مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد أمين الأميني
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 225328
تحميل: 8099

توضيحات:

الجزء 6
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225328 / تحميل: 8099
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 6

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يعلم أنّك فرع الشجرة الملعونة، وإذا قلت: إنّه جدّي. فلماذا قتلت عترته وسبطه، وسبيت أهله؟!

قال بعض المؤرِّخين: لقد أثّر خطاب الإمام تأثيراً بالغاً في أوساط المجتمع الشامي؛ فقد جعل بعضهم ينظر إلى بعض ويُسِرُّ بعضهم إلى بعض بما آلوا إليه من الخيبة والخسران، حتّى تغيَّرت أحوالهم مع يزيد(١) ، وأخذوا ينظرون إليه نظرة احتقار وازدراء.

الإمامعليه‌السلام مع مكحول صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ذكر الطبرسي - بعد نقله خُطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام - قال: ( فنزل - أي نزل عليّ بن الحسينعليه‌السلام عن المنبر - فأخذ ناحية باب المسجد، فلقيه مكحول(٢) صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟ قال:

____________________

(١) جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: ١٢٨ - على ما في ( حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ) ٣/ ٣٨٨.

(٢) هو - على ما ذكره المزّي -: مكحول الشامي أبو عبد الله، ويُقال: أبو أيّوب، ويُقال: أبو مسلم، والمحفوظ أبو عبد الله الدمشقي الفقيه، وكانت داره بدمشق عند طرف سوق الأحد... وقال محمد بن المنذر الهري: إنّ أصله من هرات... وذكره محمّد بن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام... وقال: محمّد بن عبد الله بن عمّار الموصلي: مكحول إمام أهل الشام... وعن الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيّب بالمدينة، وعامر الشعبي بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام. (تهذيب الكمال ٢٨/ ٤٦٤).

وقال المامقاني: مكحول غير مذكور في كُتب رجالنا، وإنّما عدّه أبو موسى من الصحابة، واصفاً له بمولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج أنّه كان من المبغضين لأمير المؤمنينعليه‌السلام . (تنقيح المقال ٣/ ٢٤٦ رقم ١٢١٠٨).

وقال المحدّث القمّي: مكحول من علماء التابعين بالشام... وعدّه ابن أبي الحديد من المبغضين لعلي... وفي كتاب الاختصاص، عن سعيد بن عبد العزيز أنّه قال: كان الغالب على مكحول عداوة علي بن أبي طالب، وكان إذا ذكر عليّاً لا يُسمّيه ويقول: أبو زينب. (مُستدرك سفينة البحار ٩/ ٧٢).

٢٠١

( أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يُذبّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وفي ذلكم بلاء من ربّكم عظيم ) (١) .

زين العابدينعليه‌السلام مع منهال (٢) :

روى المحدّث الجليل عليّ بن إبراهيم القمّي، بإسناده عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:( لقي المنهال بن عمر [ عليّ (٣) ] بن الحسين بن عليّ عليهم‌السلام ، فقال له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟

قال: ويحك! أما آن لك أن تعلم كيف أصحبت؟! أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يُذبِّحون أبناءنا، ويستحيون نساءنا (٤) ،وأصبح خير البريّة بعد محمّد يُلعَن على المنابر، وأصبح عدوّنا يُعطى المال والشرف، وأصبح مَن يُحبّنا محقوراً منقوصاً حقّه، وكذلك لم يزل المؤمنون، وأصبحت العَجم تعرف للعرب حقّها بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت

____________________

(١) الاحتجاج ٢/ ١٣٤ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

(٢) هو المنهال بن عمرو الأسدي، عدّه الشيخ بهذا العنوان تارة في أصحاب الحسينعليه‌السلام ، وعدّه في أصحاب الصادقعليه‌السلام أيضاً قائلاً: المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم كوفي، روى عن عليّ بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد اللهعليهم‌السلام ، وعدّه البرقي في أصحاب عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، روى عن الأصبغ، وروى عنه علي بن عبّاس... كذا في مُعجم رجال الحديث ٢٠/ ١٠ رقم ١٢٧٢٥.

(٣) سقط في النسخة المطبوعة، وذكره المجلسي عنه عن الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

(٤) إشارة إلى الآية الشريفة:( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (القصص: ٤).

٢٠٢

قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقّها بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحنا أهل البيت لا يُعرف لنا حقّ، فكهذا أصبحنا يا منهال ) )(١) .

وقال ابن أعثم الكوفي: وخرج عليّ بن الحسين ذات يوم، فجعل يمشي في أسواق دمشق، فاستقبله المنهال بن عمرو الطائي، فقال له: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟

قال:( أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون، يُذبِّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، يا منهال، أمست العرب تفتخر على العَجم بأنّ محمّداً عربيٌّ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منهم، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون، مقهورون منقتلون، مثبورون مطرودون، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال ) (٢) .

ذكر هذه المحادثة عدّة من أرباب الأخبار والسير بتفاوت يسير، منهم المحدّث الجليل فرات الكوفي(٣) ، وأبو جعفر الكوفي(٤) ، والخوارزمي(٥) ، وابن نما(٦) ، وابن شهر آشوب(٧) ، وابن طاووس(٨) ، وابن عساكر(٩)

____________________

(١) تفسير القمّي ٢/ ١٣٤ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٨٤.

(٢) الفتوح ٢/ ١٨٧.

(٣) تفسير فرات الكوفي: ١٤٩، ح١٨٧.

(٤) المناقب: ١٣٨.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧١.

(٦) مُثير الأحزان: ١٠٥.

(٧) المناقب ٤/ ١٦٩.

(٨) الملهوف: ٢٢٢.

(٩) مختصر تاريخ دمشق ١٧/ ٢٤٤.

٢٠٣

مُلاحظة:

ذكر ابن شهر آشوب ما جرى بين الإمام السجّادعليه‌السلام وكلام السائل، على نحو ما أورده فرات الكوفي في تفسيره، إلاّ أنّه قال في بدايته: ( فقام إليه رجل من شيعته، يُقال له: المنهال بن عمرو الطائي. وفي رواية: مكحول صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(١) .

ولكنّ الظاهر تكرّر الواقعة والمحادثة لا وحدتها، خاصّة وأنّ المروي كون مُحادثة مكحول عند ناحية المسجد، ومكالمة منهال في سوق دمشق، وليس بغريب أن يتكرّر ويتقارب جواب في سؤال واحد.

وكيف كان، فالإمام يتأوّه ويسترجع على ما رأى بأُمّ عينيه من المصائب والمآسي، التي لم يتحمّلها أحدٌ من الناس.

قال ابن نما: ولله درّ مهيار(٢) بقوله في العترة الطاهرة:

يُعظِّمون له أعواد منبره

وتحت أرجلهم أولاده وضعوا

بأيّ حُكم بَنُوه يتبعونكم

وفخركم أنّكم صحبٌ له تبع(٣)

مع الرأي العام المضلَّل... مرّة أُخرى!

لقد اهتمّ الإمامعليه‌السلام بمسألة تنوير الأفكار وكشف الحقائق أكثر من أيّ شيء،

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٧.

(٢) مهيار بن مرزويه، أبو الحسن أو أبو الحسين الديلمي، شاعر كبير، في معانيه ابتكار، وفي أسلوبه قوّة، قال الحرّ العاملي: جمع مهيار بين فصاحة العرب ومعاني العَجم، وقال الزبيدي: شاعر زمانه. فارسي الأصل، من أهل بغداد، أسلم على يد الشريف الرضيّ، وهو شيخه وعليه تخرّج في الشعر والأدب... توفّي في بغداد سنة ٤٢٨هـ (الأعلام ٧/ ٣١٧، وذَكر من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد ١٣/ ٢٧٦؛ المنتظم ٨/ ٩٤؛ البداية والنهاية ١٢/ ٤١؛ ابن خلكان ٢/ ١٤٩).

(٣) مُثير الأحزان: ١٠٦؛ الملهوف: ٢٢٣.

٢٠٤

ولقد ذكرنا شيئاً من كلامه ومُحادثاته، وخُطبه التي تُعالج هذا الجانب.

وفيما يلي نذكر بعض الأسئلة التي طُرحت على الإمام، ونرى كيف اهتمّ الإمام بالمسألة، وذلك في ضمن أجوبته.

روى فرات بن إبراهيم الكوفي، بإسناده عن يحيى بن مساور، قال: ( أتى رجل من أهل الشام إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال له: أنت عليّ بن الحسين؟

قال:( نعم ).

قال: أبوك قتل المؤمنين!

فبكى عليّ بن الحسين، ثمّ مسح وجهه وقال:( ويلك! وبما قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين؟! ) .

قال: بقوله:( إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم على بغيهم ) .

قال:( أما تقرأ القرآن؟! ) .

قال: إنّي أقرأ.

قال:( أما سمعت قوله: ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً... وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً... وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ) (١) ؟! ) .

قال: بلى.

قال:( كان أخاهم في عشيرتهم أو في دينهم؟! ) .

قال: في عشيرتهم.

قال:( فرّجت عنّي فرّج الله عنك ) )(٢) .

وروى نحوه العيّاشي(٣) .

____________________

(١) هود: ٥٠ و٨٤ و٦١.

(٢) تفسير فرات الكوفي: ١٩٢ ح٢٤٨.

(٣) تفسير العيّاشي ٢/ ١٥٢ ح٤٣ - عنه البرهان في تفسير القرآن ٢/ ٢٢٤ بتفاوت.

٢٠٥

حبس الإمام زين العابدينعليه‌السلام !

قال المدائني: ( وموضع حبس زين العابدين هو اليوم مسجد )(١) .

أقول: لعلّه هو المسجد الواقع في جنب مقام رأس الحسينعليه‌السلام في جوار المسجد الأُموي حاليّاً.

قال ابن الحوراني: ( قال الكمال الدميري في (حياة الحيوان الكبرى): قال ابن عساكر: ومسجد عليّ بن الحسين هو زين العابدين في جامع دمشق معروف.

قلت: هو في المسجد الشرقي الشمالي، كان (رضي الله عنه) يُصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة، وهو مسجد لطيف، عليه جلالة وهيبة، يُزار ويُتبرّك به )(٢) .

وروى الشيخ الصدوق، عن فاطمة بنت عليّ (صلوات الله عليهما) قالت: ( ثمّ إنّ يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسينعليه‌السلام ، فحُبسن مع عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في محبس لا يُكنّهم من حرٍّ ولا قَرٍّ، حتّى تقشّرت وجوههم )(٣) .

مُحاولات اغتيال الإمام زين العابدينعليه‌السلام !

وزين العابدين بقيد ذلٍّ

وراموا قتله أهل الخؤونا(٤)

لقد تعرّض الإمام السجّادعليه‌السلام للقتل والاغتيال في عدّة مواطن، ولكن أبى الله ذلك؛ حفظاً لبقاء حُججه على أرضه.

فمن تلك المواطن كربلاء:

قال سبط ابن الجوزي: ( وإنّما استبقوا عليّ بن

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

(٢) الإشارات إلى أماكن الزيارات المسمّى زيارات الشام: ٢٠.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٣١، مجلس ٣١، ح٢٤٣ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٠.

(٤) من أشعار لأُمّ كلثوم بنت الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قالتها حينما توجّهت إلى المدينة، اُنظُر: بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٨.

٢٠٦

الحسين لأنّه لما قُتل أبوه كان مريضاً، فمرّ به شمر فقال: اقتلوه. ثمّ جاء عمر بن سعد، فلما رآه قال: لا تتعرّضوا لهذا الغلام، ثمّ قال لشمر: ويحك! مَن للحرم؟! )(١) .

ومنها في الكوفة:

قال الطبرسي - بعد ذكر ما جرى بين الإمامعليه‌السلام وابن زياد من الكلام -: فغضب ابن زياد وقال: ( لك جرأة على جوابي! وفيك بقيّة للردّ عليَّ؟! اذهبوا واضربوا عنقه! )، فتعلّقت به زينب...(٢) .

ومنها في الشام:

وذلك في عدّة مواقف:

منها: ما ذكره الفقيه القطب الراوندي: ( وروي أنّه لما حُمل عليّ بن الحسينعليه‌السلام إلى يزيد لعنه الله هَمَّ بضرب عنقه )(٣) .

ومنها: ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (كان عليّ بن الحسين مقيّداً مغلولاً، فقال يزيد لعنه الله: يا عليّ بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك!

فقال عليّ بن الحسين:( لعنة الله على من قتل أبي ) ). قال: ( فغضب يزيد وأمر ضرب عنقه، فقال عليّ بن الحسين:( فإذا قتلتني، فبنات رسول الله مَن يردّهم إلى منازلهم وليس لهم محرم غيري؟!... ) (٤) .

ومنها: ما رواه صاحب الاحتجاج، بعد ذكره الخطبة السجّادية ورجوع الإمام السجّادعليه‌السلام إلى المنزل، فبعده قال ليزيد:( يا يزيد، بلغني أنّك تُريد قتلي، فإن كنت لابدّ قاتلي فوجّه مع هؤلاء النسوة مَن يردّهن ) (٥) .

ومنها: ما رواه ابن شهر آشوب عن المدائني: (لما انتسب السجّاد إلى النبيّ

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٥٨.

(٢) إعلام الورى: ٢٤٧.

(٣) بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٠.

(٤) بحار الأنوار، ٤٥/ ١٦٨.

(٥) بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢.

٢٠٧

قال يزيد لجلوازه: أدْخِله في هذا البستان واقتله وادفنه فيه. فدخل به إلى البستان، وجعل يحفر والسجّاد يصلّي، فلما همّ بقتله ضربته يد من الهواء، فخرّ لوجهه وشهق ودهش، فرآه خالد بن يزيد وليس لوجهه بقيّة، فانقلب إلى أبيه وقصّ عليه، فأمر بدفن الجلواز في الحفرة وإطلاقه، وموضع حبس زين العابدين هو اليوم مسجد )(١) .

ومنها: ما رواه المسعوديّ، بعد ذكر المحادثة بين الإمامعليه‌السلام ويزيد، قال: ( فشاور يزيد جلساءه في أمره، فأشاروا بقتله )(٢) .

ومنها: ما رواه ابن كثير بقوله: وروي أنّ يزيد استشار الناس في أمرهم، فقال رجل ممّن قبّحهم الله: ( يا أمير المؤمنين، لا يتّخذن من كلبِ سوءٍ جرواً، اقتُل عليّ بن الحسين؛ حتّى لا يبقى من ذرّية الحسين أحد )، فسكت يزيد...(٣) .

ومنها: ما رواه ابن عساكر، بإسناده عن حمزة بن زيد الحضرمي، عن ريّا حاضنة يزيد أنّها قالت: ( ولقد جاءه (أي يزيد) رجل من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) فقال له: قد أمكنك الله من عدوّ الله وابن عدوّ أبيك! فاقتل هذا الغلام ينقطع هذا النسل، فإنّك لا ترى ما تُحبّ وهم أحياء، آخر مَن يُنازَع فيه - يعني عليّ بن حسين بن علي - لقد رأيت ما لقي أبوك من أبيه، وما لقيت أنت منه، وقد رأيت ما صنع مسلم بن عقيل، فاقطع أصل هذا البيت، فإنّك إن قتلت هذا الغلام انقطع نسل الحسين خاصّة، وإلاّ فالقوم ما بقي منهم أحد طالبك بهم، وهم قوم ذو مكر، والناس إليهم مائلون، وخاصّة غوغاء أهل العراق يقولون: ابن رسول الله(صلَّى الله عليه وسلَّم)، ابن عليّ وفاطمة. اقتُله فليس هو بأكرم من صاحب هذا الرأس.

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣. ولعلّ ما ذكره صاحب الاحتجاج هو بعد حصول هذه المسألة.

(٢) إثبات الوصيّة: ١٤٥.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

٢٠٨

فقال: لا قمت ولا قعدت، فإنّك ضعيف مهين، بل أدعهم، كلّما طلع منهم طالع أخذته سيوف آل أبي سفيان!

قال: إنّي قد سمَّيت الرجل الذي من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ولكن لا أُسمّيه ولا أذكره )(١) .

تأمّل وملاحظات:

نجد في هذه الرواية موارد للتأمّل والتوقّف عليها:

١ - إصرار بالغ من رجل - قيل: إنّه صاحب رسول الله! - على قتل سبطه الوحيد المتبقّي من ذُرّيته، ولم يكتفِ بذكر اقتراحه مرّة واحدة، بل كرّره مرّة بعد أُخرى.

٢ - بطلان نظرية عدالة جميع الصحابة! فهل من العدالة أن يُصرّ رجل على قتل سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! إلاّ أن يُقال: إنّه ما أكثر هذا السنخ من الصحابة العدول في شيعة آل أبي سفيان!

٣ - اعتراف هذا الرجل العدوّ بميل الناس إلى آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث يقول: والناس إليهم مائلون، يريد بذلك أن يُحرّك يزيد على قتل الإمام.

٤ - والعَجب من راوي الخبر! أنّه يكتم اسم هذا الصحابي العدل! أيرى أنّ ذلك يوجب حفظ مكانته؟!

تجلّي مكارم الأخلاق!

روي أنّ يزيد أمر بردّ ما أُخذ من أهل البيتعليهم‌السلام ، وزاد عليه مئتي دينار، فأخذها زين العابدينعليه‌السلام ، وفرّقها على الفقراء والمساكين(٢) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠، ذيل ترجمة ريا. أُنظر: البداية والنهاية ٨/ ٢٠٤؛ تاريخ الإسلام للذهبي ٣/ ١٢؛ الجوهرة للتلمساني ٢/ ٢١٨.

(٢) الملهوف: ٢٢٤، مُثير الأحزان: ١٠٦.

٢٠٩

مأساة الشام

رأس الحسينعليه‌السلام في دمشق!

الجسم منه بكربلاء مُضرَّج

والرأس منه على القناة يُدار

إنّ للرأس الشريف دوراً هامّاً في استمرار رسالة النهضة الحسينيّة، فقد ذكرنا أنّ الرأس الشريف تلا القرآن وتكلّم في دمشق. وهذه هي من أكبر الحُجج وأحسن الأدلّة على منزلته الرفيعة، وعلوّ مقامه عند الله تبارك وتعالى.

ولم تنحصر معجزة الرأس الشريف بما ذُكر، بل هناك أُمور وشواهد أُخرى:

روى البيهقي، بإسناده عن أبي معشر قال: ( وقُتل الحسين (رضي الله عنه) وجميع مَن معه رحمهم الله، وحُمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد، فوضع بين يديه على ترس، فبعث به إلى يزيد، فأمر بغسله وجعله في حريرة وضُرِب عليه خيمة ووُكِّل به خمسين رجلاً.

فقال واحد منهم: نمت وأنا مُفكّر في يزيد وقتله الحسينعليه‌السلام ، فبينا أنا كذلك إذ رأيت سحابة خضراء، فيها نور قد أضاءت ما بين الخافقين، وسمعت صهيل الخيل ومُنادياً يُنادي:( يا أحمد، اهبط ) . فهبط رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) ومعه جماعة من الأنبياء والملائكة، فدخل الخيمة، وأخذ الرأس، فجعل يُقبِّله ويبكي ويضمّه إلى صدره، ثمّ التفت إلى مَن معه، فقال:( انظروا إلى ما كان من أُمّتي في ولدي، ما بالهم لم يحفظوا فيه وصيّتي، ولم يعرفوا حقّي؟! لا أنالهم الله شفاعتي ) .

قال: وإذا بعدّة من الملائكة يقولون:( يا محمّد، الله تبارك وتعالى يُقرئك السلام، وقد أمرنا بأن نسمع لك ونُطيع، فمُرْنا أن نقلب البلاد عليهم ).

فقال(صلَّى الله عليه وسلَّم):( خلّوا عن أُمّتي، فإنّ لهم بُلغةً وأمداً ) .

٢١٠

قالوا:( يا محمّد، إنّ الله جلّ ذكره أمرنا أن نقتل هؤلاء النفر ) .

فقال:( دونكم وما أُمِرتم به ) .

قال: فرأيت كلّ واحد منهم قد رمى كلّ واحد منّا بحربة، فقتل القوم في مضاجعهم غيري، فإنّي صِحت يا محمّد.

فقال: وأنت مُستيقظ؟

قلت: نعم.

قال: خلّوا عنه يعيش فقيراً ويموت مذموماً.

فلما أصبحت دخلت على يزيد وهو مُنكسر مهموم، فحدّثته بما رأيت، فقال: امضِ على وجهك، وتُبْ إلى ربّك!! )(١) .

وعن الشبلنجي أنّه قال: ( روى سليمان الأعمش (رضي الله عنه) قال: خرجنا ذات سنة حُجَّاجاً لبيت الله الحرام وزيارة قبر النبيّعليه‌السلام ، فبينا أنا أطوف بالبيت، إذا رجل مُتعلّق بأستار الكعبة وهو يقول: (اللّهمَّ، اغفر لي وما أظنّك تفعل )، فلما فرغتُ من طوافي قلت: سبحان الله العظيم! ما كان ذنب هذا الرجل؟! فتنحّيت عنه.

ثمّ مررت به مرّة ثانية، وهو يقول: ( اللّهمَّ، اغفر لي، وما أظنّك تفعل! ).

فلما فرغتُ من طوافي قصدتُ نحوه فقلت: يا هذا، إنّك في موقف عظيم، يغفر الله فيه الذنوب العظام، فلو سألت منه عزّ وجلّ المغفرة والرحمة لرجوت أن يفعل، فإنّه مُنعم كريم.

فقال: يا عبد الله، مَن أنت؟

فقلت: أنا سليمان الأعمش.

____________________

(١) المحاسن والمساوئ: ٦٢.

٢١١

فقال: يا سليمان، إيّاك طلبت، وقد كنت أتمنّى مثلك.

فأخذ بيدي، وأخرجني من داخل الكعبة إلى خارجها، فقال لي: يا سليمان، ذنبي عظيم.

فقلت: يا هذا، أذنبك أعظم أم السماوات؟ أم الأرضون؟ أم العرش؟

فقال لي: يا سليمان، ذنبي أعظم! مهلاً حتّى أُخبرك بعَجب رأيته.

فقلت له: تكلّم رحمك الله.

فقال لي: يا سليمان، أنا من السبعين الذين أتوا برأس الحسين بن علي (رضي الله عنهما) إلى يزيد بن معاوية، فأمر بالرأس، فنُصِب خارج المدينة، وأُمِر بإنزاله ووضِع في طست من ذهب، ووضِع ببيت منامه، فلما كان في جوف الليل انتبهتْ امرأة يزيد بن معاوية، فإذا شعاع ساطع إلى السماء، ففزعتْ فزعاً شديداً، وانتبه يزيد من منامه، فقالت له: يا هذا، قم، فإنّي أرى عَجباً.

قال: فنظر يزيد إلى ذلك الضياء، فقال لها: اسكُتي، فإنّي أرى كما ترين.

قال: فلما أصبح من الغد أمر بالرأس، فأُخرج إلى فسطاط وهو من الديباج الأخضر، وأمر بالسبعين رجلاً فخرجنا إليه نحرسه، وأمر لنا بالطعام والشراب حتّى غربت الشمس، ومضى من الليل ما شاء الله ورقدنا، فاستيقظتُ ونظرتُ نحو السماء، وإذا بسحابة عظيمة ولها دويّ كدويّ الجبال وخفقان أجنحة، فأقبلتْ حتّى لصقتْ بالأرض، ونزل منها رجل وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، وبيده درانك وكراسي، فبسط الدرانك، وألقى عليها الكراسي، وقام على قدميه ونادى:( انزل يا أبا البشر، انزل يا آدم! ) .

فنزل رجل أجمل ما يكون من الشيوخ شيباً، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال:( السلام عليك يا وليّ الله، السلام عليك يا بقيّة الصالحين، عشت سعيداً، وقُتلت طريداً، ولم تزل عطشاناً حتّى ألحقك الله بنا،

٢١٢

رحمك الله ولا غفر لقاتلك، الويل لقاتلك غداً من النار، ثمّ نزل وقعد على كرسي من تلك الكراسي ) .

قال: يا سليمان، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً، وإذا بسحابة أُخرى أقبلت حتّى لصقت بالأرض، فسمعت مُنادياً يقول:( انزل يا نبيّ الله، انزل يا نوح! ).

وإذا برجل أتمّ الرجال خَلقاً، وإذا بوجهه صفرة، وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال:( السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بقيّة الصالحين، قُتلت طريداً، وعشت سعيداً، ولم تزل عطشاناً حتّى ألحقك الله بنا، غفر الله لك، ولا غفر لقاتلك، الويل لقاتلك غداً من النار ) ، ثمّ زال فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

قال: يا سليمان، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً، وإذا بسحابة أعظم منها، فأقبلت حتّى لصقت بالأرض، فقام الأذان، وسمعت مُنادياً يُنادي:( انزل يا خليل الله، انزل يا إبراهيم! ) .

وإذا برجل ليس بالطويل العالي، ولا بالقصير المتداني، أبيض الوجه، أملح الرجال شيباً، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال:( السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بقيّة الصالحين، قُتلت طريداً وعشت سعيداً، ولم تزل عطشاناً حتّى ألحقك الله بنا، غفر الله لك، ولا غفر لقاتلك، الويل لقاتلك غداً من النار ) .

ثمّ تنحّى، فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً، فإذا بسحابة عظيمة، فيها دويّ كدويّ الرعد وخفقان أجنحة، فنزلت حتّى لصقت بالأرض، وقام الأذان فسمعت قائلاً يقول:( انزل يا نبيّ الله، انزل يا موسى بن عمران! ) .

قال: فإذا برجل أشدّ الناس في خَلقه وأتمّهم في هيبته، وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال مثل ما تقدّم، ثمّ تنحّى فجلس على كرسيّ من تلك الكراسي.

٢١٣

ثمّ لم ألبث يسيراً، وإذا بسحابة أُخرى، وإذا فيها دويّ عظيم وخفقان أجنحة، فنزلت حتّى لصقت بالأرض، وقام الأذان، فسمعت قائلاً يقول:( انزل يا عيسى، انزل يا روح الله! ) . فإذا أنا برجل مُحمرّ الوجه، وفيه صفرة، وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، فأقبل حتّى وقف على الرأس، فقال مثل مقالة آدم ومَن بعده، ثمّ تنحّى فجلس على كرسي من تلك الكراسي.

ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً وإذا بسحابة عظيمة فيها دويّ كدويّ الرعد والرياح وخفقان أجنحة، فنزلتْ حتّى لصقتْ بالأرض، فقام الأذان، وسمعت مُنادياً يُنادي:( انزل يا محمّد، انزل يا أحمد! ).

وإذا بالنبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) وعليه حُلّتان من حُلل الجنّة، وعن يمينه صفّ من الملائكة، والحسن وفاطمة (رضي الله عنهما)، فأقبل حتّى دنا من الرأس، فضمّه إلى صدره، وبكى بكاءً شديداً، ثمّ دفعه إلى أُمّه فاطمة، فضمّته إلى صدرها، وبكت بكاءً شديداً، حتّى علا بكاؤها وبكى لها مَن سمعها في ذلك المكان.

فأقبل آدمعليه‌السلام حتّى دنا من النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال:( السلام على الولد الطيّب، السلام على الخُلق الطيّب، أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك في ابنك الحسين ) .

ثمّ قام نوح وإبراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام ، فقالوا كقوله، كلّهم يُعزّونه (صلَّى الله عليه وسلَّم) في ابنه الحسين.

ثمّ قال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم):( يا أبي آدم، ويا أبي نوح، ويا أبي إبراهيم، ويا أخي موسى، ويا أخي عيسى، اشهدوا وكفى بالله شهيداً على أُمّتي بما كافأوني في ابني وولدي من بعدي ) .

فدنا منه مَلَك من الملائكة، فقال:( قطعت قلوبنا يا أبا القاسم، أنا الملك الموكّل بسماء الدُّنيا، أمرني الله تعالى بالطاعة لك، فلو أذِنت لي أنزلتها على

٢١٤

أُمّتك، فلا يبقى منهم أحد ) .

ثمّ قام مَلك آخر فقال:( قطعت قلوبنا يا أبا القاسم، أنا الموكّل بالبحار، أمرني الله بالطاعة لك، فإن أذِنتَ لي أرسلتها عليهم، فلا يبقى منهم أحد ) .

فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم):( يا ملائكة ربّي، كفُّوا عن أُمّتي، فإنّ لي ولهم موعداً لن أخلفه ) .

فقام إليه آدمعليه‌السلام فقال:( جزاك الله خيراً من نبيّ أحسن ما جوزي به نبيّ عن أُمّته ) .

فقال له الحسن:( يا جدّاه، هؤلاء الرقود هم الذين يحرسون أخي، وهم الذين أتوا برأسه ) .

فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم):( يا ملائكة ربّي، اقتلوهم بقتلهم ابني ) .

فوالله، ما لبثت إلاّ يسيراً حتّى رأيت أصحابي قد ذُبحوا أجمعين.

قال: فلصق بي مَلك ليذبحني، فناديته: يا أبا القاسم، أجرني! وارحمني يرحمك الله.

فقال:( كفّوا عنه ) .

ودنا منّي وقال:( أنت من السبعين رجلاً؟! ) .

قلت: نعم.

فألقى يده في منكبي، وسحبني على وجهي، وقال:( لا رحمك الله! ولا غفر لك! أحرق الله عظامك بالنار ) .

فلذلك أيست من رحمة الله.

فقال الأعمش: إليك عنّي؛ فإنّي أخاف أن أُعاقب من أجلك )(١) .

____________________

(١) نور الأبصار: ١٢٥ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٣٥. اُنظُر: بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٧ نقلاً عن الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨١ بتفاوت، خاصّة فيما يتعلّق بمصير الرأس الشريف.

٢١٥

صلب الرأس الشريف في دمشق!

روى الذهبي، عن حمزة بن يزيد الحضرمي أنّه قال: ( وقد حدّثني بعض أهلنا: أنّه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيّام )(١) .

وقال الشبراوي: قال أبو الفضل: ( وبعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق، وُضِع في طست بين يدي يزيد، وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب، ثمّ أمر بصلبه، فصُلِب ثلاثة أيّام بدمشق )(٢) .

وذكر الباعوني: أنّ الرأس نُصب بدمشق ثلاثة أيّام، ثمّ وضِع بخزانة السلاح(٣) .

ونقل العلاّمة المجلسي: أنّ رأس الحسينعليه‌السلام صُلب بدمشق ثلاثة أيّام، ومكث في خزائن بني أُميّة(٤) .

هذا بالنسبة إلى أصل صلب الرأس الشريف في دمشق، وأمّا بالنسبة إلى مكان صلبه، ففيه روايتان:

١ - على باب مسجد دمشق:

روى الشيخ الصدوق وابن الفتّال، قالا: ( ثمّ أمر (يزيد) برأس الحسينعليه‌السلام ، فنُصِب على باب مسجد دمشق )(٥) .

٢ - على باب دار يزيد:

قال العلاّمة المجلسي: وقال صاحب المناقب: (وذكر أبو مخنف وغيره: أنّ

____________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩.

(٢) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٩.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩.

(٤) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥.

(٥) أمالي الصدوق: ٢٣١ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤ - روضة الواعظين ١/ ١٩١.

٢١٦

يزيد لعنه الله أمر بأن يصُلب الرأس على باب داره )(١) .

الرأس الشريف في بيت يزيد:

قال البلاذري: ( وبعث يزيد برأس الحسين إلى نسائه، فأخذته عاتكة ابنته، وهي أُمّ يزيد بن عبد الملك، فغسّلته ودهنته وطيّيبته، فقال لها يزيد: ما هذا؟!

قالت: بعثت إليّ برأس ابن عمّي شَعِثاً، فلممتُه وطيّيبته )(٢) .

إطافة الرأس الشريف في مدائن الشام:

قال القاضي نعمان: ( ثمّ أمر يزيد اللعين برأس الحسينعليه‌السلام ، فطيف به في مدائن الشام وغيرها )(٣) .

أوّل رأس حُمِل في الإسلام!

لقد حملوا رأس الحسينعليه‌السلام ، وقد صرّح المؤرِّخون بأنّه هو أوّل رأس حُمِل على رمح في الإسلام(٤) .

إسلام يهودي ببركة الرأس الشريف:

قال الخوارزمي: ( وروي أنّ رأس الحسينعليه‌السلام لما حُمِل إلى الشام، جنّ عليهم الليل، فنزلوا عند رجل من اليهود، فلما شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين، فقال لهم: أروني إيّاه، فأروه إيّاه بصندوق يسطع منه النور إلى السماء،

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٢.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ١٥٩.

(٤) المعجم الكبير (للطبراني) ٣/ ١٣٤ ح٢٨٧٦؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٠؛ كشف الغمّة ٢/ ٥٤؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٦؛ الجوهر الثمين: ٧٨.

٢١٧

فعجب اليهودي واستودعه منهم، فأودعوه عنده، فقال اليهودي للرأس - وقد رآه بذلك الحال: اشفع لي عند جدّك.

فأنطق الله الرأس وقال:( إنّما شفاعتي للمحمّديّين، ولست بمحمّدي! ) .

فجمع اليهودي أقرباءه، ثمّ أخذ الرأس ووضعه في طست، وصبّ عليه ماء الورد، وطرح فيه الكافور والمِسك والعنبر، ثمّ قال لأولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمّد.

ثمّ قال: وا لهفاه! لم أجد جدّك محمّداً فأُسلم على يديه، ثمّ وا لهفاه! لم أجدك حيّاً فأُسلم على يديك، وأُقاتل دونك، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟

فأنطق الله الرأس، فقال بلسانٍ فصيح:( إن أسلمت فأنا لك شفيع ) ، قالها ثلاث مرّات، وسكت، فأسلم الرجل وأقرباؤه.

قال: أقول: لعلّ هذا الرجل اليهودي كان راهب (قنسرين)؛ لأنّه أسلم بسبب رأس الحسينعليه‌السلام ، وجاء ذكره في الأشعار، وأورده الجوهري والجرجاني في مراثي الحسين )(١) .

رباب ترثي الحسين:

وعن تاريخ الفرماني: أنّ رباب بنت امرئ القيس رثت الحسينعليه‌السلام في الشام، بعد أن أخذت رأسه وقبّلته ووضعته في حجرها وهي تقول:

واحسيناً فلا نسيت حسيناً

أقصدته أسنّة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء (٢)

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢/ ١١٥، ح٤٩ط دار أنوار الهدى - عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٤٩٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٢ ح٢٠؛ العوالم ١٧/ ٤١٧، ح١٨.

(٢) تاريخ الفرماني: ٤، على ما في هامش شرح الأخبار ٣/ ١٧٨.

٢١٨

رأس الحسينعليه‌السلام عند يتيمته!

روى عماد الدِّين الطبري، عن كتاب الحاوية لقاسم بن محمّد بن أحمد المأموني: ( أنّ نساء أهل بيت النبوّة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم، وقلن لهم: إنّ آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا، وكان الحال على ذلك المنوال حتّى أمر يزيد بأن يدخلن داره، وكان للحسينعليه‌السلام بنت صغيرة لها أربع سنين، قامت ليلة من منامها وقالت: أين أبي الحسين؟ فإنّي رأيته في المنام مُضطرباً شديداً.

فلما سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال، وارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه، وقال: ما الخبر؟

ففحصوا عن الواقعة وقصّوها عليه، فأمر لعنه الله بأن يذهبوا برأس أبيها إليها، فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها، فقالت: ما هذا؟!

قالوا: رأس أبيك! ففزعت الصَّبيَّة وصاحت، فمرضت وتوفّيت في أيّامها بالشام )(١) .

وفي (الإيقاد) للسيّد الجليل السيّد محمّد علي الشاه عبد العظيمي (رحمه الله)، عن العوالم وغيره ما مُلخّصه:

( إنّه كان للحسينعليه‌السلام بنت صغيرة يُحبّها وتُحبّه، وقيل: كانت تُسمّى رقيّة، وكان لها ثلاث سنين، وكانت مع الأسراء في الشام، وكانت تبكي لفراق أبيها ليلاً ونهاراً، وكانوا يقولون لها: هو في السفر(٢) .

فرأته ليلةً في النوم، فلما انتبهت جزعت جزعاً شديداً، وقالت: ايتوني بوالدي وقرّة عيني، وكلّما أراد أهل البيت إسكاتها ازدادت حزناً وبكاءً، ولبكائها هاج حزن أهل البيت، فأخذوا في البكاء، ولطموا الخدود، وحثّوا على رؤوسهم التراب، ونشروا الشعور، وقام الصياح، فسمع يزيد [صيحتهم وبكاءهم، فقال: ما الخبر؟

قيل له: إنّ بنت الحسين الصغيرة

____________________

(١) كامل البهائي ٢/ ١٧٩، عنه نفس المهوم؛ معالي السبطين ٢/ ١٧٠.

(٢) أي سفر الآخرة.

٢١٩

رأت أباها بنومنها، فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح، فلما سمع يزيد ذلك ](١) ، فقال: ارفعوا إليها رأس أبيها، وحطّوه بين يديها تتسلّى.

فأتوا بالرأس في طبق مُغطّى بمنديل، ووضعوه بين يديها، فقالت: يا هذا(٢) ، إنّي طلبت أبي ولم أطلب الطعام.

فقالوا: إنّ هنا أباك!

فرفعت المنديل ورأت رأساً، فقالت: ما هذا الرأس؟!

قالوا: رأس أبيك.

فرفعت الرأس ووضعته(٣) إلى صدرها وهي تقول: يا أبتاه، مَن ذا الذي خضّبك بدمائك؟! يا أبتاه، مَن ذا الذي قطع وريدك(٤) ؟! يا أبتاه، مَن ذا الذي أيتمني على صغر سنّي؟ يا أبتاه، مَن لليتيمة حتّى تكبر؟! يا أبتاه، مَن للنساء الحاسرات؟ يا أبتاه، مَن للأرامل المسبيّات؟! يا أبتاه، مَن للعيون الباكيات؟! يا أبتاه، مَن للضائعات الغريبات؟! يا أبتاه، مَن للشعور المنشورات؟! يا أبتاه، مِن بعدك وا خيبتاه! يا أبتاه، مِن بعدك وا غربتاه! يا أبتاه، ليتني لك الفداء! يا أبتاه، ليتني قبل هذا اليوم عمياء! يا أبتاه، ليتني وسُدِّت(٥) التراب ولا أرى شيبك مُخضّباً بالدماء!

ثمّ وضعت فمها على فم الشهيد المظلوم، وبكت حتّى غُشي عليها، فلما حرّكوها فإذا هي قد فارقت روحها الدُّنيا، فارتفعت أصوات أهل البيت بالبكاء، وتجدّد الحزن والعزاء، ومَن سمع من أهل الشام بكاءهم بكى، فلم يُرَ في ذلك اليوم إلاّ باكٍ أو باكية، فأمر يزيد بغسلها وكفنها ودفنها )(٦) .

____________________

(١) أوردناه من معالي السبطين.

(٢) ما هذا / معالي السبطين.

(٣) وضمّته / معالي السبطين.

(٤) وريديك / معالي السبطين.

(٥) توسّدت / معالي السبطين.

(٦) الإيقاد: ١٧٩ ( ولكنّا لم نجده في عوالم البحراني في النسخة التي بأيدينا ). ورواه الشيخ الحائري المازندراني (معالي السبطين ٢/ ١٧٠) عنه وعن مُنتخب الطريحي، ولم نعثر عليه فيه أيضاً.

٢٢٠