مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة17%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234469 / تحميل: 8797
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فأمر بردّ ذلك، وزاد عليه مئتي دينار، فأخذها زين العابدينعليه‌السلام وفرّقها على الفقراء والمساكين )(١) .

قال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( روي أنّ اللعين لما خشي شقّ العصا وحصول الفتنة أخذ في الاعتذار، والإنكار لفعل ابن زياد، وإبداء التعظيم والتكريم لعليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، ونقل نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى داره الخاصّة، وكان لا يتغدّى ولا يتعشّى إلاّ مع سيّدنا سيِّد العابدينعليه‌السلام ، وكلّ مَن كان حاضراً من الصحابة والتابعين والأجلّة وبني أُميّة، أشاروا عليه لعنه الله بردّ حرم رسول الله، والإحسان إليهم، والقيام بما يُصلحهم، فأحضر سيّدنا عليّ بن الحسين وقال: إنّي كنت قد وعدتك بقضاء ثلاث حاجات فاذكرها لي لأقضيها )(٢) ... ثمّ ذكر نحو ما مرّ.

ففي الخبر الذي روا السيّد ابن طاووس وابن نما وجوه للتأمّل:

١ - تعليل الإمامعليه‌السلام بوجود آثار من فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) في ضمن ما سُلِب من أهل البيت، يُرشدنا إلى علّة كلّ ما روي حول طلب أهل البيت بردِّ ما أُخذ منهم؛ فتكون هذه الرواية حاكمة وناظرة ومُفسِّرة لما رُوي في هذا الشأن.

٢ - إنّ تصريح الإمام بأنّ فيه آثار فاطمة ومغزلها وقميصها، وقلادتها ومقنعتها، يُرشدنا إلى لزوم الاهتمام بحفظ آثار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطاهرينعليهم‌السلام والتبرّك بها.

٣ - مسألة عفو يزيد عن قتل الإمام زين العابدين تدلّ على نيّته الخبيثة حول قتل واغتيال الإمامعليه‌السلام بالمطابقة، وكذلك تدلّ على كذب ادّعائه بأنّه ما كان يُحبّ قتل الحسينعليه‌السلام بالملازمة، فإنّه إن لم يكن آمراً بقتل الحسينعليه‌السلام وراضياً به - مع أنّه خرج عليه بزعمه - فكيف أراد قتل ابنهعليه‌السلام - مع أنّه في حالة الأسر - ثمّ يعفو

____________________

(١) الملهوف: ٢٢٦، ورواه مُثير الأحزان: ١٠٦ بتلخيص.

(٢) تسلية المجالس ٢/ ٤٥٧.

٢٦١

عنه بعد ذلك.

٤ - قوله: ( لن تراه أبداً )، لعلّه ناظر إلى إرسال الرأس الشريف إلى المدينة حينذاك، كما سيأتي الكلام حوله.

٥ - أمر يزيد بردّ المأخوذ يدلّ على أنّ المسلوب من أهل البيتعليهم‌السلام أُرسل إلى يزيد، وهذا يؤيّد ما احتملناه سابقاً.

٦ - فعل الإمامعليه‌السلام بتفريق الزائد على ما أُخذ منهم - وهو مئتي دينار - كشف عن زاوية من زوايا الأخلاق العالية المتجلِّية في أهل بيت النبوّة.

استشارة يزيد وجوه أهل الشام:

روى ابن عبد ربّه، عن عليّ بن عبد العزيز، عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الخزامي، عن أبيه قال: (... [قال يزيد]: ما ترون يا أهل الشام في هؤلاء؟

فقال له رجل: لا تتّخذ من كلب سوءٍ جرواً.

قال النعمان بن بشير الأنصاري: اُنظُر ما كان يصنعه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) لو رآهم في هذه الحالة، فاصنعه بهم.

قال: صدقت، خلّوا عنهم، واضربوا عليهم القباب.

وأمال عليهم المطبخ وكساهم وأخرج إليهم جوائز كثيرة، وقال: لو كان بين ابن مرجانة وبينهم نسب ما قتلهم! ثمّ ردّهم إلى المدينة )(١) .

إنّ المستفاد من النصوص، أنّ هذه المحادثة والاستشارة حصلت في آخر أيّام مقام أهل البيتعليهم‌السلام في الشام، لا ما هو المترائي من بعض الكُتب من أنّه جرت

____________________

(١) العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ الإمامة والسياسة ٢/ ٨؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٥؛ مُثير الأحزان: ٩٨؛ الملهوف: ٢١٨.

٢٦٢

في مجلس يزيد العام؛ لأنّنا قد ذكرنا شواهد عديدة بأنّ المجالس قد تكرّرت، وإن لم تكن على حدٍّ سواء من حيث الأهمّية، فحينئذٍ يريد يزيد أن يجد مفرّاً لكي يُخلّص نفسه من هذه الواقعة التي هزّت أركان حكومته، وممّا يؤيّد ذلك هو ما أورده القاضي نعمان بقوله:

ثمّ قال: يا أهل الشام، ما ترون في هؤلاء؟

فقال قائلهم: قد قتل (كذا)، ولا تتّخذ جروء من كلب سوء.

فقال النعمان بن بشير: اُنظر ما كنت ترى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يفعله فيهم لو كان حيّاً، فافعله.

فبكى يزيد، فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام : ( يا يزيد، ما تقول في بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا عندك؟! ). فاشتدّ بكاؤه! حتّى سمع ذلك نساؤه! فبكين حتّى سمع بكاءهنّ مَن كان في مجلسه.

وقيل: إنّ ذلك بعد أن أجلسهنّ في منزل لا يُكنّهنّ من بردٍ ولا حرّ، فأقاموا فيه شهراً ونصف، حتّى أُقْشِرت وجوههنّ من حرّ الشمس، ثمّ أطلقهم(١) .

تجهيز الأسرى من آل البيت إلى المدينة:

قال السيّد ابن طاووس: ( ثمّ أمر - يزيد - برَدِّ الأُسارى وسبايا البتول إلى أوطانهم بمدينة الرسول )(٢) .

قال الشيخ المفيد: ( ثمّ ندب يزيد النعمانَ بن بشير وقال له: تجهّز لتخرج بهؤلاء النسوان إلى المدينة )(٣) .

____________________

(١) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨.

(٢) الملهوف: ٢٢٥.

(٣) الإرشاد ٢/ ١٢٢.

٢٦٣

قال الباعوني: ( فقال يزيد: جهّزوهم. وأمر النعمانَ بن بشير أن يُجهّزهم بما يُصلحهنّ ويسير معهم )(١) .

قال الطبري: ( ثمّ قال يزيد بن معاوية: يا نعمان بن بشير، جهّزهم بما يُصلحهم، وابعث معهم رجلاً من أهل الشام أميناً صالحاً، وابعث معه خيلاً وأعواناً، فيسير بهم إلى المدينة )(٢) .

____________________

(١) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٥.

(٢) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣؛ وانظر: الكامل في التاريخ ٤/ ٨٧؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ المنتظم ٥/ ٣٤٤؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥ نقلاً عن صاحب المناقب.

٢٦٤

الفصل الثاني

حركة المسيرة المظفَّرة

٢٦٥

٢٦٦

الفصل الثاني

حركة المسيرة المظفَّرة

الخروج من الشام

لقد نجح أعلام الركب الحسيني في أداء واجبهم الرسالي، في هذا المقطع الزمني والمكاني المهمّ على أحسن وجه، حتّى خشي يزيد وقوع الفتن والأحداث، واضطراب الرأي العام، وخروج الأمر من يده؛ الأمر الذي دعاه للتفكير بجدّية في طريق للخلاص من هذه المشكلة العويصة، فأمر النعمان بن بشير بتجهيز الركب الطاهر لإرجاعهم إلى المدينة. وقد رأينا كيف اختلفت المعاملة مع أهل بيت الرسول منذ ذلك الحين.

يقول الأستاذ باقر شريف القرشي: ( وأصبحت - الخُطب - حديث الأندية والمجالس، فكانت تغلي كالحُمم على تلك الدولة الغاشمة، وهي تُنذر بانفجار شعبي يكتسح دولة يزيد، فقد عرَّفت أهل الشام لؤم يزيد وخبث عنصره، وقلبت الرأي العام عليه، فجُوبِهَ بالنقد حتّى في مجلسه وسقط اجتماعيّاً، وذهبت مكانته من النفوس )(١) .

يزيد يعتذر من الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام !

____________________

(١) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ٣/ ٤١٣.

٢٦٧

قال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( ولم يكن أحد من أكثر الناس في جميع الآفاق راضياً بفعله؛ فلذلك أبدى الاعتذار وركن إلى الإنكار، خوفاً أن يُفتق عليه فتق لا يُرتق، وأن ينفتح عليه باب من الشرّ لا يُغلق، فاعتذر وأنّى له الاعتذار )(١) .

قال الشيخ المفيد (رحمه الله): ( ولما أراد أن يُجهّزهم دعا عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فاستخلاه، ثمّ قال له: لعن الله ابن مرجانة! أَمَ والله، لو أنّي صاحب أبيك ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها! ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت، ولكنّ الله قضى ما رأيت، كاتبْني من المدينة وأنْهِ كلّ حاجة تكون لك.

وتقدَّمَ بكسوته وكسوة أهله )(٢) .

وأعرض عنه الإمام؛ لأنّ كلامه لم يكن إلاّ تهرّباً ممّا لحقه من الخزي والعار.

قال ابن سعد: ( وقال - يزيد - لعليّ بن حسين: إن أحببت أن تُقيم عندنا فنصلْ رحمك ونعرف لك حقّك فعلت، وإن أحببت أن أردّك إلى بلادك وأصلك.

قال: بل تردّني إلى بلادي.

فردّه إلى المدينة ووصله )(٣) .

وقال الخوارزمي: وروي أنّ يزيد عرض عليهم المقام بدمشق، فأبوا ذلك

____________________

(١) تسلية المجالس ٢/ ٤٠٣.

(٢) الإرشاد ٢/ ١٢٢. وروى نحوه: إعلام الورى: ٢٤٩)؛ وروى مضمونه: تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٧؛ الاحتجاج ٢/ ١٣٥ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٢ ح٦؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥ - عن صاحب المناقب.

(٣) الطبقات: ٨٤ ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع )؛ ونحوه في: الطبقات الكبرى ٥/ ٢١٢ ( ترجمة الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ). وروى مضمونه: المنتظم ٥/ ٣٤٥؛ تذكرة الخواص: ٢٦٥؛ ومرآة الزمان: ١٠١ - على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣٥١.

٢٦٨

وقالوا: ( رُدَّنا إلى المدينة، لأنّها مُهاجرة جدّنا )، فقال للنعمان بن بشير: ( جهّز هؤلاء بما يُصلحهم وابعث معهم رجلاً من أهل الشام أميناً صالحاً، وابعث معهم خيلاً وأعواناً )، ثمّ كساهم وحباهم وفرض لهم الأرزاق والأنزال(١) .

وقال القاضي نعمان: وأمر - يزيد - بإطلاق عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وخيّره بين المقام عنده أو الانصراف، فاختار الانصراف إلى المدينة فسرّحه(٢) .

وقال: ولما بلغ من النداء على رأس الحسينعليه‌السلام والاستهانة [بحرمه] ونساء مَن قُتل معه من أهل بيته ما أراده، وعليّعليه‌السلام على حاله من العلّة، وما أراده الله تعالى من سلامته، وأن لا تنقطع الإمامة بانقطاعه، فسرّحهم يزيد اللعين، وانصرف إلى المدينة(٣) .

عرض الأموال على آل البيتعليهم‌السلام ورفض السيّدة أُمّ كلثوم:

روى العلاّمة المجلسي عن بعض أصحابنا، قال: ( فلما كان اليوم الثامن دعاهنّ يزيد، وأعرض عليهنّ المقام، فأبين وأرادوا الرجوع إلى المدينة، فأحضر لهم المحامل وزيّنها، وأمر بالأنطاع الإبريسم، وصبّ عليها الأموال، وقال: يا أُمّ كلثوم، خذوا هذا المال عوض ما أصابكم!

فقالت أُمّ كلثوم: يا يزيد، ما أقلّ حياءك وأصلب وجهك! تقتل أخي وأهل بيتي وتُعطيني عوضهم! )(٤) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤.

(٢) شرح الأخبار ٣/ ١٥٩.

(٣) المصدر نفسه ٢/ ٢٥٢.

(٤) بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٦.

٢٦٩

متى كان الخروج من الشام؟

المستفاد من بعض النصوص أنّ الخروج من الشام كان في العشرين من صفر.

قال الشيخ المفيد (رحمه الله): ( وفي العشرين منه (شهر صفر)، كان رجوع حرم سيّدنا ومولانا أبي عبد اللهعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله )(١) .

وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): ( وفي اليوم العشرين منه (صفر) كان رجوع حرم سيّدنا أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله )(٢) .

وقال الشيخ رضيّ الدين علي بن يوسف بن المطهّر الحِلِّي: ( وفي اليوم العشرين من صفر سنة إحدى وستّين أو اثنين وستّين - على اختلاف الرواية به في قتل مولانا الحسينعليه‌السلام -(٣) كان رجوع حرم مولانا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله )(٤) .

وقال الكفعمي: ( وفي العشرين منه (صفر) كان رجوع حرم الحسين بن عليعليه‌السلام إلى المدينة )(٥) .

وقال في موضع آخر: ( وفي هذا اليوم (العشرين من صفر) كان رجوع حرم الحسينعليه‌السلام من الشام إلى المدينة )(٦) .

فإذا فرضنا أنّ المقصود من عبارة يوم خروجهم من الشام إلى المدينة هو

____________________

(١) مسار الشيعة: ٤٦.

(٢) مصباح المتهجِّد: ٧٣٠، عنه بحار الأنوار ١٠١/ ٣٣٤.

(٣) أقول: لا مجال لهذا التردّد في سنة الرجوع بعد إمكان دعوى التواتر في كون شهادتهعليه‌السلام في سنة إحدى وستّين، كما هو واضح للمتتبّع في المقام.

(٤) العدد القويّة: ٢١٩ رقم ١١.

(٥) مصباح الكفعمي: ٥١٠.

(٦) المصدر نفسه: ٤٨٩.

٢٧٠

يوم خروجهم من الشام، لا يوم دخولهم المدينة، وقلنا: إنّ الرأس الشريف أُدخِل الشام في الأوّل من صفر، وأنّ أهل بيت الحسينعليه‌السلام دخلوها في ذلك اليوم - مع احتمال تقدّم ورود الرأس عليهم - فيكون مدّة بقائهم في الشام عشرين يوماً.

وقد ذكرنا عن القاضي نعمان القول ببقائهم فيها شهراً ونصف، وهناك رأي وسط يقول بمكوثهم فيها شهراً، ذكره السيّد ابن طاووس(١) .

المسايرون للركب!

لقد سايرت الركب الطاهر عدّةٌ بأمر يزيد، وقد ورد ذكرهم في التاريخ إمّا بالعنوان الكلّي أو بالخصوص، وللتوقّف في ذلك مجال، وذلك بطرحسؤالين:

السؤال الأوّل: مَنْ هم المسايرون؟

١) جيش: قال مسكويه الرازي: ( ثمّ جهّز - يزيد - النساء وعليّ بن الحسين، وضمّ إليهم جيشاً، حتّى ردّهم إلى المدينة )(٢) .

٢) جماعة: قال ابن نما: ( ثمّ أمر يزيد بمضيّ الأُسارى إلى أوطانهم مع نعمان بن بشير وجماعة معه إلى المدينة )(٣) .

٣) ثلاثون فارساً: قال أحمد بن داود الدينوري: ( ثمّ أمر - يزيد - بتجهيزهم بأحسن جهاز، وقال لعليّ بن الحسين: ( انطلق مع نسائك حتّى تبلغهنّ وطنهنّ )، ووجّه معه رجلاً في ثلاثين فارساً، يسير أمامهم، وينزل حجرة عنهم، حتّى انتهى

____________________

(١) إقبال الأعمال: ٥٨٩.

(٢) تجارب الأُمم ٢/ ٧٥.

(٣) مثير الأحزان: ١٠٦.

٢٧١

بهم إلى المدينة )(١) .

٤) عدّة من موالي أبي سفيان: روى الخوارزمي، عن أبي العلاء الحافظ، بإسناده عن مشايخه ( أنّ يزيد بن معاوية حين قُدم عليه برأس الحسين وعياله، بعث إلى المدينة، فأقدم عليه عدّة من موالي بني هاشم، وضمّ إليهم عدّة من موالي آل أبي سفيان، ثمّ بعث بثقل الحسين ومَن بقي من أهله معهم، وجهّزهم بكلّ شيء، ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلاّ أمر لهم بها )(٢) .

٥) نعمان بن بشير: كما ذكرنا ذلك عن ابن نما(٣) والباعوني(٤) .

وهو المستفاد ممّا ذكره الشيخ المفيد(٥) والطبرسي(٦) .

٦) محرز بن حريث الكلبي: روي عن سبط ابن الجوزي أنّه قال: ( وبعث - يزيد - معهم محرز بن حريث الكلبي )(٧) .

٧) رجل من بهرا: قال ابن سعد: ( وبعث - يزيد - بهم مع محرز بن حريث الكلبي ورجل من بهرا، وكانا من أفاضل أهل الشام )(٨) .

٨) عدّة من ذوي السنّ من موالي بني هاشم: قال ابن سعد: ( ثمّ بعث

____________________

(١) الأخبار الطوال: ٢٦١.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٥؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥. يؤيّده ما صرّح به ابن سعد في طبقاته: ٨٤ (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ).

(٣) مُثير الأحزان: ١٠٦.

(٤) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٥.

(٥) الإرشاد ٢/ ١٢٢.

(٦) إعلام الورى: ٢٤٩.

(٧) مرآة الزمان: ١٠١ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣٥١). وصرّح بذلك ابن سعد كما يأتي.

(٨) الطبقات الكبرى: ٨٤ ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ).

٢٧٢

يزيد إلى المدينة، فقدم عليه بعدّة من ذوي السنّ من موالي بني هاشم، ثمّ من موالي بني علي، وضمّ إليهم أيضاً عدّة من موالي أبي سفيان، ثمّ بعث بثقل الحسين ومَن بقي من نسائه وأهله وولْده معهم، وجهّزهم بكلّ شيء، ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلاّ أمر لهم بها )(١) .

٩) عدّة من موالي بني عليّ: كما ذكرنا ذلك عن الطبقات آنفاً، وهو عطف الخاص على العام، كما أنّه يمكن دمج بعض ما ذكرنا في بعض.

السؤال الثاني: لماذا هذه المسايرة؟

من الغريب جدّاً أن يقول أحد: إنّ يزيد يقوم بإرسال هؤلاء لأجل المحافظة عليهم فحسب، وإن كان هذا هو الظاهر المترائى من القضيّة، ولكن الواقع هو المحافظة عليهم أوّلاً، والسيطرة على الأوضاع ثانياً، والثاني أولى بالمقصود عنده؛ إذ بعدما علمنا بمدى تأثير أهل البيت في العاصمة، ونشر الحقائق إلى سائر البلدان، فمن الطبيعي أن يخاف يزيد حصول التمرُّد والعصيان عليه في بعض البلدان الواقعة في المسير، وقد راعت السلطة ذلك بالبعث إلى المدينة، واستقدام عدّة من ذوي السنّ من موالي بني هاشم وموالي بني عليّ من أجل مسايرتهم للركب.

ما سُمِع عند ترك دمشق:

قال ابن أعثم: ثمّ أمر بهم يزيد بزاد كثير ونفقة، وأمر بحملانهم إلى المدينة، فلما فصلوا من دمشق سمعوا مُنادياً يُنادي في الهواء وهو يقول:

أيُّها القاتلون ظلماً حسينا

أبْشِرُوا بالعذاب والتنكيل

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٧٣

كلّ مَن في السماء يدعو عليكم

من نبيٍّ ومُرسلٍ وقتيل

قد لُعنِتم على لسان موسى

وداود وحامل الإنجيل(١)

حُسْن المعاملة في الطريق!

قال ابن سعد: ( وأمر - يزيد - الرُّسل الذين وجّههم معهم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا ومتى شاءوا )(٢) .

وذكرنا عن الدينوري، أنّ يزيد وجّه معهم رجلاً في ثلاثين فارساً يسير أمامهم، وينزل حُجرة عنهم حتّى انتهى بهم إلى المدينة(٣) .

قال الشيخ المفيد (رحمه الله): ( وأنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولاً تقدّم إليه أن يسير بهم في الليل، ويكونوا أمامه، حيث لا يفوتون طرفه، فإذا نزلوا تنحّى عنهم، وتفرّق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم، وينزل منهم حيث إذا أراد إنسان من جماعتهم وضوءاً أو قضاء حاجة لم يحتشم، فسار معهم في جملة النعمان، ولم يزل يُنازلهم في الطريق، ويُرفق بهم - كما وصّاه يزيد - ويرعونهم حتّى دخلوا المدينة )(٤) .

وقال الشبلنجي: (ثمّ إنّ يزيد بعد ذلك أمر النعمان بن بشير أن يُجهّزهم بما يُصلحهم إلى المدينة الشريفة، وسيّر معهم رجلاً أميناً من أهل الشام في خيل

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٧.

(٢) الطبقات: ٨٤ ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ).

(٣) الأخبار الطوال: ٢٦١.

(٤) الإرشاد ٢/ ١٢٢. وروي نحوه في: تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٤؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٨؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ إعلام الورى: ٢٤٩؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ تسلية المجالس ٣/ ٣٩٩ )؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٦ - عن صاحب المناقب - بتفاوت يسير جدّاً.

٢٧٤

سيّرها صُحْبَتهم.. وأوصى بهم الرسول الذي سيّره صُحبتهم، وكان يُسايرهم وهو وخيله التي معهم، فيكون الحريم قدّام بحيث إنّهم لا يفوتون، فإذا نزلوا تنحّى عنهم ناحية هو وأصحابه، وكانوا حولهم كهيئة الحرس، وكان يسألهم عن حالهم، ويتلطّف بهم في جميع أُمورهم، ولا يشقّ عليهم في مسيرهم، إلى أن دخلوا المدينة )(١) .

وممّا يدلّ على ذلك، ما رواه الطبري عن أبي مخنف قال: ( قال الحارث بن كعب: قالت لي فاطمة بنت علي: قلت لأُختي زينب: يا أُخيّة، لقد أحسن هذا الرجل الشامي إلينا في صحبتنا، فهل لكِ أن نصله؟

فقالت: والله، ما معنا شيء نصله به إلاّ حُليّنا!

قلت لها: فنُعطيه حُليّنا؟

قالت: فأخذت سواري ودُملجي، وأخذت أختي سوارها ودُملجها، فبعثنا بذلك إليه، واعتذرنا إليه، وقلنا له: هذا جزاؤك بصُحبتك إيّانا بالحَسن من الفعل.

قالت: فقال: لو كان الذي صنعت إنّما هو للدُّنيا كان في حليكنّ ما يرضيني، ولكن - والله - ما فعلته إلاّ لله، ولقرابتكم من رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)(٢) .

لعلّ المقصود من هذا الرجل الشامي هو محرز بن حريث الكلبي، أو رجل من بهرا الذي عبّر عنهما ابن سعد بقوله: وكانا من أفاضل أهل الشام(٣) ، وإن كان

____________________

(١) نور الأبصار: ١٣٢.

(٢) تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤. وروى نحوه: الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤، وفيه: (فأخرجنا سوارين ودُملجين فبعثنا بها إليه واعتذرنا... )؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٤؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٦ - عن صاحب المناقب. بتفاوت يسير جدّاً.

(٣) الطبقات الكبرى: ٨٤ ( ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع ).

٢٧٥

المستفاد ممّا نقله ابن نما والباعوني أنّ المتولّي لذلك هو نعمان بن بشير(١) ، ولكنّه أنصاري مدني، فلا يشمله إطلاق كونه الرجل الشامي، إلاّ إذا قيل: إنّه صار شاميّاً بعدما استوطنه! - أي هو شامي الهوى مدنيّ الأصل!

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠٦؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٥.

٢٧٦

إلى كربلاء

زيارة قبر الإمام الحسينعليه‌السلام :

قال السيّد ابن طاووس: ( قال الراوي: ولما رجع نساء الحسينعليه‌السلام وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق، قالوا للدليل: ( مُرَّ بنا على طريق كربلاء ) فوصلوا إلى موضع المصرع )(١) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( فسألوا أن يُسار بهم على العراق؛ ليُجدّدوا عهداً بزيارة أبي عبد اللهعليه‌السلام )(٢) .

وقال القندوزي: ( ثمّ أمرهم (يزيد) بالرجوع إلى المدينة المنوّرة، فسار القائد بهم، وقال الإمام والنساء للقائد: بحقّ معبودك أن تدلُّنا على طريق كربلاء. ففعل ذلك حتّى وصلوا كربلاء )(٣) .

ولا غرابة في الأمر، فإنّ يزيد - كما روى ابن سعد في طبقاته - أمر الرُّسل الذين وجّههم معهم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا ومتى شاءوا(٤) .

مَنْ هو أوّل زائر لقبر الحسينعليه‌السلام ؟

روى ابن نما، عن ابن عائشة قال: مرّ سليمان بن قتّة العدوي مولى بني تميم بكربلاء، بعد قتل الحسينعليه‌السلام بثلاث، فنظر إلى مصارعهم، فاتّكأ على فرس له عربيّة، وأنشأ:

____________________

(١) الملهوف: ٢٢٥.

(٢) تسلية المجالس ٢/ ٤٥٨.

(٣) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢.

(٤) الطبقات ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ): ٨٤.

٢٧٧

مـررت عـلى أبـيات آل محمّد

فـلم أرَهـا أمـثالها يـوم حلَّت

ألم ترَ أنّ الشمس أضحت مريضةً

لـفقد حـسين والـبلاد اقشعرّت

وكـانوا رجـاءً ثمّ أضحوا رزيّة

لـقد عـظمت تلك الرزايا وجلّت

وتـسألنا قـيس فـنعطي فقيرها

وتـقتلنا قـيس إذا الـنعل زلّت

وعـند غـنيٍّ قـطرة من دمائنا

سـنطلبهم يـوماً بها حيث حلّت

فـلا يُـبْعِد الله الـديار وأهـلها

وإنْ أصـبحت منهم برغم تخلَّت

فـإنّ قـتيل الطفّ من آل هاشم

أذلّ رقــاب الـمسلمين فـذلّت

وقـد أعـولت تبكي السماء لفقده

وأنجمنا ناحت عليه وصلّت (١)

قد يستدِلّ القائل بهذه الرواية، أنّ سليمان بن قتّة العدوي هو أوّل مَن زار قبر الحسينعليه‌السلام ، حيث صرّح ابن نما أنّه زاره بعد قتل الحسينعليه‌السلام بثلاث.

وفيه:

أوّلاً: هذا ممّا لم يقله أحد فيما نعرفه.

ثانياً: إنّ هذا القيد ممّا تفرّد به ابن نما، وأمّا بقيّة أرباب السير والتواريخ، فقد اكتفوا بذكر رثاء سليمان، من دون أن يُقيّدوا ذلك بيوم(٢) ، ولا مكان(٣) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١١٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٩٣.

(٢) اُنظُر: تذكرة الخواصّ: ٢٧٢ ( وفيه: وذكر الشعبي وحكاه ابن سعد أيضاً قال: مرّ سليمان بن قتّة بكربلاء، فنظر إلى مصارع القوم فبكى حتّى كاد أن يموت ثمّ قال... )؛ الملهوف: ٢٣٣ ( وفيه: وقد بكى على المنازل المشار إليها فقال... )؛ ينابيع المودّة ٣/ ١٠٠ ( وفيه: وقف سليمان على مصارع الحسين وأهل بيته (رضي الله عنهم)، وجعل يبكي ويقول... ).

(٣) اُنظر: الطبقات: ٩٢ ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع )؛ مقاتل الطالبيين: ١٢١؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤٢٠؛ المناقب ٤/ ١١٧؛ مروج الذهب ٣/ ٦٤؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٤٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٨؛ الاستيعاب ١/ ٣٧٩؛ البداية والنهاية ٨/ ٢١٣؛ جواهر العقدين ٢/ ٣٣٣.

٢٧٨

ثالثاً: الرواية تدلّ على مروره بكربلاء ونظره إلى مصارعهم، والمرور بها والنظر إلى المصرع أعمّ من أن يكون ذلك بقصد الزيارة أم لا، فهذا يختلف عمّا إذا نوى شخص زيارة قبر أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فـ( إنّما الأعمال بالنيّات ) (١) ، وإنّما( لكلّ امرئٍ ما نوى ) (٢) .

رابعاً: إنّ لفظ المصرع أعمّ من أن يكون ناظراً إلى مكان استشهادهم، أو إلى أجسادهم المطهّرة التي كانت مُلقاة على الأرض، فهناك إجمال في هذه الناحية، إذ لو كان ذلك قبل دفن الأجساد المطهّرة فلا ينطبق عليه عنوان زيارة القبور، فشأنه شأن بني أسد الذين شاركوا في تدفين الشهداء، كما روي ذلك.

خامساً: إنّ في بعض الروايات أنّه قال ضمن تلك الأبيات:

وأنّ قتيل الطفّ من آل هاشم

أذلّ رقاباً من قريش فذلّت

فقال له عبد الله بن حسن بن حسن: ويحك ألا قلت: أذلّ رقاب المسلمين فذلّت؟!(٣) .

فلو علمنا أنّ عبد الله بن الحسن لم يكن حاضراً في كربلاء في اليوم الثالث، فهذا يعني أنّه أنشدها مُتأخّراً، إلاّ أن يُقال: إنّه كرّر ما أنشده سابقاً بعد ذلك، واعترض عليه عبد الله بن الحسن المثنّى!

فالمتحصّل من جميع ذلك؛ أنّه لا نتمكّن أن نُعرِّف سليمان بكونه أوّل مَن زار قبر الحسينعليه‌السلام .

نعم، ربّما نتمكّن من أن نقول: هو أوّل مَن رثاه - من الشعراء - بعد مقتلهعليه‌السلام ، وقد كسب بذلك لنفسه شرفاً لا يُنكر، خاصّة مع لحاظ ذلك الزمن المخوف، وغلبة الجور والظلم على الناس؛ ولأجله نرى أهمّيّة ما نقله أبو الفرج

____________________

(١ و٢) ميزان الحكمة ١٠/ ٢٧٧، ح٢٠٦٦١ وح٢٠٦٦٢.

(٣) الطبقات: ٩٢ ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله من القسم غير المطبوع )؛ تذكرة الخواص: ٢٧٢.

٢٧٩

الإصبهاني - بعد ذكره الأبيات - بقوله: وقد رثى الحسين بن عليّ - صلوات الله عليه - جماعة من متأخّري الشعراء. وأمّا مَن تقدّم فما وقع إلينا شيء رُثي به، وكانت الشعراء لا تُقدِم على ذلك مخافة بني أُميّة وخشية منهم )(١) .

فحينئذٍ؛ لا ينطبق هذا العنوان إلاّ في رجل شريف ذي معرفة كاملة، وهو ذلك الصحابي الجليل والعارف النبيل، جابر بن عبد الله الأنصاري - رضوان الله عليه - الذي رحل من المدينة المنوّرة إلى كربلاء؛ لأجل زيارة سيّد الشهداءعليه‌السلام ، فقد صرّح كثير من العلماء في كونه هو أوّل مَن اكتسب شرف عنوان زائر قبر الحسينعليه‌السلام ، وكفاه شرفاً وكرامة وذخراً.

قال الشيخ المفيد: ( وفي اليوم العشرين منه (صفر).. هو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حزام الأنصاري صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورضي الله تعالى عنه من المدينة إلى كربلاء، لزيارة قبر سيّدنا أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فكان أوّل مَن زاره من الناس )(٢) .

وبه قال الشيخ الطوسي(٣) ، والعلاّمة الحلّي(٤) ، والشيخ رضيّ الدِّين علي بن يوسف بن المطهّر الحلّي(٥) ، والكفعمي(٦) ، والمجلسي(٧) ، والمحدّث النوري(٨) وغيرهم.

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ١٢١.

(٢) مسار الشيعة: ٤٦.

(٣) مصباح المتهجّد: ٧٣٠.

(٤) منهاج الصلاح على ما في لؤلؤ ومرجان: ١٤٧.

(٥) العدد القويّة: ٢١٩ رقم ١١؛ عنه بحار الأنوار ٩٨/ ١٩٥.

(٦) مصباح الكفعمي: ٤٨٩.

(٧) بحار الأنوار ١٠١/ ٣٣٤.

(٨) مستدرك الوسائل ٣/ ٥٨٠.

٢٨٠

و في ( عيون ابن قتيبة ) قالت عائشة : خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا فقال : لقد رأيت خالا بخدّها أقشعر كلّ شعرة منك على حدها فقالت : ما دونك ستر(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام و يقول : غارت امّكم(٢) .

قلت : و المرسلة للطعام في قصعة كانت صفية بن حيّ بن أخطب و الكاسرة لها عائشة كما صرّح به في خبر رواه بعد و في ذاك الخبر : أخذ عائشة أفكل فكسرت الإناء .

و في ( اسد الغابة ) في عنوان خديجة ، قالت عائشة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزا فقد أبدلك اللَّه خيرا منها فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : لا و اللَّه ما أبدلني اللَّه خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدّقتني إذ كذّبني الناس ، و واستني في مالها إذ حرمني الناس ، و رزقني اللَّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء(٣) .

قلت : و مغزى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أباها كان كافرا فيمن كفر و مكذّبا فيمن كذب حين اسلام خديجة ، كما أنّها هي من نسائه اللاتي حرم الولد منهن ، فكيف يدّعون لأبيها تقدم اسلامه .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ كذا أخبار النساء لابن قيم الجوزية : ٩ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٧ ح ٣٥٦٧ .

( ٣ ) اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٤٣٨ .

٢٨١

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى :( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) (١) كان سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد تهيّأت و تزيّنت ، فقالت : يا رسول اللَّه هل لك فيّ حاجة فقد وهبت نفسي لك فقالت لها عائشة : قبّحك اللَّه ما أنهمك للرجال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فإنّها رغبت في رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ زهدتنّ فيه ثم قال : رحمك اللَّه و رحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم ، إرجعي رحمك اللَّه فإنّي أنتظر أمر اللَّه فأنزل اللَّه تعالى( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) (٢) فلا تحلّ الهبة إلاّ لرسول اللَّه(٣) .

ثم من المضحك أنّ النووي في شرحه على صحيح مسلم قال بعد ذكر رواية مسلم عن عائشة قالت : قال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية و إذا كنت عليّ غضبى قلت : و من أين تعرف ذلك ؟ قال : أمّا إذ كنت عني راضية تقولين : « لا و ربّ محمّد » و إذ كنت غضبى تقولين : « لا و ربّ إبراهيم » .

قلت : أجل و اللَّه لا أهجر إلاّ اسمك .

مغاضبة عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ممّا سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها ، حتى قال مالك و غيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة ، قال و احتج بما روي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله و لو لا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه ، لأن الغضب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هجره كبيرة عظيمة(٤) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ .

( ٤ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٢٠٣ .

٢٨٢

فإنّ إخواننا إنّما عرفوا الحق بالأشخاص ، فاعتقدوا بحسب مذهبهم المتناقض أنّ عائشة صدّيقة ابنة صدّيق .

فاشتروا بذلك قول اللَّه جل و علا :( يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا ) (١) و قوله تعالى فيها و في صاحبتها :( و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ) (٢) .

و قوله عزّ اسمه تعريضا بهما كما صرّح به ( الزمخشري )(٣) و رواه ( صحيح مسلم )(٤) :( ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النّار مع الدّاخلين ) (٥) بثمن قليل ، فكان ضعف العذاب عليها لإتيانها بتلك الفواحش المبيّنة عليهم عسيرا ، و تظاهرها هي و صاحبتها على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيا منسيا ، و أنّها مع خيانتها تلك الخيانات التي أثبتها التاريخ في الجمل و غير الجمل كان كونها تحت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغني عنها شيئا .

كما أغمضوا عمّا شاهدوا من أبيها و صاحبه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتخلّف عن جيش اسامة الذي لعن المتخلف عنه و منعه من الوصية و نسبة الهجر إليه ، مع قوله تعالى :( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٦) و مع أهل بيته بإحراقهم لو لم يبايعوا مع قوله تعالى فيهم( إنّما يريد اللَّه ليذهب

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٢ ) التحريم : ٤ .

( ٣ ) الكاشف للزمخشري ٤ : ٥٧١ .

( ٤ ) صحيح مسلم ١٥ : ٢٠٣ .

( ٥ ) التحريم : ١٠ .

( ٦ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٨٣

 عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) (١) .

و لمّا قال بعضهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني أعتزلك لاعتزال سعد و ابن عمر لك قالعليه‌السلام له : إنّك تعرف الحقّ بالرجال و الواجب أن تعرف الرجال بالحقّ(٢) .

و كيف تكون غيرتهن عفوا و قد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام « غيرتهن كفر » و قال الباقرعليه‌السلام : غيرة النساء الحسد ، و الحسد أصل الكفر ، إنّ النساء إذا غرن غضبن ، و إذا غضبن كفرن إلاّ المسلمات منهنّ(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى لم يجعل الغيرة للنساء ، و إنّما تغار المنكرات منهن ، فأمّا المؤمنات فلا ، إنّما جعل اللَّه الغيرة للرجال(٤) .

فأمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الغيراء لا تدري أعلى الوادي من أسفله » فبيان حالهن لا دليل جواز عملهن .

و ورد من طريقنا(٥) أيضا هكذا : بينا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا إذ جاءت امرأة عريانة حتى قامت بين يديه فقالت : إنّي قد فجرت فطهّرني ، و جاء رجل يعدو في أثرها و ألقى عليها ثوبا ، فقال : ما هي منك ؟ قال : صاحبتي خلوت بجاريتي فصنعت ما ترى فقال : ضمّها إليك ثم قال : ان الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله(٦) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) ذكره المفيد في أماليه : ٣ بلفظ : « فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فأعرف الحق تعرف أهله .

( ٣ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ، و ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٤ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٢ .

( ٥ ) من حديث مطول أسنده الطبرسي إلى جابر . لم يأت المؤلف على ذكره بالتفصيل انظر مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٣ ، و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ : ٣٢٥ .

٢٨٤

و كيف يعفى عنهنّ مع ترتب مفاسد كثيرة على غيرتهن ، فقد روى الكافي أنّ عمر اتي بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت و كان من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوّفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها فأخذت عذرتها بأصبعها ، فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة و أقامت البيّنة من جاراتها اللاّتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب و إذهب بنا إليه .

فأتوهعليه‌السلام و قصوا عليه القصة ، فقالعليه‌السلام لامرأة الرجل : ألك بيّنة أو برهان ؟

قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول ، و أحضرتهن فأخرج عليعليه‌السلام سيفه من غمده فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه ثم قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحق و أعطيتها الأمان و إن لم تصدقيني لأمكّننّ السيف منك فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت : الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي ، فقالت لا و اللَّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها فقال عليعليه‌السلام : اللَّه أكبر أنا أوّل من فرق بين الشهود إلاّ دانيال النبيعليه‌السلام ، و الزمهن حدّ القاذف و الزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها ، و زوّجهعليه‌السلام الجارية و ساق المهر عنه .(١) .

و روى أيضا أنّه كان على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان متؤاخيان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٤٢٥ ح ٩ .

٢٨٥

في اللَّه عز و جل ، فمات أحدهما و أوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ، فحفظها الرجل و أنزلها منزلة ولده في اللطف و الإكرام ، ثم حضره سفر فخرج و أوصى امرأته في الصبية ، فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبيّة و كان لها جمال و كان الرجل يكتب في حفظها و التعاهد لها ، فلما رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها ، فعمدت إليها هي و نسوة معها قد كانت أعدّتهن ، فأمسكنّها لها ثم افترعتها بأصبعها ، فلما قدم الرجل من سفره دعا الجارية ، فأبت أن تجيبه استحياء ممّا صارت إليه ، فألحّ عليها في الدعاء ، كلّ ذلك و هي تأبى أن تجيبه ، فلما أكثر عليها قالت له امرأته : دعها فانّها تستحي أن تأتيك من ذنب أتته ، و رمتها بالفجور ، فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبّخها و قال لها : ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف ، و اللَّه ما كنت أعدّك إلاّ كبعض ولدي أو إخوتي و إن كنت لابنتي ، فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقالت له الجارية : أمّا إذ قيل لك ما قيل فو اللَّه ما فعلت الذي رمتني به امرأتك و لقد كذبت عليّ ، فإنّ القصة لكذا و كذا و وصفت له ما صنعت امرأته بها فأخذ الرجل بيد امرأته و يد الجارية فمضى بهما حتى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام و أخبره بالقصة كلّها و أقرّت المرأة بذلك ، و كان الحسنعليه‌السلام بين يدي أبيه فقال له : إقض فيها فقال الحسنعليه‌السلام :

نعم على المرأة الحد لقذفها الجارية و عليها القيامة لافتراعها فقالعليه‌السلام له :

صدقت(١) .

و في ( مناقب السروي ) عن تميم بن خزام الأسدي قال : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت لزوجها : قد بات عندها رجل ، ففتّش ثيابها فأصاب ذلك البيض ، فقص ذلك على عمر فهمّ أن يعاقبها فقال أمير

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٢٠٧ ح ١٢ .

٢٨٦

المؤمنينعليه‌السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلما اتي به أمرهم فصبّوا على الموضع فاشتوى ذلك الموضع ، فرمى به إليها و قال :( إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ) (١) و قالعليه‌السلام لزوجها : أمسك عليك زوجك فإنّها حيلة تلك التي قذفتها ، فضربها الحدّ(٢) .

و في ( معجم أدباء الحموي ) نقلا عن كتاب شعراء ابن المعتزّ : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيّار ، و كان الليث من أكتب أهل زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر و الغريب و النحو ، و كان كاتبا للبرامكة و كانوا معجبين به ، فارتحل إليه الخليل و عاشره فوجده بحرا فأغناه ، و أحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه ، فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنّفه له و خصّه به دون الناس و حبّره و أهداه إليه ، فوقع منه موقعا عظيما و سرّ به و عوّضه عنه مائة ألف درهم و اعتذر إليه ، و أقبل الليث ينظر فيه ليلا و نهارا لا يملّ النظر فيه حتى حفظ نصفه و كانت ابنة عمّه تحته فاشترى عليها جارية نفيسة بمال جليل ، فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة ، فقالت و اللَّه لأغيظنّه و لا ابقي غاية فقالت : إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي و لكني أراه مكبّا ليله و نهاره على هذا الدفتر و اللَّه لأفجعنه به ، فأخذت الكتاب و أضرمت نارا و ألقته فيها ، و أقبل الليث إلى منزله و دخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب ، فصاح بخدمه و سألهم عن الكتاب فقالوا : أخذته الحرة ، فبادر إليها و قد علم من أين اتي ، فلما دخل عليها ضحك في وجهها و قال لها : ردّي الكتاب فقد وهبت لك الجارية و حرّمتها على نفسي ، و كانت غضبى فأخذت بيده و أرته رماده ، فسقط في يد الليث فكتب نصفه من حفظه و جمع على الباقي أدباء زمانه و قال

____________________

( ١ ) يوسف : ٢٨ .

( ٢ ) المناقب للسروي ٢ : ٣٦٧ .

٢٨٧

لهم : مثلوا عليه و اجتهدوا ، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس ، فهو ليس من تصنيف الخليل و لا يشقّ غباره(١) .

هذا ، و في السير : ضرب البعث على كوفي إلى آذربيجان ، فاقتاد جارية و فرسا و كان مملكا بابنة عمه ، فكتب إليها ليغيرها :

ألا بلغوا ام البنين بأننا

غنينا و أغنتنا الغطارفة المرد

بعيد مناط المنكبين إذا جرى

و بيضاء كالتمثال زيّنها العقد

فهذا لأيّام العدو و هذه

لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فكبت إليه امرأته :

ألا فاقره منّي السّلام و قل له

غنينا و أغنتنا غطارفة المرد

إذا شئت أغناني غلام مرجّل

و نازعته في ماء معتصر الورد

و ان شاء منهم ناشى‏ء مدّ كفّه

إلى عكن ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم

شهودا قضيناها على النأي و البعد

فعجّل علينا بالسراح فإنّه

منانا و لا ندعو لك اللَّه بالرد

فلا قفل الجند الذي أنت فيهم

و زادك رب الناس بعدا على بعد

فلما ورد عليه الكتاب لم يزد ان ركب فرسه و أردف الجارية و لحق بها ، فكان أوّل شي‏ء قال لها : تاللَّه هل كنت فاعلة قالت : أنت أحقر من أن أعصي اللَّه فيك ، كيف ذقت طعم الغيرة ، فوهب لها الجارية و انصرف إلى بعثه(٢) .

و في المناقب عن غريب حديث أبي عبيد : جاءت امرأة إلى عليعليه‌السلام و قالت : ان زوجها يأتي جاريتها فقالعليه‌السلام : ان كنت صادقة رجمناه و ان كنت كاذبة جلدناك فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نقزة قال أبو عبيد : تعني ان

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٧ : ٤٥ ، عقلا عن طبقات الشعراء لعبد اللَّه بن المعتز : ٩٧ .

( ٢ ) الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ٢ : ٤٨٧ ٤٨٨ .

٢٨٨

جوفها يغلي من الغيظ و الغيرة(١) .

و في ( المروج ) : ذكر مصعب الزبيري أنّ امّ سلمة بنت يعقوب المخزومي كانت بعد هشام بن عبد الملك عند السفاح ، و كان حلف لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها ، حتى أفضت الخلافة إليه فوفى لها بما حلف لها ، فلما كان ذات يوم خلا به خالد ابن صفوان فقال له : إني فكّرت في أمرك و سعة ملكك ، و قد ملكت نفسك امرأة واحدة ، فإن مرضت مرضت و ان غابت غبت و حرمت نفسك التلذّذ باستطراف الجواري و معرفة أخبار حالاتهن و التمتّع بما تشتهي منهنّ ، فإنّ منهن الطويلة الغيداء و منهن الفضة البيضاء ، و منهن العتيقة الأدماء و الدقيقة السمراء و البربرية العجزاء ، من مولدات المدينة تفتن بمحادثتها و تلذّ بخلوتها ، و أين أنت من بنات الأحرار و النظر إلى ما عندهن و حسن الحديث منهن ، و لو رأيت الطويلة البيضاء و السمراء اللعساء و الصفراء العجزاء و المولّدات من البصريات و الكوفيات ، ذوات الألسن العذبة و القدود المهفهفة و الأوساط المخصّرة و الأصداغ المزرفنة ، و العيون المكحلة و الثدي المحقة ، و حسن زيّهن و زينتهن و شكلهن ، لرأيت شيئا حسنا و جعل يجيد في الوصف و يجدّ في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة صفته .

فلما فرغ قال له السفاح : و يحك يا خالد ما صكّ مسامعي و اللَّه قطّ كلام أحسن من كلامك ، فأعده علي فقد وقع منّي موقعا ، فأعاد عليه خالد أحسن ممّا ابتدأ ، ثم انصرف و بقي السفاح مفكّرا فيما سمع من خالد ، فدخلت عليه ام سلمة فلما رأته متفكّرا قالت : إنّي لأنكرك ، هل حدث أمر أو أتاك خبر ؟ قال : لم يكن من ذلك شي‏ء قالت : فما قصّتك ؟ فجعل يزوي عنها فلم تزل به حتى

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨١ .

٢٨٩

أخبرها بمقالة خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة قال : سبحان اللَّه ينصحني و تشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة و أرسلت إلى خالد من البخارية و معهم من الكافر كوبات ، و أمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا .

قال خالد : فانصرفت إلى منزلي و أنا على السرور بما رأيت من السفاح و إعجابه بما ألقيته إليه ، و لم أشكّ أنّ صلته تأتيني ، فلم ألبث حتى صار إليّ اولئك البخارية و أنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم أيقنت بالجائزة واصلة ، حتى وقفوا عليّ فسألوا عني فقلت : ها أنا ذا خالد ، فسبق اليّ أحدهم بهراوة كانت معه ، فلما أهوى بها اليّ و ثبت الى منزلي و أغلقت الباب و استترت ، و مكثت أيّاما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ، و وقع في خلدي أنّي أوتيت من قبل امّ سلمة ، و طلبني السفاح طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلاّ بقوم هجموا عليّ و قالوا : أجب الخليفة فأيقنت بالموت ، فركبت و ليس عليّ لحم و لا دم ، فلما وصلت إلى الدار أومى اليّ بالجلوس و نظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد ارخيت و حركة خلفها ، فقال السفاح : لم أرك يا خالد منذ ثلاث .

قلت : كنت عليلا قال : ويحك إنّك وصفت لي في آخر دخلة من أمر الناس و الجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه فأعده علي قلت : نعم .

أعلمتك أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضر ، و ان أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلاّ كان في جهد فقال : ويحك لم يكن هذا في الحديث .

قلت : بلى ، و أخبرتك أنّ الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن قال : برئت من قرابتي من النبي إن كنت سمعت هذا منك في حديثك قلت : و أخبرتك أنّ الأربعة من النساء شرّ صيح بصاحبه يشنه و يهرمنه و يسقمنه قال : ويلك ما سمعت هذا منك و لا من غيرك قبل هذا قال خالد : بلى قال : ويلك تكذّبني .

قلت : و تريد أن تقتلني قال : مر في حديثك قلت : و أخبرتك ان أبكار الجواري

٢٩٠

رجال و لكن لا خصي لهن .

قال خالد : و سمعت الضحك من وراء الستر قلت : و نعم و أخبرتك أيضا ان بني مخزوم ريحانة قريش و أنت عندك ريحانة من الرياحين و أنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء و غيرهن من الاماء .

قال خالد : فقيل لي من وراء الستر صدقت يا عمّاه و برّرت بهذا حديث الخليفة و لكنه بدل و غيّر و نطق عن لسانك بغيره فقال لي السفاح : قاتلك اللَّه و أخزاك و فعل بك و فعل ، فتركته و خرجت و قد أيقنت بالحياة قال : فما شعرت إلاّ برسل ام سلمة قد صاروا إليّ و معهم عشرة آلاف درهم و تخت و برذون و غلام(١) .

و غيرة الرجل التي هي إيمان ، غيرته على ميل امرأته إلى رجل أجنبي ، و أمّا ميلها إلى زوج لها قبل بمعنى مدحها له بصفات ليست في الأخير فيغيّر زوجها فليس بايمان بل من الكفر ، ففي السير كانت مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية زوجة له كانت قبل تحت المثنى بن حارثة ، فلما لم تر من سعد إقداما مثل المثنى قالت : و امثنياه و لا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد فقالت المرأة : أ غيرة و جبنا فذهبت مثلا(٢) .

٢ الحكمة ( ٢٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا « المرأة شرّ كلّها » قالوا : كتب بعض الحكماء على باب داره « لا يدخل داري

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٢٩١

شرّ » فقال بعض آخر منهم : من أين تدخل امرأتك(١) ؟

و قالوا : تزوّج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال : اخترت من الشرّ أقلّه(٢) .

و قالوا : رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا ، و الشر بالشر يهلك(٣) .

و في ( الملل ) : رأى ديو جانس امرأة تحملها الماء فقال : على هذا المعنى جرى المثل « دع الشر يغسله الشر »(٤) .

و رأى نساء يتشاورن فقال : على هذا جرى المثل : « هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سمّا » .

و رأى امرأة متزينة في ملعب فقال : هذه لم تخرج لترى و لكن لترى و قالوا : رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شر من المحمول و قالوا : رأى حكيم جارية تتعلّم الكتابة ، فقال : يسقى هذا السهم سمّا ليرمي به يوما ما(٥) .

و قالوا : و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ، فقال : ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٦) .

و قال بعضهم :

ان النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللَّه من شرّ الشياطين(٧)

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ .

( ٧ ) نسبوا هذا البيت إلى عمر بن الخطاب ، قاله عند ما سمع امرأة تقول : ان النساء رياحين خلقن لكم و كلكم يشتهي

٢٩٢

و قال بعضهم في قولهم « بعد الّتي و اللّتيّا » : إن رجلا تزوج امرأة قصيرة و امرأة طويلة ، فلقي منهما شدّة ، فطلّقهما و قال : بعد اللتيا يعني القصيرة و الّتي أي الطويلة لا أتزوج أبدا(١) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان جران العود و الرحال خدنين ، فتزوج كلّ واحد منهما امرأتين ، فلقيا منهما مكروها فقال الأول :

ألا لا تغرنّ امرأ نوفلية

على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

و لا فاحم يسقي الدهان كأنّه

أساود يزهاها لعينك أبطح

و أذناب خيل علقت في عقيصة

ترى قرطها من تحتها يتطوّح

جرت يوم جئنا بالركاب نزفّها

عقاب و تشحاج من الطير متيح

فأمّا العقاب فهي منّا عقوبة

و أمّا الغراب فالغريب المطوّح

هي الغول و السعلاة حلقي منهما

مكدّح ما بين التراقي مجرّح

خذا نصف مالي و اتركا لي نصفه

و بينا بذم فالتعزّب أروح

و سمّي جران العود بقوله لامرأتيه :

خذا حذرا يا جارتيّ فإنّني

رأيت جران العود قد كان يصلح

فخوفهما بسير قدّ من صدر جمل مسن ، قال و يتمثل من شعره بقوله :

و لا تأمنوا مكر النساء و أمسكوا

عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنّك لم ينذرك أمر تخافه

إذا كنت منه خائفا مثل خابر(٢)

و في القاموس هو عامر بن الحرث و قول الصحاح اسمه المستورد غلط .

شم الرياحين ، راجع أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٥٦ .

____________________

( ١ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ١٢٥ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٧٥ ٢٧٧ .

٢٩٣

و قال الثاني :

فلا بارك الرحمن في عود أهلها

عشية زفّوها و لا فيك من بكر

و لا الزعفران حين مسّحنها به

و لا الحلي منها حين نيط من النحر

و لا فرش طوهرن من كلّ جانب

كأنّي أطوي فوقهن من الجمر

فيا ليت أنّ الذئب خلّل درعها

و إن كان ذا ناب حديد و ذا ظفر

و جاءوا بها قبل المحاق بليلة

و كان محاقا كلّه آخر الشهر

لقد أصبح الرحّال عنهن صادفا

إلى يوم يلقى اللَّه في آخر العمر(١)

و في ( الاستيعاب ) : كانت عند الأعشى المازني امرأة يقال لها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، فهربت امرأته بعده ناشزة عليه ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ، فجعلها خلف ظهره ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته و اخبر أنّها نشزت و عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : يا ابن عم عندك امرأتي فادفعها اليّ فقال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك و كان مطرف أعزّ منه ، فخرج حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنشأ يقول :

يا سسّد الناس و ديّان العرب

أشكو إليك ذربة من الذرب(٢)

خرجت أبغيها الطعام في رجب

فخلفتني بنزاع و هرب

اخلفت العهد و ألظت بالذنب

و هنّ شر غالب لمن غلب(٣)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « و هنّ شر غالب لمن غلب » و كتب إلى مطرف : إدفع إليه امرأته ، فلما قرأ الكتاب قال لمعاذة : هذا كتاب النبي فيك و أنا دافعك إليه فقالت :

خذ لي العهد أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأنشأ يقول :

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٧٠ .

( ٢ ) الذرب : حدّة اللسان .

( ٣ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٥١٢ .

٢٩٤

لعمرك ما حبّي معاذة بالذي

يغيّره الواشي و لا قدم العهد

و لا سوء ما جاءت به إذ أزلّها

غواة رجال إذ ينادونها بعدي(١)

و في ( الملل ) : قيل للاسكندر : إنّ روشنك امرأتك بنت دارا الملك و هي من أجمل النساء فلو قربتها إلى نفسك قال : أكره أن يقال : غلب الاسكندر دارا ، و غلبت روشنك الاسكندر(٢) .

و قالوا : كان أحمد بن يوسف كاتب المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز الملك : « عشت الدهر ، و نلت المنى ، و حبيت طاعة النساء »(٣) .

و في ( الكافي ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إتّقوا من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر ، و إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن في المنكر(٤) .

و عنهعليه‌السلام : في خلاف النساء البركة(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر الحكاية ( ابن الأثير ) في اسد الغابة ١ : ١٢٣ ، و لم يذكر ( ابن عبد البر ) في الإستيعاب ١ : ١٤٤ ( المصدر الّذي اعتمده المؤلف ) إلاّ جزءا من الحكاية ، فقد ذكر أبيات الأعشى المازني إمام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قول النبي له فقط ، مع تغيير عمّا ذكره المؤلف و الأبيات هي:

يا مالك الناس و ديان العرب

إنّي لقيتف دربة من الذّرب

ذهبت ابضيها الطعام في رجب

فخالفتني بنزاع و هرب

أخلفت العهد و الطّت بالذنب

و هن شر غالب لمن غلب

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٤٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٧ ح ٥ .

( ٥ ) لفظ الحديث كما رود في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٢ ، و جامع أحاديث الشيعة ١٦ : ٨٦ ، عن هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين عن علي بن اسباط عن أبي فضال عن الصادق عن ايائه عن رسول اللَّه أنه قال : شاوروا النساء و خالفوهن فأن خلافهن بركة و قد أورد جمع من المتأخرين هذا الحديث و نسبوه إلى الإمام عليّعليه‌السلام أو إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله بينما لم يرد في المصادر من نسب هذا القول إلى الإمام عليّعليه‌السلام أمّا نسبته إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فقد عجّت و صادر الحديث بذكره في الموضوعات ، من هذه الكتب : ١ السخاوي في المقاصد

٢٩٥

و كل أمر تدبرته امرأة فهو ملعون(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ النساء لا يشاورن في النجوى و لا يطعن في ذوي القربى ، إنّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرهما ، يعقم رحمها و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها ، و إن الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما يؤوب عقله و يستحكم رأيه و يحسن خلقه(٢) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(٣) .

و قال طفيل الغنوي :

إنّ النّساء متى ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول(٤)

و قالوا : قيل لسقراط أيّ السباع أجسر ؟ قال : المرأة(٥) .

قالوا : و مرّت به امرأة فقالت له : ما أقبحك فقال لها : لو لا أنّك من المرايا الحسنة ، و قال عنه : لم أره مرفوعا ، و لكن عن العسكري من احديث حفص بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر قال : قال عمر : خالفوا النساء فإنّ خلافهن لبركة ( راجع المقاصد الحسنة : ٢٤٨ ح ٥٨٥ ) ٢ أورده المنقي الهندي في كنز العمّال عن ( عمر ) أنه قال : خالفوا النساء فإن خلافهن بركة ( كنز العمّال ٣ : ٤٥١ ) ٣ الزبيري في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ٥ : ٣٥٦ ، يقول عنه هكذا اشتهر على الألسنه و ليس بحديث .

٤ ابن عراق الشافعي في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشيعة الموضوعة ٢ : ٢١٠ ، نسبه إلى عمر بن الخطاب ٥ ( ملا علي القالي في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بالموضوعات الكبرى : ٢٢٢ ) ذكر قائلا : حديث شاورهن و خالفوهن لم يثبت بهذا المعنى و إن كان له وجه من حيث المعنى .

____________________

( ١ ) في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٨ « كل امرى‏ء تدبره امرأة فهو ملعون » .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢١ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في مكانين ٩١ : ٢٥٥ و ١٠٣ : ٢٢٨ إلاّ ان أرباب السير ذكروا ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استشار ( امّ سلمة ) في صاح الحديبيه ، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٢٦٥ ٢٦٦ : فلمّا لم يقم منهم ( الأصحاب ) أحد دخل على امّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت امّ سلمة : يا نبي اللَّه ، اتحب ذلك ؟ أخرج و لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بذلك و تدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، و دعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم بحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٩٦

الصديّة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك(١) .

هذا ، و عن ( ملح النوادر ) كان ذئب ينتاب بعض القرى و يعبث فيها ، فترصّدوه حتى أخذوه ، ثم تشاوروا فيه فقال بعضهم : تقطع يداه و رجلاه و تدقّ أسنانه و يخلع لسانه ، و قال آخر بل يصلب و يرمى بالنبال ، و قال آخر :

توقد نار عظيمة و يلقى فيها ، و قال بعض الممتحنين بالنساء : بل يزوّج و كفى بالتزويج تعذيبا و في هذه القصة قال الشاعر :

رب ذئب أخذوه

و تماروا في عقاب

ثم قالوا زوّجوه

و ذروه في عذاب(٢)

« و شر ما فيها أنّه لا بدّ منها » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان إبراهيمعليه‌السلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ ، إن أقمته كسرته و إن تركته استمتعت فاصبر عليها(٣) و نظم مضمونه من قال :

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها(٤)

و في ( البيان ) : سمع أعرابي يقول « اللّهم اغفر لامّ أوفى » قيل له : من امّ أوفى ؟ قال : إمرأتي ، إنّها لحمقاء مرغامة(٥) أكول قامّة(٦) لا تبقي خامّة(٧) ، غير

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٠ .

( ٢ ) لم نعثر على الكتاب لا في المطبوعات و لا في المخطوطات ، و يبدو ان المؤلف لم ير الكتاب حيث ذكر ( و عن ) ، و قد ذكر حاجي خليفة الكتاب في كشف الظنون ٢ : ١٨١٧ ، و نسبه إلى الشيخ أبي عبد اللَّه الكاتب .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٣ ح ٢ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٩ .

( ٥ ) المرغامة : المبغضة ليعلها .

( ٦ ) قمّ : أكولة .

( ٧ ) الخامّ : ما تغيّر ريحه من لحم أو لبن .

٢٩٧

أنّها حسناء فلا تفرك و امّ غلمان فلا تترك(١) .

و نظير المرأة في مطلوبيتها مع شدائدها لعدم بدّ منها ، الشيب فرارا من الموت قال الشاعر :

الشيب كره و كره أن يفارقني

فأعجب لشي‏ء على البغضاء مودود(٢)

٣ الحكمة ( ٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اَللَّبْسِةِ « المرأة عقرب » في ( اللّسان ) العقرب يكون للذّكر و الانثى ، و الغالب عليه التأنيث ، و يقال للانثى : عقربة و عقرباء ، و العقربان : الذكر منها ، قال إياس بن الأرتّ :

كأنّ مرعى امكم إذ غدت

عقربة يكومها عقربان(٣)

و عقرب بن أبي عقرب كان من تجّار المدينة مشهورا بالمطل ، قال الزبير ابن بكار : عامله الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب فلزم الفضل بيته زمانا فلم يعطه شيئا ، فقال الفضل :

قد تجرت في سوقنا عقرب

لا مرحبا بالعقرب التاجره

كلّ عدو يتّقى مقبلا

و عقرب تخشى من الدابره

إن عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضره

____________________

( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٢ : ٩٥ .

( ٢ ) هو مسلم بن الوليد ذكره النويري ، في نهاية الارب ٢ : ٣٧ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٩ : ٣١٨ .

٢٩٨

كلّ عدوّ كيده في استه

فغير مخشي و لا ضائره(١)

« حلوة اللبسة » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب : ( اللسبة ) كما نقله ( ابن أبي الحديد(٣) و اللسبة من لسب بالفتح ، قال ابن السكيت يقال لسبته العقرب إذا لسعته ، و اما لسب بالكسر فبمعنى لعق ، يقال لسبت العسل أي لعقته(٤) .

و لكون المرأة عقربا حلوة اللسبة قال كثيّر في صاحبته عزّة :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت(٥)

و عن مجنون في صاحبته ليلى :

حلال لليلى شتمنا و انتقاصنا

هنيئا و مغفور لليلى ذنوبها(٦)

و في ( الأغاني ) : قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال :

هل من رجل عالم يخبرني عنها قالوا : عمر بن أبي ربيعة قال : لا حاجة لي به ، ثم عاد فسأل فذكروه فقال : هاتوه فأتى و ركب معه ، فجعل يحدّثه ثم حوّل رداءه ليصلحه على نفسه ، فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال : ما هذا ؟ قال : كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية اخرى و جعلت تسارّني بها ، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي ، فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في اذني حتى بلغت ما ترى و الوليد يضحك(٧) .

____________________

( ١ ) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٦١ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية : ٦٧١ رقم ٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ رقم ٥٩ .

( ٤ ) ترتيب اصلاح المنطق لابن السكّيت : ٣٣٤ .

( ٥ ) ديوان كثير عزة : ٥٦ .

( ٦ ) ديوان مجنون ليلى : ٣٤ .

( ٧ ) الأغاني للأصفهاني ١ : ١١٢ .

٢٩٩

و قال حجر آكل المرار في هند امرأته :

حلوة العين و الحديث و مرّ

كل شي‏ء أجنّ منها الضمير(١)

و قال أبو العتاهية :

رأيت الهوى جمر الغضا غير أنّه

على جمره في صدر صاحبه حلو(٢)

و في ( الجمهرة ) ( زينب ) اشتقاقه من زنابة العقرب و هي ابرته التي تلذع بها ، فأما زبانيا العقرب فهما قرناها(٣) .

٤ الحكمة ( ٢٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا « خيار خصال النساء شرّ خصال الرجال » و ممّا قيل في اختلافهن مع الرجال في غير ما قالعليه‌السلام قول ابن شبرمة : ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحته ، و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم(٤) و لشاعر :

الخال يقبح بالفتى في خدّه

و الخال في خد الفتاة مليح

و الشيب يحسن بالفتى في رأسه

و الشيب في رأس الفتاة قبيح(٥)

الزهو : أي : الكبر و الفخر و كونه من شرار خصال الرجال واضح .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٦ : ٣٥٨ ، كذا ابن قيم الجوزية : ١٤٤ و نسب البيت إلى عمرو الملك .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ٤ : ٤١ و في نسخة التحقيق ورد العجز بلفظ « على كل حال عند صاحبه حلو » .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٣٦٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٠ .

( ٥ ) المصدر نفسة ٤ : ٢٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460