مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245198 / تحميل: 9429
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

يعلم أنّك فرع الشجرة الملعونة، وإذا قلت: إنّه جدّي. فلماذا قتلت عترته وسبطه، وسبيت أهله؟!

قال بعض المؤرِّخين: لقد أثّر خطاب الإمام تأثيراً بالغاً في أوساط المجتمع الشامي؛ فقد جعل بعضهم ينظر إلى بعض ويُسِرُّ بعضهم إلى بعض بما آلوا إليه من الخيبة والخسران، حتّى تغيَّرت أحوالهم مع يزيد(١) ، وأخذوا ينظرون إليه نظرة احتقار وازدراء.

الإمامعليه‌السلام مع مكحول صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ذكر الطبرسي - بعد نقله خُطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام - قال: ( فنزل - أي نزل عليّ بن الحسينعليه‌السلام عن المنبر - فأخذ ناحية باب المسجد، فلقيه مكحول(٢) صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟ قال:

____________________

(١) جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: ١٢٨ - على ما في ( حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ) ٣/ ٣٨٨.

(٢) هو - على ما ذكره المزّي -: مكحول الشامي أبو عبد الله، ويُقال: أبو أيّوب، ويُقال: أبو مسلم، والمحفوظ أبو عبد الله الدمشقي الفقيه، وكانت داره بدمشق عند طرف سوق الأحد... وقال محمد بن المنذر الهري: إنّ أصله من هرات... وذكره محمّد بن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام... وقال: محمّد بن عبد الله بن عمّار الموصلي: مكحول إمام أهل الشام... وعن الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيّب بالمدينة، وعامر الشعبي بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام. (تهذيب الكمال ٢٨/ ٤٦٤).

وقال المامقاني: مكحول غير مذكور في كُتب رجالنا، وإنّما عدّه أبو موسى من الصحابة، واصفاً له بمولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج أنّه كان من المبغضين لأمير المؤمنينعليه‌السلام . (تنقيح المقال ٣/ ٢٤٦ رقم ١٢١٠٨).

وقال المحدّث القمّي: مكحول من علماء التابعين بالشام... وعدّه ابن أبي الحديد من المبغضين لعلي... وفي كتاب الاختصاص، عن سعيد بن عبد العزيز أنّه قال: كان الغالب على مكحول عداوة علي بن أبي طالب، وكان إذا ذكر عليّاً لا يُسمّيه ويقول: أبو زينب. (مُستدرك سفينة البحار ٩/ ٧٢).

٢٠١

( أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يُذبّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وفي ذلكم بلاء من ربّكم عظيم ) (١) .

زين العابدينعليه‌السلام مع منهال (٢) :

روى المحدّث الجليل عليّ بن إبراهيم القمّي، بإسناده عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:( لقي المنهال بن عمر [ عليّ (٣) ] بن الحسين بن عليّ عليهم‌السلام ، فقال له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟

قال: ويحك! أما آن لك أن تعلم كيف أصحبت؟! أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يُذبِّحون أبناءنا، ويستحيون نساءنا (٤) ،وأصبح خير البريّة بعد محمّد يُلعَن على المنابر، وأصبح عدوّنا يُعطى المال والشرف، وأصبح مَن يُحبّنا محقوراً منقوصاً حقّه، وكذلك لم يزل المؤمنون، وأصبحت العَجم تعرف للعرب حقّها بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت

____________________

(١) الاحتجاج ٢/ ١٣٤ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

(٢) هو المنهال بن عمرو الأسدي، عدّه الشيخ بهذا العنوان تارة في أصحاب الحسينعليه‌السلام ، وعدّه في أصحاب الصادقعليه‌السلام أيضاً قائلاً: المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم كوفي، روى عن عليّ بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد اللهعليهم‌السلام ، وعدّه البرقي في أصحاب عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، روى عن الأصبغ، وروى عنه علي بن عبّاس... كذا في مُعجم رجال الحديث ٢٠/ ١٠ رقم ١٢٧٢٥.

(٣) سقط في النسخة المطبوعة، وذكره المجلسي عنه عن الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

(٤) إشارة إلى الآية الشريفة:( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (القصص: ٤).

٢٠٢

قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقّها بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحنا أهل البيت لا يُعرف لنا حقّ، فكهذا أصبحنا يا منهال ) )(١) .

وقال ابن أعثم الكوفي: وخرج عليّ بن الحسين ذات يوم، فجعل يمشي في أسواق دمشق، فاستقبله المنهال بن عمرو الطائي، فقال له: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟

قال:( أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون، يُذبِّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، يا منهال، أمست العرب تفتخر على العَجم بأنّ محمّداً عربيٌّ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منهم، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون، مقهورون منقتلون، مثبورون مطرودون، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال ) (٢) .

ذكر هذه المحادثة عدّة من أرباب الأخبار والسير بتفاوت يسير، منهم المحدّث الجليل فرات الكوفي(٣) ، وأبو جعفر الكوفي(٤) ، والخوارزمي(٥) ، وابن نما(٦) ، وابن شهر آشوب(٧) ، وابن طاووس(٨) ، وابن عساكر(٩)

____________________

(١) تفسير القمّي ٢/ ١٣٤ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٨٤.

(٢) الفتوح ٢/ ١٨٧.

(٣) تفسير فرات الكوفي: ١٤٩، ح١٨٧.

(٤) المناقب: ١٣٨.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١.

(٦) مُثير الأحزان: ١٠٥.

(٧) المناقب ٤/ ١٦٩.

(٨) الملهوف: ٢٢٢.

(٩) مختصر تاريخ دمشق ١٧/ ٢٤٤.

٢٠٣

مُلاحظة:

ذكر ابن شهر آشوب ما جرى بين الإمام السجّادعليه‌السلام وكلام السائل، على نحو ما أورده فرات الكوفي في تفسيره، إلاّ أنّه قال في بدايته: ( فقام إليه رجل من شيعته، يُقال له: المنهال بن عمرو الطائي. وفي رواية: مكحول صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(١) .

ولكنّ الظاهر تكرّر الواقعة والمحادثة لا وحدتها، خاصّة وأنّ المروي كون مُحادثة مكحول عند ناحية المسجد، ومكالمة منهال في سوق دمشق، وليس بغريب أن يتكرّر ويتقارب جواب في سؤال واحد.

وكيف كان، فالإمام يتأوّه ويسترجع على ما رأى بأُمّ عينيه من المصائب والمآسي، التي لم يتحمّلها أحدٌ من الناس.

قال ابن نما: ولله درّ مهيار(٢) بقوله في العترة الطاهرة:

يُعظِّمون له أعواد منبره

وتحت أرجلهم أولاده وضعوا

بأيّ حُكم بَنُوه يتبعونكم

وفخركم أنّكم صحبٌ له تبع(٣)

مع الرأي العام المضلَّل... مرّة أُخرى!

لقد اهتمّ الإمامعليه‌السلام بمسألة تنوير الأفكار وكشف الحقائق أكثر من أيّ شيء،

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٧.

(٢) مهيار بن مرزويه، أبو الحسن أو أبو الحسين الديلمي، شاعر كبير، في معانيه ابتكار، وفي أسلوبه قوّة، قال الحرّ العاملي: جمع مهيار بين فصاحة العرب ومعاني العَجم، وقال الزبيدي: شاعر زمانه. فارسي الأصل، من أهل بغداد، أسلم على يد الشريف الرضيّ، وهو شيخه وعليه تخرّج في الشعر والأدب... توفّي في بغداد سنة ٤٢٨هـ (الأعلام ٧/ ٣١٧، وذَكر من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد ١٣/ ٢٧٦؛ المنتظم ٨/ ٩٤؛ البداية والنهاية ١٢/ ٤١؛ ابن خلكان ٢/ ١٤٩).

(٣) مُثير الأحزان: ١٠٦؛ الملهوف: ٢٢٣.

٢٠٤

ولقد ذكرنا شيئاً من كلامه ومُحادثاته، وخُطبه التي تُعالج هذا الجانب.

وفيما يلي نذكر بعض الأسئلة التي طُرحت على الإمام، ونرى كيف اهتمّ الإمام بالمسألة، وذلك في ضمن أجوبته.

روى فرات بن إبراهيم الكوفي، بإسناده عن يحيى بن مساور، قال: ( أتى رجل من أهل الشام إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال له: أنت عليّ بن الحسين؟

قال:( نعم ).

قال: أبوك قتل المؤمنين!

فبكى عليّ بن الحسين، ثمّ مسح وجهه وقال:( ويلك! وبما قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين؟! ) .

قال: بقوله:( إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم على بغيهم ) .

قال:( أما تقرأ القرآن؟! ) .

قال: إنّي أقرأ.

قال:( أما سمعت قوله: ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً... وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً... وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ) (١) ؟! ) .

قال: بلى.

قال:( كان أخاهم في عشيرتهم أو في دينهم؟! ) .

قال: في عشيرتهم.

قال:( فرّجت عنّي فرّج الله عنك ) )(٢) .

وروى نحوه العيّاشي(٣) .

____________________

(١) هود: ٥٠ و٨٤ و٦١.

(٢) تفسير فرات الكوفي: ١٩٢ ح٢٤٨.

(٣) تفسير العيّاشي ٢/ ١٥٢ ح٤٣ - عنه البرهان في تفسير القرآن ٢/ ٢٢٤ بتفاوت.

٢٠٥

حبس الإمام زين العابدينعليه‌السلام !

قال المدائني: ( وموضع حبس زين العابدين هو اليوم مسجد )(١) .

أقول: لعلّه هو المسجد الواقع في جنب مقام رأس الحسينعليه‌السلام في جوار المسجد الأُموي حاليّاً.

قال ابن الحوراني: ( قال الكمال الدميري في (حياة الحيوان الكبرى): قال ابن عساكر: ومسجد عليّ بن الحسين هو زين العابدين في جامع دمشق معروف.

قلت: هو في المسجد الشرقي الشمالي، كان (رضي الله عنه) يُصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة، وهو مسجد لطيف، عليه جلالة وهيبة، يُزار ويُتبرّك به )(٢) .

وروى الشيخ الصدوق، عن فاطمة بنت عليّ (صلوات الله عليهما) قالت: ( ثمّ إنّ يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسينعليه‌السلام ، فحُبسن مع عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في محبس لا يُكنّهم من حرٍّ ولا قَرٍّ، حتّى تقشّرت وجوههم )(٣) .

مُحاولات اغتيال الإمام زين العابدينعليه‌السلام !

وزين العابدين بقيد ذلٍّ

وراموا قتله أهل الخؤونا(٤)

لقد تعرّض الإمام السجّادعليه‌السلام للقتل والاغتيال في عدّة مواطن، ولكن أبى الله ذلك؛ حفظاً لبقاء حُججه على أرضه.

فمن تلك المواطن كربلاء:

قال سبط ابن الجوزي: ( وإنّما استبقوا عليّ بن

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

(٢) الإشارات إلى أماكن الزيارات المسمّى زيارات الشام: ٢٠.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٣١، مجلس ٣١، ح٢٤٣ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٠.

(٤) من أشعار لأُمّ كلثوم بنت الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قالتها حينما توجّهت إلى المدينة، اُنظُر: بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٨.

٢٠٦

الحسين لأنّه لما قُتل أبوه كان مريضاً، فمرّ به شمر فقال: اقتلوه. ثمّ جاء عمر بن سعد، فلما رآه قال: لا تتعرّضوا لهذا الغلام، ثمّ قال لشمر: ويحك! مَن للحرم؟! )(١) .

ومنها في الكوفة:

قال الطبرسي - بعد ذكر ما جرى بين الإمامعليه‌السلام وابن زياد من الكلام -: فغضب ابن زياد وقال: ( لك جرأة على جوابي! وفيك بقيّة للردّ عليَّ؟! اذهبوا واضربوا عنقه! )، فتعلّقت به زينب...(٢) .

ومنها في الشام:

وذلك في عدّة مواقف:

منها: ما ذكره الفقيه القطب الراوندي: ( وروي أنّه لما حُمل عليّ بن الحسينعليه‌السلام إلى يزيد لعنه الله هَمَّ بضرب عنقه )(٣) .

ومنها: ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (كان عليّ بن الحسين مقيّداً مغلولاً، فقال يزيد لعنه الله: يا عليّ بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك!

فقال عليّ بن الحسين:( لعنة الله على من قتل أبي ) ). قال: ( فغضب يزيد وأمر ضرب عنقه، فقال عليّ بن الحسين:( فإذا قتلتني، فبنات رسول الله مَن يردّهم إلى منازلهم وليس لهم محرم غيري؟!... ) (٤) .

ومنها: ما رواه صاحب الاحتجاج، بعد ذكره الخطبة السجّادية ورجوع الإمام السجّادعليه‌السلام إلى المنزل، فبعده قال ليزيد:( يا يزيد، بلغني أنّك تُريد قتلي، فإن كنت لابدّ قاتلي فوجّه مع هؤلاء النسوة مَن يردّهن ) (٥) .

ومنها: ما رواه ابن شهر آشوب عن المدائني: (لما انتسب السجّاد إلى النبيّ

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٥٨.

(٢) إعلام الورى: ٢٤٧.

(٣) بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٠.

(٤) بحار الأنوار، ٤٥/ ١٦٨.

(٥) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

٢٠٧

قال يزيد لجلوازه: أدْخِله في هذا البستان واقتله وادفنه فيه. فدخل به إلى البستان، وجعل يحفر والسجّاد يصلّي، فلما همّ بقتله ضربته يد من الهواء، فخرّ لوجهه وشهق ودهش، فرآه خالد بن يزيد وليس لوجهه بقيّة، فانقلب إلى أبيه وقصّ عليه، فأمر بدفن الجلواز في الحفرة وإطلاقه، وموضع حبس زين العابدين هو اليوم مسجد )(١) .

ومنها: ما رواه المسعوديّ، بعد ذكر المحادثة بين الإمامعليه‌السلام ويزيد، قال: ( فشاور يزيد جلساءه في أمره، فأشاروا بقتله )(٢) .

ومنها: ما رواه ابن كثير بقوله: وروي أنّ يزيد استشار الناس في أمرهم، فقال رجل ممّن قبّحهم الله: ( يا أمير المؤمنين، لا يتّخذن من كلبِ سوءٍ جرواً، اقتُل عليّ بن الحسين؛ حتّى لا يبقى من ذرّية الحسين أحد )، فسكت يزيد...(٣) .

ومنها: ما رواه ابن عساكر، بإسناده عن حمزة بن زيد الحضرمي، عن ريّا حاضنة يزيد أنّها قالت: ( ولقد جاءه (أي يزيد) رجل من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) فقال له: قد أمكنك الله من عدوّ الله وابن عدوّ أبيك! فاقتل هذا الغلام ينقطع هذا النسل، فإنّك لا ترى ما تُحبّ وهم أحياء، آخر مَن يُنازَع فيه - يعني عليّ بن حسين بن علي - لقد رأيت ما لقي أبوك من أبيه، وما لقيت أنت منه، وقد رأيت ما صنع مسلم بن عقيل، فاقطع أصل هذا البيت، فإنّك إن قتلت هذا الغلام انقطع نسل الحسين خاصّة، وإلاّ فالقوم ما بقي منهم أحد طالبك بهم، وهم قوم ذو مكر، والناس إليهم مائلون، وخاصّة غوغاء أهل العراق يقولون: ابن رسول الله(صلَّى الله عليه وسلَّم)، ابن عليّ وفاطمة. اقتُله فليس هو بأكرم من صاحب هذا الرأس.

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣. ولعلّ ما ذكره صاحب الاحتجاج هو بعد حصول هذه المسألة.

(٢) إثبات الوصيّة: ١٤٥.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

٢٠٨

فقال: لا قمت ولا قعدت، فإنّك ضعيف مهين، بل أدعهم، كلّما طلع منهم طالع أخذته سيوف آل أبي سفيان!

قال: إنّي قد سمَّيت الرجل الذي من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ولكن لا أُسمّيه ولا أذكره )(١) .

تأمّل وملاحظات:

نجد في هذه الرواية موارد للتأمّل والتوقّف عليها:

١ - إصرار بالغ من رجل - قيل: إنّه صاحب رسول الله! - على قتل سبطه الوحيد المتبقّي من ذُرّيته، ولم يكتفِ بذكر اقتراحه مرّة واحدة، بل كرّره مرّة بعد أُخرى.

٢ - بطلان نظرية عدالة جميع الصحابة! فهل من العدالة أن يُصرّ رجل على قتل سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! إلاّ أن يُقال: إنّه ما أكثر هذا السنخ من الصحابة العدول في شيعة آل أبي سفيان!

٣ - اعتراف هذا الرجل العدوّ بميل الناس إلى آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث يقول: والناس إليهم مائلون، يريد بذلك أن يُحرّك يزيد على قتل الإمام.

٤ - والعَجب من راوي الخبر! أنّه يكتم اسم هذا الصحابي العدل! أيرى أنّ ذلك يوجب حفظ مكانته؟!

تجلّي مكارم الأخلاق!

روي أنّ يزيد أمر بردّ ما أُخذ من أهل البيتعليهم‌السلام ، وزاد عليه مئتي دينار، فأخذها زين العابدينعليه‌السلام ، وفرّقها على الفقراء والمساكين(٢) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠، ذيل ترجمة ريا. أُنظر: البداية والنهاية ٨/ ٢٠٤؛ تاريخ الإسلام للذهبي ٣/ ١٢؛ الجوهرة للتلمساني ٢/ ٢١٨.

(٢) الملهوف: ٢٢٤، مُثير الأحزان: ١٠٦.

٢٠٩

مأساة الشام

رأس الحسينعليه‌السلام في دمشق!

الجسم منه بكربلاء مُضرَّج

والرأس منه على القناة يُدار

إنّ للرأس الشريف دوراً هامّاً في استمرار رسالة النهضة الحسينيّة، فقد ذكرنا أنّ الرأس الشريف تلا القرآن وتكلّم في دمشق. وهذه هي من أكبر الحُجج وأحسن الأدلّة على منزلته الرفيعة، وعلوّ مقامه عند الله تبارك وتعالى.

ولم تنحصر معجزة الرأس الشريف بما ذُكر، بل هناك أُمور وشواهد أُخرى:

روى البيهقي، بإسناده عن أبي معشر قال: ( وقُتل الحسين (رضي الله عنه) وجميع مَن معه رحمهم الله، وحُمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد، فوضع بين يديه على ترس، فبعث به إلى يزيد، فأمر بغسله وجعله في حريرة وضُرِب عليه خيمة ووُكِّل به خمسين رجلاً.

فقال واحد منهم: نمت وأنا مُفكّر في يزيد وقتله الحسينعليه‌السلام ، فبينا أنا كذلك إذ رأيت سحابة خضراء، فيها نور قد أضاءت ما بين الخافقين، وسمعت صهيل الخيل ومُنادياً يُنادي:( يا أحمد، اهبط ) . فهبط رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) ومعه جماعة من الأنبياء والملائكة، فدخل الخيمة، وأخذ الرأس، فجعل يُقبِّله ويبكي ويضمّه إلى صدره، ثمّ التفت إلى مَن معه، فقال:( انظروا إلى ما كان من أُمّتي في ولدي، ما بالهم لم يحفظوا فيه وصيّتي، ولم يعرفوا حقّي؟! لا أنالهم الله شفاعتي ) .

قال: وإذا بعدّة من الملائكة يقولون:( يا محمّد، الله تبارك وتعالى يُقرئك السلام، وقد أمرنا بأن نسمع لك ونُطيع، فمُرْنا أن نقلب البلاد عليهم ).

فقال(صلَّى الله عليه وسلَّم):( خلّوا عن أُمّتي، فإنّ لهم بُلغةً وأمداً ) .

٢١٠

قالوا:( يا محمّد، إنّ الله جلّ ذكره أمرنا أن نقتل هؤلاء النفر ) .

فقال:( دونكم وما أُمِرتم به ) .

قال: فرأيت كلّ واحد منهم قد رمى كلّ واحد منّا بحربة، فقتل القوم في مضاجعهم غيري، فإنّي صِحت يا محمّد.

فقال: وأنت مُستيقظ؟

قلت: نعم.

قال: خلّوا عنه يعيش فقيراً ويموت مذموماً.

فلما أصبحت دخلت على يزيد وهو مُنكسر مهموم، فحدّثته بما رأيت، فقال: امضِ على وجهك، وتُبْ إلى ربّك!! )(١) .

وعن الشبلنجي أنّه قال: ( روى سليمان الأعمش (رضي الله عنه) قال: خرجنا ذات سنة حُجَّاجاً لبيت الله الحرام وزيارة قبر النبيّعليه‌السلام ، فبينا أنا أطوف بالبيت، إذا رجل مُتعلّق بأستار الكعبة وهو يقول: (اللّهمَّ، اغفر لي وما أظنّك تفعل )، فلما فرغتُ من طوافي قلت: سبحان الله العظيم! ما كان ذنب هذا الرجل؟! فتنحّيت عنه.

ثمّ مررت به مرّة ثانية، وهو يقول: ( اللّهمَّ، اغفر لي، وما أظنّك تفعل! ).

فلما فرغتُ من طوافي قصدتُ نحوه فقلت: يا هذا، إنّك في موقف عظيم، يغفر الله فيه الذنوب العظام، فلو سألت منه عزّ وجلّ المغفرة والرحمة لرجوت أن يفعل، فإنّه مُنعم كريم.

فقال: يا عبد الله، مَن أنت؟

فقلت: أنا سليمان الأعمش.

____________________

(١) المحاسن والمساوئ: ٦٢.

٢١١

فقال: يا سليمان، إيّاك طلبت، وقد كنت أتمنّى مثلك.

فأخذ بيدي، وأخرجني من داخل الكعبة إلى خارجها، فقال لي: يا سليمان، ذنبي عظيم.

فقلت: يا هذا، أذنبك أعظم أم السماوات؟ أم الأرضون؟ أم العرش؟

فقال لي: يا سليمان، ذنبي أعظم! مهلاً حتّى أُخبرك بعَجب رأيته.

فقلت له: تكلّم رحمك الله.

فقال لي: يا سليمان، أنا من السبعين الذين أتوا برأس الحسين بن علي (رضي الله عنهما) إلى يزيد بن معاوية، فأمر بالرأس، فنُصِب خارج المدينة، وأُمِر بإنزاله ووضِع في طست من ذهب، ووضِع ببيت منامه، فلما كان في جوف الليل انتبهتْ امرأة يزيد بن معاوية، فإذا شعاع ساطع إلى السماء، ففزعتْ فزعاً شديداً، وانتبه يزيد من منامه، فقالت له: يا هذا، قم، فإنّي أرى عَجباً.

قال: فنظر يزيد إلى ذلك الضياء، فقال لها: اسكُتي، فإنّي أرى كما ترين.

قال: فلما أصبح من الغد أمر بالرأس، فأُخرج إلى فسطاط وهو من الديباج الأخضر، وأمر بالسبعين رجلاً فخرجنا إليه نحرسه، وأمر لنا بالطعام والشراب حتّى غربت الشمس، ومضى من الليل ما شاء الله ورقدنا، فاستيقظتُ ونظرتُ نحو السماء، وإذا بسحابة عظيمة ولها دويّ كدويّ الجبال وخفقان أجنحة، فأقبلتْ حتّى لصقتْ بالأرض، ونزل منها رجل وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، وبيده درانك وكراسي، فبسط الدرانك، وألقى عليها الكراسي، وقام على قدميه ونادى:( انزل يا أبا البشر، انزل يا آدم! ) .

فنزل رجل أجمل ما يكون من الشيوخ شيباً، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال:( السلام عليك يا وليّ الله، السلام عليك يا بقيّة الصالحين، عشت سعيداً، وقُتلت طريداً، ولم تزل عطشاناً حتّى ألحقك الله بنا،

٢١٢

رحمك الله ولا غفر لقاتلك، الويل لقاتلك غداً من النار، ثمّ نزل وقعد على كرسي من تلك الكراسي ) .

قال: يا سليمان، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً، وإذا بسحابة أُخرى أقبلت حتّى لصقت بالأرض، فسمعت مُنادياً يقول:( انزل يا نبيّ الله، انزل يا نوح! ).

وإذا برجل أتمّ الرجال خَلقاً، وإذا بوجهه صفرة، وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال:( السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بقيّة الصالحين، قُتلت طريداً، وعشت سعيداً، ولم تزل عطشاناً حتّى ألحقك الله بنا، غفر الله لك، ولا غفر لقاتلك، الويل لقاتلك غداً من النار ) ، ثمّ زال فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

قال: يا سليمان، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً، وإذا بسحابة أعظم منها، فأقبلت حتّى لصقت بالأرض، فقام الأذان، وسمعت مُنادياً يُنادي:( انزل يا خليل الله، انزل يا إبراهيم! ) .

وإذا برجل ليس بالطويل العالي، ولا بالقصير المتداني، أبيض الوجه، أملح الرجال شيباً، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال:( السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بقيّة الصالحين، قُتلت طريداً وعشت سعيداً، ولم تزل عطشاناً حتّى ألحقك الله بنا، غفر الله لك، ولا غفر لقاتلك، الويل لقاتلك غداً من النار ) .

ثمّ تنحّى، فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً، فإذا بسحابة عظيمة، فيها دويّ كدويّ الرعد وخفقان أجنحة، فنزلت حتّى لصقت بالأرض، وقام الأذان فسمعت قائلاً يقول:( انزل يا نبيّ الله، انزل يا موسى بن عمران! ) .

قال: فإذا برجل أشدّ الناس في خَلقه وأتمّهم في هيبته، وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال مثل ما تقدّم، ثمّ تنحّى فجلس على كرسيّ من تلك الكراسي.

٢١٣

ثمّ لم ألبث يسيراً، وإذا بسحابة أُخرى، وإذا فيها دويّ عظيم وخفقان أجنحة، فنزلت حتّى لصقت بالأرض، وقام الأذان، فسمعت قائلاً يقول:( انزل يا عيسى، انزل يا روح الله! ) . فإذا أنا برجل مُحمرّ الوجه، وفيه صفرة، وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال مثل مقالة آدم ومَن بعده، ثمّ تنحّى فجلس على كرسي من تلك الكراسي.

ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً وإذا بسحابة عظيمة فيها دويّ كدويّ الرعد والرياح وخفقان أجنحة، فنزلتْ حتّى لصقتْ بالأرض، فقام الأذان، وسمعت مُنادياً يُنادي:( انزل يا محمّد، انزل يا أحمد! ).

وإذا بالنبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، وعن يمينه صفّ من الملائكة، والحسن وفاطمة (رضي الله عنهما)، فأقبل حتّى دنا من الرأس، فضمّه إلى صدره، وبكى بكاءً شديداً، ثمّ دفعه إلى أُمّه فاطمة، فضمّته إلى صدرها، وبكت بكاءً شديداً، حتّى علا بكاؤها وبكى لها مَن سمعها في ذلك المكان.

فأقبل آدمعليه‌السلام حتّى دنا من النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال:( السلام على الولد الطيّب، السلام على الخُلق الطيّب، أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك في ابنك الحسين ) .

ثمّ قام نوح وإبراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام ، فقالوا كقوله، كلّهم يُعزّونه (صلَّى الله عليه وسلَّم) في ابنه الحسين.

ثمّ قال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم):( يا أبي آدم، ويا أبي نوح، ويا أبي إبراهيم، ويا أخي موسى، ويا أخي عيسى، اشهدوا وكفى بالله شهيداً على أُمّتي بما كافأوني في ابني وولدي من بعدي ) .

فدنا منه مَلَك من الملائكة، فقال:( قطعت قلوبنا يا أبا القاسم، أنا الملك الموكّل بسماء الدُّنيا، أمرني الله تعالى بالطاعة لك، فلو أذِنت لي أنزلتها على

٢١٤

أُمّتك، فلا يبقى منهم أحد ) .

ثمّ قام مَلك آخر فقال:( قطعت قلوبنا يا أبا القاسم، أنا الموكّل بالبحار، أمرني الله بالطاعة لك، فإن أذِنتَ لي أرسلتها عليهم، فلا يبقى منهم أحد ) .

فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم):( يا ملائكة ربّي، كفُّوا عن أُمّتي، فإنّ لي ولهم موعداً لن أخلفه ) .

فقام إليه آدمعليه‌السلام فقال:( جزاك الله خيراً من نبيّ أحسن ما جوزي به نبيّ عن أُمّته ) .

فقال له الحسن:( يا جدّاه، هؤلاء الرقود هم الذين يحرسون أخي، وهم الذين أتوا برأسه ) .

فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم):( يا ملائكة ربّي، اقتلوهم بقتلهم ابني ) .

فوالله، ما لبثت إلاّ يسيراً حتّى رأيت أصحابي قد ذُبحوا أجمعين.

قال: فلصق بي مَلك ليذبحني، فناديته: يا أبا القاسم، أجرني! وارحمني يرحمك الله.

فقال:( كفّوا عنه ) .

ودنا منّي وقال:( أنت من السبعين رجلاً؟! ) .

قلت: نعم.

فألقى يده في منكبي، وسحبني على وجهي، وقال:( لا رحمك الله! ولا غفر لك! أحرق الله عظامك بالنار ) .

فلذلك أيست من رحمة الله.

فقال الأعمش: إليك عنّي؛ فإنّي أخاف أن أُعاقب من أجلك )(١) .

____________________

(١) نور الأبصار: ١٢٥ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٣٥. اُنظُر: بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٧ نقلاً عن الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨١ بتفاوت، خاصّة فيما يتعلّق بمصير الرأس الشريف.

٢١٥

صلب الرأس الشريف في دمشق!

روى الذهبي، عن حمزة بن يزيد الحضرمي أنّه قال: ( وقد حدّثني بعض أهلنا: أنّه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيّام )(١) .

وقال الشبراوي: قال أبو الفضل: ( وبعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق، وُضِع في طست بين يدي يزيد، وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب، ثمّ أمر بصلبه، فصُلِب ثلاثة أيّام بدمشق )(٢) .

وذكر الباعوني: أنّ الرأس نُصب بدمشق ثلاثة أيّام، ثمّ وضِع بخزانة السلاح(٣) .

ونقل العلاّمة المجلسي: أنّ رأس الحسينعليه‌السلام صُلب بدمشق ثلاثة أيّام، ومكث في خزائن بني أُميّة(٤) .

هذا بالنسبة إلى أصل صلب الرأس الشريف في دمشق، وأمّا بالنسبة إلى مكان صلبه، ففيه روايتان:

١ - على باب مسجد دمشق:

روى الشيخ الصدوق وابن الفتّال، قالا: ( ثمّ أمر (يزيد) برأس الحسينعليه‌السلام ، فنُصِب على باب مسجد دمشق )(٥) .

٢ - على باب دار يزيد:

قال العلاّمة المجلسي: وقال صاحب المناقب: (وذكر أبو مخنف وغيره: أنّ

____________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٩.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩.

(٤) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥.

(٥) أمالي الصدوق: ٢٣١ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤ - روضة الواعظين ١/ ١٩١.

٢١٦

يزيد لعنه الله أمر بأن يصُلب الرأس على باب داره )(١) .

الرأس الشريف في بيت يزيد:

قال البلاذري: ( وبعث يزيد برأس الحسين إلى نسائه، فأخذته عاتكة ابنته، وهي أُمّ يزيد بن عبد الملك، فغسّلته ودهنته وطيّيبته، فقال لها يزيد: ما هذا؟!

قالت: بعثت إليّ برأس ابن عمّي شَعِثاً، فلممتُه وطيّيبته )(٢) .

إطافة الرأس الشريف في مدائن الشام:

قال القاضي نعمان: ( ثمّ أمر يزيد اللعين برأس الحسينعليه‌السلام ، فطيف به في مدائن الشام وغيرها )(٣) .

أوّل رأس حُمِل في الإسلام!

لقد حملوا رأس الحسينعليه‌السلام ، وقد صرّح المؤرِّخون بأنّه هو أوّل رأس حُمِل على رمح في الإسلام(٤) .

إسلام يهودي ببركة الرأس الشريف:

قال الخوارزمي: ( وروي أنّ رأس الحسينعليه‌السلام لما حُمِل إلى الشام، جنّ عليهم الليل، فنزلوا عند رجل من اليهود، فلما شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين، فقال لهم: أروني إيّاه، فأروه إيّاه بصندوق يسطع منه النور إلى السماء،

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٢.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ١٥٩.

(٤) المعجم الكبير (للطبراني) ٣/ ١٣٤ ح٢٨٧٦؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٠؛ كشف الغمّة ٢/ ٥٤؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٦؛ الجوهر الثمين: ٧٨.

٢١٧

فعجب اليهودي واستودعه منهم، فأودعوه عنده، فقال اليهودي للرأس - وقد رآه بذلك الحال: اشفع لي عند جدّك.

فأنطق الله الرأس وقال:( إنّما شفاعتي للمحمّديّين، ولست بمحمّدي! ) .

فجمع اليهودي أقرباءه، ثمّ أخذ الرأس ووضعه في طست، وصبّ عليه ماء الورد، وطرح فيه الكافور والمِسك والعنبر، ثمّ قال لأولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمّد.

ثمّ قال: وا لهفاه! لم أجد جدّك محمّداً فأُسلم على يديه، ثمّ وا لهفاه! لم أجدك حيّاً فأُسلم على يديك، وأُقاتل دونك، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟

فأنطق الله الرأس، فقال بلسانٍ فصيح:( إن أسلمت فأنا لك شفيع ) ، قالها ثلاث مرّات، وسكت، فأسلم الرجل وأقرباؤه.

قال: أقول: لعلّ هذا الرجل اليهودي كان راهب (قنسرين)؛ لأنّه أسلم بسبب رأس الحسينعليه‌السلام ، وجاء ذكره في الأشعار، وأورده الجوهري والجرجاني في مراثي الحسين )(١) .

رباب ترثي الحسين:

وعن تاريخ الفرماني: أنّ رباب بنت امرئ القيس رثت الحسينعليه‌السلام في الشام، بعد أن أخذت رأسه وقبّلته ووضعته في حجرها وهي تقول:

واحسيناً فلا نسيت حسيناً

أقصدته أسنّة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء (٢)

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢/ ١١٥، ح٤٩ط دار أنوار الهدى - عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٤٩٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٢ ح٢٠؛ العوالم ١٧/ ٤١٧، ح١٨.

(٢) تاريخ الفرماني: ٤، على ما في هامش شرح الأخبار ٣/ ١٧٨.

٢١٨

رأس الحسينعليه‌السلام عند يتيمته!

روى عماد الدِّين الطبري، عن كتاب الحاوية لقاسم بن محمّد بن أحمد المأموني: ( أنّ نساء أهل بيت النبوّة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم، وقلن لهم: إنّ آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا، وكان الحال على ذلك المنوال حتّى أمر يزيد بأن يدخلن داره، وكان للحسينعليه‌السلام بنت صغيرة لها أربع سنين، قامت ليلة من منامها وقالت: أين أبي الحسين؟ فإنّي رأيته في المنام مُضطرباً شديداً.

فلما سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال، وارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه، وقال: ما الخبر؟

ففحصوا عن الواقعة وقصّوها عليه، فأمر لعنه الله بأن يذهبوا برأس أبيها إليها، فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها، فقالت: ما هذا؟!

قالوا: رأس أبيك! ففزعت الصَّبيَّة وصاحت، فمرضت وتوفّيت في أيّامها بالشام )(١) .

وفي (الإيقاد) للسيّد الجليل السيّد محمّد علي الشاه عبد العظيمي (رحمه الله)، عن العوالم وغيره ما مُلخّصه:

( إنّه كان للحسينعليه‌السلام بنت صغيرة يُحبّها وتُحبّه، وقيل: كانت تُسمّى رقيّة، وكان لها ثلاث سنين، وكانت مع الأسراء في الشام، وكانت تبكي لفراق أبيها ليلاً ونهاراً، وكانوا يقولون لها: هو في السفر(٢) .

فرأته ليلةً في النوم، فلما انتبهت جزعت جزعاً شديداً، وقالت: ايتوني بوالدي وقرّة عيني، وكلّما أراد أهل البيت إسكاتها ازدادت حزناً وبكاءً، ولبكائها هاج حزن أهل البيت، فأخذوا في البكاء، ولطموا الخدود، وحثّوا على رؤوسهم التراب، ونشروا الشعور، وقام الصياح، فسمع يزيد [صيحتهم وبكاءهم، فقال: ما الخبر؟

قيل له: إنّ بنت الحسين الصغيرة

____________________

(١) كامل البهائي ٢/ ١٧٩، عنه نفس المهوم؛ معالي السبطين ٢/ ١٧٠.

(٢) أي سفر الآخرة.

٢١٩

رأت أباها بنومنها، فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح، فلما سمع يزيد ذلك ](١) ، فقال: ارفعوا إليها رأس أبيها، وحطّوه بين يديها تتسلّى.

فأتوا بالرأس في طبق مُغطّى بمنديل، ووضعوه بين يديها، فقالت: يا هذا(٢) ، إنّي طلبت أبي ولم أطلب الطعام.

فقالوا: إنّ هنا أباك!

فرفعت المنديل ورأت رأساً، فقالت: ما هذا الرأس؟!

قالوا: رأس أبيك.

فرفعت الرأس ووضعته(٣) إلى صدرها وهي تقول: يا أبتاه، مَن ذا الذي خضّبك بدمائك؟! يا أبتاه، مَن ذا الذي قطع وريدك(٤) ؟! يا أبتاه، مَن ذا الذي أيتمني على صغر سنّي؟ يا أبتاه، مَن لليتيمة حتّى تكبر؟! يا أبتاه، مَن للنساء الحاسرات؟ يا أبتاه، مَن للأرامل المسبيّات؟! يا أبتاه، مَن للعيون الباكيات؟! يا أبتاه، مَن للضائعات الغريبات؟! يا أبتاه، مَن للشعور المنشورات؟! يا أبتاه، مِن بعدك وا خيبتاه! يا أبتاه، مِن بعدك وا غربتاه! يا أبتاه، ليتني لك الفداء! يا أبتاه، ليتني قبل هذا اليوم عمياء! يا أبتاه، ليتني وسُدِّت(٥) التراب ولا أرى شيبك مُخضّباً بالدماء!

ثمّ وضعت فمها على فم الشهيد المظلوم، وبكت حتّى غُشي عليها، فلما حرّكوها فإذا هي قد فارقت روحها الدُّنيا، فارتفعت أصوات أهل البيت بالبكاء، وتجدّد الحزن والعزاء، ومَن سمع من أهل الشام بكاءهم بكى، فلم يُرَ في ذلك اليوم إلاّ باكٍ أو باكية، فأمر يزيد بغسلها وكفنها ودفنها )(٦) .

____________________

(١) أوردناه من معالي السبطين.

(٢) ما هذا / معالي السبطين.

(٣) وضمّته / معالي السبطين.

(٤) وريديك / معالي السبطين.

(٥) توسّدت / معالي السبطين.

(٦) الإيقاد: ١٧٩ ( ولكنّا لم نجده في عوالم البحراني في النسخة التي بأيدينا ). ورواه الشيخ الحائري المازندراني (معالي السبطين ٢/ ١٧٠) عنه وعن مُنتخب الطريحي، ولم نعثر عليه فيه أيضاً.

٢٢٠

كلام حول السيّدة رقيّة:

إن قيل: إنّه ما كان للإمام الحسينعليه‌السلام إلاّ بنتان، وهما سكينة وفاطمة.

نقول: المرويّ وإن كان ذلك، ولكنّه ليس بمُتّفق عليه، فهناك بعض الروايات تدلّ على أنّ الإمامعليه‌السلام كان له بنات ثلاث بل - على قول - أربع.

قال الطبري الإماميّ: ( وله - أي للإمام الحسينعليه‌السلام - من البنات زينب، وسكينة، وفاطمة )(١) .

وممّن ذكر القول الآخر العلاّمة الأربلي، وابن الصبّاغ المالكي، فإنّهما قالا - واللفظ للأخير : ( قال الشيخ كمال الدِّين بن طلحة: كان للحسينعليه‌السلام من الأولاد ذكوراً وإناثاً عشرة، ستّة ذكور وأربع إناث، فالذكور: عليّ الأكبر، وعليّ الأوسط وهو زين العابدين، وعليّ الأصغر، ومحمّد، وعبد الله، وجعفر... وأمّا البنات: فزينب، وسكينة، وفاطمة، هذا قول المشهور )(٢) .

ولم يصرّح الأربلي وابن الصبّاغ باسم البنت الرابعة، فلعلّها هي التي عُرِفت باسم رقيّة في أوساط الناس.

إن قيل: لعلّها هي رقيّة بنت الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

قلنا: لكن لا يمكن الاعتماد عليه؛ لأنّ الروايات في شأنها على قسمين:

القسم الأوّل: ما تُصرّح بأنّها ماتت صغيرة، مثل ما ذكره سبط ابن الجوزي في قوله: ( وقد زاد ابن إسحاق في أولاد فاطمة من عليّعليه‌السلام : محسناً، مات صغيراً،

____________________

(١) دلائل الإمامة: ١٨١. وانظر: المناقب ٤/ ٧٧؛ الهداية الكبرى: ٢٠٢؛ كشف الغمّة ٢/ ٣٩؛ إسعاف الراغبين، المطبوع بهامش نور الأبصار: ١٩٥ (على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٤٥١).

(٢) الفصول المهمّة: ١٩٩. ونحوه في كشف الغمّة ٢/ ٣٨، وفيه: هذا قول مشهور، ثمّ قال: وقيل: كان له أربع بنين وبنتان، والأوّل أشهر.

٢٢١

وزاد الليث: رقيّة، ماتت صغيرة أيضاً )(١) .

فبناءً على هذا؛ لا يمكن القول: بأنّها المقصودة بالمقام؛ لأنّ الفاصل الزماني بين وفاة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وما بعد وقعة الطفّ يُخرجها عن كونها صغيرة! هذا إذا فرضنا أنّها ولِدت في آخر أيّام حياة الإمام عليّعليه‌السلام ، وإلاّ فإنّ المسألة أصعب.

القسم الثاني: ما تُصرّح بأنّها كبرت وتزوّجت من مسلم بن عقيل(٢) ، فإنّ المؤرِّخين ذكروا في عِداد أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام الذين استُشهدوا معه في كربلاء عبد الله بن مسلم بن عقيل، وقد صرّحوا بأنّ أُمّه كانت رقيّة بنت عليّ بن أبي طالب.

صرّح بذلك ابن حبّان(٣) ، والقاضي نعمان(٤) ، والطبري(٥) عن أبي مخنف، وخليفة بن خياط(٦) ، وابن الأثير(٧) وغيرهم.

ولكن مع هذا لا يمكن القول: بأنّها المقصودة؛ وذلك لعدّة أُمور:

أوّلاً: لا نعلم بحضورها في وقعة الطف، ولكنّ القرائن تؤيّد حضورها؛ وذلك لأسباب مُتعدّدة مثل إرسال زوجها مسلم بن عقيل إلى الكوفة، وحضور أبنائها مع الحسينعليه‌السلام من البنات والذكور، فبطبيعة الحال هي تُلازم أخاها في

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٣٢٢.

(٢) المجدي في الأنساب: ١٨.

(٣) كتاب الثقات ٢/ ٣١١.

(٤) شرح الأخبار ٣/ ١٩٥.

(٥) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٩.

(٦) تاريخ خليفة بن خيّاط: ١٤٥.

(٧) الكامل في التاريخ ٤/ ٩٣.

٢٢٢

هذه المرحلة الحسّاسة والهامّة جدّاً.

ثانياً: ليس لنا دليل على وفاتها في الشام، بل هناك بعض الأخبار بوجود قبرها بمصر(١) ، - صرّح بذلك ياقوت الحموي وغيره(٢) ، وإلاّ فبطبيعة الحال تكون قد توفّيت بالمدينة.

ثالثاً: القرائن التي نُقلت في شأن وفاة هذه السيّدة، تختلف تماماً عمّا إذا كانت امرأة كبيرة، كما هو واضح.

أضِف إلى ذلك ما نُقل في شأن إصلاح قبر هذه السيّدة وكونها بنتاً صغيرة، روى الشيخ الحائري المازندراني قال: ( وقد أخبرني بعض الصلحاء: أنّ للسيّدة رقيّة بنت الحسينعليهما‌السلام ضريحاً بدمشق الشام، وأنّ جدران قبرها قد تعيّبت، فأرادوا إخراجها منه لتجديده، فلم يتجاسر أحد أن ينزله من الهيبة، فحضر شخص من أهل البيت يدعى السيّد ابن مرتضى، فنزل في قبرها ووضع عليها ثوباً لفّها فيه وأخرجها، فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ، وكان متنها مجروحاً من كثرة الضرب، وقد ذكرتُ ذلك لبعض الأفاضل، فحدّثني به ناقلاً له عن بعض أشياخه )(٣) .

رابعاً: تصريح بعض أرباب الكُتب، مثل ما نُقل عن كتاب مُنتخبات التواريخ لمحمّد أديب آل تقي الدِّين الحصني بقوله: ( ونُقل أيضاً أنّ السيّدة رقيّة بنت

____________________

(١) قيل: كذا ذكره الشعراني في الباب العاشر من المنن، انظر لطائف المنن والأخلاق: ٤٠٤، والدرّ المنثور لزينب فواز: ٢٠٦، كذا في هامش الإشارات إلى أماكن الزيارات: ٢٦.

(٢) مُعجم البلدان ٥/ ١٦٧ مادّة مصر رقم ١١٣٠٤؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٩٥؛ أعيان الشيعة ٧/ ٣٤.

(٣) معالي السبطين ٢/ ١٧١، وذكر تفصيل ذلك العلاّمة الحجّة محمّد هاشم الخراساني، عن السيّد محمّد علي الشامي سبط السيّد إبراهيم الدمشقي آل السيّد مرتضى، عن جدّه السيّد إبراهيم الذي باشر في أمر إصلاح القبر الشريف، وذكر أنّ القصّة جرت في حوالي سنة ١٢٨٠هـ، راجع كتاب مُنتخب التواريخ: ٣٨٨.

٢٢٣

الإمام الحسين الصغيرة دفنت عند باب الفراديس )(١) .

وروي عن الشعراني في الباب العاشر من كتاب المنن: ( وأخبرني بعض الخواص: أنّ رقيّة بنت الحسينعليه‌السلام في المشهد القريب من جامع دار الخليفة أمير المؤمنين يزيد، ومعها جماعة من أهل البيت، وهو معروف الآن بجامع شجرة الدرّ، وهذا الجامع على يسار الطالب للسيّدة نفيسة، والمكان الذي فيه السيّدة رقيّة عن يمينه، ومكتوب على الحجر الذي ببابه هذا البيت:

بقعة شُرِّفت بآل النبيّ

وببنت الحسين الشهيد رُقيّة )(٢) .

وقد جُدِّد بناء قبر هذه السيّدة بعد انتصار الثورة الإسلامية، وإقامة الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني أعلى الله مقامه الشريف، وقد أصبح بناءً ضخماً، ورمزاً للتضحية والجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته.

إن قيل: هل هناك تصريح باسمها في ضمن كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام ؟

يُقال: نعم، مثل ما ذكره السيّد ابن طاووس أنّه حينما أرادعليه‌السلام أن يودِّع أهله قال: يا أُختاه، يا أُمّ كلثوم، وأنت يا زينب، وأنت يا رقيّة، وأنت يا فاطمة، وأنت يا رباب، انظُرن إذا أنا قُتلِت فلا تُشقِّقن عليَّ جيباً، ولا تخمشن عليَّ وجهاً، ولا تقلن عليَّ هُجراً(٣) .

وما ذكره القندوزي أنّه نادى: يا أُمّ كلثوم، ويا سكينة، ويا رقيّة، ويا عاتكة، ويا زينب، ويا أهل بيتي عليكنّ منّي السلام(٤) .

وكلا الاحتمالين في شأنها ممكن، وإن كان ظاهر لحن خطاب ما ذكره السيّد

____________________

(١) مُنتخبات التواريخ، مراقد أهل بيت در شام [بالفارسية]: ٤٥.

(٢) معالي السبطين ٢/ ١٧١.

(٣) الملهوف: ١٤١.

(٤) ينابيع المودّة ٣/ ٧٩، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٦٣٣.

٢٢٤

ابن طاووس: أنّه متوجّه إلى أُخته رقيّة بنت عليّعليه‌السلام ، ويمكن اعتبار هذا دليلاً آخر على حضورها في معركة الطفّ.

وصف مسكن أهل البيت في الشام:

روى الشيخ الصدوق (رحمه الله)، بإسناده عن فاطمة بنت علي (صلوات الله عليهما) أنّها قالت: ( ثمّ إنّ يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسينعليه‌السلام فحُبسن مع عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في محبس لا يُكنّهم من حرٍّ ولا قُرّ حتّى تقشّرت وجوههم )(١) .

وقال القاضي نعمان بعد ذكره بكاء يزيد!: ( وقيل: إنّ ذلك بعد أن أجلسهنّ في منزل لا يُكنّهن من برد ولا حرّ، فأقاموا شهراً ونصف، حتّى أقشرت وجوههنّ من حرّ الشمس، ثمّ أطلقهم )(٢) .

وقال ابن نما: (وأُسكِنَّ في مساكن لا تقيهنّ من حرّ ولا برد، حتّى تقشّرت الجلود وسال الصديد، بعد كَنِّ الخدور وظلِّ الستور، والصبر ظاعن والجزع مُقيم، والحزن لهنّ نديم )(٣) .

وقال السيّد ابن طاووس: (ثمّ أمر (يزيد) بهم إلى منزل لا يُكنّهم من حرّ ولا برد، فأقاموا فيه حتّى تقشّرت وجوههم )(٤) .

وقال الشيخ المفيد: ( ثمّ أمر (يزيد) بالنسوة أن يُنزلن في دار على حدة، معهنّ أخوهنّ عليّ بن الحسينعليهم‌السلام ، فأُفرد لهم دار تتّصل بدار يزيد، فأقاموا أيّاماً )(٥) .

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٣١، مجلس ٣١، ح٢٤٣، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٠ ونحوه في روضة الواعظين ١/ ١٩٢، وفيه مجلس بدل محبس، والظاهر كونه تصحيف.

(٢) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٩.

(٣) مُثير الأحزان: ١٠٢.

(٤) الملهوف: ٢١٩. وروي مضمونه في تسلية المجالس ٢/ ٣٩٦.

(٥) الإرشاد ٢/ ١٢٢؛ إعلام الورى: ٢٤٩.

٢٢٥

والمستفاد من بعض الأخبار - مضافاً إلى ما ذُكر - أنّ البيت كان خراباً بحيث كان يُخشى وقوعه عليهم.

روى صاحب (بصائر الدرجات)، بإسناده عن محمّد بن علي الحلبي قال: ( سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: لما أُتي بعليّ بن الحسينعليه‌السلام يزيد بن معاوية - عليه لعائن الله - ومَن معه، جعلوه(١) في بيت، فقال بعضهم: إنّا جعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا. فراطن الحرس، فقالوا: انظروا إلى هؤلاء يخافون أن تقع عليهم البيت، وإنّما يخرجون غداً فيُقتلون، قال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( لم يكن فينا أحد يُحسن الرطانة غيري، والرطانة عند أهل المدينة الروميّة ) )(٢) .

وروى الطبراني الإمامي، بإسناده عن يحيى بن عمران الحلبي قال: ( سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: أُتي بعليّ بن الحسينعليهما‌السلام إلى يزيد بن معاوية ومَن معه من النساء أسرى، فجعلوهم في بيت، ووكّلوا بهم قوماً من العَجم لا يفهمون العربيّة، فقال بعض لبعض: إنّما جعلنا في هذا البيت ليُهدم علينا فيقتلنا فيه، فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام للحرس بالرطانة:( تدرون ما يقول هؤلاء النساء؟ يقلن: كيت وكيت ) ، فقال الحرس: قد قالوا إنّكم تخرجون غداً وتُقتلون، فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام :( كلاّ! يأبى الله ذلك ) ، ثمّ أقبل عليهم يُعلّمهم بلسانهم )(٣) .

رؤيا سكينة بنت الحسينعليه‌السلام بالشام:

قال ابن نما: (ورأت سكينة في منامها وهي بدمشق: كأنّ خمسة نُجب من نور قد أقبلت، وعلى كلّ نجيب شيخ والملائكة مُحدقة بهم، ومعهم وصيف

____________________

(١) جاء في رواية (دلائل الإمامة): (فجعلوهم في بيت)، وهو الأنسب.

(٢) بصائر الدرجات: ٣٣٨، باب ١٢، ح١، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٧. وانظر: المناقب ٤/ ١٤٥.

(٣) دلائل الإمامة: ٢٠٤، ح١٢٥.

٢٢٦

يمشي، فمضى النُّجب وأقبل الوصيف إليّ وقرب منّي وقال: يا سكينة، إنّ جدّك يُسلّم عليك.

فقلت: وعلى رسول الله السلام، يا رسول الله، مَن أنت؟

قال: وصيف من وصائف الجنّة.

فقلت: مَن هؤلاء المشيخة الذين جاءوا على النُّجب؟

قال: الأوّل آدم صفوة الله، والثاني إبراهيم خليل الله، والثالث موسى كليم الله، والرابع عيسى روح الله.

فقلت: مَن هذا القابض على لحيته يسقط مرّة ويقوم أُخرى؟

فقال: جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقلت: وأين هم قاصدون؟

قال: إلى أبيك الحسين.

فأقبلتُ أسعى في طلبه لأُعرِّفه ما صنع بنا الظالمون بعده، فبينما أنا كذلك إذ أقبلت خمسة هوادج من نور، في كلّ هودج امرأة.

فقلت: مَن هذه النسوة المقبلات؟

قال: الأُولى حوّاء أُمّ البشر، والثانية آسية بنت مزاحم، والثالثة مريم بنت عمران، والرابعة خديجة بنت خويلد، والخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرّة وتقوم أُخرى.

فقلت: مَن؟

فقال: جدّتك فاطمة بنت محمّد، أُمّ أبيك.

فقلت: والله، لأُخبرنّها ما صُنِعَ بنا.

٢٢٧

فلحقتها ووقفت بين يديها أبكي وأقول: يا أُمّتاه، جحدوا - والله - حقّنا، يا أُمّتاه، بدّدوا - والله - شملنا، يا أُمّتاه، استباحوا - والله - حريمنا، يا أُمّتاه، قتلوا - والله - الحسين أبانا.

فقالت: كفُّي صوتك يا سكينة، فقد أقرحتِ كبدي، وقطّعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين معي لا يُفارقني حتّى ألقى الله به.

ثمّ انتبهتُ وأردت كتمان ذلك المنام، وحدّثت به أهلي، فشاع بين الناس )(١) .

وذكر بعضه السيّد ابن طاووس، وروى عنها أنّها رأت ذلك في اليوم الرابع من مقامهم في الشام(٢) ، وذكره العلاّمة المجلسي بتفصيل أكثر عن بعض مؤلّفات أصحابنا مرسلاً(٣) .

مدّة إقامة أهل البيت في الشام:

لم نعثر على مَن صرّح بمدّة إقامتهم بالشام تحديداً من القدماء، إلاّ القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي، المتوفّى سنة ٣٦٣ من الهجرة، فإنّه قال: ( فأقاموا فيه شهراً ونصف )(٤) ، ويقرب منه قول ابن طاووس حيث قال: (أقاموا فيه شهراً)(٥) ، وما عداه اكتفوا بذكر عنوان عام، مثل ما ذكره الشيخ المفيد بقوله: (فأقاموا أيّاماً)(٦) ، واعتمد عليه الطبرسي(٧) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠٤، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٠.

(٢) الملهوف: ٢٢٠، وفيه: أنّها قالت لجدّتها فاطمة الزهراءعليها‌السلام في المنام: يا أُمّتاه، جحدوا - والله - حقّنا، يا أمّتاه، بدّدوا - والله - شملنا، يا أُمّتاه، استباحوا - والله - حريمنا، يا أُمّتاه، قتلوا - والله - الحسين أبانا.

(٣) بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٤.

(٤) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٩.

(٥) إقبال الأعمال: ٥٨٩.

(٦) الإرشاد ٢/ ١٢٢.

(٧) إعلام الورى: ٢٤٩.

٢٢٨

نعم، ذكر العلاّمة المجلسي عن بعض كُتب أصحابنا مُرسلاً، ما يُستفاد منه أنّ مدّة البقاء كانت زهاء عشرة أيّام، حيث قال: ( وندبوه على ما نُقل سبعة أيّام، فلما كان اليوم الثامن دعاهنّ يزيد وعرض عليهنّ المقام فأبين، وأرادوا الرجوع إلى المدينة، فأحضر لهم المحامل )(١) ، ولكنّ المأخذ غير معلوم؛ فلا يمكن الاستناد إليه.

وإذا اعتمدنا على ما رواه ابن سعد، من بعث يزيد إلى المدينة، وقدوم عدّة من ذوي السنّ من موالي بني هاشم عليه، وضمّه إليهم عدّة من موالي أبي سفيان، وبعث الأُسارى من آل البيتعليهم‌السلام معهم إلى المدينة(٢) فيكون البقاء - مع ملاحظة مدّة إرسال البريد إلى المدينة وإتيانهم منها إلى الشام - أكثر من ذلك حتماً.

حقائق أمْ أوهام؟

١ - قيل: إنّ يزيد أمر بالنسوة - من آل البيتعليهم‌السلام - أن ينزلن في دار على حدة، معهنّ ما يُصلحهنّ وأخوهنّ عليّ بن الحسين في الدار التي هنّ فيها(٣) .

وفيه: أنّ هذه الدار تختلف عن الدار الخربة، التي وصفت بكونها لا تُكنّهم من حرّ ولا برد، حتّى تقشّرت وجوههم(٤) ، بل هي دار نُقلوا إليها بعد أحداث مجلس يزيد، ويدلّ عليه ما أردفه الطبري بعد ذلك بقوله: فخرجن حتّى دخلن دار يزيد، فلم تبقَ من آل معاوية امرأة إلاّ استقبلتهنّ تبكي(٥) . فهي إمّا دار يزيد كما هو ظاهر

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٦.

(٢) الطبقات الكبرى: ٨٤ ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ).

(٣) تاريخ الطبري ٣/ ٣٣٩ط دار الكتب العلمية بيروت وفي ط ٤/ ٣٥٣ ونحوه في نور الأبصار: ١٣٢.

(٤) أمالي الصدوق: ٢٣١؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٦٩؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ مُثير الأحزان: ١٠٢؛ الملهوف: ٢١٩؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٠.

(٥) تاريخ الطبري ٣/ ٣٣٩.

٢٢٩

نقل الطبري، وتصريح آخرين بقولهم: إنّ يزيد أنزلهم في داره الخاصّة(١) ، أو دار تتّصل بدار يزيد، كما مرّ ذلك عن المفيد(٢) والطبرسي(٣) ، فما عن بعضٍ، من توصيف منزلهم بالحسن والصلاح! فغير صحيح، والمنقول من ذلك محمول على ما ذُكِر، ويؤيّده ما قاله السيّد محمّد بن أبي طالب بقوله: ( روي أنّ اللعين لما خشي شقّ العصا وحصول الفتنة، أخذ في الاعتذار والإنكار لفعل ابن زياد، وإبداء التعظيم والتكريم لعليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، ونقل نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى داره الخاصّة، وكان لا يتغدّى ولا يتعشّى إلاّ مع سيّدنا سيّد العابدين )(٤) .

٢ - قيل: إنّ يزيد ما كان يتغدّى ويتعشّى حتّى يحضر معه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام (٥) .

وفيه - إن صحّ ذلك -: أنّه لم يكن إلاّ بعد تغيُّر المعادلة وانقلاب الأمر عليه، قام به حفظاً للظاهر سياسةً منه وخوفاً من الفتنة، وأمّا في الخفاء والواقع، فقد عرفت غير مرّة أنّه هو الذي همَّ بقتل الإمام زين العابدينعليه‌السلام وأراد اغتياله، وهو الذي كشف عن خبث باطنه وسوء سريرته، عند مُحادثته مع الإمامعليه‌السلام .

٣ - قيل: إنّ يزيد طلب من عليّ بن الحسينعليه‌السلام أن يُصارع ولده خالداً(٦) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٩، بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٣.

(٢) الإرشاد ٢/ ١٢٢.

(٣) إعلام الورى: ٢٤٩.

(٤) تسلية المجالس ٢/ ٤٥٧.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ المنتظم ٥/ ٣٤٤، تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٧؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٩؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧.

(٦) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ المناقب ٤/ ١٧٢ (عن الطبري والبلاذري)؛ الاحتجاج ٢/ ١٣٤ عنه بحار الأنوار ٤٢/ ١٦٢.

٢٣٠

وهذا أيضاً خطأ وغير صحيح قطعاً، وإن صحّ مضمون الخبر، فهو في شأن عمرو بن الحسن، الذي ذكره أصحاب السير والتواريخ، منهم ابن سعد في طبقاته، قال: ثمّ دعا بعليّ بن حسين وحسن بن حسن وعمرو بن حسن، فقال لعمرو بن حسن - وهو يومئذٍ ابن إحدى عشرة سنة -: أتُصارع هذا؟ يعني خالد بن يزيد، قال: لا، ولكن أعطني سكّيناً وأعطِه سكّيناً حتّى أُقاتله.

فضمّه إليه يزيد وقال:

شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الحيَّة إلاّ حيَّة(١)

ومنه يظهر أنّ ما في بعض الكتب(٢) ، من كونه عمرو بن الحسين، بدل عمرو بن الحسن تصحيف؛ إذ لا نعلم بولَد لهعليه‌السلام بهذه الاسم، مضافاً إلى أنّه لم يبقَ من ذرّيته الطاهرة إلاّ الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

والذي يغلب على الظنّ - أنّ عمّال بني أميّة دسّوا هذه الأُمور، ونشروها بين أوساط الناس، بعدما رأوا تأثير كلام الإمامعليه‌السلام في قلب عاصمة حكومة بني أُميّة السوداء، أو أنّه حصل من سهو الكُتّاب.

وأمّا البيت الذي تمثّل به يزيد، فهناك بعض الخلاف في كيفيّته، روى الخوارزمي أنّه قال:

شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الحيَّة إلاّ حيَّة(٣)

وروى ابن الجوزي: ( سنَّة أعرفها من أحرم )(٤) ، وجاء في نسخة من كتابه كما

____________________

(١) الطبقات الكبرى ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ): ٨٤. انظر أيضاً: تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٧؛ مثير الأحزان: ١٠٥، (وفيه: عمر بن الحسن بدل عمرو، وأيضاً في أنّ يزيد قال قبل إنشاده البيت: ما تتركون عداوتنا صغاراً وكباراً )؛ الملهوف: ٢٢٣.

(٢) الأخبار الطوال: ٢٦١؛ المنتظم ٥/ ٣٤٤؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧؛ نور الأبصار: ١٣٢.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤.

(٤) المنتظم ٥/ ٣٤٤.

٢٣١

في الطبقات وفي نور الأبصار: ( وهل تلد الحيّة إلاّ الأحوية )(١) .

وفي المناقب:

هذا من العصا عصيّة

هل تلد الحيّة إلاّ الحيّة

ثمّ قال: وفي كتاب الأحمر قال: أشهد أنّك ابن علي بن أبي طالب(٢) .

وفي الاحتجاج أنّه قال: لا تلد الحيّة إلاّ الحيّة

أشهد أنّك ابن عليّ بن أبي طالب(٣) .

وأصل البيت هو - كما عن ابن الكلبي - لأبي أخزم الطائي وهو جدّ أبي حاتم أو جدّ جدّه، وكان له ابن يقال له: أخزم. وقيل: كان عاقّاً، فمات وترك بنين، فوثبوا يوماً على جدّهم أبي أخزم فأدموه، فقال:

إنّ بنيَّ ضرّجوني بالدم

شنشنة أعرفها من أخزم

يعني هؤلاء أشبهوا أباهم في العقوق، والشنشنة: الطبيعة والعادة.. يُضرب في قرب الشبه(٤) .

٤ - قيل: ( إنّ فاطمة بنت علي قالت لامرأة يزيد: (ما تُرك لنا شيء). فالتفت يزيد فقال: (ما أتى إليهم عظيم)، ثمّ ما ادّعوا شيئاً ذهب لهم إلاّ أضْعَفَه لهم )(٥) .

____________________

(١) نور الأبصار: ١٣٢.

(٢) المناقب ٤/ ١٧٣.

(٣) الاحتجاج ٢/ ١٣٤.

(٤) مجمع الأمثال ١/ ٣٧٥ (رقم ١٩٣٣).

(٥) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع): ٨٣؛ ونحو ما روي عن فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام أنّها قالتها لأُمّ كلثوم زوج يزيد. أُنظر عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٩ عن مخطوطة مرآة الزمان: ١٠٠.

٢٣٢

ومن هذا القبيل ما رواه ابن الأثير بقوله: (وسألهنّ - أي يزيد - عمّا أُخذ منهنّ فأضعفه لهنّ(١) . وما رواه الطبري وابن كثير: وأرسل يزيد إلى كلّ امرأة ماذا أُخِذ؟ وليس منهنّ امرأة تدّعي شيئاً بالغاً ما بلغ إلاّ قد أضعفه لها )(٢) .

ففي جميع ذلك أنّه:

أوّلاً: لا نُسلّم بصحّة الخبر، فشأن أهل البيت - الذين هم أهل بيت الحميّة والغيرة وأرباب العزّة والمنعة - أعلى وأرفع من أن يطلبوا من رجل خبيث سيّئ السيرة والسريرة شيئاً، فما هي إلاّ مُفتعلات وموضوعات، وضعها أنصار بني أُميّة حقداً على أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبُغضاً لهم.

وثانياً: على فرض التسليم بها، فإنّ مُطالبة أهل البيت ما كانت لأجل الحصول على أمور مادّية، بل هناك في ضمن ما سُلب منهم بعض مواريث آل البيت الخاصّة، وخاصّةً ما يتعلّق بفاطمة الزهراء (سلام الله عليها)(٣) ، وهذا أمرٌ لا يُعوّض بأيّ شيء.

وثالثاً: من الممكن أنّ بعض نساء آل البيت نقلن تلك الأُمور، لأجل تبيين عمق الفاجعة والمأساة التي جرت في كربلاء، حتّى يبقى في التاريخ ويُذكر على الألسن، لا أن يكون المقصود مطالبة شيء منها.

ورابعاً: يحقّ لكلّ أحد غُصِبَ ماله أن يُطالب به، وليس في ذلك أيّ نقيصة، ولكن المسائل التي ضمّتها هذه الروايات أوجبت أن نتأمّل في قبولها، فإنّ هناك أغراضاً سياسيّة فاسدة، لا يمكن التغاضي عنها.

٥ - إنّ المتتبّع في أحداث كربلاء، يجد روايات تُريد أن تمرّ على القضايا

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦.

(٢) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

(٣) الملهوف: ٢٢٢.

٢٣٣

مروراً سريعاً، غامضة العين، كأنّه لم يحدث شيء! أو أنّه انتهى بالخير والسلامة! نذكر بعضه:

روى الذهبي، بإسناده عن عمرو بن دينار قال: (حدّثنا محمّد بن علي عن أبيه قال:( قُتِل الحسين وأُدخلنا الكوفة فلقيَنا رجل، فأدخلنا منزله، فألحفنا! فنمتُ، فلم أستيقظ إلاّ بحسّ الخيل في الأزقّة، فحُملنا إلى يزيد، فدمعت عينه حين رآنا، وأعطانا ما شئنا! وقال: إنّه سيكون في قومك أمور، فلا تدخل معهم... ) (١) .

إنّ الناظر الجاهل بالحقائق حينما يقرأ الخبر، يتصوّر أنّ راويه يقصّ عن سفر فحسب! ولم يحدث أيّ خبر في الكوفة، لا من السجن ولا أحداث مجلس عبيد الله بن زياد، ولم يحدث في الطريق إلى الشام أيُّ أمر، ووصلوا بالخير والسلامة الشام، وتأثّر يزيد، بحيث دمعت عينه!

ولا نعلم كيف يُتصوّر إمكان أن يأخذ رجلٌ بقيّة الركب إلى منزله، والحراسة مُشدّدة عليهم من قِبل ابن زياد؟!

وروى الطبراني - بعد ذكر بعض أحداث مجلس يزيد ومُحادثة الإمامعليه‌السلام معه - قال: ( فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لتريا رأس أبيهما، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما، ثمّ أمر بهم فجُهّزوا وأُصلح إليهم وأُخرجوا إلى المدينة )!(٢) .

وهناك بعض الأخبار التي هي على هذا المنوال، فكلّ هذه الروايات إمّا أن تكون بيان قطعة ناقصة من الحادثة، وإمّا أن تكون لأجل تحريف التاريخ عن حقائقه.

____________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٢٠.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٣/ ١٠٩/ ح٢٨٠٦.

٢٣٤

المظلوم ينتصر

غلبة الدم على السيف!

حصلت المعركة، ووقعت الملحمة في أرض الطف، ولكنّها لم تنتهِ فصولها.

أجل، سقط قائد النهضة صريعاً على الثرى، وذُبِح عطشاناً من القفا، ورُفِع رأسه الشريف على السنا، ولكنّ المعركة لم ولن تنتهي.

أرادوا أن يحكموا - بالظاهر -: بأنّ الخليفة! هو الظافر، كيف لا، وقد قُتل قائد المسيرة، وسُبي أهله الذين حُملوا مع رؤوس الشهداء أُسارى من بلد إلى بلد، حتّى وصلوا بهم إلى عاصمة المملكة، وأهلها فرحون مُستبشرون، زاعمون أنّ ذلك أمارة الغلبة والظَّفَر؟!

نعم، إنّهم ارتكبوا المجازر التي تشمئزّ منها القلوب، وفعلوا ما يُقرح الأكباد، ولكنّهم نسوا شيئاً واحداً، وهو أنّه هناك سنّة الله وإرادته التي تغلب كلّ شيء!

أرادوا أن يُطفئوا نور الله بأفواههم، وأبى الله ذلك:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) ، وقال سبحانه وتعالى:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢) .

أرادوا أن يغلبوا حجّة الله وقد قال سبحانه وتعالى:( كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (٣) .

تخيّلوا أنّ الغلبة بالعدد والعُدّة فقط، وقد نسوا قوله تعالى:( ... كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ... ) (٤) .

____________________

(١) التوبة: ٣٢.

(٢) الصف: ٨.

(٣) المجادلة: ٢١.

(٤) البقرة: ٢٤٩.

٢٣٥

ومن هذا المنطق، ننطلق إلى سنّة إلهيّة ثابتة في ساحة صراع الحقّ مع الباطل، وهي انتصار الحقّ على الباطل، لقد غلب الدمُ السيفَ؛ لأنّ الله يقول:( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) (١) ، وقال تعالى: ( ... فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٢) .

كيف انقلبت المعادلة؟

إنّ مسألة انقلاب المعادلة، وتغيُّر الأوضاع، وتبدُّل كَفَّتي الموازنة لم تحصل دُفعة ودونما مقدّمات، بل هي حصيلة جهود كثيرة، ونتيجة مُقاساة شدائد صعبة، تحمّلها أهل بيت الحسينعليه‌السلام ، وعلى رأسهم سيّد المتهجِّدين وزين العابدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، والسيّدة العقيلة زينب الكبرى (سلام الله عليها). وابتدأت تلك الجهود بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام مباشرة، واستمرّت في الكوفة وفي الطريق إلى الشام، وأثمرت في دمشق، وامتدّت حتّى وصلت إلى بيت الطاغي ابن الباغي يزيد بن معاوية، بحيث زعزعت أركان حكومته من الداخل والخارج.

هذا ما سنتناوله في هذه المرحلة، ونُركّز على بعض جوانبه، وننظر إلى بعض زواياه.

نظرة إلى دور الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

لقد رأينا موقف الإمامعليه‌السلام تجاه المسائل العديدة التي حصلت بعد عاشوراء إلى زمان دخوله الشام - لا سيّما ما جرى في الشام - ولقد ذكرنا شواهد مُتعدِّدة على دور الإمام البارز على صعيد الشعب والحكومة والشخصيات.

فقد تمكّن الإمامعليه‌السلام أن يُكسِّر الحواجز، ويُهدِّم الموانع التي فرضتها السلطة

____________________

(١) الصافات: ١٧١ - ١٧٣.

(٢) المائدة: ٥٦.

٢٣٦

الطاغية، ويعبر جميع ذلك، ويقوم بكسر الحواجز الإعلامية المفروضة على الناس، ويُبيِّن الحقائق التي أُخفيت عليهم.

فتارةً يرى الإمامعليه‌السلام أُناساً ساذجين قلبوا الأمر عليهم، فيواجههم برحابة صدره الشريف، كما حصل ذلك مع الشيخ الشامي، الذي حمد الله على قتل الحسينعليه‌السلام وأهله! - في البدية - ولكنّه حينما يسمع آيات قرآنية نازلة في شأن آل بيت رسول الله - كآية التطهير والمودّة في القربى وغيرها - يرجع إلى فطرته السليمة ويقول: اللّهمَّ، إنّي تائب إليك ممّا تكلّمته ومن بُغض هؤلاء القوم! اللّهمَّ، إنّي أبرأ إليك من عدوّ محمّد وآل محمّد من الجنّ والإنس(١) .

ولم يتحمّل يزيد ذلك، فأمر بقتل ذلك الشيخ الشامي(٢) .

إنّ التمسّك بالقرآن والاستدلال به، هو أحسن طريق اتّخذه الإمامعليه‌السلام للاحتجاج به في هذا المقطع؛ لأنّهم - كما ذكرنا - منعوا نشر أحاديث فضل أهل البيتعليهم‌السلام منعاً كاملاً، كما وضعوا في قبالها أحاديث في شأن مبغضيهم!

فتارةً نرى الإمام إذا واجه الطاغية، قابله وهاجمه بقوّة الإيمان، وصلابة البيان، وإقامة البرهان، بحيث لم يُبقِ له إلاّ الخزي والخسران، ثمّ أوعده بالنيران؛ لأنّه تابع إمامه الذي ليس هو إلاّ الشيطان، ولكونه ثمرة عبدة الأوثان.

فلذلك واجهه بهذا الكلام:( أنشدك بالله - يا يزيد -، ما ظنّك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لو رآنا مقرَّنين في الحبال؟! أما كان يرقُّ لنا؟! ) .

فأمر يزيد بالحبال فقُطعت، وعُرِف الانكسار فيه(٣) ، فلم

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٣؛ تفسير فرات الكوفي: ١٥٣ ح١٩١؛ أمالي الصدوق: ٢٣٠؛ روضة الواعظين ١/ ١٩١؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٠؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦١؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤ و١٦٦.

(٢) الملهوف: ٢١١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤.

(٣) الطبقات الكبرى: ٨٣؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ الكامل في التاريخ ٤: ٨٦؛ تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ مُثير الأحزان: ٩٨؛ الملهوف: ٢١٣؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٤.

٢٣٧

يبقَ في القوم إلاّ مَن بكى(١) .

وحينما استشهد يزيد - المدّعي خلافة رسول الله - ببيت لشاعر جاهلي يُجيبه الإمامعليه‌السلام بآية قرآنية، فيثقل ذلك على يزيد(٢) ، ولم يجد إلاّ أن يلتجئ لآية شريفة في غير موقعها، فيُثبت الإمامعليه‌السلام له وللجميع عدم فقهه بالقرآن، وعدم دركه معناه(٣) ، هذا وهو مدّعي الخلافة الإسلاميّة!

ومع الأسف الشديد، فإنّ كثيراً من المؤرّخين لم يذكروا هذه القطعة الأخيرة!

هذا جانب ممّا نُقل عن نشاط الإمامعليه‌السلام ، على صعيد مواجهة الطاغوت ومُجابهته، وكسر كبريائه وسطوته، وكذا الأمر بالنسبة إلى مقابلة الإمامعليه‌السلام مع بعض الأشخاص، سواء كانوا من الساذجين المنخدعين منهم - كما مرّ في قصّة الشيخ الشامي - أو غيرهم مثل ما ذُكِر حول تكلّم الإمامعليه‌السلام مع مكحول صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) أو منهال(٥) .

وأمّا على الصعيد الشعبي العام، فنجد ذروة ذلك في خطبته الغرّاء، التي أُلقيت أمام حشد الجماهير مع حضور يزيد الملعون، ولقد بسطنا القول في تأثير الخُطبة وصداها فراجِعْ (٦) ، ونكتفي بذكر ما أورده السيّد محمّد بن أبي طالب عند ذكره الخُطبة، قال: ( فلم يزل يقول: أنا. حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب والأنين، وخشي يزيد اللعين أن تكون فتنة، فأمر المؤذِّن فقال: اقطع عليه الكلام )(٧) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦؛ تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ تاريخ الإسلام: ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٥.

(٣) تفسير القمّي ٢/ ٣٥٢؛ الفصول المهمّة: ١٩٥.

(٤) الاحتجاج ٢/ ١٣٤؛ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

(٥) تفسير القمّي ٢/ ١٣٤؛ الفتوح ٢/ ١٨٧؛ تفسير فرات الكوفي: ١٤٩؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١.

(٦) أُنظر مبحث (نظرة خاطفة في الخُطبة وصداها) في هذا الكتاب.

(٧) تسلية المجالس ٢/ ٣٩٥.

٢٣٨

ومن هنا نعلم ما هو السرّ وراء قيام يزيد بحبس الإمامعليه‌السلام (١) ، أو أمره باغتياله(٢) ، واقتراح بعض الصحابة!(٣) ومشاوريه(٤) ذلك.

وهذه الشواهد المتقنة تؤيّد مدى نجاح نشاط الإمامعليه‌السلام وعمله في جوانب مُتعدّدة.

نظرة إلى دور زينب الكبرىعليها‌السلام :

لقد قامت السيّدة العقيلة زينب الكبرى - سلام الله عليها - بواجبها الرسالي، امتداداً للنهضة الحسينيّة، وتجسيداً رائعاً لقيمها الراقية وأهدافها السامية.

إنّها بنت علي وفاطمة.

إنّها أُخت الحسنين.

إنّها التي تغذَّت في حِضن النبوّة، وتربّت في كَنف الولاية.

وهي التي رأت مصائب لم ولن يرى مثلها أحد!

لقد رأت بالأمس مظلوميّة جدّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر أيّام حياته.

ثمّ رأت مظلوميّة أُمّها الصدّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وكيف كُسِر ضلعها(٥) ، وأُحِرق باب دارها(٦) ، وهي التي حضرت المسجد مع أُمّها ونقلت تلك الخُطبة الغرَّاء التي ألقتها أُمّهاعليها‌السلام (٧) .

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣؛ أمالي الصدوق: ٢٣١؛ بصائر الدرجات: ٣٣٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٠.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٨ و٢٠٠؛ المناقب ٤/ ١٧٣.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠.

(٤) إثبات الوصيّة: ١٤٥؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

(٥) كتاب سليم بن قيس الهلالي: ٤٠؛ الاحتجاج ١١/ ٢١٢، ولقد أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بوقوع ذلك، اُنظُر أمالي الصدوق: ١٧٦ ح١٧٨؛ إرشاد القلوب: ٢٩٥؛ فرائد السمطين ٢/ ٣٥؛ نوادر الأخبار: ١٦١.

(٦) إثبات الوصيّة: ١٢٤.

(٧) الاحتجاج ١/ ٢٥٣، وانظر: بلاغات النساء: ١٩؛ معاني الأخبار: ٣٥٤؛ أمالي الطوسي: ٢٣٨؛

٢٣٩

وبذلك تعلّمت كيف تواجه الحُكّام الظلمة، بقوّة البيان، وصلابة الإيمان، وإذا أردْتَ أن تعلم جذور خُطب زينب، فارجِع البصر إلى ما بعد وفاة الرسول، تجدها ترجع إلى خُطبة أُمّها الزهراء البتول (سلام الله عليها).

ثمّ رأت غربة أبيها المظلوم عليّ بن أبي طالب واستشهاده، ثمّ الحسن عليهم (سلام الله جميعاً).

أمّا اليوم، فقد أصبحت بطلة المعركة الكبرى، ولقد أدّت واجبها بأحسن وجه، وعبر مواقف؛ منها:

١ - متابعتها لإمام زمانها وابن أخيها عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، الذي عرّفته أمام يزيد بقولها هو المتكلِّم(١) .

٢ - وقوفها الصلب أمام الطاغية يزيد.

٣ - تأثير كلامها في أوساط المجتمع الشامي، وخاصّة في مجلس يزيد.

٤ - تأثيرها البالغ في قلب العاصمة وفي بيت يزيد، كما يأتي تفصيل ذلك.

٥ - موقفها العاطفي أمام رأس أخيها الحسين، بحيث قلبت المجلس، إلى حدٍّ قالوا: فأبكت - والله - كلّ مَن كان(٢) .

٦ - إلقاء خطبتها الغرّاء في مجلس يزيد، التي تضمّنت معاني عالية، ومضامين راقية، وبراهين مُتقنة، ولقد بسطنا القول في شأنها.

____________________

كشف الغمّة ٢/ ١١٤؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦/ ٢٣٣؛ أعلام النساء ٤/ ١٢٨؛ إحقاق الحقّ ١٠/ ٣٠٦؛ بحار الأنوار ٤٣/ ١٥٩.

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

(٢) الاحتجاج ٢/ ١٢٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460