مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246100 / تحميل: 9450
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

إنّ كلّ ذلك يحتاج إلى اتّخاذ مواقف بطولية، وشجاعة علوية، وصمود فاطميّ، وقد تمثّلت في زين العابدين وزينب الكبرى (سلام الله عليهما).

وحينها سوف ترى مَن هو الغالب؟!

قال ابن سعد: (ثمّ أُتي يزيد بن معاوية بثقل الحسين ومَن بقي من أهله، فأُدخلوا عليه قد قُرنوا في الحبال، فوقفوا بين يديه، فقال له عليّ بن الحسين:( أنشدك بالله يا يزيد، ما ظنّك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا مُقرّنين في الحبال، أما كان يرقّ لنا؟! ) .

فأمر يزيد بالحبال، فقُطّعت، وعُرف الانكسار فيه! )(١) .

وهكذا تمكَّن الإمامعليه‌السلام - في أوّل موقف وقفه أمام هذا الطاغي - أن يُجرّده من السلاح، فهوعليه‌السلام لم يكسره نفسياً فحسب، بل جعل الانكسار يبين ويُعرف فيه، كما صرّح بذلك ابن سعد، وسبط ابن الجوزي - في المرآة .

قال سبط ابن الجوزي: ( وكان عليّ بن الحسين والنساء موثّقين في الحبال، فناداه علي:( يا يزيد، ما ظنّك برسول الله لو رآنا موثّقين في الحبال، عرايا على أقتاب الجمال؟! ) ، فلم يبقَ في القوم إلاّ مَن بكى )(٢) .

وهذه الرواية تُصرّح بتغيير وضع المجلس بهذه الكلمة.

قال ابن نما: ( فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( وأنا مغلول، فقلت: أتأذن لي في الكلام؟

____________________

(١) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٣. روى مضمونه: الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ مُثير الأحزان: ٩٨؛ الملهوف: ٢١٣؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٤؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤ وفيه: (... وكان أوّل مَن دخل شمر بن ذي الجوشن على يزيد بعليّ بن الحسينعليه‌السلام مغلولة يده إلى عنقه... ).

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

١٤١

فقال: قل ولا تقل هُجْراً !

قلت: لقد وقفت موقفاً لا ينبغي لمثلي أن يقول الهُجْر، ما ظنّك برسول الله لو رآني في الغِلّ؟!

فقال لمن حوله: حلّوه ) (١) .

قال ابن أعثم: ( ثمّ أُتي بهم - الأسرى من آل البيت - حتّى أُدخلوا على يزيد، وعنده يومئذٍ وجوه أهل الشام، فلما نظر إلى عليّ بن الحسين (رضي الله عنه) قال: مَن أنت يا غلام؟!

فقال:( أنا عليّ بن الحسين ) .

فقال: يا عليّ، إنّ أباك الحسين قطع رحمي، وجهل حقّي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت.

فقال عليّ بن الحسين:( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (٢) .

فقال يزيد لابنه خالد: (اردد عليه يا بُني)، فلم يدرِ خالد ماذا يقول، فقال يزيد قل له:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٣) )(٤) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٩.

أقول: لو لم يتجرّأ ذلك القائل بقوله في يوم الرزيّة: إنّ النبيّ ليهجر، أو أنّه قد غلبه الوجع - والعياذ بالله - لما كان يتجرّأ هذا الخبيث أن يتفوّه بمثل هذه الكلمات في حقّ أبنائه.

(٢) الحديد: ٢٢.

(٣) الشورى: ٣٠.

(٤) الفتوح: ٢/ ١٨٤. وروي مضمونه في: أنساب الأشراف ٣/ ٤١٩؛ الطبقات الكبرى - من القسم غير المطبوع - ٨٣؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ الكامل ٤/ ٨٦؛ الإرشاد ٢/ ١٢٠؛ إعلام الورى: ٢٤٩؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨.

١٤٢

يُستفاد من هذه الرواية استشهاد يزيد بالآية الشريفة، دون أن يردّه الإمام، وفيه تأمّل واضح، فكيف يستند الطاغي إلى آية شريفة في المقام - وهو يريد المغالطة في البين - والإمام قادر على الجواب ولا يفعل!

فلذلك نرى حصول خلل في النقل.

فبعضهم لم يذكر شيئاً عن إجابة يزيد لكلام الإمام، مثل ما أورده ابن الجوزي في المنتظم(١) ، ولا بأس به.

ولنِعْمَ ما ذكره أبو الفرج الأصفهاني في المقام! قال: ( ثمّ دعا يزيد - لعنه الله - بعليّ بن الحسين، فقال: ما اسمك؟

فقال:( عليّ بن الحسين ) .

قال: أوَ لم يقتل الله عليّ بن الحسين؟!

قال:( قد كان لي أخ أكبر منّي يُسمّى علياً فقتلتموه! ) .

قال: بل الله قتله.

قال علي:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا... ) (٢) .

قال له يزيد:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) (٣) .

فقال علي:( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (٤) .

فوثب رجل من أهل الشام فقال: دعني أقتله، فألقت زينب نفسها عليه )(٥) .

فتحصّل أنّه بناءً على ما ذكره أبو الفرج ينتهي الكلام بما استند به الإمامعليه‌السلام ، وهو المطلوب المختار.

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤٣.

(٢) الزمر: ٤٢.

(٣) الشورى: ٣٠

(٤) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٥) مقاتل الطالبيين: ١٢٠.

١٤٣

والدليل عليه ما رواه علي بن إبراهيم القمّي، عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، قال: قال الصادقعليه‌السلام :

(لما أُدخِل رأس الحسين بن عليّعليهما‌السلام على يزيد لعنه الله، وأُدخل عليه عليّ بن الحسين وبنات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان عليّ بن الحسينعليه‌السلام مُقيّداً مغلولاً، فقال يزيد: يا عليّ بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك.

فقال عليّ بن الحسين:( لعن الله مَن قتل أبي ) .

فغضب يزيد وأمر بضرب عُنقه.

فقال عليّ بن الحسين:( فإذا قتلتني فبنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَن يردّهم إلى منازلهم وليس لهم محرم غيري؟ ) .

فقال: أنت تردّهم إلى منازلهم!

ثمّ دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده.

ثمّ قال له: يا عليّ بن الحسين، أتدري ما الذي أريد بذلك؟

قال:( بلى، تُريد أن لا يكون لأحد عليَّ منّة غيرك ) .

فقال يزيد: هذا - والله - ما أردت أفعله.

ثمّ قال يزيد: يا عليّ بن الحسين( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) (١) .

فقال عليّ بن الحسين:( كلاّ، ما هذه فينا نزلت، إنّما نزلت فينا: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ... وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ... ) (٢) ،

____________________

(١) الشورى: ٣٠.

(٢) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

١٤٤

فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا، ولا نفرح بما أتانا منها ) (١) .

نعم، ذكر ابن الصبّاغ المالكي بعد ذكر استشهاد يزيد بآية:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) كلاماً للإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام يكون بمنزلة تفسير هذه الآية.

قال: فقال عليّعليه‌السلام :( هذا في حقّ مَن ظَلَم، لا في مَنْ ظُلم ) (٢) ، فالإمام يهدم أصل استناد يزيد من الأساس، ويُبيّن عدم فقهه بمعنى الآية الشريفة.

قالوا: ( ثمّ دعا بالنساء والصبيان، فأُجلِسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة فقال: قبّح الله ابن مرجانة، لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم هكذا )(٣) .

وهذا أيضاً موضع آخر لتبيِّن الانكسار في وجه يزيد، والتجائه للتفوّه بهذه الكلمات الواهية، وهو يريد أن يتخلّى عن المسؤولية، ويرميها على عاتق فاسق مثله هو ابن زياد.

ملاحظات:

ذكر بعضٌ وقوع المكالمة بين يزيد والإمام زين العابدينعليه‌السلام والاستناد بتلك الآيات الشريفة في هذه المواقف:

١ - قال ابن قتيبة: (وذكروا أنّ أبا معشر قال: حدّثني محمّد بن الحسين بن علي(٤) قال:

____________________

(١) تفسير القمّي ٢/ ٣٥٢ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٨ ح١٤.

(٢) الفصول المهمّة: ١٩٥.

(٣) أُنظر تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٦؛ اعلام الورى: ٢٤٩.

(٤) الظاهر هنا سقط، وهو كلمة عليّ بن، والصحيح هو محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي الذي ينطبق على الإمام محمّد الباقر الذي كان حاضراً في مجلس يزيد.

١٤٥

( دخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر غلاماً مُغلّلين في الحديد، وعلينا قُمُصٌ، فقال يزيد: أخلصتم أنفسكم بعبيد أهل العراق؟! وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج ولا بقتله حين قُتل، فقال عليّ بن الحسين: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (١) .

فغضِب يزيد وجعل يعبث بلحيته، وقال: ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير ٍ ) (٢) ،يا أهل الشام، ما ترون في هؤلاء؟

فقال رجل من أهل الشام: لا تتّخذنّ من كلب سوء جرواً... ) (٣) .

فبناءً على ما ذكره ابن قتيبة لم يفسح المجال للإمام حتّى يقوم بالجواب.

٢ - ذكر ابن عبد ربّه عن، عليّ بن عبد العزيز، عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الخرامي، عن أبيه قال: ( فقتله ( أي الإمام الحسينعليه‌السلام ) عبيدُ الله، وبعث برأسه وثقله إلى يزيد، فلما وُضِع الرأس بين يديه تمثّل بقول حصين بن الحمام المرّي:

يُفلِّقن هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له عليّ بن الحسين - وكان في السبي -:( كتاب الله أولى بك من الشِّعر،

____________________

(١) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) الإمامة والسياسة ٢/ ٨. وروى مضمونه: العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨، ح١١٧٢؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧٢؛ وذكره تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥ بتفاوت.

١٤٦

يقول الله: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (١) .

فغضب يزيد وجعل يعبث بلحيته، ثمّ قال: غير هذا من كتاب الله أولى بك وبأبيك، قال الله:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٢) ، ما ترون يا أهل الشام في هؤلاء؟... )(٣) .

فبناءً على هذا الخبر - أيضاً - لم يفسح يزيد المجال لإجابة الإمامعليه‌السلام .

أورد الحافظ الطبراني، بإسناده عن الليث قال: ( أبى الحسينُ بن علي (رضي الله عنهما) أن يُستأسر(٤) ، فقاتلوه فقتلوه، وقتلوا بنيه وأصحابه الذين قاتلوا معه بمكان يُقال له: الطف. وانُطلِق بعليّ بن حسين وفاطمة بنت حسين وسكينة بنت حسين إلى عبيد الله بن زياد، وعليّ يومئذٍ غلام قد بلغ، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فأمر بسكينة فجعلها خلف سريره لئلاّ ترى رأس أبيها، وذو قرابتها وعليّ بن الحسين (رضي الله عنهما) في غلّ فوضع رأسه، فضرب على ثنيتي الحسين (رضي الله عنه) فقال:

نُفلِّق هاماً من رجالٍ أحبَّة

إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال عليّ بن الحسين (رضي الله عنه):( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن

____________________

(١) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣١. انظر: تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ كفاية الطالب: ٤٣٢؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧١.

(٤) جاء في المصدر أن يستأنس، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه، كذا في تاريخ الإسلام للذهبي ١٨ وسير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩ وتاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٩٣ ومجمع الزوائد ٩/ ١٩٥..

١٤٧

قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (١) .

فثقل على يزيد أن يتمثّل ببيت شعر وتلا عليّ آية من كتاب الله عزّ وجلّ، فقال يزيد: بل( ... بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٢) .

فقال عليّعليه‌السلام :( أما والله، لو رآنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغلولين لأحبّ أن يُخلِّينا من الغِلّ ) .

قال: صدقت، فخلّوهم من الغِل.

قال:( ولو وقفنا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحبّ أن يُقرّبنا ) .

قال: صدقت، فقرّبوهم.

فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لتريان رأس أبيهما، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما... )(٣) .

التأمّل الذي ذكرناه يجري في هذا النقل، وعلى فرض صحّته، فالكلام الواقع بين الإمام ويزيد محمول على إرادة الإمام تجريد يزيد من سلاحه، وذلك بتعريف نفسه وأهل بيته بأنّهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ ما يجري باسم الخلافة الإسلامية هو على خلاف سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نجح الإمامعليه‌السلام في ذلك.

قال ابن أعثم والخوارزمي - واللفظ للأوّل -:

( فتقدّم عليّ بن الحسين حتّى وقف بين يدي يزيد بن معاوية، وجعل يقول:

____________________

(١) الحديد: ٢٢.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) المعجم الكبير ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦. وروى ذلك تاريخ مدينة دمشق - ترجمة فاطمة بنت الحسين - ١٩/ ٤٩٣؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ تاريخ الإسلام: ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٥.

١٤٨

لا تطمعوا أن تُهينونا ونُكرمكم

وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا

فالله يـعـلم أنّـا لا نـحبّكُم

ولا نـلومكُم إن لـم تـحبّونا

فقال يزيد: صدقت يا غلام، ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين، فالحمد لله الذي أذلّهما وسفك دماءهما!

فقال له عليّ بن الحسين:( يا بن معاوية وهند وصخر، لم يزل آبائي وأجدادي فيهم الإمرة من قبل أن تلد [تولد]، ولقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -يوم بدر وأُحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفر ) .

ثمّ جعل عليّ بن الحسين يقول:

مـاذا تـقولون إن قال النبيّ لكم

مـاذا فـعلتم وأنـتم آخـر الأُمم

بـعترتي وبـأهلي بـعد مُنقلبي

مـنهم أُسارى ومنهم ضُرِّجوا بدم

أكـان هـذا جزائي أن نصحتكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

ثمّ قال عليّ بن الحسين:( ويلك - يا يزيد -! إنّك لو تدري ما صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي، وأخي وعمومتي، إذاً لهربت في الجبال، وفرشت الرمال، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس الحسين بن فاطمة وعلي منصوباً على باب المدينة، وهو وديعة رسول الله فيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأبشِر بالخزي والندامة غداً، إذا جُمِع الناس ليومٍ لا ريبَ فيه! ) (١) .

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٤. اُنظُر: مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ تسلية المجالس ٢/ ٢٨٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٥.

١٤٩

وفيه نقاط للبحث والتأمّل:

١ - صلابة موقف الإمام وصموده في المقام.

٢ - جعل الإمام مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام - وما جرى في وقعة الطف وبعده - على عاتق يزيد وتنبيهه لعمق الفاجعة الكبرى، ووعيده بنار جهنّم.

٣ - تبيين موضع جبهة يزيد، بأنّه وأباه وجدّه كانوا على خطِّ الباطل، وفي قِباله هو وأبوه وجدّه على نهج الحقّ، وأنّ النهضة الحسينيّة هي استمرار لتلك المواجهة والمقابلة.

٤ - وفي هذا الخبر أيضاً ما يفضح يزيد نفسه، فقد رأينا أنّه يُحاول أحياناً أن يتخلّى عن مسؤولية قتل الإمام الحسين ويدّعي - كذباً وزوراً - بعدم علمه بقتل الحسينعليه‌السلام وعدم رضاه بذلك، بينما نراه - في هذا الخبر - يُفصح عمّا في ضميره، ويُصرّح بفرحه وسروره بقتل سيّد الشهداء ويحمد الله على ذلك!

يزيد يهمُّ بقتل الإمامعليه‌السلام !

قال الفقيه المحدّث قطب الدين الراوندي: ( وروي أنّه لما حُمِل عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إلى يزيد عليه اللعنة همَّ بضرب عنقه، فوقفه بين يديه وهو يُكلّمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله، وعليّعليه‌السلام يُجيبه حسب ما يُكلّمه، وفي يده سبحة صغيرة يُديرها بأصابعه، وهو يتكلّم، فقال له يزيد عليه ما يستحقّه: أنا أُكلّمك وأنت تُجيبني وتُدير أصابعك بسبحة في يدك! فكيف يجوز ذلك؟!

فقالعليه‌السلام :( حدّثني أبي عن جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه كان إذا صلّى الغداة وانفتل لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه، فيقول: اللّهم، إنّي أصبحت أُسبّحك وأحمدك، وأُهلّلك وأُكبّرك، وأُمجّدك بعدد ما أُدير به سبحتي، ويأخذ السبحة في

١٥٠

يده ويُديرها وهو يتكلّم بما يُريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح، وذكر أنّ ذلك مُحتسب له، وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه، فإذا آوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول، ووضع سبحته تحت رأسه، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت، ففعلت هذا اقتداءً بجدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) .

فقال له يزيد عليه اللعنة مرّة أُخرى: لست أُكلِّم أحداً منكم إلاّ ويُجيبني بما يفوز به.

وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه )(١) .

إشارة بعض الحاضرين بقتل الإمام!

قال المسعودي: ( فلما استُشهد (أي الإمام الحسينعليه‌السلام ) حُمِل عليّ بن الحسين مع الحرم، وأُدخل على اللعين يزيد، وكان لابنه أبي جعفرعليه‌السلام سنتان وشهور، فأُدخِل معه، فلما رآه قال له: كيف رأيت يا عليّ بن الحسين؟!

قال:( رأيت ما قضاه الله عزّ وجلّ قبل أن يخلق السماوات والأرض ) .

فشاور يزيد جلساءه في أمره، فأشاروا بقتله وقالوا له: لا تتّخذ من كلبِ سوءٍ جرواً.

فابتدر أبو محمّد الكلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال ليزيد لعنه الله:( لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه، حيث شاورهم في موسى وهارون، فإنّهم قالوا له: أرْجِه وأخاه، وقد أشار هؤلاء عليك لقتلنا، ولهذا سبب ) .

____________________

(١) الدعوات: ٦١ ح١٥٢، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٠.

١٥١

فقال يزيد: وما السبب؟

فقالعليه‌السلام :( إنّ أولئك كانوا الرشدة، وهؤلاء لغير رشدك، ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلاّ أولاد الأدعياء ) .

فأمسك يزيد مُطرقاً، ثمّ أمر بإخراجهم على ما قُصّ وروي )(١) .

وحيث كان هذا الكلام يحتوي على أحسن برهان وأتقن دليل، لم يجد يزيد أيّ ملجأ يهرب إليه.

مُجابهة الإمام زين العابدين مع الرجل الشامي!

قال ابن سعد: ( فقام رجل من أهل الشام فقال: ( إنّ سباءهم لنا حلال! ).

فقال عليّ بن حسين:( كذبت ولؤمت، ما ذاك لك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتأتي بغير ديننا ) .

فأطرق يزيد مليّاً، ثمّ قال للشامي: اجلس )(٢) .

وروى القاضي نعمان، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: ( ووجّه بي إلى يزيد لعنه الله مع سائر حرم الحسينعليه‌السلام وحرم مَن أُصيب معه، فلما صرنا بين يدي يزيد اللعين قام رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين، نساؤهم لنا حلال.

فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام :( كذبت إلاّ أن تخرج من ملّة الإسلام، فتستحلّ ذلك بغير دين ) .

فأطرق يزيد ملياً، وأمر بالنسوة، فأدخلن إلى نسائه... )(٣) .

____________________

(١) إثبات الوصية: ١٤٥.

(٢) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٣؛ الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام ) ٥/ ٢١٢. ونحوه في: المنتظم ٥/ ٣٤٥؛ عبرات المصطفين؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٥٣، وفيه: ( فأطرق يزيد، ولم يقل في ذلك شيئاً )؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣ بتفاوت.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ١٥٨ ح١٠٨٩.

١٥٢

زينب الكبرى في مجلس يزيد:

إنّها بنت عليّ وفاطمة، وأُخت الحسن والحسين، قد تربَّت في أحضان النبوّة والولاية، وهي اليوم بطلة المعركة، تقف أمام الطاغي بكلّ صلابة، وتُكلِّمه بتمام الشجاعة؛ لأنّها ترى الواقع الثابت عند الله، وتعلم بأنّ أخاها ومسيره الغالبان، والطاغي هو المخذول المغلوب على أمره، ولأجل ذلك نرى أنّه لم يُدركها الهول والفزع، وتقوم برسالتها وبواجبها امتداداً لثورة كربلاء، وتجسيداً رائعاً لقيمها الكريمة وأهدافها السامية.

فهي تتكلّم في وقت الكلام، وتسكت في وقت السكوت، حينما يسألها يزيد بكلامه ( تُكلّميني؟! ) تجعل المسؤولية على عاتق عليّ بن الحسينعليه‌السلام بقولها: هو المتكلِّم(١) ، حتّى تُعرِّف الإمام والحجّة وقائد المسيرة، وحينما يكون الوقت مُقتضياً نرى أنّها تأخذ بزمام الكلام وتنطق بكلمات عالية، تكشف عن كونها تربّت في مدرسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

قال القندوزي: ( ثمّ أمر يزيد الملعون أن يُحضِروا عنده حرم الحسين وأهل بيته، قالت زينب:

يا يزيد، أما تخاف الله ورسوله من قتل الحسين؟! وما كفاك ذلك حتّى تستجلب بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العراق إلى الشام؟! وما كفاك حتّى تسوقنا إليك كما تُساق الإماء على المطايا بغير وطاء؟! وما قتل أخي الحسين (سلام الله عليه) أحدٌ غيرُك يا يزيد، ولو لا أمرك ما يقدر ابن مرجانة أن يقتله؛ لأنّه كان أقلّ عدداً وأذلّ نفساً، أما خشيت من الله بقتله وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أخيه:( الحسن والحسين

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

١٥٣

سيّدا شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين ) ؟، فإن قلت: لا. فقد كذبت، وإن قلت: نعم. فقد خصمت نفسك واعترفت بسوء فعلك.

فقال: (ذرّية يتبع بعضها بعضاً). وبقي يزيد خجلاً ساكتاً )(١) .

وفي هذا الخطاب نقاط لابدّ من الالتفات إليها:

١) التركيز على الانتساب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وذلك لأجل كسر حاجز الخوف الإعلامي المشوّه والمسموم.

٢) التركيز على جعل مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام على عاتق يزيد، وعدم إمكانه من التخلّي عنه، وأنّه لولاه لما تمكّن ابن مرجانة أن يرتكبه.

٣) تأثير كلام زينب الكبرى، بحيث إنّ يزيد لم يحِرْ جواباً.

بين يدي رأس الإمام!

نرى أنّ زينب الكبرى (سلام الله عليها) تتّخذ موقفاً عاطفياً، حينما تواجه رأس أخيها سيّد الشهداء (سلام الله عليه)، ومع ذلك تؤثّر على المجلس تأثيراً تامّاً، بحيث ينقلب المجلس، حتّى يبكي كلُّ مَن كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت.

قال السيّد ابن طاووس: ( وأمّا زينب، فإنّها لما رأته ( رأس الحسينعليه‌السلام ) أهوت إلى جيبها فشقّته، ثمّ نادت بصوت حزين يُقرح القلوب: يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا بن مكّة ومنى! يا بن فاطمة الزهراء سيّدة النساء! يا بن بنت المصطفى! ).

قال الراوي: ( فأبكت - والله - كلّ مَن كان حاضراً في المجلس، ويزيد ساكت )(٢) .

____________________

(١) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢.

(٢) الملهوف: ٢١٣. ونحوه: مُثير الأحزان: ١٠٠؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٣؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤.

١٥٤

خُطبة زينب الكبرى:

إنّ من أروع الخطب التي سجّلها التأريخ، فصارت من متمِّمات النهضة الحسينيّة المباركة، هي الخطبة التي ألقتها زينب الكبرى في مجلس يزيد.

يقول الأستاذ باقر شريف القرشي: ( فقد دمّرت فيه حفيدة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جبروت الطاغية، وألحقت به الهزيمة والعار، وعرّفته أنّ دعاة الحقّ لا تنحني جباههم أمام الطغاة والظالمين )(١) .

ولقد ذكر كثيرٌ تلك الخُطبة الغرّاء، أقدمهم ابن طيفور (ت: ٢٨٠) نذكرها حسب نقله؛ لقدمته وعلوّ مضامينه، ثمّ نردف ما نقله بالصيغة التي رواها الخوارزمي؛ وذلك لأجل وجود فروق كثيرة في نقل الأخير، ولاشتماله على مطالب راقية ومضامين عالية.

قال ابن طيفور - بعد ذكر تمثّل يزيد بأبيات ابن الزبعرى -:

فقالت زينب بنت عليّعليهما‌السلام :

صدق الله ورسوله يا يزيد( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) (٢) ، أَظَنَنْتَ - يَا يَزِيدُ - حين أُخِذ عَلَيْنَا بأَطراف الأَرْضِ وَأكناف السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الأُسارى أَنَّ بِنَا هَوَاناً عَلَى اللهِ، وَبِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةً، وَأَنَّ هذا لِعَظِيمِ خَطَرِكَ؟! فَشَمخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ في عِطْفِكَ، جَذلان فرحاً حينَ رِأَيْتَ الدُّنْيَا مُسْتَوْسِقَةً لكَ، وَالأُمُورَ مُتَّسِقَةً عليك،

____________________

(١) حياة الإمام الحسين ٣/ ٣٨٠.

(٢) الروم: ١٠.

١٥٥

وقد أُمْهِلت ونُفِّست، وهو قول الله تبارك وتعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١) ، أمِنَ العدل - يا بن الطُّلقاء - تخديرك نساءك وإماءَك وسوقك بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هتكت ستورهن وأصحلت صوتهن، مكتئبات تحذي بهنّ الأباعر ويحدو بهنّ الأعادي من بلدٍ إلى بلد، لا يُراقبن ولا يؤوين، يتشوفهنّ القريب والبعيد، ليس معهنّ وليّ من رجالهنّ؟! وكيف يُستبطأ في بُغضنا مَن نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان؟! أتقول: ( ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا ) غير مُتأثِّم ولا مُستعظم، وأنت تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟! ولِمَ لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشافة بإهراقك دماء ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب؟! ولتردنّ على الله وشيكاً موردهم ولتودَنّ أنّك عميت وبُكمت، وأنّك لم تقل: (فاستهلّوا وأهلّوا فرحاً).

اللّهمَّ، خُذْ بحقّنا وانتقم لنا ممّن ظلمنا! والله، ما فريت إلاّ في جلدك ولا حززت إلاّ في لحمك، وسترد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برغمك وعترته ولحُمته في حظيرة القدس، يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث، وهو قول الله تبارك وتعالى:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ

____________________

(١) آل عمران: ١٧٨.

١٥٦

اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ، وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحَكَم الله والخصم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوارحك شاهدة عليك، فبِئْسَ للظالمين بدلاً! أيّكم شرٌّ مكاناً وأضعف جنداً؟! مع أنّي - والله - يا عدوّ الله وابن عدوّه أستصغر قَدرك وأستعظم تقريعك، غير أنّ العيون عبرى! والصدور حرّى! وما يجزي ذلك أو يُغني عنّا، وقد قُتل الحسينعليه‌السلام ، وحزب الشيطان يُقرِّبنا إلى حزب السفهاء ليُعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، وهذه الأفواه تتحلَّب من لحومنا، وتلك الجُثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات، فلئن اتّخذتنا مغنماً لتتّخذنّ مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، تستصرخ ابن مرجانة ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعُك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوّدك معاوية قتلك ذرّية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوالله، ما اتّقيتُ غير الله، ولا شكواي إلاّ إلى الله، فكِدْ كيدك واسْعَ سعيك وناصب جهدك، فوالله، لا يدحض عنك عار ما أتيت إلينا أبداً، والحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبّان الجنان، فأوجب لهم الجنّة، أسأل الله أن يرفع لهم الدرجات، وأن يوجب لهم المزيد من فضله، فإنّه وليٌّ قدير(٢) .

____________________

(١) آل عمران: ١٦٩.

(٢) بلاغات النساء: ٣٥.

١٥٧

وأمّا ما ذكره الخوارزمي فهو:

فقامت زينب بنت علي - وأُمّها فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقالت:

( الْحَمْدُ للهِ ربّ العالمين، والصلاة والسلام على(١) سيّد المرسلين، صدق الله تعالى إذ يقول:( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون ) (٢) . أظننت - يا يزيد - حيث أخذت علينا أقطار الأرض(٣) ، وآفاق السّماء وأصبحنا(٤) نُساق كما تُساق الأُسارى(٥) أنّ بنا على الله(٦) هواناً (٧) ، وبك عليه كرامة(٨) ، وأنّ ذلك لعُظم خِطرك عنده(٩) ؟! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك(١٠) ، جَذلان مسروراً، حين رأيت الدّنيا لك مستوسقة، والأُمور(١١) مُتَّسقةً، وحين صفا لك مُلكنا(١٢) وسلطاننا، فمهلاً

____________________

(١) في الاحتجاج: على جدّي سيّد المرسلين.

(٢) الروم: ١٠.

(٣) في الاحتجاج: وضيّقت علينا آفاق السماء.

(٤) في الاحتجاج: فأصبحنا لك في أسار نُساق إليك سَوْقَ في قطار، وأنت علينا ذو اقتدار.

(٥) في الملهوف: الإماء.

(٦) في الاحتجاج: من الله.

(٧) في الاحتجاج: وعليك منه كرامة وامتناناً.

(٨) في مصير الأحزان: وبك على الله كآبة، فشمخت.

(٩) في الاحتجاج: وأنّ ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك.

(١٠) في الاحتجاج: تضرب أصدريك فرحاً وتنقض مذرويك مرحاً.

(١١) في الاحتجاج: الأُمور لديك.

(١٢) في الاحتجاج: مُلكنا وخلص لك سلطاننا.

١٥٨

مهلاً(١) ! أنسيت قول الله تعالى: ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (٢) ؟!

أمِنَ العدل - يا بن الطّلقاء - تخديرك إماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا؟! قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، يُحدى(٣) بهنّ من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل(٤) والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد(٥) ، والدّنيّ والشّريف(٦) ، ليس معهنّ من رجالهنّ وليٌّ، ولا من حماتهنّ حميّ(٧) . وكيف تُرجى المراقبة مَن لفظ فوه أكباد السّعداء(٨) ، ونبت لحمه بدماء الشُهداء(٩) ؟!

____________________

(١) في الاحتجاج: لا تطِشْ جهلاً.

(٢) آل عمران: ١٧٨.

(٣) في الملهوف: تحدو بهنّ الأعداء، وفي الاحتجاج: يحدو بهنّ الأعداء.

(٤) في الاحتجاج: أهل المنازل والمناهل.

(٥) في الاحتجاج: والغائب والشهيد، والشريف والوضيع.

(٦) في الاحتجاج: والرفيع.

(٧) في الاحتجاج: حميم عتوّاً منك على الله، وجحوداً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودفعاً لما جاء به من عند الله، ولا غَرْوَ منك! ولا عَجب من فعلك! وأنّى يُرتجى الخير ممّن لفظ فوه.

(٨) في الملهوف: الأزكياء، وفي الاحتجاج: الشهداء.

(٩) السعداء، ونصَبَ الحرب لسيّد الأنبياء، وجمع الأحزاب وشهر الحراب وهزّ السيوف في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أشدّ العرب لله جحوداً وأنكرهم له رسولاً، وأظهرهم له عدواناً وأعتاهم على الربّ كفراً وطغياناً، ألا أنّها نتيجة الكفر، وضبّ يُجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر، فلا يَستبطئ.

١٥٩

وكيف(١) لا يَستبطئ في بُغضنا أهل البيت(٢) من نظر إلينا بالشّنف والشّنآن والإحن والأضغان؟! ثُمّ تقول(٣) غير مُتأثّم ولا مُستعظم(٤) :

لأهلُّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشل

مُنتحياً(٥) على ثنايا أبي عبد اللهعليه‌السلام (٦) تنكتها بمخصرتك(٧) !

وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشافة، بإراقتك(٨) دماء ذرِّيَّة آل(٩) محمّد(١٠) ونجوم الأرض من آل عبد المطَّلب؟!

____________________

(١) في الملهوف: وكيف يستظلّ في ظلّنا أهل البيت مَن نظر.

(٢) في الاحتجاج: مَن كان نظره إلينا شنعاً وشنآناً، وإحناً وأضغاناً، يُظهر كفره برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويُفصح ذلك بلسانه وهو يقول - فرحاً بقتل ولده وسبي ذرّيته غير مُتحوّب ولا مُستعظم يهتف بأشياخه -: لأهلّوا.

(٣) في الملهوف: ثمّ تقول، وفي الاحتجاج: وهو يقول.

(٤) في الاحتجاج: يهتف بأشياخه.

(٥) في الاحتجاج والملهوف، ومُثير الأحزان: مُتنحّياً.

(٦) في الملهوف: سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها، وفي الاحتجاج: وكان مُقبَّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينكتها.

(٧) في الاحتجاج: بمِخصرته قد التمع السرور بوجهه، لعمري لقد نكأت.

(٨) دم سيّد شباب أهل الجنّة، وابن يعسوب الدِّين والعرب، وشمس آل عبد المطّلب، وهتفت بأشياخك وتقرّبت بدمه إلى الكَفرة من أسلافك، ثمّ صرخت بندائك، ولعَمْرِي، لقد ناديتهم لو شهدوك ووشيكاً تشهدهم ولم يشهدوك، ولتودّ يمينك كما زعمت شُلّت بك عن مرفقها وجُذَّت. و[أحببت] أُمّك لم تحملك وأباك لم يلدك حين تصير إلى سخط الله ومُخاصمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهمّ، خُذْ...

(٩) في الملهوف: ذرّيّة محمّد.

(١٠) مُثير الأحزان: الذريّة الطاهرة، وتهتف بأشياخك لتردنّ موردهم، اللّهمَّ، خُذْ...

١٦٠

أتهتف(١) بأشياخك؟! زعمت تُناديهم(٢) ، فلتردنّ وشيكاً موردهم، ولتودَّنّ أنّك شُللت وبُكمت ولم تكن قلت ما قلت.

اللّهمّ، خُذْ بحقّنا، وانتقم(٣) ممّن ظلمنا(٤) ، وأحْلِل غضبك(٥) بمَن سفك دماءنا(٦) وقتل حُماتنا.

فوالله، ما فريت إلاّ جلدك، ولا (٧) جززت(٨) إلاّ لحمك، ولتردَنّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما تحمّلت(٩) من سفك دماء ذرّيته وانتهاك حُرمته(١٠) في لحُمته وعترته، وليُخاصمنّك حيث يجمع الله تعالى شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ لهم بحقّهم( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ

____________________

(١) في الملهوف: وتهتف بأشياخك.

(٢) في الملهوف: إنّك تُناديهم.

(٣) في مُثير الأحزان: وانتقم لنا ممّن ظلمنا، فما فريت إلاّ جلدك.

(٤) في الاحتجاج: وانتقم من ظالمنا.

(٥) في الاحتجاج: غضبك على مَن سفك.

(٦) في الاحتجاج: ونقض ذمارنا، وقتل حماتنا، وعتك عنّا سدولنا، وفعلت فعلتك التي فعلت، وما فريت.

(٧) في الاحتجاج: وما جززت.

(٨) في الملهوف: ولا حززت.

(٩) الاحتجاج: من دم ذُرّيّته وانتهكت من حُرمته وسفكت من دماء عترته ولحُمته، حيث يجمع به شملهم ويلم به شعثهم، وينتقم من ظالمهم ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم، فلا يستفزّنّك الفرح بقتلهم ولا تحسبنّ.

(١٠) في الملهوف: وانتهكت من حرمته في عترته ولحُمته، وحيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقّهم ولا تحسبنّ...

١٦١

يُرْزَقُونَ ) (١) .(٢) فحسبك بالله(٣) حاكماً، وبمحمد خصماً(٤) وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم مَن سوّل(٥) لك ومكّنك من رقاب المسلمين، أنْ بئس(٦) للظّالمين بدلاً، وأيّكم شرٌّ مكاناً وأضعف(٧) جُنداً.

ولئن جرّت عليّ الدّواهي مُخاطبتك، فإنّي(٨) لأستصغر قَدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر(٩) توبيخك، لكنّ العيون عبرى، والصّدور حرّى.

ألا(١٠) فالعَجب كلّ العَجب! بقتل(١١) حزب(١٢) الله النُجباء بحزب

____________________

(١) آل عمران: ١٦٩.

(٢) في الاحتجاج: فرحين بما آتاهم الله من فضله) وحسبك.

(٣) في الاحتجاج: وليّاً وحاكماً وبرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصيماً.

(٤) الملهوف: خصيماً.

(٥) في الاحتجاج: مَن بوّأك.

(٦) في الملهوف: (بِئْسَ) من دون (أن).

(٧) الاحتجاج: وأضلّ سبيلاً. وما استصغاري قَدرك ولا استعظامي تقريعك، توليماً لانتجاع الخطاب فيك، بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى وصدورهم عند ذكره حرّى، فتلك قلوب قاسية، ونفوس طاغية، وأجسام محشوّة بسخط الله ولعنة الرسول، قد عشّش فيها الشيطان وفرَّخ، ومن هناك مثلك ما درج ونهض.

(٨) في الملهوف: إنّي.

(٩) في الملهوف: وأستكثر.

(١٠) غير موجودة في الاحتجاج.

(١١) في الملهوف: لقتل.

(١٢) في الاحتجاج: لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء، وسليل الأوصياء، بأيدي الطُّلقاء الخبيثة، ونسل العهرة الفجرة، تنطف أكفُّهم.

١٦٢

الشيطان الطُّلقاء، فتلك الأيدي تنطف(١) من دمائنا، وتلك(٢) الأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجُثث الطّواهر الزّواكي تتنابها(٣) العواسل وتعفوها(٤) الذئاب(٥) ، وتؤمّها الفراعل، ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنا(٦) وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك(٧) ، وأنّ الله ليس بظلاّم للعبيد، فإلى الله المشتكى(٨) ، وعليه المعوّل.

فكد كيدك(٩) ، واسْعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله، لا تمحو(١٠) ذِكْرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها(١١) ، ولا تغيب شنارها، فهل رأيك إلاّ فند وأيّامك إلاّ عدد،

____________________

(١) في الملهوف: فهذه الأيدي تنضخ من دمائنا.

(٢) في الاحتجاج: وتتحلّب أفواههم من لحومنا، تلك الجُثث الزاكية على الجيوب الضاحية تنتابها.

(٣) في الملهوف: تتناهبها.

(٤) في الاحتجاج: تُعفّرها [ أُمّهات ] لفزاعل، فلئن.

(٥) في الملهوف: وتعفوها أُمّهات الفراعل.

(٦) في الاحتجاج: لتجد بنا.

(٧) في الاحتجاج: وما ربّك بظلاّم للعبيد، والملهوف: وما الله بظلاّم للعبيد.

(٨) في الاحتجاج: وإليه الملجأ والمؤمّل، ثمّ كِدْ.

(٩) في الاحتجاج: واجهد جهدك فو [الله] الذي شرّفنا بالوحي والكتاب والنبوّة والانتجاب، لا تُدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا يدحض عنك عارنا، وهل رأيك.

(١٠) في الملهوف: لا تمحونّ.

(١١) في الملهوف: وهل رأيك إلاّ فنداً وأيّامك إلاّ عدداً وجمعك إلاّ بدداً؟!

١٦٣

وشملك(١) إلاّ بدد، يوم يُنادي المنادي ألا لعنة(٢) الله على الظالمين.

فالحمد لله الّذي ختمَ(٣) لأوّلنا بالسّعادة والرحمة، ولآخرنا بالشّهادة والمغفرة(٤) .

وأسأل(٥) الله أن يُكمل لهم الثّواب، ويوجب لهم المزيد(٦) ، وحسن المآب، ويختم بنا الشرافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل، نِعْمَ المولى ونعم النصير(٧) )(٨) .

إنّه خطاب عظيم! تمكّن من كسر غرور يزيد وتحطيم كبريائه!

يقول الإمام كاشف الغطاء (رحمه الله): ( أتستطيع ريشةُ أعظم مُصوِّر وأبدع مُمثِّل أن يُمثِّل لك حال يزيد وشموخه بأنفه، وزهوّه بعطفه، وسروره وجذله باتّساق الأمور وانتظام الملك، ولذّة الفتح والظفر، والتشفّي والانتقام؟! - بأحسن من ذلك التصوير

____________________

(١) في الاحتجاج: وجمعك.

(٢) في الاحتجاج: ألا لعن الظالم العادي.

(٣) في الاحتجاج: حكم لأوليائه بالسعادة، وختم لأصفيائه ببلوغ الإرادة، ونقلهم إلى الرحمة والرأفة، والرضوان والمغفرة، ولم يشقَ بهم غيرك ولا ابتُلي بهم سواك، ونسأله أن يُكمل لهم الأجر ويجزل لم الثواب والذخر، ونسأله حسن الخلافة وجميل الإنابة إنّه رحيم ودود.

(٤) في الملهوف: والرحمة.

(٥) في الملهوف: ونسأل.

(٦) في الملهوف: ويحسن علينا الخلافة إنّه رحيم ودود.

(٧) ليست هذه الفقرة الأخيرة في الملهوف.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣. وانظر: مُثير الأحزان: ١٠١؛ الملهوف: ٢١٥؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٣؛ الحدائق الوردية لحميد بن زيد اليماني؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٣؛ أعلام النساء ٢/ ٩٥ لعمر رضا كحالة؛ وغيرهم.

١٦٤

والتمثيل - وهل في القدرة والإمكان لأحد أن يدفع خصمه بالحجّة والبيان، والتقريع والتأنيب، ويبلغ ما بلغته سلام الله عليها بتلك الكلمات، وهي على الحال الذي عرفت، ثمّ لم تقتنع منه بذلك حتّى أرادت أن تُمثّل له وللحاضرين عنده ذلّة الباطل وعِزّة الحقّ، وعدم الاكتراث والمبالاة بالقوّة والسلطة، والهيبة والرهبة، أرادت أن تُعرّفه خِسّة قَدَرِه، وضِعَة مقداره، وشناعة فعله، ولؤم فرعه وأصله؟! )(١) .

ويقول المرحوم الفكيكي:

(تأمّل معي في هذه الخُطبة الناريّة، كيف جمعت بين فنون البلاغة وأساليب الفصاحة، وبراعة البيان، وبين معاني الحماسة وقوّة الاحتجاج، وحجّة المعارضة والدفاع في سبيل الحرّيّة، والحقّ والعقيدة بصراحة هي أنفذ من السيوف إلى أعماق القلوب، وأحدّ من وقع الأسنّة في الحشا والمهج في مواطن القتال ومجالات النزال، وكان الوثوب على أنياب الأفاعي وركوب أطراف الرماح أهون على يزيد من سماع هذا الاحتجاج الصارخ، الذي صرخت به ربيبة المجد والشرف في وجوه طواغيت بني أُميّة وفراعنتهم، في منازل عزّهم ومجالس دولتهم الهرقلية الارستقراطية الكريهة.

ثمّ إنّ هذه الخطبة التاريخية القاصعة، لا تزال تنطق ببطولات الحوراء الخالدة وجرأتها النادرة، وقد احتوت النفس القويّة الحسّاسة الشاعرة بالمثالية الأخلاقية الرفيعة السامية، وسيبقى هذا الأدب الحيّ صارخاً في وجوه الطغاة الظالمين على مدى الدهر وتعاقُب الأجيال، وفي كلّ ذكرى لواقعة الطف الدامية المفجعة )(٢) .

____________________

(١) السياسة الحسينيّة: ٣٠.

(٢) مجلّة الغري، السنة السابعة، العدد ٦، على ما في حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ٣/ ٣٨١.

١٦٥

نظرة سريعة في مضامين الخُطبة:

إنّ هذه الخُطبة الغرّاء تحتوي على مضامين عالية ومواقف صلبة، نشير إلى بعضها:

١ - بيان نقطة مُهمّة في المعارف الإسلامية، حول إمهال الله تعالى الطغاة الظلمة والكفرة الفجرة، وأنّه ليس ذلك إلاّ لإتمام الحجّة عليهم وليزدادوا إثماً، وفي المقام أنّ ما وصل إليه يزيد ليس لعُظم خِطره عند الله! فليعلم أنّه له عذاب عظيم.

٢ - بيان جور يزيد في الحكم، مع أنّه يدّعي تمثيله الخلافة الإسلامية.

٣ - التركيز على مسألة حفظ مكانة المرأة ولزوم الغيرة.

٤ - التركيز على أنّ ما فعله يزيد هو نتيجة الكفر، وأنّ ما ارتكبه هو انتقام لما فعله الرسول من قتل أقرباء يزيد الكفرة في يوم بدر، وهو هزّ السيوف في وجه رسول الله بعد مضيّ خمسين سنة من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.

٥ - التأكيد أنّ الحُكم والولاية لآل محمّد لا لغيرهم، وذلك في قولها: ( وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا ).

٦ - الإشارة إلى مسؤولية مَن مكَّن الطاغية من رقاب المسلمين، وبذلك تُجيب عمّا يُريد أن يُحيل ذلك إلى قضاء الله وقدره!

٧ - التصريح بعدم تمكّن يزيد ولا أذنابه من محو ذكر أهل البيت، فذلك أمر لا يتمكّنه أحد.

٨ - بيان عظمة مقام الشهيد وعلوّ الشهادة في الفكر الإسلامي.

٩ - جعل المسؤولية الكبرى في قتل الإمام الحسينعليه‌السلام على عاتق يزيد مباشرة.

١٦٦

موقف يزيد من الخُطبة!

قال الخوارزمي - بعد ذكره الخُطبة - فقال يزيد:

يا صحيحة تُحمَد من صوائح

ما أهون النوح على النوائح(١)

وقال الأستاذ باقر شريف القرشي: ( وكان خطاب العقيلة كالصاعقة على رأس يزيد، فقد انهار غروره وتحطّم كبرياؤه، وحار في الجواب، فلم يستطع أن يقول شيئاً، إلاّ أنّه تمثّل بقول الشاعر (وذكر البيت)، ولم تكُنْ أيّة مُناسبة بين ذلك الخطاب العظيم، الذي أبرزت فيه عقيلة الوحي واقع يزيد، وجرّدته من جميع القيم الإنسانية، وبين ما تمثّل به من الشعر، الذي أعلن فيه أنّ الصيحة تُحمَد من الصوائح، وأنّ النوح يهون على النائحات، فأيّ ربط موضوعي بين الأمرين؟! )(٢) .

موقف زينب الكبرى من طَلَبِ الرجل الشامي!

قال الشيخ المفيد:

(قالت فاطمة بنت الحسينعليها‌السلام : فلما جلسنا بين يدي يزيد ورقّ لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية - يعنيني - وكنت جارية وضيئة، فأرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمّتي زينب، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون.

فقالت عمّتي للشامي: كذبت - والله - ولؤمت! والله، ما ذلك لك ولا له!

فغضب يزيد وقال: كذبتِ! إنّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت!

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣. وقال ابن نما وابن طاووس: فقال يزيد لعنه الله:

يا صيحة تُحمَد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

مُثير الأحزان: ١٠١؛ الملهوف: ٢١٨.

(٢) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ٣/ ٣٨٣.

١٦٧

قالت: والله، ما جعل الله لك ذلك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها.

فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدِّين أبوك وأخوك!

قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مُسلماً.

قال: كذبتِ يا عدوّة الله!

قالت له: أنت أمير، تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك.

فكأنّه استحيى وسكت.

فعاد الشامي فقال: هَبْ لي هذه الجارية.

فقال له يزيد: اعِزُبْ، وهَبَ الله لك حتفاً قاضياً )(١) .

ملاحظات:

١ - قال ابن الجوزي وأمّ: ا قوله: (لي أن أسبيهم) فأمر لا يقع لفاعله ومُعتقده إلاّ اللعنة(٢) .

وقال سبطه: ( ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين! وتسليطه عمر بن سعد على قتله! وحمل الرؤوس إليه! وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثناياه!! وحمل آل رسول الله سبايا على أقتاب الجمال!!وعزمه على أن يدفع فاطمة

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١٢١. روى مضمونه في شأن بنت الحسين: الفتوح ٢/ ١٨٤؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ مُثير الأحزان: ١٠٠؛ إعلام الورى: ٢٤٩؛ الاحتجاج ٢/ ١٣١؛ تذكرة الخواص: ٢٦٤؛ الملهوف: ٢١٨؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٥؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٥، وغيرهم بتفاوت بالنقل.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢.

١٦٨

بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها!!... وكذا قول يزيد: (لي أن أسبيكم) لما طلب الرجل فاطمة بنت الحسين)(١) .

٢ - ذكر الخوارزمي - حينما ذكر ما وقع من الكلام بين يزيد وزينب الكبرىعليها‌السلام في المقام -:

( قالت زينب: أمير مُسلّط يشتم ظالماً، ويقهر بسلطانه، اللّهمّ، إليك أشكو دون غيرك.

فاستحيى يزيد، وندم وسكت مُطرقاً، وعاد الشاميّ إلى مثل كلامه، فقال: يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية.

فقال له يزيد: اعِزُبْ عنّي لعنك الله! ووهب لك حَتفاً قاضياً، ويلك! لا تقل ذلك! فهذه بنت علي وفاطمة، وهم أهل بيت لم يزالوا مُبغضين لنا منذ كانوا )(٢) .

وروى سبط ابن الجوزي، عن هشام بن محمّد قال: ( إنّه لما دخل النساء على يزيد، نظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وكانت وضيئة، فقال ليزيد: هَبْ لي هذه؛ فإنّهنّ لنا حلال، فصاحت الصَّبْيَّة وارتعدت، وأخذت بثوب عمّتها زينب، فصاحت زينب: ليس ذلك إلى يزيد ولا كرامة!

فغضب يزيد وقال: لو شئت لفعلت!

فقالت زينب: صلِّ إلى غير قبلتنا، ودِنْ بغير ملّتنا وافعل ما شئت، فسكن غضبه )(٣) .

والمهُمّ ما ذكره السيّد ابن طاووس:

(ونظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام فقال: يا أمير

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ انظر الفتوح ٢/ ١٨٤.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٤.

١٦٩

المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية، فقالت فاطمة لعمّتها: يا عمّتاه، أُيتمت وأستخدم؟!

فقالت زينب: لا، ولا كرامة لهذا الفاسق!

فقال الشامي: مَن هذه الجارية؟

فقال له يزيد لعنه الله: هذه فاطمة ابنة الحسين، وتلك عمّتها زينب ابنة عليّ.

فقال الشامي: الحسين بن فاطمة وعليّ بن أبي طالب؟!

قال: نعم.

فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد! تقتل عترة نبيّك وتسبي ذرّيته، والله، ما توهّمت إلاّ أنّهم سبي روم!

فقال يزيد: والله، لأُلحقنّك بهم. ثمّ أمر به، فضُربت عنقه )(١) .

وهذا الخبر أيضاً يدلّ بوضوح على سيطرة الإعلام المضلّل، وبثّ الدعايات الكاذبة في الشام؛ ولذلك نرى تركيز أهل البيت - وعلى رأسهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام وزينب الكبرىعليها‌السلام - وتكرارهم بأنّهم من أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وثمرة عليّ وفاطمة.

٣ - ذكر بعض أنّ القصّة جرت في شأن فاطمة بنت علي، ثمّ ذكروا الموقف الزينبيّ نفسه، ذكر ذلك البلاذري(٢) ، والشيخ الصدوق(٣) ، والطبري(٤) ، وابن الأثير(٥) ، وابن الجوزي(٦) ، وابن كثير(٧) بتفاوت بالنقل.

أقول: وأمّا فاطمة بنت علي - عليه السلام - فقد ذكرها الشيخ المفيد(٨) ، وابن

____________________

(١) الملهوف: ٢١٨؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٥.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٣١، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤.

(٤) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣.

(٥) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦.

(٦) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ المنتظم ٥/ ٣٤٤.

(٧) البداية والنهاية ٨/ ١٩٦.

(٨) الإرشاد ١/ ٣٥٥.

١٧٠

شهر آشوب(١) ، والطبرسي(٢) ، وابن أبي الحديد(٣) ، وغيرهم في عداد أولاد الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأُمّها أُمّ ولد، روي عن عنبسة العابد أنّه قال: إنّ فاطمة بنت علي مُدّ لها في العمر حتّى رآها أبو عبد اللهعليه‌السلام (٤) .

ولكنّ المهمّ في المقام أمران:

الأوّل: لا نعلم بحضورها في وقعة الطف وبعدها.

الثاني: على فرض حضورها، فالقرائن الحالية والمقالية في الخبر، تدلّ على أنّها كانت في شأن فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام لا فاطمة بنت عليّعليهما‌السلام ، التي روي أنّها كانت مُتزوّجة من محمّد بن عقيل(٥) .

وأمّا ما جاء في بعض هذه الأخبار، بأنّها قالت: فأخذتُ أُختي وهي أكبر منّي وأعقل(٦) . أو: وأخذتُ بثياب أُختي زينب(٧) ، فهناك رواية يمكن الركون والاعتماد عليها، وهي ما رواها الخوارزمي أنّها قالت فاطمة بنت الحسين: فأخذت بثياب أُختي وعمّتي زينب(٨) ، والأُخت هي سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام .

٤ - أهمل بعض التصريح بالاسم، واكتفى بذكر عنوان (وصيفة من بناتهم)(٩) ،

____________________

(١) المناقب ٣/ ٣٠٥، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ٩٢.

(٢) إعلام الورى، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ٩٤.

(٣) شرح نهج البلاغة، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ٩٠.

(٤) قرب الإسناد: ١٦٣ ح٥٩٤، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ١٠٦.

(٥) بحار الأنوار ٤٢/ ٩٢.

(٦) أمالي الصدوق: ٢٣١.

(٧) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٤.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢.

(٩) تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٩.

١٧١

أو (وصيفة من بناته)(١) ، أو (صَبيّة منهم)(٢) ، ثمّ ذكر الموقف نفسه لزينبعليها‌السلام .

٥ - لقد تفرّد أبو الفرج الإصبهاني بذكره الخبر في شأن زينب سلام الله عليها، فإنّه بعدما ذكر من الكلام الذي جرى بين الإمام زين العابدينعليه‌السلام ويزيد، قال: ( فوثب رجل من أهل الشام فقال: (دعني أقتله)، فألقت زينب نفسها عليه، فقام رجل آخر فقال: ( يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه اتّخذها أمَة).

قال: فقالت له زينب: (لا! ولا كرامة! ليس لك ذلك، ولا له، إلاّ أن يخرج من دين الله ).

فصاح به يزيد: (اجلس)، فجلس، وأقبلت زينب عليه وقالت: ( يا يزيد، حسبك من دمائنا )، وقال عليّ بن الحسين:( إن كان لك بهؤلاء النسوة رحم وأردت قتلي فابعث معهنّ أحداً يؤدّيهنّ ).

فرقَّ له وقال: لا يؤدّيهنّ غيرك )(٣) .

٦ - لقد حقّقت زينب الكبرى نصراً حاسماً على الطاغي، وهو في ذروة السلطة والقدرة الظاهريّة، فقد أفحمته المرّة بعد المرّة، وقد تمكّنت أن تُظهر جهل مدّعي الخلافة للناس، كما كشفت عن عدم فقهه في شؤون الدِّين؛ فإنّ نساء المسلمين لا يصحّ اعتبارهنّ سبايا في الحروب، ولا يُعامَلن معاملة السبي، فكيف إن كنّ بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

دور أُمّ كلثوم في مجلس يزيد:

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) - حول طلب الرجل الشامي من يزيد -:

(وفي بعض الكُتب: قالت أُمّ كلثوم للشامي: اسكت يا لُكع الرّجال! قطع الله لسانك، وأعمى عينيك، وأيبس يديك، وجعل النار مثواك، إنّ أولاد الأنبياء لا

____________________

(١) البداية والنهاية ٨/ ١٩٩.

(٢) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٩.

(٣) مقاتل الطالبيين: ١٢٠.

١٧٢

يكونون خدمة لأولاد الأدعياء.

قال: فوالله، ما استتمّ كلامها حتّى أجاب الله دعاءها في ذلك الرجل.

فقالت: الحمد لله الذي عجّل لك العقوبة في الدُّنيا قبل الآخرة! فهذا جزاء مَن يتعرّض لحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(١) .

دور سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام :

قال الشيخ المفيد: ( سكينة بنت الحسين... أُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، كلبية، وهي أُمّ عبد الله بن الحسين... )(٢) .

ولها دور مُهمّ في جميع مراحل النهضة الحسينيّة، ومنها في مجلس يزيد، فهي تسير على نهج أخيها الإمام السجّادعليهما‌السلام وعمّتها زينب الكبرىعليها‌السلام ، وتقصد تحقيق نفس الأهداف، وتتوسّل بذات الأساليب؛ فلذلك نرى أنّها تقوم بتعريف الأُسارى بأنّهم من آل محمّد، لكي تُسيطر على الجوّ المسموم إعلاميّاً.

روى الحميري، بإسناده عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام قال:( لما قُدِم على يزيد بذراري الحسين أُدِخل بهنّ نهاراً مكشوفات وجوههنّ، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبياً أحسن من هؤلاء، فمَنْ أنتم؟ فقالت سكينة بنت الحسين: نحن سبايا آل محمّد ) (٣) .

ونرى أنّها تواجه يزيد بكلّ صلابة، وتُجبره على التراجع في الموقف، بحيث يُظهر الندامة ويجعل المسؤولية على عاتق ابن مرجانة كذباً وزوراً.

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٧.

(٢) الإرشاد ٢/ ١٣٥.

(٣) قرب الإسناد: ٢٦، ح٨٨، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٩ ح١٥.

١٧٣

قال ابن سعد: ( وقالت له سكينة بنت حسين: يا يزيد، بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ سبايا(١) ].

فقال: يا بنت أخي، هو - والله - عليَّ أشدّ منه عليك!

وقال: أقسمت بالله، لو أنّ بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه، ولكن فرّقتْ بينه وبينه سميّة!

وقال: قد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين، فرحم الله أبا عبد الله، عجّل عليه ابن زياد، أما والله، لو كنت صاحبه ثمّ لم أقدر على دفع القتل عنه إلاّ بنقص بعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه! ولوددت أنّي أتيت به سلماً )(٢) .

قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): ثمّ أُدخِل نساء الحسينعليه‌السلام على يزيد بن معاوية، فصحن نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله، وولولن وأقمن المأتم، ووضع رأس الحسين بين يديه، فقالت (سكينة بنت الحسين): والله، ما رأيت أقسى قلباً من يزيد، ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شرّاً منه ولا أجفى منه(٣) ، وأقبل يقول وينظر إلى الرأس:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل(٤)

____________________

(١) أخذناه من سير أعلام النبلاء وغيره.

(٢) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع): ٨٣. ونحوه في مرآة الزمان: ١٠٠ - على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨ -؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣ بتفاوت يسير.

(٣) وفي الكامل في التاريخ: ٤/ ٨٥؛ والفصول المهمّة: ١٩٥؛ ومرآة الزمان: ١٠١ (مخطوط على ما في عبرات المصطفين: ٢/ ٢٨٣): (ما رأيت كافراً بالله خيراً من يزيد بن معاوية).

أقول: لعلّ المقصود بـ (خيراً) أي خير ما تكون الرؤية، أي هو واضح الكفر، لا مؤونة في تبيّن ذلك منه.

إن لم نقل: إنّ بعض مُحبّيه أراد التخفيف من قبح ما اجترحه، فاقترف ما شاء وأضاف هذه المفتريات!

(٤) أمالي الصدوق: ٢٣٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤. وروي نحوه في روضة الواعظين ١/ ١٩١.

١٧٤

دور فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام :

قال الشيخ المفيد: ( فاطمة بنت الحسين... أمّها أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، تيميّة )(١) .

قال ابن عبد ربّه: ( وحمل أهل الشام بنات رسول الله سبايا على أحقاب الإبل، فلما أُدخلن على يزيد قالت فاطمة ابنة الحسين: يا يزيد، أبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا؟!

قال: بل حرائر كرام، اُدْخُلي على بنات عمّك تجديهن قد فعلن ما فعلتِ.

قالت فاطمة: فدخلت إليهنّ، فما وجدت فيهنّ سفيانيّة إلاّ مُتلدّمة تبكي )(٢) .

وقال ابن نما: ( وقالت فاطمة بنت الحسين: يا يزيد، بنات رسول الله سبايا؟! فبكى الناس وبكى أهل داره حتّى علت الأصوات )(٣) .

وقال القاضي نعمان: ( فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام : يا يزيد، ما تقول في بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا عندك؟!

فاشتدّ بكاؤه حتّى سمع ذلك نساؤه، فبكين حتّى سمع بكاءهن مَن كان في مجلسه )(٤) .

وروى الطبري عن أبي عوانة بن الحَكم الكلبي: (ثمّ أُدخِل نساء الحسين على يزيد، فصاح نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله وولولن، ثمّ إنّهنّ أُدخِلن على يزيد، فقالت فاطمة بنت الحسين - وكانت أكبر من سكينة -: أبنات رسول

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١٣٥.

(٢) العقد الفريد ٥/ ١٣٢.

(٣) مُثير الأحزان: ٩٩.

(٤) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨.

١٧٥

الله سبايا يا يزيد؟!

فقال يزيد: ابنة أخي، أنا لهذا كنت أكره.

قالت: والله، ما تُرِك لنا خرص.

قال: يا ابنة أخي، ما أُتي إليك أعظم ممّا أُخذ منك.

ثمّ أُخرِجن فأُدخِلن دار يزيد بن معاوية )(١) .

والشيء الذي يُلفت النظر في هذا الموقف، هو وضوح التراجع والتنازل من قِبل الطاغي يزيد بن معاوية، وهو يرجع إلى ما حصل في المجلس، ومن تأثير كلام أهل بيت العترة، بحيث انقلب المجلس، لأنّ المجلس الذي أُسّس على أساس أن يكون مجلس فرح يزيد أصبح مجلس مأتم الحسينعليه‌السلام ومنطلق الانقلاب ضدّ يزيد، وعليه يُحمَل ما ورد في هذه الأخبار، من أنّه رقّ عليهم! ولعن ابن مرجانة، أو أنّه بكى!! فإنّ ذلك كان لأجل بكاء الناس وخوفه من إثارة الفتنة وزوال مُلكه.

وأمّا ما حُكي عن فاطمة قولها: ( والله، ما تُرِك لنا خرص )، ففيه:

١ - لم يثبت صدور هذا الكلام منها، وفي صحّة ما حُكي عنها تأمّل.

٢ - بناءً على فرض صحّة الصدور، فإنّها قالته لأجل بيان شدّة ما ارتكبه جلاوزة يزيد في معركة الطفّ، لا أنّها تُطالب ذلك، إلاّ أنّ في ضمن ما سُلب عن أهل البيت بعض مواريث فاطمة الزهراء، فإنّه لا تُقابلها أيّ شيء، فمُطالبة ذلك ليس بمعنى الحصول على أمر مادّي فحسب.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥. وروى نحوه: الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧؛ نور الأبصار: ١٣٢ بتفاوت يسير.

١٧٦

استنكار بعض أهل الكتاب!

إنّ رسالة الثورة الحسينيّة لم تنحصر بطائفة دون أُخرى، ولا بقوم دون آخرين، ولا بزمان دون غيره؛ لذلك نرى أنّ الاستنكار والتنديد بمُرتكبي الفاجعة العُظمى ومُسبّبيها لم يخصّ المسلمين وحدهم، بل شمل كلّ أحرار العالم على مدى الزمان، ومنه استنكار بعض حاضري مجلس يزيد من أهل الكتاب.

جذور المسألة:

صحيح أنّ عمق الفاجعة والمأساة يستدعي أن يتّخذ كلّ إنسان حُرّ موقفاً جليّاً، وجليلاً وصلباً تجاهها، ولكنّ جذور المسألة - هنا - قد تعود إلى ما روي في كتبهم وآثارهم (أعني أهل الكتاب) حول ما يجري في كربلاء.

فقد روى سالم بن أبي جعدة، عن كعب الأحبار أنّه قال: ( إنّ في كتابنا (أنّ رجلاً من ولْد محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقتَل، ولا يجفُّ عرق دوابّ أصحابه حتى يدخلوا الجنّة، فيُعانقوا الحور العين )، فمرّ بنا الحسنعليه‌السلام ، فقلنا: هو هذا؟

قال: لا. فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام ، فقلنا: هو هذا؟

قال: نعم )(١) .

وفي كامل الزيارة، بإسناده عن خالد الربعي قال: حدّثني مَن سمع كعباً يقول: ( أوّل مَن لعن قاتل الحسينعليه‌السلام إبراهيم خليل الرحمان، لعنه وأمر وُلْده بذلك، وأخذ عليهم العهد والميثاق، ثمّ لعنه موسى بن عمران وأمر أُمّته بذلك، ثمّ لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك، ثمّ لعنه عيسى وأكثر أن قال: يا بني إسرائيل، العنوا قاتله، وإن أدركتم أيّامه فلا تجلسوا عنه، فإنّ الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء...، وكأنّي أنظر إلى بقعته، وما من نبيّ إلاّ وقد زار كربلاء ووقف عليها وقال: إنّكِ

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٠٣، مجلس ٢٩، ح٢٢٠، عنه بحار الأنوار ٤٤/ ٢٢٤، ح٢.

١٧٧

لبقعة كثيرة الخير! فيك يُدفَن القمر الأزهر )(١) .

وروى الخوارزمي عن الفتوح، بإسناده عن كعب الأحبار: أنّه لما أسلم زمن عمر بن الخطّاب وقدم المدينة، وجعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان، فكان يُخبرهم بأنواع الملاحم والفتن ويقول: ( وأعظمها ملحمةً هي الملحمة التي لا تُنسى أبداً! وهي الفساد الذي ذكره الله تعالى في كتابكم فقال:( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ... ) ، وإنّما فُتح بقتل قابيل هابيل ويُختم بقتل الحسين بن عليعليه‌السلام ، ثمّ قال كعب: لعلّكم تُهوِّنون قتل الحسين! أولا تعلمون أنّه تُفتح يوم قتله أبواب السماوات كلّها ويؤذَن للسماء بالبكاء فتبكي دماً عبيطاً؟! فإذا رأيتم الحمرة قد ارتفعت من جنباتها شرقياً وغربياً، فاعلموا أنّها تبكي حسيناً، فقيل له: يا أبا إسحاق، كيف لم تفعل ذلك بالأنبياء وأولاد الأنبياء من قبل وبمَن كان خيراً من الحسين؟! فقال كعب،: ويْحَكُمْ! إنّ قتل الحسين لأمرٌ عظيم؛ لأنّه ابن بنت خير الأنبياء، وأنّه يُقتل علانية مُبارزة ظلماً وعدواناً، ولا تُحفظ فيه وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مزاج مائه، وبضعة من لحمه، فيُذبَح بعرصة كربلاء في كرب وبلاء )(٢) .

وقال ابن كثير: ( وقد روي عن كعب الأحبار آثار في كربلاء )(٣) .

وعن رأس الجالوت أنّه قال: ( كنت أسمع أنّه يُقتل بكربلاء ابن نبيّ، فكنت إذا دخلتها ركضت دابّتي حتّى أخلفها! فلما قُتل الحسين جعلت أسير على هنيئتي )(٤) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٦٧ ح٢، عنه العوالم ١٧/ ٥٩٣ ح٢؛ بحار الأنوار ٤٤/ ٣٠١ ح١٠.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١٦٩.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ٢٠١.

(٤) الكُنى (للدولابي) ٢/ ٢٠؛ المعجم الكبير ٣/ ١١٨ ح٢٨٢٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٩١؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٩٠.

١٧٨

وقال سبط ابن الجوزي: قال ابن سيرين: وجِد حجر قبل مبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسمئة سنة مكتوب بالسريانية، فنقلوه إلى العربية، فإذا هو:

أترجو أمَّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب(١)

وروى الخوارزمي، عن إمام لبني سليم قال: ( حدّثنا أشياخنا قالوا: دخلنا في الروم كنيسةً لهم، فوجدنا في الحائط صخرة فيها مكتوب:

أترجو أمَّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب(١)

وروى الخوارزمي، عن إمام لبني سليم قال: ( حدّثنا أشياخنا قالوا: دخلنا في الروم كنيسةً لهم، فوجدنا في الحائط صخرة فيها مكتوب:

أترجو أمَّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب(١)

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فقلنا لشيخ من الكنيسة: مُنْذُ كم هذا الكتاب؟

فقال: من قبل أن يُبعث صاحبكم بثلاثمئة عام )(٢) .

وفي بعض الكُتب أنّه وجد ذلك البيت بستّمئة عام قبل مبعث الرسول(٣) .

وروى الزرندي، عن سليمان بن يسار: وجد حجر مكتوب عليه:

لابـدّ أن تـرد الـقيامة فـاطم

وقـميصها بـدم الحسين مُلطَّخ

ويـلٌ لـمَن شـفعاؤه خصماؤه

والصُّور في يوم القيامة يُنفخ(٤)

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٧٤. وروى نحوه الكثير من أرباب السير والتواريخ بتفاوت يسير (نظم دُرر السمطين: ٢١٩؛ كشف الغمّة ٢/ ٥٤؛ فرائد السمطين ٢/ ١٦٠؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٢؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٥٦٧ عن تاريخ الإسلام والرجال الشيخ عثمان دوة الحنفي: ٣٨٦، وقال: روى مضمونه في الأخبار الطوال: ١٠٩؛ تاريخ الخميس ٢/ ٢٩٩؛ حياة الحيوان: ١/ ٦٠؛ نور الأبصار: ١٢٢).

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٣؛ ونحوه في بشارة المصطفى: ٢٠١؛ أمالي الصدوق: ١٩٣ مجلس ٢٧ ح٢٠٣؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٣؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٩؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٥٥٧ - ٥٦٠.

(٣) كفاية الطالب: ٨٣٨؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٤٢.

(٤) نظم درر السمطين: ٢١٩.

١٧٩

هذا، وأهمّ من جميع ذلك أنّه جاء في العهد القديم والجديد ذكر ما ينطبق على الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما أورده الأستاذ الشيخ أحمد الواسطي، في كتابه القيّم (أهل البيت في الكتاب المقدّس)، قال:

(يوحنّا) يُخبر عن المذبوح بكربلاء:

فقد جاء في سفر يوحنا

كي أتّا نشحطتا

في بدمخا قانيتا لإيلوهيم

من كل مشبحا في لا شون في كل عم في گوي

في إيريه فا اشمع

قول ملاخيم ربيم

قورئيم عوشير في حاخما

في گبورها في هدار كافود في براخا(١) .

ويعني هذا النصّ:

إنّكَ الذي ذُبِحت

وقدَّمت دمك الطاهر قرباناً للربِّ

ومن أجل إنقاذ الشعوب والأُمم

وسينال هذا الذبيح المجد

والعِزَّة والكرامة وإلى الأبد لأنّه

جسّد البطولة والتضحية بأعلى مراتبها.

____________________

(١) يوحنّا ٥: ٩ - ١٢ ص٤٦٣ (الأصل العبري) العهد الجديد.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460