مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234378 / تحميل: 8791
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وأمّا ما صدر عن الخضر ـ لو سلّم عدم نبوّته ـ فليس من القطع بالأحكام ، بل في الموضوعات ، وهو خارج عن المقام ، فإنّ قتل مثل الغلام جائز في شريعة موسى ٧ لكنّ موسى لم يعلم أنّه من الأشخاص الّذين يجوز قتلهم ؛ ولذا ، بعد العلم ترك الإنكار.

مع إنّ كلام اليافعي خارج عن محلّ النزاع ؛ لأنّ الكلام في دعوى أنّ من شهد الحقيقة سقطت عنه الأحكام بحسب الشرع الأحمدي ، ويكون شرعا كالطفل في عدم التكليف له ، لا في إمكان أن يحصل لشخص يقين بأنّه غير مكلّف بأحكام المسلمين ، كنبيّ جاءه شرع جديد!

ولا ريب أنّ الأوّل ، بل الثاني ، مخالف لضرورة الدين ، وقائله كافر واجب القتل ، كما قال الغزّالي.

هذا ، وينقل عن الصوفية ضلال آخر ، وهو القول بالتناسخ(١) ، قاتلهم الله تعالى ، وعطّل ديارهم.

* * *

__________________

وقد ورد مضمون هذا الحديث ومعناه في مصادر الجمهور ، فانظر مثلا :

صحيح مسلم ٤ / ١٠٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣ ـ ٤ ح ١ ـ ٣ ، مسند أحمد ٢ / ٢٥٨ ، سنن الدارقطني ٢ / ٢٢٠ ذ ح ٢٦٧٩ ، السنن الكبرى ١ / ٣٨٨ وج ٤ / ٣٢٦ وج ٧ / ١٠٣ ، تفسير القرطبي ١٨ / ١٣ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٣٣٧ في تفسير آية (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[ سورة الحشر ٥٩ : ٧ ].

(١) انظر : دائرة معارف القرن العشرين ١٠ / ١٧٧ مادّة « نسخ ».

٢٢١
٢٢٢

في حقيقة الكلام

قال المصنّف ـ طيّب الله رمسه ـ(١) :

المبحث السابع

في أنّه تعالى متكلّم

وفيه مطالب :

[ المطلب ] الأوّل

في حقيقة الكلام

الكلام عند العقلاء : عبارة عن المؤلّف من الحروف المسموعة.

وأثبت الأشاعرة كلاما آخر نفسانيا ، مغايرا لهذه الحروف والأصوات ، ( وهذه الحروف والأصوات )(٢) دالّة عليه(٣) .

وهذا غير معقول ، فإنّ كلّ عاقل إنّما يفهم من الكلام ما قلناه

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٣) الأربعين في أصول الدين ـ للرازي ـ ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٥٠ ، شرح العقائد النفسية : ١٠٨ ، شرح المواقف ٨ / ٩٣ ـ ٩٤.

٢٢٣

فأمّا ما ذهبوا إليه ، فإنّه غير معقول لهم ولغيرهم ألبتّة ، فكيف يجوز إثباته لله تعالى؟!

وهل هذا إلّا جهل عظيم؟! لأنّ الضرورة قاضية بسبق التصوّر على التصديق.

وإذ قد تمهّدت هذه المقدّمة ، فنقول : لا شكّ في أنّه تعالى متكلّم ، على معنى أنّه أوجد حروفا وأصواتا مسموعة ، قائمة بالأجسام الجمادية ، كما كلّم الله موسى من الشجرة ، فأوجد فيها الحروف والأصوات.

والأشاعرة خالفوا عقولهم وعقول كافّة البشر ، فأثبتوا له تعالى كلاما لا يفهمونه هم ولا غيرهم.

وإثبات مثل هذا الشيء والمكابرة عليه ـ مع إنّه غير متصوّر ألبتّة ، فضلا عن أن يكون مدلولا عليه ـ معلوم البطلان ؛ ومع ذلك ، فإنّه صادر منّا أو فينا [ عندهم ] ، ولا نعقله نحن ولا من ادّعى ثبوته!

٢٢٤

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّه تعالى متكلّم ؛ والدليل عليه : إجماع الأنبياء : عليه ، فإنّه تواتر أنّهم كانوا يثبتون له الكلام ، ويقولون : إنّه تعالى أمر بكذا ، ونهى عن كذا ، وأخبر بكذا ؛ وكلّ ذلك من أقسام الكلام ، فثبت المدّعى(٢) .

ثمّ إنّ الكلام عندهم لفظ مشترك ، تارة يطلقونه على المؤلّف من الحروف المسموعة ، وتارة يطلقونه على المعنى القائم بالنفس ، الذي يعبّر عنه بالألفاظ ، ويقولون : هو الكلام حقيقة ، وهو قديم قائم بذاته [ تعالى ](٣) .

ولا بدّ من إثبات هذا الكلام ، فإنّ العرف لا يفهمون من الكلام إلّا المؤلّف من الحروف والأصوات

فنقول أوّلا : ليرجع الشخص إلى نفسه ، أنّه إذا أراد التكلّم بالكلام ، فهل يفهم من ذاته أنّه يزوّر(٤) ويرتّب معاني ، فيعزم على التكلّم بها؟ كما أنّ من أراد الدخول على السلطان أو العالم ، فإنّه يرتّب في نفسه معاني وأشياء ، ويقول في نفسه : سأتكلّم بهذا.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٦.

(٢) شرح المواقف ٨ / ٩١.

(٣) الأربعين في أصول الدين ـ للرازي ـ ١ / ٢٤٨ و ٢٤٩ ، شرح العقائد النسفية : ١٠٨ ، شرح المواقف ٨ / ٩٣.

(٤) تزوير الكلام : إصلاح الكلام أو تهيئته وتقديره ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ١١٢ ـ ١١٣ مادّة « زور ».

٢٢٥

فالمنصف يجد من نفسه هذا ألبتّة ؛ فهذا هو الكلام النفسي.

ثمّ نقول ـ على طريقة الدليل ـ : إنّ الألفاظ التي نتكلّم بها ، لها مدلولات قائمة بالنفس ، فنقول : هذه المدلولات هي الكلام النفسي.

فإن قال الخصم : تلك المدلولات هي عبارة عن العلم بتلك المعاني.

قلنا : هي غير العلم ؛ لأنّ من جملة الكلام الخبر ، وقد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه ، بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه ، فالخبر عن الشيء غير العلم به.

فإن قال : هو الإرادة.

قلنا : هو غير الإرادة ؛ لأنّ من جملة الكلام الأمر ، وقد يأمر الرجل بما لا يريده ، كالمختبر لعبده هل يطيعه أو لا ، فإنّ مقصوده مجرّد الاختبار دون الإتيان بالمأمور به ؛ وكالمعتذر من ضرب عبده بعصيانه ، فإنّه قد يأمره وهو يريد أن لا يفعل المأمور به ، ليظهر عذره عند من يلومه.

واعترض عليه : بأنّ الموجود في هاتين الصورتين صيغة الأمر لا حقيقته ؛ إذ لا طلب فيهما أصلا ، كما لا إرادة قطعا.

وأقول : لا نسلّم عدم الطلب فيهما ؛ لأنّ لفظ الأمر إذا وجد فقد وجد مدلوله عند المخاطب ، وهو الطلب.

ثمّ إنّ في الصورتين لا بدّ من تحقّق الطلب من الآمر ؛ لأنّ اعتذاره واختباره موقوفان على أمرين : الطلب منه ، مع عدم الفعل من المأمور ؛ وكلاهما لا بدّ [ من ] أن يكونا محقّقين ليحصل الاعتذار والاختبار.

قال صاحب « المواقف » هاهنا : « ولو قالت المعتزلة : إنّه ـ أي المعنى

٢٢٦

النفسي الذي يغاير العبارات في الخبر والأمر ـ هو إرادة فعل يصير سببا لاعتقاد المخاطب علم المتكلّم بما أخبر به ، أو يصير سببا لاعتقاده إرادته ـ أي إرادة المتكلّم ـ لما أمر به ، لم يكن بعيدا ؛ لأنّ إرادة فعل كذلك موجودة في الخبر والأمر ، ومغايرة لما يدلّ عليها من الأمور المتغيّرة والمختلفة ، وليس يتّجه عليه أنّ الرجل قد يخبر بما لا يعلم ، أو يأمر بما لا يريد ، وحينئذ لا يثبت معنى نفسي يدلّ عليه بالعبارات مغاير للإرادة كما تدّعيه الأشاعرة »(١) .

هذا كلام صاحب « المواقف ».

وأقول : من أخبر بما لا يعلمه ، قد يخبر ولا يخطر له إرادة شيء أصلا ، بل يصدر عنه الإخبار وهو يدلّ على مدلول ؛ هو الكلام النفسي ، من غير إرادة في ذلك الإخبار لشيء من الأشياء.

وأمّا في الأمر ، وإن كان هذه الإرادة موجودة ، ولكن ظاهر أنّه ليس عين الطلب ، الذي هو مدلول الأمر ، بل شيء يلزم ذلك الطلب.

فإذا تلك الإرادة مغايرة للمعنى النفسي ، الذي هو الطلب في هذا الأمر ، وهو المطلوب.

ولمّا ثبت أنّ ها هنا صفة هي غير الإرادة والعلم ، فنقول : هو الكلام النفساني ؛ فإذا هو متصوّر عند العقل ، ظاهر لمن راجع وجدانه غاية الظهور ، فمن ادّعى بطلانه وعدم كونه متصوّرا ، فهو مبطل.

وأمّا من ذهب إلى أنّ كلام الله تعالى هو أصوات وحروف يخلقها الله

__________________

(١) المواقف : ٢٩٤ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٩٥.

٢٢٧

تعالى في غيره ، كاللوح المحفوظ ، أو جبرئيل ، أو النبيّ ، وهو حادث(١)

فيتّجه عليه : إنّ كلّ عاقل يعلم أنّ المتكلّم من قامت به صفة التكلّم ، وخالق الكلام لا يقال : إنّه متكلّم ، كما إنّ خالق الذوق لا يقال : إنّه ذائق.

وهذا ظاهر البطلان عند من يعرف اللغة والصرف ، فضلا عن أهل التحقيق.

نعم ، الأصوات والحروف دالّة على كلام الله تعالى ، ويطلق عليها « الكلام » أيضا ، ولكنّ « الكلام » في الحقيقة : هو ذلك المعنى النفسي كما أثبتناه.

__________________

(١) انظر : شرح الأصول الخمسة : ٥٢٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ، وانظر : المواقف : ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، شرح المواقف ٨ / ٩٢ ـ ٩٣.

٢٢٨

وأقول :

لا يخفى أنّه إذا صدر من المتكلّم خبر فليس هناك إلّا خمسة أمور :

الأوّل : اللفظ الصادر عنه.

الثاني : معاني مفردات اللفظ ، ومعنى هيئته.

الثالث : تصوّر الألفاظ والمعاني.

الرابع : مطابقة النسبة للواقع ، وعدمها.

الخامس : التصديق ، والعلم بالنسبة الثبوتية والسلبية حيث يكون معتقدا بها.

كما أنّه إذا صدر منه أمر أو نهيّ لم يكن هناك إلّا أربعة أمور : الثلاثة الأول ، ورابع هو : الإرادة والكراهة ، ومقدّماتهما ؛ كتصوّر المرجّحات والتصديق بها.

ومن الواضح أنّ الكلام النفسي الذي يعنونه في الخبر مخالف للأمر الأوّل.

وكذا للثاني ؛ لأنّ معاني المفردات والهيئة أمور خارجية غالبا غير قديمة ، فكيف تكون هي المراد بالكلام النفسي؟!

ومخالف أيضا للرابع ، ضرورة أنّه غير المطابقة للواقع وعدمها.

وللثالث والخامس ؛ لأنّه غير تصوّر الأطراف والعلم بالنسبة بإقرارهم.

فلا يكون الكلام النفسي في الخبر معقولا.

٢٢٩

وأمّا ما ذكره من صورة التزوير ، فلا يدلّ على وجود غير المذكورات الخمسة ، فإنّ ترتيب أجزاء الكلام أو معانيه في الذهن لا يقتضي أكثر من تصوّرها قبل النطق.

كما إنّ انتفاء العلم عن المخبر الشاكّ أو العالم بالخلاف لا يقتضي إلّا انتفاء التصديق بالمخبر به ، لا ثبوت أمر آخر غير الخمسة.

وكذا الحال في الكلام النفسي في الأمر والنهي ؛ لأنّه لا يصحّ أن يراد به الأوّلان ، أعني : اللفظ ومعاني مفرداته وهيئته ، وهو ظاهر

ولا الثالث ، أعني : تصوّر الألفاظ والمعاني

ولا الرابع ، أعني : الإرادة والكراهة ومقدّماتهما ؛ لأنّ هذين الأمرين ليسا بكلام نفسي عندهم ، ولا نعقل أمرا غير المذكورات يكون كلاما نفسيا.

وأمّا خلوّ صورتي الاعتذار والاختبار عن الإرادة والكراهة ، فلا يدلّ على وجود طلب آخر حتّى يكون كلاما نفسيا ، فإنّا لا نجد في الصورتين طلبا في النفس أصلا ، كما لا نجد في غيرهما إلّا طلبا واحدا يعبّر عنه بالطلب مرّة ، وبالإرادة والكراهة أخرى.

وأمّا ما قاله من وجود الطلب في الصورتين ، بدليل وجوده عند المخاطب ، وبدليل صحّة اعتذار المتكلّم واختباره الدالّة على حصولطلب منه

ففيه : إنّ معنى وجود الطلب عند المخاطب إنّما هو تصوّره وفهمه إيّاه ، فلا يتوقّف على حصوله عند المتكلّم في الواقع ، نظير ما يفهمه السامع للخبر الكاذب ، فإنّه لا يتوقّف على ثبوته في الواقع.

٢٣٠

وأمّا صحّة الاعتذار والاختبار ، فلا تتوقّف إلّا على إظهار ثبوت الطلب ، فلا يكون الموجود في الصورتين إلّا صيغة الطلب وصورته لا حقيقته.

فإن قلت : فعلى هذا يخلو الأمر والنهي عن المعنى واقعا في الصورتين.

قلت : إن أريد من الخلوّ عن المعنى انتفاء ذاته واقعا وعند المتكلّم ، فنحن نلتزم به ، ولا يضرّ في الدلالة ، كما في الخبر الكاذب.

وإن أريد انتفاؤه في مقام الدلالة عند السامع ، فهو ممنوع ؛ لأنّ ثبوت المعنى عند السامع إنّما يكون بتصوّره له ، وهو حاصل عند سماع اللفظ للعالم بمعناه ، ولا يتوقّف على العلم بإرادة المتكلّم له.

على إنّه قد يقال : إنّ معنى الأمر والنهي ليس هو الإرادة والكراهة القائمتين بالنفس حتّى يلزم انتفاء المعنى في صورتي الاختبار والاعتذار ، بل هو الإرادة والكراهة القائمتان باللفظ بإنشائه لهما ؛ لأنّ صيغ الإنشاء منشئة وموجدة لمعانيها ، لا حاكية عن أمور نفسية.

غاية الأمر : إنّ الأمور النفسية إذا ثبتت في الواقع تكون داعية لإنشاء الطلب والإرادة والكراهة وإذا لم تثبت ، يكون الداعي غيرها ، كالاختبار وإظهار العذر في الصورتين.

فحينئذ يكون المعنى في الصورتين موجودا حقيقة ، كغيرهما ، إلّا أنّه موجود بوجود إنشائي في الجميع ، ومثله الكلام في سائر الصيغ الإنشائية.

وكيف كان ، فنحن في غنى عمّا ذكره الفضل عن « المواقف » ، فلا حاجة إلى الإطالة بتحقيق أمره والنظر في ما أورده عليه.

٢٣١

وأمّا قوله : « إنّ كلّ عاقل يعلم أنّ المتكلّم من قامت به صفة التكلّم »

فقد خالف به الأشاعرة ، حيث قالوا : « المتكلّم من قام به الكلام » كما ذكره القوشجي(١) ، وقد فرّ بذلك عمّا أورد عليهم ، وذكره الشريف الجرجاني ـ على ما نقل عنه ـ وهو أنّ الكلام هيئات وكيفيات عارضة للصوت القائم بالهواء(٢) .

فيكون الكلام قائما بالهواء ، والهواء ليس قائما بالمتكلّم حتّى يقال :

ما قام به قائم بالمتكلّم بالوساطة.

فإذا ، نسبة الكلام إلى المتكلّم ليست لقيامه فيه ، بل بأن يعيّن حروفه وكلماته ، ويميّز بعضها عن بعض فلو كان المتكلّم من قام به الكلام ، لم يصحّ إطلاقه على الإنسان.

فالتجأ الشريف وتبعه الفضل إلى القول بأنّ المتكلّم من قام به التكلّم ، ولم يعلما أنّ التكلّم حينئذ يكون بمعنى تعيين الحروف وإيجادها ، والمتكلّم بمعنى موجدها.

فيكون التكلّم قائما بذاته تعالى قيام صدور ، بلا حاجة إلى المعنى النفسي ، كما يقوم بالبشر ، ويوصف كلّ منهما بالمتكلّم بمعنى واحد.

هذا لو حملنا كلامه على ما أراده الشريف.

وأمّا إذا أخذنا بظاهره ، حيث عرّف « المتكلّم » ـ بحسب النسخ التي وجدناها ـ بمن قامت به صفة المتكلّم ، بصيغة اسم الفاعل لا المصدر ،

__________________

(١) شرح التجريد : ٤١٩.

(٢) انظر مؤدّاه في تعريف الصوت من كتابه التعريفات : ١٣٥.

٢٣٢

كانت هذه المقدّمة لاغية ، والمدار على قوله بعدها : « وخالق الكلام لا يقال إنّه متكلّم » ، وهو دعوى مجرّدة يردّها أيضا ما سبق.

فالحقّ أنّ المتكلّم من تلبّس بالتكلّم ، وتلبّسه به من حيث إيجاده للكلام في الهواء بمباشرة لسان المتكلّم ـ كما في كلام الإنسان ـ ، أو بمباشرة شجرة ونحوها ـ كما في كلام الله تعالى ـ ، وهذا نحو من أنحاء التلبّس ، فإنّها مختلفة :

إذ قد تكون بنحو الإيجاد ، كما عرفت ، ومثله الخطّاط والصبّاغ ، فإنّ تلبّسهما بالخطّ والصبغ ، بإيجادهما لهما في الثوب والقرطاس مثلا.

وقد تكون بنحو الحلول ، كالحيّ والميّت.

وقد تكون بنحو الانتزاع ، كما في صفات الباري جلّ وعلا ، بناء على قول أهل الحقّ من كون صفاته تعالى عين ذاته خارجا ، منتزعة منها مفهوما.

.. إلى غير ذلك من أنحاء التلبّس ، كملابسة التمّار للتمر بالبيع.

فلا يلزم أن يكون التلبّس مخصوصا بالحلول ، حتّى يقال بثبوت الكلام النفسي بناء على تصوّره.

ثمّ إنّ هذه الملابسات لا تجعل المشتقّات قياسية ، بل تتبع الورود ، فربّ مشتقّ يستعمل مع ملابسة لا يستعمل الآخر معها ، ولا يستعمل هو بدونها.

فلا يرد على دعوى إطلاق « المتكلّم » عليه تعالى بملابسة الإيجاد ، النقض بالذائق والمتحرّك ، حيث لا يطلقان عليه تعالى مع إيجاده الذوق والحركة.

٢٣٣

على إنّه لو تمّ ما ذكره الفضل من كون « المتكلّم » وضعا هو من قام المبدأ به قيام حلول ، فهو بحث لفظي لا يلتفت إليه مع امتناعه عقلا ، فيلزم أن يراد به معنى الموجد.

مضافا إلى أنّه لم يعلم إطلاق « المتكلّم » عليه تعالى في الكتاب والسنّة ، وإن أطلق عليه فيهما أنّه أخبر وأمر ونهى وقال وكلّم ويكلّم

بل إطلاق « المتكلّم » عليه عرفيّ مستفاد من إطلاق تلك الأمور في الكتاب والسنّة عليه تعالى ، فلا ينفع الخصم بوجه سديد ألبتّة.

ثمّ إنّه على ما ذكرنا من كون المتكلّم موجد الكلام ، يكون التكلّم من الصفات الإضافية الآتية من جهة القدرة : كالرازق والخالق ، لا من الصفات الذاتية القديمة التي هي في عرض القدرة : كالحيّ والعالم ، خلافا للأشاعرة.

هذا ، والأعجب من الأشاعرة : الحنابلة ، فإنّهم وافقوا الأشاعرة في قدم كلامه ، لكن قالوا : هو حروف وأصوات قائمة بذاته تعالى ؛ كما نقله عنهم في « المواقف » و« شرح التجريد » للقوشجي(١) .

ونقلا عن بعضهم أنّه قال : « الجلد والغلاف قديمان » أيضا(٢) .

وهذا هو الجهل المفرط!

وسيذكر المصنّف ; دلالة العقل على حدوث الحروف ، فانتظر.

* * *

__________________

(١) المواقف : ٢٩٣ ، شرح التجريد : ٤١٦.

(٢) المواقف : ٢٩٣ ، شرح التجريد : ٤١٦ ؛ أي : « فضلا عن المصحف » كما جاء في شرح التجريد وشرح المواقف ٨ / ٩٢.

٢٣٤

كلامه تعالى متعدّد

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

[ المطلب ] الثاني

في أنّ كلامه تعالى متعدّد

المعقول من الكلام ـ على ما تقدّم ـ أنّه الحروف والأصوات المسموعة ، وهذه الحروف المسموعة إنّما تلتئم كلاما مفهوما إذا كان الانتظام على أحد الوجوه التي يحصل بها الإفهام ، وذلك بأن يكون : خبرا ، أو أمرا ، أو نهيا ، أو استفهاما ، أو تنبيها ؛ وهو الشامل للتمنّي ، والترجّي ، والتعجّب ، والقسم ، والنداء ؛ ولا وجود له إلّا في هذه الجزئيات.

والّذين أثبتوا قدم الكلام اختلفوا ، فذهب بعضهم إلى أنّ كلامه [ تعالى ] واحد مغاير لهذه المعاني ؛ وذهب آخرون : إلى تعدّده(٢) .

والّذين أثبتوا وحدته خالفوا جميع العقلاء في إثبات شيء

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٠ ـ ٦١.

(٢) انظر : الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥١ ، شرح العقائد النسفية ـ للتفتازاني ـ : ١١٠ ـ ١١١ ، شرح المواقف ٨ / ٩١ ـ ٩٤ ، شرح التجريد : ٤١٨ ـ ٤١٩.

٢٣٥

لا يتصوّرونه هم ولا خصومهم!

ومن أثبت لله تعالى وصفا لا يعقله ولا يتصوّره هو ولا غيره ، كيف يجوز أن يجعل إماما يقتدى به ، ويناط به الأحكام؟!

* * *

٢٣٦

وقال الفضل(١) :

الأشاعرة لمّا أثبتوا الكلام النفساني جعلوه كسائر الصفات ، مثل :

العلم والقدرة ، فكما إنّ القدرة صفة واحدة تتعلّق بمقدورات متعدّدة ، كذلك الكلام صفة واحدة تنقسم إلى الأمر والنهي والخبر والاستفهام والنداء.

وهذا بحسب التعلّق ، فذلك الكلام الواحد باعتبار تعلّقه بشيء على وجه مخصوص يكون خبرا ، وباعتبار تعلّقه بشيء آخر [ أ ] وعلى وجه آخر يكون أمرا ، وكذا الحال في البواقي.

وأمّا من جعل الكلام عبارة عن الحروف والأصوات ، فلا شكّ أنّه يكون متعدّدا عنده.

فالنزاع بيننا وبين المعتزلة والإمامية في إثبات الكلام النفساني ، فإن ثبت ، فهو قديم واحد كسائر الصفات ؛ وإن انحصر الكلام في اللفظي ، فهو حادث متعدّد ؛ وقد أثبتنا الكلام النفسي ، فطامّات الرجل ليست إلّا التّرّهات.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢١٦.

٢٣٧

وأقول :

صرّح الفضل وغيره أنّ الكلام النفسي مدلول الكلام اللفظي ، ومعه كيف يكون اللفظي متعدّدا دون النفسي؟! وإلّا لخرج عن كونه مدلولا مرتّبا في النفس على حسب ترتيب اللفظي!

على إنّه لا وجه لأن يحصل مفهوم الكلام بمجرّد تعلّقه بأنواع الكلام من دون أن يكون في نفسه على أحد الهيئات المخصوصة.

ثمّ ما أراد بتعلّقه بالأمر والنهي وأخواتهما؟!

فإن أراد به إيجاده لها ، فلا نعرف صفة ذاتية بها الإيجاد سوى القدرة.

وإن أراد كونه جنسا لها ، لزم وجود الجنس في القدم بدون الفصل ، وهو باطل.

وإن أراد به عروضه عليها ، لزم عروض القديم في قدمه على الحادث في حدوثه ، وهو ممتنع ؛ ولا يمكن وجوده قبلها ؛ لامتناع قيام العرض بلا معروض.

وإن أراد العكس ، وأنّه معروض لها ، فإن كان عروضها في القدم ، نافى فرض حدوثها ، ولزم عروض الحادث في حدوثه على القديم في قدمه وإن كان عروضها حال حدوثها ، لزم أن لا يكون في القدم كلاما لعدم العروض حينئذ ؛ ولا نتصوّر وجها لكونه كلاما حقيقيا قبل العروض.

وإن أراد به ما هو من نحو الانكشاف وتعلّق العلم بالمعلوم ، فقد

٢٣٨

صار علما ؛ وهو كما ترى.

وإن أراد غير ذلك ، فليبيّنه أصحابه حتّى نعرف صحّته من فساده.

وبالجملة : كما لا نعقل معنى للكلام النفسي ، لا نعقل وجها صحيحا لتعلّقه ، لا سيّما مع حفظ دلالة الكلام اللفظي عليه على نحو دلالة اللفظ على معناه المطابقي.

* * *

٢٣٩
٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

جابر بن عبد الله الأنصاري وعطيّة العوفي في كربلاء:

جابر بن عبد الله هو ذلك الصحابي الجليل، الذي روى عنه عبد الرحمان بن سابط قال: ( كنت مع جابر، فدخل الحسين بن علي، فقال جابر:مَن سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا ، فأشهدُ لسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوله )(١) .

فهو من أهل المعرفة، فإن فاتته السعادة بفوز الشهادة في ركاب سبط خاتم الرسالة، فليس بغريب عنه أن يشدّ الرحال لزيارة قبره الشريف إبرازاً إيّاه ومخالفته للسلطة، وتجديداً للعهد والوفاء.

روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم محمّد بن علي الطبري، بإسناده عن الأعمش عن عطيّة العوفي قال:

( خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري، زائرين قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات، فاغتسل، ثمّ ائتزر بإزار، وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها سِعْدٌ، فنثرها على بدنه، ثمّ لم يخطُ خطوة إلاّ ذَكر الله تعالى، حتّى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه(٢) . فألمسته، فخرّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء، فلما أفاق قال: ( يا حسين ) ثلاثاً، ثمّ

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ١/ ١٤٧ وانظر ذخائر العُقبى: ١٢٩؛ تاريخ الإسلام للذهبي ٣/ ٨؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ١٩٠؛ نظم درر السمطين: ٢٠٨؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٦؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٧؛ إسعاف الراغبين: ٢٠٦؛ ينابيع المودّة: ٢٢٢؛ نور الأبصار: ١١٦؛ مشارق الأنوار للخمراوي: ١١٤؛ أرجح المطالب: ٢٨١؛ كذا في إحقاق الحقّ ١١/ ٢٨٩ - ٢٩١.

(٢) يُمكننا أن نعتبر هذا علّة عدم حضور جابر بن عبد الله في وقعة الطف؛ إذ المستفاد من هذه العبارة أنّه كان مكفوف البصر حينذاك، فيكون معذوراً، ويؤيّد ذلك ما رواه ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) (١/ ٢١٤) في قضية وقعة الحرّة بقوله: ( وكان جابر بن عبد الله يومئذٍ قد ذهب بصره... )، ومن المعلوم أنّ الفاصل الزمني بين وقعة الطف ووقعة الحرّة لم يكن إلاّ ما يُقارب سنة.

٢٨١

قال: حبيب لا يُجيب حبيبه!!

ثمّ قال: وأنّى لك بالجواب؟! وقد شُحطت أوداجك على أثباجك، وفُرِّق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنّك ابن خاتم النبيّين، وابن سيّد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّد النقباء، وابن فاطمة سيّدة النساء، وما لكَ لا تكون هكذا؟! وقد غذّتك كفّ سيّد المرسلين، ورُبيّت في حجر المتّقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفُطمت بالإسلام، فطبت حيّاً، وطبت ميّتاً، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة لفراقك، ولا شاكّة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.

ثمّ جال بصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين، وأناخت برحله، واشهد أنّكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتّى أتاكم اليقين، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، لقد شاركنا كم فيما دخلتم فيه.

قال عطيّة: فقلت له: يا جابر، كيف! ولم نهبط وادياً، ولم نعلُ جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم، وأُوتمت أولادهم، وأُرملت أزواجهم؟!

فقال: يا عطيّة، سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( من أحبّ قوماً حُشِر معهم، ومَن أحبّ عمل قوم أُشرك في عملهم ) . والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسينعليه‌السلام وأصحابه، خُذْني نحو أبيات كوفان.

فلما صرنا في بعض الطريق قال: يا عطيّة، هل أوصيك وما أظنّ أنّني بعد هذه السفرة مُلاقيك، أحبب مُحبَّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أحبّهم، وابْغُضْ مُبغض آل

٢٨٢

محمّد ما أبغضهم وإنْ كان صوّاماً قوّاماً، وأرْفِق بمُحبّ محمّد وآل محمّد، فإنّه إن تزلّ له قدم بكثرة ذنوبه ثبتت له أُخرى بمحبّتهم، فإنّ مُحبّهم يعود إلى الجنّة، ومُبغضهم يعود إلى النار )(١) .

وفيه نقاط للتأمّل:

منها:

١ - معرفة عظمة جابر، وذلك عِبر علوّ معرفته بمنزلة آل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - اتّخاذ موقف مُهمّ لجابر، حيث إنّه عدّ أعداء الحسينعليه‌السلام من الملحدين.

٣ - أدب جابر تجاه أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وذلك نتيجة لكمال معرفته؛ فلذلك نراه يغتسل، ثمّ ينثر السِّعْد على بدنه، ثمّ يذكر الله في كلّ خطوة، ثمّ لمْسُه القبر فوقوعه مغشيّاً عليه، وصياحه: يا حسين ثلاثاً، ثمّ فقرات زيارته الدالّة على مدى معرفته تجاه الرسول ووصيّه وسبطهعليهم‌السلام .

٤ - المستفاد من هذا النقل، أنّ جابراً يتّجه بعد زيارته نحو أبيات كوفان، ولم يذكر فيه شيئاً من ملاقاته للإمام زين العابدينعليه‌السلام وسائر أُسرة الحسينعليه‌السلام . ويأتي تحقيق المقام.

ثمّ إنّ السيّد ابن طاووس أورد كيفيّة زيارة جابر قبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وأصحابه الأوفياء، مع تفاصيل أُخرى يستدعي ذكرها تماماً.

قال: ( وقال عطا(٢) : كنت مع جابر بن عبد الله يوم العشرين من صفر، فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثمّ قال لي: أمعكَ شيء من الطيب يا عطا؟

قلت: معي سِعْد.

فجعل منه على رأسه وسائر

____________________

(١) بشارة المصطفى: ٧٤. وروى نحوه مقتل الخوارزمي (٢/ ١٦٧) مُسنداً بتفاوت يسير.

(٢) الظاهر اتّحاده مع عطيّة، كما احتمله المحدّث النوري أيضاً في لؤلؤ ومرجان: ١٤٩.

٢٨٣

جسده، ثمّ مشى حافياً حتّى وقف عند رأس الحسينعليه‌السلام ، وكبّر ثلاثاً، ثمّ خرّ مغشيّاً عليه، فلما أفاق سمعته يقول:

السلام عليكم يا آل الله، السلام عليكم يا صفوة الله، السلام عليكم يا خيرة الله من خلقه، السلام عليكم يا سادة السادات، السلام عليكم يا ليوث الغابات، السلام عليكم يا سُفُن النجاة، السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته.

السلام عليك يا وارث علم الأنبياء، السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبيّ الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث إسماعيل ذبيح الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا بن محمّد المصطفى، السلام عليك يا بن عليّ المرتضى، السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا شهيد ابن الشهيد، السلام عليك يا قتيل ابن القتيل، السلام عليك يا وليّ الله وابن وليّه، السلام عليك يا حجّة الله وابن حجّته على خلقه.

أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وبررت والِدْيك، وجاهدت عدوّك، أشهد أنّك تسمع الكلام، وتردّ الجواب، وأنّك حبيب الله وخليله ونجيبه وصفيّه وابن صفيّه.

زُرْتُك مُشتاقاً، فكُنْ لي شفيعاً إلى الله، يا سيّدي، أستشفع إلى الله بجدّك سيّد النبيِّين، وبأبيك سيّد الوصيّين، وبأُمّك سيّدة نساء العالمين، لعن الله قاتليك وظالميك وشانئيك ومبغضيك من الأوّلين والآخرين.

ثمّ انحنى على القبر، ومرَّغ خدّيه عليه وصلّى أربع ركعات، ثمّ جاء إلى قبر عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال: السلام عليك يا مولاي وابن مولاي، لعن الله قاتلك، لعن الله ظالمك، أتقرّب إلى الله بمحبّتكم، وأبرأ إلى الله من عدوّكم.

٢٨٤

ثمّ قبّله وصلّى ركعتين، والتفت إلى قبور الشهداء، فقال:

السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد الله، السلام عليكم يا شيعة الله وشيعة رسوله وشيعة أمير المؤمنين والحسن والحسين، السلام عليكم يا طاهرون، السلام عليكم يا مهديّون، السلام عليكم يا أبرار، السلام عليكم وعلى ملائكة الله الحافّين بقبوركم، جمعني الله وإيّاكم في مُستقرّ رحمته تحت عرشه.

ثمّ جاء إلى قبر العبّاس بن أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، فوقف عليه وقال: السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا عبّاس بن عليّ، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، أشهد لقد بالغت في النصيحة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت عدوّك وعدوّ أخيك، فصلوات الله على روحك الطيّبة، وجزاك الله من أخٍ خيراً.

ثمّ صلّى ركعتين ودعا الله ومضى )(١) .

إنّ هذه الزيارة تدلّ على مدى عظمة ومعرفة وجلالة هذا الصحابي الجليل.

ثمّ إنّه متى التحق عطيّة بجابر؟ هل كان عطيّة في الحجّ - تلك السنة - ثمّ اصطحبه جابر؟ أو أنّ جابراً جاء إلى الكوفة وأتيا معاً لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ؟

هذا ممّا لم يتيسّر لنا تحقّقه.

بيان شخصيَّتيهما:

١ - جابر بن عبد الله بن مرو بن حزام الأنصاري:

روى الكشّي أنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) ،...، وهو آخر مَن بقي من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان مُنقطعاً إلى آل البيتعليهم‌السلام ، وكان يقعد في المسجد وهو مُعتمٌّ

____________________

(١) مصباح الزائر: ٢٨٦، عنه بحار الأنوار ١٠١/ ٣٢٩.

(٢) اختيار معرفة الرجال ١/ ٣٨، رقم ٧٨.

٢٨٥

بعمامة سوداء وينادي: ( يا باقر العلم )(١) ، وكان يتوكّأ على عصاه ويدور في سكك المدينة ويقول: ( عليّ خير البشر )(٢) . وكان شيخاً قد أسنّ فلم يتعرّض الحجّاج له )(٣) .

وقال المحدّث النوري: ( هو من السابقين الأوّلين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وحامل سلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى باقر علوم الأوّلين والآخرين، وأوّل مَن زار أبا عبد الله الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين، المنتهى إليه سند أخبار اللوح السمائي، الذي فيه نصوص من الله ربّ العالمين، على خلافة الأئمّة الراشدين، الفائز بزيارته من بين جميع الصحابة عند سيّدة نساء العالمين، وله بعد ذلك مناقب أُخرى وفضائل لا تُحصى )(٤) .

وذكره المحدّث القمّي قال: ( صحابيّ جليل القدر، وانقطاعه إلى أهل البيتعليهم‌السلام ، وجلالته أشهر من أن تُذكَر، مات سنة ٧٨هـ، والروايات التي يظهر منها فضله كثيرة جدّاً ).

ثمّ ذكر بعضها، فقال بعد ذلك: ( أقول: حُكي عن (أُسد الغابة) أنّه قال في جابر (رضي الله عنه): إنّه شهد مع النبيّ ثمان عشرة غزوة، وشهد صِفِّين مع عليّ بن أبي طالب، وعُمي في آخر عمره... وهو آخر مَن مات بالمدينة ممّن شهد العقبة. إلى أن قال: وكان من المكثرين للحديث، الحافظين للسُّنن. وقال الشيخ (رحمه الله): إنّه شهد بدراً وثماني عشرة غزوة مع النبيّ، قلت: وهذا يُطابق قول جابر: شاهدت منها تسعة عشر. والله العالم )(٥) .

____________________

(١) المصدر نفسه، رقم ٨٨.

(٢) المصدر نفسه ١/ ٤٤ ح٩٣.

(٣) المصدر نفسه، ٢/ ١٢٤ ح١٩٥.

(٤) مستدرك الوسائل ٣/ ٥٨٠ الفائدة الخامسة من الخاتمة ترجمة جابر، عنه سفينة البحار ١/ ١٤١.

(٥) سفينة البحار ١/ ١٤٠ - ١٤١.

٢٨٦

وذكر السيّد الخوئي، أنّه شهد بدراً وثماني عشرة غزوة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أصفياء أصحاب عليّعليه‌السلام ، ومن شرطة خميسه، ومن أصحاب الحسن والحسين والسجّاد والباقرعليهم‌السلام ، جليل القدر... روى الكليني بسند صحيح، عن أبي جعفرعليه‌السلام قوله:( ولم يَكْذب جابر ) (١) ).(٢)

٢ - عطيّة بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس:

ويكنّى أبا الحسن قاله المحدّث القمّي، وقال: ( عطيّة العوفي أحد رجال العلم والحديث، يروي عنه الأعمش وغيره، وروي عنه أخبار كثيرة في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ... وهو الذي تشرّف بزيارة الحسينعليه‌السلام مع جابر الأنصاري الذي يُعدّ من فضائله أنّه كان أوّل مَن زاره... روي أنّه جاء سعد بن جنادة إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهو بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه قد ولِد لي غلام فسمِّه.

فقال:( هذا عطيّة الله ) .

فسُمِّي عطيّة، وكانت أُمّه روميّة، وخرج عطيّة مع ابن الأشعث(٣) ، هرب عطيّة إلى فارس، وكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم الثقفي: أن ادعُ عطيّة، فإن لعن عليّ بن أبي طالب وإلاّ فاضربه أربعمئة سوط واحُلق رأسه ولحيته!

فدعاه وأقرأه كتاب الحجّاج، وأبى عطية أن يفعل، فضربه أربعمئة سوط، وحلق رأسه ولحيته، فلما ولّي قتيبة بن مسلم خراسان خرج إليه عطيّة، فلم يزل بخراسان حتّى ولّي عمر بن هبيرة العراق، فكتب إليه عطيّة يسأله الإذن له في القدوم، فأذِن له، فقدم الكوفة فلم يزل بها إلى أن توفّي سنة ١١١، وكان كثير الحديث ثقة إن شاء الله، انتهى.

____________________

(١) مُعجم رجال الحديث ٤/ ٣٣٠، رقم ٢٠٢٦، عنه المفيد من مُعجم رجال الحديث: ١٠٠.

(٢) ولمزيد التعرّف على شخصيّته راجع مصادر ترجمته مثل: رجال الشيخ ٧٣؛ الإصابة ١/ ٢١٣؛ تهذيب الأسماء ١/ ١٤٢؛ الأعلام ١/ ٢١٣ وتنقيح المقال ١/ ١٩٩ وغيرها.

(٣) مرّت ترجمته وقصّة خروجه في الجزء الثاني من هذه الموسوعة ص١٢٢، فراجع.

٢٨٧

عن (مُلحقات الصراح) قال: عطيّة العوفي بن سعيد (سعد ظ)، له تفسير في خمسة أجزاء. قال عطيّة: عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاث عرضات على وجه التفسير، وأمّا على وجه القراءة فقرأ عليه سبعين مرّة، انتهى.

ويظهر من كتاب بلاغات النساء، أنّه سمع عبد الله بن الحسن يذكر خُطبة فاطمة الزهراءعليها‌السلام في أمر فدك فراجِعْ )(١) .

قال ابن نما: ( ولما مرّ عيال الحسينعليه‌السلام بكربلاء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته في وقت واحد، فتلاقوا بالحزن والاكتئاب والنوح على هذا المصاب المقرح لأكباد الأحباب )(٢) .

قال السيّد ابن طاووس: ( فوصلوا إلى موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله)، وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم )(٣) .

إقامة العزاء على أرض الطف:

أقام الركب الحسيني مجلسَ العزاء في أرض المعركة وهي الطفّ، وذلك بعد إقامته في الشام، وبذلك صارت سُنَّة حَسنة، استمرّت من ذلك الحين إلى الآن، وأمّا المجلس الذي أُقيم بكربلاء فقد تبنّاه أهل بيت الحسينعليهم‌السلام الذين شهدوا بأعيُنهم عُمق المأساة والفاجعة بأعينهم، وقد حضرها جابر بن عبد الله الأنصاري(٤) ، وجماعة من بني هاشم، ورجال من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أتوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ،

____________________

(١) سفينة البحار ٢/ ٢٠٥ مادّة عطا.

(٢) مُثير الأحزان: ١٠٧.

(٣) الملهوف: ٢٢٥. وروى نحوه السيّد محمّد بن أبي طالب (تسلية المجالس ٢/ ٤٥٨).

(٤) في زيارته الثانية للقبر الشريف.

٢٨٨

واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا أيّاماً، وفي بعض التواريخ استمرّت ثلاثة أيّام.

قال السيّد: ( وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أيّاماً )(١) .

وروى القندوزي عن أبي مخنف: ( فأخذوا بإقامة المآتم إلى ثلاثة أيّام )(٢) .

التحقيق حول الأربعين!

لقد وقع الخلاف في زمن مجيء أهل البيتعليهم‌السلام إلى كربلاء، هل كان ذلك في الأربعين الأُولى؟ أم الثانية؟ أم غيرهما؟

أمّا أصل مجيئهم إلى كربلاء فلا ينبغي الريب فيه؛ إذ إنّه - مضافاً إلى إمكانه - مذكور في كثير من الكُتب المعتبرة، وعدم تصريح بعض الكبار من العلماء لا يكون تصريحاً بالعدم، إذ إنّه أعمّ.

وأمّا زمن المجيء، فقد وقع الخلاف فيه، فذهب فريق إلى كونه في الأربعين الأوّل، ونفى فريق إمكان وقوعه فيه، وقالوا: إنّ المدّة لا تكفي، فلابدّ أن يكون بعد ذلك، ولكن ليس في الأربعين الثاني، بل فيما بينهما.

أمّا كونه في الأربعين الثاني (أي في سنة ٦٢هـ) فبعيد جدّاً، وإن ذكره بعض(٣) ، ولكن لا يمكن الالتفات إليه.

أمّا الفريق الأوّل (أعني القائلين: بأنّ الرجوع كان في الأربعين الأوّل)، فمنهم:

____________________

(١) الملهوف: ٢٢٥.

(٢) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢. ونحوه في المنتخب ٢/ ٤٨٣.

(٣) مثل ناسخ التواريخ.

٢٨٩

١ - أبو ريحان البيروني، قال: ( العشرون (من صفر) رُدَّ رأس الحسين إلى جثّته حتّى دُفن مع جثّته، وفيه زيارة الأربعين، وهم حرمه بعد انصرافهم من الشام )(١) .

٢ - الشيخ البهائي، قال: ( التاسع عشر (من صفر) فيه زيارة الأربعين لأبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهي مرويّة عن الصادقعليه‌السلام ، وقتها عند ارتفاع النهار، وفي هذا - وهو يوم الأربعين من شهادتهعليه‌السلام - كان قدوم جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) لزيارتهعليه‌السلام ، واتّفق في ذلك اليوم ورود حرمهعليه‌السلام من الشام إلى كربلاء، قاصدين المدينة، على ساكنها السلام والتحيّة )(٢) .

٣ - العلاّمة المجلسي (رحمه الله)، فقد نقل الشهرة بين الأصحاب، وقال حول علّة استحباب زيارة الحسين الحسين صلوات الله عليه في يوم الأربعين: ( والمشهور بين الأصحاب، أنّ العلّة في ذلك رجوع حرم الحسين - صلوات الله عليه - في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء عند رجوعهم من الشام، وإلحاق عليّ بن الحسين - صلوات الله عليه - الرؤوس بالأجساد )(٣) .

٤ - الشهيد القاضي الطباطبائي، فإنّه أتعب نفسه الزكيّة لإثبات هذه المسألة، وقد أتى بكتاب ضخم حول هذا الموضوع، وسنتعرّض إلى مُلخّص ما استدلّ به حينما نذكر أدلّة المحدّث النوري.

وهناك من العلماء - رحمهم الله - مَن لم يتعرّض لذلك مطلقاً كالشيخ المفيد(٤) ،

____________________

(١) الآثار الباقية: ٣٢١.

(٢) توضيح المقاصد: ٦.

(٣) بحار الأنوار ١٠١/ ٣٣٤.

(٤) مسار الشيعة ٤٦.

٢٩٠

والحلّي(١) ، والكفعمي(٢) ، فإنّهم اكتفوا بذكر رجوع أهل البيت من الشام إلى المدينة، ولم يذكروا شيئاً من وصولهم إلى كربلاء.

وبعضهم قد توقّف في المسألة، ولم يختر أيّ الجانبين، مثل جدّنا آية الله الفقيه الشيخ الطبسي النجفي، حينما قال: ( إنّما البحث في أنّهم أتوا إلى كربلاء في الأربعين الأُولى أو في السنة المقبلة؟ مُقتضى ظاهر بعض أنّه كان في السنة الأُولى، وظاهر عبارة ابن طاووس في اللهوف كذلك... وفي الناسخ أنّه ليس لنا خبر صريح في ذلك، بل قال: مجيء آل الله سنة الشهادة مُحال، ولكن مجيء جابر وجماعة من بني هاشم في الأربعين الأوّل بلا إشكال. وأمّا الشيخ عماد الدِّين حسن بن علي الطبري، الذي كان مُعاصراً للخواجة نصير الدِّين الطوسي في كامل البهائي: أنّ آل الرسول دخلوا دمشق في السادس عشر من شهر صفر في الأربعين الثاني، والذي يقول بالثاني إنّ مكثهم في الكوفة ما كان بنحو الاختصار، ثمّ بعد ذلك مرورهم في الأمصار والبلدان والقرى، وتوقّفهم في قرب (ميافارقين) عشرة أيّام، وثلاثة أيّام في النصيبين، وثلاثة أيّام في خارج الشام، مع وقوفهم في الكوفة في الحبس وغيره ما يقرب من عشرين يوم، فكيف وصلوا في عشرين صفر من السنة الأُولى التي وقعت فيها الشهادة؟! والعلم عند الله، وما كان البناء في رواحهم ومجيئهم من الشام إلى كربلاء بطريق الإعجاز.

فعليه؛ أنا من المتوقّفين في ذلك، ولكنّ المشهور عند عوامّ الناس في السنة الأُولى، مع أنّ ظاهر عدّة التواريخ أنّ توقّفهم في الشام لا يقلّ من شهر )(٣) .

____________________

(١) العدد القويّة: ٢١٩.

(٢) مصباح الكفعمي: ٤٨٩ و٥١٠.

(٣) مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٥ - مخطوط.

٢٩١

وقد نفى ذلك بعض العلماء واستبعده جدّاً، ومنهم:

١ - السيّد ابن طاووس: قال في (إقبال الأعمال): ( وجدت في (المصباح): أنّ حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة مع مولانا عليّ بن الحسينعليه‌السلام يوم العشرين من صفر، وفي غير (المصباح): أنّهم وصلوا كربلاء أيضاً في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر، وكلاهما مُستبعد؛ لأنّ عبيد الله بن زياد - لعنه الله - كتب إلى يزيد يُعرّفه ما جرى ويستأذنه في حملهم، ولم يحملهم حتّى عاد الجواب إليه، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوماً أو أكثر منها؛ لأنّه لما حملهم إلى الشام روي أنّهم أقاموا فيها شهراً في موضع لا يُكنّهم من حرٍّ ولا برد، وصورة الحال يقتضي أنّهم تأخّروا أكثر من أربعين يوماً من يوم قُتلعليه‌السلام إلى أن وصلوا العراق أو المدينة، وأمّا جوازهم في عودهم على كربلاء فيمكن ذلك، ولكنّه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر؛ لأنّهم اجتمعوا على ما روى جابر بن عبد الله الأنصاري، فإن كان جابر وصل زائراً من الحجاز، فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه أكثر من أربعين يوماً، وعلى أن يكون جابر وصل من الحجاز من الكوفة أو غيرها [كذا] انتهى )(١) .

وفيه: أنّه لم نعثر في (المصباح): ( أنّ حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة يوم العشرين من صفر )، وإنّما فيه: ( أنّه كان رجوع حرم سيّدنا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسول في اليوم العشرين من صفر )(٢) .

وقلنا آنفاً: إنّه لو كان المقصود هو مبدأ الرجوع - لا الوصول والدخول فيها - فحينئذٍ يكون المراد أنّه كان يوم الانطلاق من الشام، فلا مجال لأحد الاستبعادين.

____________________

(١) إقبال الأعمال: ٥٨٩.

(٢) مصباح المتهجّد: ٧٣٠.

٢٩٢

٢ - العلاّمة المجلسي، فإنّه قال: ( فائدة: اعلم أنّه ليس في الأخبار ما العلّة في استحباب زيارته - صلوات الله عليه - في هذا اليوم ( الأربعين )!

والمشهور بين الأصحاب، أنّ العلّة في ذلك رجوع حرم الحسين - صلوات الله عليه - في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء، عند رجوعهم من الشام، وإلحاق عليّ بن الحسين - صلوات الله عليه - الرؤوس بالأجساد، وقيل: في مثل ذلك اليوم رجعوا إلى المدينة، وكلاهما مُستبعدان جدّاً؛ لأنّ الزمان لا يسعُ ذلك، كما يظهر من الأخبار والآثار، وكون ذلك في السنة الأُخرى أيضاً مُستبعد )(١) .

واستبعدهما في زاد المعاد(٢) ، وما علّقناه حول كلام السيّد جارٍ هنا أيضاً.

٣ - المحدّث النوري، فإنّه استبعده بالمرّة، وذكر أدلّة لا بأس بها في الجملة، سنذكرها في المبحث الآتي (القضاء بين المحدّث النوري والقاضي الطباطبائي).

٤ - المحدّث القمّي، فإنّه ( قدّس سرّه) من المستبعدين والمنكرين لذلك أيضاً (٣) .

٥ - الشيخ محمّد إبراهيم الآيتي، فإنّه نفاه وعدّه من الأساطير التاريخية!(٤) .

٦ - الشهيد المطهّري، فإنّه (رضي الله عنه)، نفى خبر لقاء أهل البيت مع جابر بجدٍّ، وقال: المتفرّد بذلك هو السيّد ابن الطاووس في اللهوف، ولم يذكره أحد غيره، حتّى إنّ السيّد لم يذكره في سائر كتبه أيضاً، والدليل العقلي يرفضه أيضاً(٥) .

وفيه: إن كان مقصوده - رضوان الله عليه - من إنكار اللقاء، عدم حصوله في

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠١/ ٣٣٤.

(٢) زاد المعاد، عنه مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للطبسي.

(٣) مُنتهى الآمال ١/ ٨١٧.

(٤) بررسي تاريخ عاشورا: ١٤٨.

(٥) حماسه حسيني ١/ ٣٠.

٢٩٣

خصوص يوم الأربعين - كما هو المترائى من ظاهر عبارته، خاصّة مع ضمّه الدليل العقلي لذلك - فإنّ السيّد ابن طاووس لم يقله حتّى في اللهوف، وإن كان المقصود إنكار أصل اللقاء، فإنّ السيّد ليس المتفرّد في هذه القضيّة، فإنّ هناك كباراً من العلماء نجدهم قد صرّحوا بذلك، منهم: الشيخ ابن نما الذي كان مُعاصراً للسيّد(١) ، والشيخ البهائي(٢) ، والسيّد ابن أبي طالب(٣) ، والعلاّمة المجلسي(٤) ، والقندوزي(٥) وغيرهم.

ويأتي القول المختار في الموضوع.

القضاء بين المحدِّث النوري والقاضي الطباطبائي:

ذكرنا الأقوال في المسألة، وأشرنا إلى أنّ المحدِّث النوري كان من المنكرين للرجوع في الأربعين الأوّل، بينما كان الشهيد القاضي من الذاهبين لإثباته، لكن لما كان هذين العلمين الحجّتين مُتحمّسَين في رأيهما، ويُقدّمان الأدلّة على ما يذهبان إليه، فإليك مُجمل ما أفاداه، والنظر المختار فيه:

١ - مع المحدِّث النوري:

قال المحدّث النوري: ( إنّ السيّد ابن طاووس، والذي روى خبر لقاء أهل البيت مع جابر بن عبد الله الأنصاري، ألّف كتاب اللهوف في أوان تكليفه وبداية شبابه، ويدلّ عليه اثنان:

____________________

(١) مُثير الأحزان ١٠٧.

(٢) توضيح المقاصد ٦.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٤٥٨.

(٤) جلاء العيون ٤٥٠.

(٥) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢.

٢٩٤

١) إنّه أسقط ذكر المأخذ والإسناد فيه وفي مصباح الزائر، وهو خلاف سيرته وطريقته في سائر كُتبه الموجودة، وليس هناك وجه إلاّ عدم إتقانه التامّ وقلّة اطّلاعه في حين تأليف هذين الكتابين، وكذلك في كتابه الآخر المسمّى بـ ( المجتنى )؛ فحينئذٍ لو ورد إشكال على كتابه فلا يُنافي شخصيّته وعظمته وعلوّ مقامه، وطول باعه وكثرة اطّلاعه في الأحاديث والآثار؛ لأنّها حصلت تدريجيّاً وعلى مرّ الزمان.

٢) إنّ السيّد قد صرّح في إجازاته أنّه كتب مصباح الزائر في بداية التكليف(١) ، وقال في أوّل اللهوف: إنّ من أجلّ البواعث لنا على سلوك هذا الكتاب(٢) أنّني لما جمعت كتاب (مصباح الزائر وجناح المسافر)، ورأيته قد احتوى على أقطار الزيارات ومختار أعمال تلك الأوقات؛ فحامله مُستغنٍ عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف أو حمل مزار كبير أو لطيف، أحببت أيضاً أن يكون حامله مُستغنياً عن نقل مقتل في زيارة عاشوراء إلى مشهد الحسين صلوات الله عليه، فوضعت هذا الكتاب ليُضمّ إليه )(٣) .

مُناقشة مُقدّمتي النوري:

فمقصود المحدّث النوري من هاتين المقدّمتين: أنّ السيّد ابن طاووس كتب اللهوف - وهو المصدر الأقدم في المسألة - في سنّ مُبكِّرة، وفي وقت عدم تضلُّعه

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠٧/ ٣٩.

(٢) الملهوف: ٨٦.

(٣) لؤلؤ ومرجان: ١٤٤.

٢٩٥

التامّ، فلا يُركَن إليه في هذه المسألة.

وفي كليهما وجوه للنظر:

١ - إنّ إسقاطه المأخذ والإسناد ليس ناشئاً عن عدم إتقانه التامّ وقلّة اطّلاعه - كما قال -، بل لما كان قصد المؤلّف تأليف كتاب صغير الحجم، كثير الموضوع، قابل للحمل في مشهد الحسينعليه‌السلام وغيره، فلابدّ له أن يفعل ذلك، وإلاّ يكون ذلك نقضاً للغرض، ولكان الأجدر الاكتفاء بالمطوّلات كمصباح الشيخ.

٢ - قال السيّد (ابن طاووس) في إجازاته: (ممّا ألّفته في بداية التكليف من غير ذكر الأسرار والتكشيف كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر ثلاث مجلّدات )(١) ، ثمّ ذكر سائر كتبه، وقال في آخر ما ذكره من تصانيفه: ( وصنّفت كتاب الملهوف على قتلى الطفوف، ما عرفت أنّ أحداً سبقني إلى مثله، ومَن وقف عليه عرف ما ذكرته من فضله )(٢) .

فربّما الناظر إلى هذه العبارة يستشفّ منها أنّ اللهوف هو آخر ما صنّفه، لما في جعله آخر تصانيفه، ومع عدم قبول ذلك فالمتيقّن أنّ هذه الشهادة منه على مضمون الكتاب حصلت في مرحلة كمال عمره الشريف، وبعد فراغه من كثير من تصانيفه؛ فإذن لا يناسب ذلك الكلام في حقّ هذا الكتاب.

٣ - إنّ المحدّث النوري قد صرّح في كتابه هذا بأنّ (مصباح الزائر) من الكُتب المعتبرة(٣) ! وهذان لا يجتمعان.

٤ - ثمّ إنّ ضمّه إلى (مصباح الزائر) ليس دليلاً على كتابته في أوان التكليف،

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠٧/ ٣٩.

(٢) المصدر نفسه ١٠٧/ ٤٢.

(٣) لؤلؤ ومرجان: ١٤٨.

٢٩٦

بل المؤلّف رأى حُسن ذلك فيما بعد، كما صرّح بذلك نفسه.

٥ - أضف إلى ذلك، أنّ تأليف الكُتب من مثل هؤلاء في هذا السنّ المبكِّرة هو عناية إلهيّة خاصّة لمن يشاء من خيار عباده؛ ولذلك نجد كباراً من العلماء القدماء مُجتهدين في أوان التكليف أو قبله.

٦ - إنّ السيّد ليس المتفرّد بذلك، بل هذا العلاّمة الجليل الفقيه ابن نما الحلّي (٥٦٧ - ٦٤٥هـ) - الذي قال المحقّق الكركي عنه: وأعلم العلماء بفقه أهل البيت(١) - ذكر خبر اللقاء أيضاً، ولا يقول أحد: إنّه كتبه في أوان تكليفه! وإنّه ناشٍ عن كذا وكذا. وهو متقدِّم زمنيّاً على السيّد ابن طاووس، إذ كانت ولادة السيّد (رحمه الله) سنة ٥٨٩هـ ووفاته سنة ٦٦٤، بينما ولِد ابن نما في سنة ٥٦٧ وتوفِّي سنة ٦٤٥، فولادته كانت قبل السيّد بـ ٢٢ سنة، واتّفق وفاته قبل وفاة السيد بـ ٢١ سنة.

فتحصّل، أنّ صدور هذا اللحن من الخطاب من مثل هذا المحدّث في شأن ذلك العالم الكبير غير مُناسب.

٧ - لقد أجابه الشهيد القاضي الطباطبائي بقوله - ما مُلخّصه -:

( إنّ هذه المسألة ليس قائلها السيّد ابن طاووس في اللهوف فحسب، بل هناك أبو ريحان البيروني المتوفّى عام ٤٤٠ قد صرّح بذلك، وعليه شهرة الأصحاب من الإمامية - التي ادّعاها العلاّمة المجلسي - ومورد وفاق العلماء من القرن الأوّل إلى القرن السابع، وأوّل مَن استشكل فيها السيّد ابن طاووس في الإقبال، ومن المتأخِّرين المحدّث النوري )(٢) .

____________________

(١) اُنظر مُقدّمة مُثير الأحزان: ٩.

(٢) اُنظر مقدّمة مُثير الأحزان: ٤ - ٢٠.

٢٩٧

إذن؛ تخرج المسألة عن كونها في إطار نقل راوٍ مجهول، نقل في سنّ مُبكِّر من العمر، بل هناك جذور للمسألة.

نعم، سوف نذكر بعض الملاحظات على كلام الشهيد القاضي الطباطبائي.

المحدِّث النوري يستدلّ بسبع نقاط:

ثمّ إنّ المحدِّث النوري قال:

( وصول أهل البيت في الأربعين (الأُولى) إلى كربلاء - بناءً على ما ذكره السيّد في اللهوف - منافٍ لأمور كثيرة وأخبار عديدة، وتصريح عدّة من العلماء، منها:

١ - إنّ السيّد في الإقبال - بعد إشارته إلى ما ذكره في اللهوف سابقاً - قد استبعد ذلك.

ثمّ نقل المحدّث النوري ما ذكرناه عن الإقبال فيما مضى، وقال بعده:

هذا مُلخّص ما أفاده في الإقبال، والعَجب منه أنّه يذكر في اللهوف قضيّة استئذان ابن مرجانة من يزيد حول مسألة الأُسارى، وحملهم إلى الشام بعد ذلك، ومع ذلك نقل تلك القصّة (أي اجتماعهم مع جابر في يوم الأربعين) وهما لا يجتمعان.

٢ - إنّ أحداً من أجلاّء فَنِّ الحديث والمعتمَدين من أهل السير والتاريخ لم يذكروا ذلك في كتبهم، مع أنّه في غاية الأهمّية وجدير بالذكر، بل المستفاد من سياق كلامهم إنكارهم له.

ثمّ ذكر خبر المفيد في الإرشاد حول أمر يزيد بتجهيز أهل بيت الحسين إلى المدينة، إلى أن قال:

٢٩٨

فسار معهم في جملة النعمان، ولم يزل يُنازلهم في الطريق ويُرفق بهم كما وصّاه يزيد، ويرعاهم حتّى دخلوا المدينة، ومن البعيد أن يرى المفيد خبراً يعتمد عليه حول ذهابهم إلى كربلاء ولقائهم جابراً وإقامتهم العزاء على الحسينعليه‌السلام ولم يُشرْ إليه، وكذا الطبري في تاريخه الذي يُعدّ من التواريخ المعتبرة، وابن الأثير في الكامل لم يذكرا شيئاً من الرجوع إلى كربلاء(١) .

٣ - قال الشيخ المفيد في (مسار الشيعة) في ضمن وقائع شهر صفر: وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيّدنا ومولانا أبي عبد اللهعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر سيّدنا أبي عبد اللهعليه‌السلام فكان أوّل مَن زاره [من المسلمين] ويُستحبّ زيارته(٢) وذكر نحوه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد (٧٣٠)، والعلاّمة الحلّي في منهاج الصلاح، والكفعمي في موضعين من مصباحه (٤٨٩ و٥١٠).

وظاهر العبارة، أنّه يوم خروجهم من الشام لا ورودهم المدينة كما توهّمه بعض؛ لأنّ السير من الشام إلى المدينة الذي يزيد على مئتي فرسخ، لا يتعارف أن يكون أقلّ من شهر، خاصّة مع

____________________

(١) لؤلؤ ومرجان: ١٤٥ - ١٤٦.

(٢) مسار الشيعة: ٤٦.

٢٩٩

ملاحظة أمر يزيد لنعمان ( برعاية حالهم في الطريق )، واختلاف العبارة يدلّ على المراد؛ إذ لو كان المقصود واحداً لما غيّر التعبير ولاكتفى بكلمة الرجوع، بينما نجد استعمال كلمتين في المقام، وهما الرجوع والورود.

وعلى أيّ حال؛ فهذه الكلمات صريحة في عدم مجيئهم إلى كربلاء! وإلاّ لكان ذِكْرُه في أحداث شهر صفر أجدر، وذلك لجهات مُتعدّدة.

٤ - إنّ تفصيل ورود جابر إلى كربلاء مذكور في كتابين معتبرين وهما (بشارة المصطفى) للشيخ عماد الدِّين أبي القاسم الطبري - الذي هو من نفائس الكُتب الموجودة - و(مصباح الزائر) للسيّد ابن طاووس، وليس فيهما ذكر عن ورود أهل البيت إلى كربلاء وحصول اللقاء مع جابر، بل المستفاد أنّ الزيارة لم تكن إلاّ ساعات عديدة، فمن المستبعَد - عادةً - أن يحصل اللقاء ولم يذكره عطيّة، هذا مضافاً إلى أنّه لا أظنّ أن يقبل ذو العقل السليم بأن يأتي الإمام السجّادعليه‌السلام - ويكون ذلك أوّل زيارته لقبر أبيه في الظاهر - ولم يُنقل عنه كلام ولا زيارة، وتُنقل الزيارة التي تعمل بها الشيعة عن جابر.

٥ - ( إنّ أبا مخنف لوط بن يحيى من كبار المحدّثين والمعتمد عند أرباب السير والتواريخ، ومقتله في غاية الاعتبار، إلاّ أنّه لم يوصِل أصل مقتله بأيدينا، والموجود حالياً المنسوب إليه مُشتمل على بعض المطالب المنكرة المخالفة لأصول

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460