مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234441 / تحميل: 8794
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماذا سميتموه ؟ فقلنا : سمّيناه حرباً ، فقال : لا ولكن اسمه محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم ببني هارون : شبّر ، وشبيراً ، يقول : حسن وحسين.

الثاني من المصادر هو مسند أبي داود الطيالسي(1) ( ت 204 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث مرّة واحدة كما يلي :

حدّثنا أبو داود قال : حدّثنا قيس عن أبي إسحاق قال : سمعت هانئ بن هانئ يحدّث عن عليّ قال : لما ولد الحسن بن عليّ قلت : سمّوه حرباً ـ وقد كنت أحب أن أكتني بأبي حرب ـ فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فدعا به ، قلنا : سمّيناه حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : هو حسين.

وراجع منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي(2) تجد الحديث أيضاً.

الثالث من المصادر : الطبقات الكبرى لابن سعد(3) ( ت 231 ه‍ ) الطبقة الخامسة ، جاء فيه الحديث بصورتين :

1 ـ قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسّن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّرا.

__________________

(1) مسند أبي داود الطيالسي 1 : 19 ، ح 129.

(2) منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي 2 : 129 ـ 130.

(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 1 : 240.

٢١

2 ـ قال : أخبرنا الحسن بن موسى ، قال : حدّثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق قال : لما ولد الحسن سمّاه عليّ حرباً ، قال : وكان يُعجبه أن يكنّى أبا حرب ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : وما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، قال : ما شأن حرب وهو حسن.

فلمّا ولد حسين سماه عليّ حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما شأن حرب ؟ بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّاه حرباً ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال : ما شأن حرب هو محسِن أو محسّن.

الرابع من المصادر هو مسند أحمد بن حنبل(1) ( ت241 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث كما يلي :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن آدم ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأورده مرّة ثانية وثالثة(2) بسند آخر ، وتفاوت في اللفظ وإليك نصّه :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا حجاج ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين قال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد

__________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 1 : 98.

(2) المصدر نفسه 1 : 118.

٢٢

الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأخرجه عن أحمد الديار بكري في تاريخ الخميس ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب(1) ، وأخرجه أحمد أيضاً في كتاب الفضائل كما في ( الحسين والسنة )(2) .

والغريب أنّ من الشيعة من أخرج ذلك دون التنبيه إلى ما فيه من خفايا البلايا ، كما مرّ في ذكر المصادر الشيعية التي تسرّب إليها الحديث.

الخامس من المصادر هو الأدب المفرد للبخاري(3) ( ت 256 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بصورة واحدة :

حدّثنا أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسنرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلما ولد الحسينرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباًَ ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وعقّب المحقق على ذلك فقال : ليس في شيء من الكتب الستة ، وجاء في كتاب فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد(4) ، تأليف فضل الله الجيلاني استاذ في الجامعة العثمانية ما يلي : أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طريقين

__________________

(1) تاريخ الخميس 1 : 418 , كفايه الطالب : 352.

(2) الحسين والسنة : 15.

(3) الأدب المفرد للبخاري : 213.

(4) فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد تأليف فضل الله الجيلاني 2 : 288.

٢٣

كلاهما عن إسرائيل إلى آخره ، والحاكم وقال : صحيح الاسناد ، وأحمد ، وقال الحافظ في الإصابة : إسناده صحيح.

السادس من المصادر هو أنساب الأشراف للبلاذري(1) ( ت 279 ه‍ ) ، فقد جاء فيه :

حدّثني أبو عمرو الزيادي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق أنّ علياً قال : لمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين ، فلما ولد الثالث جاء فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً قال : هو محسن ، إنّما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر شبير ومشبر.

حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق بنحوه ، ورواه أيضاً بسندٍ آخر عن ابن سعد ، ذكره في ترجمة الحسينعليه‌السلام (2) .

السابع من المصادر هو المعجم الكبير للطبراني(3) ( ت 360 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بخمسة أسانيد :

1 ـ حدّثنا عثمان بن عمر الضبّي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، أخبرنا إسرائيل ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ائتوني بابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبّر.

__________________

(1) أنساب الأشراف للبلاذري 1 : 404.

(2) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام 3 : 144.

(3) المعجم الكبير للطبراني 3 : 100 ـ 101.

٢٤

2 ـ حدّثنا محمّد بن يحيى بن سهل بن محمّد العسكري ، ثنا سهل بن عثمان ، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن ابن عليّرضي‌الله‌عنه جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبر.

3 ـ حدّثنا محمّد بن أبان الأصبهاني ، حدّثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب ، فلمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتم ؟ فقلت : سميته حرباً ، فقال : هو الحسن.

4 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أبو كريب ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي : لا ولكن سمّه حسناً ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ فقلت : حرباً ، قال : بل سمّه حسيناً ، ثم ولد آخر فسميته حرباً ، فقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : سمّه محسناً.

5 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، ثنا يحيى بن عيسى الرملي التميمي ، ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عليّرضي‌الله‌عنه : كنت رجلاً أحب الحرب ، فلمّا ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حرباً فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت إبنيّ هذين باسم إبني هارون شبراً وشبيراً.

الثامن من المصادر هو المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري(1) ( ت 405 ه‍ ) ، جاء فيه بصورتين :

__________________

(1) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3 : 165.

٢٥

1 ـ أخبرنا أبو العباس محمّد بن أحمد المحبوبي بمرو ، ثنا سعيد بن مسعود ، ثنا عبيد الله بن يونس ، أنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولدت فاطمة الحسن جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلمّا ولدت الحسين جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، ثم ولدت الثالث جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّما سميتهم باسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وتبعه الذهبي في التلخيص ، فذكر الحديث مبتدءاً بالسند من هانئ بن هانئ ثم قال في آخره : صحيح ، رواه إسرائيل عن جدّه.

ثم إنّ الحاكم أخرج الحديث مرّة ثانية(1) كما يلي :

2 ـ حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ، ثنا جعفر بن عون ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما أن ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن قال : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال هو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سمّيت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه شبّراً وشبيراً ومشبّراً.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وذكره الذهبي في التلخيص مختصراً وعقب بقوله : قلت مرّ من حديث إسرائيل.

__________________

(1) المصدر نفسه 3 : 168.

٢٦

التاسع من المصادر هو السنن الكبرى للبيهقي(1) ( ت 458 ه‍ ) ، جاء فيه :

أخبرنا أبو عليّ الروذباريّ ، أنبأ عبد الله بن عمر بن أحمد بن شوذب المقري بواسط ، أنبأ شعيب بن أيوب ، ثنا عبيد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن.

ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماسميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

ثم قال البيهقي : رواه يونس بن أبي إسحاق عن أبيه ، وقال في الحديث : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه ، وروي في هذا المعنى أخبار كثيرة.

وجاء فيه أيضاً(2) : أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان ، أنبأ أحمد بن عبيد ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا ابن رجا ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، ح ( حيلولة ) وحدّثنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، ثم ساق الحديث سنداً ومتناً كما مرّ في الحديث الثاني عند الحاكم في المستدرك حرفاً بحرف ، ثم عقّب البيهقي بقوله : لفظ حديث يونس ، وفي رواية إسرائيل : أروني ابني ما سميتموه ؟ والباقي بمعناه.

العاشر من المصادر هوتاريخ دمشق لابن عساكر ( ت 571 ه‍ ) ، ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام بتحقيق المحمودي )(3) جاء الحديث فيه بثلاث صور :

__________________

(1) السنن الكبرى للبيهقي 6 : 163.

(2) المصدر نفسه 7 : 63.

(3) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من تاريخ دمشق : 17 ـ 18.

٢٧

1 ـ أخبرنا أبو العز بن كادش ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، أخبرنا عليّ بن محمّد بن أحمد ابن نصير ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن عتيب ، أخبرنا محمّد بن خالد بن خداش ، أخبرنا سالم بن قتيبة ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسن.

فلما ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : فهو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء تسمية هارون بنيه شبراً وشبيراً ومشبراً.

2 ـ أخبرنا أبو غالب ابن البناء ، أخبرنا أبو الحسين ابن الآبنوس ، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زكريا ، أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، أنّه حدّثه عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : لا ولكن اسمه حسن ، ثم ولد لي الحسين سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه حسين ، ثم ولد لي فقال : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه محسن.

قال الدارقطني : تفرد به إبراهيم بن يوسف عن أبيه.

3 ـ أخبرنا أبو عليّ بن السبط ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، وأخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أخبرنا أبو عليّ ابن المذهب ، قالا : أخبرنا أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله ، حدّثني أبي ، أخبرنا يحيى بن آدم ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

٢٨

فلما ولد الحسين سمّاه حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّيته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر شبير مشبر.

الحادي عشر من المصادر هو أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير(1) ( ت 630 ه‍ ) ، جاء فيه في ترجمة الحسن :

قال عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلما ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وجاء أيضاً ثانياً(2) ذكر الحديث الآنف الذكر في ترجمة الحسين مع ذكر اسناده المنتهي إلى أحمد بن حنبل ، وحيث تقدّم في المصدر الثالث فلا حاجة إلى إعادته.

وجاء فيه أيضاً(3) في ترجمة المحسن اعادة الحديث بنفس السند السابق.

الثاني عشر من المصادر هو ( مجمع الزوائد )(4) للهيثمي ( ت 807 ه‍ ) ، جاء فيه ذكر الحديث المروي عن هانئ بن هانئ ، ثم قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار إلاّ أنّه قال : سميتهم بأسماء ولد هارون جبر وجبير ومجبّر. والطبراني ، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ ، وهو ثقة.

__________________

(1) اُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 2 : 10 ـ 18.

(2) المصدر نفسه 2 : 18.

(3) المصدر نفسه 4 : 308.

(4) مجمع الزوائد للهيثمي 8 : 52.

٢٩

ثم ورد في المصدر المذكور الحديث الآخر : وعنه ـ عن عليّ ـ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، وكنت أحب أن أكتني بأبي حرب ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه ، فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فأتى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين.

ثم قال الهيثمي : رواه البزار والطبراني بنحوه بأسانيد ، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

الثالث عشر من المصادر هو عيون الأخبار وفنون الآثار(1) للداعي المطلق إدريس عماد الدين القرشي ( ت 872 ه‍ ) ، جاء فيه ما لفظه :

وروي عن أبي غسان بإسناده عن عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : لما ولد الحسن بن عليّ سمته أمّه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسن.

فلما ولد الحسين سمته أمّه أيضاً حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسين ، فلمّا ولد محسن سمّته أمه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا ، بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء أولاد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب المؤلف على ذلك بقوله : ومن هذه الرواية دليل على أنّ محسن ولد على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأشهر الذي عليه الإجماع أيضاً أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه وهو في بطن فاطمة ، وأنّها أسقطته حين راعها عمر بن الخطاب ودفع على بطنها الباب ، والله أعلم بالصواب.

تعقيب على صور الحديث :

هذه نماذج من صور الحديث في مختلف المصادر ، وهي من الأمهات التي يرجع إليها المتأخرون وعنها يأخذون ، وحسب القارئ هذه المصادر الإثنى عشر

__________________

(1) عيون الأخبار وفنون الآثار 4 : 6.

٣٠

فهي تُغني عن غيرها ، ولنعد الآن إلى صور الحديث فنُلقي عليها نظرة فاحصة ، لنعرف مدى التفاوت الذي حصل بين ما جاء في أقدم مصدر ، وبين ما جاء بعده ، مع العلم بأنّ الحديث واحد ، وراويه الأول واحد ، ثم الذي رواه عنه أيضاً هو واحد ، فلماذا نجدُ التفاوت ؟

ومهما كان ذلك لفظياً أو بسيطاً ، فهو بالتالي يكشف عن عدم الدقة في النقل ، ويورث ذلك عدم الثقة بالناقل ، وبالتالي إلى عدم اعتبار الحديث ، فخذ أمثلة على ذلك :

1 ـ جاء في ثاني المصادر وهو كتاب ( مسند الطيالسي ) فقد روى حديث أبي إسحاق بن يحيى ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ ، وقد ورد فيه أنّ علياً كان يحب أن يكتنى بأبي حرب فسمّى ولده حرباً ، فغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسناً ، ثم ولد الحسين سماه عليّ حرباً وغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسيناً.

وإلى هنا انتهى الحديث ولم يأت عن ولادة الثالث شيئاً ، ولا عن تسمية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما باسم ابني هارون ، بينما نجد نفس الحديث بنفس السند في المصادر التالية فيه نقص وفيه زيادة ، ففي بعضها ليس فيه ذكر لمحبة عليّ أن يكتني بأبي حرب ، بينما فيه زيادة ذكر ولادة المحسن وأنّ علياً سمّاه حرباً ، فغيّره النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وسمّاه المحسن ، مضافاً إلى زيادة قوله( صلّى الله عليه وسلّم ) : سميتهم بأسماء ولد هارون الخ. فمن أين جاءت تلك الزيادة ؟ ولماذا طرأ ذلك النقصان ، فاختفت محبة عليّ أن يكتنى بأبي حرب !!

2 ـ وخذ مثالاً ثانياً ما جاء في الحديث الثاني الذي رواه ابن سعد في الطبقات ، وهو الثالث في سُلّم المصادر ، تجد الحديث يرويه أبو إسحاق مرسلاً ليس فيه ذكر عمّن أخذه ، وفيه تجد حبّ عليّ أن يكتني بأبي حرب ، وفيه زيادة أخرى هي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل ولادة : ( ما شأن حرب وهو حسن ) ( ما شأن حرب وهو حسين ) ( ما شأن حرب وهو محسن أو محسّن ) [ بالتشديد ] وهذه الزيادة

٣١

الأخيرة لم ترد إلاّ في حديث أبي إسحاق المرسل الذي أخرجه ابن سعد في الطبقات ، ولم ترد في بقية المصادر التي أوردت الحديث.

3 ـ وخذ مثالاً ثالثاً حديث هانئ بن هانئ عن عليّ ، وقارن بين ألفاظه في مختلف مصادره تقف على التفاوت فيها ، ولابدّ لنا من الإشارة إلى أنّ هانئ بن هانئ الذي حدّث عن عليّعليه‌السلام لم يروِ عنه غير أبي إسحاق ، كما سيأتي بيان ذلك.

فهذا التفاوت والاختلاف إما أن يكون منه أو من أبي إسحاق ، وفي كلتا الحالتين يتطرق الريب إلى صدقهما في النقل ، أما الحمل على رجال السند من بعد أبي إسحاق حتى أصحاب المصادر ربّما كان فيه تجنٍ عليهم ، لأنّهم رووا ما سمعوا ، وإن كانت المؤاخذة قد ترد عليهم حين رووا ذلك على ما فيه من تفاوتٍ وتهافت.

4 ـ وخذ مثالاً رابعاً ما جاء في المصدر الثاني عشر ، ففيه مضافاً إلى إرساله أنّ الذي سمّى الأبناء بحرب هي أمهم فاطمةعليها‌السلام ، وهذا بخلاف ما مرّ أنّ علياًعليه‌السلام هو الذي سمى أو أحبّ أن يسمّي ، فجميع هذه الملاحظات تسقط الحديث المذكور عن الاعتبار.

والآن لنقرأ شيئاً عن الرواة لنعرف وزنهم في ميزان الجرح والتعديل.

٣٢
٣٣

الفصل الثاني

البحث عن رجال الاسناد

ولنبدأ بهم حسب ذكرهم في المصادر ، فرجال الحديث فيالمصدر الأول ـ وهو سيرة ابن إسحاق ـ قال : أنا ( أخبرنا ) يونس ، عن يونس بن عمرو ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ.

فيونس الأول هو : ابن بكير ، قال الآجري عن أبي داود : ليس هو عندي بحجة ، كان يأخذ ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث ، ومع ذلك قالوا عنه : كان صدوقاً إلاّ أنّه كان يتبع السلطان ، وكان مرجّئاً ، ومع ذلك روى له مسلم متابعة !!

ويونس الثاني هو : ابن عمرو ـ أبي إسحاق ـ السبيعي روى عن أبيه ، وقد أثنوا عليه في كتب الرجال ، ومن الثناء عليه : كان يقدم عثمان على عليّ ، ولعل ذلك هو سبب قول أبي حاتم : صدوق لا يحتج به ( خلاصة تهذيب الكمال ).

وفي المصدر الثاني : وهو ( مسند أبي داود الطيالسي ) : حدّثنا قيس ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّعليه‌السلام .

فأما قيس ـ شيخ أبي داود ـ فقد قال هو نفسه عنه : ما أخرجت له إلاّ ثلاثة أحاديث ، حدّث بأحاديث عن منصور هي عن عبيدة ، وأحاديث عن مغيرة هي

٣٤

عن فراس ، وقال أحمد : روى أحاديث منكرة ، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن قيس ، وكان ابن معين يقول عنه : ليس بشيء ، وقال : ضعيف الحديث لا يساوي شيئاً(1) .

أما باقي رجال السند فستأتي حالهم عند ذكر المصادر التالية حسب تسلسلها.

وفي المصدر الثالث : وهو الطبقات الكبرى فقد روى ابن سعد عن عبيد الله بن موسى ، قالوا عنه : ثقة يتشيع ، عن إسرائيل بن يونس : ثقة تكلّم فيه بلا حجة ، عن أبي إسحاق السبيعي ثقة عابد اختلط بآخره ، عن هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي ، قال ابن المديني : مجهول ، وقال الشافعي : لا يُعرف ، وأهل العلم لا ينسبون حديثه لجهالة حاله(2) .

وقال ابن سعد في الطبقات(3) : كان يتشيع وهو منكر الحديث.

وقال الذهبي(4) : ليس بالمعروف ، وقد ورد ذكره في كتب الرجال الشيعية ، ولم يذكر فيه مدح ، نعم روي أنّه كان من آخر رسل أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام ، هو وسعيد بن عبد الله الحنفي يطلبون منه القدوم عليهم ، وأنّهم ينتظرونه ولا رأي لهم في غيره ، فأجابهمعليه‌السلام وأرسل الجواب مع الرسولين المذكورين ، كما ذكر ذلك الشيخ المفيد في الإرشاد(5) ، والطبري(6) وغيره ذكروا مثل ذلك.

__________________

(1) تهذيب التهذيب 8 : 393.

(2) المصدر نفسه 11 : 12.

(3) طبقات ابن سعد 6 : 155.

(4) المغني في الضعفاء 2 : 707.

(5) الارشاد : 203.

(6) تاريخ الطبري 6 : 198.

٣٥

ولدى التحقيق في أسماء شهداء الطف لم أقف على ذكر لهانئ بن هانئ المذكور بينهم ، بينما ورد اسم سعيد بن عبد الله الحنفي في عداد الشهداء ، وكان من المفترض فيه أن يكون كزميله الحنفي ولم يذكر أنه كذلك ، ونكتفي بهذا عنه ، ويتضح أنّ الرجل مجهول الحال أو مجروح ، ومَن وثقه لا يقوم بحجة ترفع أقوال الجارحين من أئمة الفن.

وقد قال ابن عبد البر في الاستقصاء ( ترجمة رقم 2182 ) : كل مَن لم يرو عنه إلاّ رجل واحد لا يعرف إلاّ بذلك ، فهو مجهول عندهم لا تقوم به حجة.

فتبيّن أنّ الحديث بهذا السند الضعيف لا يصح أن يحتج به.

أما الحديث الثاني في الطبقات فهو عن الحسن بن موسى ، وهو الأشيب أبو عليّ البغدادي ثقة ، عن زهير بن معاوية أبو خيثمة ثقة ثبت وسماعه عن أبي إسحاق بآخرة ، وقد تقدم أن أبا إسحاق اختلط بآخرة فلاحظ ذلك ، فالحديث مضاف إلى إرساله إذ لم يدرك أبو إسحاق الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ليروي عنه ، فأبو إسحاق في هذا إما مرسِل أو مدلِّس ، لأنّه روى الحديث كما مرّ بالسند الأول عن هانئ بن هانئ وهو هنا لم يذكره.

أما أسانيد المصادر الباقية فحيث أنّها تنتهي إلى إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، وقد عرفنا حال هؤلاء ، فلا حاجة إلى بسط القول في الرجال الّذين رووا الحديث عن إسرائيل ، يبقى لنا و قفة عابرة مع أولئك الّذين اهتموا بتصحيح الاسناد كالبزار والحاكم والهيثمي وغيرهم ممّن سبقت الإشارة إلى أقوالهم ، فإنّ حجتهم ـ الواهية ـ أنّ رجال بعض أسانيده هم رجال الصحيح ، كما مرّ عن رجال أحمد والبزار وحكاه الهيثمي. وكأنّ الصحيح عندهم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وأسفي على تلك الجهود المضاعة لإثبات أنّ صحيح البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله ، مع كثرة ما فيه من هنات وهفوات ، وما أخذ عليه وفيه من مؤاخذات ، يعرفها أولئك المخرفون قبل غيرهم.

٣٦

ومهما يكن حالهم فلسنا بصددهم ، وإنّما الذي يهمنا أن نقوله : إنّ جميع الأسانيد في الحديث في جميع المصادر تنتهي إلى أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، ومرّت بنا كلمة الشافعي وغيره ، فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يحتج بالحديث المذكور ، وكذلك بالنسبة إلى الحديث الثاني الذي رواه أبو إسحاق مرسلاً.

بقى هنا شيء يجب أن ننبه عليه ، هو ما جاء مرسلاً عن سالم بن أبي الجعد ، قال عليّ : كنت رجلاً أحبّ الحرب ، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، قال : فلما ولد الحسين فهممت أن أسميه حرباً لأنّي كنت أحبّ الحرب ، وسماه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال : إنّي سميت ابنيّ هذين باسمي ابني هارون شبراً وشبيراً.

وهذا الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات(1) ، والهيثمي في مجمع الزوائد(2) ، والطبراني في المعجم الكبير(3) ، ولمّا كان مرسلاً فلا حاجة إلى عطف النظر إلى رجال السند فيه.

كما لا حاجة إلى البحث عن أبي غسان الراوي للحديث مرسلاً عن عليّعليه‌السلام كما في المصدر الثاني عشر ، فلا تغني معرفة حاله ، مع جهالة الراوي عنهم من رجاله ، وهذا هو المصدر الوحيد الذي ذكرته وصاحبه من غير أهل السنة ، كما أنّه ليس من الشيعة الإمامية ، بل هو من الإسماعيلية ، وإنّما ذكرته للتنبيه على تسرّب حديث الاكتناء بأبي حرب في التراث الإسلامي ، دون الالتفات إلى ما فيه من هناة.

__________________

(1) طبقات ابن سعد : 239.

(2) مجمع الزوائد 8 : 52.

(3) المعجم الكبير 3 : 97.

٣٧

الفصل الثالث

البحث عن متن الحديث

والبحث في هذا المجال يكون من خلال ست نقاط على النحو التالي :

النقطة الأولى : وفيها تحقيق المراد من اسم حرب ، فهل هو اسم المعنى الوصفي ؟ أم اسم العلم الشخصي ؟ وما المراد منهما في الحديث.

النقطة الثانية : هل كان اسم حرب من الأسماء المبغوضة أم المحبوبة ؟

النقطة الثالثة : ماذا كان يعني إصرار الإمام ـ إن صدقت الأحلام ـ في تسمية أبنائه بحرب اسم المعنى الوصفي ، أم اسم العلم الشخصي ؟

النقطة الرابعة : ما هي الدوافع المغرية في شخصية حرب اسم العلم الشخصي ؟ بدءاً من آبائه ، ومروراً به ، وانتهاءاً بأبنائه ؟

النقطة الخامسة : في كنى الإمام وما هي أحبّ كناه إليه ؟

النقطة السادسة : وأخيراً ماذا وراء الأكمة من تعتيم وظلمة لتضليل الأمة ؟

٣٨
٣٩

النقطة الأولى

في تحقيق المراد من اسم حرب

النقطة الأولى : في تحقيق المراد من اسم حرب وهل هو اسم المعنى ؟ أم اسم العلم ؟ ومن المراد منهما في الحديث ؟

إذا رجعنا إلى المصدر الأول والحديث الثالث من المصدر الخامس ، وجدنا قول الإمام ـ فيما نسب إليه ـ : « وقد كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب » وفي مرسل أبي إسحاق كما في المصدر الثاني نقرأ قول أبي إسحاق : « وكان يعجبه أن يكنّى أبا حرب » ، أما في مرسل سالم بن أبي جعد نقرأ قول الإمام : « كنت رجلاً أحبّ الحرب ».

ومهما أغضينا النظر عن الاختلاف في معاني الكلمات الثلاث ، فإنّ هذا إن دل على شيء فيدلّ على أنّ المراد بحرب هو اسم المعنى الوصفي ، ولعله إستناداً إلى ذلك ذهب العقّاد ـ وربما غيره أيضاً ـ إلى أنّ المراد من حب الإمام أن يكتني بأبي حرب ؛ لأنّه رجل شجاع يحب الحرب ، فلنقرأ ما يقوله العقّاد ، وهو يتحدث عن سيرة الإمام مع بنيه ، بعد أن حكى قول الإمام في حق الوالد على الولد ، وحق الولد على الوالد وهو : ( أن يحسّن اسمه ، ويحسّن أدبه ، ويعلّمه القرآن ).

قال العقّاد : ومن إحسان التسمية أنّه همّ بتسمية ابنه حرباً ، لأنّه يرشحه للجهاد وهو أشرف صناعاته ، لولا أنّ رسول الله سمّاه الحسن وهو أحسن ، فجرى على

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

نظرة إلى دور سائر أهل البيتعليهم‌السلام وأثره:

لقد ذكرنا مواقف صلبة من أهل البيتعليهم‌السلام ، في مواضع مُختلفة، ومواطن مُتعدّدة:

منها: الموقف الذي اتّخذته أُمّ كلثوم أمام طلب الرجل الشامي من يزيد(١) .

ومنها: ما قامت به سكينة في تعريف هذه الأُسرة الطاهرة بقولها: ( نحن سبايا آل محمّد )(٢) ، فهذا الكلام يُثير سؤالاً في أذهان الناس، فحواه: أنّه لو كانوا هم من آل محمّد، فلماذا السبي؟! وهل هذه هي المودّة في القُربى التي جعلها الله أجراً لجدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وهي التي كشفت القناع عن باطن يزيد بقولها: ( والله، ما رأيت أقسى قلباً من يزيد، ولا رأيت كافراً، ولا مشركاً شرّاً منه، ولا أجفى منه! )(٣) .

وهي التي أذلّت يزيد بقولها: يا يزيد، بنات رسول الله سبايا؟!(٤) .

ومنها: الموقف الذي اتّخذته فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، بحيث حينما دخلوا بيت يزيد ما وجدوا فيهنّ سفيانيّة إلاّ وهي تبكي(٥) .

قال ابن نما: ( وقالت فاطمة بنت الحسين: يا يزيد، بنات رسول الله سبايا؟! فبكى الناس وبكى أهل داره حتّى علت الأصوات )(٦) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٧.

(٢) قُرب الإسناد ٢٦/ ٨٨، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٩ ح١٥.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٣٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤.

(٤) الطبقات الكبرى: ٨٣؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣.

(٥) العقد الفريد ٥/ ١٣٢؛ مُثير الأحزان: ٩٩؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧.

(٦) مُثير الأحزان: ٩٩.

٢٤١

وكذا ما روي في شأن عمرو بن الحسن، حينما طالبه يزيد المصارعة مع ولَده خالد(١) .

فإنّ المتأمِّل في جميع ذلك - وهو شيء قليل ممّا وصل بأيدينا، وما أخفته الأعداء حقداً وبغضاً وحسداً أكثر، والله العالم - يجد أنّ هذه المسيرة حقّقت أهدافها، ووصلت إلى بُلغتها، ونالت مُناها من استيقاظ الناس وكشف النقاب عن سريرة أصحاب الزمرة الطاغية، وإصلاح أمر الأُمّة؛ لكي تكون معركة كربلاء أعظم وأشرف معارك الحقّ ضدّ الباطل على مدى الدهور والأعصار.

نظرة إلى مواقف بعض الصحابة:

لقد ذكرنا في مطاوي الأبحاث السابقة، أنّ بعض الصحابة كان لهم الدور الإيجابي تجاه الفاجعة العُظمى التي حصلت في أرض كربلاء، وجرى الحق على ألسنتهم، وتكلّموا بالواقع، واتّخذوا مواقف جليلة، ولا نعني بذلك تبرئتهم عن عدم نصرتهم الحسينعليه‌السلام ، بل المقصود أنّ اتّخاذ هذا الموقف نفسه قد أثّر في أوساط الناس وانقلاب المعادلة، ومن هؤلاء:

١ - سهل بن سعد، فهو الذي قال هذه الكلمة - حينما علم بورود سبايا أهل البيت الشام ومعهم رأس الحسينعليه‌السلام -: وا عجباه! يُهدى رأس الحسين والناس يفرحون؟!(٢) .

٢ - واثلة بن الأسقع، فإنّه لما سمع أنّ رجلاً من أهل الشام قام بلعن الحسين وأبيه(عليه ما السلام) - وقد جيء برأسه الشريف - قال: والله، لا أزال أُحبّ عليّاً والحسن

____________________

(١) الطبقات الكبرى: ٨٤ (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع )؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٧٨؛ مُثير الأحزان: ١٠٥؛ الملهوف: ٢٢٣.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٠؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٧٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٧.

٢٤٢

والحسين وفاطمة بعد أن سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول فيهم ما قال...(١) .

٣ - أبو برزة الأسلمي، هو الذي اعترض على يزيد حينما رآه ينكت رأس الحسينعليه‌السلام بالخيزران بقوله: يا يزيد، ارفع قضيبك، فوالله، لطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقبِّل ثناياه(٢) .

ولقد بسطنا القول في تفصيل ذلك عند ذكر مجلس يزيد، فراجِع.

٤ - زيد بن أرقم، فإنّه اتّخذ موقفاً مُشابهاً لموقف أبي برزة الأسلمي بقوله: كُفّ عن ثناياه، فطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقبّلها.

فقال يزيد: لو لا أنّك شيخ خَرِفت لقتلتك(٣) .

وإليه أشار السيّد الحميري في أشعاره(٤) .

٥ - النعمان بن بشير، قيل: إنّه ممّن استنكر فعل يزيد في مجلسه(٥) .

وروى الخوارزمي، بإسناده عن عكرمة بن خالد قال: ( أُتي برأس الحسين إلى يزيد بن معاوية بدمشق فنُصب، فقال يزيد: عليَّ بالنعمان بن بشير، فلما جاء قال: كيف رأيت ما فعل عبيد الله بن زياد؟!

قال: الحرب دُوَل.

فقال: الحمد لله الذي قتله!

قال النعمان: قد كان أمير المؤمنين - يعني به معاوية - يكره قتله.

فقال:

____________________

(١) أُسد الغابة ٢/ ٢٠. ونحوه ما ذكره الذهبي في شأن وائلة بن الأسقع، والظاهر اتّحاده مع ما مرّ (سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٤).

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦١، وانظر: تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٨؛ تاريخ الطبري ٤/ ٢٩٣؛ المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٩؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤ و١٩٩.

(٣) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨.

(٤) المناقب ٤/ ١١٤.

(٥) الجوهرة ٢/ ٢١٩ على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٠.

٢٤٣

ذلك قبل أن يخرج، ولو خرج على أمير المؤمنين - والله - قتله إن قدر.

قال النعمان: ما كنت أدري ما كان يصنع!

ثمّ خرج النعمان، فقال (يزيد): هو كما ترون إلينا مُنقطع، وقد ولاّه أمير المؤمنين ورفعه، ولكنّ أبي كان يقول: لم أعرف أنصاريّاً قطّ إلاّ يُحبّ عليّاً وأهله ويُبغض قريشاً بأسرها )(١) .

هذا مع أنّ ابن أبي الحديد قد صرّح بانحرافه عن عليّعليه‌السلام بقوله: وكان النعمان بن بشير مُنحرفاً عنه، وعدوّاً له، وخاض الدماء مع معاوية خوضاً، وكان من أُمراء يزيد ابنه حتّى قُتل وهو على حاله(٢) .

ولقد أثّر اتّخاذ هذا الموقف من بعض الصحابة، بحيث لم يتحمّله يزيد وقال: لو لا صحبتك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لضربت - والله - عنقك!

فقال: ويلك! تحفظ لي صحبتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا تحفظ لابن رسول الله بنوّته؟!

فضجّ الناس بالبكاء، وكادت أن تكون فتنة(٣) .

بعض الموالين لأهل البيت في الشام:

حينما نُريد أن نُحلّل الواقع الاجتماعي، لابدّ أن نلتفت إلى هذه النقطة، وهي أنّ المستفاد من بعض النصوص وجود بعض الموالين لأهل البيتعليهم‌السلام في الشام، وفي قلب عاصمة الدولة الأمويّة، وهذا أمر لا يمكن أن نتغافل عنه في هذا المقطع.

ممّا يؤيّد هذا المطلب هو ما رواه سهل بن سعد، قال: ( خرجت إلى بيت المقدس، حتّى توسّطت الشام، فإذا أنا بمدينة مُطّردة الأنهار، كثيرة الأشجار، قد علّقوا

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٩.

(٢) شرح نهج البلاغة ٤/ ٧٧.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

٢٤٤

الستور والحُجب والديباج، وهم فرحون مُستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت - في نفسي -: لعلّ لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن.

فرأيت قوماً يتحدّثون، فقلت: يا هؤلاء، ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟

قالوا: يا شيخ، نراك غريباً!

فقلت: أنا سهل بن سعد، قد رأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) وحملت حديثه.

فقالوا: يا سهل، ما أعجبك السماء لا تمطر دماً والأرض لا تُخسف بأهلها؟!

قلت: ولِمَ ذاك؟!

فقالوا: هذا رأس الحسين عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُهدى من أرض العراق إلى الشام، وسيأتي الآن... )(١) .

وهذا الخبر يدلّ على وجود ضمائر حيّة عارفة بالأُمور، وتُميّز الحقّ عن الباطل، فلابدّ أن نجعل لهم سهماً في دعم النهضة الحسينيّة وإيقاظ الناس، وإن لم نعلم تفاصيله.

وممّا يؤيّد ذلك، ما روي أنّ بعض الفضلاء التابعين، لما شاهد رأس الإمام الحسينعليه‌السلام أخفى نفسه شهراً من جميع أصحابه، فلما وجدوه بعد أن فقدوه سألوه عن سبب ذلك، فقال: أما ترون ما نزل بنا؟! ثمّ أنشأ يقول:

جـاءوا برأسك يا بن بنت محمّد

مُـتـرمّلاً بـدمـائه تـرمـيلا

فـكأنّما بـك يـا بن بنت محمّد

قـتلوا جِـهاراً عـامدين رسولا

قـتلوك عـطشاناً ولـمَّا يرقبوا

فـي قـتلك الـتأويل والتنزيلا

ويُـكبِّرون بـأن قُـتلت وإنّـما

قـتلوا بـك الـتكبير والتهليلا

يا مَن إذا حسن العزاء عن امرئ

كـان الـبكا حَـسناً عليه جميلا

فـبكتْك أرواح الـسحائب غدوة

وبكتْك أرواح الرياح أصيلا(٢)

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٠.

(٢) تسلية المجالس ٢/ ٣٨٢، ( ذكره السيّد محمّد بن أبي طالب ضمن أحداث الشام ).

٢٤٥

نفوذ بعض الموالين في جهاز الحكم الأُموي!

إنّ الناظر في الأحداث التأريخية، يجد شواهد قد يُستشمّ منها نفوذ بعض مُحبّي أهل البيت في جهاز السلطة، منها ما رواه الطبري عن حبس الأُسارى من آل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في السجن بالكوفة، ووقوع حجر فيه ومعه كتاب مربوط، وفيه خبر خروج البريد بأمرهم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية، وهو سائر كذا وكذا يوماً، وراجع في كذا وكذا، فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل، وإن لم تسمعوا تكبيراً فهو الأمان إن شاء الله(١) .

فهذا ممّا يؤيّد نفوذ موالي أهل البيت في جهاز السلطة، ولو بتعدّد الوسائط.

وممّا يؤيّد ذلك، ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام حول موضع دفن رأس الحسينعليه‌السلام بقوله:( ولكن لما حُمِل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه‌السلام ) (٢) . وسيأتي الكلام حول موضع دفن الرأس الشريف.

يزيد يواجه المشاكل في بيته!

إنّ عُمق المأساة أثّر في نفوس الكلّ، حتّى دخل بيت يزيد، الذي لم يتمكّن من السيطرة على الوضع. وبين يديك الشواهد التأريخية التي تُثبت ذلك:

١ - بكاء نساء الأُسرة الأُمويّة

قال البلاذري: وصيَّح نساء من نساء يزيد بن معاوية، وولولن حين أُدخل نساء الحسين عليهنّ(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٤؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤.

(٢) كامل الزيارات: ٣٤ ب٩ ح٥؛ الكافي ٤/ ٥٧١ ح١؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٨.

(٣) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٧.

٢٤٦

قال ابن فتّال: ثمّ أُدخِل نساء الحسين على يزيد بن معاوية - لعنهما الله وأخزاهما - فصِحْنَ نساء أهل يزيد وبنات معاوية وأهله، وولولن وأقمن المأتم(١) .

وروي عن فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام أنّها قالت: ( فدخلت إليهنّ فما وجدت سفيانيّة إلاّ مُلتدمة(٢) تبكي )(٣) .

قال ابن الصبّاغ: قال (يزيد): ( أدْخِلُوهم إلى الحريم )، فلما دخلْنَ على حرمه لم تبقَ امرأة من آل يزيد إلاّ أتتهنّ وأظهرنَ التوجّع والحزن على ما أصابهنّ وعلى ما نزل بهنّ(٤) .

قال الطبري، بإسناده عن الحارث بن كعب عن فاطمة بنت عليّعليهما‌السلام : ( فخرجن حتّى دخلن دار يزيد، فلم تبقَ من آل معاوية امرأة إلاّ استقبلتهنّ تبكي تنوح على الحسين )(٥) .

روى البلاذري: ( لما قُدِم برأس الحسين على يزيد بن معاوية، فأُدخل أهله الخضراء بدمشق، تصايحت بنات معاوية ونساؤه فجعل يزيد يقول:

يا صيحةً تُحمد من صوائح

ما أهوت الموت على النوائح

إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، قد كنّا نرضى من طاعة هؤلاء بدون هذا! )(٦) .

____________________

(١) روضة الواعظين ١/ ١٩١.

(٢) الملتدمة: التي تضرب صدرها في النياحة.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣٢؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧٣.

(٤) الفصول المهمّة: ١٩٥. انظر: جواهر المطالب ٢/ ٢٩٥؛ نور الأبصار: ١٣٢.

(٥) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣. وانظر: المنتظم ٥/ ٣٤٤؛ تذكرة الخواص: ٢٦٥؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٣؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٩؛ البحار ٤٥/ ١٤٢.

(٦) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٩. وانظر: تذكرة الخواص: ٢٦٥. حيث يقول: لما دخلت نساء الحسين على

٢٤٧

نعم، روى القاضي نعمان ما يُغاير ما ذكرناه مبدئيّاً، فإنّه روى عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال:( وأمر بالنسوة فأُدخلن إلى نسائه، ثمّ أمر برأس الحسين عليه‌السلام ، فرُفع على سنّ القناة، فلما رأين ذلك نساؤه أعولن، فدخل - اللعين - يزيد على

____________________

نساء يزيد قلن: وا حسيناه! فسمعهنّ يزيد فقال: يا صيحة...

أقول: إنّ إحالة الأمر إلى القضاء والقدر - من دون استيعاب معناه - كان من دأب بني أُميّة وأنصارهم، ومن هذا المنطلق ترويج الفكر الجبري أمام الاختيار؛ وذلك لأجل تبرئة أنفسهم عمّا ارتكبوا! وتخدير عقول الناس.

يقول العلاّمة الحجّة آية الله السبحاني - دام ظلّه - في كتاب (أبحاث في المِلل والنحل) ١/ ٢٣٣: لقد اتّخذ الأُمويّون مسألة القدر أداة تبريرية لأعمالهم السيئة، وكانوا ينسبون وضعهم الراهن بما فيه من شتّى ضروب العَبث والفساد إلى القدر، قال أبو هلال العسكري (في الأوائل ٢/ ١٢٥): إنّ معاوية أوّل مَن زعم أنّ الله يريد أفعال العباد كلّها.

ولأجل ذلك؛ لما سألت أُمُّ المؤمنين عائشة معاوية عن سبب تنصيب ولده يزيد خليفة على رقاب المسلمين، فأجابها: إنّ أمر يزيد قضاء من القضاء! وليس للعباد الخِيَرة من أمرهم. الإمامة والسياسة ١/ ١٦٧، وبهذا أيضاً أجاب معاوية عبد الله بن عمر، عندما استفسر من معاوية عن تنصيبه... وقد كانت الحكومة الأُمويّة الجائرة مُتحمّسة على تثبيت هذه الفكرة في المجتمع الإسلامي، وكانت تواجه المخالف بالشتم والضرب والإبعاد.

قال الدكتور أحمد محمود الصبحي ( في كتابه نظرية الإمامة: ٣٣٤ ): ( إنّ معاوية لم يكن يدعم مُلكه بالقوّة فحسب، ولكن بآيديولوجية تمسُّ العقيدة في الصميم، ولقد كان يُعلن في الناس أنّ الخلافة بينه وبين عليّعليه‌السلام قد احتكما فيها إلى الله، فقضى الله له على عليّعليه‌السلام ، وكذلك حين أراد أن يطلب البيعة لابنه يزيد من أهل الحجاز أعلن أنّ اختيار يزيد للخلافة كان قضاء من القضاء، ليس للعباد خِيَرة في أمرهم، وهكذا كاد أن يستقرَّ في أذهان المسلمين أنّ كلّ ما يأمر الخليفة حتّى ولو كانت طاعة الله في خلافه، فهو قضاء من الله قد قُدِّر على العباد ).

وقد سرى هذا الاعتذار إلى غير الأُمويّين، من الذين كانوا في خدمة خلفائهم وأُمرائهم، فهذا عمر بن سعد بن أبي وقّاص قاتل الإمام الشهيد الحسينعليه‌السلام لما اعترض عليه عبد الله بن مطيع العدوي بقوله: ( اخترت هَمَدَان والرَّيَّ على قتل ابن عمّك؟! ). يُجيبه بالقول: ( كانت أُموراً قُضيت من السماء، وقد أعذرت إلى ابن عمّي قبل الوقعة فأبى إلاّ ما أبى ) (طبقات ابن سعد ٥/ ١٤٨).

٢٤٨

نسائه فقال: ما لَكُنَّ لا تبكين مع بنات عمِّكُنَّ. وأمرهن أن يُعْوِلن معهنّ تمرّداً على الله عزّ وجلّ واستهزاءً بأولياء الله عليهم‌السلام .

ثمّ قال:

نُـفلِّق هـاماً من رجال أعزَّة

عـلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

صبرنا وكان الصبر منّا سجيّة

بأسيافنا يفرين هاماً ومعصما

وجعل يستفرِه الطرب والسرور، والنسوة يبكين ويندبن، ونساؤه يُعولن معهنّ وهو يقول :

شـجيٌّ بكى شجوة فاجعاً

قـتيلاً وباكٍ على مَن قُتل

فـلم أرَ كـاليوم في مأتم

كان الظُّبا به والنفل )(١)

٢ - موقف زوجة يزيد:

روى الطبري، بإسناده عن القاسم بن بخيت قال: ( ودخلوا على يزيد، فوضعوا الرأس بين يديه، وحدّثوه الحديث، قال: فسمعت دَوْرَ الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كُرَيز - وكانت تحت يزيد بن معاوية - فتقنّعت بثوبها وخرجت، فقالت: يا أمير المؤمنين، أرأسُ الحسين بن فاطمة بنت رسول الله؟!

قال: نعم، فأعْوِلي عليه، وحُدّي على ابن بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) وصريخة قريش، عجّل عليه ابن زياد، فقتله قتله الله(٢) ).

ولكنَّ الخوارزمي نقله بعد أحداث ورود أهل بيت الحسين بيت يزيد، قال:

____________________

(١) شرح الأخبار ٣/ ١٥٨. والشجي الهيم. والنَّفل: المغنم، فشبّه اللعين نساءه بالظُّبى، وجعل نساء الحسينعليه‌السلام مغنماً.

(٢) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٣.

٢٤٩

(وخرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز امرأة يزيد - وكانت قبل ذلك تحت الحسين بن عليّعليهما‌السلام - فشقّت الستر وهي حاسرة، فوثبت على يزيد وقالت: أرأس ابن فاطمة مصلوب على باب داري؟! فغطّاها يزيد، وقال: نعم! فأعْوِلي عليه يا هند، وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش، عجّل عليه ابن زياد فقتله، قتله الله! )(١) .

وصُرِّح في رواية السيّد محمّد بن أبي طالب(٢) والعلاّمة المجلسي(٣) ، أنّها شقّت الستر وهي حاسرة، فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام فغطّاها.

فبناءً عليه، فهي خرجت إلى مجلس يزيد بعد ورود أهل بيت الحسين إلى بيتها.

قال ابن سعد: ( وبكت أُمّ كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز على الحسين، وهي يومئذٍ عند يزيد بن معاوية، فقال يزيد: حقّ لها أن تُعْوِل على كبير قريش وسيّدها )(٤) .

رؤيا زوجة يزيد!

قال العلاّمة المجلسي: روي في بعض مؤلّفات أصحابنا... قال:

( ونُقل عن هند زوجة يزيد قالت: كنت أخذت مضجعي، فرأيت باباً من السماء وقد فُتحت، والملائكة ينزلون - كتائب كتائب - إلى رأس الحسين وهم يقولون: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله.

فبينما أنا

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٣.

(٢) تسلية المجالس ٢/ ٣٩٩.

(٣) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٢.

(٤) الطبقات الكبرى: ٨٣؛ روي في سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣؛ مرآة الزمان: ١٠٠ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٩).

٢٥٠

كذلك إذ نظرت إلى سحابة قد نزلت من السماء وفيها رجال كثيرون، وفيهم رجل دُرِّيّ اللون، قمريّ الوجه، فأقبل يسعى حتّى انكبّ على ثنايا الحسين يُقبّلهما وهو يقول: يا ولدي، قتلوك! أتراهم ما عرفوك؟! ومن شرب الماء منعوك! يا ولدي، أنا جدّك رسول الله، وهذا أبوك عليّ المرتضى، وهذا أخوك الحسن، وهذا عمّك جعفر، وهذا عقيل، وهذان حمزة والعبّاس، ثمّ جعل يُعدّد أهل بيته واحداً بعد واحد.

قالت هند: فانتبهت من نومي فزعةً مرعوبةً، وإذا بنور قد انتشر على رأس الحسين، فجعلت أطلب يزيد وهو قد دخل إلى بيت مُظلم، وقد دار وجهه إلى الحائط وهو يقول: ما لي وللحسين؟! وقد وقعت عليه الهمومات، فقصصت عليه المنام وهو مُنكّس الرأس )(١) .

إقامة عزاء الحسينعليه‌السلام في بيت الطاغية!

إنّ أهل بيت الحسينعليه‌السلام بدّلوا بيت يزيد إلى موضع إقامة العزاء والمأتم على الحسينعليه‌السلام ، حيث صرَّح بعض المؤرِّخين بقوله: ( وأقمن المأتم )(٢) ، وذلك بعد ورودهنّ بيت يزيد.

وصرّح بعض آخر بأنّهنّ أقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيّام(٣) .

وانقلب الأمر على اللعين يزيد بن معاوية، حتّى التجأ هو لإقامة المأتم على

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٦. وانظر: نور الأبصار: ١٣٥، فقد ذكر الرؤيا بتفصيل.

(٢) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ تذكرة الخواص: ٢٦٥؛ روضة الواعظين ١/ ١٩١؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٥.

(٣) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٧؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٣؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٢.

٢٥١

الحسينعليه‌السلام ثلاثاً!!

قال ابن سعد: (وأمر - يزيد - نساء آل أبي سفيان، فأقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيّام، فما بقيت منهنّ امرأة إلاّ تلقّتنا تبكي وتنتحب، ونُحنَ على حسين ثلاثة )(١) .

وقال البلاذري: ( وصيَّحَ نساء من نساء يزيد بن معاوية، وولولن حين أُدخل نساء الحسين عليهنّ، وأقمن على الحسين مأتماً، ويقال: إنّ يزيد أذِن لهنّ في ذلك )(٢) .

وقال السيّد ابن طاووس: ( ثمّ جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسينعليه‌السلام وتُنادي: يا حبيباه! يا سيّداه! يا سيّد أهل بيتاه! يا بن محمّداه! يا ربيع الأرامل واليتامى! يا قتيل أولاد الأدعياء!

قال الراوي: فأبكت كلّ مَن سمعها )(٣) .

والمستفاد من بعض النصوص: أنّ مأتم الحسين استمرّ أكثر من ذلك - ولعلّ التحديد بثلاثة أيّام راجع إلى ما أمره يزيد بإقامة المأتم، مثل ما رواه العلاّمة المجلسي (رحمه الله) عن بعض مؤلّفات أصحابنا، فإنّه بعدما نقل رؤيا زوجة يزيد قال: ( فلما أصبح [يزيد] استدعى حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهنّ: أيُّما أحبّ إليكنَّ، المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة؟ ولكم الجائزة السَّنْيَّة!

____________________

(١) الطبقات الكبرى: ٨٣. وروي نحوه في تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ مرآة الزمان: ١٠٠ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٩) وفيه: قالت سكينة: فما تلقّتنا (ظ) منهنّ امرأة إلاّ وهي تبكي وتنتحب؛ وسير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٧.

(٣) الملهوف: ٢١٣. ورواه السيّد محمّد بن أبي طالب (تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤).

٢٥٢

قالوا: نُحبُّ أوّلاً أن ننوح على الحسين.

قال: افعلوا ما بدا لكم.

ثمّ أُخليت لهنّ الحجر والبيوت في دمشق، ولم تبقَ هاشميّة ولا قرشيّة إلاّ ولبست السواد على الحسين، وندبوه - على ما نُقل - سبعة أيّام... )(١) .

بل لابدّ أن يُقال: إنّ العزاء والنوح على الحسينعليه‌السلام استمرّ طيلة مقامهم في دمشق؛ لأنّه لم تكن مُجرّد سكب الدموع وجريانها، بل هي رسالة دم الحسين الذي هزّ أركان سلطة يزيد، بل طريق زوال كلّ ظالم مشى على نهج يزيد.

قال ابن أعثم: ( وأقاموا أيّاماً يبكون وينوحون على الحسين (رضي الله عنه) )(٢) .

وقال ابن نما: ( وكانت النساء مدّة مقامهنّ بدمشق يَنُحْنَ عليه بشجوٍ وأنّةٍ، وينْدُبْن بعويلٍ ورنَّة، ومصاب الأسرى عظم خطبه، والأسى لكم الثكلى عالٍ طبه )(٣) .

وقال السيّد ابن طاووس: (وكانوا مدّة مقامهم في البلد المشار إليه ينوحون على الحسينعليه‌السلام )(٤) .

يزيد يبكي تصنّعاً!!

وآل الأمر إلى أن يُظهر يزيد البكاء أمام الناس تصنّعاً ورياءً، حتّى إنّ ابن قتيبة قال: (فبكى يزيد حتّى كادت نفسه تفيض! وبكى أهل الشام حتّى علت أصواتهم )(٥) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٦.

(٢) الفتوح ٢/ ١٨٥.

(٣) مُثير الأحزان: ١٠٢.

(٤) الملهوف: ٢١٩.

(٥) الإمامة والسياسة ٢/ ٨.

٢٥٣

ولقد بالغ ابن قتيبة فيما رواه، فما ذكره فهو راجع إمّا إلى حُسْن تصنُّعه! أو ناشٍ عن مدى نصرة ناصريه في الرواية، حشرهم الله معه.

يزيد يأمر بتقديم بعض الخدمات!!

إنّ خوف زوال الملك وحصول الفتن أوجب على يزيد أن يُغيّر معاملته مع أهل البيتعليهم‌السلام ، فلقد ذكرنا في توصيف سكنى أهل البيتعليهم‌السلام أنّهم أُسكنوا داراً لا يُكنّهم من حرٍّ ولا برد، حتّى أُقْشِرَت وجوههم(١) ، ولكن انظروا إلى ما فعله بعد ذلك.

قال ابن قتيبة: ثمّ قال - يزيد بعد بكائه التصنّعي -: ( خلّوا عنهم، واذهبوا بهم إلى الحمّام، واغسلوهم، واضربوا عليهم القباب ).

ففعلوا، وأمال عليهم المطبخ وكساهم، وأخرج لهم الجوائز الكثيرة من الأموال والكسوة(٢) .

ولكن مع ذلك لم نستبعد وقوع شيء من الكذب في تقديم هذه الخدمات الواهية، فالظنّ الغالب أنّها من أكاذيب أنصار بني أُميّة خذلهم الله.

يزيد يُظهر الندامة ويلعن ابن مرجانة!!

واضطرّ يزيد إلى أن يُظهر الندامة على ما ارتكبه في شأن قتل سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأصحابه الكرام الأوفياء، وبادر بلعن عامله على الكوفة عبيد الله بن زياد؛ وذلك نتيجة لعدّة أُمور:

١ - الاستنكار الشعبي العام؛ بحيث بلغه بُغض الناس له ولعنهم وسبّهم

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٣١؛ مجلس ٣١؛ ح٢٤٣؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٦٩؛ مُثير الأحزان: ١٠٢؛ الملهوف: ٢١٩؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٠.

(٢) الإمامة والسياسة ٢/ ٨.

٢٥٤

إيّاه، وهذا الاستنكار شمل المسلمين كافّة، حيث صرّح يزيد هو نفسه قائل: ( لعن الله ابن مرجانة! لقد بغّضني إلى المسلمين! وزرع لي في قلوبهم البغضاء )(١) ، ( لعن الله ابن مرجانة!.. لقد زرع لي ابن زياد في قلب البرّ والفاجر، والصالح والطالح العداوة! )(٢) .

وقال جلال الدِّين السيوطي: ( ولما قُتِل الحسين وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أوّلاً، ثمّ ندم لما مقته المسلمون على ذلك، وأبغضه الناس، وحقّ لهم أن يُبغضوه )(٣) .

وقال الشيخ الصبّان: ( ثمّ ندم لما مقته المسلمون على ذلك وأبغضه العالم )(٤) .

٢ - الاستنكار الخاصّ وذلك في:

أ) وجوه أهل الشام: قال سبط ابن الجوزي: ( ولما فعل يزيد برأس الحسين ما فعل، تغيّرت وجوه أهل الشام، وأنكروا عليه ما فعل )(٥) .

ب) عسكر يزيد: روى ابن الجوزي عن مجاهد - بعد ذكر تمثّل يزيد بأشعار ابن الزبعرى: (نافق فيها، ثمّ - والله - ما بقي في عسكره أحد إلاّ تركه، أي عابه وذمّه )(٦) .

ج) استنكار بيت يزيد: وقد ذكرناه تفصيلاً آنفاً.

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٥.

(٢) المصدر السابق: ٢٦١.

(٣) تاريخ الخلفاء: ١٦٦.

(٤) إسعاف الراغبين: ١٨٨.

(٥) مرآة الزمان: ١٠٠ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٤).

(٦) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧. وروى نحوه البداية والنهاية ٨/ ١٩٢.

٢٥٥

فظهر أنّ تظاهر يزيد بالندامة، ولعنه ابن مرجانة ما كان إلاّ خوفاً على زوال مُلكه وفناء نفسه الخبيثة، ولم يكن إلاّ عن مكر وخُدعة، وكذب وزور.

هذا هو لُبّ الواقع، وأمّا الظاهر فهناك بعض الروايات تُعالج جانباً من هذا الموضوع، ومع ذلك فيها أمور مُنكرة مدسوسة من قِبل مُحبّي بني أُميّة، ولابدّ من الانتباه لها.

قال ابن الأثير: ( وقيل: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، وزاده ووصله وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيراً حتّى بلغه بُغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين، فكان يقول: وما عليَّ لو احتملت الأذى، وأنزلت الحسين معي في داري، وحكّمته فيما يريد وإن كان عليَّ في ذلك وهن في سلطاني؛ حفظاً لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ورعايةً لحقّه وقرابته! لعن الله ابن مرجانة! فإنّه اضطرّه، وقد سأله أن يضع يده في يدي، أو يلحق بثغر حتى يتوفّاه الله، فلم يُجبه إلى ذلك فقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين، ما لي ولابن مرجانة؟! لعنه الله وغضب عليه! )(١) .

تأمُّل وملاحظات:

١ - اعتراف يزيد بأنّ ندامته ناشئة عن بُغض المسلمين وعداوتهم له، بعد قتله الإمام الحسينعليه‌السلام ، وإلاّ فلِمَ الفرح والسرور أوّلاً ثمّ حصول الندامة بعده؟!

٢ - وأمّا قوله: ( وحكّمته فيما يريد وإن كان عليَّ في ذلك وهن في سلطاني )، ففي الحقيقة كان الإمام يرى عدم شرعيّة سلطته، وقد صرّح بقولهعليه‌السلام :( الخلافة

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٧. وروي نحوه تذكرة الخواص: ٢٦٥؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٧؛ تاريخ الإسلام: ٢٠، عن محمّد بن جرير عن يونس بن حبيب.

٢٥٦

مُحرّمة على آل أبي سفيان ) (١) .

فالمطلوب عند الإمام قلع أساس حُكمه وسلطته؛ فحينئذٍ لا يبقى من مُلكه شيء وإن كان موهناً.

٣ - وأمّا قوله: (وقد سأله أن يضع يده في يدي) فهو أيضاً إمّا من أكاذيب يزيد نفسه التي ليست بقليلة، أو من مُفتعلات أعوانه؛ لأنّ الإمام الشهيدعليه‌السلام هو الذي أدلى بموقفه الصامد بقوله:( لا والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أُقرّ لكم إقرار العبيد ) (٢) ، وهو القائل:( ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد تركني بين السلّة والذلّة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منّا الذلّة... ) (٣) .

٤ - وأمّا لعنه ابن مرجانة، فعلى فرض صحّته لا يكون إلاّ صوريّاً؛ لما قد ذكرنا أنّه هو الذي استدعاه وشكر له وشرب معه الخمر بعد مقتل الحسينعليه‌السلام (٤) ، وكذا الجواب فيما قيل: بأنّه غضب على ابن زياد ونوى قتله!(٥) .

والدليل على ذلك؛ بأنّه لم يفعل أيّ شيء بعد ذلك إلاّ الشكر له!

ومن هذا القبيل ما رواه سبط ابن الجوزي عن الواقدي أنّه قال: ( فلما حضرت الرؤوس عنده قال: فرّقت سميّة بيني وبين أبي عبد الله وانقطع الرحم! لو كنت صاحبه لعفوت عنه! ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، رحمك الله يا حسين! لقد قتلك رجل لم يعرف حقّ الأرحام! )(٦) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ٣٢٦.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ٧.

(٣) الاحتجاج ٢/ ٩٩، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٨٣.

(٤) راجع فصل ( قتله الحسينعليه‌السلام ورضاه ).

(٥) تذكرة الخواص: ٢٦٥ عن تاريخ ابن جرير.

(٦) تذكرة الخواص: ٢٦١.

٢٥٧

ولقد أثبتنا لك بالشواهد المتقنة، وذكر الاعترافات المتعدّدة أنّه هو الذي أمر بقتل الحسينعليه‌السلام (١) ، ولكنّ الخبيث يريد أن يتخلّى عن المسؤولية ويجعلها على عاتق فاسقٍ مثله؛ خوفاً من إثارة الناس عليه.

ومن الغريب جدّاً، أنّنا نجد أُناساً يريدون أن يُبرّئوا ساحة يزيد من هذه الجريمة النكراء، وقد لوّثوا بذلك أنفسهم، ومن هؤلاء صاحب خُطط الشام حينما يقول: ( وكانت غلطة ابن زياد في قتل الحسين وسبي آله الطاهرين ذريعة أكبر للنيل من يزيد وآل يزيد، فتقوّلوا عليه وحطّوا من كرامته! مع أنّه سار بسيرة أبيه في الملك من التوسّع في الفتوح وقتال أعداء المملكة من الروم )(٢) .

نعم، إنّه سار بسيرة أبيه، بل أسرع في السير في بُغيه وظلمه وجوره وطغيانه ووقوفه أمام الحقّ، وقتله الطاهرين من ذرّية خاتم المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذهب بنفسه إلى عذاب ربّ العالمين.

فحينئذٍ؛ لا يمكن لأحد أن يُخفي ما في ضميره باستعمال كلمة غلطة ابن زياد وما شابهها، فإنّه إن صحّ التعبير بذلك - وليس بصحيح - فليست هي إلاّ امتثال لما أمره يزيد، والتستّر خلف مسألة الفتوح لا يُغني عن الحقّ شيئاً.

ولعلّ المؤلّف جعل وقعة الحرّة ومجزرة المدينة المنوّرة، وخراب الكعبة من جملة فتوحات يزيد!

ولنختم الكلام بما ذكره السيّد محمّد بن أبي طالب، فإنّه أجاد بقوله: ( وأقول: لعن الله يزيد وأباه! وجَدّيه وأخاه! ومَن تابعه وولاّه، بينا هو ينكت ثنايا الحسين بالقضيب ويتمثّل بشعر ابن الزبعرى... وإغلاظه لزينب بنت عليّ بالكلام

____________________

(١) راجع مبحث: ( قتله الإمام الحسينعليه‌السلام ) في هذا الكتاب.

(٢) خُطط الشام ١/ ١١٣.

٢٥٨

السيّئ لما سأله الشامي.. وقوله لعليّ بن الحسينعليه‌السلام : أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين، فالحمد لله الذي قتلهما وسفك دماءهما... ونصب رأس الحسينعليه‌السلام على باب القرية الظالم أهلها - أعني بلدة دمشق - وإيقافه ذرّية الرسول على درج المسجد كسبايا التُّرْك والخزر، ثمّ إنزاله إيّاهم في دار لا يُكنّهم من حرّ ولا قُرّ حتّى تقشّرت وجوههم وتغيّرت ألوانهم، وأمر خطيبه أن يرقى المنبر ويُخبر الناس بمساوئ أمير المؤمنين ومساوئ الحسينعليهما‌السلام وأمثال ذلك، ثمّ هو يلعن ابن زياد ويتبرّأ من فعله ويتنصّل من صُنعه! وهل فَعَل اللعين ما فعل إلاّ بأمره وتحذيره من مخالفته؟! وهل سفك اللعين دماء أهل البيت إلاّ بإرغابه وإرهابه له بقوله، ومراسلته بالكتاب الذي ولاّه فيه الكوفة، وحثّه فيه على قتله، وأمره له بإقامة الأرصاد وحفظ المسالك على الحسين، وقوله لابن زياد في كتابه، وأمره له بإقامة الأرصاد وحفظ المسالك على الحسين، وقوله لابن زياد في كتابه: إنّه قد ابتُلي زمانك بالحسين من بين الأزمان، وفي هذه الكَرَّة تُعتق أو تكون رقّاً عبداً كما تعبد العبيد، فاحبس على التُّهمة واقتل على الظنّة...؟!

وإنّما أظهر اللعين التبرّي من فعل ابن زياد لعنه الله خوفاً من الفتنة وتمويهاً على العامّة؛ لأنّ أكثر الناس في جميع الآفاق والأصقاع أنكروا فعله الشنيع وصُنعه الفضيع، ولم يكونوا راضين بفعله وما صدر عنه، خصوصاً مَن كان حيّاً من الصحابة والتابعين في زمنه، كسهل بن سعد الساعدي، والمنهال بن عمرو، والنعمان بن بشير، وأبي برزوة الأسلمي ممّن سمع ورأى إكرام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له ولأخيه، وكذلك جميع أرباب المِلل المختلفة من اليهود والنصارى... ولم يكن أحد من المسلمين في جميع البلاد راضياً بفعله إلاّ مَن استحكم النفاق في قلبه من شيعة آل أبي سفيان، بل كان أكثر أهل بيته ونسائه وبني عمّه غير راضين بذلك )(١) .

____________________

(١) تسلية المجالس ٢/ ٤٠٠ (بتلخيص).

٢٥٩

وعد يزيد لزين العابدينعليه‌السلام :

قال ابن نما: (وعد يزيد لزين العابدينعليه‌السلام بقضاء ثلاث حاجات )(١) ، والمستفاد من نقل السيّد ابن طاووس أنّه كان بعد اعتراض الإمامعليه‌السلام لما تفوّه به الخطيب الشامي، ووعد يزيد للإمام في ذلك اليوم(٢) ، فحينئذٍ هي من إحدى نتائج الموقف الصلب الذي اتّخذه الإمامعليه‌السلام ، فقام يزيد بتقديم التنازلات، حتى آل الأمر إلى أن يفي بوعده.

قال السيّد (رحمه الله): ( وقال لعليّ بن الحسينعليه‌السلام : اذكر حاجاتك الثلاث التي وعدتك بقضائهنّ.

فقال له:

( الأُولى: أن تُريني وجه سيّدي ومولاي الحسين، فأتزوّد منه، وأنظر إليه وأُودِّعه.

والثانية: أن تردّ علينا ما أُخذ منّا.

والثالثة: إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هؤلاء النسوة مَن يردّهن إلى حرم جدّهنّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (٣) .

فقال: أمّا وجه أبيك فلن تراه أبداً، وأمّا قتلك فقد عفوت عنك، وأمّا النساء فلا يردّهن إلى المدينة غيرك، وأمّا ما أُخذ منكم فإنّي أُعوّضكم عنه أضعاف قيمته.

فقالعليه‌السلام : أمّا مالك فلا نُريده، وهو موفّر عليك، وإنّما طلبت ما أُخِذ منّا؛ لأنّ فيه مغزل فاطمة بنت محمّد، ومقنعتها، وقلادتها، وقيمصها.

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠٣.

(٢) الملهوف: ٢١٩.

(٣) روي الطلب الثالث هذا في مقاتل الطالبيّين: ١٢٠؛ الاحتجاج ٢/ ١٣٥.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460