مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234282 / تحميل: 8789
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

أتهتف(١) بأشياخك؟! زعمت تُناديهم(٢) ، فلتردنّ وشيكاً موردهم، ولتودَّنّ أنّك شُللت وبُكمت ولم تكن قلت ما قلت.

اللّهمّ، خُذْ بحقّنا، وانتقم(٣) ممّن ظلمنا(٤) ، وأحْلِل غضبك(٥) بمَن سفك دماءنا(٦) وقتل حُماتنا.

فوالله، ما فريت إلاّ جلدك، ولا (٧) جززت(٨) إلاّ لحمك، ولتردَنّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما تحمّلت(٩) من سفك دماء ذرّيته وانتهاك حُرمته(١٠) في لحُمته وعترته، وليُخاصمنّك حيث يجمع الله تعالى شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ لهم بحقّهم( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ

____________________

(١) في الملهوف: وتهتف بأشياخك.

(٢) في الملهوف: إنّك تُناديهم.

(٣) في مُثير الأحزان: وانتقم لنا ممّن ظلمنا، فما فريت إلاّ جلدك.

(٤) في الاحتجاج: وانتقم من ظالمنا.

(٥) في الاحتجاج: غضبك على مَن سفك.

(٦) في الاحتجاج: ونقض ذمارنا، وقتل حماتنا، وعتك عنّا سدولنا، وفعلت فعلتك التي فعلت، وما فريت.

(٧) في الاحتجاج: وما جززت.

(٨) في الملهوف: ولا حززت.

(٩) الاحتجاج: من دم ذُرّيّته وانتهكت من حُرمته وسفكت من دماء عترته ولحُمته، حيث يجمع به شملهم ويلم به شعثهم، وينتقم من ظالمهم ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم، فلا يستفزّنّك الفرح بقتلهم ولا تحسبنّ.

(١٠) في الملهوف: وانتهكت من حرمته في عترته ولحُمته، وحيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقّهم ولا تحسبنّ...

١٦١

يُرْزَقُونَ ) (١) .(٢) فحسبك بالله(٣) حاكماً، وبمحمد خصماً(٤) وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم مَن سوّل(٥) لك ومكّنك من رقاب المسلمين، أنْ بئس(٦) للظّالمين بدلاً، وأيّكم شرٌّ مكاناً وأضعف(٧) جُنداً.

ولئن جرّت عليّ الدّواهي مُخاطبتك، فإنّي(٨) لأستصغر قَدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر(٩) توبيخك، لكنّ العيون عبرى، والصّدور حرّى.

ألا(١٠) فالعَجب كلّ العَجب! بقتل(١١) حزب(١٢) الله النُجباء بحزب

____________________

(١) آل عمران: ١٦٩.

(٢) في الاحتجاج: فرحين بما آتاهم الله من فضله) وحسبك.

(٣) في الاحتجاج: وليّاً وحاكماً وبرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصيماً.

(٤) الملهوف: خصيماً.

(٥) في الاحتجاج: مَن بوّأك.

(٦) في الملهوف: (بِئْسَ) من دون (أن).

(٧) الاحتجاج: وأضلّ سبيلاً. وما استصغاري قَدرك ولا استعظامي تقريعك، توليماً لانتجاع الخطاب فيك، بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى وصدورهم عند ذكره حرّى، فتلك قلوب قاسية، ونفوس طاغية، وأجسام محشوّة بسخط الله ولعنة الرسول، قد عشّش فيها الشيطان وفرَّخ، ومن هناك مثلك ما درج ونهض.

(٨) في الملهوف: إنّي.

(٩) في الملهوف: وأستكثر.

(١٠) غير موجودة في الاحتجاج.

(١١) في الملهوف: لقتل.

(١٢) في الاحتجاج: لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء، وسليل الأوصياء، بأيدي الطُّلقاء الخبيثة، ونسل العهرة الفجرة، تنطف أكفُّهم.

١٦٢

الشيطان الطُّلقاء، فتلك الأيدي تنطف(١) من دمائنا، وتلك(٢) الأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجُثث الطّواهر الزّواكي تتنابها(٣) العواسل وتعفوها(٤) الذئاب(٥) ، وتؤمّها الفراعل، ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنا(٦) وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك(٧) ، وأنّ الله ليس بظلاّم للعبيد، فإلى الله المشتكى(٨) ، وعليه المعوّل.

فكد كيدك(٩) ، واسْعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله، لا تمحو(١٠) ذِكْرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها(١١) ، ولا تغيب شنارها، فهل رأيك إلاّ فند وأيّامك إلاّ عدد،

____________________

(١) في الملهوف: فهذه الأيدي تنضخ من دمائنا.

(٢) في الاحتجاج: وتتحلّب أفواههم من لحومنا، تلك الجُثث الزاكية على الجيوب الضاحية تنتابها.

(٣) في الملهوف: تتناهبها.

(٤) في الاحتجاج: تُعفّرها [ أُمّهات ] لفزاعل، فلئن.

(٥) في الملهوف: وتعفوها أُمّهات الفراعل.

(٦) في الاحتجاج: لتجد بنا.

(٧) في الاحتجاج: وما ربّك بظلاّم للعبيد، والملهوف: وما الله بظلاّم للعبيد.

(٨) في الاحتجاج: وإليه الملجأ والمؤمّل، ثمّ كِدْ.

(٩) في الاحتجاج: واجهد جهدك فو [الله] الذي شرّفنا بالوحي والكتاب والنبوّة والانتجاب، لا تُدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا يدحض عنك عارنا، وهل رأيك.

(١٠) في الملهوف: لا تمحونّ.

(١١) في الملهوف: وهل رأيك إلاّ فنداً وأيّامك إلاّ عدداً وجمعك إلاّ بدداً؟!

١٦٣

وشملك(١) إلاّ بدد، يوم يُنادي المنادي ألا لعنة(٢) الله على الظالمين.

فالحمد لله الّذي ختمَ(٣) لأوّلنا بالسّعادة والرحمة، ولآخرنا بالشّهادة والمغفرة(٤) .

وأسأل(٥) الله أن يُكمل لهم الثّواب، ويوجب لهم المزيد(٦) ، وحسن المآب، ويختم بنا الشرافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل، نِعْمَ المولى ونعم النصير(٧) )(٨) .

إنّه خطاب عظيم! تمكّن من كسر غرور يزيد وتحطيم كبريائه!

يقول الإمام كاشف الغطاء (رحمه الله): ( أتستطيع ريشةُ أعظم مُصوِّر وأبدع مُمثِّل أن يُمثِّل لك حال يزيد وشموخه بأنفه، وزهوّه بعطفه، وسروره وجذله باتّساق الأمور وانتظام الملك، ولذّة الفتح والظفر، والتشفّي والانتقام؟! - بأحسن من ذلك التصوير

____________________

(١) في الاحتجاج: وجمعك.

(٢) في الاحتجاج: ألا لعن الظالم العادي.

(٣) في الاحتجاج: حكم لأوليائه بالسعادة، وختم لأصفيائه ببلوغ الإرادة، ونقلهم إلى الرحمة والرأفة، والرضوان والمغفرة، ولم يشقَ بهم غيرك ولا ابتُلي بهم سواك، ونسأله أن يُكمل لهم الأجر ويجزل لم الثواب والذخر، ونسأله حسن الخلافة وجميل الإنابة إنّه رحيم ودود.

(٤) في الملهوف: والرحمة.

(٥) في الملهوف: ونسأل.

(٦) في الملهوف: ويحسن علينا الخلافة إنّه رحيم ودود.

(٧) ليست هذه الفقرة الأخيرة في الملهوف.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣. وانظر: مُثير الأحزان: ١٠١؛ الملهوف: ٢١٥؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٣؛ الحدائق الوردية لحميد بن زيد اليماني؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٣؛ أعلام النساء ٢/ ٩٥ لعمر رضا كحالة؛ وغيرهم.

١٦٤

والتمثيل - وهل في القدرة والإمكان لأحد أن يدفع خصمه بالحجّة والبيان، والتقريع والتأنيب، ويبلغ ما بلغته سلام الله عليها بتلك الكلمات، وهي على الحال الذي عرفت، ثمّ لم تقتنع منه بذلك حتّى أرادت أن تُمثّل له وللحاضرين عنده ذلّة الباطل وعِزّة الحقّ، وعدم الاكتراث والمبالاة بالقوّة والسلطة، والهيبة والرهبة، أرادت أن تُعرّفه خِسّة قَدَرِه، وضِعَة مقداره، وشناعة فعله، ولؤم فرعه وأصله؟! )(١) .

ويقول المرحوم الفكيكي:

(تأمّل معي في هذه الخُطبة الناريّة، كيف جمعت بين فنون البلاغة وأساليب الفصاحة، وبراعة البيان، وبين معاني الحماسة وقوّة الاحتجاج، وحجّة المعارضة والدفاع في سبيل الحرّيّة، والحقّ والعقيدة بصراحة هي أنفذ من السيوف إلى أعماق القلوب، وأحدّ من وقع الأسنّة في الحشا والمهج في مواطن القتال ومجالات النزال، وكان الوثوب على أنياب الأفاعي وركوب أطراف الرماح أهون على يزيد من سماع هذا الاحتجاج الصارخ، الذي صرخت به ربيبة المجد والشرف في وجوه طواغيت بني أُميّة وفراعنتهم، في منازل عزّهم ومجالس دولتهم الهرقلية الارستقراطية الكريهة.

ثمّ إنّ هذه الخطبة التاريخية القاصعة، لا تزال تنطق ببطولات الحوراء الخالدة وجرأتها النادرة، وقد احتوت النفس القويّة الحسّاسة الشاعرة بالمثالية الأخلاقية الرفيعة السامية، وسيبقى هذا الأدب الحيّ صارخاً في وجوه الطغاة الظالمين على مدى الدهر وتعاقُب الأجيال، وفي كلّ ذكرى لواقعة الطف الدامية المفجعة )(٢) .

____________________

(١) السياسة الحسينيّة: ٣٠.

(٢) مجلّة الغري، السنة السابعة، العدد ٦، على ما في حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ٣/ ٣٨١.

١٦٥

نظرة سريعة في مضامين الخُطبة:

إنّ هذه الخُطبة الغرّاء تحتوي على مضامين عالية ومواقف صلبة، نشير إلى بعضها:

١ - بيان نقطة مُهمّة في المعارف الإسلامية، حول إمهال الله تعالى الطغاة الظلمة والكفرة الفجرة، وأنّه ليس ذلك إلاّ لإتمام الحجّة عليهم وليزدادوا إثماً، وفي المقام أنّ ما وصل إليه يزيد ليس لعُظم خِطره عند الله! فليعلم أنّه له عذاب عظيم.

٢ - بيان جور يزيد في الحكم، مع أنّه يدّعي تمثيله الخلافة الإسلامية.

٣ - التركيز على مسألة حفظ مكانة المرأة ولزوم الغيرة.

٤ - التركيز على أنّ ما فعله يزيد هو نتيجة الكفر، وأنّ ما ارتكبه هو انتقام لما فعله الرسول من قتل أقرباء يزيد الكفرة في يوم بدر، وهو هزّ السيوف في وجه رسول الله بعد مضيّ خمسين سنة من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.

٥ - التأكيد أنّ الحُكم والولاية لآل محمّد لا لغيرهم، وذلك في قولها: ( وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا ).

٦ - الإشارة إلى مسؤولية مَن مكَّن الطاغية من رقاب المسلمين، وبذلك تُجيب عمّا يُريد أن يُحيل ذلك إلى قضاء الله وقدره!

٧ - التصريح بعدم تمكّن يزيد ولا أذنابه من محو ذكر أهل البيت، فذلك أمر لا يتمكّنه أحد.

٨ - بيان عظمة مقام الشهيد وعلوّ الشهادة في الفكر الإسلامي.

٩ - جعل المسؤولية الكبرى في قتل الإمام الحسينعليه‌السلام على عاتق يزيد مباشرة.

١٦٦

موقف يزيد من الخُطبة!

قال الخوارزمي - بعد ذكره الخُطبة - فقال يزيد:

يا صحيحة تُحمَد من صوائح

ما أهون النوح على النوائح(١)

وقال الأستاذ باقر شريف القرشي: ( وكان خطاب العقيلة كالصاعقة على رأس يزيد، فقد انهار غروره وتحطّم كبرياؤه، وحار في الجواب، فلم يستطع أن يقول شيئاً، إلاّ أنّه تمثّل بقول الشاعر (وذكر البيت)، ولم تكُنْ أيّة مُناسبة بين ذلك الخطاب العظيم، الذي أبرزت فيه عقيلة الوحي واقع يزيد، وجرّدته من جميع القيم الإنسانية، وبين ما تمثّل به من الشعر، الذي أعلن فيه أنّ الصيحة تُحمَد من الصوائح، وأنّ النوح يهون على النائحات، فأيّ ربط موضوعي بين الأمرين؟! )(٢) .

موقف زينب الكبرى من طَلَبِ الرجل الشامي!

قال الشيخ المفيد:

(قالت فاطمة بنت الحسينعليها‌السلام : فلما جلسنا بين يدي يزيد ورقّ لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية - يعنيني - وكنت جارية وضيئة، فأرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمّتي زينب، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون.

فقالت عمّتي للشامي: كذبت - والله - ولؤمت! والله، ما ذلك لك ولا له!

فغضب يزيد وقال: كذبتِ! إنّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت!

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣. وقال ابن نما وابن طاووس: فقال يزيد لعنه الله:

يا صيحة تُحمَد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

مُثير الأحزان: ١٠١؛ الملهوف: ٢١٨.

(٢) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ٣/ ٣٨٣.

١٦٧

قالت: والله، ما جعل الله لك ذلك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها.

فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدِّين أبوك وأخوك!

قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مُسلماً.

قال: كذبتِ يا عدوّة الله!

قالت له: أنت أمير، تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك.

فكأنّه استحيى وسكت.

فعاد الشامي فقال: هَبْ لي هذه الجارية.

فقال له يزيد: اعِزُبْ، وهَبَ الله لك حتفاً قاضياً )(١) .

ملاحظات:

١ - قال ابن الجوزي وأمّ: ا قوله: (لي أن أسبيهم) فأمر لا يقع لفاعله ومُعتقده إلاّ اللعنة(٢) .

وقال سبطه: ( ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين! وتسليطه عمر بن سعد على قتله! وحمل الرؤوس إليه! وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثناياه!! وحمل آل رسول الله سبايا على أقتاب الجمال!!وعزمه على أن يدفع فاطمة

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١٢١. روى مضمونه في شأن بنت الحسين: الفتوح ٢/ ١٨٤؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ مُثير الأحزان: ١٠٠؛ إعلام الورى: ٢٤٩؛ الاحتجاج ٢/ ١٣١؛ تذكرة الخواص: ٢٦٤؛ الملهوف: ٢١٨؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٥؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٥، وغيرهم بتفاوت بالنقل.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢.

١٦٨

بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها!!... وكذا قول يزيد: (لي أن أسبيكم) لما طلب الرجل فاطمة بنت الحسين)(١) .

٢ - ذكر الخوارزمي - حينما ذكر ما وقع من الكلام بين يزيد وزينب الكبرىعليها‌السلام في المقام -:

( قالت زينب: أمير مُسلّط يشتم ظالماً، ويقهر بسلطانه، اللّهمّ، إليك أشكو دون غيرك.

فاستحيى يزيد، وندم وسكت مُطرقاً، وعاد الشاميّ إلى مثل كلامه، فقال: يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية.

فقال له يزيد: اعِزُبْ عنّي لعنك الله! ووهب لك حَتفاً قاضياً، ويلك! لا تقل ذلك! فهذه بنت علي وفاطمة، وهم أهل بيت لم يزالوا مُبغضين لنا منذ كانوا )(٢) .

وروى سبط ابن الجوزي، عن هشام بن محمّد قال: ( إنّه لما دخل النساء على يزيد، نظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وكانت وضيئة، فقال ليزيد: هَبْ لي هذه؛ فإنّهنّ لنا حلال، فصاحت الصَّبْيَّة وارتعدت، وأخذت بثوب عمّتها زينب، فصاحت زينب: ليس ذلك إلى يزيد ولا كرامة!

فغضب يزيد وقال: لو شئت لفعلت!

فقالت زينب: صلِّ إلى غير قبلتنا، ودِنْ بغير ملّتنا وافعل ما شئت، فسكن غضبه )(٣) .

والمهُمّ ما ذكره السيّد ابن طاووس:

(ونظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام فقال: يا أمير

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ انظر الفتوح ٢/ ١٨٤.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٤.

١٦٩

المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية، فقالت فاطمة لعمّتها: يا عمّتاه، أُيتمت وأستخدم؟!

فقالت زينب: لا، ولا كرامة لهذا الفاسق!

فقال الشامي: مَن هذه الجارية؟

فقال له يزيد لعنه الله: هذه فاطمة ابنة الحسين، وتلك عمّتها زينب ابنة عليّ.

فقال الشامي: الحسين بن فاطمة وعليّ بن أبي طالب؟!

قال: نعم.

فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد! تقتل عترة نبيّك وتسبي ذرّيته، والله، ما توهّمت إلاّ أنّهم سبي روم!

فقال يزيد: والله، لأُلحقنّك بهم. ثمّ أمر به، فضُربت عنقه )(١) .

وهذا الخبر أيضاً يدلّ بوضوح على سيطرة الإعلام المضلّل، وبثّ الدعايات الكاذبة في الشام؛ ولذلك نرى تركيز أهل البيت - وعلى رأسهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام وزينب الكبرىعليها‌السلام - وتكرارهم بأنّهم من أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وثمرة عليّ وفاطمة.

٣ - ذكر بعض أنّ القصّة جرت في شأن فاطمة بنت علي، ثمّ ذكروا الموقف الزينبيّ نفسه، ذكر ذلك البلاذري(٢) ، والشيخ الصدوق(٣) ، والطبري(٤) ، وابن الأثير(٥) ، وابن الجوزي(٦) ، وابن كثير(٧) بتفاوت بالنقل.

أقول: وأمّا فاطمة بنت علي - عليه السلام - فقد ذكرها الشيخ المفيد(٨) ، وابن

____________________

(١) الملهوف: ٢١٨؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٥.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٣١، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤.

(٤) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣.

(٥) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦.

(٦) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ المنتظم ٥/ ٣٤٤.

(٧) البداية والنهاية ٨/ ١٩٦.

(٨) الإرشاد ١/ ٣٥٥.

١٧٠

شهر آشوب(١) ، والطبرسي(٢) ، وابن أبي الحديد(٣) ، وغيرهم في عداد أولاد الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأُمّها أُمّ ولد، روي عن عنبسة العابد أنّه قال: إنّ فاطمة بنت علي مُدّ لها في العمر حتّى رآها أبو عبد اللهعليه‌السلام (٤) .

ولكنّ المهمّ في المقام أمران:

الأوّل: لا نعلم بحضورها في وقعة الطف وبعدها.

الثاني: على فرض حضورها، فالقرائن الحالية والمقالية في الخبر، تدلّ على أنّها كانت في شأن فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام لا فاطمة بنت عليّعليهما‌السلام ، التي روي أنّها كانت مُتزوّجة من محمّد بن عقيل(٥) .

وأمّا ما جاء في بعض هذه الأخبار، بأنّها قالت: فأخذتُ أُختي وهي أكبر منّي وأعقل(٦) . أو: وأخذتُ بثياب أُختي زينب(٧) ، فهناك رواية يمكن الركون والاعتماد عليها، وهي ما رواها الخوارزمي أنّها قالت فاطمة بنت الحسين: فأخذت بثياب أُختي وعمّتي زينب(٨) ، والأُخت هي سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام .

٤ - أهمل بعض التصريح بالاسم، واكتفى بذكر عنوان (وصيفة من بناتهم)(٩) ،

____________________

(١) المناقب ٣/ ٣٠٥، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ٩٢.

(٢) إعلام الورى، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ٩٤.

(٣) شرح نهج البلاغة، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ٩٠.

(٤) قرب الإسناد: ١٦٣ ح٥٩٤، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ١٠٦.

(٥) بحار الأنوار ٤٢/ ٩٢.

(٦) أمالي الصدوق: ٢٣١.

(٧) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٤.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢.

(٩) تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٩.

١٧١

أو (وصيفة من بناته)(١) ، أو (صَبيّة منهم)(٢) ، ثمّ ذكر الموقف نفسه لزينبعليها‌السلام .

٥ - لقد تفرّد أبو الفرج الإصبهاني بذكره الخبر في شأن زينب سلام الله عليها، فإنّه بعدما ذكر من الكلام الذي جرى بين الإمام زين العابدينعليه‌السلام ويزيد، قال: ( فوثب رجل من أهل الشام فقال: (دعني أقتله)، فألقت زينب نفسها عليه، فقام رجل آخر فقال: ( يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه اتّخذها أمَة).

قال: فقالت له زينب: (لا! ولا كرامة! ليس لك ذلك، ولا له، إلاّ أن يخرج من دين الله ).

فصاح به يزيد: (اجلس)، فجلس، وأقبلت زينب عليه وقالت: ( يا يزيد، حسبك من دمائنا )، وقال عليّ بن الحسين:( إن كان لك بهؤلاء النسوة رحم وأردت قتلي فابعث معهنّ أحداً يؤدّيهنّ ).

فرقَّ له وقال: لا يؤدّيهنّ غيرك )(٣) .

٦ - لقد حقّقت زينب الكبرى نصراً حاسماً على الطاغي، وهو في ذروة السلطة والقدرة الظاهريّة، فقد أفحمته المرّة بعد المرّة، وقد تمكّنت أن تُظهر جهل مدّعي الخلافة للناس، كما كشفت عن عدم فقهه في شؤون الدِّين؛ فإنّ نساء المسلمين لا يصحّ اعتبارهنّ سبايا في الحروب، ولا يُعامَلن معاملة السبي، فكيف إن كنّ بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

دور أُمّ كلثوم في مجلس يزيد:

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) - حول طلب الرجل الشامي من يزيد -:

(وفي بعض الكُتب: قالت أُمّ كلثوم للشامي: اسكت يا لُكع الرّجال! قطع الله لسانك، وأعمى عينيك، وأيبس يديك، وجعل النار مثواك، إنّ أولاد الأنبياء لا

____________________

(١) البداية والنهاية ٨/ ١٩٩.

(٢) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٩.

(٣) مقاتل الطالبيين: ١٢٠.

١٧٢

يكونون خدمة لأولاد الأدعياء.

قال: فوالله، ما استتمّ كلامها حتّى أجاب الله دعاءها في ذلك الرجل.

فقالت: الحمد لله الذي عجّل لك العقوبة في الدُّنيا قبل الآخرة! فهذا جزاء مَن يتعرّض لحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(١) .

دور سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام :

قال الشيخ المفيد: ( سكينة بنت الحسين... أُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، كلبية، وهي أُمّ عبد الله بن الحسين... )(٢) .

ولها دور مُهمّ في جميع مراحل النهضة الحسينيّة، ومنها في مجلس يزيد، فهي تسير على نهج أخيها الإمام السجّادعليهما‌السلام وعمّتها زينب الكبرىعليها‌السلام ، وتقصد تحقيق نفس الأهداف، وتتوسّل بذات الأساليب؛ فلذلك نرى أنّها تقوم بتعريف الأُسارى بأنّهم من آل محمّد، لكي تُسيطر على الجوّ المسموم إعلاميّاً.

روى الحميري، بإسناده عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام قال:( لما قُدِم على يزيد بذراري الحسين أُدِخل بهنّ نهاراً مكشوفات وجوههنّ، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبياً أحسن من هؤلاء، فمَنْ أنتم؟ فقالت سكينة بنت الحسين: نحن سبايا آل محمّد ) (٣) .

ونرى أنّها تواجه يزيد بكلّ صلابة، وتُجبره على التراجع في الموقف، بحيث يُظهر الندامة ويجعل المسؤولية على عاتق ابن مرجانة كذباً وزوراً.

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٧.

(٢) الإرشاد ٢/ ١٣٥.

(٣) قرب الإسناد: ٢٦، ح٨٨، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٩ ح١٥.

١٧٣

قال ابن سعد: ( وقالت له سكينة بنت حسين: يا يزيد، بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ سبايا(١) ].

فقال: يا بنت أخي، هو - والله - عليَّ أشدّ منه عليك!

وقال: أقسمت بالله، لو أنّ بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه، ولكن فرّقتْ بينه وبينه سميّة!

وقال: قد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين، فرحم الله أبا عبد الله، عجّل عليه ابن زياد، أما والله، لو كنت صاحبه ثمّ لم أقدر على دفع القتل عنه إلاّ بنقص بعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه! ولوددت أنّي أتيت به سلماً )(٢) .

قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): ثمّ أُدخِل نساء الحسينعليه‌السلام على يزيد بن معاوية، فصحن نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله، وولولن وأقمن المأتم، ووضع رأس الحسين بين يديه، فقالت (سكينة بنت الحسين): والله، ما رأيت أقسى قلباً من يزيد، ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شرّاً منه ولا أجفى منه(٣) ، وأقبل يقول وينظر إلى الرأس:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل(٤)

____________________

(١) أخذناه من سير أعلام النبلاء وغيره.

(٢) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع): ٨٣. ونحوه في مرآة الزمان: ١٠٠ - على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨ -؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣ بتفاوت يسير.

(٣) وفي الكامل في التاريخ: ٤/ ٨٥؛ والفصول المهمّة: ١٩٥؛ ومرآة الزمان: ١٠١ (مخطوط على ما في عبرات المصطفين: ٢/ ٢٨٣): (ما رأيت كافراً بالله خيراً من يزيد بن معاوية).

أقول: لعلّ المقصود بـ (خيراً) أي خير ما تكون الرؤية، أي هو واضح الكفر، لا مؤونة في تبيّن ذلك منه.

إن لم نقل: إنّ بعض مُحبّيه أراد التخفيف من قبح ما اجترحه، فاقترف ما شاء وأضاف هذه المفتريات!

(٤) أمالي الصدوق: ٢٣٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤. وروي نحوه في روضة الواعظين ١/ ١٩١.

١٧٤

دور فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام :

قال الشيخ المفيد: ( فاطمة بنت الحسين... أمّها أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، تيميّة )(١) .

قال ابن عبد ربّه: ( وحمل أهل الشام بنات رسول الله سبايا على أحقاب الإبل، فلما أُدخلن على يزيد قالت فاطمة ابنة الحسين: يا يزيد، أبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا؟!

قال: بل حرائر كرام، اُدْخُلي على بنات عمّك تجديهن قد فعلن ما فعلتِ.

قالت فاطمة: فدخلت إليهنّ، فما وجدت فيهنّ سفيانيّة إلاّ مُتلدّمة تبكي )(٢) .

وقال ابن نما: ( وقالت فاطمة بنت الحسين: يا يزيد، بنات رسول الله سبايا؟! فبكى الناس وبكى أهل داره حتّى علت الأصوات )(٣) .

وقال القاضي نعمان: ( فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام : يا يزيد، ما تقول في بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا عندك؟!

فاشتدّ بكاؤه حتّى سمع ذلك نساؤه، فبكين حتّى سمع بكاءهن مَن كان في مجلسه )(٤) .

وروى الطبري عن أبي عوانة بن الحَكم الكلبي: (ثمّ أُدخِل نساء الحسين على يزيد، فصاح نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله وولولن، ثمّ إنّهنّ أُدخِلن على يزيد، فقالت فاطمة بنت الحسين - وكانت أكبر من سكينة -: أبنات رسول

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١٣٥.

(٢) العقد الفريد ٥/ ١٣٢.

(٣) مُثير الأحزان: ٩٩.

(٤) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨.

١٧٥

الله سبايا يا يزيد؟!

فقال يزيد: ابنة أخي، أنا لهذا كنت أكره.

قالت: والله، ما تُرِك لنا خرص.

قال: يا ابنة أخي، ما أُتي إليك أعظم ممّا أُخذ منك.

ثمّ أُخرِجن فأُدخِلن دار يزيد بن معاوية )(١) .

والشيء الذي يُلفت النظر في هذا الموقف، هو وضوح التراجع والتنازل من قِبل الطاغي يزيد بن معاوية، وهو يرجع إلى ما حصل في المجلس، ومن تأثير كلام أهل بيت العترة، بحيث انقلب المجلس، لأنّ المجلس الذي أُسّس على أساس أن يكون مجلس فرح يزيد أصبح مجلس مأتم الحسينعليه‌السلام ومنطلق الانقلاب ضدّ يزيد، وعليه يُحمَل ما ورد في هذه الأخبار، من أنّه رقّ عليهم! ولعن ابن مرجانة، أو أنّه بكى!! فإنّ ذلك كان لأجل بكاء الناس وخوفه من إثارة الفتنة وزوال مُلكه.

وأمّا ما حُكي عن فاطمة قولها: ( والله، ما تُرِك لنا خرص )، ففيه:

١ - لم يثبت صدور هذا الكلام منها، وفي صحّة ما حُكي عنها تأمّل.

٢ - بناءً على فرض صحّة الصدور، فإنّها قالته لأجل بيان شدّة ما ارتكبه جلاوزة يزيد في معركة الطفّ، لا أنّها تُطالب ذلك، إلاّ أنّ في ضمن ما سُلب عن أهل البيت بعض مواريث فاطمة الزهراء، فإنّه لا تُقابلها أيّ شيء، فمُطالبة ذلك ليس بمعنى الحصول على أمر مادّي فحسب.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥. وروى نحوه: الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧؛ نور الأبصار: ١٣٢ بتفاوت يسير.

١٧٦

استنكار بعض أهل الكتاب!

إنّ رسالة الثورة الحسينيّة لم تنحصر بطائفة دون أُخرى، ولا بقوم دون آخرين، ولا بزمان دون غيره؛ لذلك نرى أنّ الاستنكار والتنديد بمُرتكبي الفاجعة العُظمى ومُسبّبيها لم يخصّ المسلمين وحدهم، بل شمل كلّ أحرار العالم على مدى الزمان، ومنه استنكار بعض حاضري مجلس يزيد من أهل الكتاب.

جذور المسألة:

صحيح أنّ عمق الفاجعة والمأساة يستدعي أن يتّخذ كلّ إنسان حُرّ موقفاً جليّاً، وجليلاً وصلباً تجاهها، ولكنّ جذور المسألة - هنا - قد تعود إلى ما روي في كتبهم وآثارهم (أعني أهل الكتاب) حول ما يجري في كربلاء.

فقد روى سالم بن أبي جعدة، عن كعب الأحبار أنّه قال: ( إنّ في كتابنا (أنّ رجلاً من ولْد محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقتَل، ولا يجفُّ عرق دوابّ أصحابه حتى يدخلوا الجنّة، فيُعانقوا الحور العين )، فمرّ بنا الحسنعليه‌السلام ، فقلنا: هو هذا؟

قال: لا. فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام ، فقلنا: هو هذا؟

قال: نعم )(١) .

وفي كامل الزيارة، بإسناده عن خالد الربعي قال: حدّثني مَن سمع كعباً يقول: ( أوّل مَن لعن قاتل الحسينعليه‌السلام إبراهيم خليل الرحمان، لعنه وأمر وُلْده بذلك، وأخذ عليهم العهد والميثاق، ثمّ لعنه موسى بن عمران وأمر أُمّته بذلك، ثمّ لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك، ثمّ لعنه عيسى وأكثر أن قال: يا بني إسرائيل، العنوا قاتله، وإن أدركتم أيّامه فلا تجلسوا عنه، فإنّ الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء...، وكأنّي أنظر إلى بقعته، وما من نبيّ إلاّ وقد زار كربلاء ووقف عليها وقال: إنّكِ

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٠٣، مجلس ٢٩، ح٢٢٠، عنه بحار الأنوار ٤٤/ ٢٢٤، ح٢.

١٧٧

لبقعة كثيرة الخير! فيك يُدفَن القمر الأزهر )(١) .

وروى الخوارزمي عن الفتوح، بإسناده عن كعب الأحبار: أنّه لما أسلم زمن عمر بن الخطّاب وقدم المدينة، وجعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان، فكان يُخبرهم بأنواع الملاحم والفتن ويقول: ( وأعظمها ملحمةً هي الملحمة التي لا تُنسى أبداً! وهي الفساد الذي ذكره الله تعالى في كتابكم فقال:( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ... ) ، وإنّما فُتح بقتل قابيل هابيل ويُختم بقتل الحسين بن عليعليه‌السلام ، ثمّ قال كعب: لعلّكم تُهوِّنون قتل الحسين! أولا تعلمون أنّه تُفتح يوم قتله أبواب السماوات كلّها ويؤذَن للسماء بالبكاء فتبكي دماً عبيطاً؟! فإذا رأيتم الحمرة قد ارتفعت من جنباتها شرقياً وغربياً، فاعلموا أنّها تبكي حسيناً، فقيل له: يا أبا إسحاق، كيف لم تفعل ذلك بالأنبياء وأولاد الأنبياء من قبل وبمَن كان خيراً من الحسين؟! فقال كعب،: ويْحَكُمْ! إنّ قتل الحسين لأمرٌ عظيم؛ لأنّه ابن بنت خير الأنبياء، وأنّه يُقتل علانية مُبارزة ظلماً وعدواناً، ولا تُحفظ فيه وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مزاج مائه، وبضعة من لحمه، فيُذبَح بعرصة كربلاء في كرب وبلاء )(٢) .

وقال ابن كثير: ( وقد روي عن كعب الأحبار آثار في كربلاء )(٣) .

وعن رأس الجالوت أنّه قال: ( كنت أسمع أنّه يُقتل بكربلاء ابن نبيّ، فكنت إذا دخلتها ركضت دابّتي حتّى أخلفها! فلما قُتل الحسين جعلت أسير على هنيئتي )(٤) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٦٧ ح٢، عنه العوالم ١٧/ ٥٩٣ ح٢؛ بحار الأنوار ٤٤/ ٣٠١ ح١٠.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١٦٩.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ٢٠١.

(٤) الكُنى (للدولابي) ٢/ ٢٠؛ المعجم الكبير ٣/ ١١٨ ح٢٨٢٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٩١؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٩٠.

١٧٨

وقال سبط ابن الجوزي: قال ابن سيرين: وجِد حجر قبل مبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسمئة سنة مكتوب بالسريانية، فنقلوه إلى العربية، فإذا هو:

أترجو أمَّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب(١)

وروى الخوارزمي، عن إمام لبني سليم قال: ( حدّثنا أشياخنا قالوا: دخلنا في الروم كنيسةً لهم، فوجدنا في الحائط صخرة فيها مكتوب:

أترجو أمَّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب(١)

وروى الخوارزمي، عن إمام لبني سليم قال: ( حدّثنا أشياخنا قالوا: دخلنا في الروم كنيسةً لهم، فوجدنا في الحائط صخرة فيها مكتوب:

أترجو أمَّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب(١)

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فقلنا لشيخ من الكنيسة: مُنْذُ كم هذا الكتاب؟

فقال: من قبل أن يُبعث صاحبكم بثلاثمئة عام )(٢) .

وفي بعض الكُتب أنّه وجد ذلك البيت بستّمئة عام قبل مبعث الرسول(٣) .

وروى الزرندي، عن سليمان بن يسار: وجد حجر مكتوب عليه:

لابـدّ أن تـرد الـقيامة فـاطم

وقـميصها بـدم الحسين مُلطَّخ

ويـلٌ لـمَن شـفعاؤه خصماؤه

والصُّور في يوم القيامة يُنفخ(٤)

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٧٤. وروى نحوه الكثير من أرباب السير والتواريخ بتفاوت يسير (نظم دُرر السمطين: ٢١٩؛ كشف الغمّة ٢/ ٥٤؛ فرائد السمطين ٢/ ١٦٠؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٢؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٥٦٧ عن تاريخ الإسلام والرجال الشيخ عثمان دوة الحنفي: ٣٨٦، وقال: روى مضمونه في الأخبار الطوال: ١٠٩؛ تاريخ الخميس ٢/ ٢٩٩؛ حياة الحيوان: ١/ ٦٠؛ نور الأبصار: ١٢٢).

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٣؛ ونحوه في بشارة المصطفى: ٢٠١؛ أمالي الصدوق: ١٩٣ مجلس ٢٧ ح٢٠٣؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٣؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٩؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٥٥٧ - ٥٦٠.

(٣) كفاية الطالب: ٨٣٨؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٤٢.

(٤) نظم درر السمطين: ٢١٩.

١٧٩

هذا، وأهمّ من جميع ذلك أنّه جاء في العهد القديم والجديد ذكر ما ينطبق على الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما أورده الأستاذ الشيخ أحمد الواسطي، في كتابه القيّم (أهل البيت في الكتاب المقدّس)، قال:

(يوحنّا) يُخبر عن المذبوح بكربلاء:

فقد جاء في سفر يوحنا

كي أتّا نشحطتا

في بدمخا قانيتا لإيلوهيم

من كل مشبحا في لا شون في كل عم في گوي

في إيريه فا اشمع

قول ملاخيم ربيم

قورئيم عوشير في حاخما

في گبورها في هدار كافود في براخا(١) .

ويعني هذا النصّ:

إنّكَ الذي ذُبِحت

وقدَّمت دمك الطاهر قرباناً للربِّ

ومن أجل إنقاذ الشعوب والأُمم

وسينال هذا الذبيح المجد

والعِزَّة والكرامة وإلى الأبد لأنّه

جسّد البطولة والتضحية بأعلى مراتبها.

____________________

(١) يوحنّا ٥: ٩ - ١٢ ص٤٦٣ (الأصل العبري) العهد الجديد.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460