مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233573 / تحميل: 8747
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

يُشير النصّ العبري إلى الإمام الحسينعليه‌السلام من خلال ما جاء على لسان (يوحنّا) بأنّه المذبوح الذي ضحّى بنفسه وأهل بيته من أجل الله، وأنّه سينال المجد والعِزّة على مرّ العصور والأجيال، وهذا ما يتّضح من خلال التحليل اللغوي للنصّ العبري، حيث نجد الإشارة إلى أنّه (ذُبِحَ، قُتِل) من خلال صيغة اسم الفاعل (نشحطتا) وهي مُشتقّة من الفعل (شاحط): (ذَبَح، قَتَل)(١) .

ثمّ نجد في النص العبري تأكيداً آخر على أنّ المذبوح يشري دمه الطاهر قربةً إلى الله، وابتغاء مرضاته من خلال عبارة: (بَدِمْخا قانيتا)، فالفعل (قانيتا) هو بالأصل: (قانا): (اشترى، باع) و(التاء) في (قانيتا) هي (تاء المخاطب)(٢) .

ثمّ الإشارة إلى نكتة مُهمّة، وهي أنّ هذه التضحية وهذا القربان الذي قدّمه الحسينعليه‌السلام لكلّ الشعوب والأُمم على اختلاف لغاتهم وقوميّاتهم بقوله: (من كل مشبحا ولاشون وعم وگوي )(٣) .

ثمّ يؤكّد النصّ على أنّ الله سيجعل - لسيّد الشهداء - المجد والكرامة والعِزّة بقوله: (في اشمع قول ملاخيم ربيم قورئيم عوشر في حاخما في گبورا في هدار كافود )(٤) . وهذا ما ينطبق على سيّد الشهداء المذبوح بكربلاء، الذي انفرد بهذه الخصوصية التي ميّزته عن بقيّة الشهداء على مرّ التأريخ.

____________________

(١) المعجم الحديث، ص٤٧١.

(٢) نفس المصدر، ص١٠٤، ٤٢٥.

(٣) المعجم الحديث، ص٢٤٠، ٣٦٩، ٤٨.

(٤) المصدر السابق، ص٨١، ١١٤، ٢١٢.

١٨١

(أرميا) يُخبر عن مذبحة كربلاء:

فقد جاء في صحيفة (أرميا)

في هيوم هَهو كاشلوا

في نافلوا تسافونا عل يد نهر فرات

في آكلا حيرب

في سابعا

في راوتا من دمام

كي زيبح لأدوناي يهفا

تسفاؤوت با إيرتس

تسافون إل نهر فرات(١) .

ويعني هذا النص:

في ذلك اليوم يسقط القتلى في المعركة

قرب نهر الفرات

وتشبع الحرب والسيوف وترتوي

من الدماء التي تسيل في ساحة المعركة

بسبب مذبحة ربّ الجنود في أرض

تقع شمال نهر الفرات

فالنصّ الذي أخبر عنه (أرميا) يكشف بكلّ وضوح عن ملحمة الطف في كربلاء الحسين، ومن خلال التحليل اللغوي للنصّ العبري، نجد تعظيماً لفداحة ما

____________________

(١) العهد القديم، صحيفة أرميا: ٤٦: ٦، ١٠ ص٧٨٢ (الأصل العبري).

١٨٢

يحدث في ذلك اليوم حيث، يسقط القتلى في المعركة: (كاشلوا في نافلوا) في شمال نهر الفرات: (تسافونا عل يد نهر فرات)(١) .

ثمّ التأكيد على أنّ: الحراب والسيوف ستشبع وترتوي من الدماء التي ستسيل في ساحة المعركة: (في آكلا حيرب في سابعا في راوتا من دمّام)، والإشارة ثانية إلى أنّ هذه المذبحة ستقع شمال نهر الفرات:

(تسافون إل نهر فرات). فإخبار (أرميا) بسقوط الشهداء، وارتواء السيوف من دمائهم على أرض تقع على (نهر الفرات) يدلّ دلالةً واضحةً، على أنَّ هذه الأرض هي (كربلاء)؛ لأنّ (عبيد الله بن زياد) عندما بعث (بعمر بن سعد) على رأس جيش فلقي الحسينعليه‌السلام بموضع على الفرات يُقال له: (كربلاء)(٢) ، فمنعوه الماء، وحالوا بينه وبين ماء الفرات.

ويتّضح من خلال هذين النصّين، وما تضمّناه من تنبُّؤاتٍ بما سيحدث على أرض (كربلاء)، وما سيُلاقيه (سيّد الشهداء) يتطابق مع ما ورد عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام ، بشأن مظلومية الحسين، وأشارت إلى مكان استشهاده والحسين كان طفلاً صغيراً(٣) .

رأس اليهود في مجلس يزيد:

قال الفقيه المحدّث قطب الدِّين الراوندي: (ودخل عليه (يزيد) رأس اليهود. فقال: ما هذا الرأس؟

فقال: رأس خارجيّ!

قال: ومَنْ هو؟

____________________

(١) العهد الجديد ص٢٢٦، ٣١١، ٤٠٦.

(٢) أهل البيتعليهم‌السلام في الكتاب المقدّس: ١١٣ - ١١٨.

(٣) المصدر نفسه.

١٨٣

قال: الحسين؟

قال: ابن مَن؟

قال: ابن عليّ.

قال: ومَن أُمّه؟

قال: فاطمة.

قال: ومَن فاطمة؟

قال: بنت محمّد.

قال: نبيّكم؟!

قال: نعم.

قال: لا جزاكم الله خيراً، بالأمس كان نبيّكم واليوم قتلتم ابن بنته؟! ويحَك! إنّ بيني وبين داود النبيّ نيِّفاً وسبعين أباً، فإذا رأتني اليهود كفّرت لي(١) ، ثمّ مال إلى الطشت وقبّل الرأس، وقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ جدّك محمّداً رسول الله، وخرج، فأمر يزيد بقتله )(٢) .

وذكر ابن أعثم - بعد ذكره ما جرى بين الإمام زين العابدينعليه‌السلام ويزيد من الكلام - قال: (فالتفت حبر من أحبار اليهود وكان حاضراً، فقال: مَن هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟!

فقال: صاحب الرأس هو أبوه.

قال: ومَن هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين؟

قال: الحسين بن علي بن أبي طالب.

____________________

(١) قيل: يقال: كفّر - لسيده. إذا انحنى ووضع يده على صدره وطأطأ رأسه كالركوع تعظيماً له.

(٢) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨١، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٧.

١٨٤

قال: فمَن أُمّه؟

قال: فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال الحبر: يا سبحان الله! هذا ابن نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة، بِئْسَ ما خلّفتموه في ذُرّيته، والله، لو خلّف فينا موسى بن عمران سبطاً من صلبه لكنّا نعبده من دون الله(١) ، وأنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالأمس، فوثبتم على ابن نبيّكم فقتلتموه، سوأةً لكم من أُمّة.

قال: فأمر يزيد بكرة في حلقه(٢) ، فقام الحبر وهو يقول: إن شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو فذروني، فإنّي أجد في التوراة أنّه مَن قتل ذُرّية نبيّ لا يزال مغلوباً(٣) أبداً ما بقي، فإذا مات يصليه الله نار جهنّم )(٤) .

وروى ابن عبد ربّه، عن أبي الأسود محمّد بن عبد الرحمان أنّه قال: ( لقيت رأس الجالوت(٥) ، فقال:

إنّ بيني وبين داود سبعين أباً، وإنّ اليهود إذا رأوني عظّموني وعرفوا حقّي وأوجبوا حفظي، وأنّه ليس بينكم وبين نبيّكم إلاّ أب واحد، وقتلتم ابنه )(٦) .

قال الخوارزمي: ( قال بعض العلماء: إنّ اليهود حرَّموا الشجرة التي كان منها

____________________

(١) لظننّا أنّا كنّا نعبده من دون الله / تسلية المجالس، وقريب منه في الخوارزمي.

(٢) فأمر يزيد به فوجئ بحلقه ثلاثاً/ الخوارزمي.

(٣) ملعوناً/ الخوارزمي - تسلية المجالس - البحار.

(٤) الفتوح ٢/ ١٨٥. وأورد نحوه: مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٩ بتفاوت يسير جدّاً.

(٥) بن يهوذا/ مُثير الأحزان.

(٦) العقد الفريد ٥/ ١٣٢. ونحوه في الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٧، ح٣٠٦)؛ تذكرة الخواص: ٢٦٣؛ مُثير الأحزان: ١٠٣ الملهوف: ٢٢٠ وغيرهم بتفاوت يسير.

١٨٥

عصا موسى أن يخبطوا بها وأن يوقدوا منها النار؛ تعظيماً لعصا موسى، وأنّ النصارى يسجدون للصليب؛ لاعتقادهم فيه أنّه من جنس العود الذي صُلِب عليه عيسى، وأنّ المجوس يُعظّمون النار؛ لاعتقادهم فيها أنّها صارت برداً وسلاماً على إبراهيم نفسها، وهذه الأُمّة قد قتلت أبناء نبيّها، وقد أوصى الله تعالى بمودّتهم وموالاتهم، فقال عزّ مِن قائل:( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) (١) )(٢) .

رسول ملك الروم في مجلس يزيد:

روى سبط ابن الجوزي، عن عبيد بن عمير، قال: ( كان رسول قيصر حاضراً عند يزيد، فقال ليزيد: هذا رأس مَن؟ فقال: رأس الحسين. قال: ومَن الحسين؟ قال: ابن فاطمة. قال: ومَن فاطمة؟ قال: بنت محمّد. قال: نبيّكم؟ قال: نعم. قال: ومَن أبوه؟ قال: عليّ بن أبي طالب. قال: ومَن عليّ بن أبي طالب؟ قال: ابن عمّ نبيّنا.

فقال: تبّاً لكم ولدينكم!! ما أنتم - وحقِّ المسيح - على شيء، إنّ عندنا في بعض الجزائر دَيْر فيه حافر حمار ركبه عيسى السيّد المسيح، ونحن نحجّ إليه في كلّ عام من الأقطار، وننذر له النذور، ونُعظّمه كما تُعظّمون كعبتكم، فأشهد أنّكم على باطل، ثمّ قام ولم يعد إليه )(٣) .

وروى ذلك الخوارزمي بتفصيل أكثر، وهو ما أورده بإسناده عن زيد بن علي، ومحمّد بن الحنفية، عن عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام أنّه قال:( لما أُتي برأس الحسين عليه‌السلام إلى يزيد كان يتُخذ مجالس الشرب، ويأتي برأس الحسين، فيضعه بين يديه ويشرب عليه، فحضر ذات يوم أحد مجالسه

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١٠١.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٣.

١٨٦

رسول ملك الروم - وكان من أشراف الروم وعظمائها - فقال: يا ملك العرب، رأس مَنْ هذا ؟

فقال له يزيد: مالكَ ولهذا الرأس؟!

قال: إنّي إذا رجعت إلى مَلِكِنا يسألني عن كلّ شيء رأيته، فأحببت أن أُخبره بقصّة هذا الرأس وصاحبه ليُشاركك في الفرح والسرور.

فقال يزيد: هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب.

فقال: ومَن أُمّه؟

قال: فاطمة الزهراء.

قال: بنت مَن؟

قال: بنت رسول الله.

فقال الرسول: أُفٍّ لك ولدينك!! وما دين (إلاّ) أحسن من دينك! اعلم أنّي من أحفاد داود، وبيني وبينه آباء كثيرة، والنصارى يُعظّمونني ويأخذون التراب من تحت قدمي تبرُّكاً؛ لأنّي من أحفاد داود، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله، وما بينه وبين رسول الله إلاّ أُمّ واحدة، فأيّ دين هذا؟!

ثمّ قال له الرسول: يا يزيد، هل سمعت بحديث كنيسة الحافر؟!

فقال يزيد: قل حتّى أسمع.

فقال: إنّ بين عمّان والصين بحراً مسيرته سنة، ليس فيه عمران إلاّ بلدة واحدة في وسط الماء، طولها ثمانون فرسخاً وعرضها كذلك، وما على وجه الأرض بلدة أكبر منها، ومنها يُحمل الكافور والياقوت والعنبر، وأشجارهم العود، وهي في أيدي النصارى، لا مُلْكَ لأحد فيها من الملوك، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة، أعظمها كنيسة الحافر، في محرابها حقّة من ذهب مُعلّقة، فيها حافر يقولون: إنّه حافر حمار كان يركبه عيسى، وقد زُيِّنت حوالي الحقّة بالذهب والجواهر والديباج والإبريسم، وفي كلّ عام يقصدها عالم من النصارى، فيطوفون حول

١٨٧

الحقّة، ويزورونها ويقبّلونها، ويرفعون حوائجهم إلى الله ببركتها، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أنّه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيّهم، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيّكم! لا بارك الله فيكم ولا في دينكم .

فقال يزيد لأصحابه: اقتلوا هذا النصراني؛ فإنّه يفضحنا إن رجع إلى بلده ويُشنّع علينا.

فلما أحسّ النصراني بالقتل قال: يا يزيد، أتُريد قتلي؟!

قال: نعم.

قال: فاعلم أنّي رأيت البارحة نبيّكم في منامي وهو يقول لي: يا نصراني، أنت من أهل الجنّة! فعجبت من كلامه حتّى نالني هذا، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ أخذ الرأس وضمّه إليه، وجعل يبكي حتّى قُتل ) (١) .

ثمّ قال الخوارزمي: (وروى مجد الأئمّة السرخسكي، عن أبي عبد الله الحدّاد أنّ النصراني اخترط سيفاً وحمل على يزيد ليضربه، فحال الخدم بينهما وقتلوه، وهو يقول: الشهادة الشهادة! )(٢) .

ولنِعْمَ ما أورده ابن شهر آشوب عن بعض شعراء أهل البيتعليهم‌السلام :

وا خـجلةَ الإسـلام من أضداده

ظـفروا لـه بـمعائب ومـعاثر

آل الـعُزير يُـعظّمون حـماره

ويـرون فـوزاً لـثْمَهم بالحافر

وسـيوفكم بـدم ابـن بنت نبيّكم

مخضوبة لرضى يزيد الفاجر(٣)

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢. ونحوه في: مُثير الأحزان: ١٠٣؛ الملهوف: ٢٢١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٧؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٩؛ عوالم العلوم ١٧/ ٤١٨. بتفاوت يسير.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢.

(٣) المناقب ٤/ ١٢٣.

١٨٨

دور الإمام زين العابدينعليه‌السلام في الشام:

هناك مسؤولية كبيرة يتحمّل أثقالها ويحمل أعباءها حجّة الله على أرضه، الإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ؛ إذ يرى نفسه أمام حُكّام فجرة وأُناسٍ جهلة، وعليه أن يؤدّي رسالة دم شهداء كربلاء، وعلى رأسهم أبيه سيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام .

زينب الكبرى تُعرِّف قائد المسيرة:

ذكرنا أنّ زينب الكبرى (سلام الله عليها) حينما واجهها يزيد وسألها بقوله: ( تُكلّميني؟ ) أشارت إلى ابن أخيها الإمام السجّادعليه‌السلام وقالت: ( هو المتكلِّم(١) )، أرادت بذلك أن تُعرِّف قائد المسيرة المظفّرة.

السجّادعليه‌السلام يعرّف أهل البيت من خلال القرآن!

لقد مضت فترة طويلة من الزمان، وكتابة أحاديث فضل أهل البيت ونشرها ممنوعة - فكيف بفهمها واستيعابها؟! - فقد مُنع من تدوين الأحاديث بعد رحيل الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بذريعة عدم التهاء الناس به عن القرآن!

وأعجب من ذلك أنّه منعت الحكومات عن فهم القرآن! وأصرّت على قراءة ظاهر آياته، دون السؤال عن تأويلها! كما منع معاويةُ ابنَ عبّاس عن ذلك(٢) .

وهكذا كان على الإمامعليه‌السلام أن ينتهز كلّ فرصة لبثّ الروح في أجساد هذه الأُمّة الميّتة، ويُرشدهم إلى حقائق القرآن الكريم، ويهديهم إلى معرفة المقصود منه.

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

(٢) أُنظر الاحتجاج ٢/ ٨٢.

١٨٩

ومن هذا المنطلق، نرى الإمامعليه‌السلام يستدلّ بآيات شريفة نزلت في شأن أهل البيتعليهم‌السلام ؛ حتّى يُعرِّف الناس واقع الأمر، مثل ما ذكرناه حول مُحادثة الإمامعليه‌السلام مع الرجل الشامي، واستدلالهعليه‌السلام بهذه الآيات الشريفة:

( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) .

( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ... ) .

( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى... ) .

( ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

خُطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

لم يكتفِ الإمامعليه‌السلام بذكر آيات شريفة منطبقة على أهل البيتعليهم‌السلام ، بل وقف موقفاً حازماً أمام الطاغية، وواجهه بكلّ صلابة، وكلّمه بكلّ شجاعة، ولم يكتفِ بذلك أيضاً، بل أخذ بزمام الكلام، وخاطب الجمهور، وكشف القناع عمّا سُتر فترةً طويلةً، وذلك بعدما قام الخطيب الشامي وتكلّم بما اشترى به رضى المخلوق بسخط الخالق.

قال الخوارزمي:

( وروي أنّ يزيد أمر بمنبر وخطيب ليذكر للناس مساوئ للحسين وأبيه عليّعليهما‌السلام (٢) ، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأكثر الوقيعة في عليّ

____________________

(١) انظر ص٨٨ - ٨٩ من هذا الكتاب.

(٢) في الفتوح (٢/ ١٨٥): ثمّ دعا يزيد بالخاطب وأمر بالمنبر فأُحضر، ثمّ أمر بالخاطب فقال: اصعد المنبر فخبِّر الناس بمساوئ الحسين وعليّ وما فعلا.

١٩٠

والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد، فصاح به عليّ بن الحسين:

( ويلك أيُّها الخاطب! اشتريت رضى (١) المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ (٢) مقعدك من النار ) .

ثمّ قال:( يا يزيد، ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد، فأتكلّم بكلمات (٣) فيهنّ لله رضى ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب ) .

فأبى يزيد، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، ائذن له ليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئاً. فقال لهم: إن صعد(٤) المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان(٥) .

____________________

وفي المناقب (٤/ ١٦٨) وكتاب الأحمر: قال الأوزاعي: لما أُتي بعليّ بن الحسين ورأس أبيه إلى يزيد بالشام قال لخطيب بليغ: خُذْ بيد هذا الغلام فائت به إلى المنبر، وأخبِر الناس بسوء رأي أبيه وجدّه، وفراقهم الحقّ وبغيهم علينا!

قال: فلم يدعْ شيئاً من المساوئ إلاّ ذكره فيهم، فلما نزل قام عليّ بن الحسين فحمد الله...

(١) في الفتوح: مرضاة.

(٢) في الفتوح: فانظر.

(٣) في الفتوح: بكلام فيه رضىً الله ورضى هؤلاء الجلساء وأجر وثواب.

(٤) في الفتوح: إنّه إن صعد.

(٥) ذكر الطبرسي ما يُشابه ذلك في حقّ سيّد الشهداءعليه‌السلام زمن حكومة معاوية، فإنّه روى عن موسى بن عقبة أنّه قال: لقد قيل لمعاوية: إنّ الناس قد رموا بأبصارهم إلى الحسينعليه‌السلام ، فلو قد أمرته يصعد المنبر فيخُطب، فإنّ فيه حصراً وفي لسانه كلالة.

فقال لهم معاوية: قد ظننّا ذلك بالحسن، فلم يزل حتّى عظم في أعين الناس وفضحنا.

فلم يزالوا به حتّى قال للحسين: يا أبا عبد الله، لو صعدت المنبر فخطبت، فصعد الحسينعليه‌السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمع رجلاً يقول: مَن هذا الذي يخطب؟ فقال الحسينعليه‌السلام :( نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأقربون، وأهل بيته الطيّبون، وأحد

١٩١

فقالوا: وما قَدر ما يُحسن هذا؟

فقال: إنّه من أهل بيت قد زُقّوا العلم زقّاً(١) .

ولم يزالوا به حتّى أذِن له بالصعود، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه(٢) ، ثمّ خطب خُطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، فقال فيها:

( أيّها الناس، أُعطينا ستّاً وفُضّلنا بسبع، أُعطينا العلم، والحِلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين. وفضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنّا الصدِّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد الله وأسد الرسول، ومنّا سيّدة نساء العالمين

الثقلين اللذين جعلنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوَّل علينا في تفسيره، لا يبطئنا تأويله، بل نتّبع حقايقه، فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مفروضة؛ إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله عزّ وجلّ:( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ... ) (النساء: ٥٩)، وقال: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (النساء: ٨٣)، وأُحذِّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم، فإنّه لكم عدوّ مُبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: ( ... لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ... ) (الأنفال: ٤٨) فتُلقَون للسيوف ضرباً، وللرماح ورداً، وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً، ثمّ لا يُقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ).

قال معاوية: حسبُك يا أبا عبد الله، فقد أبلغت! (الاحتجاج ٢/ ٩٤)

____________________

(١) في الفتوح: إنّه من نسل قوم قد رزقوا العلم رزقاً حسناً.

(٢) في المناقب: فلما نزل قام عليّ بن الحسين، فحمد الله بمحامد شريفة وصلّى على النبيّ صلاة بليغة موجزة.

١٩٢

فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الأُمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة (١) .

فمَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني (٢) أنبأته بحسبي ونسبي (٣) .

أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم (٤) والصفا (٥) ،أنا ابن مَن حمل الزكاة (٦) بأطراف الرداء، أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى، أنا ابن خير مَن انتعل واحتفى، أنا ابن خير مَن طاف وسعى (٧) ، (أنا) ابن خير مَن حجّ ولبّى، أنا ابن مَن حُمل على البراق (٨) في الهواء، أنا ابن مَن أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان مَن أسرى! أنا ابن مَن بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى، أنا

____________________

(١) ههنا في الفتوح والاحتجاج والبحار: أيُّها الناس.. وفي المناقب: يا معشر الناس.

(٢) بعده في الاحتجاج والمناقب: فأنا أُعرّفه بنفسي.

(٣) في الفتوح، بعده: أيُّها الناس.

(٤) في المناقب: مروة؛ في الاحتجاج: المروة.

(٥) ههنا في الاحتجاج توجد عبارة:أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن مَن علا فاستعلى، فجاوز سدرة المنتهى، وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.

وفي المناقب:أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن مَن لا يخفى، أنا ابن مَن علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى وكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى، أنا ابن مَن أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن عليّ المرتضى...

(٦) في البحار: الركن.

(٧) في الفتوح: أنا ابن خير مَن حجّ وطاف وسعى ولبّى.

(٨) في الفتوح: أنا ابن خير مَن حمل البراق.

١٩٣

ابن مَن دنا فتدلّى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السماء، أنا ابن مَن أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى .

أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن مَن ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا: لا إله إلاّ الله، أنا ابن مَن ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلّى القبلتين، وقاتل ببدرٍ وحُنين، ولم يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين [و] (١) رسول ربّ العالمين، أنا ابن المؤيّد بجبرائيل، والمنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر مَن مشى من قريش أجمعين، وأوّل مَن أجاب واستجاب لله (٢) من المؤمنين، وأقدم السابقين (٣) ، وقاصم المعتدين، ومُبير (٤) المشركين، وسهم من مرامي

____________________

(١) ليس في البحار، وهو الأنسب، وعلى فرض وجوده فـ (رسول) معطوف على كلمة ياسين.

(٢) في البحار: ولرسوله.

(٣) في البحار: وأوّل السابقين.

(٤) في البحار: مُبيد.

١٩٤

الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، ناصر (١) دين الله، ووليّ أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علم الله (٢) ، سمح سخيّ (٣) ، بهلول زكيّ أبطحيّ، رضيّ مرضيّ، مقدام هُمام، صابر صوّام، مُهذّب قوّام، شجاع قمقام، قاطع الأصلاب، ومفرّق الأحزاب، أربطهم جناناً، وأطبقهم عناناً، وأجرأهم لساناً، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسد باسل، وغيث هاطل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة وقربت الأعنّة، طحن الرحى (٤) ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، وصاحب الإعجاز، وكبش العراق، الإمام بالنصّ والاستحقاق، مكّيّ مدنيّ، أبطحيّ تُهاميّ، خيفيّ عقبيّ، بدريّ أُحُديّ، شجريّ مُهاجريّ، من العرب سيّدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين، مُظهِر العجائب، ومُفرّق الكتائب، والشهاب الثاقب، والنور العاقب، أسد الله الغالب، مطلوب كلّ طالب، غالب كلّ غالب، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب (٥) .

أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن الطهر

____________________

(١) في البحار: وناصر.

(٢) في البحار: علمه.

(٣) ههنا في البحار، عبارة (بهيّ) أيضاً.

(٤) في البحار: طحن مرحا.

(٥) في البحار: ثمّ قال.

١٩٥

البتول، أنا ابن بضعة الرسول... ) (١) .

قال: ولم يزل يقول: (أنا، أنا) حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة(٢) ، فأمر المؤذّن أن يؤذِّن، فقطع عليه الكلام وسكت(٣) .

فلما قال المؤذِّن(٤) : (الله أكبر)(٥) قال عليّ بن الحسين:( كبّرت كبيراً لا يُقاس ولا يُدرك بالحواس، لا شيء أكبر من الله ) .

فلما قال: (أشهد أن لا إله إلاّ الله) قال عليّ:

____________________

(١) هذا الفقرة في المناقب هكذا:( أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتّى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن مَن ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء، أنا ابن مَن رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن مَن حرمه من العراق إلى الشام تُسبى، أيّها الناس، إنّ الله - تعالى وله الحمد - ابتلانا أهل البيت ببلاءٍ حَسن؛ حيث جعل راية الهُدى والعدل والتُّقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا، فُضِّلنا أهل البيت بستّ خصال، فضّلنا بالعلم، والحِلم، والشجاعة، والسماحة، والمحبّة والمحلّة في قلوب المؤمنين، وآتانا ما لم يؤتَ أحداً من العالمين من قبلنا، فينا مختلف الملائكة وتنزيل الكتب ) .

(٢) في الاحتجاج: فضجّ أهل الشام بالبكاء، حتّى خشي يزيد أن يؤخذ من مقعده، فقال للمؤذّن: أذِّن.

(٣) الفقرة في الفتوح هكذا: فلم يزل يُعيد ذلك حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة فأمر المؤذِّن فقال: اقطع عنّا هذا الكلام.

(٤) في المناقب: (.. فلم يفرغ حتّى قال المؤذِّن: (الله أكبر)، فقال عليعليه‌السلام :( الله أكبر كبيراً ) ، فقال المؤذِّن: أشهد أن لا إله إلاّ الله، فقال علي بن الحسين:( شَهِد بها شعري... ) ، فلما قال المؤذِّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، قال علي:( يا يزيد، هذا جدّي أو جدّك؟! فإن قلت: جدّك، فقد كذبت. وإن قلت: جدّي، فلِمَ قتلت أبي وسبيت حرمه وسبيتني؟! ) .

ثمّ قال:( معاشر الناس، هل فيكم مَن أبوه وجدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ) . فعَلَتْ الأصوات بالبكاء، فقام إليه رجل يُقال له: المنهال بن عمرو الطائي، وفي رواية مكحول...

(٥) في الاحتجاج: فلما قال المؤذِّن: (الله أكبر) جلس عليّ بن الحسين على المنبر.

١٩٦

شهد بها (١) شعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعظمي ) .

فلما قال: ( أشهد أنّ محمّداً رسول الله ) التفت عليّ(٢) من أعلى المنبر إلى يزيد وقال:( يا يزيد، محمّد هذا جدّي أم جدّك؟! فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت (٣) ،وإن قلت (٤) : إنّه جدّي. فلِمَ قتلت عترته؟! ) .

قال: وفرغ المؤذِّن من الأذان والإقامة، فتقدّم يزيد(٥) وصلّى صلاة الظهر(٦) .

روى الخُطبة أرباب السير والتاريخ، فمنهم مَن ذكرها تفصيلاً كابن أعثم(٧) ، والخوارزمي(٨) ، ومحمّد بن أبي طالب(٩) ، ومنهم مَن ذكر معظمها كابن شهر آشوب(١٠) ، والمجلسي(١١) ، ومنهم مَن ذكر بعضها مثل أبي الفرج الأصفهاني(١٢) ، ومنهم مَن أشار إليها واكتفى بذكر مقدّماتها، مثل ابن نما والسيّد ابن طاووس(١٣) .

____________________

(١) في الفتوح: يشهد بها.

(٢) في الفتوح والبحار: التفت علي بن الحسين من فوق المنبر إلى يزيد.

(٣) في البحار هنا عبارة (وكفرت) أيضاً.

(٤) في البحار: وإن زعمت.

(٥) في الفتوح: تقدّم يزيد يُصلّي بالناس صلاة الظهر، فلما فرغ من صلاته أمر بعليّ بن الحسين وأخواته وعمّاته رضوان الله عليهم، ففرّغ لهم داراً فنزلوها، وأقاموا أيّاماً يبكون وينوحون على الحسين (رضي الله عنه).

(٦) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٩/ ٧١.

(٧) الفتوح ٢/ ١٨٥.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٩.

(٩) تسلية المجالس ٢/ ٣٩١. عن صاحب المناقب (بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٧)، وغيرهم.

(١٠) المناقب ٤/ ١٦٨. (الاحتجاج ٢/ ١٣٢ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦١ ح٦).

(١١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦١ ح٦.

(١٢) مقاتل الطالبيين: ١٢١.

(١٣) مُثير الأحزان: ١٠٢؛ الملهوف: ١٩.

١٩٧

نظرة خاطفة في الخُطبة وصداها:

لقد اقتصر الإمام السجّادعليه‌السلام في هذه الخُطبة على التعريف بأُسرته ونفسه، ولم يتعرّض لشيء آخر - فيما وصل إلينا من خُطبته الشريفة - ولعلّ السرّ في ذلك؛ أنّه لما كان يعلم أنّ المجتمع الشامي لا يعرف عن أهل البيت ومنزلتهم الرفيعة شيئاً؛ لكونه تربّى في أحضان سلطة الطغاة من بني أُميّة التي أخفت عنهم الحقائق وغذّتهم بالولاء لأبناء الشجرة الملعونة - بني أُميّة - والحقد على آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اكتفىعليه‌السلام بذلك.

ومن هذا المنطلق؛ نرى أنّ الإمامعليه‌السلام يُعالج المسألة عاطفيّاً؛ لأنّ تأثيره - في هذه المرحلة - أكثر من أيّ أداة، ومضمون الخطبة يُرشدنا إلى أنّ المخاطَبين كانوا من جمهور الناس، لا الأشراف والأعيان منهم فحسب، فجوّ المجلس يختلف عن جوّ مجلس يزيد العامّ، الذي كان محشوّاً بالأعيان والأشراف، وكبار رجال أهل الكتاب، وبعض مُمثّلي الدول الكبار آنذاك(١) .

فلذلك نرى أنّ الإمام يُعدّد مزايا آل البيتعليهم‌السلام ، ويخصّ بالذكر رجالاً منهم ليس لهم بديل ولا نظير، فيقول: بأنّ مناّ النبيّ المختار، ومنّا الصدِّيق - يعني عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام -، ومنّا الطيّار - يقصد جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام -، ومنّا أسد الله وأسد الرسول - يريد حمزة سيّد الشهداءعليه‌السلام -، ومنّا سيّدة نساء العالمين - أي فاطمة البتولعليها‌السلام -، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة - الحسنينعليهما‌السلام -، دون أن يُصرّح في البداية بالمقصود ممّن يذكرهم بهذه الأوصاف مثل الصدِّيق، وسيّدي شباب أهل الجنّة و...، حتّى يذكر أوصافاً مُتعدّدة لهم، تكشف عن بعض زوايا حياتهم وفضائلهم؛ ليكون أوقع بالنفوس، كما كان ذلك بالفعل.

____________________

(١) وهذا يؤيّد أنّها أُلقيت في المسجد لا المجلس، انظر: بحار الأنوار ٤٥/ ١٦١.

١٩٨

وبعد ذلك يذكر الإمام أصله وجذره نسباً وموطناً؛ حتّى يعلم الجميع أنّه فرع الشجرة النبويّة، والثمرة العلويّة، والجوهرة الفاطمية، واللؤلؤة الحسينيّة، ومن قلب مكّة والمدينة، فكيف شوّهت السلطة الباغية والحكومة الطاغية الواقع على الناس، وأذاعت الكذب، وعرّفتهم للأمّة بأنّهم الخوارج على أمير المؤمنين يزيد!

إنّ الإمامعليه‌السلام بعد تبيينه مُختصّات جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الوحي والمعراج و... يقوم ببيان خصائص جدّه المظلوم، أسد الله الغالب الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، والمجتمع الشامي يسمع أوصافاً له يسمعها أوّل مرّة؛ فهو الذي ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلّى القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين... وارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين... وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين... المؤيَّد بجبرائيل، والمنصور بميكائيل... قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين...

ثمّ يذكر بعض خصائص جدّته الصدِّيقة الكبرى، الإنسيّة الحوراء فاطمة الزهراءعليها‌السلام حتى يصل إلى قمّة كلامه بقوله:( أنا ابن المقتول ظلماً... ) يقول ذلك والظالم - يزيد - جالس بين يديه في المجلس. ويُشير إلى بعض مأساة كربلاء فيقول:( أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتّى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ) .

وبذلك عرَّف الناس أنّ والده الحسين قد قُتِل مظلوماً، عطشاناً، واحتُزّ رأسه الشريف من القفا، وطُرِح جسمه الطاهر بكربلاء، وسُلب عمامته ورداؤه.

فانقلب المجلس - وذلك تبعاً لانقلاب العالم - لقتل الحسينعليه‌السلام ! كيف لا، وقد قال الإمامعليه‌السلام :( أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن مَن ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء... ) .

١٩٩

هذا ما جرى في كربلاء، وهذا ما وقع في الكون بقتل الحسينعليه‌السلام ، وأمّا الشيء الموجود حالياً بالشام، الذي لابدّ أن يلتفت إليه هذا الجمهور الغافل الضائع، فهو أنّ جسم الحسينعليه‌السلام الطاهر، وإن كان في كربلاء، ولكنّ رأسه الشريف وحرمه موجودان بالشام وبين أيديهم، ونبّههم الإمام على ذلك بقوله:( أنا ابن مَن رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن مَن حرمه من العراق إلى الشام تُسبى... ) .

ولم يجد الطاغي ابن الباغي يزيد بن معاوية مفرّاً، إلاّ أن يلتجئ إلى المؤذِّن بذريعة الأذان، وقد كان يعلم في البداية أنّ الإمامعليه‌السلام لو صعد المنبر يقلب الوضع عليه، وقد صرّح بأنّه لو صعد المنبر لم ينزل إلاّ بفضيحته وفضيحة آل أبي سفيان، وأنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّاً، ولكنّ إصرار الناس غلبه على أمره، وأظنُّ أنّه ما كان يعلم أنّه ينقلب الأمر عليه إلى هذه الدرجة، وإلاّ لما كان يرضى بذلك، وإن بلغ ما بلغ، وإنّما رضي بذلك خوفاً من الناس وفراراً من حفيرة، ولكنّه وقع في بئر حفره سوء عمله وخبث ضميره، وأوجبه كلام حقٍّ، صدر من قلبٍ طاهر على لسانٍ صادق.

نعم، إنّ يزيد لم يتمكّن أن يقطع كلام الإمام إلاّ بالأذان، كما أنّ أباه - معاوية - لم يتمكّن أن يهرب من سيف جدّه - عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - إلاّ برفعه المصاحف! ولكنّ الإمام واجه هذه الخدعة ببيان حقيقة الربوبيّة وواقع التوحيد ولُبّ الرسالة، وواجه الطاغية يزيد بكلامه:( يا يزيد، محمّد هذا جدّي أم جدّك؟! فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت، وإن قلت: إنّه جدّي. فلِمَ قتلت عترته؟! ) .

فطرح أمامه سؤالاً لم يَحِرْ يزيد جواباً له، وهو أنّ هذا محمّداً رسول الله الذي تشهد برسالته - فيما تزعم - وتترأس رئاسة أُمّته، وتدّعي خلافته - ظلماً وزوراً - فهل هو جدّك أم جدّي؟! إذا كنت تدّعي أنّه جدّك فهذا كذب واضح، فالجميع

٢٠٠

يعلم أنّك فرع الشجرة الملعونة، وإذا قلت: إنّه جدّي. فلماذا قتلت عترته وسبطه، وسبيت أهله؟!

قال بعض المؤرِّخين: لقد أثّر خطاب الإمام تأثيراً بالغاً في أوساط المجتمع الشامي؛ فقد جعل بعضهم ينظر إلى بعض ويُسِرُّ بعضهم إلى بعض بما آلوا إليه من الخيبة والخسران، حتّى تغيَّرت أحوالهم مع يزيد(١) ، وأخذوا ينظرون إليه نظرة احتقار وازدراء.

الإمامعليه‌السلام مع مكحول صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ذكر الطبرسي - بعد نقله خُطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام - قال: ( فنزل - أي نزل عليّ بن الحسينعليه‌السلام عن المنبر - فأخذ ناحية باب المسجد، فلقيه مكحول(٢) صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟ قال:

____________________

(١) جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: ١٢٨ - على ما في ( حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ) ٣/ ٣٨٨.

(٢) هو - على ما ذكره المزّي -: مكحول الشامي أبو عبد الله، ويُقال: أبو أيّوب، ويُقال: أبو مسلم، والمحفوظ أبو عبد الله الدمشقي الفقيه، وكانت داره بدمشق عند طرف سوق الأحد... وقال محمد بن المنذر الهري: إنّ أصله من هرات... وذكره محمّد بن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام... وقال: محمّد بن عبد الله بن عمّار الموصلي: مكحول إمام أهل الشام... وعن الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيّب بالمدينة، وعامر الشعبي بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام. (تهذيب الكمال ٢٨/ ٤٦٤).

وقال المامقاني: مكحول غير مذكور في كُتب رجالنا، وإنّما عدّه أبو موسى من الصحابة، واصفاً له بمولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج أنّه كان من المبغضين لأمير المؤمنينعليه‌السلام . (تنقيح المقال ٣/ ٢٤٦ رقم ١٢١٠٨).

وقال المحدّث القمّي: مكحول من علماء التابعين بالشام... وعدّه ابن أبي الحديد من المبغضين لعلي... وفي كتاب الاختصاص، عن سعيد بن عبد العزيز أنّه قال: كان الغالب على مكحول عداوة علي بن أبي طالب، وكان إذا ذكر عليّاً لا يُسمّيه ويقول: أبو زينب. (مُستدرك سفينة البحار ٩/ ٧٢).

٢٠١

( أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يُذبّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وفي ذلكم بلاء من ربّكم عظيم ) (١) .

زين العابدينعليه‌السلام مع منهال (٢) :

روى المحدّث الجليل عليّ بن إبراهيم القمّي، بإسناده عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:( لقي المنهال بن عمر [ عليّ (٣) ] بن الحسين بن عليّ عليهم‌السلام ، فقال له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟

قال: ويحك! أما آن لك أن تعلم كيف أصحبت؟! أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يُذبِّحون أبناءنا، ويستحيون نساءنا (٤) ،وأصبح خير البريّة بعد محمّد يُلعَن على المنابر، وأصبح عدوّنا يُعطى المال والشرف، وأصبح مَن يُحبّنا محقوراً منقوصاً حقّه، وكذلك لم يزل المؤمنون، وأصبحت العَجم تعرف للعرب حقّها بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت

____________________

(١) الاحتجاج ٢/ ١٣٤ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

(٢) هو المنهال بن عمرو الأسدي، عدّه الشيخ بهذا العنوان تارة في أصحاب الحسينعليه‌السلام ، وعدّه في أصحاب الصادقعليه‌السلام أيضاً قائلاً: المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم كوفي، روى عن عليّ بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد اللهعليهم‌السلام ، وعدّه البرقي في أصحاب عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، روى عن الأصبغ، وروى عنه علي بن عبّاس... كذا في مُعجم رجال الحديث ٢٠/ ١٠ رقم ١٢٧٢٥.

(٣) سقط في النسخة المطبوعة، وذكره المجلسي عنه عن الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

(٤) إشارة إلى الآية الشريفة:( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (القصص: ٤).

٢٠٢

قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقّها بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحنا أهل البيت لا يُعرف لنا حقّ، فكهذا أصبحنا يا منهال ) )(١) .

وقال ابن أعثم الكوفي: وخرج عليّ بن الحسين ذات يوم، فجعل يمشي في أسواق دمشق، فاستقبله المنهال بن عمرو الطائي، فقال له: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟

قال:( أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون، يُذبِّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، يا منهال، أمست العرب تفتخر على العَجم بأنّ محمّداً عربيٌّ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منهم، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون، مقهورون منقتلون، مثبورون مطرودون، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال ) (٢) .

ذكر هذه المحادثة عدّة من أرباب الأخبار والسير بتفاوت يسير، منهم المحدّث الجليل فرات الكوفي(٣) ، وأبو جعفر الكوفي(٤) ، والخوارزمي(٥) ، وابن نما(٦) ، وابن شهر آشوب(٧) ، وابن طاووس(٨) ، وابن عساكر(٩)

____________________

(١) تفسير القمّي ٢/ ١٣٤ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٨٤.

(٢) الفتوح ٢/ ١٨٧.

(٣) تفسير فرات الكوفي: ١٤٩، ح١٨٧.

(٤) المناقب: ١٣٨.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١.

(٦) مُثير الأحزان: ١٠٥.

(٧) المناقب ٤/ ١٦٩.

(٨) الملهوف: ٢٢٢.

(٩) مختصر تاريخ دمشق ١٧/ ٢٤٤.

٢٠٣

مُلاحظة:

ذكر ابن شهر آشوب ما جرى بين الإمام السجّادعليه‌السلام وكلام السائل، على نحو ما أورده فرات الكوفي في تفسيره، إلاّ أنّه قال في بدايته: ( فقام إليه رجل من شيعته، يُقال له: المنهال بن عمرو الطائي. وفي رواية: مكحول صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(١) .

ولكنّ الظاهر تكرّر الواقعة والمحادثة لا وحدتها، خاصّة وأنّ المروي كون مُحادثة مكحول عند ناحية المسجد، ومكالمة منهال في سوق دمشق، وليس بغريب أن يتكرّر ويتقارب جواب في سؤال واحد.

وكيف كان، فالإمام يتأوّه ويسترجع على ما رأى بأُمّ عينيه من المصائب والمآسي، التي لم يتحمّلها أحدٌ من الناس.

قال ابن نما: ولله درّ مهيار(٢) بقوله في العترة الطاهرة:

يُعظِّمون له أعواد منبره

وتحت أرجلهم أولاده وضعوا

بأيّ حُكم بَنُوه يتبعونكم

وفخركم أنّكم صحبٌ له تبع(٣)

مع الرأي العام المضلَّل... مرّة أُخرى!

لقد اهتمّ الإمامعليه‌السلام بمسألة تنوير الأفكار وكشف الحقائق أكثر من أيّ شيء،

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٧.

(٢) مهيار بن مرزويه، أبو الحسن أو أبو الحسين الديلمي، شاعر كبير، في معانيه ابتكار، وفي أسلوبه قوّة، قال الحرّ العاملي: جمع مهيار بين فصاحة العرب ومعاني العَجم، وقال الزبيدي: شاعر زمانه. فارسي الأصل، من أهل بغداد، أسلم على يد الشريف الرضيّ، وهو شيخه وعليه تخرّج في الشعر والأدب... توفّي في بغداد سنة ٤٢٨هـ (الأعلام ٧/ ٣١٧، وذَكر من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد ١٣/ ٢٧٦؛ المنتظم ٨/ ٩٤؛ البداية والنهاية ١٢/ ٤١؛ ابن خلكان ٢/ ١٤٩).

(٣) مُثير الأحزان: ١٠٦؛ الملهوف: ٢٢٣.

٢٠٤

ولقد ذكرنا شيئاً من كلامه ومُحادثاته، وخُطبه التي تُعالج هذا الجانب.

وفيما يلي نذكر بعض الأسئلة التي طُرحت على الإمام، ونرى كيف اهتمّ الإمام بالمسألة، وذلك في ضمن أجوبته.

روى فرات بن إبراهيم الكوفي، بإسناده عن يحيى بن مساور، قال: ( أتى رجل من أهل الشام إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال له: أنت عليّ بن الحسين؟

قال:( نعم ).

قال: أبوك قتل المؤمنين!

فبكى عليّ بن الحسين، ثمّ مسح وجهه وقال:( ويلك! وبما قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين؟! ) .

قال: بقوله:( إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم على بغيهم ) .

قال:( أما تقرأ القرآن؟! ) .

قال: إنّي أقرأ.

قال:( أما سمعت قوله: ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً... وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً... وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ) (١) ؟! ) .

قال: بلى.

قال:( كان أخاهم في عشيرتهم أو في دينهم؟! ) .

قال: في عشيرتهم.

قال:( فرّجت عنّي فرّج الله عنك ) )(٢) .

وروى نحوه العيّاشي(٣) .

____________________

(١) هود: ٥٠ و٨٤ و٦١.

(٢) تفسير فرات الكوفي: ١٩٢ ح٢٤٨.

(٣) تفسير العيّاشي ٢/ ١٥٢ ح٤٣ - عنه البرهان في تفسير القرآن ٢/ ٢٢٤ بتفاوت.

٢٠٥

حبس الإمام زين العابدينعليه‌السلام !

قال المدائني: ( وموضع حبس زين العابدين هو اليوم مسجد )(١) .

أقول: لعلّه هو المسجد الواقع في جنب مقام رأس الحسينعليه‌السلام في جوار المسجد الأُموي حاليّاً.

قال ابن الحوراني: ( قال الكمال الدميري في (حياة الحيوان الكبرى): قال ابن عساكر: ومسجد عليّ بن الحسين هو زين العابدين في جامع دمشق معروف.

قلت: هو في المسجد الشرقي الشمالي، كان (رضي الله عنه) يُصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة، وهو مسجد لطيف، عليه جلالة وهيبة، يُزار ويُتبرّك به )(٢) .

وروى الشيخ الصدوق، عن فاطمة بنت عليّ (صلوات الله عليهما) قالت: ( ثمّ إنّ يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسينعليه‌السلام ، فحُبسن مع عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في محبس لا يُكنّهم من حرٍّ ولا قَرٍّ، حتّى تقشّرت وجوههم )(٣) .

مُحاولات اغتيال الإمام زين العابدينعليه‌السلام !

وزين العابدين بقيد ذلٍّ

وراموا قتله أهل الخؤونا(٤)

لقد تعرّض الإمام السجّادعليه‌السلام للقتل والاغتيال في عدّة مواطن، ولكن أبى الله ذلك؛ حفظاً لبقاء حُججه على أرضه.

فمن تلك المواطن كربلاء:

قال سبط ابن الجوزي: ( وإنّما استبقوا عليّ بن

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

(٢) الإشارات إلى أماكن الزيارات المسمّى زيارات الشام: ٢٠.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٣١، مجلس ٣١، ح٢٤٣ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٠.

(٤) من أشعار لأُمّ كلثوم بنت الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قالتها حينما توجّهت إلى المدينة، اُنظُر: بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٨.

٢٠٦

الحسين لأنّه لما قُتل أبوه كان مريضاً، فمرّ به شمر فقال: اقتلوه. ثمّ جاء عمر بن سعد، فلما رآه قال: لا تتعرّضوا لهذا الغلام، ثمّ قال لشمر: ويحك! مَن للحرم؟! )(١) .

ومنها في الكوفة:

قال الطبرسي - بعد ذكر ما جرى بين الإمامعليه‌السلام وابن زياد من الكلام -: فغضب ابن زياد وقال: ( لك جرأة على جوابي! وفيك بقيّة للردّ عليَّ؟! اذهبوا واضربوا عنقه! )، فتعلّقت به زينب...(٢) .

ومنها في الشام:

وذلك في عدّة مواقف:

منها: ما ذكره الفقيه القطب الراوندي: ( وروي أنّه لما حُمل عليّ بن الحسينعليه‌السلام إلى يزيد لعنه الله هَمَّ بضرب عنقه )(٣) .

ومنها: ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (كان عليّ بن الحسين مقيّداً مغلولاً، فقال يزيد لعنه الله: يا عليّ بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك!

فقال عليّ بن الحسين:( لعنة الله على من قتل أبي ) ). قال: ( فغضب يزيد وأمر ضرب عنقه، فقال عليّ بن الحسين:( فإذا قتلتني، فبنات رسول الله مَن يردّهم إلى منازلهم وليس لهم محرم غيري؟!... ) (٤) .

ومنها: ما رواه صاحب الاحتجاج، بعد ذكره الخطبة السجّادية ورجوع الإمام السجّادعليه‌السلام إلى المنزل، فبعده قال ليزيد:( يا يزيد، بلغني أنّك تُريد قتلي، فإن كنت لابدّ قاتلي فوجّه مع هؤلاء النسوة مَن يردّهن ) (٥) .

ومنها: ما رواه ابن شهر آشوب عن المدائني: (لما انتسب السجّاد إلى النبيّ

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٥٨.

(٢) إعلام الورى: ٢٤٧.

(٣) بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٠.

(٤) بحار الأنوار، ٤٥/ ١٦٨.

(٥) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

٢٠٧

قال يزيد لجلوازه: أدْخِله في هذا البستان واقتله وادفنه فيه. فدخل به إلى البستان، وجعل يحفر والسجّاد يصلّي، فلما همّ بقتله ضربته يد من الهواء، فخرّ لوجهه وشهق ودهش، فرآه خالد بن يزيد وليس لوجهه بقيّة، فانقلب إلى أبيه وقصّ عليه، فأمر بدفن الجلواز في الحفرة وإطلاقه، وموضع حبس زين العابدين هو اليوم مسجد )(١) .

ومنها: ما رواه المسعوديّ، بعد ذكر المحادثة بين الإمامعليه‌السلام ويزيد، قال: ( فشاور يزيد جلساءه في أمره، فأشاروا بقتله )(٢) .

ومنها: ما رواه ابن كثير بقوله: وروي أنّ يزيد استشار الناس في أمرهم، فقال رجل ممّن قبّحهم الله: ( يا أمير المؤمنين، لا يتّخذن من كلبِ سوءٍ جرواً، اقتُل عليّ بن الحسين؛ حتّى لا يبقى من ذرّية الحسين أحد )، فسكت يزيد...(٣) .

ومنها: ما رواه ابن عساكر، بإسناده عن حمزة بن زيد الحضرمي، عن ريّا حاضنة يزيد أنّها قالت: ( ولقد جاءه (أي يزيد) رجل من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) فقال له: قد أمكنك الله من عدوّ الله وابن عدوّ أبيك! فاقتل هذا الغلام ينقطع هذا النسل، فإنّك لا ترى ما تُحبّ وهم أحياء، آخر مَن يُنازَع فيه - يعني عليّ بن حسين بن علي - لقد رأيت ما لقي أبوك من أبيه، وما لقيت أنت منه، وقد رأيت ما صنع مسلم بن عقيل، فاقطع أصل هذا البيت، فإنّك إن قتلت هذا الغلام انقطع نسل الحسين خاصّة، وإلاّ فالقوم ما بقي منهم أحد طالبك بهم، وهم قوم ذو مكر، والناس إليهم مائلون، وخاصّة غوغاء أهل العراق يقولون: ابن رسول الله(صلَّى الله عليه وسلَّم)، ابن عليّ وفاطمة. اقتُله فليس هو بأكرم من صاحب هذا الرأس.

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣. ولعلّ ما ذكره صاحب الاحتجاج هو بعد حصول هذه المسألة.

(٢) إثبات الوصيّة: ١٤٥.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

٢٠٨

فقال: لا قمت ولا قعدت، فإنّك ضعيف مهين، بل أدعهم، كلّما طلع منهم طالع أخذته سيوف آل أبي سفيان!

قال: إنّي قد سمَّيت الرجل الذي من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ولكن لا أُسمّيه ولا أذكره )(١) .

تأمّل وملاحظات:

نجد في هذه الرواية موارد للتأمّل والتوقّف عليها:

١ - إصرار بالغ من رجل - قيل: إنّه صاحب رسول الله! - على قتل سبطه الوحيد المتبقّي من ذُرّيته، ولم يكتفِ بذكر اقتراحه مرّة واحدة، بل كرّره مرّة بعد أُخرى.

٢ - بطلان نظرية عدالة جميع الصحابة! فهل من العدالة أن يُصرّ رجل على قتل سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! إلاّ أن يُقال: إنّه ما أكثر هذا السنخ من الصحابة العدول في شيعة آل أبي سفيان!

٣ - اعتراف هذا الرجل العدوّ بميل الناس إلى آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث يقول: والناس إليهم مائلون، يريد بذلك أن يُحرّك يزيد على قتل الإمام.

٤ - والعَجب من راوي الخبر! أنّه يكتم اسم هذا الصحابي العدل! أيرى أنّ ذلك يوجب حفظ مكانته؟!

تجلّي مكارم الأخلاق!

روي أنّ يزيد أمر بردّ ما أُخذ من أهل البيتعليهم‌السلام ، وزاد عليه مئتي دينار، فأخذها زين العابدينعليه‌السلام ، وفرّقها على الفقراء والمساكين(٢) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠، ذيل ترجمة ريا. أُنظر: البداية والنهاية ٨/ ٢٠٤؛ تاريخ الإسلام للذهبي ٣/ ١٢؛ الجوهرة للتلمساني ٢/ ٢١٨.

(٢) الملهوف: ٢٢٤، مُثير الأحزان: ١٠٦.

٢٠٩

مأساة الشام

رأس الحسينعليه‌السلام في دمشق!

الجسم منه بكربلاء مُضرَّج

والرأس منه على القناة يُدار

إنّ للرأس الشريف دوراً هامّاً في استمرار رسالة النهضة الحسينيّة، فقد ذكرنا أنّ الرأس الشريف تلا القرآن وتكلّم في دمشق. وهذه هي من أكبر الحُجج وأحسن الأدلّة على منزلته الرفيعة، وعلوّ مقامه عند الله تبارك وتعالى.

ولم تنحصر معجزة الرأس الشريف بما ذُكر، بل هناك أُمور وشواهد أُخرى:

روى البيهقي، بإسناده عن أبي معشر قال: ( وقُتل الحسين (رضي الله عنه) وجميع مَن معه رحمهم الله، وحُمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد، فوضع بين يديه على ترس، فبعث به إلى يزيد، فأمر بغسله وجعله في حريرة وضُرِب عليه خيمة ووُكِّل به خمسين رجلاً.

فقال واحد منهم: نمت وأنا مُفكّر في يزيد وقتله الحسينعليه‌السلام ، فبينا أنا كذلك إذ رأيت سحابة خضراء، فيها نور قد أضاءت ما بين الخافقين، وسمعت صهيل الخيل ومُنادياً يُنادي:( يا أحمد، اهبط ) . فهبط رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) ومعه جماعة من الأنبياء والملائكة، فدخل الخيمة، وأخذ الرأس، فجعل يُقبِّله ويبكي ويضمّه إلى صدره، ثمّ التفت إلى مَن معه، فقال:( انظروا إلى ما كان من أُمّتي في ولدي، ما بالهم لم يحفظوا فيه وصيّتي، ولم يعرفوا حقّي؟! لا أنالهم الله شفاعتي ) .

قال: وإذا بعدّة من الملائكة يقولون:( يا محمّد، الله تبارك وتعالى يُقرئك السلام، وقد أمرنا بأن نسمع لك ونُطيع، فمُرْنا أن نقلب البلاد عليهم ).

فقال(صلَّى الله عليه وسلَّم):( خلّوا عن أُمّتي، فإنّ لهم بُلغةً وأمداً ) .

٢١٠

قالوا:( يا محمّد، إنّ الله جلّ ذكره أمرنا أن نقتل هؤلاء النفر ) .

فقال:( دونكم وما أُمِرتم به ) .

قال: فرأيت كلّ واحد منهم قد رمى كلّ واحد منّا بحربة، فقتل القوم في مضاجعهم غيري، فإنّي صِحت يا محمّد.

فقال: وأنت مُستيقظ؟

قلت: نعم.

قال: خلّوا عنه يعيش فقيراً ويموت مذموماً.

فلما أصبحت دخلت على يزيد وهو مُنكسر مهموم، فحدّثته بما رأيت، فقال: امضِ على وجهك، وتُبْ إلى ربّك!! )(١) .

وعن الشبلنجي أنّه قال: ( روى سليمان الأعمش (رضي الله عنه) قال: خرجنا ذات سنة حُجَّاجاً لبيت الله الحرام وزيارة قبر النبيّعليه‌السلام ، فبينا أنا أطوف بالبيت، إذا رجل مُتعلّق بأستار الكعبة وهو يقول: (اللّهمَّ، اغفر لي وما أظنّك تفعل )، فلما فرغتُ من طوافي قلت: سبحان الله العظيم! ما كان ذنب هذا الرجل؟! فتنحّيت عنه.

ثمّ مررت به مرّة ثانية، وهو يقول: ( اللّهمَّ، اغفر لي، وما أظنّك تفعل! ).

فلما فرغتُ من طوافي قصدتُ نحوه فقلت: يا هذا، إنّك في موقف عظيم، يغفر الله فيه الذنوب العظام، فلو سألت منه عزّ وجلّ المغفرة والرحمة لرجوت أن يفعل، فإنّه مُنعم كريم.

فقال: يا عبد الله، مَن أنت؟

فقلت: أنا سليمان الأعمش.

____________________

(١) المحاسن والمساوئ: ٦٢.

٢١١

فقال: يا سليمان، إيّاك طلبت، وقد كنت أتمنّى مثلك.

فأخذ بيدي، وأخرجني من داخل الكعبة إلى خارجها، فقال لي: يا سليمان، ذنبي عظيم.

فقلت: يا هذا، أذنبك أعظم أم السماوات؟ أم الأرضون؟ أم العرش؟

فقال لي: يا سليمان، ذنبي أعظم! مهلاً حتّى أُخبرك بعَجب رأيته.

فقلت له: تكلّم رحمك الله.

فقال لي: يا سليمان، أنا من السبعين الذين أتوا برأس الحسين بن علي (رضي الله عنهما) إلى يزيد بن معاوية، فأمر بالرأس، فنُصِب خارج المدينة، وأُمِر بإنزاله ووضِع في طست من ذهب، ووضِع ببيت منامه، فلما كان في جوف الليل انتبهتْ امرأة يزيد بن معاوية، فإذا شعاع ساطع إلى السماء، ففزعتْ فزعاً شديداً، وانتبه يزيد من منامه، فقالت له: يا هذا، قم، فإنّي أرى عَجباً.

قال: فنظر يزيد إلى ذلك الضياء، فقال لها: اسكُتي، فإنّي أرى كما ترين.

قال: فلما أصبح من الغد أمر بالرأس، فأُخرج إلى فسطاط وهو من الديباج الأخضر، وأمر بالسبعين رجلاً فخرجنا إليه نحرسه، وأمر لنا بالطعام والشراب حتّى غربت الشمس، ومضى من الليل ما شاء الله ورقدنا، فاستيقظتُ ونظرتُ نحو السماء، وإذا بسحابة عظيمة ولها دويّ كدويّ الجبال وخفقان أجنحة، فأقبلتْ حتّى لصقتْ بالأرض، ونزل منها رجل وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، وبيده درانك وكراسي، فبسط الدرانك، وألقى عليها الكراسي، وقام على قدميه ونادى:( انزل يا أبا البشر، انزل يا آدم! ) .

فنزل رجل أجمل ما يكون من الشيوخ شيباً، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال:( السلام عليك يا وليّ الله، السلام عليك يا بقيّة الصالحين، عشت سعيداً، وقُتلت طريداً، ولم تزل عطشاناً حتّى ألحقك الله بنا،

٢١٢

رحمك الله ولا غفر لقاتلك، الويل لقاتلك غداً من النار، ثمّ نزل وقعد على كرسي من تلك الكراسي ) .

قال: يا سليمان، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً، وإذا بسحابة أُخرى أقبلت حتّى لصقت بالأرض، فسمعت مُنادياً يقول:( انزل يا نبيّ الله، انزل يا نوح! ).

وإذا برجل أتمّ الرجال خَلقاً، وإذا بوجهه صفرة، وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال:( السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بقيّة الصالحين، قُتلت طريداً، وعشت سعيداً، ولم تزل عطشاناً حتّى ألحقك الله بنا، غفر الله لك، ولا غفر لقاتلك، الويل لقاتلك غداً من النار ) ، ثمّ زال فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

قال: يا سليمان، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً، وإذا بسحابة أعظم منها، فأقبلت حتّى لصقت بالأرض، فقام الأذان، وسمعت مُنادياً يُنادي:( انزل يا خليل الله، انزل يا إبراهيم! ) .

وإذا برجل ليس بالطويل العالي، ولا بالقصير المتداني، أبيض الوجه، أملح الرجال شيباً، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال:( السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بقيّة الصالحين، قُتلت طريداً وعشت سعيداً، ولم تزل عطشاناً حتّى ألحقك الله بنا، غفر الله لك، ولا غفر لقاتلك، الويل لقاتلك غداً من النار ) .

ثمّ تنحّى، فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً، فإذا بسحابة عظيمة، فيها دويّ كدويّ الرعد وخفقان أجنحة، فنزلت حتّى لصقت بالأرض، وقام الأذان فسمعت قائلاً يقول:( انزل يا نبيّ الله، انزل يا موسى بن عمران! ) .

قال: فإذا برجل أشدّ الناس في خَلقه وأتمّهم في هيبته، وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال مثل ما تقدّم، ثمّ تنحّى فجلس على كرسيّ من تلك الكراسي.

٢١٣

ثمّ لم ألبث يسيراً، وإذا بسحابة أُخرى، وإذا فيها دويّ عظيم وخفقان أجنحة، فنزلت حتّى لصقت بالأرض، وقام الأذان، فسمعت قائلاً يقول:( انزل يا عيسى، انزل يا روح الله! ) . فإذا أنا برجل مُحمرّ الوجه، وفيه صفرة، وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال مثل مقالة آدم ومَن بعده، ثمّ تنحّى فجلس على كرسي من تلك الكراسي.

ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً وإذا بسحابة عظيمة فيها دويّ كدويّ الرعد والرياح وخفقان أجنحة، فنزلتْ حتّى لصقتْ بالأرض، فقام الأذان، وسمعت مُنادياً يُنادي:( انزل يا محمّد، انزل يا أحمد! ).

وإذا بالنبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، وعن يمينه صفّ من الملائكة، والحسن وفاطمة (رضي الله عنهما)، فأقبل حتّى دنا من الرأس، فضمّه إلى صدره، وبكى بكاءً شديداً، ثمّ دفعه إلى أُمّه فاطمة، فضمّته إلى صدرها، وبكت بكاءً شديداً، حتّى علا بكاؤها وبكى لها مَن سمعها في ذلك المكان.

فأقبل آدمعليه‌السلام حتّى دنا من النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال:( السلام على الولد الطيّب، السلام على الخُلق الطيّب، أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك في ابنك الحسين ) .

ثمّ قام نوح وإبراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام ، فقالوا كقوله، كلّهم يُعزّونه (صلَّى الله عليه وسلَّم) في ابنه الحسين.

ثمّ قال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم):( يا أبي آدم، ويا أبي نوح، ويا أبي إبراهيم، ويا أخي موسى، ويا أخي عيسى، اشهدوا وكفى بالله شهيداً على أُمّتي بما كافأوني في ابني وولدي من بعدي ) .

فدنا منه مَلَك من الملائكة، فقال:( قطعت قلوبنا يا أبا القاسم، أنا الملك الموكّل بسماء الدُّنيا، أمرني الله تعالى بالطاعة لك، فلو أذِنت لي أنزلتها على

٢١٤

أُمّتك، فلا يبقى منهم أحد ) .

ثمّ قام مَلك آخر فقال:( قطعت قلوبنا يا أبا القاسم، أنا الموكّل بالبحار، أمرني الله بالطاعة لك، فإن أذِنتَ لي أرسلتها عليهم، فلا يبقى منهم أحد ) .

فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم):( يا ملائكة ربّي، كفُّوا عن أُمّتي، فإنّ لي ولهم موعداً لن أخلفه ) .

فقام إليه آدمعليه‌السلام فقال:( جزاك الله خيراً من نبيّ أحسن ما جوزي به نبيّ عن أُمّته ) .

فقال له الحسن:( يا جدّاه، هؤلاء الرقود هم الذين يحرسون أخي، وهم الذين أتوا برأسه ) .

فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم):( يا ملائكة ربّي، اقتلوهم بقتلهم ابني ) .

فوالله، ما لبثت إلاّ يسيراً حتّى رأيت أصحابي قد ذُبحوا أجمعين.

قال: فلصق بي مَلك ليذبحني، فناديته: يا أبا القاسم، أجرني! وارحمني يرحمك الله.

فقال:( كفّوا عنه ) .

ودنا منّي وقال:( أنت من السبعين رجلاً؟! ) .

قلت: نعم.

فألقى يده في منكبي، وسحبني على وجهي، وقال:( لا رحمك الله! ولا غفر لك! أحرق الله عظامك بالنار ) .

فلذلك أيست من رحمة الله.

فقال الأعمش: إليك عنّي؛ فإنّي أخاف أن أُعاقب من أجلك )(١) .

____________________

(١) نور الأبصار: ١٢٥ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٣٥. اُنظُر: بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٧ نقلاً عن الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨١ بتفاوت، خاصّة فيما يتعلّق بمصير الرأس الشريف.

٢١٥

صلب الرأس الشريف في دمشق!

روى الذهبي، عن حمزة بن يزيد الحضرمي أنّه قال: ( وقد حدّثني بعض أهلنا: أنّه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيّام )(١) .

وقال الشبراوي: قال أبو الفضل: ( وبعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق، وُضِع في طست بين يدي يزيد، وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب، ثمّ أمر بصلبه، فصُلِب ثلاثة أيّام بدمشق )(٢) .

وذكر الباعوني: أنّ الرأس نُصب بدمشق ثلاثة أيّام، ثمّ وضِع بخزانة السلاح(٣) .

ونقل العلاّمة المجلسي: أنّ رأس الحسينعليه‌السلام صُلب بدمشق ثلاثة أيّام، ومكث في خزائن بني أُميّة(٤) .

هذا بالنسبة إلى أصل صلب الرأس الشريف في دمشق، وأمّا بالنسبة إلى مكان صلبه، ففيه روايتان:

١ - على باب مسجد دمشق:

روى الشيخ الصدوق وابن الفتّال، قالا: ( ثمّ أمر (يزيد) برأس الحسينعليه‌السلام ، فنُصِب على باب مسجد دمشق )(٥) .

٢ - على باب دار يزيد:

قال العلاّمة المجلسي: وقال صاحب المناقب: (وذكر أبو مخنف وغيره: أنّ

____________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٩.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩.

(٤) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥.

(٥) أمالي الصدوق: ٢٣١ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤ - روضة الواعظين ١/ ١٩١.

٢١٦

يزيد لعنه الله أمر بأن يصُلب الرأس على باب داره )(١) .

الرأس الشريف في بيت يزيد:

قال البلاذري: ( وبعث يزيد برأس الحسين إلى نسائه، فأخذته عاتكة ابنته، وهي أُمّ يزيد بن عبد الملك، فغسّلته ودهنته وطيّيبته، فقال لها يزيد: ما هذا؟!

قالت: بعثت إليّ برأس ابن عمّي شَعِثاً، فلممتُه وطيّيبته )(٢) .

إطافة الرأس الشريف في مدائن الشام:

قال القاضي نعمان: ( ثمّ أمر يزيد اللعين برأس الحسينعليه‌السلام ، فطيف به في مدائن الشام وغيرها )(٣) .

أوّل رأس حُمِل في الإسلام!

لقد حملوا رأس الحسينعليه‌السلام ، وقد صرّح المؤرِّخون بأنّه هو أوّل رأس حُمِل على رمح في الإسلام(٤) .

إسلام يهودي ببركة الرأس الشريف:

قال الخوارزمي: ( وروي أنّ رأس الحسينعليه‌السلام لما حُمِل إلى الشام، جنّ عليهم الليل، فنزلوا عند رجل من اليهود، فلما شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين، فقال لهم: أروني إيّاه، فأروه إيّاه بصندوق يسطع منه النور إلى السماء،

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٢.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ١٥٩.

(٤) المعجم الكبير (للطبراني) ٣/ ١٣٤ ح٢٨٧٦؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٠؛ كشف الغمّة ٢/ ٥٤؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٦؛ الجوهر الثمين: ٧٨.

٢١٧

فعجب اليهودي واستودعه منهم، فأودعوه عنده، فقال اليهودي للرأس - وقد رآه بذلك الحال: اشفع لي عند جدّك.

فأنطق الله الرأس وقال:( إنّما شفاعتي للمحمّديّين، ولست بمحمّدي! ) .

فجمع اليهودي أقرباءه، ثمّ أخذ الرأس ووضعه في طست، وصبّ عليه ماء الورد، وطرح فيه الكافور والمِسك والعنبر، ثمّ قال لأولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمّد.

ثمّ قال: وا لهفاه! لم أجد جدّك محمّداً فأُسلم على يديه، ثمّ وا لهفاه! لم أجدك حيّاً فأُسلم على يديك، وأُقاتل دونك، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟

فأنطق الله الرأس، فقال بلسانٍ فصيح:( إن أسلمت فأنا لك شفيع ) ، قالها ثلاث مرّات، وسكت، فأسلم الرجل وأقرباؤه.

قال: أقول: لعلّ هذا الرجل اليهودي كان راهب (قنسرين)؛ لأنّه أسلم بسبب رأس الحسينعليه‌السلام ، وجاء ذكره في الأشعار، وأورده الجوهري والجرجاني في مراثي الحسين )(١) .

رباب ترثي الحسين:

وعن تاريخ الفرماني: أنّ رباب بنت امرئ القيس رثت الحسينعليه‌السلام في الشام، بعد أن أخذت رأسه وقبّلته ووضعته في حجرها وهي تقول:

واحسيناً فلا نسيت حسيناً

أقصدته أسنّة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء (٢)

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢/ ١١٥، ح٤٩ط دار أنوار الهدى - عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٤٩٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٢ ح٢٠؛ العوالم ١٧/ ٤١٧، ح١٨.

(٢) تاريخ الفرماني: ٤، على ما في هامش شرح الأخبار ٣/ ١٧٨.

٢١٨

رأس الحسينعليه‌السلام عند يتيمته!

روى عماد الدِّين الطبري، عن كتاب الحاوية لقاسم بن محمّد بن أحمد المأموني: ( أنّ نساء أهل بيت النبوّة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم، وقلن لهم: إنّ آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا، وكان الحال على ذلك المنوال حتّى أمر يزيد بأن يدخلن داره، وكان للحسينعليه‌السلام بنت صغيرة لها أربع سنين، قامت ليلة من منامها وقالت: أين أبي الحسين؟ فإنّي رأيته في المنام مُضطرباً شديداً.

فلما سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال، وارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه، وقال: ما الخبر؟

ففحصوا عن الواقعة وقصّوها عليه، فأمر لعنه الله بأن يذهبوا برأس أبيها إليها، فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها، فقالت: ما هذا؟!

قالوا: رأس أبيك! ففزعت الصَّبيَّة وصاحت، فمرضت وتوفّيت في أيّامها بالشام )(١) .

وفي (الإيقاد) للسيّد الجليل السيّد محمّد علي الشاه عبد العظيمي (رحمه الله)، عن العوالم وغيره ما مُلخّصه:

( إنّه كان للحسينعليه‌السلام بنت صغيرة يُحبّها وتُحبّه، وقيل: كانت تُسمّى رقيّة، وكان لها ثلاث سنين، وكانت مع الأسراء في الشام، وكانت تبكي لفراق أبيها ليلاً ونهاراً، وكانوا يقولون لها: هو في السفر(٢) .

فرأته ليلةً في النوم، فلما انتبهت جزعت جزعاً شديداً، وقالت: ايتوني بوالدي وقرّة عيني، وكلّما أراد أهل البيت إسكاتها ازدادت حزناً وبكاءً، ولبكائها هاج حزن أهل البيت، فأخذوا في البكاء، ولطموا الخدود، وحثّوا على رؤوسهم التراب، ونشروا الشعور، وقام الصياح، فسمع يزيد [صيحتهم وبكاءهم، فقال: ما الخبر؟

قيل له: إنّ بنت الحسين الصغيرة

____________________

(١) كامل البهائي ٢/ ١٧٩، عنه نفس المهوم؛ معالي السبطين ٢/ ١٧٠.

(٢) أي سفر الآخرة.

٢١٩

رأت أباها بنومنها، فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح، فلما سمع يزيد ذلك ](١) ، فقال: ارفعوا إليها رأس أبيها، وحطّوه بين يديها تتسلّى.

فأتوا بالرأس في طبق مُغطّى بمنديل، ووضعوه بين يديها، فقالت: يا هذا(٢) ، إنّي طلبت أبي ولم أطلب الطعام.

فقالوا: إنّ هنا أباك!

فرفعت المنديل ورأت رأساً، فقالت: ما هذا الرأس؟!

قالوا: رأس أبيك.

فرفعت الرأس ووضعته(٣) إلى صدرها وهي تقول: يا أبتاه، مَن ذا الذي خضّبك بدمائك؟! يا أبتاه، مَن ذا الذي قطع وريدك(٤) ؟! يا أبتاه، مَن ذا الذي أيتمني على صغر سنّي؟ يا أبتاه، مَن لليتيمة حتّى تكبر؟! يا أبتاه، مَن للنساء الحاسرات؟ يا أبتاه، مَن للأرامل المسبيّات؟! يا أبتاه، مَن للعيون الباكيات؟! يا أبتاه، مَن للضائعات الغريبات؟! يا أبتاه، مَن للشعور المنشورات؟! يا أبتاه، مِن بعدك وا خيبتاه! يا أبتاه، مِن بعدك وا غربتاه! يا أبتاه، ليتني لك الفداء! يا أبتاه، ليتني قبل هذا اليوم عمياء! يا أبتاه، ليتني وسُدِّت(٥) التراب ولا أرى شيبك مُخضّباً بالدماء!

ثمّ وضعت فمها على فم الشهيد المظلوم، وبكت حتّى غُشي عليها، فلما حرّكوها فإذا هي قد فارقت روحها الدُّنيا، فارتفعت أصوات أهل البيت بالبكاء، وتجدّد الحزن والعزاء، ومَن سمع من أهل الشام بكاءهم بكى، فلم يُرَ في ذلك اليوم إلاّ باكٍ أو باكية، فأمر يزيد بغسلها وكفنها ودفنها )(٦) .

____________________

(١) أوردناه من معالي السبطين.

(٢) ما هذا / معالي السبطين.

(٣) وضمّته / معالي السبطين.

(٤) وريديك / معالي السبطين.

(٥) توسّدت / معالي السبطين.

(٦) الإيقاد: ١٧٩ ( ولكنّا لم نجده في عوالم البحراني في النسخة التي بأيدينا ). ورواه الشيخ الحائري المازندراني (معالي السبطين ٢/ ١٧٠) عنه وعن مُنتخب الطريحي، ولم نعثر عليه فيه أيضاً.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460