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، يُحدى(٣) بهنّ من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل(٤) والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد(٥) ، والدّنيّ والشّريف(٦) ، ليس معهنّ من رجالهنّ وليٌّ، ولا من حماتهنّ حميّ(٧) . وكيف تُرجى المراقبة مَن لفظ فوه أكباد السّعداء(٨) ، ونبت لحمه بدماء الشُهداء(٩) ؟!

____________________

(١) في الاحتجاج: لا تطِشْ جهلاً.

(٢) آل عمران: ١٧٨.

(٣) في الملهوف: تحدو بهنّ الأعداء، وفي الاحتجاج: يحدو بهنّ الأعداء.

(٤) في الاحتجاج: أهل المنازل والمناهل.

(٥) في الاحتجاج: والغائب والشهيد، والشريف والوضيع.

(٦) في الاحتجاج: والرفيع.

(٧) في الاحتجاج: حميم عتوّاً منك على الله، وجحوداً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودفعاً لما جاء به من عند الله، ولا غَرْوَ منك! ولا عَجب من فعلك! وأنّى يُرتجى الخير ممّن لفظ فوه.

(٨) في الملهوف: الأزكياء، وفي الاحتجاج: الشهداء.

(٩) السعداء، ونصَبَ الحرب لسيّد الأنبياء، وجمع الأحزاب وشهر الحراب وهزّ السيوف في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أشدّ العرب لله جحوداً وأنكرهم له رسولاً، وأظهرهم له عدواناً وأعتاهم على الربّ كفراً وطغياناً، ألا أنّها نتيجة الكفر، وضبّ يُجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر، فلا يَستبطئ.

١٥٩

وكيف(١) لا يَستبطئ في بُغضنا أهل البيت(٢) من نظر إلينا بالشّنف والشّنآن والإحن والأضغان؟! ثُمّ تقول(٣) غير مُتأثّم ولا مُستعظم(٤) :

لأهلُّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشل

مُنتحياً(٥) على ثنايا أبي عبد اللهعليه‌السلام (٦) تنكتها بمخصرتك(٧) !

وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشافة، بإراقتك(٨) دماء ذرِّيَّة آل(٩) محمّد(١٠) ونجوم الأرض من آل عبد المطَّلب؟!

____________________

(١) في الملهوف: وكيف يستظلّ في ظلّنا أهل البيت مَن نظر.

(٢) في الاحتجاج: مَن كان نظره إلينا شنعاً وشنآناً، وإحناً وأضغاناً، يُظهر كفره برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويُفصح ذلك بلسانه وهو يقول - فرحاً بقتل ولده وسبي ذرّيته غير مُتحوّب ولا مُستعظم يهتف بأشياخه -: لأهلّوا.

(٣) في الملهوف: ثمّ تقول، وفي الاحتجاج: وهو يقول.

(٤) في الاحتجاج: يهتف بأشياخه.

(٥) في الاحتجاج والملهوف، ومُثير الأحزان: مُتنحّياً.

(٦) في الملهوف: سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها، وفي الاحتجاج: وكان مُقبَّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينكتها.

(٧) في الاحتجاج: بمِخصرته قد التمع السرور بوجهه، لعمري لقد نكأت.

(٨) دم سيّد شباب أهل الجنّة، وابن يعسوب الدِّين والعرب، وشمس آل عبد المطّلب، وهتفت بأشياخك وتقرّبت بدمه إلى الكَفرة من أسلافك، ثمّ صرخت بندائك، ولعَمْرِي، لقد ناديتهم لو شهدوك ووشيكاً تشهدهم ولم يشهدوك، ولتودّ يمينك كما زعمت شُلّت بك عن مرفقها وجُذَّت. و[أحببت] أُمّك لم تحملك وأباك لم يلدك حين تصير إلى سخط الله ومُخاصمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهمّ، خُذْ...

(٩) في الملهوف: ذرّيّة محمّد.

(١٠) مُثير الأحزان: الذريّة الطاهرة، وتهتف بأشياخك لتردنّ موردهم، اللّهمَّ، خُذْ...

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460