مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234312 / تحميل: 8791
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

مُقدِّمة مركز الدراسات الإسلامية

التابع لممثلية الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، ودليلاً على نعمه وآلائه، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

وبعد: فهذا هو الجزء السادس والأخير من موسوعتنا التاريخية (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة)، ويدور هذا الجزء حول المقاطع الأخيرة من هذه الدراسة، وهي:

١ - الركب الحسيني في الشام.

٢ - عودة الركب الطاهر إلى كربلاء.

٣ - رجوع أهل البيت إلى المدينة.

إذن؛ هذا الجزء يتناول مرحلة ما بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه؛ ومن ثَمّ فهو يُعنى أيضاً بمعرفة نتيجة هذه المسيرة التي سارها هذا الركب الطاهر، ومَن هو المنتصر حقّاً؛ لذلك أفرد المؤلّف الفاضل فصلاً مُستقلاً تحت عنوان (المظلوم ينتصر)، بيّن فيه كيف أنّ نتيجة هذا الصراع الدامي كانت لصالح الحسين المظلومعليه‌السلام ، وأنّ نقطة انقلاب المعادلة بدأت بمُجرّد وصول الأُسارى من آل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الشام وقصر يزيد؛ ومن هنا استحقّت أن يطلق عليها اسم (المسيرة المظفّرة).

٣

ولما كانت الشام مركز الحُكم الذي أمر بارتكاب هذه الجريمة النكراء، وبقي آل الرسول فيها مدّة شهدوا خلالها حوادث ووقائع، وألقوا هم فيها - بدورهم - خطباً بقيت تُدوِّي في آذان الدهر، وأدّوا أدواراً...

رأى المؤلّف الفاضل إعطاء صورة عن الشام ووضعها قبل ورود أهل البيت، وكذلك عن حكّامها - ويزيد بالخصوص ومسؤوليّته في الموضوع - ليكون الباحث على معرفة بخلفية القضايا التي يتناولها الكتاب.

وهكذا تمّ في هذا الجزء ربط الختام بالمطلع، كما يُقال.

ونحمد الله تعالى على أن وفّقنا في المبدأ والمآل.

بيد أنّ النقطة التي نرى من واجبنا الإشارة إليها، هي أنّ المؤلّف الفاضل سعى لأن يكون كتابه جامعاً في تناوله لمواضيعه، فالتقط كلّ ما له علاقة بأبحاث الكتاب، ونحن لا يسعنا في هذا المقام إلاّ أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى سماحة المؤلّف المحترم الشيخ الأميني - حفظه الله - وكلّ الإخوة الذين آزرونا في مراجعة وتنظيم هذا البحث القيِّم والأجزاء الأُخرى من هذا الكتاب، ونسأل الله أن يتقبّل منّا جميعاً، وأن يوفّقنا لما فيه رضاه، إنّه خير ناصر ومُعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مركز الدراسات الإسلامية          

التابع لممثلية الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

٤

مُقدِّمة المؤلّف

المسيرة المظفّرة في فصلها الأخير

٥

٦

مقدمة المؤلف

المسيرة المظفّرة في فصلها الأخير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

إنّها مسيرة مُظفّرة، تحمل رسالة خالدة، إلى أُناس تعرَّفوا على الدِّين من طريق حكّامهم الطواغيت، آخذين بأقوالهم، مُمتثلين أوامرهم، تاركين نواهيهم، مُعتقدين أنّهم خلفاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، زاعمين أنّ كلّ صوت يُرفع بوجههم لابدّ أن يُخمد، وكلّ مَن يقف أمامهم لابدّ أن يُقتل، يحسبون أنّ كلّ حركة تتحرّك نحو إيقاظ شعور الأمّة فتنة، وقادتها أرباب الفتنة! والفتنة لابدّ أن تُخمد! وكلّ مَنْ يُعارض السلطة الحاكمة خارجيٌّ، لابدّ أن يُقطع رأسه ويُدار به بالبلدان! ويُصلب في قلب العاصمة، ويُسبى أهله ويُطاف بهم البلاد؛ لكي يتعلّم الجميع أنّه ليس لديهم إلاّ الصمت والالتزام بما يراه الخليفة المتغلِّب على الحُكم مهما كان، وبلغ ما بلغ!

وإلى أُناس تعرّفوا على إسلام أُمويّ في ظلّ حُكمٍ دمويّ! ولم يعرفوا أيّ حقّ لآل بيت نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل لم يعرفوا مَن هو المقتول! ومَن أبوه وجدّه! فكيف يدرون لماذا قُتل! وما الذي دعاه لهذه النهضة الدامية؟

٧

أجل، إنّهم لم يكونوا يعلمون إلاّ كلمة واحدة تعلّموها من وعّاظ سلاطينهم - أصحاب الزمرة المتسلّطة الجائرة الفاسدة - وهي أنّ هؤلاء القتلى خرجوا على أمير المؤمنين يزيد!

لهذه المسيرة رسالتان؛ الأُولى إلى شعب ضائع جاهل بالواقع، قد تربَّى على نهج بني أُميّة، وأُخرى إلى عامّة الأمّة الإسلامية الكبرى، الزاعمة أنّ الحُكم لمن غلب!

وتهدف الرسالتان لبثّ الروح في ضمير هؤلاء الناس، وإحيائهم بعد أن ماتوا معنويّاً، وإيقاظهم من رقدتهم، واستنهاضهم للوقوف بوجه كلّ حاكم جابر وصل بالغلبة إلى السلطة، فاقد لشرائط الحُكم والإمامة، وذاك - لعَمْرِي - هو الإصلاح في أمّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما صرّح به سيّد الشهداء وقائد الأحرار الإمام الحسين بن عليّعليهما‌السلام في مقولته الشهيرة:(... وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله ... ) (١) .

وهذا المهمّ تبنّته هذه المسيرة، وعلى رأسها ابن قائد النهضة، الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، وأُخته العقيلة زينب الكبرى بنت الإمام أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، وقد نهضا بها على أحسن وجه وفوق ما يُتصوَّر، حتّى انقلبت المعادلة والركب ما زال في قلب العاصمة، ولم يكن ليزيد اللعين بُدٌّ إلاّ البكاء تصنّعاً، والتظاهر بلعن ابن مرجانة والبراءة منه، وإبراز تأسُّفه على ما جرى! وإعادة بقيّة عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة المنوّرة؛ إبقاءً على حكمه وخوفاً على زوال سلطته، وهذا ما سنتوفّر عليه خلال قراءتنا لهذه القطعة من تاريخ النهضة الحسينيّة المباركة، إن شاء الله. والسلام.

محمّد أمين الأمينيّ ( پور أميني )

____________________

(١) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، العلاّمة المجلسي ٤٤/ ٣٢٩.

٨

المدخل

الشام وحكَّامها الأُمويّون

٩

التعرُّف على الشام من الجهات الجغرافية، والطبيعيّة، والاجتماعية، والتأريخية، ومعرفة حُكّامها في تلك الفترة - أي بني أُميّة - وطبيعة حكمهم، وجذور علاقتهم بالشام، ولا سيّما حاكمها آنذاك يزيد بن معاوية... يُعطينا آفاقاً جديدة ورؤىً واضحة، لمعرفة جذور ما يواجهنا حينما نقرأ هذا المقطع من التاريخ، إذاً من الأجدر أن نتوقّف عند هذه المحطّة قبل متابعة مسيرة الركب الطاهر.

١٠

المدخل

الشام وحُكّامها الأُمويّون

التعريف بالشام:

الشام اسم يتناول عامّة الأقاليم الداخلة اليوم في سورية ولبنان وفلسطين. وللّغويّين والجغرافيّين في سبب تسميته شاماً آراء مختلفة، فقيل: سُمّي بسام بن نوح؛ لأنّه نزل به واسمه بالسريانيّة شام بشين مُعجمة. وقيل: لأنّ أرضه مُختلفة الألوان بالحمرة والسواد والبياض؛ فسُمّي شاماً لذلك كما يُسمَّى الخال في بدن الإنسان شامة. وقيل: سُمّي شاماً؛ لأنّه عن شمال الكعبة، والشام لغة في الشمال(١) .

وهو قطرٌ تأخذ فيه الفصول الأربعة حُكمها، وتتمّ في قيعانه وجباله أسباب النعيم، معتدل الأهوية، مُتهاطل الأمطار والثلوج، مُمرع التربة، فيه الغابات والمعادن، والحمّامات المعدنية والأنهار الجارية، والبحيرات النافعة والأجواء البهيجة، والرباع المنبسطة والمناظر المدهشة، فيه تنبت الحبوب والبقول، والأشجار على اختلاف أنواعها(٢) .

من خواصّ الشام:

قيل: إنّ من خواصّها الطاءات الثلاث: الطعن، والطاعة، والطاعون.

أمّا الطعن فمشهور أنّ أجنادها شجعان، وأمّا الطاعة فما يُضرب به المثل، حتّى قيل: إنّما تمشّى الأمر لمعاوية لأنّه كان في أطوع جند، وكان عليّعليه‌السلام في أعصى جند وهم أهل العراق، وأمّا الطاعون فكثير الحدوث فيها...(٣) .

____________________

(١) خُطط الشام، محمد كرد علي ١/ ٧.

(٢) خُطط الشام ١/ ١٤.

(٣) دائرة المعارف، المعلم بطرس البستاني ١٠/ ٣٩٥.

١١

ومن الخصائص التي امتازت بها الشام - وما تزال - تعايش أصحاب الديانات والقوميّات المختلفة - كالروم والرومان، والفرس والعرب... - فيه(١) .

الشام مدخل الفاتحين:

جاء الفاتحون الشام بحراً وبرّاً... بل من جهاتها الأربع، فجاءها الفراعنة من البحر والبرّ، والبابليّون والفرس من الشرق والشمال، والإسكندر والصليبيّون والعثمانيّون من الشمال، وغازان وهولاكو وتيمور لنك من الشرق، والعرب الفاتحون من الشرق والجنوب، ونابليون من الجنوب ومن الغرب بحراً و...(٢) .

وخضعت دمشق للآشوريّين إلى سنة ٧٢١ حين استولى البابليّون والفرس عليها، ثمّ جاهر أهلها مع سائر السوريّين بالعصيان على بختنصر...

وفي سنة ٣٣١ ق. م استولى إسكندر ذو القرنين عليها، ثمّ صارت من مملكة السلوقيّين اليونانية إلى زمن استيلاء الرومان عليها سنة ٦٤ق. م.

وفي سنة ٥٩ق. م قُتل فيها كثير من الإسرائيليّين، وفي نحو سنة ٢٠ق. م عاد الإسرائيليّون إليها، وفي نحو سنة ٣٧ للميلاد أتاها بولس، وكان مستولياً عليها وقتئذٍ موقّتاً الحارث الغسّانيّ العربيّ حمو هيرودرس الكبير.. ولما تنصّرت الدولة الرومانية ذاعت النصرانية في دمشق وأمر يثودوسيوس بإبطال عبادة الأصنام.. وفي بُرهة وجيزة تنصّر أهلها جميعاً خلا الإسرائيليّين منهم.

وسنة ٥٤٠ للميلاد فتحها الفرس.. وعادت بعد بُرهة قصيرة إلى المملكة الرومانية، وكان عمّالهم فيها بنو غسان، وسنة ٦٣٣ ميلادية فتحها المسلمون.. واستعمل عليها عمر معاوية بن أبي سفيان، وكانت مدّة إمارته عليها عشرين سنة، وسنة (٤١) بايعه الناس! بالخلافة، فهو مؤسّس الدولة الأُمويّة التي جعلت دمشق قاعدة المماليك الإسلامية، وظلّت كذلك إلى سنة ١٣٢ هجرية..(٣) .

____________________

(١ و٢) خطط الشام ١/ ٢٨.

(٣) دائرة المعارف ٨/ ١٨ (بتلخيص).

١٢

فتح الشام:

كانت الشام من أوّل الأقطار التي فكّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمرها لنشر كلمة التوحيد وبثّ الدعوة إلى الإسلام، وكانت تحت حُكم الرومان منذ سبعة قرون، وملكها صاحب مملكة بيزنطية أو مملكة الروم الشرقية ويُعرف باسم هرقل، وكانت علائق عرب الحجاز في الجاهلية كثيرة جدّاً مع أهل هذا القطر.

بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بدومة الجندل جمعاً كثيراً يريدون أن يدنوا من المدينة، وهي طرف من أفواه الشام، بينها وبين دمشق خمس ليالٍ، وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ستّ عشرة ليلة، فندب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس، واستخلف على المدينة، وخرج في ألف من المسلمين، فكان يسير الليل ويكمن النهار.. إلى أن صالحهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الجزية، وذلك في السنة السادسة من الهجرة، ثمّ أرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله كتاباً إلى هرقل - وهو بالشام - والحارث بن أبي شمر - أمير دمشق - يدعوهما إلى الإسلام.

وفي السنة الثامنة للهجرة، بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سريّة كعب بن عُمير الغفاريّ إلى ذات أطلاح من ناحية الشام، وهي وراء وادي القرى بين تبوك وأذرعات.. وفي هذه السنة استنفر الرسولُ الناسَ إلى الشام، فكانت غزوة ذات السلاسل.. ومن السرايا التي أُرسلت إلى الشام سريّة زيد بن حارثة إلى جذام بحسمى وراء وادي القرى ممّا يلي فلسطين من أرض الشام.. وفيه غزوة مؤتة التي بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جيشاً مؤلّفاً من ثلاثة آلاف مقاتل، بلغوا تخوم البلقاء فلقيتهم جموع هرقل ومعهم العرب المتنصّرة بقرية من قرى البلقاء يُقال لها: مشارف. فانحاز المسلمون إلى قرية يُقال لها: مؤتة. فلقيتهم الروم في جمع عظيم، فاستُشهد من الأُمراء زيد بن حارثة، ثمّ جعفر بن أبي طالب، ثمّ عبد الله بن رواحة..

وفي السنة التاسعة من الهجرة حصلت غزوة تبوك، وكان مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٣

ثلاثون ألفاً، والخيل عشرة آلاف، والجمال اثنا عشر ألفاً.. إلى أن صالح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نجبة بن رؤبة - أسقف أيلة على البحر الأحمر، صالحه - على الجزية، وصالح الرسولُ أهلَ جربا، وأذرح من أرض الشراة، صالح أهل أذرح على مئة دينار، وأهل مقنا - على مقربة من أيلة - على ثلاثمئة دينار، وعلى ربع عروكهم وغزولهم وربع كراعهم.

وفي أواخر أيّام حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جهّز جيشاً إلى الشام، وأمّر عليه أُسامة بن زيد، وقال:( لعن الله مَن تخلّف عن جيش أُسامة... ) (١) .

هذا خلاصة ما جرى في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنسبة إلى اهتمامه الوافر بهذا القُطْر، ولا يخفى أنّ داعي المسألة لم يكن إلاّ إنقاذ البشرية ووضعهم على جادّة الحقيقة، وإيصالهم إلى رحمة الحقّ، وما كان هدف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله توسيع رقعة حكمه جغرافياً، بل كان ذلك أمراً عرضيّاً تابعاً لبسط كلمة التوحيد، والتفاف الناس حول راية الإسلام، وإنّما هدفه هو هداية الناس إلى الله تبارك وتعالى.

بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تغيّرت الموازين تدريجيّاً، وانقلبيت الدواعي والحوافز شيئاً فشيئاً، وغرّت الدُّنيا كثيراً من الناس، وأصبحت الغنيمة والحصول على المناصب الدنيوية، وبسط السلطة والنفوذ من أهمّ الدواعي لفتوح البلدان، وهذه نقطة مهمّة لابدّ أن نلتفت إليها ونُميّز بها غزوات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّا جرى بعده، خاصّة في ظلّ حُكم بني أميّة وبني العبّاس.

يقول صاحب خُطط الشام: وبعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - بعد قتال أبي بكرٍ أهل الرُّدّة - كتب أبو بكر إلى أهل مكّة، والطائف، واليمن، وجميع العرب بنجد والحجاز يستنفرهم للجهاد في الشام، ويُرغّبهم فيه وفي غنائم الروم، فسارعَ الناس إليه بين

____________________

(١) خُطط الشام ١/ ٦٩ - ١٧٦ (بتلخيص).

١٤

مُحتسبٍ وطامعٍ، فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال، وهم: يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص.. وقد شيّع أبو بكر يزيد بن أبي سفيان راجلاً إلى ما بعد ربض المدينة وأوصاه بوصايا.. إلى أن وصل الجيش إلى مشارف الشام، فنزل في أبل وزيزاء والقسطل، وكان جيش الروم من دون زيزاء بثلث، وطلع ماهان قائد الروم وقدم قدّامه الشماسة والرهبان والقسّيسين يحضّون جيش الروم على القتال، وكان هرقل - وهو من عظام القوّاد - أدرك الخطر، ورأى - لما أتاه الخبر بقرب جيش المسلمين - أن لا يُقاتلهم ويُصالحهم، وقال لقومه: فوالله، لأن تُعطوهم نصف ما أخرجت الشام وتأخذوا نصفاً وتقرُّ بكم جبال الروم، خير لكم من أن يغلبوكم على الشام ويُشاركوكم في جبال الروم. فلما رآهم يعصونه ويردّون عليه بعث أخاه تيودورا وأمّر الأُمراء، وأوّل وقعة كانت بين المسلمين والروم بقرية من قرى غزة يُقال لها: دائن. في ١٢هـ، كانت بينهم وبين بِطْريق غزة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهُزم الروم، وتوجّه يزيد بن أبي سفيان في طلب ذلك البطريق.. وانتهى إليه ستّة من قوّاد الروم.. وهُزم الروم، هزمهم المسلمون..

أمّا أبو عبيدة فصالحهم، وخالد بن الوليد حاربهم.. حتّى أن فتح المسلمون جميع أرض حوران وغلبوا عليها سنة ١٣هـ، وأهمّ الوقائع التي انهزم فيها الروم شرّ هزيمة ولحق فلّهم بالشمال وقعة يرموك - واليرموك نهر - فهي الوقعة الفاصلة التي هان (للمسلمين) بها الاستيلاء على القدس ودمشق وما إليها، ثمّ على حمص وحماة وحلب وما إليها من البُلدان.. في حين ما كان خالد يريد الفتح والغلبة، جاءه البريد يُعرّفه بموت أبي بكر وخلافة عمر وتأمير أبي عبيدة على الشام كلّه وعزل خالد، فأخذ الكتاب منه وتركه في كنانته، ووكّل به مَن يمنعه أن يُخبر الناس من الأمر لئلاّ يضعفوا!

وتوفّي أبو بكر قبل فتح اليرموك بعشر ليالٍ، وبعد أن أُصيب الروم بالهزيمة القاطعة على اليرموك، كانت وقعة فحل من الأردن بعد خلافة عمر بن

١٥

الخطّاب بخمسة عشر شهراً، ولما انتصر المسلمون على اليرموك كان هرقل في البيت المقدّس، جاءها للاحتفال بتخليص الصليب الذي استردّه قبل ذلك فصار إلى أنطاكية، واستنفر الروم وأهل الجزيرة، وبعث عليهم رجالاً من خاصّته وثقاته، فلقوا المسلمين بفحل، فقاتلوهم أشدّ قتال حتّى ظهروا (أي ظهر المسلمون) عليهم، وقُتل بِطْريقهم وزهاء عشرة آلاف معه، وتفرّق الباقون من مُدن الشام، ولحق بعضهم بهرقل.. ثمّ نهض المسلمون إلى الروم وهم بفحل فاقتتلوا، فهُزمت الروم ودخل المسلمون فحل في ذي القعدة سنة ١٣هـ.. وافتتح شرحبيل بن حسنة الأردن عنوة ما خلا طبرية، فإنّ أهلها صالحوه.. وفتح عمرو بن العاص غزّة ثمّ سبسطية ونابلس ويبنى وعمودس و... وظلّت القدس وقيسارية مُحاصرتَين، ولم تُفتح القدس إلّا سنة خمس عشرة أي بعد فتح دمشق بسنة...(١) .

فتح دمشق:

فتحها المسلمون في رجب سنة ١٤ للهجرة بعد حصار ومُنازلة، وكان قد نزل على كلّ باب من أبوابها أمير من المسلمين، فصدّهم خالد بن الوليد من الباب الشرقيّ حتّى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وكان كلٌّ منهم على ربع الجيش، فسألوهم الأمان فأمنوهم، وفتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، ودخل خالد من الباب الشرقي بالقهر وملكوهم...(٢) .

____________________

(١) خُطط الشام ١/ ٧٧ - ٨٤ (بتلخيص وتصرّف).

(٢) دائرة المعارف ٨/ ٢.

١٦

بنو أُميّة والشام

جذور العلاقة:

أُميّة هو عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب... وعبد شمس - والد أُميّة - هو أخو هاشم - الجدّ الثاني للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله -، قيل: وُلد هاشم وعبد شمس توأمين، وإنّ أحدهما قُبل الآخر وله إصبع مُلتصقة بجبهة صاحبه، فتنجّبت فسال الدم، فقيل: يكون بينهما دم..

وأوّل منافرة كانت بين أُميّة وعمّه هاشم، أنّ هاشماً لما وليَ بعد أبيه عبد مناف ما كان له من السقاية والرفادة، حسده أُميّة على رئاسته وإطعامه، فتكلّف أن يصنع صنيع هاشم، فعجز فشمَّتت به ناس من قريش، فغضب ونال من هاشم، ودعاه إلى المنافرة، فكره هاشم ذلك لسنِّه وقَدره، فلم تدَعْه قريش حتّى نافره على خمسمئة ناقة والجلاء عن مكّة عشر سنين، فرضي أُميّة، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعيّ ومنزله بعسفان، فقضى لهاشم بالغلبة. وأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها الناس، وغاب أميّة عن مكّة بالشام عشر سنين، فكانت هذه أوّل عداوة بينهما(١) .

لو صحّ هذا النقل، فهذا يعني أنّ هذه المسألة كانت انطلاقاً لأمرين:

الأمر الأوّل: كانت بداية العداوة بين بني أُميّة وبني هاشم، بداعي الحسد، وبعد ظهور الإسلام تغيّرت الدواعي وكثرت، وحصلت آفاق جديدة في البين، وهذا ما سنُبيّنه في الأبحاث الآتية.

الأمر الثاني: بداية علاقة بني أُميّة بالشام، فإنّ الشام بموقعه الخاص، وطبيعته الجميلة، وأنهاره الكثيرة، وتنوّع سُكّانه أصبح موقعاً مُهمّاً للتجارة؛ ولذلك نرى قريشاً - ومنهم أبو سفيان الأُمويّ - أنشأوا الروابط الاقتصادية والتجارية مع الشام.

____________________

(١) دائرة المعارف ٤/ ٤١٩.

١٧

ومن الغريب جدّاً أن نرى بني أُميّة - الطلقاء - يقومون بدور مُهمّ في فتح الشام، ويأخذون بزمام أمرها قبل الفتح، ولم يتركوه حتى غُلبوا على أمرهم.

فأبو سفيان بنفسه يحضر المعركة في مشيخة من قريش، يُحارب تحت راية ابنه يزيد، وكان له ولابنيه يزيد ومعاوية - بل ولجماعة من أُسرته بل للنساء منهنّ - اليد الطولى والكعب المعلّى في فتح الشام!.. ولقد قاتل بعض النساء بالفعل يوم اليرموك، مثل جويرية ابنة أبي سفيان وكانت مع زوجها. وكذلك هند بنت عتبة أمّ معاوية بن أبي سفيان )(١) .

هذا الكلام وإن لم يخلُ من المبالغة؛ بسبب حُبّ المؤلِّف لمعاوية وانحرافه عن الحقّ - كما نلمسه في مطاوي كتابه - بيدَ أنّ دوافع المسألة معلومة إجمالاً، وتتمثَّل في حُبّ بني أُميّة لهذه المنطقة وتعلُّقهم بها، ولا يبعد أن تكون ثمّة خطّة مدروسة بدأوا بتنفيذها شيئاً فشيئاً.

إذنْ؛ حضر المعركة أبو سفيان وابناه وزوجته وبعض بناته وأُسرته، وأصبح يزيد بن أبي سفيان حاكماً على دمشق، بوعدٍ من الخليفة الذي شيّعه راجلاً إلى خارج المدينة، كما مرّ ذكره عن (الخُطط)، وبقي الشام ليزيد بن أبي سفيان، لكنّه لم يطُلْ أمدُ ولايته؛ لأنّه هلك في طاعون عمواس(٢) ، وبعد يأتي دور أخيه معاوية بن أبي سفيان.

معاوية مؤسِّس الحكومة الأُمويّة السوداء:

لما هلك يزيد بن أبي سفيان والي دمشق سنة ١٨ من الهجرة، ولّى عمر بن الخطّاب أخاه معاوية بن أبي سفيان، فلم يزل والياً لعمر حتّى قُتل عمر، ثمّ ولاّه

____________________

(١) خُطط الشام ١/ ٩٣.

(٢) المصدر: ٩٧. وعمواس من الرملة على أربعة أميال ممّا يلي بيت المقدس ومات فيه ٢٥٠٠٠ إنسان.

١٨

عثمان، وأقرَّ عمّال عمر على الشام، فلما مات عبد الرحمان بن علقمة الكناني - وكان على فلسطين - ضمّ عمله إلى معاوية، وكان عمير بن سعيد الأنصاري في سنة ٢١ على دمشق والثنيَّة وحوران وحمص وقنسرين والجزيرة، ومعاوية على الأردن وفلسطين، والسواحل وأنطاكية، ومعرّة ومصرين وقيليقية، ثمّ جعل عمير في سنة ٢٣ على حمص ومعاوية على دمشق.

اجتمع الشام على معاوية لسنتين من إمارة عثمان، أضاف عثمان إليه حمص وحماة وقنسرين والعواصم وفلسطين مع دمشق، ورزقه ألف دينار كلّ شهر(١) .

وهكذا ترسّخ الحُكم الأُموي في الشام، في ظلّ قيادةٍ وتوجّهات جاءت خطواتها تنفيذاً لما قاله أبو سفيان، بعد استقرار خلافة عثمان: ( يا بني أُميّة، تلقّفوها تلقّف الكُرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرنَّ إلى صبيانكم وراثة )(٢) .

يقول صاحب الخُطط: ( وما زال عثمان على شيخوخته مغلوباً لمروان وبني أُميّة، أخذ الناس ينقمون - في الحجاز وغيره - على عثمان لستّ سنين من خلافته، فاجتمع ناس من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكتبوا كتاباً ذكروا فيه عدّة أمور، منها ما كان من هبة خُمس أفريقية لمروان، وما كان من تطاوله في البنيان؛ حتّى عدّوا سبع دور بناها بالمدينة، داراً لنائلة، وداراً لعائشة وغيرهما من أهله وبناته، وبنيان مروان القصور بذي خشب، وعمارة الأموال بها من الخُمس الواجب لله ولرسوله، وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني أُميّة أحداث وغُلمة، لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأمور )(٣) ، إلى أن حصلت فتنة قتل عثمان.

____________________

(١) خُطط الشام ١/ ١٠٠.

(٢) الغدير ٨/ ٢٧٨.

(٣) خُطط الشام ١/ ١٠٣.

١٩

يقول محمّد فريد وجدي: ( لما قُتل الخليفة الثالث عثمان بن عفّان، وتولَّى الخلافة عليُّ بن أبي طالب وهو من قريش، حدث شِقاق بين الأُسرتين الأُمويّة والقرشية، وتداعى الناس إلى العصبية الجاهلية، وكان في مقدّمة النافخين في نار هذه الفتنة معاوية بن أبي سفيان الأُمويّ والي الشام، فقام يُطالب بدم عثمان مُتّهماً عليّ بن أبي طالب بالإغراء على قتله، ولما كانت ولايته للشام منذ عشرين سنة، وأهل الشام لا يدرون من أمر الخلافة إلاّ ما كان يُريد لهم، التفّت حوله جموع منهم أكثرهم من شذّاذ القبائل العربية وأصحاب المطامع الذاتية، فشقّ عصا الطاعة لعليّ وادّعى لنفسه الخلافة... )(١) .

لقد استفاد معاوية من جهل الناس أقصى ما يمكن، مستنداً إلى مكره وشيطنته، ولقد كان أهل الشام قريبي العهد بالإسلام، ما عرفوه إلاّ من خلال حُكم الخلفاء وإمارة أمرائهم، وما وجدوه إلاّ مجسّداً في شخص معاوية المتستّر بالدين، فهو يؤمّهم بالصلاة وهم يقتدون به، يخطبهم في الجُمع، ويترأسهم باسم الخلافة الإسلامية، ويُدير شؤونهم في الحرب والسِّلْم.

وانتهز معاوية الفرصة في فتنة قتل عثمان.

ومع أنّه كان منصوباً من قِبله على الشام، وأميراً من أُمرائه لم يُلبِّ دعوته لنُصرته حين كتب عثمان إليه: إنّ أهل المدينة قد كفروا! وخلعوا الطاعة ونكثوا البيعة؛ فابعث إليّ من قِبَلك من مُقاتلة أهل الشام على كلّ صعب وذلول.

ولقد أخطأ صاحب الخُطط؛ إذ زعم أنّ معاوية تربّص به وكره إظهار مُخالفة أصحاب رسول الله وقد علم اجتماعهم، فأبطأ أمره على عثمان حتّى قُتل(٢) .

وإنّما أراد معاوية أن يُبدّل الإمارة بالخلافة.

____________________

(١) دائرة معارف القرن العشرين، محمّد فريد وجدي ١/ ٦٢٢.

(٢) خُطط الشام ١/ ١٠٣.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٥٧ ـ ثلاث فضائل للإمامعليه‌السلام لا تضاهى :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٥٨ ط ٢)

ذكر مسلم أن معاوية أمر سعدا بالسبّ فأبى. فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟. فقال : ثلاث قالهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه ، ولئن تكن لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النّعم (أي الحمر الوحشية يضرب بها المثل لقيمتها وندرتها).(١) سمعته يقول لعليعليه‌السلام وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليعليه‌السلام :خلّفتني مع النساء والصبيان!. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي. (٢) وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله. قال : فتطاولنا إليها.فقال : ادعوا إليّ عليا ، فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه. (٣) ولما نزلت( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) [آل عمران : ٦١] دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وعليا والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال : الله م هؤلاء أهلي.

وقال عبد الله بن عمر : كان لعلي بن أبي طالب ثلاث ، لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية ، وآية النجوى (إذ لم يعمل بها أحد غيره).

٥٨ ـ أربع مناقب للإمام عليعليه‌السلام :

(النص والاجتهاد)

سئل الحسن البصري فيما يقوله عن فضل عليعليه‌السلام ؟

فقال : ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع :

ـ ائتمانه على (براءة).

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في غزوة تبوك وقد خلّفه على المدينة : يا علي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي.

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الثقلان كتاب الله وعترتي.

ـ وأنه لم يؤمّر عليه أمير قط ، وقد أمّرت الأمراء على غيره.

٥٩ ـ محبة علي بن أبي طالبعليه‌السلام دليل الإيمان وطهارة المولد :

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٩٧ :

ونقل هذه الأحاديث سيد حكماء الإسلام المير داماد في كتابه (تصحيح الإيمان وتقويم الأديان) :

١٤١

في صحيح البخاري وأبي داود ومسند أحمد بن حنبل وفضائل السمعاني وحلية الحافظ أبي نعيم وغيرها من كتب العامة ، من طرائق مختلفات وطرق شتى ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليعليه‌السلام : «لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو لا أنت لم يعرف حزب الله».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زعم أنه آمن بما جئت به وهو يبغض عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن».

وعن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليا.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بوروا

(أي اختبروا) أولادكم بحب علي بن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنه لرشده ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغيّه».

وروى البيهقي أن الأنصار كانت تقول : إنا كنا لنعرف الرجل لغير أبيه ، لبغضه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

جملة من فضائل فاطمة الزهراءعليها‌السلام

٦٠ ـ فضائل فاطمةعليها‌السلام الخاصة :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي)

من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لفاطمةعليها‌السلام وهو في مرضه الأخير على مسمع من كل زوجاته : «يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة؟!.».

(أورده البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)

وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة أن فاطمةعليها‌السلام كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرها ، وأنها سيدة نساء أهل الجنّة.

٦١ ـ ابن الحنفية يعترف بفضل الحسينعليه‌السلام وفضل أمه الزهراءعليها‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٦٦)

حدّث الصولي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في خبر ، أنه جرى بين الحسينعليه‌السلام

١٤٢

وأخيه محمّد بن الحنفية كلام (أي خصومة). فكتب ابن الحنفية إلى الحسينعليه‌السلام : أما بعد يا أخي ، فإن أبي وأباك عليعليه‌السلام ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمك فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفّت بأمّك. فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضّاني ، فإنك أحقّ بالفضل مني ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسينعليه‌السلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء.

٦٢ ـ حبّ فاطمةعليها‌السلام وبغضها ـ ويل لمن يظلم ذريتها :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لسلمان : يا سلمان ، من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي ، ومن أبغضها فهو في النار. يا سلمان حبّ فاطمة ينفع مائة موطن من المواطن ، أيسر تلك المواطن : الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومن رضيت عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه غضبت عليه ، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.

يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها ، وويل لمن يظلم ذريتها.

فضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام

٦٣ ـ ثواب محبة الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام :

أخرج الإمام أحمد والترمذي عن عليعليه‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسينعليه‌السلام وقال : «من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في الجنّة».

٦٤ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو لفاطمة وعليعليهما‌السلام بالبركة في نسلهما :

روى أبو حاتم عن أنس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على فاطمة وعليعليهما‌السلام بعد زواجهما ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم أفرغه على علي وفاطمةعليهما‌السلام وقال : الله م بارك فيهما وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما. (وفي رواية) : وبارك لهما في شبليهما (الشبل : ولد الأسد). وهو من الإخبار بالمغيبات ، كما قال جلال الدين السيوطي في (ديوان الحيوان) لأن المراد بالشبلين الحسن والحسينعليهما‌السلام .

١٤٣

٦٥ ـ آدم يسأل الله بالخمسة أن يتوب عليه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٧٧ ط ٢)

روى الفقيه المغازلي الشافعي ، بإسناده عن ابن عباس قال : سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سأله بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام إلا تبت عليّ ، فتاب عليه.

٦٦ ـ فضيلة الخمسةعليهم‌السلام على هذه الأمة :

(المصدر السابق ص ١١٠)

روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧]. وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنما الحسين باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة.

٦٧ ـ اقتدوا بالشمس والقمر والزهرة والفرقدين :

(شجرة طوبى للمازندراني ، ج ٢ ص ٤٢٦)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا بالشمس ، فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر ، فإذا غاب القمر فاقتدوا بالزّهرة ، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين ، فإذا افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة.

فقالوا : يا رسول الله فما الشمس وما القمر ، وما الزّهرة وما الفرقدان؟ ...فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعليّ القمر ، وفاطمة الزّهرة ، والفرقدان : الحسن والحسين ، وأما النجوم الزاهرة فالأئمة التسعة من صلب الحسين ، والتاسع مهديّهم.

يقول الشيخ محمّد مهدي الحائري المازندراني معقبا على هذا الحديث :

أما الشمس التي هي (النبوة) فغابت بقلب مكمد محزون ، مما قاسىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمته. وأما الزّهرة التي هي (فاطمة الزهراء) فقد أخمدوا ضوءها وزهرتها باللطم والعصر بين الحائط والباب. وأما القمر وهو (فلك الإمامة) فقد خسفوه بسيف عبد الرحمن بن ملجم. وأما الفرقدان وهما (الحسن والحسين) فغاب أحدهما بقلب مسموم وقد تقيّأ كبده ، وغاب الآخر بعد الظهر من يوم عاشوراء ، وانكسفت الشمس ، وأمطرت السماء دما.

١٤٤

٦٨ ـ المكتوب على باب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤ ط نجف)

عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة أمة الله ، على مبغضهم لعنة الله.

فضائل الأئمة الاثني عشر

مدخل :

يقصد بأهل البيتعليهم‌السلام أينما ذكروا مقرونين بأنهم الأمان من الضلال ، وأنهم سفينة نوح ، وأنهم باب حطّة من دخله كان آمنا الخ ، يقصد بهم الأئمة الاثنا عشر حصرا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمةعليها‌السلام ، أو ما نعبّر عنه

(بالمعصومين الأربعة عشر) ، لأنهم لولا العصمة لا تنطبق عليهم تلك الأوصاف وتلك المنزلة.

٦٩ ـ أهل البيتعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٣٠)

أخرج أبو عمرو الغفاري عن إياس بن سلمة عن أبيه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي».

وأخرج أحمد بن حنبل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».

وفي رواية صحّحها الحاكم على شرط الشيخين ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف».

وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) [الأنفال:٣٣] أقيم أهل بيته مقامه في الأمان ، لأنهم منه وهو منهم ، كما ورد في بعض الطرق.

٧٠ ـ أهل البيتعليهم‌السلام كسفينة نوح وباب حطّة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٩)

أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٤٥

يقول : «إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلفّ عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطةّ في بني إسرائيل ، من دخله غفر له».

٧١ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام هم رجال الأعراف :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٧ ط ٢)

عن الإمام محمّد الباقر قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : ما معنى قوله تعالى :( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) [الأعراف : ٤٦]؟.

فقالعليه‌السلام : نحن أصحاب الأعراف ، نعرف أصحابنا بسيماهم. نقف بين الجنّة والنار فلا يدخل الجنّة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.

٧٢ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام يحفظون الشريعة :

وأخرج المللا في سيرته عن عمر بن الخطاب (كما في الصواعق المحرقة لابن حجر ، ص ٩٠) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللهعزوجل ، فانظروا من توفدون». صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ ـ محبة أهل البيتعليه‌السلام

٧٣ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥)

إن محبة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة على كل مسلم ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».

(رواه البخاري عن أنس بن مالك).

وهذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد جمع فيه كل أنواع المحبة ، وهي ثلاثة : محبة الإجلال والإعظام كمحبة الولد للوالد ، ومحبة الشفقة والرحمة كمحبة الوالد لولده ، ومحبة المشاكلة والاستحسان كمحبة سائر الناس.فجمعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصناف المحبة في محبته.

وروى الديلمي والطبراني وأبو الشيخ ابن حبّان والبيهقي مرفوعا ، أن

١٤٦

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحبّ إليه من ذاته».

وروى ابن مسعود : «حب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما ، خير من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنّة».

٧٤ ـ أحبّوا أهل بيتي لحبّي :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٢)

أخرج الترمذي وحسّنه ، والطبراني عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني لحب الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي».

٧٥ ـ محبة أهل النبي جزء من محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٩)

وكان الصحابة الكرام يتمنّون لأقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر مما يتمنّونه لأقربائهم ، محبة منهم له وإيثارا له على أنفسهم.

منها قول أبي بكر حين أسلم والده أبو قحافة ، قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثك بالحق ، لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من إسلام أبي قحافة ، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقرّ لعينك.

٧٦ ـ فضل محبة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(المصدر السابق)

ومن توقير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرّه ، توقير آله وذريته وأمهات المؤمنين. وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحب آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب».

قال بعضهم :

(معرفتهم) تعني معرفة منزلتهم منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيعرف وجوب إكرامهم وحرمتهم بسببهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال أبو بكر : راقبوا محمدا في آل بيته.

وأتى عبد الله بن حسن بن الحسينعليه‌السلام إلى عمر بن عبد العزيز في حاجة.فقال : يا أبا محمّد ، إذا كانت لك حاجة فأرسل إليّ أحضر إليك ، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي.

١٤٧

ودخلت بنت أسامة بن زيد مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر بن عبد العزيز ، فجعل يدها بين يديه ، ومشى بها حتّى أجلسها في مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها.

يقول الشبراوي في (الإتحاف) ص ١٧ : هذا مع بنت مولاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما بالك بابن بضعته وذريته والمنتمين إلى الزهراء ابنته؟!.

وهذا كله لما وجب لآل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشرف والمجد لنسبتهم إليه ، وسريان لحمه ودمه الكريمين فيهم. فهم بعضه ، وبعضه في وجوب الإجلال والتعظيم كجميعه ، وحرمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميتا كحرمته حيّا.

٧٧ ـ تفسير آية المودة :

(المصدر السابق ، ص ١٧)

قال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال ابن عباس : المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم ، لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينهم وبينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرابة. لكن الأنسب ما قاله غيره في تفسير الآية ، أن المعنى : قل يا محمّد لأمتك ، لا أطلب منكم على ما جئتكم به من الهدى ، والنجاة من الردى ، عوضا ولا أجرة ولا جزاء ، إلا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحبوهم ، وتعاملوهم بالمعروف والاحسان ، ويكون بينكم وبينهم غاية الودّ والمحبة والصلة.

روايات أخرى :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٠٤)

قال الله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال في (المواهب) : إن المراد بالقربى من ينتسب إلى جده الأقرب عبد المطلب.

وقال في (الصواعق) : المراد بأهل البيت والآل وذوي القربىعليهم‌السلام في كل ما جاء في فضلهم ، مؤمنو بني هاشم والمطلب.

وينافي هذا ما روى الطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية؟.قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام .

١٤٨

٧٨ ـ محبة أهل البيتعليهم‌السلام هي أجر الرسالة المحمدية :

(الفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٤٠)

أخرج الحاكم (كما في تفسير آية المودة في القربى من مجمع البيان للطبرسي) بالإسناد إلى أبي ثمامة الباهلي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة. فأنا أصلها ، وعليّ فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها. فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى. ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتّى يصير كالشن (أي الجلد اليابس) البالي ، ثم لم يدرك محبتنا ، أكبّه الله على منخريه في النار ، ثم تلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢٣) [الشورى : ٢٣].

٧٩ ـ اقتراف الحسنة هو مودّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٣٩)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) [الشورى : ٢٣] قال : المودة لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٠ ـ أربع يسأل عنها المؤمن يوم القيامة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤٢ ط نجف)

أنبأني أبو المظفر عبد الملك بن علي الهمداني حدّثني أبو برزة الأسلمي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن جلوس ذات يوم : والذي نفسي بيده ،

لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأله الله تعالى عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت.

فقال عمر : فما آية حبّكم من بعدكم؟. قال : فوضع يده على رأس عليعليه‌السلام وهو إلى جانبه ، وقال : إن آية حبّي من بعدي حبّ هذا.

ومثل ذلك ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس.

١٤٩

٨١ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام فله الشفاعة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥٩)

أخرج الخطيب في تاريخه عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي».

٨٢ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام يثبّته الله على الصراط :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦٣)

أخرج الديلمي عن عليعليه‌السلام ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيّكم ، وحب أهل بيته ، وعلى قراءة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، مع أنبيائه وأصفيائه.

٨٣ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألنا عن اثنين : القرآن والعترة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦١)

أخرج الطبراني عن المطلب بن عبد الله عن أبيه ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجحفة [غدير خم] فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟. قالوا : بلى يا رسول الله. قال : فإني سائلكم عن اثنين : عن القرآن وعترتي.

٨٤ ـ لا يدخل الجنة من لم يعرف حق أهل البيتعليهم‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٥)

وأخرج الطبراني في الأوسط ، ونقله السيوطي في (إحياء الميت) والنبهاني في أربعينه وابن حجر في صواعقه ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو يودّنا ، دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمل عمله إلا بمعرفة حقنا».

٨٥ ـ مودة أهل البيتعليهم‌السلام تطيل العمر :

(قادتنا كيف نعرفهم ، ج ٦)

وروي بإسناده عن عبد الله بن بدر ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أحبّ أن يبارك في أجله ، وأن يمتّع بما خوّله الله تعالى ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. ومن لم يخلفني فيهم بتّك عمره (أي قطع) ، وورد عليّ يوم القيامة مسودا وجهه».

١٥٠

ـ وفي حديث مشابه : (المنتخب للطريحي ، ص ١٢ ط ٢)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينسّأ في أجله (أي يطول عمره) ، وأن يمتّعه الله بما خوّله الله ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. فمن لم يخلفني فيهم بتر الله عمره ، وورد عليّ يوم القيامة مسودّا وجهه».

ومضامين هذه الأحاديث الشريفة أن أهل البيتعليهم‌السلام

(الذين هم الأئمة الأطهار) هم حجج الله البالغة ، ومناهل شريعته السائغة ، والقائمون مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده في أمره ونهيه ، والممثّلون له بأجلى مظاهر هديه. فالمحب لهم بسبب ذلك محبّ لله ولرسوله ، والمدافع عنهم كالمدافع عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمبغض لهم مبغض لهما.

٨٦ ـ ماذا كان جواب الأمة على طلب نبيّهم :

لقد طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسلمين أن يكون أجره على تبليغ الرسالة الإسلامية مودّة قرباه وذريته المختارة ، فماذا كان جوابهم على هذا الطلب ، وما ذا كان ردّهم على هذا الإحسان؟.

فمنذ أن أغمض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه بعد جهاده الكبير ، قام الناس يجرّدون أهل البيتعليهم‌السلام من مكانتهم الرفيعة ومنزلتهم السامية ، ويحرمونهم حقوقهم الدينية والدنيوية ، حتّى بكت فاطمةعليها‌السلام حزنا على فراق أبيها ، وصبر عليعليه‌السلام على طول المدة وشدة المحنة.

ولقد كان في علم الله وعلم رسوله ما ستفعل الأمة بأهله وذريته ، فكان يؤكد الوصيّة بهم ، ولزوم التمسك بحبلهم ، وأنهم الأمان من الضلال ، والنجاة من الغرق وكأن هذه الوصية بهم كانت وصية عليهم. لأن المسلمين عملوا على نقيضها ، فكانت الحجة على الظالمين منهم حجة من أبلغ الحجج. ولا سيما ما فعلوه مع الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ورهطه في كربلاء يوم العاشر من المحرّم.

عقاب من يبغض أهل البيتعليهم‌السلام

٨٧ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام في النار :

(إحياء الميت ، ص ٢٤٢)

أخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١٥١

«يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله لكم ثلاثا : أن يثّبت قلوبكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، ويهدي ضالّكم ، وسألته أن يجعلكم جوداء ونجداء ورحماء. فلو أن رجلا صفن (أي صفّ قدميه) بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دخل النار».

٨٨ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام منافق :(إحياء الميت ، ص ٢٤٣)

أخرج ابن عدي في (الإكليل) عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أبغضنا أهل البيت ، فهو منافق».

٨٩ ـ مبغض العترة أحد ثلاث :(إحياء الميت ، ص ٢٤٤)

أخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار ، فهو لإحدى ثلاث : إما منافق ، وإما لدينه ، وإما لغير طهور». يعني حملته أمه على غير طهر.

٩٠ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام يحشر يهوديا :(إحياء الميت ، ص ٢٤٥)

أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول : «أيها الناس ، من أبغضنا أهل البيت ، حشره الله تعالى يوم القيامة يهوديا».

٩١ ـ غضب الله شديد على من آذى العترة :(إحياء الميت ص ٢٦٥)

أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي».

٩٢ ـ عقوبة من يظلم أهل البيتعليهم‌السلام أو يسبّهم :

(عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ، ج ٢ ص ٣٤ حديث ٦٥)

عن الإمام علي الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وقاتلهم ، والمعين عليهم ، ومن سبّهم( لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٧٧) [آل عمران : ٧٧].

١٥٢

موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(حديث الثّقلين وحديث الغدير)

٩٣ ـ معنى الموالاة :

ليست الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام مجرد محبتهم والتعاطف معهم ، إنما تعني إضافة لذلك التقيد بأقوالهم والسير على منهاجهم. وهذه الموالاة واجبة على كل مسلم حسب منطوق حديث الثقلين ، الّذي ينص على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك بعد وفاته للأمة شيئين مهمّين غاليين ، إن تمسكوا بهما نجوا ، وإن تركوهما ضلوّا وغووا ، هما القرآن (وهو كتاب الله الصامت) وأئمة أهل البيت (وهم كتاب الله الناطق).

وإذا كانت الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام تعني متابعتهم والتمسك بهم ، فيجب على كل مسلم أن يتعلم فقه الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ويسير عليه ، حتّى يكون مواليا لأهل البيتعليهم‌السلام . أما محبة أهل البيتعليهم‌السلام باللسان بدون السير على نهجهم ، فهذه لا تنفع شيئا ، عدا عن أنها نفاق ظاهري. فأهل الكوفة كلهم كانت قلوبهم مع الحسينعليه‌السلام ، ولكن أسيافهم كانت عليه. فالمحكّ الحقيقي للولاية هو نصرة أهل البيتعليهم‌السلام بالقول والعمل ، والدفاع عنهم ، والبراءة من أعدائهم.

ومن العجب العجاب أن بعض المسلمين كانوا يدّعون محبة أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم كانوا يسبّونهم على المنابر ، لا بل إنهم كانوا يرضون عن أعمال الذين حاربوا الإمام علياعليه‌السلام والإمام الحسنعليه‌السلام والإمام الحسينعليه‌السلام ، أمثال معاوية ويزيد وأعوانهم. فما هذا التناقض الغريب ، وكيف يقبله ذو منطق وعقيدة؟.

وإليك بعض الأحاديث الشريفة التي تؤكد على لزوم موالاة أهل البيتعليهم‌السلام والتمسك بهم ومتابعتهم والسير على مذهبهم دون سواهم.

٩٤ ـ ثواب نصرة أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين تنالهم شفاعة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)

روى الناصر للحق عن آبائه رضوان الله عليهم ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ، ولو أتوا بذنوب أهل الأرض : الضارب بسيفه أمام ذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في حوائجهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه».

١٥٣

جعلنا الله من محبيهم والموالين لهم ، ورزقنا شفاعة جدهم بمنّه وسعة رحمته.

٩٥ ـ ولاية عليعليه‌السلام نسوها :

(تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفر ، ص ٩)

قال أبو سعيد الخدري : أمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. قيل له : وما الأربع؟. قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. قيل : فما الواحدة التي تركوها؟. قال : ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قيل له : وإنها لمفروضة معهن؟. قال : نعم هي مفروضة معهن.

٩٦ ـ تمسّكوا بالأئمة من بعدي :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٤٤ ط ٢)

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : خطب فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة خطبة بليغة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إني راحل عن قريب ، ومنطلق للمغيب. وإني أوصيكم في عترتي خيرا ، فلا تخالفوهم ولا تخاصموهم ولا تنابذوهم. وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها بالنار.

معاشر الناس ، من افتقد منكم الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، وإن افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة (يقصد الأئمة الاثني عشر). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، والحمد لله رب العالمين.

إلى أن قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهم هم الأولياء والأوصياء والخلفاء من بعدي ، أئمة أبرار وأوصياء أطهار ، وهم بعدد أسباط يعقوبعليه‌السلام ، وعدد حواريي عيسىعليه‌السلام ، وعدد نقباء بني إسرائيل.

[وقد مرت رواية مشابهة ، في الفقرة رقم ٤٢ مروية عن سلمان أيضا فراجع]

٩٧ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ص ١١١)

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين».

١٥٤

٩٨ ـ موالاة العترة :

وأخرج الطبراني في الكبير ، والرافعي في مسنده ، بالإسناد إلى ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ؛ فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي». وهذا الحديث بعين لفظه هو الحديث ٣٨١٩ من (كنز العمال) ج ٦ ص ٢١٧.

٩٩ ـ حديث الثقلين وحديث الغدير :

(المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٥١ ط ٥)

الصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثّقلين (وهما القرآن وأهل البيت) متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة. وقد صدع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى ؛ مرة على منبره في المدينة ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع ، وتارة يوم غدير خم وهو راجع من حجة الوداع ، وأخرى في حجرته المباركة وهو في مرضه الأخير ، إذ قال : «إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

[أخرج هذا الحديث الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين :أحدهما في آخر ص ١٧ ، والثاني في آخر ص ٢٦ من الجزء الثالث من مسنده.وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد ، وهو الحديث ٩٤٥ من أحاديث (كنز العمال) ج ١ ص ٤٧].

وأخرج جلال الدين السيوطي في (الدر المنثور) ج ٢ ص ٦٠ أحاديث عديدة ، منها ما خرّجه عن الطبراني عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني لكم فرط ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني في الثّقلين». قيل وما الثقلان يا رسول الله؟ قال :

«الأكبر كتاب اللهعزوجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن

١٥٥

تزلوّا ولا تضلوا. والأصغر عترتي ، وإنهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذلك ربي. فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فإنهما أعلم منكم».[وذكره في (التعقبات) ج ١ ص ١٨٣ من حديث الثقلين].

وذكر الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في (المناقب) حديث الغدير بسنده المتصل عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمّمن (أي نظّف ما تحت الشجرات من القمامة). ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثّقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». ثم قال : «إن اللهعزوجل مولاي ، وأنا وليّ كل مؤمن ومؤمنة». ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام فقال : «من كنت وليّه فهذا وليّه. الله م وال من والاه ، وعاد من عاداه».

تعليق : أحاديث الثقلين وحديث الغدير ، تقرّ بالإمامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالبعليه‌السلام نصا لا لبس فيه ، حيث نقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولايته العامة على المسلمين إلى الإمام عليعليه‌السلام حيث قال لهم وهم مجتمعون في غدير خم :«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا : بلى ، الله ورسوله أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال : «من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ..." إلى آخر الحديث.

هذا وإن في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين عن القرآن والعترة : «وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». حقيقتين هما :

الأولى : أن أهل البيتعليهم‌السلام والقرآن متلازمان ، فكما أن القرآن لا يأتيه الباطل ، فهم منزّهون من الباطل ، ومعصومون من الخطأ والدنس.

والثانية : أنهم مستمرون في ولايتهم إلى يوم القيامة ، وأنهم موجودون دائما ، إما بشكل إمام ظاهر كالإمام عليعليه‌السلام والأئمة من أولاده ، أو بشكل إمام مستتر كالإمام المهديعليه‌السلام ، وهو الإمام الثاني عشر ، الّذي ولد سنة ٢٥٥ ه‍ ، ثم تولى الإمامة سنة ٢٦٠ ه‍ حين توفي والدهعليه‌السلام وغاب الغيبة الصغرى. ثم غاب الغيبة الكبرى وعمره ٧٥ عاما. وهو الآن باعتقادنا حي يرزق ، غائب عن الأنظار ، يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا ، بعد ما ملئت ظلما وجورا. ومن مهماته أن يقيم دولة القرآن ، وأن يأخذ بثأر جده الحسينعليه‌السلام من أعدائه.

١٥٦

١٠٠ ـ روايات أخرى لحديث الثقلين :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان ص ١١٠)

عن زيد بن أرقم (قال) قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إنما أنا بشر مثلكم ، يوشك أن يأتيني رسول ربيعزوجل فأجيبه. وإني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فتمسّكوا بكتاب اللهعزوجل وخذوا به ؛ وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي «(أي أحذّركم الله في شأن أهل بيتي). ورواه مسلم.

وأخرج الترمذي وحسّنه ، والحاكم عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

١٠١ ـ تواتر حديث الثقلين من طرق السنّة :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٠)

وقد ورد حديث الثقلين بصيغة [كتاب الله وعترتي] أيضا فيما أخرجه عيد بن حميد في مسنده عن زيد بن ثابت ، وبصيغة [الثقلين : كتاب الله وعترتي] فيما أخرجه أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري ، وبنفس الصيغة ما أخرجه الترمذي عن جابر. وبصيغة : [الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، فيما أخرجه البزاز عن عليعليه‌السلام . وبصيغة [كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، وبصيغة [خليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ما أخرجه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ، وما أخرجه البارودي عن أبي سعيد الخدري.

١٠٢ ـ ما معنى الثّقلين؟ :

قال ابن حجر في (الصواعق) بعد ذكره لحديث الثقلين : سمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن والعترة : ثقلين ، لأن الثّقل كل شيء نفيس خطير ، وهذان كذلك ، إذ كل واحد منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار العقلية الشرعية ، ولهذا حثّ على الاقتداء والتمسك بهما. وقيل : سمّيا (ثقلين) لثقل وجوب رعاية حقوقهما.

١٠٣ ـ أحاديث في ولاية أهل البيتعليهم‌السلام :

جاء في (الصواعق المحرقة) لابن حجر في ولاية الإمام عليعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام ووجوب الاقتداء بهم :

١٥٧

ـ في الصفحة ١٤ تفسير الآية :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. قال ثابت البناني :( ثُمَّ اهْتَدى ) [طه : ٨٢] يعني إلى ولاية أهل البيتعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩١ تفسير الآية :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤]. عن أبي سعيد الخدري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤] عن ولاية علي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩٩ تفسير الآية :( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٧) [البينة : ٧]. أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : «هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين».

١٠٤ ـ تفسير سورة العصر :

(مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي ، ج ٣ ص ٢٥٥)

وفي عليعليه‌السلام نزلت سورة (العصر) وتفسيرها :( وَالْعَصْرِ ) (١) [العصر : ١] أي أقسم برب عصر القيامة( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (٢) [العصر : ٢] يقصد أعداء آل محمّد( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) [الشعراء : ٢٢٧] بولايتهم ،( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) [الشعراء : ٢٢٧] بمواساة إخوانهم ،

( وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) [العصر : ٣] في فترة غيبة قائمهم (عج).

١٥٨

أشعار في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(هامش الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٢٩)

١٠٥ ـ أشعار في الموالاة :

قال الإمام الشافعي :

قالوا : ترفّضت ، قلت : كلا

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ

خير إمام وخير هاد

إن كان حبّ الوليّ رفضا

فإنني أرفض العباد

وقالرحمه‌الله :

يا راكبا قف بالمحصّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضا كملتطم الفرات الفائض

إني أحبّ بني النبيّ المصطفى

وأعدّه من واجبات فرائضي

إن كان رفضا حبّ آل محمّد

فليشهد الثقلان أني رافضي

وقال عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام والصلاة عليهم :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلي عليكم لا صلاة له

ومما ينسب إلى الشافعي هذه الأبيات تعليقا على حديث النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، الناجية منها واحدة». قال :

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النّجا

وهم آل بيت المصطفى خاتم الرّسل

إذا افترقت في الدين سبعون فرقة

ونيف كما قد جاء في محكم النقل

ولم يك ناج منهم غير فرقة

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

أفي الفرق الهلّاك آل محمّد

أم الفرقة اللائي نجت منهم قل لي

فإن قلت في الناجين فالقول واحد

وإن قلت في الهلّاك حفت عن العدل

إذا كان مولى القوم منهم ، فإنني

رضيت بهم ، لا زال في ظلّهم ظلّي

فخلّ عليّا لي إماما ونسله

وأنت من الباقين في أوسع الحلّ

وله في الولاية مدائح كثيرة ، منها قوله :

١٥٩

إذا في مجلس ذكروا عليّا

وشبليه وفاطمة الزّكيّة

يقال تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرافضيّه

هربت من المهيمن من أناس

يرون الرّفض حبّ الفاطميّه

على آل الرسول صلاة ربي

ولعنته لتلك الجاهليه

وقال يرثي الحسينعليه‌السلام من قصيدة :

تأوّب همّي والفؤاد كئيب

وأرّق نومي والرقاد غريب

ومما نفى همّي وشيّب لمّتي

تصاريف أيام ، لهنّ خطوب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس وقلوب

يصلىّ على المبعوث من آل هاشم

ويغزى بنوه ، إنّ ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حبّ آل محمّد

فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي

إذا ما بدت للناظرين خطوب

وقالرحمه‌الله :

لقد كتموا آثار آل محمّد

محبّيهم خوفا ، وأعداؤهم بغضا

فأبرز من بين الفريقين نبذة

بها ملأ الله السموات والأرضا

وقال الشيخ أبو بكر بن عربي :

رأيت ولائي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى

بتبليغه ، إلا المودة في القربى

وقال أحدهم في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام ومعاداة أعدائهم :

يا بني الزهراء والنور الّذي

ظنّ موسى أنه نار قبس

لا أوالي الدهر من عاداكم

إنه آخر آي من (عبس)

يشير بذلك إلى قوله تعالى :( أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) (٤٢) [عبس : ٤٢].

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460