مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234487 / تحميل: 8797
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

باب فضل السخاء والجود

١٧٠٧ - قال الصادق عليه السلام: " خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الايمان البر بالاخوان، والسعي في حوائجهم، وإن البار بالاخوان ليحبه الرحمن، وفي ذلك مرغمة الشيطان، وتزحزح عن النيران(١) ، ودخول الجنان، ثم قال لجميل: يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك(٢) ، قلت: جعلت فداك من غرر أصحابي؟ قال: هم البارون بالاخوان في العسر واليسر، ثم قال: يا جميل أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله عزوجل في ذلك صاحب القليل، فقال في كتابه " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ".

١٧٠٨ - وقال عليه السلام: " شاب سخي مرهق في الذنوب(٣) أحب إلى الله عزو جل من شيخ عابد بخيل ".

١٧٠٩ - وروي " أن الله عزوجل أوحى إلى موسى أن لا تقتل السامري فإنه سخي ".(٤)

___________________________________

(١) " مرغمة " بفتح الميم مصدر، وبكسرها اسم آلة من الرغام بفتح الراء بمعنى التراب.

والتزحزح: التباعد (الوافى) والخبر رواه الكلينى باسناده عن سهل بن زياد عمن حدثه عن جميل بن دراج قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول الخبر ".

(٢) " غرر " بالغين المعجمة والمهملتين النجباء جمع الاغر.

وفى بعض النسخ هنا وما يأتى بالعين المهملة والزاء‌ين المعجمتين جمع العزيز.

(٣) المرهق: المفرط في الشر ومرتكب المحارم.

وفى القاموس الرهق محركة: السفه وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم.

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤١ عن على بن ابراهيم رفعه قال: " أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام الخ ".

٦١

١٧١٠ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " من أدى ما افترض الله عليه فهو أسخى الناس ".(١)

١٧١١ - وقال الصادق عليه السلام: " من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة؟ أنفق ولا تخف فقرأ، وأنصف الناس من نفسك(٢) ، وافش السلام في العالم(٣) واترك المراء وإن كنت محقا "(٤) .

١٧١٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة ".

 (٥) وقال الله عزوجل: " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين "(٦) .

١٧١٣ - وقال الصادق عليه السلام: " في قول الله عزوجل: " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم "(٧) قال: هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله عزوجل بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله عزوجل أو بمعصية الله، فإن عمل فيه بطاعة الله(٨) رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له، وإن كان عمل فيه بمعصية الله عزوجل(٩) قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله عزوجل ".

١٧١٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من

___________________________________

(١) أى بالنسبة إلى من لم يؤد وان أعطى المال الكثير في غير موقعه لما مر وسيجئ.

(٢) أى كن حكما على نفسك فيما كان بينك وبين الناس وارض لهم ما ترضى لنفسك، واكره لهم ما تكره لها.

(٣) أى سلم على من لقيت من اخوانك جهارا.

(٤) المراء: الجدال، أى اترك الجدال في الكلام وان كان الحق لك.

والخبر مروى في الكافى بسند فيه ضعف ج ٤ ص ٤٤ عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام.

(٥) الخلف بفتح المعجمة واللام: العوض.

وقوله " سخت " أى جادت وفى بعض نسخ الكافى " سمحت ".

(٦) من كلام المؤلف رحمه الله كما يظهر من الكافى.

(٧) الحسرات جمع الحسرة وهى أشد الندامة.

(٨) في الكافى " أو في معصية الله فان عمل به في طاعة الله الخ ".

(٩) في بعض النسخ والكافى " وان كان عمل به في معصية الله ".

٦٢

ماله وأعطى البائنة في قومه(١) إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد الزكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة في قومه، وهو يبذر فيما سوى ذلك ".

١٧١٥ - وروي عن الفضل بن أبي قرة السمندي أنه قال: " قال لي أبو عبدالله عليه السلام: أتدري من الشحيح؟ قلت: هو البخيل، فقال: الشح أشد من البخل إن البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام، ولا يقنع بما رزقه الله عزوجل ".

١٧١٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما محق الاسلام محق الشح شئ، ثم قال: إن لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل، وشعبا كشعب الشرك ".(٢)

١٧١٧ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " إذا لم يكن لله عزوجل في العبد حاجة ابتلاه بالبخل ".(٣)

١٧١٨ - " وسمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلا يقول: الشحيح أعذر من الظالم(٤) فقال له: كذبت إن الظالم قد يتوب ويستغفر ويرد الضلامة على أهلها، والشحيح إذا شح منع الزكاة، والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف(٥) والنفقة في سبيل الله

___________________________________

(١) البائنة العطية، سميت بها لانها ابينت من المال (الوافى) وفى القاموس البائنة فاعلة من البين بمعنى البينونة جعلت اسما للعطية لانها ابينت من المال.

(٢) الدبيب: المشى اللين أى حركة خفيفة لا تحس، والشرك محركة: حبائل الصيد.

وقرأه الفاضل التفرشى بكسر الشين المعجمة وكسر الراء وتكلف في توجيهه بما لا يحتاج اليه.

(٣) أى إذا كان غير منظور اليه ولم يكن أهلا للهدايات والتوفيقات منع عنه اللطف فاستولى عليه الشيطان وزين له البخل.

(٤) أى عذره أشد وأكثر من عذر الظالم.

(٥) اقراء الضيف: ضيافته وخدمته والاحسان اليه.

هذه الاخبار كلها مروية في الكافي مسندة ج ٤ ص ٤٤ و ٤٥.

٦٣

عزوجل وأبواب البر، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح ".

١٧١٩ - وقال الصادق عليه السلام: " المنجيات إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام ".

 [فضل القصد]

١٧٢٠ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " ما عال امرء في اقتصاد "(١)

١٧٢١ - وقال الصادق عليه السلام: " ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر ".(٢)

وقال الله عزوجل: " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " والعفو الوسط(٣) .

وقال الله عزوجل: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " والقوام الوسط.

باب فضل سقى الماء

١٧٢٢ - قال أمير المؤمنين عليه السلام: " أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء يعني في الاجر ".

١٧٢٣ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إن الله تبارك وتعالى يحب إبراد الكبد الحرى(٤) ، ومن سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ".

١٧٢٤ - وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان

___________________________________

(١) العيلة والعالة: الفاقة، أى ما افتقر أحد إذا اقتصد في أمر معاشه.

والخبر رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٣ مسندا وكذا الذى قبله.

(٢) مروى في الكافى مسندا عن مدرك بن أبى الهزهاز عنه (ع).

(٣) كما في مرسلة ابن أبى عمير عن أبى عبدالله عليه السلام " في قول الله تعالى " و يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو " قال: العفو الوسط " (الكافى ج ٤ ص ٥٢)

(٤) في القاموس: الحران العطشان، والانثى حرى مثل عطشى.

٦٤

كمن أحيا نفسا، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا ".(١)

باب ثواب اصطناع المعروف إلى العلوية

١٧٢٥ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة".

١٧٢٦ - وقال عليه السلام: " إني شافع يوم القيامة لاربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا ".(٢)

١٧٢٧ - وقال الصادق عليه السلام: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا فإن محمدا يكلمكم فتنصت الخلائق فيقوم النبي صلى الله عليه وآله فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافيه، فيقولون: بابائنا وأمهاتنا وأي يد وأي منة وأي معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي أو برهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند الله عزوجل: يا محمد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت، قال: فيسكنهم في الوسيلة(٣) حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ".

___________________________________

(١) هذه الاخبار الثلاثة في الباب مروية في الكافى ج ٣ ص ٥٧ مسندة.

(٢) التشريد: الطرد والتفريق، والخبر مروى في الكافى وفيه " ورجل يسعى في حوائج ذريتى الخ ".

(٣) الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة (القاموس) وفى معانى الاخبار ص ١١٦ في حديث طويل عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " الوسيلة هى درجتى في الجنة وهى ألف مرقاة الخ "

٦٥

باب فضل الصدقة

١٧٢٨ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله".

١٧٢٩ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء ".

١٧٣٠ - وقال الصادق عليه السلام: " داووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة، فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان(١) .

وليس شئ أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد"(٢) .

١٧٣١ - وقال عليه السلام: " الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء وتفك عن لحيي سبعين شيطانا كلهم يأمره أن لا يفعل ".

١٧٣٢ - وقال عليه السلام: " يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده، ويأمر السائل أن يدعو له ".

___________________________________

(١) قال بعض الشراح: كأن الصدقة دخلت في أفواهم باعتبار منعهم عنها بالوجوه الباطلة فبعضهم يقول لا تتصدق فانك تصير فقيرا، وبعضهم يقول: لا تتصدق فانك أحوج منه، أو أن السائل غير مستحق، أو تصدق على آخر أحوج منه انتهى.

أقول يمكن أن يقرأ " تفك " بصيغة المعلوم فالمعنى أن الصدقة تفك الرزق من بين لحيى سبعمائة شيطان كلهم يمنعون وصوله اليك، أو بصيغة المجهول أى الصدقة تخرج من بين لحيى سبعمائة شيطان فيكون كناية عن كونها شاقة على النفس وحينئذ يكون تعليلا للجملة السابقة.

وأصل الفك الفصل بين الشيئين وتخليص بعضهما من بعض كما في النهاية.

(٢) كناية عن قبوله تعالى، ولعله اشارة إلى قوله تعالى: " أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ".

٦٦

١٧٣٣ - وقال عليه السلام: " باكروا بالصدقة(١) فإن البلايا لا تتخطاها(٢) ومن تصدق بصدقة أول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فإن تصدق أول الليل دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة ".

١٧٣٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة(٣) والحرق والغرق والهدم والجنون، وعد عليه السلام سبعين بابا من الشر "(٤) .

١٧٣٥ - وقال صلى الله عليه وأله: " صدقة السر تطفئ غضب الرب جل جلاله "(٥) .

١٧٣٦ - وروى عمار عن الصادق عليه السلام قال: " قال لي يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السر أفضل من العبادة في العلانية ".(٦)

١٧٣٧ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا طرقكم سائل ذكر بليل فلا تردوه ".(٧)

١٧٣٨ - وقال صلى الله عليه وآله: " الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر(٨) وصلة الاخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين ".

___________________________________

(١) أى ابتدؤوا النهار بالصدقة أو تصدقوا في أوله وفى الكافى " بكروا " بتشديد الكاف.

(٢) أى ان البلايا لا تتجاوز الصدقة بل هى تسدها وتمنعها وحالت بين صاحبها وبين البلايا.

(٣) الدبيلة كجهينة مصغرة: الطاعون والخراج ودمل يظهر في البطن فيقتل.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٥ " سبعين بابا من السوء " وهو أصوب.

(٥) غضبة تعالى كناية عن العذاب والا فهو سبحانه منزه عن أن يكون محلا للحوادث.

(٦) في المحكى عن دروس الشهيد رحمه الله الصدقة سرا أفضل الا أن يتهم بترك المواساة، أو يقصد اقتداء غيره به، اما الواجبة فاظهارها أفضل مطلقا.

(٧) " طرقكم " أى نزل عليكم، وطرق فلان طروقا إذا جاء بليل.

(٨) وجه تفضيل القرض هو أن الصدقة تقع أحيانا في يد غير المحتاج والقرض غالبا لا يقع الا في يد المحتاج.

وقيل: انما جعل الله جزاء الحسنة عشر أمثالها والقرض حسنة فاذا أخذ المقرض ما أعطاه قرضا فكأنه أخذ من العشر واحدة وبقيت له عند الله تسعة ووعد الله سبحانه أن يضاعفها له في قوله " فيضاعفه له " فتصير ثمانية عشر.

٦٧

١٧٣٩ - وسئل عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح "(١) .

١٧٤٠ - وقال عليه السلام: " لا صدقة وذو رحم محتاج "(٢) .

١٧٤١ - قال عليه السلام " ملعون ملعون من ألقى كله على الناس(٣) ملعون ملعون من ضيع من يعول "(٤) .

١٧٤٢ - وقال أبو الحسن الرضا عليه السلام: " ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته".(٥)

١٧٤٣ - وسئل الصادق عليه السلام " عن السائل يسأل ولا يدري ما هو؟ فقال: أعط من وقعت في قلبك الرحمة له، وقال: اعطه دون الدرهم، قلت: أكثر ما يعطى؟ قال أربعة دوانيق "(٦) .

١٧٤٤ - وروى الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان فيما ناجى الله عزو جل به موسى عليه السلام أن قال: يا موسى أكرم السائل ببذل يسير، أو برد جميل إنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك و يسألونك مما نولتك(٧) فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران ".

___________________________________

(١) في النهاية " الكاشح ": العدو الذى يضمر لك عداوته ويطوى عليها كشحه أى باطنه وذلك لان الاخلاص فيها أتم بخلاف ذى المحبة.

(٢) حمل على الصدقة الكاملة أى لا صدقة كاملة.

(٣) الكل بالفتح: الثقل والعيال والمراد قوته وقوت عياله.

(٤) أى تركهم مهملين بلا قوت ولا نفقة.

(٥) مروى في الكافى باسناده عن معمر بن خلاد عنه عليه السلام وفيه " كيلا يتمنوا موته وتلا هذه الاية " ويطعمون الطعام على حبه الآية " وقال: الاسير عيال الرجل ينبغى للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد اسراء‌ه في السعة عليهم ; ثم قال: ان فلانا أنعم الله عليه بنعمة فمنعها اسراء‌ه وجعلها عند فلان فذهب الله بها، وقال معمر: وكان فلان حاضرا".

(٦) الدوانيق جمع دانق كصاحب: سدس الدرهم.

(٧) خوله الله عزوجل أى أعطاه متفضلا.

والنوال: العطاء، ونولته أى أعطيته نوالا.

٦٨

١٧٤٥ - وقال عليه السلام: " اعط السائل ولو على ظهر فرس "(١) .

١٧٤٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تقطعوا على السائل مسألته(٢) فلو لا أن المساكين يكذبون ما أفلح من [ي‍] ردهم ".

١٧٤٧ - وروي عن الوليد بن صبيح قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فجاء‌ه سائل فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاه، ثم جاء‌ه آخر فقال: وسع الله، عليك ثم قال: إن رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم ثم شاء أن لا يبقي منها شيئا إلا وضعه في حق لفعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاؤهم قال: قلت: من هم؟ قال: أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في [غير](٣) وجهه، ثم قال: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل: ألم أرزقك؟ ورجل جلس في بيته ولا يسعى في طلب الرزق ويقول: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق، ورجل له أمرأة تؤذيه فيقول: يا رب خلصني منها فيقول الله عزوجل: ألم أجعل أمرها بيدك ".

١٧٤٨ - وقال الصادق عليه السلام في السؤال(٤) : " أطعموا ثلاثة وإن شئتم أن تزدادوا فازدادوا وإلا فقد أديتم حق يومكم ".

١٧٤٩ - وقال عليه السلام: " إذا اعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم ".

١٧٥٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها، قال: يجري له من الاجر مثل ما يجري للمعطي ولا ينقص من أجره شئ، ولو أن المعروف جرى على سبعين يدا لاوجروا كلهم من غير أن ينقص من أجر صاحبه شئ "(٥) .

___________________________________

(١) أى ولو كان السائل على ظهر فرس أى غنيا غير فقير، أو كنت على ظهر فرس غير متمكن حين السؤال من اعطاء شئ غير الفرس الذى أنت على ظهره. (م ح ق)

(٢) المراد بالقطع على السائل رده.

(٣) لفظة " غير " ليست في كثير من النسخ.

(٤) السؤال كتجار: جمع سائل وهو الفقير.

(٥) رواه الكلينى باختلاف في خبرين مسندين عن أبى نهشل وابن أبى عمير عن جميل.

٦٩

١٧٥١ - وسئل الصادق عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل(١) أما سمعت قول الله عزوجل: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " هل ترى ههنا فضلا "(٢) .

١٧٥٢ - وقال علي بن الحسين عليهما السلام: " ضمنت(٣) على ربي عزوجل أن لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطرته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة ".

١٧٥٣ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر ".

١٧٥٤ - وقال الصادق عليه السلام: " ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه الله عزوجل إليها ويكتب له بها النار ".(٤)

١٧٥٥ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه، أبغض عزوجل لخلقه المسألة(٥) وأحب لنفسه أن يسأل، وليس شئ أحب إليه من أن يسأل، فلا يستحي أحدكم أن يسأل الله عزوجل من فضله ولو شسع نعل ".(٦)

١٧٥٦ - وقال الصادق عليه السلام: " إياكم وسؤال الناس فإنه ذل الدنيا وفقر تتعجلونه، وحساب طويل يوم القيامة ".

___________________________________

(١) في النهاية " أفضل الصدقة جهد المقل " أى قدر ما يحتمله حال قليل المال.

(٢) أى هل ترى في الاية تقييدا بالفضل عما يحتاجون اليه.

(٣) ذلك على سبيل التهكم وفيه مبالغة في أن السائل بلا حاجة يصير مآله إلى الفقر.

(٤) قوله " ما من عبد " النفى راجع إلى القيد الاخير وهو الموت، أى لا يموت عبد يسائل من غير حاجة حتى يحوجه الله تعالى (مراد) أقول: رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ١٩ وفيه " يثبت الله له بها النار ".

(٥) يعنى أبغض لهم أن يسألوا وذلك لان مسؤوليتهم تمنع مسؤوليته سبحانه، وهو أحب لنفسه فأبغضها لهم.(الوافى)

(٦) الشسع بكسر المعجمة وسكون المهملة وبكسرهما: قبال النعل وهو زمان بين الاصبع الوسطى والتى تليها.

٧٠

١٧٥٧ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا ".

١٧٥٨ - و " جاء‌ت فخذ من الانصار(١) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسلموا عليه فرد عليهم السلام فقالوا: يا رسول الله لنا إليك حاجة، قال: هاتوا حاجتكم، قالوا: إنها حاجة عظيمة قال: هاتوا ما هي؟ قالوا: تضمن لنا على ربك الجنة، فنكس صلى الله عليه وآله رأسه ونكت في الارض(٢) ثم رفع رأسه فقال: أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا قال: فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لانسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه، ويكون على المائدة ويكون بعض الجلساء أقرب منه إلى الماء فلا يقول: ناولني حتى يقوم فيشرب ".

١٧٥٩ - وقال عليه السلام: " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك "(٣) .

١٧٦٠ - وقال الصادق عليه السلام: " المن يهدم الصنيعة ".

١٧٦١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى كره لي ست خصال و كرهتهن للاوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي العبث في الصلاة والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنبا، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور ".

١٧٦٢ - وروي عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام " أن أميرالمؤمنين عليه السلام بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البغيبغة(٤) وكان الرجل

___________________________________

(١) رواه الكلينى باسناده عن هشام بن سالم عن أبى بصير ن الصادق عليه السلام (ج ٤ ص ٢١ والفخذ: القبيلة.

(٢) نكت في الارض بقضيبه أى ضرب بها فأثر فيها.

(٣) الشوص بالفتح ثم السكون: الغسل والتنظيف أى استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك إى بغسله وتنظيفه. ولا يقل أحد لاحد: اغسل سواكى أو نظفه.

(٤) البغيبغة بباء‌ين موحدتين وغينين معجمتين وفى الوسط ياء مثناة وفى الاخر هاء: ضيعة أو عين بالمدينة كثيرة النخل لال الرسول صلى الله عليه وآله، قال المسهودى في وفاء الوفاء: البغيبغة تصغير البغبغ وهى البئر القريبة الرشا، والبغبغات عيون عملها على بن أبى طالب عليه السلام بينبغ أول ما صارت اليه وتصدق بها وبلغ جذاذها في زمنه ألف وسق ومنها خيف الاراك وخيف ليلى وخيف الطاس.

٧١

ممن يرجو نوافله ويرضى نائله ورفده(١) وكان لا يسأل عليا عليه السلام ولا غيره شيئا، فقال رجل لامير المؤمنين عليه السلام: والله ما سألك فلان شيئا ولقد كان يجزيه من الخمسة الاوساق وسق واحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لاكثر الله في المؤمنين ضربك، أعطي أنا وتبخل أنت به(٢) إذا أنا أعط الذي يرجوني إلا من بعد مسألتي ثم أعطيته بعد المسألة فلم أعطه إلا ثمن ما أخذت منه، وذلك لاني عرضته لان يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عزوجل عند تعبده له وطلب حوائجه إليه، فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه فلم يصدق الله عزوجل في دعائه له(٣) حيث يتمنى له الجنة بلسانه ويبخل عليه بالحطام من ماله وذلك أن العبد قد يقول في دعائه: " الله اغفر للمؤمنين والمؤمنات " فإذا دعا له بالمغفرة فقد طلب له الجنة، فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل "(٤) .

باب ثواب صلة الامام عليه السلام

١٧٦٣ - سئل الصادق عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال: نزلت في صلة الامام عليه السلام "(٥) .

___________________________________

(١) النوافل: العطايا، والنائل: العطاء، والرفد بالكسر: الصلة والعطاء.

(٢) " ضربك " أى مثلك، وفى الكافى " أعطى أنا وتبخل أنت، لله أنت ".

(٣) " فلم يصدق الله " من الصدق المتعدى إلى مفعولين.

قال الله تعالى: " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " أى أخبره بالحق. (سلطان)

(٤) أى لم يأت بالانصاف والعدل من قال بلسانه انى أطلب له الجنة واحب ذلك ولم يفعل باليد ما يدل على أن ما قال بلسانه كان موافقا لما في قلبه.(مراد)

(٥) رواه الكلينى ج ١ ص ٥٣٨ باسناد عن اسحاق بن عمار عن أبى ابراهيم عليه السلام.

٧٢

١٧٦٤ - وقال عليه السلام: " درهم يوصل به الامام أفضل من ألف ألف درهم ينفق في غيره في سبيل الله عزوجل".(١)

١٧٦٥ - وقال الصادق عليه السلام: " من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شعيتنا(٢) يكتب له ثواب صلتنا، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا ".

كتاب الصوم

باب علة فرض الصيام

٦ ١٧٦ سأل هشام بن الحكم أبا عبدالله عليه السلام " عن علة الصيام فقال: " إنما فرض الله عزوجل الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لان الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله عزوجل أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والالم ليرق على الضعيف فيرحم الجائع ".

١٧٦٧ - وكتب أبوالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: " علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظا له في العاجل، دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة ".

١٧٦٨ - وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد عليه السلام " لم فرض الله الصوم؟ فورد في الجواب ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير ".(٣)

١٧٦٩ - وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال: " جاء نفر من

___________________________________

(١) في الكافى ج ١ ص ٥٣٨ وفيه " أفضل من ألفى ألف درهم فيما سواه من وجوه البر ".

(٢) في بعض النسخ وثواب الاعمال ص ١٢٤ " صالحى موالينا ".

(٣) أى يعطى، من عليه أى أنعم واصطنع عنده صنيعة.

٧٣

اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنه قال له: " لاي شئ فرض الله عزوجل الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما، وفرض الله على الامم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم وكذلك كان على آدم عليه السلام، ففرض الله ذلك على امتي، ثم تلا هذه الآية: " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات " قال اليهودي: صدقت يا محمد، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال، أولها يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله عزوجل والثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه عليه السلام، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براء‌ة من النار، والسابعة يطعمه الله عزوجل من طيبات الجنة، قال: صدقت يا محمد ".

باب فضل الصيام

١٧٧٠ - قال أبوجعفر عليه السلام: " بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية"(١)

١٧٧١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصوم جنة من النار "(٢) .

١٧٧٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما

___________________________________

(١) المراد بالولاية معرفة الامام الحق المنصوب من عند الله المنصوص عليه، والتصديق بكونه ولى أمر الامة، مفترض الطاعة كطاعة الرسول صلى الله عليه وآله.

والولاية بالكسر بمعنى تولى الامر ومالكية التصرف فيه.

(٢) رواه الكلينى عن على عن ابيه عن حماد عن حريز عن زرارة.

٧٤

لم يغتب مسلما ".(١)

١٧٧٣ - وقال صلى الله عليه وآله: " قال الله تبارك وتعالى: الصوم لي وأنا أجزي به(٢) ، وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه عزوجل(٣) ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم(٤) عند الله أطيب من ريح المسك ".

١٧٧٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه: " ألا اخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال: الصوم يسود وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله عزوجل والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه(٥) ولكل شئ زكاة وزكاة الابدان الصيام".

١٧٧٥ - وقال الصادق عليه السلام لعلي بن عبدالعزيز: " ألا أخبرك بأصل الاسلام وفرعه وذروته وسنامه؟ قال: بلى، قال: أصله الصلاة، وفرعه الزكاة، وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله عزوجل، ألا أخبرك بابواب الخير؟ الصوم جنة من النار "(٦) .

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٤ ص ٦٤ باسناده عن عبدالله بن طلحة عن الصادق عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله، ويدل على جواز النوم للصائم.

(٢) انما خص الصوم بالله من بين سائر العبادات وبأنه جازيه مع اشتراك الكل في ذلك لكونه خالصا له وجزاؤه من عنده خاصة من غير مشاركة أحد فيه لكونه مستورا عن أعين الناس مصونا عن ثنائهم عليه. (الوافى).

(٣) فرحه عند الافطار لاشعاره بان المولى وفقه لغلبة هواه ولعدم تزلزله في اتيان ما كلف به ومجيئه مظفرا من تلك الجهاد، وله فرح آخر وهو عند لقاء جزاء عمله بما فرض الله له.

(٤) الخلوف بضم الخاء المعجمة قبل اللام، والفاء بعد الواو: رائحة الفم، أو الرائحة الكريهة.

(٥) المؤازرة: المعاونة، وقطع الدابر كناية عن الاستيصال، والوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. (الوافى)

(٦) أى وقاية وحسن من الوقوع في كل معصية توجب دخول النار. وقال في الوافى: لانه يدفع حر الشهوة والغضب اللتين بهما يصلى نار جهنم في باطن الانسان في الدنيا وتبرز له في الاخرة، كما أن الجنة تدفع عن صاحبها حر الحديد.

٧٥

١٧٧٦ - وقال عليه السلام " في قول الله عزوجل: " واستعينوا بالصبر والصلاة " قال: يعني بالصبر الصوم ".

١٧٧٧ - وقال عليه السلام: " إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدة(١) فليصم فإن الله عزوجل يقول: " واستعينوا بالصبر والصلاة "(٢) .

١٧٧٨ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى وكل ملائكة بالدعاء للصائمين وقال: أخبرني جبرئيل عليه السلام عن ربه تعالى ذكره أنه قال: ما أمرت ملائكتي بالدعاء لاحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه ".

١٧٧٩ - وقال الصادق عليه السلام: " أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه السلام ما يمنعك من مناجاتي؟ فقال: يا رب اجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ".

١٧٨٠ - وقال الصادق عليه السلام: " للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه عزوجل ".

١٧٨١ - وقال عليه السلام: " من صام لله عزوجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر، قال الله عزوجل: ما أطيب ريحك وروحك يا ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له ".

١٧٨٢ - وقال أبوالحسن الاول عليه السلام: " قيلوا(٣) فإن الله عزوجل يطعم الصائم ويسقيه في منامه ".

١٧٨٣ - وقال الصادق عليه السلام: " نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب ".

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ٦٤ " بالرجل النازلة والشديدة الخ ".

(٢) في الكافى " يقول " استعينوا بالصبر " يعنى الصيام ".

(٣) من القيلولة وهى نوم الضحى، أمر من قال يقيل قيلولة بمعنى النوم قبل الظهر.

٧٦

باب وجوه الصوم

١٧٨٤ - روي عن الزهري أنه قال: قال لي علي بن الحسين عليهما السلام يوما: " يا زهري من أين جئت؟ فقلت: من المسجد، قال: ففيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان، فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهن حرام، وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم الاذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الاباحة، وصوم السفر والمرض، قلت: جعلت فداك فسرهن لي.

قال: فأما الواجب فصيام شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان عمدا متعمدا، وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار قال الله عزوجل: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا(١) ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا "، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب لقول الله عزوجل: " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله(٢) إلى قوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين "، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام(٣) قال الله عزوجل: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " فكل ذلك متتابع وليس بمتفرق، وصيام أذى حلق

___________________________________

(١) " ثم يعودون " أى يريدون الوطى ونقض قولهم، فعليهم الكفارة " من قبل أن يتماسا " أى يجامعا.

(٢) أى مدفوعة إلى أهل القتيل.

(٣) أى لم يجده مع اختيه من العتق والكسوة، وترك للظهور. (م ت)

٧٧

الرأس واجب قال عزوجل: " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك "(١) فصاحبها فيها بالخيار فإن صام صام ثلاثا، وصوم دم المتعة(٢) واجب لمن لم يجد الهدي قال الله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، وصوم جزاء الصيد واجب قال الله عزوجل: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " ثم قال: أو تدرى كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال: قلت: لا أدرى قال: يقوم الصيد قيمة ثم تفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب(٣) ، وصوم الاعتكاف واجب(٤) .

وأما الصوم الحرام: فصوم يوم الفطر، ويوم الاضحى، وثلاثة أيام التشريق(٥) ، وصوم يوم الشك امرنا به ونهينا عنه، امرنا أن نصومه مع شعبان ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس(٦) ، فقلت له جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك أنه صائم من

___________________________________

(١) جمع نسيكة وهى الذبيحة.

(٢) أى الهدى الواجب في حج التمتع بعد العجز عنه.

(٣) الظاهر أن المراد أعم منه ومن العهد واليمين وسيجئ اطلاقه في الاخبار عليهما ولو تجوزا. (م ت)

(٤) المراد به الوجوب الشرطى بمعنى عدم تحقق الاعتكاف بدون الصوم ولا يجب أن يكون الصوم للاعتكاف فلو كان عليه قضاء رمضان وصامه في اعتكافه صح والمراد وجوب اليوم الثالث والسادس والتاسع وهكذا كل ثالث بعد اعتكافه يومين. (م ت)

(٥) أى لمن كان بمنى، ولا خلاف في حرمة صوم أيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا والمشهور التحريم لمن كان فيها وان لم يكن ناسكا.

(٦) الظاهر أن المراد بصيامه أن ينويه من رمضان من بين سائر الناس من غير أن يصح عند الناس أنه منه. (المرآة)

٧٨

شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضره، فقلت له: وكيف يجزي صوم تطوع عن صوم فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه، لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه(١) ، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام(٢) ، وصوم نذر المعصية حرام(٣) ، وصوم الدهر حرام(٤) .

___________________________________

(١) أى أن الفرض أنما وقع على اليوم بعينه سواء نواه بقصد الواجب أو المندوب أو لم يقصدهما كما أنه لو صام يوما من شهر رمضان ندبا لاجزأ عنه إذا كان جاهلا ولو كان نية التعيين شرطا لما أجزأ عنه، أو لان الفرض على اليوم بعينه ونية التعيين واجب مع العلم واما مع الجهل فلا لانه لا ريب أنه لو غفل عن نية التعيين في يوم بعينه ونواه ندبا أجزأ عن رمضان فكذا يوم الشك لانه لا يعلم أنه من رمضان فاذا نواه من شعبان فانكشف أنه كان من رمضان أجزأ عنه والمعتمد قوله عليه السلام لا استدلاله وهذه الاستدلالات كانت لاشكالات العامة. (م ت)

(٢) ذهب الشيخ رحمه الله في النهاية وأكثر الاصحاب إلى أن صوم الوصال هو أن ينوى صوم يوم وليلة إلى السحر، وذهب هو في الاقتصاد وابن ادريس إلى أن معناه أن يصوم يومين مع ليلة بينهما، وانما يحرم تأخير العشاء إلى السحر إذا نوى كونه جزء‌ا من الصوم أما لو أخره الصائم بغير نية فانه لا يحرم فيها، قطع به الاصحاب والاحتياط يقتضى اجتناب ذلك، واما صوم الصمت فهو أن ينوى الصوم ساكتا وقد أجمع الاصحاب على تحريمه. (المرآة)

(٣) هو أن يصوم بنذره على ترك الطاعة أو فعل المعصية شكرا أو عكسهما جزاء. (م ت)

(٤) حرمة صوم الدهر اما لاشتماله على الايام المحرمة ان كان المراد كل السنة، وان كان المراد ما سوى الايام المحرمة فلعله انما يحرم إذا صام على الاعتقاد أنه سنة مؤكدة فانه يقتضى الافتراء على الله تعالى: ويمكن حمله على الكراهة أو التقية لاشتهار الخبر بهذا المضنون بين العامة قال المطرزى في المغرب: وفى الحديث انه عليه السلام " سئل عن صوم الدهر فقال: لا صام ولا أفطر " قيل انما دعا عليه لئلا يعتقد فريضته ولئلا يعجز فيترك الاخلاص أو لئلا يرد صيام السنة كلها فلا يفطر في الايام المنهى عنها انتهى، وقال الجزرى في النهاية في الحديث انه " سئل عمن يصوم الدهر فقال لا صام ولا أفطر " أى لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى: " فلا صدق ولا صلى " وهو احباط لاجره على صومه حيث خالف السنة، وقيل: دعاء عليه كراهة لصنيعه. (المرآة)

٧٩

وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار(١) فصوم يوم الجمعة، والخميس، والاثنين وصوم البيض(٢) ، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان(٣) ، وصوم يوم عرفة، ويوم عاشورا كل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر.

وأما صوم الاذن فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها(٤) ، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن سيده، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا باذنهم ".

وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا راهق(٥) بالصوم تأديبا وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك امر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله

___________________________________

(١) معنى كون صاحب الصوم بالخيار أن ليس شئ من الصوم تركه ممنوعا لكنه لابد من كون الفعل راجحا على الترك (مراد) وقال المولى المجلسى رحمه الله: أى يجوز له الافطار بعد الشروع فيه أو لا يجب صومه.

(٢) هو اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لبياض الليالى فيها مع الايام، أو لابيضاض جسد آدم عليه السلام لصيامها.(م ت)

(٣) استحباب صيامها مشهور بين العامة وروى من طرقهم أن من صامها بعد شهر رمضان فكانما صام الدهر لقوله تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ولو صامها بعد يومين أو ثلاثة بعد العيد فهو أفضل لما سيجئ.(م ت)

(٤) المشهور بين الاصحاب بل المتفق عليه بينهم أنه لا يجوز صوم المرأة ندبا مع نهى زوجها عنه والمشهور أيضا عدم الجواز مع عدم الاذن.(المرآة)

(٥) راهق الغلام مراهقة: قارب الاحتلام ولم يحتلم بعد (المصباح المنير) وفى المحكى عن الفاضل الاسترابادى أنه قال: اشتهر بين المتأخرين خلاف من غير فيصل وهو أن عبادات الصبى المميز تمرينية يعنى صورتها صورة الصلاة والصوم مثلا وليست بعبادة، أو عبادة فلو نوى النيابة عن الميت لبرئت ذمة الميت، وجعله عليه السلام صوم الصبى قسيما للصوم الذى صاحبه بالخيار فيه صريح في أن صوم الصبى ليس بعبادة ويؤيد ذلك أن نظائره مطلوبة وليست بصوم بل صورتها صورة الصوم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

يُشير النصّ العبري إلى الإمام الحسينعليه‌السلام من خلال ما جاء على لسان (يوحنّا) بأنّه المذبوح الذي ضحّى بنفسه وأهل بيته من أجل الله، وأنّه سينال المجد والعِزّة على مرّ العصور والأجيال، وهذا ما يتّضح من خلال التحليل اللغوي للنصّ العبري، حيث نجد الإشارة إلى أنّه (ذُبِحَ، قُتِل) من خلال صيغة اسم الفاعل (نشحطتا) وهي مُشتقّة من الفعل (شاحط): (ذَبَح، قَتَل)(١) .

ثمّ نجد في النص العبري تأكيداً آخر على أنّ المذبوح يشري دمه الطاهر قربةً إلى الله، وابتغاء مرضاته من خلال عبارة: (بَدِمْخا قانيتا)، فالفعل (قانيتا) هو بالأصل: (قانا): (اشترى، باع) و(التاء) في (قانيتا) هي (تاء المخاطب)(٢) .

ثمّ الإشارة إلى نكتة مُهمّة، وهي أنّ هذه التضحية وهذا القربان الذي قدّمه الحسينعليه‌السلام لكلّ الشعوب والأُمم على اختلاف لغاتهم وقوميّاتهم بقوله: (من كل مشبحا ولاشون وعم وگوي )(٣) .

ثمّ يؤكّد النصّ على أنّ الله سيجعل - لسيّد الشهداء - المجد والكرامة والعِزّة بقوله: (في اشمع قول ملاخيم ربيم قورئيم عوشر في حاخما في گبورا في هدار كافود )(٤) . وهذا ما ينطبق على سيّد الشهداء المذبوح بكربلاء، الذي انفرد بهذه الخصوصية التي ميّزته عن بقيّة الشهداء على مرّ التأريخ.

____________________

(١) المعجم الحديث، ص٤٧١.

(٢) نفس المصدر، ص١٠٤، ٤٢٥.

(٣) المعجم الحديث، ص٢٤٠، ٣٦٩، ٤٨.

(٤) المصدر السابق، ص٨١، ١١٤، ٢١٢.

١٨١

(أرميا) يُخبر عن مذبحة كربلاء:

فقد جاء في صحيفة (أرميا)

في هيوم هَهو كاشلوا

في نافلوا تسافونا عل يد نهر فرات

في آكلا حيرب

في سابعا

في راوتا من دمام

كي زيبح لأدوناي يهفا

تسفاؤوت با إيرتس

تسافون إل نهر فرات(١) .

ويعني هذا النص:

في ذلك اليوم يسقط القتلى في المعركة

قرب نهر الفرات

وتشبع الحرب والسيوف وترتوي

من الدماء التي تسيل في ساحة المعركة

بسبب مذبحة ربّ الجنود في أرض

تقع شمال نهر الفرات

فالنصّ الذي أخبر عنه (أرميا) يكشف بكلّ وضوح عن ملحمة الطف في كربلاء الحسين، ومن خلال التحليل اللغوي للنصّ العبري، نجد تعظيماً لفداحة ما

____________________

(١) العهد القديم، صحيفة أرميا: ٤٦: ٦، ١٠ ص٧٨٢ (الأصل العبري).

١٨٢

يحدث في ذلك اليوم حيث، يسقط القتلى في المعركة: (كاشلوا في نافلوا) في شمال نهر الفرات: (تسافونا عل يد نهر فرات)(١) .

ثمّ التأكيد على أنّ: الحراب والسيوف ستشبع وترتوي من الدماء التي ستسيل في ساحة المعركة: (في آكلا حيرب في سابعا في راوتا من دمّام)، والإشارة ثانية إلى أنّ هذه المذبحة ستقع شمال نهر الفرات:

(تسافون إل نهر فرات). فإخبار (أرميا) بسقوط الشهداء، وارتواء السيوف من دمائهم على أرض تقع على (نهر الفرات) يدلّ دلالةً واضحةً، على أنَّ هذه الأرض هي (كربلاء)؛ لأنّ (عبيد الله بن زياد) عندما بعث (بعمر بن سعد) على رأس جيش فلقي الحسينعليه‌السلام بموضع على الفرات يُقال له: (كربلاء)(٢) ، فمنعوه الماء، وحالوا بينه وبين ماء الفرات.

ويتّضح من خلال هذين النصّين، وما تضمّناه من تنبُّؤاتٍ بما سيحدث على أرض (كربلاء)، وما سيُلاقيه (سيّد الشهداء) يتطابق مع ما ورد عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام ، بشأن مظلومية الحسين، وأشارت إلى مكان استشهاده والحسين كان طفلاً صغيراً(٣) .

رأس اليهود في مجلس يزيد:

قال الفقيه المحدّث قطب الدِّين الراوندي: (ودخل عليه (يزيد) رأس اليهود. فقال: ما هذا الرأس؟

فقال: رأس خارجيّ!

قال: ومَنْ هو؟

____________________

(١) العهد الجديد ص٢٢٦، ٣١١، ٤٠٦.

(٢) أهل البيتعليهم‌السلام في الكتاب المقدّس: ١١٣ - ١١٨.

(٣) المصدر نفسه.

١٨٣

قال: الحسين؟

قال: ابن مَن؟

قال: ابن عليّ.

قال: ومَن أُمّه؟

قال: فاطمة.

قال: ومَن فاطمة؟

قال: بنت محمّد.

قال: نبيّكم؟!

قال: نعم.

قال: لا جزاكم الله خيراً، بالأمس كان نبيّكم واليوم قتلتم ابن بنته؟! ويحَك! إنّ بيني وبين داود النبيّ نيِّفاً وسبعين أباً، فإذا رأتني اليهود كفّرت لي(١) ، ثمّ مال إلى الطشت وقبّل الرأس، وقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ جدّك محمّداً رسول الله، وخرج، فأمر يزيد بقتله )(٢) .

وذكر ابن أعثم - بعد ذكره ما جرى بين الإمام زين العابدينعليه‌السلام ويزيد من الكلام - قال: (فالتفت حبر من أحبار اليهود وكان حاضراً، فقال: مَن هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟!

فقال: صاحب الرأس هو أبوه.

قال: ومَن هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين؟

قال: الحسين بن علي بن أبي طالب.

____________________

(١) قيل: يقال: كفّر - لسيده. إذا انحنى ووضع يده على صدره وطأطأ رأسه كالركوع تعظيماً له.

(٢) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨١، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٧.

١٨٤

قال: فمَن أُمّه؟

قال: فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال الحبر: يا سبحان الله! هذا ابن نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة، بِئْسَ ما خلّفتموه في ذُرّيته، والله، لو خلّف فينا موسى بن عمران سبطاً من صلبه لكنّا نعبده من دون الله(١) ، وأنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالأمس، فوثبتم على ابن نبيّكم فقتلتموه، سوأةً لكم من أُمّة.

قال: فأمر يزيد بكرة في حلقه(٢) ، فقام الحبر وهو يقول: إن شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو فذروني، فإنّي أجد في التوراة أنّه مَن قتل ذُرّية نبيّ لا يزال مغلوباً(٣) أبداً ما بقي، فإذا مات يصليه الله نار جهنّم )(٤) .

وروى ابن عبد ربّه، عن أبي الأسود محمّد بن عبد الرحمان أنّه قال: ( لقيت رأس الجالوت(٥) ، فقال:

إنّ بيني وبين داود سبعين أباً، وإنّ اليهود إذا رأوني عظّموني وعرفوا حقّي وأوجبوا حفظي، وأنّه ليس بينكم وبين نبيّكم إلاّ أب واحد، وقتلتم ابنه )(٦) .

قال الخوارزمي: ( قال بعض العلماء: إنّ اليهود حرَّموا الشجرة التي كان منها

____________________

(١) لظننّا أنّا كنّا نعبده من دون الله / تسلية المجالس، وقريب منه في الخوارزمي.

(٢) فأمر يزيد به فوجئ بحلقه ثلاثاً/ الخوارزمي.

(٣) ملعوناً/ الخوارزمي - تسلية المجالس - البحار.

(٤) الفتوح ٢/ ١٨٥. وأورد نحوه: مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٩ بتفاوت يسير جدّاً.

(٥) بن يهوذا/ مُثير الأحزان.

(٦) العقد الفريد ٥/ ١٣٢. ونحوه في الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٧، ح٣٠٦)؛ تذكرة الخواص: ٢٦٣؛ مُثير الأحزان: ١٠٣ الملهوف: ٢٢٠ وغيرهم بتفاوت يسير.

١٨٥

عصا موسى أن يخبطوا بها وأن يوقدوا منها النار؛ تعظيماً لعصا موسى، وأنّ النصارى يسجدون للصليب؛ لاعتقادهم فيه أنّه من جنس العود الذي صُلِب عليه عيسى، وأنّ المجوس يُعظّمون النار؛ لاعتقادهم فيها أنّها صارت برداً وسلاماً على إبراهيم نفسها، وهذه الأُمّة قد قتلت أبناء نبيّها، وقد أوصى الله تعالى بمودّتهم وموالاتهم، فقال عزّ مِن قائل:( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) (١) )(٢) .

رسول ملك الروم في مجلس يزيد:

روى سبط ابن الجوزي، عن عبيد بن عمير، قال: ( كان رسول قيصر حاضراً عند يزيد، فقال ليزيد: هذا رأس مَن؟ فقال: رأس الحسين. قال: ومَن الحسين؟ قال: ابن فاطمة. قال: ومَن فاطمة؟ قال: بنت محمّد. قال: نبيّكم؟ قال: نعم. قال: ومَن أبوه؟ قال: عليّ بن أبي طالب. قال: ومَن عليّ بن أبي طالب؟ قال: ابن عمّ نبيّنا.

فقال: تبّاً لكم ولدينكم!! ما أنتم - وحقِّ المسيح - على شيء، إنّ عندنا في بعض الجزائر دَيْر فيه حافر حمار ركبه عيسى السيّد المسيح، ونحن نحجّ إليه في كلّ عام من الأقطار، وننذر له النذور، ونُعظّمه كما تُعظّمون كعبتكم، فأشهد أنّكم على باطل، ثمّ قام ولم يعد إليه )(٣) .

وروى ذلك الخوارزمي بتفصيل أكثر، وهو ما أورده بإسناده عن زيد بن علي، ومحمّد بن الحنفية، عن عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام أنّه قال:( لما أُتي برأس الحسين عليه‌السلام إلى يزيد كان يتُخذ مجالس الشرب، ويأتي برأس الحسين، فيضعه بين يديه ويشرب عليه، فحضر ذات يوم أحد مجالسه

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١٠١.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٣.

١٨٦

رسول ملك الروم - وكان من أشراف الروم وعظمائها - فقال: يا ملك العرب، رأس مَنْ هذا ؟

فقال له يزيد: مالكَ ولهذا الرأس؟!

قال: إنّي إذا رجعت إلى مَلِكِنا يسألني عن كلّ شيء رأيته، فأحببت أن أُخبره بقصّة هذا الرأس وصاحبه ليُشاركك في الفرح والسرور.

فقال يزيد: هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب.

فقال: ومَن أُمّه؟

قال: فاطمة الزهراء.

قال: بنت مَن؟

قال: بنت رسول الله.

فقال الرسول: أُفٍّ لك ولدينك!! وما دين (إلاّ) أحسن من دينك! اعلم أنّي من أحفاد داود، وبيني وبينه آباء كثيرة، والنصارى يُعظّمونني ويأخذون التراب من تحت قدمي تبرُّكاً؛ لأنّي من أحفاد داود، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله، وما بينه وبين رسول الله إلاّ أُمّ واحدة، فأيّ دين هذا؟!

ثمّ قال له الرسول: يا يزيد، هل سمعت بحديث كنيسة الحافر؟!

فقال يزيد: قل حتّى أسمع.

فقال: إنّ بين عمّان والصين بحراً مسيرته سنة، ليس فيه عمران إلاّ بلدة واحدة في وسط الماء، طولها ثمانون فرسخاً وعرضها كذلك، وما على وجه الأرض بلدة أكبر منها، ومنها يُحمل الكافور والياقوت والعنبر، وأشجارهم العود، وهي في أيدي النصارى، لا مُلْكَ لأحد فيها من الملوك، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة، أعظمها كنيسة الحافر، في محرابها حقّة من ذهب مُعلّقة، فيها حافر يقولون: إنّه حافر حمار كان يركبه عيسى، وقد زُيِّنت حوالي الحقّة بالذهب والجواهر والديباج والإبريسم، وفي كلّ عام يقصدها عالم من النصارى، فيطوفون حول

١٨٧

الحقّة، ويزورونها ويقبّلونها، ويرفعون حوائجهم إلى الله ببركتها، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أنّه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيّهم، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيّكم! لا بارك الله فيكم ولا في دينكم .

فقال يزيد لأصحابه: اقتلوا هذا النصراني؛ فإنّه يفضحنا إن رجع إلى بلده ويُشنّع علينا.

فلما أحسّ النصراني بالقتل قال: يا يزيد، أتُريد قتلي؟!

قال: نعم.

قال: فاعلم أنّي رأيت البارحة نبيّكم في منامي وهو يقول لي: يا نصراني، أنت من أهل الجنّة! فعجبت من كلامه حتّى نالني هذا، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ أخذ الرأس وضمّه إليه، وجعل يبكي حتّى قُتل ) (١) .

ثمّ قال الخوارزمي: (وروى مجد الأئمّة السرخسكي، عن أبي عبد الله الحدّاد أنّ النصراني اخترط سيفاً وحمل على يزيد ليضربه، فحال الخدم بينهما وقتلوه، وهو يقول: الشهادة الشهادة! )(٢) .

ولنِعْمَ ما أورده ابن شهر آشوب عن بعض شعراء أهل البيتعليهم‌السلام :

وا خـجلةَ الإسـلام من أضداده

ظـفروا لـه بـمعائب ومـعاثر

آل الـعُزير يُـعظّمون حـماره

ويـرون فـوزاً لـثْمَهم بالحافر

وسـيوفكم بـدم ابـن بنت نبيّكم

مخضوبة لرضى يزيد الفاجر(٣)

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢. ونحوه في: مُثير الأحزان: ١٠٣؛ الملهوف: ٢٢١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٧؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٩؛ عوالم العلوم ١٧/ ٤١٨. بتفاوت يسير.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢.

(٣) المناقب ٤/ ١٢٣.

١٨٨

دور الإمام زين العابدينعليه‌السلام في الشام:

هناك مسؤولية كبيرة يتحمّل أثقالها ويحمل أعباءها حجّة الله على أرضه، الإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ؛ إذ يرى نفسه أمام حُكّام فجرة وأُناسٍ جهلة، وعليه أن يؤدّي رسالة دم شهداء كربلاء، وعلى رأسهم أبيه سيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام .

زينب الكبرى تُعرِّف قائد المسيرة:

ذكرنا أنّ زينب الكبرى (سلام الله عليها) حينما واجهها يزيد وسألها بقوله: ( تُكلّميني؟ ) أشارت إلى ابن أخيها الإمام السجّادعليه‌السلام وقالت: ( هو المتكلِّم(١) )، أرادت بذلك أن تُعرِّف قائد المسيرة المظفّرة.

السجّادعليه‌السلام يعرّف أهل البيت من خلال القرآن!

لقد مضت فترة طويلة من الزمان، وكتابة أحاديث فضل أهل البيت ونشرها ممنوعة - فكيف بفهمها واستيعابها؟! - فقد مُنع من تدوين الأحاديث بعد رحيل الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بذريعة عدم التهاء الناس به عن القرآن!

وأعجب من ذلك أنّه منعت الحكومات عن فهم القرآن! وأصرّت على قراءة ظاهر آياته، دون السؤال عن تأويلها! كما منع معاويةُ ابنَ عبّاس عن ذلك(٢) .

وهكذا كان على الإمامعليه‌السلام أن ينتهز كلّ فرصة لبثّ الروح في أجساد هذه الأُمّة الميّتة، ويُرشدهم إلى حقائق القرآن الكريم، ويهديهم إلى معرفة المقصود منه.

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

(٢) أُنظر الاحتجاج ٢/ ٨٢.

١٨٩

ومن هذا المنطلق، نرى الإمامعليه‌السلام يستدلّ بآيات شريفة نزلت في شأن أهل البيتعليهم‌السلام ؛ حتّى يُعرِّف الناس واقع الأمر، مثل ما ذكرناه حول مُحادثة الإمامعليه‌السلام مع الرجل الشامي، واستدلالهعليه‌السلام بهذه الآيات الشريفة:

( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) .

( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ... ) .

( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى... ) .

( ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

خُطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

لم يكتفِ الإمامعليه‌السلام بذكر آيات شريفة منطبقة على أهل البيتعليهم‌السلام ، بل وقف موقفاً حازماً أمام الطاغية، وواجهه بكلّ صلابة، وكلّمه بكلّ شجاعة، ولم يكتفِ بذلك أيضاً، بل أخذ بزمام الكلام، وخاطب الجمهور، وكشف القناع عمّا سُتر فترةً طويلةً، وذلك بعدما قام الخطيب الشامي وتكلّم بما اشترى به رضى المخلوق بسخط الخالق.

قال الخوارزمي:

( وروي أنّ يزيد أمر بمنبر وخطيب ليذكر للناس مساوئ للحسين وأبيه عليّعليهما‌السلام (٢) ، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأكثر الوقيعة في عليّ

____________________

(١) انظر ص٨٨ - ٨٩ من هذا الكتاب.

(٢) في الفتوح (٢/ ١٨٥): ثمّ دعا يزيد بالخاطب وأمر بالمنبر فأُحضر، ثمّ أمر بالخاطب فقال: اصعد المنبر فخبِّر الناس بمساوئ الحسين وعليّ وما فعلا.

١٩٠

والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد، فصاح به عليّ بن الحسين:

( ويلك أيُّها الخاطب! اشتريت رضى (١) المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ (٢) مقعدك من النار ) .

ثمّ قال:( يا يزيد، ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد، فأتكلّم بكلمات (٣) فيهنّ لله رضى ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب ) .

فأبى يزيد، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، ائذن له ليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئاً. فقال لهم: إن صعد(٤) المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان(٥) .

____________________

وفي المناقب (٤/ ١٦٨) وكتاب الأحمر: قال الأوزاعي: لما أُتي بعليّ بن الحسين ورأس أبيه إلى يزيد بالشام قال لخطيب بليغ: خُذْ بيد هذا الغلام فائت به إلى المنبر، وأخبِر الناس بسوء رأي أبيه وجدّه، وفراقهم الحقّ وبغيهم علينا!

قال: فلم يدعْ شيئاً من المساوئ إلاّ ذكره فيهم، فلما نزل قام عليّ بن الحسين فحمد الله...

(١) في الفتوح: مرضاة.

(٢) في الفتوح: فانظر.

(٣) في الفتوح: بكلام فيه رضىً الله ورضى هؤلاء الجلساء وأجر وثواب.

(٤) في الفتوح: إنّه إن صعد.

(٥) ذكر الطبرسي ما يُشابه ذلك في حقّ سيّد الشهداءعليه‌السلام زمن حكومة معاوية، فإنّه روى عن موسى بن عقبة أنّه قال: لقد قيل لمعاوية: إنّ الناس قد رموا بأبصارهم إلى الحسينعليه‌السلام ، فلو قد أمرته يصعد المنبر فيخُطب، فإنّ فيه حصراً وفي لسانه كلالة.

فقال لهم معاوية: قد ظننّا ذلك بالحسن، فلم يزل حتّى عظم في أعين الناس وفضحنا.

فلم يزالوا به حتّى قال للحسين: يا أبا عبد الله، لو صعدت المنبر فخطبت، فصعد الحسينعليه‌السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمع رجلاً يقول: مَن هذا الذي يخطب؟ فقال الحسينعليه‌السلام :( نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأقربون، وأهل بيته الطيّبون، وأحد

١٩١

فقالوا: وما قَدر ما يُحسن هذا؟

فقال: إنّه من أهل بيت قد زُقّوا العلم زقّاً(١) .

ولم يزالوا به حتّى أذِن له بالصعود، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه(٢) ، ثمّ خطب خُطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، فقال فيها:

( أيّها الناس، أُعطينا ستّاً وفُضّلنا بسبع، أُعطينا العلم، والحِلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين. وفضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنّا الصدِّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد الله وأسد الرسول، ومنّا سيّدة نساء العالمين

الثقلين اللذين جعلنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوَّل علينا في تفسيره، لا يبطئنا تأويله، بل نتّبع حقايقه، فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مفروضة؛ إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله عزّ وجلّ:( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ... ) (النساء: ٥٩)، وقال: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (النساء: ٨٣)، وأُحذِّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم، فإنّه لكم عدوّ مُبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: ( ... لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ... ) (الأنفال: ٤٨) فتُلقَون للسيوف ضرباً، وللرماح ورداً، وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً، ثمّ لا يُقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ).

قال معاوية: حسبُك يا أبا عبد الله، فقد أبلغت! (الاحتجاج ٢/ ٩٤)

____________________

(١) في الفتوح: إنّه من نسل قوم قد رزقوا العلم رزقاً حسناً.

(٢) في المناقب: فلما نزل قام عليّ بن الحسين، فحمد الله بمحامد شريفة وصلّى على النبيّ صلاة بليغة موجزة.

١٩٢

فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الأُمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة (١) .

فمَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني (٢) أنبأته بحسبي ونسبي (٣) .

أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم (٤) والصفا (٥) ،أنا ابن مَن حمل الزكاة (٦) بأطراف الرداء، أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى، أنا ابن خير مَن انتعل واحتفى، أنا ابن خير مَن طاف وسعى (٧) ، (أنا) ابن خير مَن حجّ ولبّى، أنا ابن مَن حُمل على البراق (٨) في الهواء، أنا ابن مَن أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان مَن أسرى! أنا ابن مَن بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى، أنا

____________________

(١) ههنا في الفتوح والاحتجاج والبحار: أيُّها الناس.. وفي المناقب: يا معشر الناس.

(٢) بعده في الاحتجاج والمناقب: فأنا أُعرّفه بنفسي.

(٣) في الفتوح، بعده: أيُّها الناس.

(٤) في المناقب: مروة؛ في الاحتجاج: المروة.

(٥) ههنا في الاحتجاج توجد عبارة:أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن مَن علا فاستعلى، فجاوز سدرة المنتهى، وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.

وفي المناقب:أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن مَن لا يخفى، أنا ابن مَن علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى وكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى، أنا ابن مَن أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن عليّ المرتضى...

(٦) في البحار: الركن.

(٧) في الفتوح: أنا ابن خير مَن حجّ وطاف وسعى ولبّى.

(٨) في الفتوح: أنا ابن خير مَن حمل البراق.

١٩٣

ابن مَن دنا فتدلّى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السماء، أنا ابن مَن أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى .

أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن مَن ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا: لا إله إلاّ الله، أنا ابن مَن ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلّى القبلتين، وقاتل ببدرٍ وحُنين، ولم يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين [و] (١) رسول ربّ العالمين، أنا ابن المؤيّد بجبرائيل، والمنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر مَن مشى من قريش أجمعين، وأوّل مَن أجاب واستجاب لله (٢) من المؤمنين، وأقدم السابقين (٣) ، وقاصم المعتدين، ومُبير (٤) المشركين، وسهم من مرامي

____________________

(١) ليس في البحار، وهو الأنسب، وعلى فرض وجوده فـ (رسول) معطوف على كلمة ياسين.

(٢) في البحار: ولرسوله.

(٣) في البحار: وأوّل السابقين.

(٤) في البحار: مُبيد.

١٩٤

الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، ناصر (١) دين الله، ووليّ أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علم الله (٢) ، سمح سخيّ (٣) ، بهلول زكيّ أبطحيّ، رضيّ مرضيّ، مقدام هُمام، صابر صوّام، مُهذّب قوّام، شجاع قمقام، قاطع الأصلاب، ومفرّق الأحزاب، أربطهم جناناً، وأطبقهم عناناً، وأجرأهم لساناً، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسد باسل، وغيث هاطل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة وقربت الأعنّة، طحن الرحى (٤) ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، وصاحب الإعجاز، وكبش العراق، الإمام بالنصّ والاستحقاق، مكّيّ مدنيّ، أبطحيّ تُهاميّ، خيفيّ عقبيّ، بدريّ أُحُديّ، شجريّ مُهاجريّ، من العرب سيّدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين، مُظهِر العجائب، ومُفرّق الكتائب، والشهاب الثاقب، والنور العاقب، أسد الله الغالب، مطلوب كلّ طالب، غالب كلّ غالب، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب (٥) .

أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن الطهر

____________________

(١) في البحار: وناصر.

(٢) في البحار: علمه.

(٣) ههنا في البحار، عبارة (بهيّ) أيضاً.

(٤) في البحار: طحن مرحا.

(٥) في البحار: ثمّ قال.

١٩٥

البتول، أنا ابن بضعة الرسول... ) (١) .

قال: ولم يزل يقول: (أنا، أنا) حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة(٢) ، فأمر المؤذّن أن يؤذِّن، فقطع عليه الكلام وسكت(٣) .

فلما قال المؤذِّن(٤) : (الله أكبر)(٥) قال عليّ بن الحسين:( كبّرت كبيراً لا يُقاس ولا يُدرك بالحواس، لا شيء أكبر من الله ) .

فلما قال: (أشهد أن لا إله إلاّ الله) قال عليّ:

____________________

(١) هذا الفقرة في المناقب هكذا:( أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتّى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن مَن ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء، أنا ابن مَن رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن مَن حرمه من العراق إلى الشام تُسبى، أيّها الناس، إنّ الله - تعالى وله الحمد - ابتلانا أهل البيت ببلاءٍ حَسن؛ حيث جعل راية الهُدى والعدل والتُّقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا، فُضِّلنا أهل البيت بستّ خصال، فضّلنا بالعلم، والحِلم، والشجاعة، والسماحة، والمحبّة والمحلّة في قلوب المؤمنين، وآتانا ما لم يؤتَ أحداً من العالمين من قبلنا، فينا مختلف الملائكة وتنزيل الكتب ) .

(٢) في الاحتجاج: فضجّ أهل الشام بالبكاء، حتّى خشي يزيد أن يؤخذ من مقعده، فقال للمؤذّن: أذِّن.

(٣) الفقرة في الفتوح هكذا: فلم يزل يُعيد ذلك حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة فأمر المؤذِّن فقال: اقطع عنّا هذا الكلام.

(٤) في المناقب: (.. فلم يفرغ حتّى قال المؤذِّن: (الله أكبر)، فقال عليعليه‌السلام :( الله أكبر كبيراً ) ، فقال المؤذِّن: أشهد أن لا إله إلاّ الله، فقال علي بن الحسين:( شَهِد بها شعري... ) ، فلما قال المؤذِّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، قال علي:( يا يزيد، هذا جدّي أو جدّك؟! فإن قلت: جدّك، فقد كذبت. وإن قلت: جدّي، فلِمَ قتلت أبي وسبيت حرمه وسبيتني؟! ) .

ثمّ قال:( معاشر الناس، هل فيكم مَن أبوه وجدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ) . فعَلَتْ الأصوات بالبكاء، فقام إليه رجل يُقال له: المنهال بن عمرو الطائي، وفي رواية مكحول...

(٥) في الاحتجاج: فلما قال المؤذِّن: (الله أكبر) جلس عليّ بن الحسين على المنبر.

١٩٦

شهد بها (١) شعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعظمي ) .

فلما قال: ( أشهد أنّ محمّداً رسول الله ) التفت عليّ(٢) من أعلى المنبر إلى يزيد وقال:( يا يزيد، محمّد هذا جدّي أم جدّك؟! فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت (٣) ،وإن قلت (٤) : إنّه جدّي. فلِمَ قتلت عترته؟! ) .

قال: وفرغ المؤذِّن من الأذان والإقامة، فتقدّم يزيد(٥) وصلّى صلاة الظهر(٦) .

روى الخُطبة أرباب السير والتاريخ، فمنهم مَن ذكرها تفصيلاً كابن أعثم(٧) ، والخوارزمي(٨) ، ومحمّد بن أبي طالب(٩) ، ومنهم مَن ذكر معظمها كابن شهر آشوب(١٠) ، والمجلسي(١١) ، ومنهم مَن ذكر بعضها مثل أبي الفرج الأصفهاني(١٢) ، ومنهم مَن أشار إليها واكتفى بذكر مقدّماتها، مثل ابن نما والسيّد ابن طاووس(١٣) .

____________________

(١) في الفتوح: يشهد بها.

(٢) في الفتوح والبحار: التفت علي بن الحسين من فوق المنبر إلى يزيد.

(٣) في البحار هنا عبارة (وكفرت) أيضاً.

(٤) في البحار: وإن زعمت.

(٥) في الفتوح: تقدّم يزيد يُصلّي بالناس صلاة الظهر، فلما فرغ من صلاته أمر بعليّ بن الحسين وأخواته وعمّاته رضوان الله عليهم، ففرّغ لهم داراً فنزلوها، وأقاموا أيّاماً يبكون وينوحون على الحسين (رضي الله عنه).

(٦) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٩/ ٧١.

(٧) الفتوح ٢/ ١٨٥.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٩.

(٩) تسلية المجالس ٢/ ٣٩١. عن صاحب المناقب (بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٧)، وغيرهم.

(١٠) المناقب ٤/ ١٦٨. (الاحتجاج ٢/ ١٣٢ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦١ ح٦).

(١١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦١ ح٦.

(١٢) مقاتل الطالبيين: ١٢١.

(١٣) مُثير الأحزان: ١٠٢؛ الملهوف: ١٩.

١٩٧

نظرة خاطفة في الخُطبة وصداها:

لقد اقتصر الإمام السجّادعليه‌السلام في هذه الخُطبة على التعريف بأُسرته ونفسه، ولم يتعرّض لشيء آخر - فيما وصل إلينا من خُطبته الشريفة - ولعلّ السرّ في ذلك؛ أنّه لما كان يعلم أنّ المجتمع الشامي لا يعرف عن أهل البيت ومنزلتهم الرفيعة شيئاً؛ لكونه تربّى في أحضان سلطة الطغاة من بني أُميّة التي أخفت عنهم الحقائق وغذّتهم بالولاء لأبناء الشجرة الملعونة - بني أُميّة - والحقد على آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اكتفىعليه‌السلام بذلك.

ومن هذا المنطلق؛ نرى أنّ الإمامعليه‌السلام يُعالج المسألة عاطفيّاً؛ لأنّ تأثيره - في هذه المرحلة - أكثر من أيّ أداة، ومضمون الخطبة يُرشدنا إلى أنّ المخاطَبين كانوا من جمهور الناس، لا الأشراف والأعيان منهم فحسب، فجوّ المجلس يختلف عن جوّ مجلس يزيد العامّ، الذي كان محشوّاً بالأعيان والأشراف، وكبار رجال أهل الكتاب، وبعض مُمثّلي الدول الكبار آنذاك(١) .

فلذلك نرى أنّ الإمام يُعدّد مزايا آل البيتعليهم‌السلام ، ويخصّ بالذكر رجالاً منهم ليس لهم بديل ولا نظير، فيقول: بأنّ مناّ النبيّ المختار، ومنّا الصدِّيق - يعني عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام -، ومنّا الطيّار - يقصد جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام -، ومنّا أسد الله وأسد الرسول - يريد حمزة سيّد الشهداءعليه‌السلام -، ومنّا سيّدة نساء العالمين - أي فاطمة البتولعليها‌السلام -، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة - الحسنينعليهما‌السلام -، دون أن يُصرّح في البداية بالمقصود ممّن يذكرهم بهذه الأوصاف مثل الصدِّيق، وسيّدي شباب أهل الجنّة و...، حتّى يذكر أوصافاً مُتعدّدة لهم، تكشف عن بعض زوايا حياتهم وفضائلهم؛ ليكون أوقع بالنفوس، كما كان ذلك بالفعل.

____________________

(١) وهذا يؤيّد أنّها أُلقيت في المسجد لا المجلس، انظر: بحار الأنوار ٤٥/ ١٦١.

١٩٨

وبعد ذلك يذكر الإمام أصله وجذره نسباً وموطناً؛ حتّى يعلم الجميع أنّه فرع الشجرة النبويّة، والثمرة العلويّة، والجوهرة الفاطمية، واللؤلؤة الحسينيّة، ومن قلب مكّة والمدينة، فكيف شوّهت السلطة الباغية والحكومة الطاغية الواقع على الناس، وأذاعت الكذب، وعرّفتهم للأمّة بأنّهم الخوارج على أمير المؤمنين يزيد!

إنّ الإمامعليه‌السلام بعد تبيينه مُختصّات جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الوحي والمعراج و... يقوم ببيان خصائص جدّه المظلوم، أسد الله الغالب الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، والمجتمع الشامي يسمع أوصافاً له يسمعها أوّل مرّة؛ فهو الذي ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلّى القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين... وارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين... وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين... المؤيَّد بجبرائيل، والمنصور بميكائيل... قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين...

ثمّ يذكر بعض خصائص جدّته الصدِّيقة الكبرى، الإنسيّة الحوراء فاطمة الزهراءعليها‌السلام حتى يصل إلى قمّة كلامه بقوله:( أنا ابن المقتول ظلماً... ) يقول ذلك والظالم - يزيد - جالس بين يديه في المجلس. ويُشير إلى بعض مأساة كربلاء فيقول:( أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتّى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ) .

وبذلك عرَّف الناس أنّ والده الحسين قد قُتِل مظلوماً، عطشاناً، واحتُزّ رأسه الشريف من القفا، وطُرِح جسمه الطاهر بكربلاء، وسُلب عمامته ورداؤه.

فانقلب المجلس - وذلك تبعاً لانقلاب العالم - لقتل الحسينعليه‌السلام ! كيف لا، وقد قال الإمامعليه‌السلام :( أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن مَن ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء... ) .

١٩٩

هذا ما جرى في كربلاء، وهذا ما وقع في الكون بقتل الحسينعليه‌السلام ، وأمّا الشيء الموجود حالياً بالشام، الذي لابدّ أن يلتفت إليه هذا الجمهور الغافل الضائع، فهو أنّ جسم الحسينعليه‌السلام الطاهر، وإن كان في كربلاء، ولكنّ رأسه الشريف وحرمه موجودان بالشام وبين أيديهم، ونبّههم الإمام على ذلك بقوله:( أنا ابن مَن رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن مَن حرمه من العراق إلى الشام تُسبى... ) .

ولم يجد الطاغي ابن الباغي يزيد بن معاوية مفرّاً، إلاّ أن يلتجئ إلى المؤذِّن بذريعة الأذان، وقد كان يعلم في البداية أنّ الإمامعليه‌السلام لو صعد المنبر يقلب الوضع عليه، وقد صرّح بأنّه لو صعد المنبر لم ينزل إلاّ بفضيحته وفضيحة آل أبي سفيان، وأنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّاً، ولكنّ إصرار الناس غلبه على أمره، وأظنُّ أنّه ما كان يعلم أنّه ينقلب الأمر عليه إلى هذه الدرجة، وإلاّ لما كان يرضى بذلك، وإن بلغ ما بلغ، وإنّما رضي بذلك خوفاً من الناس وفراراً من حفيرة، ولكنّه وقع في بئر حفره سوء عمله وخبث ضميره، وأوجبه كلام حقٍّ، صدر من قلبٍ طاهر على لسانٍ صادق.

نعم، إنّ يزيد لم يتمكّن أن يقطع كلام الإمام إلاّ بالأذان، كما أنّ أباه - معاوية - لم يتمكّن أن يهرب من سيف جدّه - عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - إلاّ برفعه المصاحف! ولكنّ الإمام واجه هذه الخدعة ببيان حقيقة الربوبيّة وواقع التوحيد ولُبّ الرسالة، وواجه الطاغية يزيد بكلامه:( يا يزيد، محمّد هذا جدّي أم جدّك؟! فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت، وإن قلت: إنّه جدّي. فلِمَ قتلت عترته؟! ) .

فطرح أمامه سؤالاً لم يَحِرْ يزيد جواباً له، وهو أنّ هذا محمّداً رسول الله الذي تشهد برسالته - فيما تزعم - وتترأس رئاسة أُمّته، وتدّعي خلافته - ظلماً وزوراً - فهل هو جدّك أم جدّي؟! إذا كنت تدّعي أنّه جدّك فهذا كذب واضح، فالجميع

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460