مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234380 / تحميل: 8791
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها ، وأجرة حمل الميت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك مما يصرف في أي عمل من واجبات الميت ، فان كل ذلك يخرج من أصل التركة وان كان الميت مديوناً أو كانت له وصية ، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرع بشيء من ذلك وإلاّ لم يخرج من التركة ، وأما ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز اخراجه من الأصل ، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فانه لا يجوز ان يخرج من الأصل الا ما هو المتعارف بحسب القيمة ، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميت لا يحتاج إلى بذل مال ، وفي البعض الآخر يحتاج اليه قدم الأوّل ، نعم يجوز اخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصية الميت به ، أو وصيته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلاً أو بعضاً ، كما يجوز اخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم دون القاصرين ، الا مع اذن الولي على تقدير وجود مصلحة تسوغ له ذلك.

( مسألة 109 ) : كفن الزوجة على زوجها حتى مع يسارها أو كونها منقطعة او ناشزة ، هذا إذا لم يتبرع غير الزوج بالكفن والا سقط عنه ، وكذلك إذا اوصت به من مالها وعمل بالوصية ، أو تقارن موتها مع موته ، أو كان البذل حرجياً على الزوج ، فلو توقف على الاستقراض ، أو فك ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعين ذلك ، والا لم يجب.

( مسألة 110 ) : يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير ، ولكن يلزم ان يكون ذلك بنحو لا يتنجس موضع الكتابة بالدم ، أو غيره من النجاسات كان يكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت ، ويجوز ان يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

٦١

( شروط الكفن )

يعتبر في الكفن أمور :

(1) الاباحة.

(2) الطهارة بان لا يكون نجساً ولا متنجساً.

(3) ان لا يكون من الحرير الخالص ، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط ان يكون حريره أقل من خليطه ـ والأحوط وجوباً ـ ان لا يكون الكفن مُذهَّباً ، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد الميتة وان كان طاهراً ، ولا بأس ان يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم ، بل لا بأس ان يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً ، وكل هذه الشروط ـ غير الاباحة ـ يختص بحال الإختيار ويسقط في حال الضرورة ، فلو انحصر الكفن في الحرام دفن عارياً ، ولو انحصر في غيره من الانواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كفن به ، فاذا انحصر في واحد منها تعين ، واذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالنجس قدم الأوّل ، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجس ، وبين الحرير قدم الثاني ، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدم الغير ، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهَّب والتكفين بأجزاء مالا يؤكل لحمه تخيّر بينهما ، وان كان الاحتياط بالجمع حسناً.

( مسألة 111 ) : الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه الا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

( مسألة 112 ) : يستحب وضع جريدتين خضراوين مع الميت ، وينبغي ان تكونا من النخل ، فان لم يتيسر فمن السدر ، أو الرمان وان

٦٢

لم يتيسرا فمن الخلاف ( الصفصاف ) ، والأولى في كيفيته جعل احداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن ، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والازار.

( الحنوط )

يجب تحنيط الميت المسلم وهو ( إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته ) ويكفي فيه وضع المسمى ، ويشترط فيه اباحته فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكن من الكافور المباح ، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجس بدن الميت على ـ الأحوط وجوباً ـ والأفضل ان يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل ويستحب خلطه بقليل من التربة الحسينية ، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

( مسألة 113 ) : ـ الأحوط الأولى ـ ان يكون الامساس بالكف وان يبتدأ من الجبهة ، ولا ترتيب في سائر الأعضاء ، ويجوز ان يباشر التحنيط الصبي المميز بل وغيره أيضاً.

( مسألة 114 ) : يسقط التحنيط فيما إذا مات الميت في احرام العمرة أو الحج فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب ، نعم اذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحل له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

( مسألة 115 ) : وجوب التحنيط كوجوب التغسيل ، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

٦٣

( الصلاة على الميت )

تجب الصلاة على كل مسلم ميت وان كان فاسقاً ، ووجوبها كوجوب التغسيل ، وقد مر في المسألة (91).

( مسألة 116 ) : لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين الا من عقل منهم الصلاة ، ومع الشك في ذلك فالعبرة ببلوغه ست سنين ، وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة اشكال ـ والأحوط وجوباً ـ عدم الاتيان بها الا رجاءً.

( مسألة 117 ) : تصح الصلاة على الميت من الصبي المميز ، ويجزي عن البالغين.

( مسألة 118 ) : يجب تقديم الصلاة على الدفن ، الا انه إذا دفن قبل ان يصلى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز ان ينبش قبره للصلاة عليه ، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر ـ فالأحوط وجوباً ـ الاتيان بها رجاءً.

( كيفية صلاة الميت )

يجب في الصلاة على الميت خمس تكبيرات والدعاء للميت عقيب احدى التكبيرات الأربع الأوّل ، وأما الثلاثة الباقية فيتخير فيها بين الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهادتين ، والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان يكبّر أولاً ويقول ( أشْهَدُ اَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وَأنَّ مُحمّداً رَسولُ الله ) ثم يكبر ثانياً ، ويصلي على النبي وآله ، ثم يكبر ثالثاً ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ثم يكبر رابعاً ، ويدعو للميت ، ثم يكبّر خامساً

٦٤

وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى : ( أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ).

وبعد التكبيرة الثانية : ( اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد ، وارحم محمداً وآل محمّد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، انك حميد مجيد وصل على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وجميع عباد الله الصالحين ).

وبعد التكبيرة الثالثة : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللّهم بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شيء قدير ).

وبعد الرابعة : ( اللّهم ان هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن امتك نزل بك وانت خير منزول به ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وانت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسناً فزد في احسانه ، وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر له ، اللّهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على اهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين ) ثم يكبّر ، وبها تتم الصلاة.

ولابُدّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميت ، وتختص هذه الكيفية بما إذا كان الميت مؤمناً بالغاً ، وفي الصلاة على اطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

( مسألة 119 ) : يعتبر في صلاة الميت أمور :

٦٥

(1) ان تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين ، والا بطلت ولابُدّ من اعادتها ، واذا تعذر غسل الميت أو التيمم بدلاً عنه ، وكذلك التكفين والتحنيط لم تسقط الصلاة عليه.

(2) النية بان يقصد بها القربة ، مع تعيين الميت على نحو يرفع الابهام.

(3) القيام مع القدرة عليه.

(4) أن يكون رأس الميت على يمين المصلي.

(5) أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

(6) استقبال المصلي للقبلة حال الاختيار.

(7) أن يكون الميت أمام المصلي.

(8) أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه ، ولا يضر الستر بمثل النعش أو ميت آخر.

(9) الموالاة بين التكبيرات والأذكار ، بان لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

(10) أن لا يكون بين الميت والمصلي بعد مفرط الا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة ، أو مع تعدد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

(11) أن لا يكون احدهما اعلى من الآخر علواً مفرطاً.

(12) أن يكون الميت مستور العورة ـ اذا تعذر الكفن ـ ولو بحجر أو لبنة.

٦٦

( دفن الميت )

يجب دفن الميت المسلم ومن بحكمه ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مر في المسألة (91) ، وكيفية الدفن ان يوارى في حفيرة في الارض ، فلا يجزي البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض ، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يؤمّن على جسده من السباع وايذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان تكون الحفيرة بنفسها على كيفية تمنع من انتشار رائحة الميت ووصول السباع إلى جسده ، ويجب ان يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجهاً وجهه الى القبلة.

( مسألة 120 ) : يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سناً أو ظفراً على ـ الأحوط وجوباً ـ نعم لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

( مسألة 121 ) : من مات في السفينة ، ولم يمكن دفنه في البر ، ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك يغسّل ويكفن ويحنط ويُصلى عليه ثم يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها باستحكام ، أو يشد برجله ما يثقله من حجر ، أو حديد ثم يلقى في البحر ـ والأحوط استحباباً ـ اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان ، وكذلك الحال في ميت خيف عليه من ان يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

( مسألة 122 ) : لا يجوز دفن الميت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة ، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفار ، ولا يجوز

٦٧

دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

( مسألة 123 ) : يعتبر في موضع الدفن الاباحة ، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب ، أو فيما وقف لجهة خاصة كالمدارس والحسينيات ونحوهما وان لم يكن مضراً بالوقف أو مزاحماً لجهته على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 124 ) : إذا دفن الميت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره واخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه ، إلاّ في بعض الموارد المذكورة في ( العروة الوثقى ) وتعليقتنا عليها.

( مسألة 125 ) : إذا دفن الميت بلا غسل أو كفن ، أو حنوط مع التمكن منها وجب اخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط ان لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته ، والا ففيه اشكال.

( مسألة 126 ) : لا يجوز نبش قبر المسلم إلاّ في موارد خاصة تقدم بعضها ، ومنها ما لو اوصى الميت بنقله الى المشاهد المشرفة فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها ، فانه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر ، وأما لو اوصى بنبش قبره ونقله بعد مدة الى الأماكن المشرفة ففي صحة وصيته اشكال.

( مسألة 127 ) : إذا كان الموجود من الميت يصدق عليه عرفاً انه ( بدن الميت ) كما لو كان مقطوع الأطراف ـ الرأس واليدين والرجلين ـ كلاً أو بعضاً ، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم ، أو معظمها بشرط ان تكون من ضمنها عظام صدره ، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه وكذا ما يتقدمها من التغسيل والتحنيط ـ ان وجد بعض مساجده ـ والتكفين بالازار والقميص بل وبالمئزر أيضاً ان وجد بعض ما يجب ستره به.

واذا كان الموجود من الميت لا يصدق عليه انه بدنه بل بعض بدنه ،

٦٨

فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن أي الصدر وما يوازيه من الظهر سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه ، وكذا التغسيل والتكفين بالازار والقميص وبالمئزر ان كان محله موجوداً ـ ولو بعضاً ـ على ـ الأحوط وجوباً ـ ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على ـ الأحوط وجوباً ـ ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على ـ الأحوط وجوباً ـ وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميت كأن وجدت اطرافه كلاً أو بعضاً مجردة عن اللحم أو معه ، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا يجب الصلاة عليه ، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه ، وان وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب فالظاهر انه لا يجب فيه أيضاً شيء مما تقدم عدا الدفن ـ والأحوط وجوباً ـ ان يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

( صلاة ليلة الدفن )

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصّل احدكم ركعتين له ، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي ، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، فيقول بعد السلام : اللّهم صل على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان ، ويسمي الميت ورويت لهذه الصلاة كيفية اخرى أيضاً.

( غسل مسِّ الميت )

يجب الغسل على من مسّ الميت بعد برده وقبل اتمام غسله ، ولا فرق بين ان يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها ، كما لا فرق في الممسوس والماس بين ان يكون مما تحله الحياة وما لا تحله كالسن

٦٩

والظفر ، نعم لا يبعد عدم العبرة بالشعر ، سواء كان ماساً أم ممسوساً ، ولا يختص الوجوب بما إذا كان الميت مسلماً ، فيجب في مسّ الميت الكافر أيضاً ، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد ، أو دفاع عن الاسلام أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على ـ الأحوط وجوباً ـ فيهما.

( مسألة 128 ) : يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم ، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث ، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة الا بالغسل ـ والأحوط استحباباً ـ ضم الوضوء اليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

( مسألة 129 ) : لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت أو الحي وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً وان كان الغسل ـ أحوط استحباباً ـ.

( مسألة 130 ) : إذا يمّم الميت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

٧٠

( الأغسال المستحبة )

قد ذكر الفقهاء ( قدس الله اسرارهم ) كثيراً من الأغسال المستحبة ولكنه لم يثبت استحباب جملة منها ، والثابت منها ما يلي :

(1) غسل الجمعة : وهو من المستحبات المؤكدة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب ، والأفضل الاتيان به قبل الزوال ـ والأحوط الأولى ـ ان يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء ، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت ، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف اعواز الماء يوم الجمعة ، وتستحب اعادته إذا وجد الماء فيه.

(2 ـ 7) غسل الليلة الأولى ، والليلة السابعة عشرة ، والتاسعة عشرة والحادية والعشرين ، والثالثة والعشرين ، والرابعة والعشرين ، من شهر رمضان المبارك.

(8 ـ 9) غسل يوم العيدين الفطر والأضحى ، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على الأظهر ، والأفضل ان يؤتى به قبل صلاة العيد.

(10 ـ 11) غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة الحرام ، والأفضل في اليوم التاسع ان يؤتى به عند الزوال.

(12) غسل الاحرام.

(13) غسل دخول الحرم المكي.

(14) غسل دخول مكة.

(15) غسل زيارة الكعبة المشرفة.

(16) غسل دخول الكعبة المشرفة.

(17) غسل النحر والذبح.

٧١

(18) غسل الحلق.

(19) غسل دخول حرم المدينة المنورة.

(20) غسل دخول المدينة المنورة.

(21) غسل دخول مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(22) الغسل لوداع قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(23) غسل المباهلة مع الخصم.

(24) غسل الاستخارة.

(25) غسل الاستسقاء.

(26) غسل من مسّ الميت بعد تغسيله.

والأظهر ان هذه الاغسال تجزي عن الوضوء ، وأما غيرها فيؤتى بها رجاءً ، ولابُدّ معها من الوضوء فنذكر جملة منها :

(1) الغسل في ليالي الافراد من شهر رمضان المبارك وتمام ليالي العشرة الأخيرة.

(2) غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.

(3) غسل الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام.

(4) غسل يوم النيروز ( اول أيام الربيع ).

(5) غسل يوم النصف من شعبان.

(6) الغسل في أول رجب وآخره ونصفه ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.

(7) الغسل لزيارة كل واحد من المعصومينعليهم‌السلام من قريب أو بعيد.

(8) غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

٧٢

( الجبائر )

الجبيرة هي : ( ما يوضع على العضو من الألواح أو الخرق ونحوها إذا حدث فيه كسر ، أو جرح ، أو قرح ) وفي ذلك صورتان :

(1) ان يكون شيء من ذلك في مواضع الغَسل كالوجه واليدين.

(2) ان يكون في مواضع المسح كالرأس والرجلين ، وعلى التقديرين فان لم يكن في غَسل الموضع أو مسحه ضرر أو حرج وجب غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه ، واما إذا استلزم شيئاً من ذلك ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، ولم تكن في الموضع جبيرة بان كان مكشوفاً ، ففي هذه الصورة يجب غسل ما حول الجرح والقرح ـ والأحوط الأولى ـ مع ذلك ان يضع خرقة على الموضع ويمسح عليها وان يمسح على نفس الموضع أيضاً إذا تمكن من ذلك ، وأما الكسر المكشوف من غير أن تكون فيه جراحة فالمتعين فيه التيمم.

( الثانية ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، وكانت عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يغسل ما حوله ـ والأحوط وجوباً ـ ان يمسح على الجبيرة ولا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها.

( الثالثة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح وكانت

٧٣

عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يتعين المسح على الجبيرة.

( الرابعة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح ولم تكن عليه جبيرة ، وفي هذه الصورة يتعين التيمم.

( مسألة 131 ) : يعتبر في الجبيرة أمران :

(1) طهارة ظاهرها ، فإذا كانت الجبيرة نجسة لم يصلح ان يمسح عليها فان امكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك فيمسح عليها ويغسل اطرافها ، وان لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها ، هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف ، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليها الجبيرة الطاهرة ، أو طهّرها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك لايجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة ، وإن كان لأمر آخر كالاضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم ، وإلاّ ـ فالأحوط لزوماً ـ الجمع بين الوضوء والتيمم.

(2) إباحتها ، فلا يجوز المسح عليها إذا لم تكن مباحة ، ولو مسح لم يصح وضوؤه على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 132 ) : يعتبر في جواز المسح على الجبيرة أمور :

( الأوّل ) : ان يكون في العضو كسر أو جرح أو قرح ، فإذا لم يتمكن من غسله أو مسحه لأمر آخر ، كنجاسته مع تعذر ازالتها ، أو لزوم الضرر من استعمال الماء أو لصوق شيء ـ كالقير ـ بالعضو ولم يتمكن من ازالته بغير حرج ففي جميع ذلك لا يجري حكم الجبيرة بل يجب التيمم ، نعم إذا كان اللاصق بالعضو دواءً يجري عليه حكم الجبيرة ، ولو كان اللاصق غيره وكان

٧٤

في مواضع التيمم تعين الجمع بينه وبين الوضوء.

( الثاني ) : ان لا تزيد الجبيرة على المقدار المتعارف ، والا وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل ومسحه إذا كان مما يمسح ، وان لم يتمكن من رفعه ، أو كان فيه حرج ، أو ضرر على الموضع السليم نفسه سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه ، وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بينه وبين الوضوء ، ولو كان رفعه وغسل الموضع السليم ، أو مسحه يستلزم ضرراً على نفس الموضع المصاب لم يسقط الوضوء فيمسح على الجبيرة.

( الثالث ) : ان يكون الجرح أو نحوه في نفس مواضع الوضوء فلو كان في غيرها وكان مما يضر به الوضوء تعين عليه التيمم ، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من اعضاء الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً ، كما إذا كان الجرح في اصبعه واتفق انه يتضرر بغسل الذراع ، فانه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.

( مسألة 133 ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، كما إذا كان تمام الوجه أو احدى اليدين أو الرجلين مجبَّراً جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة على الأظهر ، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء ، أو معظمها ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.

( مسألة 134 ) : إذا كانت الجبيرة في الكف مستوعبة لها ومسح المتوضئ عليها بدلاً عن غسل العضو ، فاللازم ان يمسح رأسه ورجليه بهذه الرطوبة لا برطوبة خارجية ـ والأحوط الأولى ـ فيما إذا لم تكن مستوعبة لها ان يمسح بغير موضع الجبيرة.

٧٥

( مسألة 135 ) : إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت اجزأه وضوؤه سواء برئ في اثناء الوضوء ام بعده ، قبل الصلاة أو في اثنائها أو بعدها ، ولاتجب عليه اعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية في الموارد التي كان تكليفه فيها الوضوء جبيرة واما في الموارد التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمم فلابُدّ من اعادة الوضوء للاعمال الآتية ، وهكذا الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد اتمام الوضوء ، وأما إذا برئ في اثنائه فلابُدّ من استيناف الوضوء ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها ان لم تفت الموالاة.

( مسألة 136 ) : إذا اعتقد الضرر من غسل العضو الذي فيه جرح أو نحوه فمسح على الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه ، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين انه كان مضراً وكانت وظيفته الجبيرة ـ فالأحوط وجوباً ـ الإعادة ، وكذا إذا اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة ، وأما إذا اعتقد الضرر في غسل العضو لاعتقاده ان فيه قرحاً أو جرحاً أو كسراً فعمل بالجبيرة ثم تبين سلامة العضو فالظاهر بطلان وضوئه.

( مسألة 137 ) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميت ـ كما كان يجري في الوضوء ولكنه يختلف عنه في الجملة ، فان المانع عن الغسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ـ سواء كان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ـ تخير المكلف بين الغسل والتيمم ، واذا اختار الغسل وكان المحل مكشوفاً فله الاجتزاء بغسل اطرافه وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ ان يضع خرقة على موضع القرح ، أو الجرح ويمسح عليها ، وأما إذا كان المانع كسراً فان كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة ، وأما إذا كان مكشوفاً ، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.

٧٦

( التيمم )

يصح التيمم بدلاً عن الغسل ، أو الوضوء في سبعة مواضع :

( الأوّل ) : ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأولية من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه ، ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه ، وكذلك السعي اليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ولا يسوغ للمسافر ان يتيمم بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه ، بل لابُدّ له من احراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى ان يحصل له الاطمينان بالعدم ، فلو احتمل وجود الماء في رحله ، أو في القافلة ، أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه ، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق ، ـ والأحوط وجوباً ـ الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة ) وغلوة سهمين في الأرض السهلة ، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك الا اذا اطمأن بوجوده خارج الحد المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ويسقط وجوب الفحص عند تضيق الوقت بمقدار ما يتضيق منه وكذا إذا خاف على نفسه ، أو ماله المعتد به من لصّ ونحوه ، أو كان في الفحص حرج لا يتحمل عادة.

( مسألة 138 ) : إذا تيمم من غير فحص ـ فيما يلزم فيه الفحص ـ ثم

٧٧

صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية لم يصح تيممه وصلاته وان تبين عدم الماء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 139 ) : إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمم ، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.

( الثاني ) : عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه ، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب ، أو لخوفه على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله المعتد به من سبع ، أو عدو أو لص ، أو ضياع أو غير ذلك ، ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضة ـ حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحدث والخبث على الأحوط كما تقدم في المسألة (30) ـ فان امكن تخليصه منها بما لا يعد استعمالاً في العرف وجب الوضوء ، وإلاّ ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمم اشكال.

( الثالث ) : كون استعمال الماء مضراً به ، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدته ، وانما يشرع التيمم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائية مع المسح على الجبيرة والا وجبت ، وقد مر تفصيل ذلك.

( الرابع ) : خوف العطش على نفسه ، أو على غيره ممن يرتبط به ويكون من شأنه التحفظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة انساناً كان أو حيواناً ، ولو خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً ، أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.

( الخامس ) : استلزام الحرج والمشقة إلى حد يصعب تحمله عليه ، سواء كان في تحصيل الماء ، كما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذلّه

٧٨

وهوانه ، أو على شرائه بثمن يضر بحاله ـ والا وجب الشراء وان كان باضعاف قيمته ـ أم في نفس استعماله لشدة برودته ، أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته اليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقة.

( السادس ) : ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.

( السابع ) : ان يكون مكلفاً بواجب أهم أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كازالة الخبث عن المسجد فانه يجب عليه التيمم وصرف الماء في تطهيره ، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً ولم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحدثية والخبثية معاً فانه يتعين صرفه في ازالة الخبث وان كان الأولى فيه ان يصرف الماء في ازالة الخبث أولاً ، ثم يتيمم بعد ذلك.

( ما يصح به التيمم )

يجوز عند تعذر الطهارة المائية التيمم بمطلق وجه الارض من تراب أو رمل ، أو حجر أو مدر ، ومن ذلك ارض الجص والنورة وهكذا الجص المطبوخ ، والآجر والخزف ، ـ والأحوط الأولى ـ تقديم التراب على غيره مع الإمكان ، ويجوز التيمم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عدّ تراباً دقيقاً بان كان له جرم بنظر العرف وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ تقديم غيره عليه ، واذا تعذر التيمم بالأرض وما يلحق بها تيمم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد ـ والأحوط وجوباً ـ عدم ازالة شيء منه الا ما يتوقف على ازالته صدق المسح باليد ، واذا تعذر التيمم بالوحل أيضاً تعين التيمم بالشيء المغبر ـ أي ما يكون الغبار كامناً فيه ـ أو لا يكون له جرم بحيث يصدق

٧٩

عليه التراب الدقيق ـ كما تقدم ـ واذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.

( مسألة 140 ) : إذا كان طين وتمكن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة ، إلى التيمم بالطين أو الشيء المغبر ، ولا بأس بالتيمم بالأرض الندية وان كان الأولى ان يتيمم باليابسة مع التمكن.

( مسألة 141 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ اعتبار علوق شيء مما يُتيمم به باليد فلا يجزي التيمم على مثل الحجر الاملس الذي لا غبار عليه.

( مسألة 142 ) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وان كان اصله منها كالنباتات ، وبعض المعادن كالذهب والفضة ، ورماد غير الأرض ونحوها ، واذا اشتبه ما يصح به التيمم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمم ليتيقن معه الامتثال.

( كيفية التيمم وشرائطه )

( مسألة 143 ) : يجب في التيمم أمور :

(1) ضرب باطن اليدين على الأرض ، ويكفي وضعهما عليها أيضاً ، ـ والأحوط وجوباً ـ ان يفعل ذلك دفعة واحدة.

(2) مسح الجبهة ، وكذا الجبينين ـ على الأحوط وجوباً ـ باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والى الحاجبين ـ والأحوط الأولى ـ مسحهما أيضاً.

(3) المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى اطراف الاصابع ، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى ـ والأحوط وجوباً ـ رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.

ويجتزئ في التيمم سواء كان بدلاً عن الوضوء ، أم الغسل بضرب

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

يُشير النصّ العبري إلى الإمام الحسينعليه‌السلام من خلال ما جاء على لسان (يوحنّا) بأنّه المذبوح الذي ضحّى بنفسه وأهل بيته من أجل الله، وأنّه سينال المجد والعِزّة على مرّ العصور والأجيال، وهذا ما يتّضح من خلال التحليل اللغوي للنصّ العبري، حيث نجد الإشارة إلى أنّه (ذُبِحَ، قُتِل) من خلال صيغة اسم الفاعل (نشحطتا) وهي مُشتقّة من الفعل (شاحط): (ذَبَح، قَتَل)(١) .

ثمّ نجد في النص العبري تأكيداً آخر على أنّ المذبوح يشري دمه الطاهر قربةً إلى الله، وابتغاء مرضاته من خلال عبارة: (بَدِمْخا قانيتا)، فالفعل (قانيتا) هو بالأصل: (قانا): (اشترى، باع) و(التاء) في (قانيتا) هي (تاء المخاطب)(٢) .

ثمّ الإشارة إلى نكتة مُهمّة، وهي أنّ هذه التضحية وهذا القربان الذي قدّمه الحسينعليه‌السلام لكلّ الشعوب والأُمم على اختلاف لغاتهم وقوميّاتهم بقوله: (من كل مشبحا ولاشون وعم وگوي )(٣) .

ثمّ يؤكّد النصّ على أنّ الله سيجعل - لسيّد الشهداء - المجد والكرامة والعِزّة بقوله: (في اشمع قول ملاخيم ربيم قورئيم عوشر في حاخما في گبورا في هدار كافود )(٤) . وهذا ما ينطبق على سيّد الشهداء المذبوح بكربلاء، الذي انفرد بهذه الخصوصية التي ميّزته عن بقيّة الشهداء على مرّ التأريخ.

____________________

(١) المعجم الحديث، ص٤٧١.

(٢) نفس المصدر، ص١٠٤، ٤٢٥.

(٣) المعجم الحديث، ص٢٤٠، ٣٦٩، ٤٨.

(٤) المصدر السابق، ص٨١، ١١٤، ٢١٢.

١٨١

(أرميا) يُخبر عن مذبحة كربلاء:

فقد جاء في صحيفة (أرميا)

في هيوم هَهو كاشلوا

في نافلوا تسافونا عل يد نهر فرات

في آكلا حيرب

في سابعا

في راوتا من دمام

كي زيبح لأدوناي يهفا

تسفاؤوت با إيرتس

تسافون إل نهر فرات(١) .

ويعني هذا النص:

في ذلك اليوم يسقط القتلى في المعركة

قرب نهر الفرات

وتشبع الحرب والسيوف وترتوي

من الدماء التي تسيل في ساحة المعركة

بسبب مذبحة ربّ الجنود في أرض

تقع شمال نهر الفرات

فالنصّ الذي أخبر عنه (أرميا) يكشف بكلّ وضوح عن ملحمة الطف في كربلاء الحسين، ومن خلال التحليل اللغوي للنصّ العبري، نجد تعظيماً لفداحة ما

____________________

(١) العهد القديم، صحيفة أرميا: ٤٦: ٦، ١٠ ص٧٨٢ (الأصل العبري).

١٨٢

يحدث في ذلك اليوم حيث، يسقط القتلى في المعركة: (كاشلوا في نافلوا) في شمال نهر الفرات: (تسافونا عل يد نهر فرات)(١) .

ثمّ التأكيد على أنّ: الحراب والسيوف ستشبع وترتوي من الدماء التي ستسيل في ساحة المعركة: (في آكلا حيرب في سابعا في راوتا من دمّام)، والإشارة ثانية إلى أنّ هذه المذبحة ستقع شمال نهر الفرات:

(تسافون إل نهر فرات). فإخبار (أرميا) بسقوط الشهداء، وارتواء السيوف من دمائهم على أرض تقع على (نهر الفرات) يدلّ دلالةً واضحةً، على أنَّ هذه الأرض هي (كربلاء)؛ لأنّ (عبيد الله بن زياد) عندما بعث (بعمر بن سعد) على رأس جيش فلقي الحسينعليه‌السلام بموضع على الفرات يُقال له: (كربلاء)(٢) ، فمنعوه الماء، وحالوا بينه وبين ماء الفرات.

ويتّضح من خلال هذين النصّين، وما تضمّناه من تنبُّؤاتٍ بما سيحدث على أرض (كربلاء)، وما سيُلاقيه (سيّد الشهداء) يتطابق مع ما ورد عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام ، بشأن مظلومية الحسين، وأشارت إلى مكان استشهاده والحسين كان طفلاً صغيراً(٣) .

رأس اليهود في مجلس يزيد:

قال الفقيه المحدّث قطب الدِّين الراوندي: (ودخل عليه (يزيد) رأس اليهود. فقال: ما هذا الرأس؟

فقال: رأس خارجيّ!

قال: ومَنْ هو؟

____________________

(١) العهد الجديد ص٢٢٦، ٣١١، ٤٠٦.

(٢) أهل البيتعليهم‌السلام في الكتاب المقدّس: ١١٣ - ١١٨.

(٣) المصدر نفسه.

١٨٣

قال: الحسين؟

قال: ابن مَن؟

قال: ابن عليّ.

قال: ومَن أُمّه؟

قال: فاطمة.

قال: ومَن فاطمة؟

قال: بنت محمّد.

قال: نبيّكم؟!

قال: نعم.

قال: لا جزاكم الله خيراً، بالأمس كان نبيّكم واليوم قتلتم ابن بنته؟! ويحَك! إنّ بيني وبين داود النبيّ نيِّفاً وسبعين أباً، فإذا رأتني اليهود كفّرت لي(١) ، ثمّ مال إلى الطشت وقبّل الرأس، وقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ جدّك محمّداً رسول الله، وخرج، فأمر يزيد بقتله )(٢) .

وذكر ابن أعثم - بعد ذكره ما جرى بين الإمام زين العابدينعليه‌السلام ويزيد من الكلام - قال: (فالتفت حبر من أحبار اليهود وكان حاضراً، فقال: مَن هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟!

فقال: صاحب الرأس هو أبوه.

قال: ومَن هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين؟

قال: الحسين بن علي بن أبي طالب.

____________________

(١) قيل: يقال: كفّر - لسيده. إذا انحنى ووضع يده على صدره وطأطأ رأسه كالركوع تعظيماً له.

(٢) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨١، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٧.

١٨٤

قال: فمَن أُمّه؟

قال: فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال الحبر: يا سبحان الله! هذا ابن نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة، بِئْسَ ما خلّفتموه في ذُرّيته، والله، لو خلّف فينا موسى بن عمران سبطاً من صلبه لكنّا نعبده من دون الله(١) ، وأنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالأمس، فوثبتم على ابن نبيّكم فقتلتموه، سوأةً لكم من أُمّة.

قال: فأمر يزيد بكرة في حلقه(٢) ، فقام الحبر وهو يقول: إن شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو فذروني، فإنّي أجد في التوراة أنّه مَن قتل ذُرّية نبيّ لا يزال مغلوباً(٣) أبداً ما بقي، فإذا مات يصليه الله نار جهنّم )(٤) .

وروى ابن عبد ربّه، عن أبي الأسود محمّد بن عبد الرحمان أنّه قال: ( لقيت رأس الجالوت(٥) ، فقال:

إنّ بيني وبين داود سبعين أباً، وإنّ اليهود إذا رأوني عظّموني وعرفوا حقّي وأوجبوا حفظي، وأنّه ليس بينكم وبين نبيّكم إلاّ أب واحد، وقتلتم ابنه )(٦) .

قال الخوارزمي: ( قال بعض العلماء: إنّ اليهود حرَّموا الشجرة التي كان منها

____________________

(١) لظننّا أنّا كنّا نعبده من دون الله / تسلية المجالس، وقريب منه في الخوارزمي.

(٢) فأمر يزيد به فوجئ بحلقه ثلاثاً/ الخوارزمي.

(٣) ملعوناً/ الخوارزمي - تسلية المجالس - البحار.

(٤) الفتوح ٢/ ١٨٥. وأورد نحوه: مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٩ بتفاوت يسير جدّاً.

(٥) بن يهوذا/ مُثير الأحزان.

(٦) العقد الفريد ٥/ ١٣٢. ونحوه في الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٧، ح٣٠٦)؛ تذكرة الخواص: ٢٦٣؛ مُثير الأحزان: ١٠٣ الملهوف: ٢٢٠ وغيرهم بتفاوت يسير.

١٨٥

عصا موسى أن يخبطوا بها وأن يوقدوا منها النار؛ تعظيماً لعصا موسى، وأنّ النصارى يسجدون للصليب؛ لاعتقادهم فيه أنّه من جنس العود الذي صُلِب عليه عيسى، وأنّ المجوس يُعظّمون النار؛ لاعتقادهم فيها أنّها صارت برداً وسلاماً على إبراهيم نفسها، وهذه الأُمّة قد قتلت أبناء نبيّها، وقد أوصى الله تعالى بمودّتهم وموالاتهم، فقال عزّ مِن قائل:( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) (١) )(٢) .

رسول ملك الروم في مجلس يزيد:

روى سبط ابن الجوزي، عن عبيد بن عمير، قال: ( كان رسول قيصر حاضراً عند يزيد، فقال ليزيد: هذا رأس مَن؟ فقال: رأس الحسين. قال: ومَن الحسين؟ قال: ابن فاطمة. قال: ومَن فاطمة؟ قال: بنت محمّد. قال: نبيّكم؟ قال: نعم. قال: ومَن أبوه؟ قال: عليّ بن أبي طالب. قال: ومَن عليّ بن أبي طالب؟ قال: ابن عمّ نبيّنا.

فقال: تبّاً لكم ولدينكم!! ما أنتم - وحقِّ المسيح - على شيء، إنّ عندنا في بعض الجزائر دَيْر فيه حافر حمار ركبه عيسى السيّد المسيح، ونحن نحجّ إليه في كلّ عام من الأقطار، وننذر له النذور، ونُعظّمه كما تُعظّمون كعبتكم، فأشهد أنّكم على باطل، ثمّ قام ولم يعد إليه )(٣) .

وروى ذلك الخوارزمي بتفصيل أكثر، وهو ما أورده بإسناده عن زيد بن علي، ومحمّد بن الحنفية، عن عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام أنّه قال:( لما أُتي برأس الحسين عليه‌السلام إلى يزيد كان يتُخذ مجالس الشرب، ويأتي برأس الحسين، فيضعه بين يديه ويشرب عليه، فحضر ذات يوم أحد مجالسه

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١٠١.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٣.

١٨٦

رسول ملك الروم - وكان من أشراف الروم وعظمائها - فقال: يا ملك العرب، رأس مَنْ هذا ؟

فقال له يزيد: مالكَ ولهذا الرأس؟!

قال: إنّي إذا رجعت إلى مَلِكِنا يسألني عن كلّ شيء رأيته، فأحببت أن أُخبره بقصّة هذا الرأس وصاحبه ليُشاركك في الفرح والسرور.

فقال يزيد: هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب.

فقال: ومَن أُمّه؟

قال: فاطمة الزهراء.

قال: بنت مَن؟

قال: بنت رسول الله.

فقال الرسول: أُفٍّ لك ولدينك!! وما دين (إلاّ) أحسن من دينك! اعلم أنّي من أحفاد داود، وبيني وبينه آباء كثيرة، والنصارى يُعظّمونني ويأخذون التراب من تحت قدمي تبرُّكاً؛ لأنّي من أحفاد داود، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله، وما بينه وبين رسول الله إلاّ أُمّ واحدة، فأيّ دين هذا؟!

ثمّ قال له الرسول: يا يزيد، هل سمعت بحديث كنيسة الحافر؟!

فقال يزيد: قل حتّى أسمع.

فقال: إنّ بين عمّان والصين بحراً مسيرته سنة، ليس فيه عمران إلاّ بلدة واحدة في وسط الماء، طولها ثمانون فرسخاً وعرضها كذلك، وما على وجه الأرض بلدة أكبر منها، ومنها يُحمل الكافور والياقوت والعنبر، وأشجارهم العود، وهي في أيدي النصارى، لا مُلْكَ لأحد فيها من الملوك، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة، أعظمها كنيسة الحافر، في محرابها حقّة من ذهب مُعلّقة، فيها حافر يقولون: إنّه حافر حمار كان يركبه عيسى، وقد زُيِّنت حوالي الحقّة بالذهب والجواهر والديباج والإبريسم، وفي كلّ عام يقصدها عالم من النصارى، فيطوفون حول

١٨٧

الحقّة، ويزورونها ويقبّلونها، ويرفعون حوائجهم إلى الله ببركتها، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أنّه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيّهم، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيّكم! لا بارك الله فيكم ولا في دينكم .

فقال يزيد لأصحابه: اقتلوا هذا النصراني؛ فإنّه يفضحنا إن رجع إلى بلده ويُشنّع علينا.

فلما أحسّ النصراني بالقتل قال: يا يزيد، أتُريد قتلي؟!

قال: نعم.

قال: فاعلم أنّي رأيت البارحة نبيّكم في منامي وهو يقول لي: يا نصراني، أنت من أهل الجنّة! فعجبت من كلامه حتّى نالني هذا، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ أخذ الرأس وضمّه إليه، وجعل يبكي حتّى قُتل ) (١) .

ثمّ قال الخوارزمي: (وروى مجد الأئمّة السرخسكي، عن أبي عبد الله الحدّاد أنّ النصراني اخترط سيفاً وحمل على يزيد ليضربه، فحال الخدم بينهما وقتلوه، وهو يقول: الشهادة الشهادة! )(٢) .

ولنِعْمَ ما أورده ابن شهر آشوب عن بعض شعراء أهل البيتعليهم‌السلام :

وا خـجلةَ الإسـلام من أضداده

ظـفروا لـه بـمعائب ومـعاثر

آل الـعُزير يُـعظّمون حـماره

ويـرون فـوزاً لـثْمَهم بالحافر

وسـيوفكم بـدم ابـن بنت نبيّكم

مخضوبة لرضى يزيد الفاجر(٣)

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢. ونحوه في: مُثير الأحزان: ١٠٣؛ الملهوف: ٢٢١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٧؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٩؛ عوالم العلوم ١٧/ ٤١٨. بتفاوت يسير.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢.

(٣) المناقب ٤/ ١٢٣.

١٨٨

دور الإمام زين العابدينعليه‌السلام في الشام:

هناك مسؤولية كبيرة يتحمّل أثقالها ويحمل أعباءها حجّة الله على أرضه، الإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ؛ إذ يرى نفسه أمام حُكّام فجرة وأُناسٍ جهلة، وعليه أن يؤدّي رسالة دم شهداء كربلاء، وعلى رأسهم أبيه سيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام .

زينب الكبرى تُعرِّف قائد المسيرة:

ذكرنا أنّ زينب الكبرى (سلام الله عليها) حينما واجهها يزيد وسألها بقوله: ( تُكلّميني؟ ) أشارت إلى ابن أخيها الإمام السجّادعليه‌السلام وقالت: ( هو المتكلِّم(١) )، أرادت بذلك أن تُعرِّف قائد المسيرة المظفّرة.

السجّادعليه‌السلام يعرّف أهل البيت من خلال القرآن!

لقد مضت فترة طويلة من الزمان، وكتابة أحاديث فضل أهل البيت ونشرها ممنوعة - فكيف بفهمها واستيعابها؟! - فقد مُنع من تدوين الأحاديث بعد رحيل الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بذريعة عدم التهاء الناس به عن القرآن!

وأعجب من ذلك أنّه منعت الحكومات عن فهم القرآن! وأصرّت على قراءة ظاهر آياته، دون السؤال عن تأويلها! كما منع معاويةُ ابنَ عبّاس عن ذلك(٢) .

وهكذا كان على الإمامعليه‌السلام أن ينتهز كلّ فرصة لبثّ الروح في أجساد هذه الأُمّة الميّتة، ويُرشدهم إلى حقائق القرآن الكريم، ويهديهم إلى معرفة المقصود منه.

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

(٢) أُنظر الاحتجاج ٢/ ٨٢.

١٨٩

ومن هذا المنطلق، نرى الإمامعليه‌السلام يستدلّ بآيات شريفة نزلت في شأن أهل البيتعليهم‌السلام ؛ حتّى يُعرِّف الناس واقع الأمر، مثل ما ذكرناه حول مُحادثة الإمامعليه‌السلام مع الرجل الشامي، واستدلالهعليه‌السلام بهذه الآيات الشريفة:

( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) .

( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ... ) .

( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى... ) .

( ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

خُطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

لم يكتفِ الإمامعليه‌السلام بذكر آيات شريفة منطبقة على أهل البيتعليهم‌السلام ، بل وقف موقفاً حازماً أمام الطاغية، وواجهه بكلّ صلابة، وكلّمه بكلّ شجاعة، ولم يكتفِ بذلك أيضاً، بل أخذ بزمام الكلام، وخاطب الجمهور، وكشف القناع عمّا سُتر فترةً طويلةً، وذلك بعدما قام الخطيب الشامي وتكلّم بما اشترى به رضى المخلوق بسخط الخالق.

قال الخوارزمي:

( وروي أنّ يزيد أمر بمنبر وخطيب ليذكر للناس مساوئ للحسين وأبيه عليّعليهما‌السلام (٢) ، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأكثر الوقيعة في عليّ

____________________

(١) انظر ص٨٨ - ٨٩ من هذا الكتاب.

(٢) في الفتوح (٢/ ١٨٥): ثمّ دعا يزيد بالخاطب وأمر بالمنبر فأُحضر، ثمّ أمر بالخاطب فقال: اصعد المنبر فخبِّر الناس بمساوئ الحسين وعليّ وما فعلا.

١٩٠

والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد، فصاح به عليّ بن الحسين:

( ويلك أيُّها الخاطب! اشتريت رضى (١) المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ (٢) مقعدك من النار ) .

ثمّ قال:( يا يزيد، ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد، فأتكلّم بكلمات (٣) فيهنّ لله رضى ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب ) .

فأبى يزيد، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، ائذن له ليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئاً. فقال لهم: إن صعد(٤) المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان(٥) .

____________________

وفي المناقب (٤/ ١٦٨) وكتاب الأحمر: قال الأوزاعي: لما أُتي بعليّ بن الحسين ورأس أبيه إلى يزيد بالشام قال لخطيب بليغ: خُذْ بيد هذا الغلام فائت به إلى المنبر، وأخبِر الناس بسوء رأي أبيه وجدّه، وفراقهم الحقّ وبغيهم علينا!

قال: فلم يدعْ شيئاً من المساوئ إلاّ ذكره فيهم، فلما نزل قام عليّ بن الحسين فحمد الله...

(١) في الفتوح: مرضاة.

(٢) في الفتوح: فانظر.

(٣) في الفتوح: بكلام فيه رضىً الله ورضى هؤلاء الجلساء وأجر وثواب.

(٤) في الفتوح: إنّه إن صعد.

(٥) ذكر الطبرسي ما يُشابه ذلك في حقّ سيّد الشهداءعليه‌السلام زمن حكومة معاوية، فإنّه روى عن موسى بن عقبة أنّه قال: لقد قيل لمعاوية: إنّ الناس قد رموا بأبصارهم إلى الحسينعليه‌السلام ، فلو قد أمرته يصعد المنبر فيخُطب، فإنّ فيه حصراً وفي لسانه كلالة.

فقال لهم معاوية: قد ظننّا ذلك بالحسن، فلم يزل حتّى عظم في أعين الناس وفضحنا.

فلم يزالوا به حتّى قال للحسين: يا أبا عبد الله، لو صعدت المنبر فخطبت، فصعد الحسينعليه‌السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمع رجلاً يقول: مَن هذا الذي يخطب؟ فقال الحسينعليه‌السلام :( نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأقربون، وأهل بيته الطيّبون، وأحد

١٩١

فقالوا: وما قَدر ما يُحسن هذا؟

فقال: إنّه من أهل بيت قد زُقّوا العلم زقّاً(١) .

ولم يزالوا به حتّى أذِن له بالصعود، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه(٢) ، ثمّ خطب خُطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، فقال فيها:

( أيّها الناس، أُعطينا ستّاً وفُضّلنا بسبع، أُعطينا العلم، والحِلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين. وفضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنّا الصدِّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد الله وأسد الرسول، ومنّا سيّدة نساء العالمين

الثقلين اللذين جعلنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوَّل علينا في تفسيره، لا يبطئنا تأويله، بل نتّبع حقايقه، فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مفروضة؛ إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله عزّ وجلّ:( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ... ) (النساء: ٥٩)، وقال: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (النساء: ٨٣)، وأُحذِّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم، فإنّه لكم عدوّ مُبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: ( ... لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ... ) (الأنفال: ٤٨) فتُلقَون للسيوف ضرباً، وللرماح ورداً، وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً، ثمّ لا يُقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ).

قال معاوية: حسبُك يا أبا عبد الله، فقد أبلغت! (الاحتجاج ٢/ ٩٤)

____________________

(١) في الفتوح: إنّه من نسل قوم قد رزقوا العلم رزقاً حسناً.

(٢) في المناقب: فلما نزل قام عليّ بن الحسين، فحمد الله بمحامد شريفة وصلّى على النبيّ صلاة بليغة موجزة.

١٩٢

فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الأُمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة (١) .

فمَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني (٢) أنبأته بحسبي ونسبي (٣) .

أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم (٤) والصفا (٥) ،أنا ابن مَن حمل الزكاة (٦) بأطراف الرداء، أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى، أنا ابن خير مَن انتعل واحتفى، أنا ابن خير مَن طاف وسعى (٧) ، (أنا) ابن خير مَن حجّ ولبّى، أنا ابن مَن حُمل على البراق (٨) في الهواء، أنا ابن مَن أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان مَن أسرى! أنا ابن مَن بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى، أنا

____________________

(١) ههنا في الفتوح والاحتجاج والبحار: أيُّها الناس.. وفي المناقب: يا معشر الناس.

(٢) بعده في الاحتجاج والمناقب: فأنا أُعرّفه بنفسي.

(٣) في الفتوح، بعده: أيُّها الناس.

(٤) في المناقب: مروة؛ في الاحتجاج: المروة.

(٥) ههنا في الاحتجاج توجد عبارة:أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن مَن علا فاستعلى، فجاوز سدرة المنتهى، وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.

وفي المناقب:أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن مَن لا يخفى، أنا ابن مَن علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى وكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى، أنا ابن مَن أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن عليّ المرتضى...

(٦) في البحار: الركن.

(٧) في الفتوح: أنا ابن خير مَن حجّ وطاف وسعى ولبّى.

(٨) في الفتوح: أنا ابن خير مَن حمل البراق.

١٩٣

ابن مَن دنا فتدلّى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السماء، أنا ابن مَن أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى .

أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن مَن ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا: لا إله إلاّ الله، أنا ابن مَن ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلّى القبلتين، وقاتل ببدرٍ وحُنين، ولم يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين [و] (١) رسول ربّ العالمين، أنا ابن المؤيّد بجبرائيل، والمنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر مَن مشى من قريش أجمعين، وأوّل مَن أجاب واستجاب لله (٢) من المؤمنين، وأقدم السابقين (٣) ، وقاصم المعتدين، ومُبير (٤) المشركين، وسهم من مرامي

____________________

(١) ليس في البحار، وهو الأنسب، وعلى فرض وجوده فـ (رسول) معطوف على كلمة ياسين.

(٢) في البحار: ولرسوله.

(٣) في البحار: وأوّل السابقين.

(٤) في البحار: مُبيد.

١٩٤

الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، ناصر (١) دين الله، ووليّ أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علم الله (٢) ، سمح سخيّ (٣) ، بهلول زكيّ أبطحيّ، رضيّ مرضيّ، مقدام هُمام، صابر صوّام، مُهذّب قوّام، شجاع قمقام، قاطع الأصلاب، ومفرّق الأحزاب، أربطهم جناناً، وأطبقهم عناناً، وأجرأهم لساناً، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسد باسل، وغيث هاطل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة وقربت الأعنّة، طحن الرحى (٤) ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، وصاحب الإعجاز، وكبش العراق، الإمام بالنصّ والاستحقاق، مكّيّ مدنيّ، أبطحيّ تُهاميّ، خيفيّ عقبيّ، بدريّ أُحُديّ، شجريّ مُهاجريّ، من العرب سيّدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين، مُظهِر العجائب، ومُفرّق الكتائب، والشهاب الثاقب، والنور العاقب، أسد الله الغالب، مطلوب كلّ طالب، غالب كلّ غالب، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب (٥) .

أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن الطهر

____________________

(١) في البحار: وناصر.

(٢) في البحار: علمه.

(٣) ههنا في البحار، عبارة (بهيّ) أيضاً.

(٤) في البحار: طحن مرحا.

(٥) في البحار: ثمّ قال.

١٩٥

البتول، أنا ابن بضعة الرسول... ) (١) .

قال: ولم يزل يقول: (أنا، أنا) حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة(٢) ، فأمر المؤذّن أن يؤذِّن، فقطع عليه الكلام وسكت(٣) .

فلما قال المؤذِّن(٤) : (الله أكبر)(٥) قال عليّ بن الحسين:( كبّرت كبيراً لا يُقاس ولا يُدرك بالحواس، لا شيء أكبر من الله ) .

فلما قال: (أشهد أن لا إله إلاّ الله) قال عليّ:

____________________

(١) هذا الفقرة في المناقب هكذا:( أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتّى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن مَن ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء، أنا ابن مَن رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن مَن حرمه من العراق إلى الشام تُسبى، أيّها الناس، إنّ الله - تعالى وله الحمد - ابتلانا أهل البيت ببلاءٍ حَسن؛ حيث جعل راية الهُدى والعدل والتُّقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا، فُضِّلنا أهل البيت بستّ خصال، فضّلنا بالعلم، والحِلم، والشجاعة، والسماحة، والمحبّة والمحلّة في قلوب المؤمنين، وآتانا ما لم يؤتَ أحداً من العالمين من قبلنا، فينا مختلف الملائكة وتنزيل الكتب ) .

(٢) في الاحتجاج: فضجّ أهل الشام بالبكاء، حتّى خشي يزيد أن يؤخذ من مقعده، فقال للمؤذّن: أذِّن.

(٣) الفقرة في الفتوح هكذا: فلم يزل يُعيد ذلك حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة فأمر المؤذِّن فقال: اقطع عنّا هذا الكلام.

(٤) في المناقب: (.. فلم يفرغ حتّى قال المؤذِّن: (الله أكبر)، فقال عليعليه‌السلام :( الله أكبر كبيراً ) ، فقال المؤذِّن: أشهد أن لا إله إلاّ الله، فقال علي بن الحسين:( شَهِد بها شعري... ) ، فلما قال المؤذِّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، قال علي:( يا يزيد، هذا جدّي أو جدّك؟! فإن قلت: جدّك، فقد كذبت. وإن قلت: جدّي، فلِمَ قتلت أبي وسبيت حرمه وسبيتني؟! ) .

ثمّ قال:( معاشر الناس، هل فيكم مَن أبوه وجدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ) . فعَلَتْ الأصوات بالبكاء، فقام إليه رجل يُقال له: المنهال بن عمرو الطائي، وفي رواية مكحول...

(٥) في الاحتجاج: فلما قال المؤذِّن: (الله أكبر) جلس عليّ بن الحسين على المنبر.

١٩٦

شهد بها (١) شعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعظمي ) .

فلما قال: ( أشهد أنّ محمّداً رسول الله ) التفت عليّ(٢) من أعلى المنبر إلى يزيد وقال:( يا يزيد، محمّد هذا جدّي أم جدّك؟! فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت (٣) ،وإن قلت (٤) : إنّه جدّي. فلِمَ قتلت عترته؟! ) .

قال: وفرغ المؤذِّن من الأذان والإقامة، فتقدّم يزيد(٥) وصلّى صلاة الظهر(٦) .

روى الخُطبة أرباب السير والتاريخ، فمنهم مَن ذكرها تفصيلاً كابن أعثم(٧) ، والخوارزمي(٨) ، ومحمّد بن أبي طالب(٩) ، ومنهم مَن ذكر معظمها كابن شهر آشوب(١٠) ، والمجلسي(١١) ، ومنهم مَن ذكر بعضها مثل أبي الفرج الأصفهاني(١٢) ، ومنهم مَن أشار إليها واكتفى بذكر مقدّماتها، مثل ابن نما والسيّد ابن طاووس(١٣) .

____________________

(١) في الفتوح: يشهد بها.

(٢) في الفتوح والبحار: التفت علي بن الحسين من فوق المنبر إلى يزيد.

(٣) في البحار هنا عبارة (وكفرت) أيضاً.

(٤) في البحار: وإن زعمت.

(٥) في الفتوح: تقدّم يزيد يُصلّي بالناس صلاة الظهر، فلما فرغ من صلاته أمر بعليّ بن الحسين وأخواته وعمّاته رضوان الله عليهم، ففرّغ لهم داراً فنزلوها، وأقاموا أيّاماً يبكون وينوحون على الحسين (رضي الله عنه).

(٦) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٩/ ٧١.

(٧) الفتوح ٢/ ١٨٥.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٩.

(٩) تسلية المجالس ٢/ ٣٩١. عن صاحب المناقب (بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٧)، وغيرهم.

(١٠) المناقب ٤/ ١٦٨. (الاحتجاج ٢/ ١٣٢ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦١ ح٦).

(١١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦١ ح٦.

(١٢) مقاتل الطالبيين: ١٢١.

(١٣) مُثير الأحزان: ١٠٢؛ الملهوف: ١٩.

١٩٧

نظرة خاطفة في الخُطبة وصداها:

لقد اقتصر الإمام السجّادعليه‌السلام في هذه الخُطبة على التعريف بأُسرته ونفسه، ولم يتعرّض لشيء آخر - فيما وصل إلينا من خُطبته الشريفة - ولعلّ السرّ في ذلك؛ أنّه لما كان يعلم أنّ المجتمع الشامي لا يعرف عن أهل البيت ومنزلتهم الرفيعة شيئاً؛ لكونه تربّى في أحضان سلطة الطغاة من بني أُميّة التي أخفت عنهم الحقائق وغذّتهم بالولاء لأبناء الشجرة الملعونة - بني أُميّة - والحقد على آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اكتفىعليه‌السلام بذلك.

ومن هذا المنطلق؛ نرى أنّ الإمامعليه‌السلام يُعالج المسألة عاطفيّاً؛ لأنّ تأثيره - في هذه المرحلة - أكثر من أيّ أداة، ومضمون الخطبة يُرشدنا إلى أنّ المخاطَبين كانوا من جمهور الناس، لا الأشراف والأعيان منهم فحسب، فجوّ المجلس يختلف عن جوّ مجلس يزيد العامّ، الذي كان محشوّاً بالأعيان والأشراف، وكبار رجال أهل الكتاب، وبعض مُمثّلي الدول الكبار آنذاك(١) .

فلذلك نرى أنّ الإمام يُعدّد مزايا آل البيتعليهم‌السلام ، ويخصّ بالذكر رجالاً منهم ليس لهم بديل ولا نظير، فيقول: بأنّ مناّ النبيّ المختار، ومنّا الصدِّيق - يعني عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام -، ومنّا الطيّار - يقصد جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام -، ومنّا أسد الله وأسد الرسول - يريد حمزة سيّد الشهداءعليه‌السلام -، ومنّا سيّدة نساء العالمين - أي فاطمة البتولعليها‌السلام -، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة - الحسنينعليهما‌السلام -، دون أن يُصرّح في البداية بالمقصود ممّن يذكرهم بهذه الأوصاف مثل الصدِّيق، وسيّدي شباب أهل الجنّة و...، حتّى يذكر أوصافاً مُتعدّدة لهم، تكشف عن بعض زوايا حياتهم وفضائلهم؛ ليكون أوقع بالنفوس، كما كان ذلك بالفعل.

____________________

(١) وهذا يؤيّد أنّها أُلقيت في المسجد لا المجلس، انظر: بحار الأنوار ٤٥/ ١٦١.

١٩٨

وبعد ذلك يذكر الإمام أصله وجذره نسباً وموطناً؛ حتّى يعلم الجميع أنّه فرع الشجرة النبويّة، والثمرة العلويّة، والجوهرة الفاطمية، واللؤلؤة الحسينيّة، ومن قلب مكّة والمدينة، فكيف شوّهت السلطة الباغية والحكومة الطاغية الواقع على الناس، وأذاعت الكذب، وعرّفتهم للأمّة بأنّهم الخوارج على أمير المؤمنين يزيد!

إنّ الإمامعليه‌السلام بعد تبيينه مُختصّات جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الوحي والمعراج و... يقوم ببيان خصائص جدّه المظلوم، أسد الله الغالب الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، والمجتمع الشامي يسمع أوصافاً له يسمعها أوّل مرّة؛ فهو الذي ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلّى القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين... وارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين... وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين... المؤيَّد بجبرائيل، والمنصور بميكائيل... قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين...

ثمّ يذكر بعض خصائص جدّته الصدِّيقة الكبرى، الإنسيّة الحوراء فاطمة الزهراءعليها‌السلام حتى يصل إلى قمّة كلامه بقوله:( أنا ابن المقتول ظلماً... ) يقول ذلك والظالم - يزيد - جالس بين يديه في المجلس. ويُشير إلى بعض مأساة كربلاء فيقول:( أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتّى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ) .

وبذلك عرَّف الناس أنّ والده الحسين قد قُتِل مظلوماً، عطشاناً، واحتُزّ رأسه الشريف من القفا، وطُرِح جسمه الطاهر بكربلاء، وسُلب عمامته ورداؤه.

فانقلب المجلس - وذلك تبعاً لانقلاب العالم - لقتل الحسينعليه‌السلام ! كيف لا، وقد قال الإمامعليه‌السلام :( أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن مَن ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء... ) .

١٩٩

هذا ما جرى في كربلاء، وهذا ما وقع في الكون بقتل الحسينعليه‌السلام ، وأمّا الشيء الموجود حالياً بالشام، الذي لابدّ أن يلتفت إليه هذا الجمهور الغافل الضائع، فهو أنّ جسم الحسينعليه‌السلام الطاهر، وإن كان في كربلاء، ولكنّ رأسه الشريف وحرمه موجودان بالشام وبين أيديهم، ونبّههم الإمام على ذلك بقوله:( أنا ابن مَن رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن مَن حرمه من العراق إلى الشام تُسبى... ) .

ولم يجد الطاغي ابن الباغي يزيد بن معاوية مفرّاً، إلاّ أن يلتجئ إلى المؤذِّن بذريعة الأذان، وقد كان يعلم في البداية أنّ الإمامعليه‌السلام لو صعد المنبر يقلب الوضع عليه، وقد صرّح بأنّه لو صعد المنبر لم ينزل إلاّ بفضيحته وفضيحة آل أبي سفيان، وأنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّاً، ولكنّ إصرار الناس غلبه على أمره، وأظنُّ أنّه ما كان يعلم أنّه ينقلب الأمر عليه إلى هذه الدرجة، وإلاّ لما كان يرضى بذلك، وإن بلغ ما بلغ، وإنّما رضي بذلك خوفاً من الناس وفراراً من حفيرة، ولكنّه وقع في بئر حفره سوء عمله وخبث ضميره، وأوجبه كلام حقٍّ، صدر من قلبٍ طاهر على لسانٍ صادق.

نعم، إنّ يزيد لم يتمكّن أن يقطع كلام الإمام إلاّ بالأذان، كما أنّ أباه - معاوية - لم يتمكّن أن يهرب من سيف جدّه - عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - إلاّ برفعه المصاحف! ولكنّ الإمام واجه هذه الخدعة ببيان حقيقة الربوبيّة وواقع التوحيد ولُبّ الرسالة، وواجه الطاغية يزيد بكلامه:( يا يزيد، محمّد هذا جدّي أم جدّك؟! فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت، وإن قلت: إنّه جدّي. فلِمَ قتلت عترته؟! ) .

فطرح أمامه سؤالاً لم يَحِرْ يزيد جواباً له، وهو أنّ هذا محمّداً رسول الله الذي تشهد برسالته - فيما تزعم - وتترأس رئاسة أُمّته، وتدّعي خلافته - ظلماً وزوراً - فهل هو جدّك أم جدّي؟! إذا كنت تدّعي أنّه جدّك فهذا كذب واضح، فالجميع

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460