مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234214 / تحميل: 8786
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وأنّـكَ خـالدُ الـذكرى ويـبقى

حـديثكَ تـستطيبُ بـهِ النسيمُ

أبـا الأعـوادِ والـحكمِ اللواتي

تـمثّلَ فـيهما الأدبُ الـصميمُ

تَـرِفُّ عـلى روائـعها قـلوبٌ

لـرقّـتها ويـهـتزُّ الـجـسومُ

رأيـتكَ تـسحرُ الألبابَ وعظاً

فـكانت فـي يـديكَ كما ترومُ

وآلافُ الأنـامِ إلـيكَ تـصغى

ووجـهكَ لاحَ مـطلعُهُ الـوسيمُ

ودوّى صـوتكَ الـمرهوب فيها

كـأنّكَ فـي الـلقا أسـدٌ هجومُ

وقـد ضـاقَ المكانُ بهم فضلّتْ

عـلـى مـرآكَ أرواحٌ تـحومُ

مـواقفُ لـستُ أُحـصيها بعدٍّ

على الدنيا وهل تُحصى النجومُ

* * *

أبـا الأعوادِ منبركَ المرجّى

لـنفعِ الـناسِ يعلوهُ الوجومُ

فـهل أسـندتهُ لـفتى أبيٍّ

وهـل أحـدٌ يقومُ بما تقومُ

فمَنْ لشبابِ هذا العَصْرِ يهدي

إذا عصفت بفكرتهِ السمومُ

تُـجاذبهُ العواملُ ليس يدري

عـلى أيّ الـمبادئ يستديمُ

وجـاءت موجةُ الإلحادِ يقفو

خطاها الشرُّ والخطرُ الجسيمُ

أيا خطباءَ هذا العصرِ جدّوا

فـما بـلغَ المرامَ فتى تؤومُ

فـإنّ منابرَ الإسلامِ عطشى

إلى خـطباءِ زانتهم علومُ

تُـتـوّجهم عـقولٌ نـيّراتٌ

يـكون سنادها الذوقُ السليمُ

ويـمزجهم بهذا الشعبِ ذوقٌ

كـما امـتزجَ المنادمُ والنديمُ

وإنّ شعارها الإخلاصُ مهما

تـجاهلت الأسافلُ والخصومُ

لـيلمسَ منكمُ الشعبُ انطلاقاً

إلى اُفـقٍ جلت عنهُ الغيومُ

كفاكُمْ حربَ جسّاسٍ وصخرٍ

وما تبكي الطلولُ أو الرسومُ

فـما في عصركم قتبٌ وكورٌ

ولا سـلعٌ وربـعٌ والـغميمُ

أروهم حلوةَ الإسلامِ تزهو

جـوانـبهُ ومـنبعهُ الـعميمُ

وذا قـرآنـكمْ فـيهِ كـنوزٌ

يـحيرُ بوصفها اللبُّ الحليمُ

وكـان بـهِ اكتشافٌ وارتقاءٌ

وكـان بهِ الصراطُ المستقيمُ

أطـبّاءَ النفوسِ وهل رضيتم

لـمجتمعٍ يـعيثُ بهِ السقيمُ

وذي جـذواتكم تخبو ويبقى

يـسودُ بـجوّنا الفكرُ العقيمُ

٢١

فـكونوا للمنابرِ صوتَ حقٍّ

وسـيفاً لـيس يـعروهُ ثلومُ

خطيبُ القومِ أرجحهم كمالاً

خـبيرٌ بـالسقامِ بـهِ عليمُ

يكوَّن من شظايا القلبِ وعظاً

كأنّ عظاتهُ جمعت كلومُ(1)

5 - قال في ذكرى مولد سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام :

باسمِ الحسينِ حلتْ لنا الأشعارُ

وسـمتْ بـفضلِ سموّهِ الأفكارُ

وتـنـبّهتْ آمـالُنا وتـفتّحتْ

فـرحاً كـما تـتفتّح الأَزهـارُ

وتـبسّمتْ دنـيا السّرورِ مليئةً

بـالمبهجاتِ وأشـرقت أنـوارُ

وتـباشرت حورُ الجنانِ وهلّلتْ

لـجمالِ طـلعةِ وجههِ الأنظارُ

هـذي الـثغورُ يحفّها استبشارُ

والـحفلُ يـعبَقُ نشرهُ المعطارُ

لـمّا أبـو الأحرارِ أشرقَ نورُه

أضـحت لـهُ تتباشرُ الأحرارُ

طـافَ الهَناءُ يُديرُ كأسَ مديحه

وتـعـلّلت بـحديثهِ الـسمّارُ

اِسـمُ الـحسينِ وما ألذَّ حروفَه

فـكأنّهُ الـشهدُ الـحَلالُ يُـدارُ

ذكـرى إبـائَك عـزّةٌ وفخارُ

درسٌ بـهِ تـتحدّثُ الأعصارُ

أما روى الراوون بعضَ فصوله

راحـت فـلاسفةُ الزمانِ تُحارُ

وتـيقّنوا أنّ الـحسينَ ونـهجَهُ

لا جـورَ يـحكمهُ ولا استعمارُ

عـلّمتنا مـعنى الحياةِ بموقفٍ

فـيهِ تـمثّلَ عـزمُكَ الـجبّارُ

وأريـتنا أنّ الـمماتَ سـعادةٌ

ولـدى المهانةِ ترخصُ الأعمارُ

خـلّدتَ يعربَ مذْ عقدتَ لهامها

تـاجاً عـليهِ مـن عُلاكَ وقارُ

وكـسوتها حـللَ الخلودِ وإنّها

لا الـعصرُ يـبليها ولا الأدهارُ

إنْ مـرّ ذكرٌ للحسينِ تمثّل الـ

إعـظامُ والإجـلالُ والإكـبارُ

وإذا ذكـرتَ يزيدَ تبصرُ كومةً

مـن فـسقهِ يـطفو عليهِ العارُ

الـحقّ إشـعاعٌ يـلجُّ ضـياؤه

عـبرَ الـقرونِ ونـورهُ سيّارُ

فـبكلّ قـلبٍ نـبرةٌ لـشعورِه

وبـكلّ نـفسٍ رنّـةٌ وشـعارُ

أكـذا يـدومُ الـحقُّ في أبطاله

أكــذا تـخلّدُ آلـهُ الأطـهارُ

____________________

(1) ذكر الاُستاذ شبّر في كتابه ( أدب الطفّ 10 / 142 ) أنّ هذه القصيدة قالها في رثاء الشيخ كاظم نوح، بينما ذكرت مجلّة الإيمان في عددها الخاص بالشيخ اليعقوبي ص31 أنّها في رثاء اليعقوبي، وإنّي أرى لا مانع من تكرارها في الشخصيّتين وإن نُظمت في إحداهما، والأقوى أنّه الشيخ كاظم نوح.

٢٢

هـذا الـحسينُ ضريحهُ نوّارُ

عـكفت بـعتبةِ بـابهِ الزوّارُ

فـبكلّ نـفسٍ روعـةٌ لجلالِه

وبـكلِّ قـلبٍ مـرقدٌ ومزارُ

تـسمو على فلكِ السماءِ قبابه

ويـشعُّ لـلقصّادِ مـنهُ مـنارُ

وتـحطُّ تـيجانُ الملوكِ ببابه

ولـها ملاذٌ في الحمى وجوارُ

تـنهارُ أعماقُ القرونِ وذكرُه

بـاقٍ فـلا يـبلى ولا يـنهارُ

يا زمرةَ الجيلِ الحديثِ تيقّظوا

لـمصيركم خُلقَ الزمانُ مهارُ

هدفُ الحسينِ عليه نبني مجدنا

وبـضوءِ نهضتهِ لنا استبصارُ

الـدورُ دوركمُ خذوا بنصيبكمْ

مـن قبل أن تتصرّمَ الأعمارُ

6 - قصيدة رائعة في مولد الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بعنوان (أسرار المولد):

يـا محفلَ الذكرى لسيّد البشر

أذع فـتاريخكَ تـاريخٌ أغـر

فـإنّما الـمولودُ فـيكَ أحـمدٌ

مَـن حرّر العقلَ وأطلقَ الفكر

أذع فـهذا الـمنقذُ الأكبرُ والـ

مـشرّعُ الأعظمُ والأبُ الأبر

شـعّ عـلى الـعالمِ نورهُ فذا الـ

ـتمدينُ من لئلاءِ عقلهِ ازدهر

لـقد سما بالعربِ حتّى أذعنت

مـمالكُ الأرضِ لهم بحراً وبر

وطـأطـأت تـواضعاً لـعزّه

جـباهُ قيصرٍ وكسرى والخزر

بجنبكَ «الإيوان» فاحفِه الخبرْ

حقّاً ترى عند «جُهينة» الخبر

قـف وانظر الشقَّ بجنبهِ غدا

آيـةَ إعجازٍ على مرِّ العُصر

سـله وسـائل شـرفاته ففي

صـموته تـقرأ أفصحَ العبر

لأيّ أمـرٍ حـلّ تـنشقّ ومن

قـلّصَ ذلـك النعيمَ والبطر

ونـار فـارس خبت ألم تكن

مُذ ألف عامٍ قد تقادحت شرر

سـمعاً أبا العُرب وتاجها الذي

كـوّنَ مـنهم أُمّـةً ذات خطر

وزجّـها نـحو الـخلودِ عاقداً

لـها لـواءً رفّ فـوقهُ الظفر

وانـتشلَ الـعالمَ مـن تدهورٍ

يـؤولهُ الـلاتَ ويـعبدُ الحجر

وبـاعثاً دستورَ حقّ يكفِ للـ

سـعادةِ الـكبرى بآياتٍ غرر

لأنـتَ نـعمَ الحظّ قد كنت لها

لـكننّا بـئسَ الـعشير والنّفر

يا صاحبَ النورِ أضعنا مبدأً

يـمشي مع العقلِ سموّاً وكبر

تـنـاوحتنا طـغـمةٌ أجـلّها

لـو قـلت أنّـها حثالةُ البشر

يـضيمني أنّ يـدي تـعافني

وأنّ غيري نالَ في يدي الوطر

٢٣

ما كنتُ بالمأسوفِ لو أنّ أخي

يـدري إلى أينَ وأينَ المستقر

ولا الـمضام لـو تماسكت إذا

مـا قـيلَ لي أنّ أخاكَ قد عثر

يـا وتـر الساسةِ كم تطربهمْ

أجل وضرب العودِ يقطعُ الوتر

يا محفلَ الذكرى أبن لمَنْ وعا

مـقامَ طه في الحديثِ والسور

عـلّمهمُ الـغايةَ مـن تـذكاره

وسـرّ هـاتيك الرموز والدرر

أكـان يُـعلي قـدرهُ وشـأنه

بـعد ثـناءِ اللهِ شعرُ من شعر

بـموجةِ التصفيقِ يسمو شأوهُ

وبـالوفودِ زُمـراً إثـر زمر

ذي روح أحمدٍ وقد رفّت على

حـفلكمُ تـطلبُ جـوهرَ الأثرْ

ترى أضعنا الروحَ من أعمالنا

وأنّـنا قـد اجـتزينا بالصور

يـا خـابطَ السير تبصّر حسناً

سـيركَ مـعوجّ فكرّر البصر

الـفخرُ أن يُـقالَ شـقّ للعلا

طريقهُ ما الفخرُ عاث أو سكر

وطـالباً إصـلاحنا كـفى بأن

نـأمنَ منكَ الاعتداءَ والضرر

هـذي تجاربُ الحياةِ قد قضت

أن نكتفي لا نبتغي خيراً وشر

7 - وله غديريّة ألقاها في احتفال (منتدى النشر) في النجف عام 1363 هـ:

لـمَنْ الـحفلُ رائـعاً يـتلالا

يـزدهي مـنظراً ويزهو جمالا

ولـمَنْ هـذهِ الـروائعُ تُـتلى

والأنـاشيدُ بـاسمِ مَـنْ تتولّى

قـيلَ قـد توّج الوصي وهذي

بـهجةُ الـتاجِ زانتِ الاحتفالا

وانـتشقنا طـيبَ الـولايةِ منه

وسـعـدنا بـنـعمةِ اللهِ حـالا

واهـتدينا بـنورهِ مـذ تـجلّى

بـسماءِ الـدينِ الـحنيفِ هلالا

وعـلى مشرع (الغديرِ) احتسينا

فـي كـؤوسِ الولا نميراً زلالا

وجـديرٌ هـذا الـشعورُ بـيومٍ

فـيهِ ديـنُ الإلـهِ تـمّ كـمالا

رنّـةُ الوحي في المسامعِ دوّت

تـملأ الـنفسَ هـيبةً وجلالا

بـلّغ الـناسَ مـا أتـاك وإلاّ

لـم تـبلّغ وحـي الإلـهِ تعالى

إنّـمـا أنـتَ مـنذرٌ وعـليٌّ

هــو هـادٍ يُـسيّر الـضُلاّلا

فـي فـلاةٍ تـكادُ تـلهبُ ناراً

ولـظى حـرّها يـذيبُ الرمالا

وإذا بالرسولِ يلقى عصا السيـ

ـرِ وتـلكَ الـجموعُ تلقى الرحالا

وتـعالى الـهتافُ مـنه أجيبوا

داعـي اللهِ فـاستخفّوا عـجالا

كـسيولٍ جـاشت وراءَ سيولٍ

أو جبالٍ في السيرِ تقفوا الجبالا

٢٤

زمـرٌ قـد تـحاشدت حـولَ طه

حـشدها يـومَ مـنه ترجو النوالا

غـصّت الـبيدُ واستحالت رجالاً

ونـواحي الـفضاءِ ضاقت مجالا

ورقـى مـنبرَ الـحدوجِ ومـدّت

نـحـوهُ الـهامُ خـضّعاً إجـلالا

وانـبرى يرسلُ الخطابَ وذاك الـ

ـجمـعُ مُـصغٍ تـهيّباً وامـتثالا

ونـعـى نـفـسهُ وقـالَ أتـاني

أمـرُ ربّـي وحـثّني الـترحالا

وأنــا راحــلٌ وبـعدي عـليٌّ

واحــدُ الـدهرِ مَـوئلاً ومـآلا

سـنّـةُ الأنـبياءِ قـدماً تـمشّت

تـقطعُ الـدهرَ والـقرونَ الطوالا

هـل نـبيٌّ مـضى بـغيرٍ وصيٍّ

فـاسألوا الـدهرَ واسألوا الأجيالا

خـصّـهُ اللهُ بـالإمـامةِ لـمّـا

كــانَ لـلحقِّ والـرشادِ مـثالا

هـو أقـضاكمُ وبـابُ عـلومي

فــاقَ فـضلاً وبِـذاكُمُ إفـضالا

وهـو فـيكم مـمثّلي ووصـيِّ

لـعنَ اللهُ مَـنْ عـليه اسـتطالا

أُمّـتـي لا أراكـمُ بـعدَ مـوتي

قــد رجـعتم نـواكصاً جـهّالا

فـاستجابوا وعـجّت الـبيدُ منهم

تـحسبُ الأرضَ زلـزلت زلزالا

ورســولُ الـهدى يـردّدُ فـيهم

ربّـي والـي الـذي لـحيدرَ والا

عـنهُ سـل مـحكمَ الكتابِ وسائل

آلَ عـمـرانَ واســأل الأنـفالا

مَـنْ بـبدرٍ وتـلك أوّلُ حـربٍ

قـد رآهـا وقـد أراهـا الـوبالا

مَـنْ دحـى البابَ مَنْ باُحدٍ تلقّى

عـمدَ الـدينِ حـين زالَ ومـالا

مَنْ قضى غيره على الشركِ قل لي

مَـنْ لـعمرِ بـيومِ صال وصالا

صـولةً تـفضلُ الـعباداتِ طرّاً

وسـمـا شـأوهـا وعـزّ مـنالا

ولـكم مـوقف يـرنّ بإذنِ الدهـ

ـرِ والـدهـرُ مـنهُ يـلقى انـذهالا

هـكـذا فَـلْتَكُ الـبطولةُ دومـاً

(هـكـذا هـكـذا وإلاّ فـلا لا)

8 - وله في ذكرى ولادة الإمام الصادقعليه‌السلام :

يـا قـلمَ التاريخِ سجّلْ لنا

يـوماً مـن الأيّـام معدودا

أذعْ فـذا يـومٌ لـهُ شـأنهُ

كـانَ على التاريخ مشهودا

حدّثْ عن الصّادقِ واستنطق الـ

ـتاريخَ يروي الدُرَّ منضودا

وحـدّث الـعالَمَ عـن عالِمٍ

قـد مـلأ الـدنيا أسـانيدا

تَـبلى الأقـاويلُ وأقـوالُهُ

بـاقـيةٌ تــزدادُ تـخليدا

آراؤه الـغـرُّ وأفـكـارُه

يـعجزُ عنها الحصرُ تعديدا

٢٥

مـا حـدَّ اُفق العلم في غايةٍ

ولا يـرى الـعالَم مـحدودا

شـتّان مـنْ يـفتَحُ أبوابه

ومَـنْ يـعدُّ البابَ مسدودا

سـلِ ابن حيّان وسل غيرَه

أئـمّـةَ الـعلم الـصناديدا

مَنْ طبّق الدنيا سوى جعفرٍ

مـعـارفاً تَـزدادُ تـرديدا

وسـلْ تـلاميذَ لـهُ أنّـهم

كـانوا عـلى الدّنيا أسانيدا

هـم فـتحوا لـلكيميا بابَه

وكـان منهُ البابُ موصودا

وخـلّدوا الـدهرَ بـأقلامهم

أفـنوا ربـيعَ العمر تسهيدا

وخـلّفوا أغـلى تـراثٍ لنا

لو لم يكنْ في النّاس مجحودا

9 - وله قصيدة بعنوان (يوم المحنة) قالها على إثر انتكاسة العرب في حرب حزيران 1967، اُذيعتْ من دار الإذاعة العراقية، ووُضِعَتْ في المناهج الرسمية لمدارس المقاصد في لبنان، وهي:

يَـومٌ عـلى الدهرِ لا يُطفى له لَهَبُ

إنْ تـنسهُ العُرْبُ ما هم بعدهُ عُربُ

وإن غفت عن طلابِ الثأرِ لا سجعت

يـوماً بـأمجادها الأقـلامُ والـكتبُ

عـهدي بـها لا تـقرّ الضيمَ شيمتُها

حـتّى ولـو طالتِ الأعوامُ والحقبُ

الـعيشُ بـالذلِّ مـرٌّ فـي تجرّعه

والـموتُ بـالعزّ حلوٌ وردهُ عذبُ

مـت إن تمت قاهراً والنفسُ راضية

ولا تـمت صاغراً والحقُّ مُغتصبُ

شـراذمُ مـن نـفايا الأرض تبعثها

ثـعالبُ الـغربِ فـيها يشهدُ الذَّنَبُ

تـدوسُ أقـدسَ أرضٍ مـن معابدنا

ونـحنُ نـبصرها بـالرغمِ تُستلبُ

فـواجعٌ بـغّضت طـعم الـحياةَ لنا

وكـدّرت صـفو عيشٍ فهو مكتئبُ

سـادَ الوجومُ على الأقطارِ وانكمشت

هذي الوجوهُ وعمّ السخطُ والصخبُ

لا عـينَ في الشرقِ إلاّ وهي ساهرةٌ

ولا مـشاعرَ إلاّ وهـي تـضطربُ

تـجاوبت نـخوةُ الإسـلامِ طـائعةً

وأعـلنت أنّـها طـوعٌ لـما يجبُ

وألـهبت عزماتِ العُربِ وانتفضت

حـميّةٌ فـهي كـالبركانِ تـلتهبُ

عـسى يكون وراءَ الصمتِ منطلقٌ

يُـجلى بـهِ الغمُّ والأحزانُ والكُرَبُ

بـالأمسِ انـكلترا تُـدعى صديقتَنا

والـيوم قـد جاءنا من ويلها الحَرَبُ

مـاذا جـنيناهُ قُـل لي من صداقتنا

ظـهرٌ فـيُركبُ أو ضـرعٌ فيُحتلبُ

وذي ربـيـبتها بـل [قـل] ولـيدتُها

ولا تـسل هـل لـها بين الأنامِ أبُ

قـد صرّحَ الحقّ وانزاحت بهِ الريبُ

وشـفّ عـن جـسمهِ ثوبٌ لهُ قُشبُ

٢٦

قـف بـي على الأردن المشهود موقفُه

لألـثم الـجرحَ لـكنّ الـحشا يـجبُ

قـذائفُ الـنارِ عـاثت فـي محاسنِه

وشـوّهت أوجـهاً تـستافها الـشهبُ

قـف بـي عـلى قبلةِ الإسلامِ أسألها

عـمّا جـرى مـن دواهٍ كلّها خطبُ

ومـسجدِ الـصخرةِ الـمحزونِ منظرُه

بـالدمعِ والـدمِ مـطبوعٌ ومـختضبُ

قـد أوحـشَ المنبرَ العالي وقد ذويت

أعــوادُهُ فـهـي تـنعاهُ وتـنتحبُ

ثـمّ اسـتمع رنّـةَ الـمحرابِ أحزنه

فَـقْدَ الـمصلّينَ مـذ طـلاّبهُ غربوا

وحـيّ تـلكَ الـمروجَ الخضرِ ناعيةً

أحـبابها فـهي ثـكلى خَـدُّها تَـرِبُ

يـا طـيبَ عيشٍ على الوادي باُمسيةٍ

رقّـت ورقّ الـهوى والماءُ والعُشبُ

أبـناءَ عـمّانَ لا يـحزنكَ ما ارتكبوا

فـالكأس سـكّابة طـوراً ومـنسكبُ

والـعـربُ مـغلوبةٌ يـوماً وغـالبةٌ

مـا كـلّ سـبّاقةٍ تـجري لها الغلبُ

أدّيــت قـسـطك والأيّـام شـاهدة

وإنّ يـومـكَ فـيهِ تـفخرُ الـعربُ

ووقـفـةٍ لاُسـودِ الـرافدينِ غـدت

أرسى من الهضبِ لا بل دونها الهضبُ

جـيشُ الـعراقِ وحـامي سورَ منعتِه

إن سـارَ كـان لـهُ الإقـدامُ والغلبُ

عـاشت دمـشقُ فـلا عُتبى ولا عتبٌ

لـقـد أرتـنا نـضالاً كـلّهُ عـجبُ

يـومٌ تـهجّم وجـهُ الـبغي وانبعثت

قـواذفُ الـشرّ يسري جيشها اللجبُ

نـيـرانُهُ تـمـلأ الأجــواءِ قـاذفةً

لـهيبها ضـاقَ فـيها اُفـقها الرحبُ

وتـقـتـفيها أسـاطـيـلٌ مـدمّـرة

حـتّـى إذا أخـذت لـلغابِ تـقتربُ

هـبّـت مـغـاويرُ سـوريّا مـشمرةً

كـالاُسدِ لـم يـثنها خوفٌ ولا رهبُ

فـهل رأيـتَ اُسـودَ الـغابِ مغضبةً

دونَ الـحمى أرأيـتَ الـليثَ إذ يثبُ

أبـناء يـعربَ جـدّوا فـي عزائمكمْ

فـالأمرُ قـد جـدّ والأسـماعُ ترتقبُ

وإنّ أحـسـابكم أمـسـت تُـطالبكمْ

فـحقّقوا أمـلاً يـسمو بـهِ الـحسبُ

10 - وله في رثاء الخطيب الشهير الشيخ محمّد علي قسّام، يقول السيّد جواد شبّر في أدب الطفّ 10 / 65:... وكان يوم 29 كانون الثاني 1954، يوم مجيء جثمانه للنجف من الأيّام المشهودة؛ فقد اُقيمت على روحه عدّة فواتح، كما تبارى الخطباء والشعراء يوم أربعينه في (مسجد الهندي) بالنجف، وكنتُ ممّن شارك بقصيدة مطلعها:

سند الشريعة في جميعِ الأعصرِ

هذي الروائعُ من خطيبِ المنبرِ

ذاك الذي يُمسي ويُصبح ناشراً

عـلمَ الـجهادِ كقائدٍ في عسكرِ

أمـعلّم الأجـيالِ تنثرُ جوهراً

فـكأنّ صدركَ معدنٌ من جوهرِ

٢٧

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت متوّجاً

بـالأنجبينَ وكـلّ ليثٍ قسورِ

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت منوّراً

طـولَ الزمانِ بكلّ عقلٍ أنورِ

يـا منبرَ الإسلامِ دمت مضمّخاً

بـالرائعاتِ مـن الفمِ المتعطّرِ

ومجالسٍ هي كالمدارسِ روعةٌ

اُمٌّ لـكـلّ مـهـذّبٍ مـتنوّرِ

الـمنبر الـعالي رسالة مرشدٍ

جـاءت لـعقلِ النابِهِ المتحرّرِ

الـمنبر الـعالي حكيمٌ مبصرٌ

يصفُ الدواءَ بحكمةِ المتبصّرِ

يـا فارسَ الميدان عزّ عَلَيّ أن

تهوي وحولكَ سابغاتِ الضمّرِ

يـا مَنْ إذا أرسلت لفظك لؤلؤاً

جـرتِ الـعيونُ بلؤلؤٍ متحدّرِ

أو قمت في أعلى المنابرِ خاطباً

فـكأنّ قولكَ ريشةٌ لمصوّرِ(1)

11 - ومِن روائع شعره القصيدة التي حيّا بها الإمام المصلح الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء عند عودته من مؤتمر باكستان عام 1371 هـ(2) :

كـذا يـلمعُ الـقمرُ الـنيّرُ

كـذا ينهضُ المصلحُ الأكبرُ

كـذا ترتقي عالياتُ النفوس

وهـامُ الأثـيرِ لـها مـنبرُ

كـذا يعذبُ العمرُ في مثل ذا

وإلاّ فـما قَـدْرُ مَنْ عَمّروا

كـذا يشمخُ العلمُ فوقَ السُّها

فما عرشُ كسرى وما قيصرُ

أشـيخَ الـشريعةِ بل رمزها

ومـفخرها عـشتَ يا مفخرُ

أُقــدّسُ شـخصك إذ إنّـه

مـثالُ الـكمالِ مـتى يذكرُ

إذا مـا انتسبتَ إلى «جعفرٍ»

فـحسبكَ مـنتسباً «جعفرُ»

لأن حـسبتك الـورى واحدا

«ففيك انطوى العالمُ الأكبرُ»

نـهضتَ لتجلوَ رينَ القلوب

وتـوقظَ جـيلاً بـدا يشعرُ

نهضتَ وبُوركتَ مِن ناهضٍ

فـما وثـبةُ الاُسـدِ إذ تزأرُ

وأبلغتَ في النصحِ في مجمعٍ

تـجدّدُ تـاريخهُ الأعـصرُ

وهزّ صدى صوتك المشرقين

ودوّى كـقـاذفـةٍ تـفـجرُ

حـياةَ الـشعوبِ بـأبطالها

وتـاريخها مـجدها الأزهرُ

إذا جـمعَ الناسَ «نيروزُهم»

فـنيروزنا وجـهكَ الأنـورُ

فـطـرت ولـكن بـآمالنا

ورحـت بـأرواحنا تـعبرُ

____________________

(1) القصيدة بكاملها نشرتها مجلّة العرفان اللبنانيّة مجلّد 41 ص1164.

(2) أدب الطفّ 10 / 49.

٢٨

فـحدّث أبـا الصالحاتِ التي

تـعالت سـناءً فـلا تسترُ

تـحدّث إلـينا فكلّ الحواس

شـعورٌ وأكـبادنا حـضّرُ

أتـينا لـنصدرَ عـن موردٍ

ومـنكَ حلى الوردُ والمصدرُ

تـحدّث فـهذي القلوب التي

تـرفرفُ جـائتكَ تـستخبرُ

تـلـقّتكَ تـفرشُ أكـبادها

وخـفّـت لـلقياكَ تـستبشرُ

تـحدّث ألـستَ أميرَ البيان

إذا مـا جـرى لفظهُ يسحرُ

أَبِـنْ لـلوفودِ عن المسلمين

فـمثلكَ لـلجرحِ مَـنْ يسبرُ

أَبِنْ فالحديثُ حديثُ الشجون

ومـن وقـعهِ القلبُ يستعبرُ

فـكيف تلمّستَ شرعَ الهدى

وهـل مـن أمانٍ بها تسمرُ

كـأنّي بـروحِ النبي الكريم

عـلى كـثبٍ نـحونا تنظرُ

متى هانَ شعبك يا مصطفى

مـتى ذلّ قومك واستُعمروا

مـتى طأطأت جبهةُ الفاتحين

لـذلّ اليهودِ إذا استصغروا

أيـا قـالعَ البابَ بابَ اليهود

ويـا فـاتحَ الحصنَ يا حيدرُ

تـداعت لـتدرك أوتـارها

وأنـتَ عـلى ردّهـا أقـدرُ

أبـا الشرعِ هـذي يـدٌ بـرّة

يـوافيكَ فـيها الفتى (شبّرُ)

12 - وقال في تأبين الشاعر أحمد الصافي النجفي:

ما جئتُ أرثيكَ أو أذري الدموعَ أسىً

إنّ الـرثاءَ لـشخصٍ ماتَ واندرسا

قـالوا لـقد مـاتَ قلتُ اليومَ مولدُه

ونـجمهُ قـد تـجلّى يـطردُ الغلسا

والـيوم يـبدأ تـاريخٌ لـهُ عـبقٌ

وطـيبُ تـأريخه قـد أنعشَ الجُلَسا

مـا الـحيُّ مقياسهُ مرُّ السنين ولو

طـالَ الـبقاءُ ولا تـردادهُ النفسا

إنّ الـحـياةَ بـأفـكارٍ يـخـلّدها

عبرَ العصورِ وغرساً صالحاً غرسا

وآخــذاً بـيـدِ الـعافي ومـنقذه

سـواء أحـسنَ هـذا أم إلـيه أسا

* * *

مـا كان أحمدُ في عصرٍ يعيشُ به

إلاّ كـشعلةِ نـورٍ تـحملُ الـقبسا

يعيشُ في الناسِ لكن روحُهُ انفردت

عنهم كمَنْ عاشَ بين الخلقِ محتبسا

سـما إلى عـالمٍ أسـمى بفكرته

لـذاك مـهما خـلا في نفسهِ أنسا

فـلا تـرى مـعهُ في بيتِ عزلته

إلاّ الـيراعة أَمَّ الـشعرُ والطرسا

* * *

٢٩

إيـهٍ أبـا الـخالداتِ النيّراتِ سنا

والـسائراتِ أقامَ الدهرُ أم جلسا

هـذي روائـعك الـغرّا يـردّدها

فـمُ الزمانِ ومن أنوارها اقتبسا

أمـواجُها انـدفعت تـتلو أشعّتها

تـجلي العقولَ ومنها تغمرُ اليبسا

وذي الهواجسُ ما أحلى هواجسَها

تـداعبُ الروحَ إن دقّت لها جرسا

رفّـت تـناغيك هـمساً في تدلّلها

والحبّ يعذبُ إن ناغى وإن همسا

أشـعّـةٌ فــي مـعانيها مـلوّنةٌ

إشعاعها مشرفٌ عن روحك انعكسا

إن كنتَ حلّقت أو أبدعت لا عجبٌ

قـرآنُ أحـمد قـدماً حيّر القسسا

وأذعـنت لـغةُ الفصحى لروعته

وعـادَ مـنطيقها مـستسلماً خرسا

الـناظمُ الـدرَ نـظماً لا نظيرَ له

بالشعرِ ينبوعهُ الصافي قد انبجسا

والمرسلُ الشعرَ سهلاً غير ممتنعٍ

سـلساله العذبُ يجري سائغاً سلسا

* * *

زَهـدتَ فـي هذه الدنيا وزخرفِها

إذ أنت أرفع ممّن يرتضي الدنسا

وكـنت تـهزأ ممّن راح يعشقها

ومَـنْ بـأوطارها قد ظلّ منغمسا

نـفسٌ ترى فوق هام النجم رفعتَها

وبـزّةٌ إذ تـراها بـزّة الـبؤسا

تـريـهمُ إنّ دنـياكم وبـهرجَها

كـشملتي هـذه من سامها بخسا

لاويت دهرك حتّى رضت جامحه

كـمن يروِّضُ من فرسانها فرسا

بـعزمة شـهد الـتأريخُ واقـعها

مـا كـنتَ هـيّابةً يوماً ولا نكسا

عـرفت دنـياك مذ وازنت قيمتها

وإنّـها عـرفتك الـنيقد الـمرسا

وكـم دعتك لِوصلٍ وهي ضاحكةٌ

لـكن رأتك على ما تبتغي علبسا(*)

رحماك ليست نفوس الناس واحدةً

إن خفّ ذاك فهذا في الوجود رسا

هـذي الـحياة وكم غذّيتها حكماً

غرّا وأرسيتَ من أركانها اُسسا

فـكنت تـشبعها بـحثاً وتـجربةً

وكـنت تـنشرها درساً لمن درسا

وتـوضح القول مجلوّاً ومزدهراً

فـلم يـعد بـعد فيها الأمر ملتبسا

دُمْ لـلخلود فـذي الأيّـام طوعك والـ

ـدهرُ استلان وإن قدماً عليك قسا

13 - وقال محيّياً الشيخ الأميني صاحب (الغدير) بمناسبة افتتاح مكتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام العامّة في النجف، بعنوان (تحيّة المؤسّسة الفكريّة):

مـعهد الفكرِ طاولَ الدهرَ فخرا

ذاك يـبلى وأنتَ تخلدُ ذكرى

كلُّ شيء فانٍ سوى العلم والعد

لِ فإن شئت سل بإيوان كسرى

سـاندت ركـنك القديم يدُ العلـ

ـمِ فـلا زـت خـالداً مـشمخرّا

____________________

(*) هكذا وردت المفردة الأخيرة (علبسا)، ومعها يختل المصراع الثاني من البيت.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٣٠

منجباً كلّ أصيد يبعث النشـ

ـأ يـقود الأجيال عقلاً وفكرا

منجباً كلّ أصيد يجعل الدّهـ

ـرَ غـلاماً لـديه نـهياً وأمرا

وبرغم الزمان جئت ويبقى

لك عبداً وأنت لا زلت حُرّا

* * *

عـشت يـا صرحُ للعلوم مناراً

فـاض أشعاعُه على الكون بدرا

همّةُ المصلح (الأمينيّ) ثارتْ

فـاستثارت لـها الـعزائمُ طرّا

قـد أشـادتك بـعد جـهدٍ جهيدِ

كـرعت في سبيلك الصّاب مُرّا

ضـربت فـوقك القلوبُ رواقاً

يـوم قـدّت من العزائم صخرا

بـسطت مـن شُغافها لك أرضاً

وبـنت فـي ضلوعها لك وكرا

ثـمّ راحت عليك تحنو احتفاظاً

مـثلما تـحفظ الأضـالع سرّا

معهد الفكر هل علمت بأنّ الشيـ

ـخَ أفـنى من أجل عمرك عمرا

ومـشى ثـابت الخُطى باتّزانٍ

أشـبع الـدهرَ خـبرةً ثمّ سبرا

هـازئاً بـالخطوب تعرف منه

إنّ فـي أمـره مـع الله سـرّا

أي أبـا الطيّبات أحـييت فـينا

أمـلاً كـاد أن يـبدّد صـبرا

يـوم ضاق الفضا قنوطاً ولكن

فـاض من راحتيك يمناً ويسرا

قـد أرتـنا الأيّـامُ حمر المنايا

وتـرينا أنـت الأمانيَ خضرا

بـمساعيك قـام لـلعلم صرحٌ

عـشت لـلعلم والـديانة ذخرا

هـمّةٌ تـدفع الـسماء وعـزمٌ

يـسع الـكون مـذ يـنفذ أمرا

لـك فـي الـصالحات غرُّ أيادٍ

ويـدٌ في (الغدير) بيضاءُ غرّا

وحـقـيقٌ أقـول إنّـك فـينا

رابـح الـنشأتين دنـياً وأُخرا

14 - ودخل يوماً عائداً الخطيب المعروف السيّد علي الهاشمي على إثر وعكة صحيّة، فخاطبه:

متى كان في الظنّ أنّي أراك

ألـيف الـفراشِ حليفَ الألمْ

متى حوّمت حولك الواهمات

مـتى نـهشتك نيوبُ السّقمْ

متى زعزعتك سوافي الرّياح

وعـهدي بـك طـودٌ أشَـمْ

ألـست المُعاني الّذي يمتلي

نـشاطاً يزينك لطف الشّممْ

وثغرك ذاك الضحوك الوقور

يـعـطّر أجـواءنا بـالنّسمْ

٣١

فأجابه السيّد علي الهاشمي:

هـزار الـغريّين أتـحفتني

بـغرّاء تـذهب عنّي السّقمْ

نـظمت قـوافيها كـالعقود

فـنعم الـمنظّم والـمنتظمْ

فـقـبّلتها بـفـم الامـتنان

مـقلٌّ لـتقبيلها ألـف فـمْ

وجـلت بـبحرِ تـقاطيعها

بـمطرفةٍ دمـعُها مـنسجمْ

ومـا ذاك إلاّ اشـتياقٌ إليك

لأنّـك أنـت الـذي لا تُذمْ

فدم «يا جواداً» بكلّ الصِفات

ويـا عـلماً رفّ فوقَ العلمْ

وإنّـي لأكـبر هـذا الحنان

فـحبّك لي من جليل النِّعمْ

شعر التاريخ عند الخطيب شُبّر

1 - قال في تاريخ وفاة والده السيّد علي شبّر:

يـا أيّـها الـسائلُ عـن تاريخِه

مضى وأبقى العملَ الأبقى علي(1)

2 - وأرّخ فقيد الشباب السيّد نعيم الدين ابن السيّد عبّاس شبّر:

حـملتُ لـقبره إكليلَ وردٍ

وحنَّ القلبُ مِن شَغَفٍ وأنّا

وقلتُ لأدمعي سقياً فدهري

عـلينا بـالفراق لقد تجنّى

فنادتني احتبِسْ للدمع عيناً

فذا ماءُ الشباب يفيض عينا

وذا تـاريخه يـزهو بهاءً

نـعيمٌ لـلنعيم مضى مُهنّا

3 - وقال في تاريخ تمديد رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى للإمام السيّد موسى الصدر:

زهى المجلسُ الشيعيُّ والصدرُ زانه

بـطلعته الـغرّاء يـرفلُ مـأنوسا

فـعوّذته بـالغرِّ مـن آل هـاشمٍ

بـأربعِ عـشرٍ تدفع الضرَّ والبؤسا

أضـفناهمُ لـليمنِ مـذْ قيلَ أرّخوا

وقـلنا لـقد اُوتيت سؤلك يا موسى

4 - وقال مؤرّخاً بناء حسينيّة الزهراءعليها‌السلام في المنصوريّة (الكويت):

دارٌ لأهل البيت تسمو علاً

لـله فـيها بـعضُ أسراره

شعّتْ بنورِ السبطِ مذ أرّخوا

تـرفُّ إشـعاعاً بـأنواره

5 - وقال مؤرّخاً وفاة العلاّمة الشيخ حسين الفيليرحمه‌الله :

فـي يوم عاشوراءَ فارَقْتَنا

وقد بكتهُ السحبُ دمعاً صيّبا

____________________

(1) المقصود كتاب (العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى) - للسيّد علي شبّر.

٣٢

ذاك الحسينُ واحدُ الفضلِ الذي

تـاريخهُ نـورُ حـسين غُيّبا

6 - وقال في تاريخ تزيين المرقد المطهّر للإمام عليعليه‌السلام بالمرايا والزجاج البديع:

مرآةُ قدس الله شعَّ سناؤها

فـتموّجتْ بزجاجةِ المرآةِ

قال الموحّدُ فيه أرِّخ زاهياً

مصباحُ نور الله في المشكاةِ

نشاطاته الاُخرى

1 - المباراة الدوليّة الثقافية للتأليف حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام : هذا المشروع التاريخي طرحه السيّد على الوجيه السيّد هاشم شُبَّررحمه‌الله ، وهو تخصيص جوائز نقديّة لكلّ مَنْ يؤلّف كتاباً حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام على أن يفوز من خلال المباراة.

وكان السيّد أميناً لسرّ اللجنة المنظّمة للمسابقة، فوجّه نِداءً لأرباب الفكر والأدب في العالم بعد ما أعلن برنامجه، وتشكّلتْ اللجنة المُحكّمة، وكانت تتألّف مِن أفذاذ العلم والوعي والتُقى، الأعلام الثلاثة: الشيخ مرتضى آل ياسين، والسيّد محمّد باقر الصدر، والسيّد موسى بحر العلوم، فقُدّمت الكتب مِن قبل مؤلّفيها، فكانت النتائج كما يلي:

الفائز الأوّل: كتاب (الإمام علي - نبراس ومتراس) لمؤلّفه الكاتب اللبناني المعروف الاُستاذ سليمان كتّاني، وهو رجل مسيحي.

الفائز الثاني: كتاب (ملامح من عبقريّة الإمام) بقلم الدكتور مهدي محبوبة.

الفائز الثالث: كتاب (الإمام علي - رجل الإسلام المخلّد)، تأليف الاُستاذ عبد المجيد لُطفي.

ومن الكتب التي وقع الاختيار على طبعها كتاب (الإمام علي - أسد الإسلام وقدّيسه) للكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، وهو مسيحي.

2 - اهتمامه بالشعراء الشعبيين وتشجيعهم على الكتابة في رثاء سيّد الشهداء، وقد قرّض الديوان الشعري لكلّ مِن:

أ - الحاج محمّد باقر الإيرواني - شعراء الحسينعليه‌السلام .

ب - الشاعر المرحوم هادي القصّاب - ديوان الهداية الحسينيّة.

ج - الخطيب المرحوم الشيخ محمّد حسن دگسن - الروضة الدگسنيّة.

د - الحاج زاير - الشاعر الشعبي العراقي.

هـ - السيّد الشرع - منهل الشرع.

3 - اهتمامه ببناء وتشييد مراقد وأصحاب أهل البيتعليهم‌السلام كسعيه لبناء مرقد زيد الشهيدعليه‌السلام ، ومرقد رشيد الهجري، وكميل بن زياد وغيرهم مِن الأفذاذ والمظلومين؛ فقد كان

٣٣

يبذل لعمرانها من ماله الخاص.

4 - تحقيقه لبعض الكتب العظيمة ونشرها؛ فقد اعتنى السيّد بنشر ديوان (جواهر وصور) للفقيه السيّد عبّاس شبّر، وإخراجه أجمل إخراج بحلّة قشيبة وورق مؤطر بإطار ملوّن جميل يحيط بالقطعة الشعريّة، كما إنّه جمع وطبع وأشرف على إصدار ديوان (الموشور) للسيّد عبّاس شبّررحمه‌الله .

وقد كان للسيّد جواد الدور الرائد في صدور كتاب (الأخلاق) للسيّد عبد الله شبّر الذي عنى بنشره وطبعه. أمّا كتاب (تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين - للراغب الأصفهاني) فقد عنى السيّد بنشره وإصداره؛ لأهمّيّته العلميّة.

5 - على صعيد الإصلاح: السيّد جواد شبّر كان من الروّاد الأوائل لحركة الإصلاح المنبري والاجتماعي. يقول في مقال كتبه تحت عنوان (الوعي نواة الإصلاح) في مجلّة الوعي الإسلامي: من أعذب الكلمات على السمع والروح كلمة الإصلاح، إنّها خفيفة على المشاعر، لطيفة في الأحاسيس، يترشّفها السامع ويتمنّى تحقيقها، ويتغنّى بها المجتمع ويهوى تطبيقها، لكن تختلف الآراء في الطريق المؤدّية إليها والوصول إلى أهدافها.

فالبعض يرى ذلك منحصراً في تسليم القيادة إلى موجّه حكيم، وهو الذي يقود الأُمّة إلى ساحل السلامة والنجاة، أمّا عقيدتي فهي أنّ أقرب الطرق إلى الإصلاح هو إيجاد الوعي العام في الأُمّة واليقظة في الشعب، والعمل على أن يشعر الكلّ بواجب المسؤوليّة، ولا يتحقّق ذلك إلاّ عن طريق الكتابة والخطابة، وتعاون الفرد والجماعة؛ فـ (( كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ))(1) .

أمّا محاولاته الإصلاحيّة فيما يتعلّق بمؤسسة المنبر الحسيني فلقد كان من المبادرين السباقين لصيانة هذه المؤسسة الكبرى من الفوضى والترهّل، وحمايتها من الانحدار والتسيّب، ووضع الأسس والضوابط للانطلاق بها إلى مستوى المسؤوليّة، والارتقاء إلى مصاف المؤسّسات الإسلاميّة الهادفة.

يقول الخليلي في ترجمة الشيخ محمّد علي اليعقوبي أثناء حديثه عن الدعوة إلى إصلاح خطباء المنابر: وكان من أنشط العاملين في حلبة الإصلاح والدعوة إلى تهذيب الخطباء هو الخطيب السيّد جواد شبّر؛ ففتح في مدرسة المنتدى صفّاً خاصّاً بتعليم الخطباء فنّ الخطابة، وتهذيب الأخبار التي يروونها، وإعدادهم إعداداً يتّفق وروح العصر(2) .

____________________

(1) مجلة الوعي الإسلامي الكويتيّة، السنة الأُولى - العدد الثاني سنة 1965 م.

(2) هكذا عرفتهم - للخليلي 1 / 159، ومجلة الإيمان، عدد خاص في ذكرى اليعقوبي، سنة 1312 هـ.

٣٤

ولعمر الحقّ أنّ هذه المهمّة الشاقّة نحن بأمسّ الحاجّة إلى مَنْ يشمّر عن ساعد الجدّ ويتصدّى لتهذيب وتقويم هذه المؤسسة الهامّة؛ لئلاّ تكون مرتعاً سهلاً لمَنْ هبّ ودبّ، وسوقاً سوداء للمتاجرين بدماء الحسينعليه‌السلام ونبل أهدافه وشرف قضيّته(1) .

مؤلّفاته

للسيّد عدّة كتب ألّفها في حياته المعطاءة، وهذه أهمّها:

1 - إلى ولدي: كتاب في الأدب التربوي، جمع فيه عيون الشعر لأساطين الشعراء، طُبِع الطبعة الأُولى في النجف سنة 1954 م، ثمّ أعدتُ طبعه (مصوراً) في قم سنة 1984 م.

2 - قبس مِن حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام : وُزّع على الجمهور الذي شارك في الاحتفال بمناسبة ميلاد الإمام الحسينعليه‌السلام في النجف الأشرف.

3 - أشعة مِن حياة الصّادقعليه‌السلام : قُدّمَ هدية للمحتفلين بمولد سيّد الشهداء سنة 1385 هـ - 1965 م في النجف الأشرف.

4 - مقتل الحسينعليه‌السلام - عبرة المؤمنين: وهو الكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم.

5 - المطالب النفيسة: يقع في ثلاثة مجلّدات في التراجم والأخلاق والفلسفة الإسلاميّة (مخطوط).

6 - شواهد الأديب: مختارات شعريّة في ثلاثة أجزاء (مخطوط).

7 - المقتطفات: نوادر وحكم وأدب في جزئين ضخمين (مخطوط).

8 - شعراء العصر الحاضر (مخطوط).

9 - سوانح الأفكار في منتخب الأشعار: ثلاث مجلّدات في مدح ومراثي أهل البيتعليهم‌السلام (مخطوط)(2) .

10 - المناهج الحسينيّة: مجموعة مجالس قرأها في لبنان - مجلد واحد طبع في بيروت ثمّ أُعيد طبعه في قم.

11 - ديوان شعره: وفيه كثير من المراسلات والمساجلات، والقطع المستملحة والأوصاف البديعة(3) (مخطوط).

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 330.

(2) مشهد الإمام 3 / 160.

(3) شعراء الغري - للخاقاني 2 / 473.

٣٥

12 - أدب الطفّ أو شعراء الحسين - طُبع منه 10 أجزاء.

13 - الإسلام دين ودولة - 3 مجلّدات (مخطوط).

14ـ الأخلاق الإسلاميّة - 3 مجلّدات (مخطوط).

موقف بطولي وتأريخي

هنالك موقف تاريخي للسيّد الوالد ذكرته للأخ السيّد داخل، فدوّنه في موسوعته (معجم الخطباء)(1) قائلاً: ( يقول النجلُ الأصغر لسيّدنا المترجم الخطيب السيّد أمين عن أحد معارفه إنّه التقى في الهند بأحد عملاء النظام، وكان يتولّى تعذيبه عندما كان سجيناً، ولكنّه لم يعرفه لتغيير ملامحه، فاتّصل به وتظاهر بأنّه من الموالين للنّظام، وسأله عن بعض المساجين وبينهم السيّد جواد شبّر، فقال: إنّ أمر هذا الرجل لعجيب؛ فقد اجتمع مدير الأمن بضباطه ذات يوم ودار الحديث حوله وكيفيّة التعامل معه، وأخيراً قرّروا استمالته وتقديم العروض المغرية لتبديل موقفه، فاجتمعوا به وتحدّثوا معه بأنّك شخصيّة عراقية هامّة، ولك المواقف المشهودة، والخطب المؤثرة، والكلمة المسموعة في أوساط الشعب، فلا نريد منك سوى أن ترقى المنبر في الصحن الحيدري أو أيّ مكان عام وتخطب مشيداً بالسيّد الرئيس، وتشجب ما يقوم به الخميني اتّجاه العراق... إلخ!

ويذكّرني هذا المكر بمكر معاوية عندما طلب من الأحنف بن قيس بأن يرقى المنبر ويمتدح يزيد، فقال: لو تركتني لكان خيراً. قال: لماذا؟ قال: لأمرين؛ إذا صدقت أغضبتك، وإذا كذبت أغضبت الله. فلمّا طلبوا ذلك من السيّد مقابل إطلاق سراحه وإعطائه جواز سفره وبعض الإغراءات الأُخرى، أخرج السيّد لسانه وقال: اقطعوا لساني خير ممّا تدعونني إليه.

تحيّة لك أيّها البطل، ومرحى لصلابتك أيّها العظيم، وطبتَ حيّاً وميتاً، والسّلام عليك كلّما بدأ يعود ورحمة الله وبركاته.

قالوا في السيّد جواد شبّر

* قال الاُستاذ الأديب علي الخاقاني في (شعراء الغري): والسيّد جواد أديب ذكي، وخطيب شجاع، يعبّر عن كثير من الآلام التي يتحسّسها مجتمعه، ويندفع في تصوير ما يراه صالحاً لقومه بلهجة يغلب عليها الحماس، ويتخلّلها لون من الثورة النفسيّة؛ ولحماسه القوي فقد تصوّره فريق أنّه يتصنّع ذلك، غير أنّ مَنْ عرف سلوكه يعرف أنّه

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 348.

٣٦

صادق بتعبيره. (شعراء الغري 2 / 472).

* ووصفه الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني في معجمه: عالم فاضل، خطيب متكلّم، شاعر مجدّد، مؤلّف مؤرّخ متتبّع، نظم الشعر وجاهد بقلمه ولسانه في سبيل عقيدته ورسالته وتشيّعه الذي يعتبر بحقّ الإسلام الصحيح.

كتب بحوثاً ومواضيع توجيهيّة وأدبيّة في الصحف دلّت على تفوّقه العلمي ونضوجه الأدبي، اعتقلته السلطة الرعناء في شهر رمضان وضاع خبره حتّى هذه الساعة. (معجم رجال الفكر 2 / 713).

* وقال المرجاني في خطباء المنبر: هو أحد حسنات النجف الأشرف، وأحد خطبائها البارزين، وتراه إذا رقى ذروة المنبر انحدر كالسيل المتدفّق. واسع الرواية، قوي الحجّة. (1 / 136).

* وقال صاحب كتاب ومضات الشباب: اجتمعت له أسباب التوفيق في الحياة من انتشار صيت، وحسن حال، واستيعاب معرفة، ورخامة صوت، ونشاط أدبي ملموس الأثر؛ فانطلقت خلفه عيون فريق من مرتقي المنابر الذين يشاركونه المزاولة ولا يشاركونه المؤهّلات والمقام. (مشهد الإمام 4 / 154).

* قال الفقيه المظلوم الشيخ محمّد تقي الجواهري: السيّد جواد ليس له نظير في خطابته؛ فهو يركّز العقيدة. (المناهج الحسينيّة، تقديم: علي محمّد علي دخيّل).

* وقال العلاّمة الشيخ قاسم محيي الدين: الجواد هو رجل المناسبة، وأمل المستقبل في الخطابة. (خطباء المنبر 1 / 137).

* وقال العلاّمة العبقري الشيخ محمّد جواد مغنية في ختام تقديمه لموسوعة أدب الطفّ: وختاماً نسجّل تقديرنا لخطيب المنبر الحسيني الكفوء، صاحب هذه المجموعة التي ضاعفت حسناته بعدد أبياتها، وشهدت له بالتتبع وسعة الاطّلاع. (أدب الطفّ 1 / 16).

* ولمّا كان الشيخ محمّد جواد مغنية يقطن في المدرسة الشبّريّة، كنت أذهب إلى غرفته للاستفادة، ومرّةً حضر مجلساً حسينياً أُقيم في باحة المدرسة وقد قرأ الوالد، ولمّا انتهى قلت للشيخ مغنية: ما رأيكم بقراءة الوالد؟

فقال لي: إنّ أباك خطيب العُلماء، وعالم الخطباء.

* ومن ذكرياتي: تبادل الرسائل باستمرار بين الوالد والكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، فقد كنتُ أقرأ على ظرف رسائله كلّها عبارة: (... إلى أمير المنابر جواد شبّر...).

٣٧

* في لقاء مع آية الله العلاّمة السيّد محمّد مُفتي الشيعة في قم المقدسة(1) قال: كان الخطيب الفاضل السيّد جواد شبّر خطيباً مُبرزاً، واعياً جامعاً في خطابته، متكلّماً متميّزاً لفصاحته وبلاغته وشجاعته؛ حيث يُبيّن المطالب المنبريّة المهمّة... متحدّياً... دون تردّد ومداهنة...

وقد عرفته من الخطباء المتميّزين في شدّة ولائهم لأهل البيتعليهم‌السلام ... مهيمناً على تلك المطالب، عارفاً بحُضّار مجالسه من العلماء والعامّة من الناس.

وكان هو الخطيب الذي يُختارُ غالباً لارتقاء المنبر الشريف في مجالس العلماء والمراجع... وكان ممّن ينصبُّ عليه الاهتمام في تأبين العلماء والمراجع؛ لإحاطته بكثير ممّا يتعلّق بسيرهم وحياتهم وآثارهم.

وممّا أتذكّره أنّه كان المعوّل عليه في تأبين العلماء والمراجع: السيّد الحكيم، والسيّد الميلاني، والسيّد عبد الهادي الشيرازي، والسيّد جواد التبريزي، والشيخ حسين الحلّي، والسيّد محمود الشاهرودي، وآقا بزرك الطهراني وغيرهم مِن أعلام الدين (رضوان الله تعالى عليهم).

* وقال الشيخ عبد الحسين الحويزي مخاطباً السيّد جواد شبّر(2) :

يـا آلَ شبّر لم تزل أنوارُكمْ

تـأبى بـأنديةِ الهدى إطفاءا

عرجت بكم هممٌ لغاياتِ العُلا

سبقت فجاوزت المدى إسراءا

تلامذته

يعتبر الخطيب السيّد جواد شبّر مدرسة واعية معطاءة تميّزت بإخلاصها وشموليّتها؛ فقد كان السَيّد موسوعة أدبيّة فقهيّة، حديثيّة تاريخيّة، فكنتُ عندما أجلس معه أو في مجالسه العامّة، أخرج بزيادة علم ومعرفة وأدب. وقد تتلمذ على يديه جمع من الخطباء نذكر بعضهم:

1 - الخطيب السيّد حسن الكشميري(3) .

2 - الخطيب الشيخ صالح الدجيلي(4) .

____________________

(1) اللقاء في تاريخ 18 شعبان 1420 هـ.

(2) أدب الطف 10 / 128.

(3) كما يشير هو في مجالسه من على المنبر، بل ويفتخر بذلك، ومعجم الخطباء 2 / 337.

(4) نقلاً عن السيّد حسن الكشميري.

٣٨

3 - الخطيب الشيخ شاكر القرشي(1) .

4 - الخطيب السيّد داخل السيّد حسن(2) .

5 - الخطيب السيّد عامر الحلو(3) .

6 - الخطيب الشيخ صالح الجزائري(4) .

7 - الخطيب الشيخ عبد الأمير أبو الطابوق(5) .

سيّدي الاُستاذ والوالد والمُربّي، أيّها المُغيّب عنّا في السجون، يا مَن خَدَمْتَ منبر جدّك الحسينعليه‌السلام أكثر مِن نصف قَرن، ثمّ أودعوك في زنزانات مُظلمة. أيّها الأسد الهصور، كُنت تقول لنا - نحن أبناؤك -: مَنْ منكم يسلك طريقي، طريق الخطابة الحسينيّة؟

فكانت (اُمنيتك)، وها أنا أُحقّق أُمنيتك أيّها الكبير العظيم، وعلى طريقك ونهجك أيّها المخلص.

أدعو لك مع مُحبّيك وجمهورك بالفرج من أيدي الطغاة.

أدعو لك بدموعي الممزوجة بلوعتي على فراقك.

أدعو لك مِن على منبر جدّك الذبيح، مِن على نفس المنبر الذي كُنّا نراك عليه، وكلّنا آذان صاغية لحديثك المُمتع:

فـما اسـتشعرَ الـمُصغي إليك مَلالةً

ولا قُلتَ إلاّ قال مِن طَرَبٍ: زِدني

فـأعظمُ مَـجدي كـان إنّـك لي أبٌ

وأكـبرُ فـخري كان قولك: ذا اِبني

ولدك: محمّد أمين        

7 ذو القعدة 1420 - 13/2/2000

____________________

(1) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 4 / 135.

(2) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 6 / 142.

(3) معجم الخطباء 2 / 361.

(4) خطباء المنبر الحسيني 5 / 174، ومعجم الخطباء 4 / 212.

(5) معجم الخطباء 7 / 224.

٣٩

الحسينعليه‌السلام عبرة المؤمنين

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون ) «آل عمران 169 - 170».

عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام في يوم عاشوراء، فألفيته كاسفَ اللون، ظاهرَ الحزن، ودموعُه تتحادر مِن عينيه، فقلتُ: يابنَ رسول الله، مِمّ بكاؤك لا أبكى الله لك عيناً؟!

فقال: (( أوَ في غفلة أنت؟! أما علمت أنّ الحسينعليه‌السلام أُصيب في مثل هذا اليوم؟! )) ثمّ بكى أبو عبد الله حتّى اخضلّت لحيته بدموعه.

المقدّمة

احتفال الأئمّة بيوم عاشوراء

جرت عادة الشيعة الإماميّة على الاحتفال بذكرى واقعة الطفّ الدامية، واتّخاذ يوم مقتل سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يوم حزن وبكاء، اتّخذوا ذلك على سيرة الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)؛ فقد كان الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام إذا هلّ هلال عاشوراء اشتدّ حزنه، وعَظُمَ بكاؤه على مُصاب جدّه الحسينعليه‌السلام ، وتَفِدُ إليه الناس من كلّ جانب ومكان يُعزّونه بالحسينعليه‌السلام ويبكون وينوحون معه.

وكان الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تَغلبُ عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

إنّ كلّ ذلك يحتاج إلى اتّخاذ مواقف بطولية، وشجاعة علوية، وصمود فاطميّ، وقد تمثّلت في زين العابدين وزينب الكبرى (سلام الله عليهما).

وحينها سوف ترى مَن هو الغالب؟!

قال ابن سعد: (ثمّ أُتي يزيد بن معاوية بثقل الحسين ومَن بقي من أهله، فأُدخلوا عليه قد قُرنوا في الحبال، فوقفوا بين يديه، فقال له عليّ بن الحسين:( أنشدك بالله يا يزيد، ما ظنّك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا مُقرّنين في الحبال، أما كان يرقّ لنا؟! ) .

فأمر يزيد بالحبال، فقُطّعت، وعُرف الانكسار فيه! )(١) .

وهكذا تمكَّن الإمامعليه‌السلام - في أوّل موقف وقفه أمام هذا الطاغي - أن يُجرّده من السلاح، فهوعليه‌السلام لم يكسره نفسياً فحسب، بل جعل الانكسار يبين ويُعرف فيه، كما صرّح بذلك ابن سعد، وسبط ابن الجوزي - في المرآة .

قال سبط ابن الجوزي: ( وكان عليّ بن الحسين والنساء موثّقين في الحبال، فناداه علي:( يا يزيد، ما ظنّك برسول الله لو رآنا موثّقين في الحبال، عرايا على أقتاب الجمال؟! ) ، فلم يبقَ في القوم إلاّ مَن بكى )(٢) .

وهذه الرواية تُصرّح بتغيير وضع المجلس بهذه الكلمة.

قال ابن نما: ( فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( وأنا مغلول، فقلت: أتأذن لي في الكلام؟

____________________

(١) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٣. روى مضمونه: الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ مُثير الأحزان: ٩٨؛ الملهوف: ٢١٣؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٤؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤ وفيه: (... وكان أوّل مَن دخل شمر بن ذي الجوشن على يزيد بعليّ بن الحسينعليه‌السلام مغلولة يده إلى عنقه... ).

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

١٤١

فقال: قل ولا تقل هُجْراً !

قلت: لقد وقفت موقفاً لا ينبغي لمثلي أن يقول الهُجْر، ما ظنّك برسول الله لو رآني في الغِلّ؟!

فقال لمن حوله: حلّوه ) (١) .

قال ابن أعثم: ( ثمّ أُتي بهم - الأسرى من آل البيت - حتّى أُدخلوا على يزيد، وعنده يومئذٍ وجوه أهل الشام، فلما نظر إلى عليّ بن الحسين (رضي الله عنه) قال: مَن أنت يا غلام؟!

فقال:( أنا عليّ بن الحسين ) .

فقال: يا عليّ، إنّ أباك الحسين قطع رحمي، وجهل حقّي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت.

فقال عليّ بن الحسين:( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (٢) .

فقال يزيد لابنه خالد: (اردد عليه يا بُني)، فلم يدرِ خالد ماذا يقول، فقال يزيد قل له:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٣) )(٤) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٩.

أقول: لو لم يتجرّأ ذلك القائل بقوله في يوم الرزيّة: إنّ النبيّ ليهجر، أو أنّه قد غلبه الوجع - والعياذ بالله - لما كان يتجرّأ هذا الخبيث أن يتفوّه بمثل هذه الكلمات في حقّ أبنائه.

(٢) الحديد: ٢٢.

(٣) الشورى: ٣٠.

(٤) الفتوح: ٢/ ١٨٤. وروي مضمونه في: أنساب الأشراف ٣/ ٤١٩؛ الطبقات الكبرى - من القسم غير المطبوع - ٨٣؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ الكامل ٤/ ٨٦؛ الإرشاد ٢/ ١٢٠؛ إعلام الورى: ٢٤٩؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨.

١٤٢

يُستفاد من هذه الرواية استشهاد يزيد بالآية الشريفة، دون أن يردّه الإمام، وفيه تأمّل واضح، فكيف يستند الطاغي إلى آية شريفة في المقام - وهو يريد المغالطة في البين - والإمام قادر على الجواب ولا يفعل!

فلذلك نرى حصول خلل في النقل.

فبعضهم لم يذكر شيئاً عن إجابة يزيد لكلام الإمام، مثل ما أورده ابن الجوزي في المنتظم(١) ، ولا بأس به.

ولنِعْمَ ما ذكره أبو الفرج الأصفهاني في المقام! قال: ( ثمّ دعا يزيد - لعنه الله - بعليّ بن الحسين، فقال: ما اسمك؟

فقال:( عليّ بن الحسين ) .

قال: أوَ لم يقتل الله عليّ بن الحسين؟!

قال:( قد كان لي أخ أكبر منّي يُسمّى علياً فقتلتموه! ) .

قال: بل الله قتله.

قال علي:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا... ) (٢) .

قال له يزيد:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) (٣) .

فقال علي:( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (٤) .

فوثب رجل من أهل الشام فقال: دعني أقتله، فألقت زينب نفسها عليه )(٥) .

فتحصّل أنّه بناءً على ما ذكره أبو الفرج ينتهي الكلام بما استند به الإمامعليه‌السلام ، وهو المطلوب المختار.

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤٣.

(٢) الزمر: ٤٢.

(٣) الشورى: ٣٠

(٤) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٥) مقاتل الطالبيين: ١٢٠.

١٤٣

والدليل عليه ما رواه علي بن إبراهيم القمّي، عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، قال: قال الصادقعليه‌السلام :

(لما أُدخِل رأس الحسين بن عليّعليهما‌السلام على يزيد لعنه الله، وأُدخل عليه عليّ بن الحسين وبنات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان عليّ بن الحسينعليه‌السلام مُقيّداً مغلولاً، فقال يزيد: يا عليّ بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك.

فقال عليّ بن الحسين:( لعن الله مَن قتل أبي ) .

فغضب يزيد وأمر بضرب عُنقه.

فقال عليّ بن الحسين:( فإذا قتلتني فبنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَن يردّهم إلى منازلهم وليس لهم محرم غيري؟ ) .

فقال: أنت تردّهم إلى منازلهم!

ثمّ دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده.

ثمّ قال له: يا عليّ بن الحسين، أتدري ما الذي أريد بذلك؟

قال:( بلى، تُريد أن لا يكون لأحد عليَّ منّة غيرك ) .

فقال يزيد: هذا - والله - ما أردت أفعله.

ثمّ قال يزيد: يا عليّ بن الحسين( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) (١) .

فقال عليّ بن الحسين:( كلاّ، ما هذه فينا نزلت، إنّما نزلت فينا: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ... وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ... ) (٢) ،

____________________

(١) الشورى: ٣٠.

(٢) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

١٤٤

فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا، ولا نفرح بما أتانا منها ) (١) .

نعم، ذكر ابن الصبّاغ المالكي بعد ذكر استشهاد يزيد بآية:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) كلاماً للإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام يكون بمنزلة تفسير هذه الآية.

قال: فقال عليّعليه‌السلام :( هذا في حقّ مَن ظَلَم، لا في مَنْ ظُلم ) (٢) ، فالإمام يهدم أصل استناد يزيد من الأساس، ويُبيّن عدم فقهه بمعنى الآية الشريفة.

قالوا: ( ثمّ دعا بالنساء والصبيان، فأُجلِسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة فقال: قبّح الله ابن مرجانة، لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم هكذا )(٣) .

وهذا أيضاً موضع آخر لتبيِّن الانكسار في وجه يزيد، والتجائه للتفوّه بهذه الكلمات الواهية، وهو يريد أن يتخلّى عن المسؤولية، ويرميها على عاتق فاسق مثله هو ابن زياد.

ملاحظات:

ذكر بعضٌ وقوع المكالمة بين يزيد والإمام زين العابدينعليه‌السلام والاستناد بتلك الآيات الشريفة في هذه المواقف:

١ - قال ابن قتيبة: (وذكروا أنّ أبا معشر قال: حدّثني محمّد بن الحسين بن علي(٤) قال:

____________________

(١) تفسير القمّي ٢/ ٣٥٢ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٨ ح١٤.

(٢) الفصول المهمّة: ١٩٥.

(٣) أُنظر تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٦؛ اعلام الورى: ٢٤٩.

(٤) الظاهر هنا سقط، وهو كلمة عليّ بن، والصحيح هو محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي الذي ينطبق على الإمام محمّد الباقر الذي كان حاضراً في مجلس يزيد.

١٤٥

( دخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر غلاماً مُغلّلين في الحديد، وعلينا قُمُصٌ، فقال يزيد: أخلصتم أنفسكم بعبيد أهل العراق؟! وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج ولا بقتله حين قُتل، فقال عليّ بن الحسين: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (١) .

فغضِب يزيد وجعل يعبث بلحيته، وقال: ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير ٍ ) (٢) ،يا أهل الشام، ما ترون في هؤلاء؟

فقال رجل من أهل الشام: لا تتّخذنّ من كلب سوء جرواً... ) (٣) .

فبناءً على ما ذكره ابن قتيبة لم يفسح المجال للإمام حتّى يقوم بالجواب.

٢ - ذكر ابن عبد ربّه عن، عليّ بن عبد العزيز، عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الخرامي، عن أبيه قال: ( فقتله ( أي الإمام الحسينعليه‌السلام ) عبيدُ الله، وبعث برأسه وثقله إلى يزيد، فلما وُضِع الرأس بين يديه تمثّل بقول حصين بن الحمام المرّي:

يُفلِّقن هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له عليّ بن الحسين - وكان في السبي -:( كتاب الله أولى بك من الشِّعر،

____________________

(١) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) الإمامة والسياسة ٢/ ٨. وروى مضمونه: العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨، ح١١٧٢؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧٢؛ وذكره تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥ بتفاوت.

١٤٦

يقول الله: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (١) .

فغضب يزيد وجعل يعبث بلحيته، ثمّ قال: غير هذا من كتاب الله أولى بك وبأبيك، قال الله:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٢) ، ما ترون يا أهل الشام في هؤلاء؟... )(٣) .

فبناءً على هذا الخبر - أيضاً - لم يفسح يزيد المجال لإجابة الإمامعليه‌السلام .

أورد الحافظ الطبراني، بإسناده عن الليث قال: ( أبى الحسينُ بن علي (رضي الله عنهما) أن يُستأسر(٤) ، فقاتلوه فقتلوه، وقتلوا بنيه وأصحابه الذين قاتلوا معه بمكان يُقال له: الطف. وانُطلِق بعليّ بن حسين وفاطمة بنت حسين وسكينة بنت حسين إلى عبيد الله بن زياد، وعليّ يومئذٍ غلام قد بلغ، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فأمر بسكينة فجعلها خلف سريره لئلاّ ترى رأس أبيها، وذو قرابتها وعليّ بن الحسين (رضي الله عنهما) في غلّ فوضع رأسه، فضرب على ثنيتي الحسين (رضي الله عنه) فقال:

نُفلِّق هاماً من رجالٍ أحبَّة

إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال عليّ بن الحسين (رضي الله عنه):( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن

____________________

(١) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣١. انظر: تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ كفاية الطالب: ٤٣٢؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧١.

(٤) جاء في المصدر أن يستأنس، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه، كذا في تاريخ الإسلام للذهبي ١٨ وسير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩ وتاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٩٣ ومجمع الزوائد ٩/ ١٩٥..

١٤٧

قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (١) .

فثقل على يزيد أن يتمثّل ببيت شعر وتلا عليّ آية من كتاب الله عزّ وجلّ، فقال يزيد: بل( ... بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٢) .

فقال عليّعليه‌السلام :( أما والله، لو رآنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغلولين لأحبّ أن يُخلِّينا من الغِلّ ) .

قال: صدقت، فخلّوهم من الغِل.

قال:( ولو وقفنا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحبّ أن يُقرّبنا ) .

قال: صدقت، فقرّبوهم.

فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لتريان رأس أبيهما، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما... )(٣) .

التأمّل الذي ذكرناه يجري في هذا النقل، وعلى فرض صحّته، فالكلام الواقع بين الإمام ويزيد محمول على إرادة الإمام تجريد يزيد من سلاحه، وذلك بتعريف نفسه وأهل بيته بأنّهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ ما يجري باسم الخلافة الإسلامية هو على خلاف سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نجح الإمامعليه‌السلام في ذلك.

قال ابن أعثم والخوارزمي - واللفظ للأوّل -:

( فتقدّم عليّ بن الحسين حتّى وقف بين يدي يزيد بن معاوية، وجعل يقول:

____________________

(١) الحديد: ٢٢.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) المعجم الكبير ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦. وروى ذلك تاريخ مدينة دمشق - ترجمة فاطمة بنت الحسين - ١٩/ ٤٩٣؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ تاريخ الإسلام: ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٥.

١٤٨

لا تطمعوا أن تُهينونا ونُكرمكم

وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا

فالله يـعـلم أنّـا لا نـحبّكُم

ولا نـلومكُم إن لـم تـحبّونا

فقال يزيد: صدقت يا غلام، ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين، فالحمد لله الذي أذلّهما وسفك دماءهما!

فقال له عليّ بن الحسين:( يا بن معاوية وهند وصخر، لم يزل آبائي وأجدادي فيهم الإمرة من قبل أن تلد [تولد]، ولقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -يوم بدر وأُحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفر ) .

ثمّ جعل عليّ بن الحسين يقول:

مـاذا تـقولون إن قال النبيّ لكم

مـاذا فـعلتم وأنـتم آخـر الأُمم

بـعترتي وبـأهلي بـعد مُنقلبي

مـنهم أُسارى ومنهم ضُرِّجوا بدم

أكـان هـذا جزائي أن نصحتكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

ثمّ قال عليّ بن الحسين:( ويلك - يا يزيد -! إنّك لو تدري ما صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي، وأخي وعمومتي، إذاً لهربت في الجبال، وفرشت الرمال، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس الحسين بن فاطمة وعلي منصوباً على باب المدينة، وهو وديعة رسول الله فيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأبشِر بالخزي والندامة غداً، إذا جُمِع الناس ليومٍ لا ريبَ فيه! ) (١) .

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٤. اُنظُر: مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ تسلية المجالس ٢/ ٢٨٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٥.

١٤٩

وفيه نقاط للبحث والتأمّل:

١ - صلابة موقف الإمام وصموده في المقام.

٢ - جعل الإمام مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام - وما جرى في وقعة الطف وبعده - على عاتق يزيد وتنبيهه لعمق الفاجعة الكبرى، ووعيده بنار جهنّم.

٣ - تبيين موضع جبهة يزيد، بأنّه وأباه وجدّه كانوا على خطِّ الباطل، وفي قِباله هو وأبوه وجدّه على نهج الحقّ، وأنّ النهضة الحسينيّة هي استمرار لتلك المواجهة والمقابلة.

٤ - وفي هذا الخبر أيضاً ما يفضح يزيد نفسه، فقد رأينا أنّه يُحاول أحياناً أن يتخلّى عن مسؤولية قتل الإمام الحسين ويدّعي - كذباً وزوراً - بعدم علمه بقتل الحسينعليه‌السلام وعدم رضاه بذلك، بينما نراه - في هذا الخبر - يُفصح عمّا في ضميره، ويُصرّح بفرحه وسروره بقتل سيّد الشهداء ويحمد الله على ذلك!

يزيد يهمُّ بقتل الإمامعليه‌السلام !

قال الفقيه المحدّث قطب الدين الراوندي: ( وروي أنّه لما حُمِل عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إلى يزيد عليه اللعنة همَّ بضرب عنقه، فوقفه بين يديه وهو يُكلّمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله، وعليّعليه‌السلام يُجيبه حسب ما يُكلّمه، وفي يده سبحة صغيرة يُديرها بأصابعه، وهو يتكلّم، فقال له يزيد عليه ما يستحقّه: أنا أُكلّمك وأنت تُجيبني وتُدير أصابعك بسبحة في يدك! فكيف يجوز ذلك؟!

فقالعليه‌السلام :( حدّثني أبي عن جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه كان إذا صلّى الغداة وانفتل لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه، فيقول: اللّهم، إنّي أصبحت أُسبّحك وأحمدك، وأُهلّلك وأُكبّرك، وأُمجّدك بعدد ما أُدير به سبحتي، ويأخذ السبحة في

١٥٠

يده ويُديرها وهو يتكلّم بما يُريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح، وذكر أنّ ذلك مُحتسب له، وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه، فإذا آوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول، ووضع سبحته تحت رأسه، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت، ففعلت هذا اقتداءً بجدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) .

فقال له يزيد عليه اللعنة مرّة أُخرى: لست أُكلِّم أحداً منكم إلاّ ويُجيبني بما يفوز به.

وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه )(١) .

إشارة بعض الحاضرين بقتل الإمام!

قال المسعودي: ( فلما استُشهد (أي الإمام الحسينعليه‌السلام ) حُمِل عليّ بن الحسين مع الحرم، وأُدخل على اللعين يزيد، وكان لابنه أبي جعفرعليه‌السلام سنتان وشهور، فأُدخِل معه، فلما رآه قال له: كيف رأيت يا عليّ بن الحسين؟!

قال:( رأيت ما قضاه الله عزّ وجلّ قبل أن يخلق السماوات والأرض ) .

فشاور يزيد جلساءه في أمره، فأشاروا بقتله وقالوا له: لا تتّخذ من كلبِ سوءٍ جرواً.

فابتدر أبو محمّد الكلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال ليزيد لعنه الله:( لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه، حيث شاورهم في موسى وهارون، فإنّهم قالوا له: أرْجِه وأخاه، وقد أشار هؤلاء عليك لقتلنا، ولهذا سبب ) .

____________________

(١) الدعوات: ٦١ ح١٥٢، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٠.

١٥١

فقال يزيد: وما السبب؟

فقالعليه‌السلام :( إنّ أولئك كانوا الرشدة، وهؤلاء لغير رشدك، ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلاّ أولاد الأدعياء ) .

فأمسك يزيد مُطرقاً، ثمّ أمر بإخراجهم على ما قُصّ وروي )(١) .

وحيث كان هذا الكلام يحتوي على أحسن برهان وأتقن دليل، لم يجد يزيد أيّ ملجأ يهرب إليه.

مُجابهة الإمام زين العابدين مع الرجل الشامي!

قال ابن سعد: ( فقام رجل من أهل الشام فقال: ( إنّ سباءهم لنا حلال! ).

فقال عليّ بن حسين:( كذبت ولؤمت، ما ذاك لك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتأتي بغير ديننا ) .

فأطرق يزيد مليّاً، ثمّ قال للشامي: اجلس )(٢) .

وروى القاضي نعمان، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: ( ووجّه بي إلى يزيد لعنه الله مع سائر حرم الحسينعليه‌السلام وحرم مَن أُصيب معه، فلما صرنا بين يدي يزيد اللعين قام رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين، نساؤهم لنا حلال.

فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام :( كذبت إلاّ أن تخرج من ملّة الإسلام، فتستحلّ ذلك بغير دين ) .

فأطرق يزيد ملياً، وأمر بالنسوة، فأدخلن إلى نسائه... )(٣) .

____________________

(١) إثبات الوصية: ١٤٥.

(٢) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٣؛ الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام ) ٥/ ٢١٢. ونحوه في: المنتظم ٥/ ٣٤٥؛ عبرات المصطفين؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٥٣، وفيه: ( فأطرق يزيد، ولم يقل في ذلك شيئاً )؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣ بتفاوت.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ١٥٨ ح١٠٨٩.

١٥٢

زينب الكبرى في مجلس يزيد:

إنّها بنت عليّ وفاطمة، وأُخت الحسن والحسين، قد تربَّت في أحضان النبوّة والولاية، وهي اليوم بطلة المعركة، تقف أمام الطاغي بكلّ صلابة، وتُكلِّمه بتمام الشجاعة؛ لأنّها ترى الواقع الثابت عند الله، وتعلم بأنّ أخاها ومسيره الغالبان، والطاغي هو المخذول المغلوب على أمره، ولأجل ذلك نرى أنّه لم يُدركها الهول والفزع، وتقوم برسالتها وبواجبها امتداداً لثورة كربلاء، وتجسيداً رائعاً لقيمها الكريمة وأهدافها السامية.

فهي تتكلّم في وقت الكلام، وتسكت في وقت السكوت، حينما يسألها يزيد بكلامه ( تُكلّميني؟! ) تجعل المسؤولية على عاتق عليّ بن الحسينعليه‌السلام بقولها: هو المتكلِّم(١) ، حتّى تُعرِّف الإمام والحجّة وقائد المسيرة، وحينما يكون الوقت مُقتضياً نرى أنّها تأخذ بزمام الكلام وتنطق بكلمات عالية، تكشف عن كونها تربّت في مدرسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

قال القندوزي: ( ثمّ أمر يزيد الملعون أن يُحضِروا عنده حرم الحسين وأهل بيته، قالت زينب:

يا يزيد، أما تخاف الله ورسوله من قتل الحسين؟! وما كفاك ذلك حتّى تستجلب بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العراق إلى الشام؟! وما كفاك حتّى تسوقنا إليك كما تُساق الإماء على المطايا بغير وطاء؟! وما قتل أخي الحسين (سلام الله عليه) أحدٌ غيرُك يا يزيد، ولو لا أمرك ما يقدر ابن مرجانة أن يقتله؛ لأنّه كان أقلّ عدداً وأذلّ نفساً، أما خشيت من الله بقتله وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أخيه:( الحسن والحسين

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

١٥٣

سيّدا شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين ) ؟، فإن قلت: لا. فقد كذبت، وإن قلت: نعم. فقد خصمت نفسك واعترفت بسوء فعلك.

فقال: (ذرّية يتبع بعضها بعضاً). وبقي يزيد خجلاً ساكتاً )(١) .

وفي هذا الخطاب نقاط لابدّ من الالتفات إليها:

١) التركيز على الانتساب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وذلك لأجل كسر حاجز الخوف الإعلامي المشوّه والمسموم.

٢) التركيز على جعل مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام على عاتق يزيد، وعدم إمكانه من التخلّي عنه، وأنّه لولاه لما تمكّن ابن مرجانة أن يرتكبه.

٣) تأثير كلام زينب الكبرى، بحيث إنّ يزيد لم يحِرْ جواباً.

بين يدي رأس الإمام!

نرى أنّ زينب الكبرى (سلام الله عليها) تتّخذ موقفاً عاطفياً، حينما تواجه رأس أخيها سيّد الشهداء (سلام الله عليه)، ومع ذلك تؤثّر على المجلس تأثيراً تامّاً، بحيث ينقلب المجلس، حتّى يبكي كلُّ مَن كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت.

قال السيّد ابن طاووس: ( وأمّا زينب، فإنّها لما رأته ( رأس الحسينعليه‌السلام ) أهوت إلى جيبها فشقّته، ثمّ نادت بصوت حزين يُقرح القلوب: يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا بن مكّة ومنى! يا بن فاطمة الزهراء سيّدة النساء! يا بن بنت المصطفى! ).

قال الراوي: ( فأبكت - والله - كلّ مَن كان حاضراً في المجلس، ويزيد ساكت )(٢) .

____________________

(١) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢.

(٢) الملهوف: ٢١٣. ونحوه: مُثير الأحزان: ١٠٠؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٣؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤.

١٥٤

خُطبة زينب الكبرى:

إنّ من أروع الخطب التي سجّلها التأريخ، فصارت من متمِّمات النهضة الحسينيّة المباركة، هي الخطبة التي ألقتها زينب الكبرى في مجلس يزيد.

يقول الأستاذ باقر شريف القرشي: ( فقد دمّرت فيه حفيدة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جبروت الطاغية، وألحقت به الهزيمة والعار، وعرّفته أنّ دعاة الحقّ لا تنحني جباههم أمام الطغاة والظالمين )(١) .

ولقد ذكر كثيرٌ تلك الخُطبة الغرّاء، أقدمهم ابن طيفور (ت: ٢٨٠) نذكرها حسب نقله؛ لقدمته وعلوّ مضامينه، ثمّ نردف ما نقله بالصيغة التي رواها الخوارزمي؛ وذلك لأجل وجود فروق كثيرة في نقل الأخير، ولاشتماله على مطالب راقية ومضامين عالية.

قال ابن طيفور - بعد ذكر تمثّل يزيد بأبيات ابن الزبعرى -:

فقالت زينب بنت عليّعليهما‌السلام :

صدق الله ورسوله يا يزيد( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) (٢) ، أَظَنَنْتَ - يَا يَزِيدُ - حين أُخِذ عَلَيْنَا بأَطراف الأَرْضِ وَأكناف السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الأُسارى أَنَّ بِنَا هَوَاناً عَلَى اللهِ، وَبِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةً، وَأَنَّ هذا لِعَظِيمِ خَطَرِكَ؟! فَشَمخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ في عِطْفِكَ، جَذلان فرحاً حينَ رِأَيْتَ الدُّنْيَا مُسْتَوْسِقَةً لكَ، وَالأُمُورَ مُتَّسِقَةً عليك،

____________________

(١) حياة الإمام الحسين ٣/ ٣٨٠.

(٢) الروم: ١٠.

١٥٥

وقد أُمْهِلت ونُفِّست، وهو قول الله تبارك وتعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١) ، أمِنَ العدل - يا بن الطُّلقاء - تخديرك نساءك وإماءَك وسوقك بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هتكت ستورهن وأصحلت صوتهن، مكتئبات تحذي بهنّ الأباعر ويحدو بهنّ الأعادي من بلدٍ إلى بلد، لا يُراقبن ولا يؤوين، يتشوفهنّ القريب والبعيد، ليس معهنّ وليّ من رجالهنّ؟! وكيف يُستبطأ في بُغضنا مَن نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان؟! أتقول: ( ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا ) غير مُتأثِّم ولا مُستعظم، وأنت تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟! ولِمَ لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشافة بإهراقك دماء ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب؟! ولتردنّ على الله وشيكاً موردهم ولتودَنّ أنّك عميت وبُكمت، وأنّك لم تقل: (فاستهلّوا وأهلّوا فرحاً).

اللّهمَّ، خُذْ بحقّنا وانتقم لنا ممّن ظلمنا! والله، ما فريت إلاّ في جلدك ولا حززت إلاّ في لحمك، وسترد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برغمك وعترته ولحُمته في حظيرة القدس، يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث، وهو قول الله تبارك وتعالى:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ

____________________

(١) آل عمران: ١٧٨.

١٥٦

اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ، وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحَكَم الله والخصم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوارحك شاهدة عليك، فبِئْسَ للظالمين بدلاً! أيّكم شرٌّ مكاناً وأضعف جنداً؟! مع أنّي - والله - يا عدوّ الله وابن عدوّه أستصغر قَدرك وأستعظم تقريعك، غير أنّ العيون عبرى! والصدور حرّى! وما يجزي ذلك أو يُغني عنّا، وقد قُتل الحسينعليه‌السلام ، وحزب الشيطان يُقرِّبنا إلى حزب السفهاء ليُعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، وهذه الأفواه تتحلَّب من لحومنا، وتلك الجُثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات، فلئن اتّخذتنا مغنماً لتتّخذنّ مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، تستصرخ ابن مرجانة ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعُك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوّدك معاوية قتلك ذرّية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوالله، ما اتّقيتُ غير الله، ولا شكواي إلاّ إلى الله، فكِدْ كيدك واسْعَ سعيك وناصب جهدك، فوالله، لا يدحض عنك عار ما أتيت إلينا أبداً، والحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبّان الجنان، فأوجب لهم الجنّة، أسأل الله أن يرفع لهم الدرجات، وأن يوجب لهم المزيد من فضله، فإنّه وليٌّ قدير(٢) .

____________________

(١) آل عمران: ١٦٩.

(٢) بلاغات النساء: ٣٥.

١٥٧

وأمّا ما ذكره الخوارزمي فهو:

فقامت زينب بنت علي - وأُمّها فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقالت:

( الْحَمْدُ للهِ ربّ العالمين، والصلاة والسلام على(١) سيّد المرسلين، صدق الله تعالى إذ يقول:( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون ) (٢) . أظننت - يا يزيد - حيث أخذت علينا أقطار الأرض(٣) ، وآفاق السّماء وأصبحنا(٤) نُساق كما تُساق الأُسارى(٥) أنّ بنا على الله(٦) هواناً (٧) ، وبك عليه كرامة(٨) ، وأنّ ذلك لعُظم خِطرك عنده(٩) ؟! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك(١٠) ، جَذلان مسروراً، حين رأيت الدّنيا لك مستوسقة، والأُمور(١١) مُتَّسقةً، وحين صفا لك مُلكنا(١٢) وسلطاننا، فمهلاً

____________________

(١) في الاحتجاج: على جدّي سيّد المرسلين.

(٢) الروم: ١٠.

(٣) في الاحتجاج: وضيّقت علينا آفاق السماء.

(٤) في الاحتجاج: فأصبحنا لك في أسار نُساق إليك سَوْقَ في قطار، وأنت علينا ذو اقتدار.

(٥) في الملهوف: الإماء.

(٦) في الاحتجاج: من الله.

(٧) في الاحتجاج: وعليك منه كرامة وامتناناً.

(٨) في مصير الأحزان: وبك على الله كآبة، فشمخت.

(٩) في الاحتجاج: وأنّ ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك.

(١٠) في الاحتجاج: تضرب أصدريك فرحاً وتنقض مذرويك مرحاً.

(١١) في الاحتجاج: الأُمور لديك.

(١٢) في الاحتجاج: مُلكنا وخلص لك سلطاننا.

١٥٨

مهلاً(١) ! أنسيت قول الله تعالى: ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (٢) ؟!

أمِنَ العدل - يا بن الطّلقاء - تخديرك إماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا؟! قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، يُحدى(٣) بهنّ من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل(٤) والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد(٥) ، والدّنيّ والشّريف(٦) ، ليس معهنّ من رجالهنّ وليٌّ، ولا من حماتهنّ حميّ(٧) . وكيف تُرجى المراقبة مَن لفظ فوه أكباد السّعداء(٨) ، ونبت لحمه بدماء الشُهداء(٩) ؟!

____________________

(١) في الاحتجاج: لا تطِشْ جهلاً.

(٢) آل عمران: ١٧٨.

(٣) في الملهوف: تحدو بهنّ الأعداء، وفي الاحتجاج: يحدو بهنّ الأعداء.

(٤) في الاحتجاج: أهل المنازل والمناهل.

(٥) في الاحتجاج: والغائب والشهيد، والشريف والوضيع.

(٦) في الاحتجاج: والرفيع.

(٧) في الاحتجاج: حميم عتوّاً منك على الله، وجحوداً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودفعاً لما جاء به من عند الله، ولا غَرْوَ منك! ولا عَجب من فعلك! وأنّى يُرتجى الخير ممّن لفظ فوه.

(٨) في الملهوف: الأزكياء، وفي الاحتجاج: الشهداء.

(٩) السعداء، ونصَبَ الحرب لسيّد الأنبياء، وجمع الأحزاب وشهر الحراب وهزّ السيوف في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أشدّ العرب لله جحوداً وأنكرهم له رسولاً، وأظهرهم له عدواناً وأعتاهم على الربّ كفراً وطغياناً، ألا أنّها نتيجة الكفر، وضبّ يُجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر، فلا يَستبطئ.

١٥٩

وكيف(١) لا يَستبطئ في بُغضنا أهل البيت(٢) من نظر إلينا بالشّنف والشّنآن والإحن والأضغان؟! ثُمّ تقول(٣) غير مُتأثّم ولا مُستعظم(٤) :

لأهلُّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشل

مُنتحياً(٥) على ثنايا أبي عبد اللهعليه‌السلام (٦) تنكتها بمخصرتك(٧) !

وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشافة، بإراقتك(٨) دماء ذرِّيَّة آل(٩) محمّد(١٠) ونجوم الأرض من آل عبد المطَّلب؟!

____________________

(١) في الملهوف: وكيف يستظلّ في ظلّنا أهل البيت مَن نظر.

(٢) في الاحتجاج: مَن كان نظره إلينا شنعاً وشنآناً، وإحناً وأضغاناً، يُظهر كفره برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويُفصح ذلك بلسانه وهو يقول - فرحاً بقتل ولده وسبي ذرّيته غير مُتحوّب ولا مُستعظم يهتف بأشياخه -: لأهلّوا.

(٣) في الملهوف: ثمّ تقول، وفي الاحتجاج: وهو يقول.

(٤) في الاحتجاج: يهتف بأشياخه.

(٥) في الاحتجاج والملهوف، ومُثير الأحزان: مُتنحّياً.

(٦) في الملهوف: سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها، وفي الاحتجاج: وكان مُقبَّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينكتها.

(٧) في الاحتجاج: بمِخصرته قد التمع السرور بوجهه، لعمري لقد نكأت.

(٨) دم سيّد شباب أهل الجنّة، وابن يعسوب الدِّين والعرب، وشمس آل عبد المطّلب، وهتفت بأشياخك وتقرّبت بدمه إلى الكَفرة من أسلافك، ثمّ صرخت بندائك، ولعَمْرِي، لقد ناديتهم لو شهدوك ووشيكاً تشهدهم ولم يشهدوك، ولتودّ يمينك كما زعمت شُلّت بك عن مرفقها وجُذَّت. و[أحببت] أُمّك لم تحملك وأباك لم يلدك حين تصير إلى سخط الله ومُخاصمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهمّ، خُذْ...

(٩) في الملهوف: ذرّيّة محمّد.

(١٠) مُثير الأحزان: الذريّة الطاهرة، وتهتف بأشياخك لتردنّ موردهم، اللّهمَّ، خُذْ...

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460