مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد أمين الأميني
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 225181
تحميل: 8088

توضيحات:

الجزء 6
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225181 / تحميل: 8088
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 6

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

جابر بن عبد الله الأنصاري وعطيّة العوفي في كربلاء:

جابر بن عبد الله هو ذلك الصحابي الجليل، الذي روى عنه عبد الرحمان بن سابط قال: ( كنت مع جابر، فدخل الحسين بن علي، فقال جابر:مَن سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا ، فأشهدُ لسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوله )(١) .

فهو من أهل المعرفة، فإن فاتته السعادة بفوز الشهادة في ركاب سبط خاتم الرسالة، فليس بغريب عنه أن يشدّ الرحال لزيارة قبره الشريف إبرازاً إيّاه ومخالفته للسلطة، وتجديداً للعهد والوفاء.

روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم محمّد بن علي الطبري، بإسناده عن الأعمش عن عطيّة العوفي قال:

( خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري، زائرين قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات، فاغتسل، ثمّ ائتزر بإزار، وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها سِعْدٌ، فنثرها على بدنه، ثمّ لم يخطُ خطوة إلاّ ذَكر الله تعالى، حتّى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه(٢) . فألمسته، فخرّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء، فلما أفاق قال: ( يا حسين ) ثلاثاً، ثمّ

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ١/ ١٤٧ وانظر ذخائر العُقبى: ١٢٩؛ تاريخ الإسلام للذهبي ٣/ ٨؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ١٩٠؛ نظم درر السمطين: ٢٠٨؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٦؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٧؛ إسعاف الراغبين: ٢٠٦؛ ينابيع المودّة: ٢٢٢؛ نور الأبصار: ١١٦؛ مشارق الأنوار للخمراوي: ١١٤؛ أرجح المطالب: ٢٨١؛ كذا في إحقاق الحقّ ١١/ ٢٨٩ - ٢٩١.

(٢) يُمكننا أن نعتبر هذا علّة عدم حضور جابر بن عبد الله في وقعة الطف؛ إذ المستفاد من هذه العبارة أنّه كان مكفوف البصر حينذاك، فيكون معذوراً، ويؤيّد ذلك ما رواه ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) (١/ ٢١٤) في قضية وقعة الحرّة بقوله: ( وكان جابر بن عبد الله يومئذٍ قد ذهب بصره... )، ومن المعلوم أنّ الفاصل الزمني بين وقعة الطف ووقعة الحرّة لم يكن إلاّ ما يُقارب سنة.

٢٨١

قال: حبيب لا يُجيب حبيبه!!

ثمّ قال: وأنّى لك بالجواب؟! وقد شُحطت أوداجك على أثباجك، وفُرِّق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنّك ابن خاتم النبيّين، وابن سيّد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّد النقباء، وابن فاطمة سيّدة النساء، وما لكَ لا تكون هكذا؟! وقد غذّتك كفّ سيّد المرسلين، ورُبيّت في حجر المتّقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفُطمت بالإسلام، فطبت حيّاً، وطبت ميّتاً، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة لفراقك، ولا شاكّة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.

ثمّ جال بصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين، وأناخت برحله، واشهد أنّكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتّى أتاكم اليقين، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، لقد شاركنا كم فيما دخلتم فيه.

قال عطيّة: فقلت له: يا جابر، كيف! ولم نهبط وادياً، ولم نعلُ جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم، وأُوتمت أولادهم، وأُرملت أزواجهم؟!

فقال: يا عطيّة، سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( من أحبّ قوماً حُشِر معهم، ومَن أحبّ عمل قوم أُشرك في عملهم ) . والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسينعليه‌السلام وأصحابه، خُذْني نحو أبيات كوفان.

فلما صرنا في بعض الطريق قال: يا عطيّة، هل أوصيك وما أظنّ أنّني بعد هذه السفرة مُلاقيك، أحبب مُحبَّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أحبّهم، وابْغُضْ مُبغض آل

٢٨٢

محمّد ما أبغضهم وإنْ كان صوّاماً قوّاماً، وأرْفِق بمُحبّ محمّد وآل محمّد، فإنّه إن تزلّ له قدم بكثرة ذنوبه ثبتت له أُخرى بمحبّتهم، فإنّ مُحبّهم يعود إلى الجنّة، ومُبغضهم يعود إلى النار )(١) .

وفيه نقاط للتأمّل:

منها:

١ - معرفة عظمة جابر، وذلك عِبر علوّ معرفته بمنزلة آل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - اتّخاذ موقف مُهمّ لجابر، حيث إنّه عدّ أعداء الحسينعليه‌السلام من الملحدين.

٣ - أدب جابر تجاه أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وذلك نتيجة لكمال معرفته؛ فلذلك نراه يغتسل، ثمّ ينثر السِّعْد على بدنه، ثمّ يذكر الله في كلّ خطوة، ثمّ لمْسُه القبر فوقوعه مغشيّاً عليه، وصياحه: يا حسين ثلاثاً، ثمّ فقرات زيارته الدالّة على مدى معرفته تجاه الرسول ووصيّه وسبطهعليهم‌السلام .

٤ - المستفاد من هذا النقل، أنّ جابراً يتّجه بعد زيارته نحو أبيات كوفان، ولم يذكر فيه شيئاً من ملاقاته للإمام زين العابدينعليه‌السلام وسائر أُسرة الحسينعليه‌السلام . ويأتي تحقيق المقام.

ثمّ إنّ السيّد ابن طاووس أورد كيفيّة زيارة جابر قبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وأصحابه الأوفياء، مع تفاصيل أُخرى يستدعي ذكرها تماماً.

قال: ( وقال عطا(٢) : كنت مع جابر بن عبد الله يوم العشرين من صفر، فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثمّ قال لي: أمعكَ شيء من الطيب يا عطا؟

قلت: معي سِعْد.

فجعل منه على رأسه وسائر

____________________

(١) بشارة المصطفى: ٧٤. وروى نحوه مقتل الخوارزمي (٢/ ١٦٧) مُسنداً بتفاوت يسير.

(٢) الظاهر اتّحاده مع عطيّة، كما احتمله المحدّث النوري أيضاً في لؤلؤ ومرجان: ١٤٩.

٢٨٣

جسده، ثمّ مشى حافياً حتّى وقف عند رأس الحسينعليه‌السلام ، وكبّر ثلاثاً، ثمّ خرّ مغشيّاً عليه، فلما أفاق سمعته يقول:

السلام عليكم يا آل الله، السلام عليكم يا صفوة الله، السلام عليكم يا خيرة الله من خلقه، السلام عليكم يا سادة السادات، السلام عليكم يا ليوث الغابات، السلام عليكم يا سُفُن النجاة، السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته.

السلام عليك يا وارث علم الأنبياء، السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبيّ الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث إسماعيل ذبيح الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا بن محمّد المصطفى، السلام عليك يا بن عليّ المرتضى، السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا شهيد ابن الشهيد، السلام عليك يا قتيل ابن القتيل، السلام عليك يا وليّ الله وابن وليّه، السلام عليك يا حجّة الله وابن حجّته على خلقه.

أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وبررت والِدْيك، وجاهدت عدوّك، أشهد أنّك تسمع الكلام، وتردّ الجواب، وأنّك حبيب الله وخليله ونجيبه وصفيّه وابن صفيّه.

زُرْتُك مُشتاقاً، فكُنْ لي شفيعاً إلى الله، يا سيّدي، أستشفع إلى الله بجدّك سيّد النبيِّين، وبأبيك سيّد الوصيّين، وبأُمّك سيّدة نساء العالمين، لعن الله قاتليك وظالميك وشانئيك ومبغضيك من الأوّلين والآخرين.

ثمّ انحنى على القبر، ومرَّغ خدّيه عليه وصلّى أربع ركعات، ثمّ جاء إلى قبر عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال: السلام عليك يا مولاي وابن مولاي، لعن الله قاتلك، لعن الله ظالمك، أتقرّب إلى الله بمحبّتكم، وأبرأ إلى الله من عدوّكم.

٢٨٤

ثمّ قبّله وصلّى ركعتين، والتفت إلى قبور الشهداء، فقال:

السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد الله، السلام عليكم يا شيعة الله وشيعة رسوله وشيعة أمير المؤمنين والحسن والحسين، السلام عليكم يا طاهرون، السلام عليكم يا مهديّون، السلام عليكم يا أبرار، السلام عليكم وعلى ملائكة الله الحافّين بقبوركم، جمعني الله وإيّاكم في مُستقرّ رحمته تحت عرشه.

ثمّ جاء إلى قبر العبّاس بن أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، فوقف عليه وقال: السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا عبّاس بن عليّ، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، أشهد لقد بالغت في النصيحة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت عدوّك وعدوّ أخيك، فصلوات الله على روحك الطيّبة، وجزاك الله من أخٍ خيراً.

ثمّ صلّى ركعتين ودعا الله ومضى )(١) .

إنّ هذه الزيارة تدلّ على مدى عظمة ومعرفة وجلالة هذا الصحابي الجليل.

ثمّ إنّه متى التحق عطيّة بجابر؟ هل كان عطيّة في الحجّ - تلك السنة - ثمّ اصطحبه جابر؟ أو أنّ جابراً جاء إلى الكوفة وأتيا معاً لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ؟

هذا ممّا لم يتيسّر لنا تحقّقه.

بيان شخصيَّتيهما:

١ - جابر بن عبد الله بن مرو بن حزام الأنصاري:

روى الكشّي أنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) ،...، وهو آخر مَن بقي من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان مُنقطعاً إلى آل البيتعليهم‌السلام ، وكان يقعد في المسجد وهو مُعتمٌّ

____________________

(١) مصباح الزائر: ٢٨٦، عنه بحار الأنوار ١٠١/ ٣٢٩.

(٢) اختيار معرفة الرجال ١/ ٣٨، رقم ٧٨.

٢٨٥

بعمامة سوداء وينادي: ( يا باقر العلم )(١) ، وكان يتوكّأ على عصاه ويدور في سكك المدينة ويقول: ( عليّ خير البشر )(٢) . وكان شيخاً قد أسنّ فلم يتعرّض الحجّاج له )(٣) .

وقال المحدّث النوري: ( هو من السابقين الأوّلين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وحامل سلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى باقر علوم الأوّلين والآخرين، وأوّل مَن زار أبا عبد الله الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين، المنتهى إليه سند أخبار اللوح السمائي، الذي فيه نصوص من الله ربّ العالمين، على خلافة الأئمّة الراشدين، الفائز بزيارته من بين جميع الصحابة عند سيّدة نساء العالمين، وله بعد ذلك مناقب أُخرى وفضائل لا تُحصى )(٤) .

وذكره المحدّث القمّي قال: ( صحابيّ جليل القدر، وانقطاعه إلى أهل البيتعليهم‌السلام ، وجلالته أشهر من أن تُذكَر، مات سنة ٧٨هـ، والروايات التي يظهر منها فضله كثيرة جدّاً ).

ثمّ ذكر بعضها، فقال بعد ذلك: ( أقول: حُكي عن (أُسد الغابة) أنّه قال في جابر (رضي الله عنه): إنّه شهد مع النبيّ ثمان عشرة غزوة، وشهد صِفِّين مع عليّ بن أبي طالب، وعُمي في آخر عمره... وهو آخر مَن مات بالمدينة ممّن شهد العقبة. إلى أن قال: وكان من المكثرين للحديث، الحافظين للسُّنن. وقال الشيخ (رحمه الله): إنّه شهد بدراً وثماني عشرة غزوة مع النبيّ، قلت: وهذا يُطابق قول جابر: شاهدت منها تسعة عشر. والله العالم )(٥) .

____________________

(١) المصدر نفسه، رقم ٨٨.

(٢) المصدر نفسه ١/ ٤٤ ح٩٣.

(٣) المصدر نفسه، ٢/ ١٢٤ ح١٩٥.

(٤) مستدرك الوسائل ٣/ ٥٨٠ الفائدة الخامسة من الخاتمة ترجمة جابر، عنه سفينة البحار ١/ ١٤١.

(٥) سفينة البحار ١/ ١٤٠ - ١٤١.

٢٨٦

وذكر السيّد الخوئي، أنّه شهد بدراً وثماني عشرة غزوة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أصفياء أصحاب عليّعليه‌السلام ، ومن شرطة خميسه، ومن أصحاب الحسن والحسين والسجّاد والباقرعليهم‌السلام ، جليل القدر... روى الكليني بسند صحيح، عن أبي جعفرعليه‌السلام قوله:( ولم يَكْذب جابر ) (١) ).(٢)

٢ - عطيّة بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس:

ويكنّى أبا الحسن قاله المحدّث القمّي، وقال: ( عطيّة العوفي أحد رجال العلم والحديث، يروي عنه الأعمش وغيره، وروي عنه أخبار كثيرة في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ... وهو الذي تشرّف بزيارة الحسينعليه‌السلام مع جابر الأنصاري الذي يُعدّ من فضائله أنّه كان أوّل مَن زاره... روي أنّه جاء سعد بن جنادة إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهو بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه قد ولِد لي غلام فسمِّه.

فقال:( هذا عطيّة الله ) .

فسُمِّي عطيّة، وكانت أُمّه روميّة، وخرج عطيّة مع ابن الأشعث(٣) ، هرب عطيّة إلى فارس، وكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم الثقفي: أن ادعُ عطيّة، فإن لعن عليّ بن أبي طالب وإلاّ فاضربه أربعمئة سوط واحُلق رأسه ولحيته!

فدعاه وأقرأه كتاب الحجّاج، وأبى عطية أن يفعل، فضربه أربعمئة سوط، وحلق رأسه ولحيته، فلما ولّي قتيبة بن مسلم خراسان خرج إليه عطيّة، فلم يزل بخراسان حتّى ولّي عمر بن هبيرة العراق، فكتب إليه عطيّة يسأله الإذن له في القدوم، فأذِن له، فقدم الكوفة فلم يزل بها إلى أن توفّي سنة ١١١، وكان كثير الحديث ثقة إن شاء الله، انتهى.

____________________

(١) مُعجم رجال الحديث ٤/ ٣٣٠، رقم ٢٠٢٦، عنه المفيد من مُعجم رجال الحديث: ١٠٠.

(٢) ولمزيد التعرّف على شخصيّته راجع مصادر ترجمته مثل: رجال الشيخ ٧٣؛ الإصابة ١/ ٢١٣؛ تهذيب الأسماء ١/ ١٤٢؛ الأعلام ١/ ٢١٣ وتنقيح المقال ١/ ١٩٩ وغيرها.

(٣) مرّت ترجمته وقصّة خروجه في الجزء الثاني من هذه الموسوعة ص١٢٢، فراجع.

٢٨٧

عن (مُلحقات الصراح) قال: عطيّة العوفي بن سعيد (سعد ظ)، له تفسير في خمسة أجزاء. قال عطيّة: عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاث عرضات على وجه التفسير، وأمّا على وجه القراءة فقرأ عليه سبعين مرّة، انتهى.

ويظهر من كتاب بلاغات النساء، أنّه سمع عبد الله بن الحسن يذكر خُطبة فاطمة الزهراءعليها‌السلام في أمر فدك فراجِعْ )(١) .

قال ابن نما: ( ولما مرّ عيال الحسينعليه‌السلام بكربلاء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته في وقت واحد، فتلاقوا بالحزن والاكتئاب والنوح على هذا المصاب المقرح لأكباد الأحباب )(٢) .

قال السيّد ابن طاووس: ( فوصلوا إلى موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله)، وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم )(٣) .

إقامة العزاء على أرض الطف:

أقام الركب الحسيني مجلسَ العزاء في أرض المعركة وهي الطفّ، وذلك بعد إقامته في الشام، وبذلك صارت سُنَّة حَسنة، استمرّت من ذلك الحين إلى الآن، وأمّا المجلس الذي أُقيم بكربلاء فقد تبنّاه أهل بيت الحسينعليهم‌السلام الذين شهدوا بأعيُنهم عُمق المأساة والفاجعة بأعينهم، وقد حضرها جابر بن عبد الله الأنصاري(٤) ، وجماعة من بني هاشم، ورجال من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أتوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ،

____________________

(١) سفينة البحار ٢/ ٢٠٥ مادّة عطا.

(٢) مُثير الأحزان: ١٠٧.

(٣) الملهوف: ٢٢٥. وروى نحوه السيّد محمّد بن أبي طالب (تسلية المجالس ٢/ ٤٥٨).

(٤) في زيارته الثانية للقبر الشريف.

٢٨٨

واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا أيّاماً، وفي بعض التواريخ استمرّت ثلاثة أيّام.

قال السيّد: ( وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أيّاماً )(١) .

وروى القندوزي عن أبي مخنف: ( فأخذوا بإقامة المآتم إلى ثلاثة أيّام )(٢) .

التحقيق حول الأربعين!

لقد وقع الخلاف في زمن مجيء أهل البيتعليهم‌السلام إلى كربلاء، هل كان ذلك في الأربعين الأُولى؟ أم الثانية؟ أم غيرهما؟

أمّا أصل مجيئهم إلى كربلاء فلا ينبغي الريب فيه؛ إذ إنّه - مضافاً إلى إمكانه - مذكور في كثير من الكُتب المعتبرة، وعدم تصريح بعض الكبار من العلماء لا يكون تصريحاً بالعدم، إذ إنّه أعمّ.

وأمّا زمن المجيء، فقد وقع الخلاف فيه، فذهب فريق إلى كونه في الأربعين الأوّل، ونفى فريق إمكان وقوعه فيه، وقالوا: إنّ المدّة لا تكفي، فلابدّ أن يكون بعد ذلك، ولكن ليس في الأربعين الثاني، بل فيما بينهما.

أمّا كونه في الأربعين الثاني (أي في سنة ٦٢هـ) فبعيد جدّاً، وإن ذكره بعض(٣) ، ولكن لا يمكن الالتفات إليه.

أمّا الفريق الأوّل (أعني القائلين: بأنّ الرجوع كان في الأربعين الأوّل)، فمنهم:

____________________

(١) الملهوف: ٢٢٥.

(٢) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢. ونحوه في المنتخب ٢/ ٤٨٣.

(٣) مثل ناسخ التواريخ.

٢٨٩

١ - أبو ريحان البيروني، قال: ( العشرون (من صفر) رُدَّ رأس الحسين إلى جثّته حتّى دُفن مع جثّته، وفيه زيارة الأربعين، وهم حرمه بعد انصرافهم من الشام )(١) .

٢ - الشيخ البهائي، قال: ( التاسع عشر (من صفر) فيه زيارة الأربعين لأبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهي مرويّة عن الصادقعليه‌السلام ، وقتها عند ارتفاع النهار، وفي هذا - وهو يوم الأربعين من شهادتهعليه‌السلام - كان قدوم جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) لزيارتهعليه‌السلام ، واتّفق في ذلك اليوم ورود حرمهعليه‌السلام من الشام إلى كربلاء، قاصدين المدينة، على ساكنها السلام والتحيّة )(٢) .

٣ - العلاّمة المجلسي (رحمه الله)، فقد نقل الشهرة بين الأصحاب، وقال حول علّة استحباب زيارة الحسين الحسين صلوات الله عليه في يوم الأربعين: ( والمشهور بين الأصحاب، أنّ العلّة في ذلك رجوع حرم الحسين - صلوات الله عليه - في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء عند رجوعهم من الشام، وإلحاق عليّ بن الحسين - صلوات الله عليه - الرؤوس بالأجساد )(٣) .

٤ - الشهيد القاضي الطباطبائي، فإنّه أتعب نفسه الزكيّة لإثبات هذه المسألة، وقد أتى بكتاب ضخم حول هذا الموضوع، وسنتعرّض إلى مُلخّص ما استدلّ به حينما نذكر أدلّة المحدّث النوري.

وهناك من العلماء - رحمهم الله - مَن لم يتعرّض لذلك مطلقاً كالشيخ المفيد(٤) ،

____________________

(١) الآثار الباقية: ٣٢١.

(٢) توضيح المقاصد: ٦.

(٣) بحار الأنوار ١٠١/ ٣٣٤.

(٤) مسار الشيعة ٤٦.

٢٩٠

والحلّي(١) ، والكفعمي(٢) ، فإنّهم اكتفوا بذكر رجوع أهل البيت من الشام إلى المدينة، ولم يذكروا شيئاً من وصولهم إلى كربلاء.

وبعضهم قد توقّف في المسألة، ولم يختر أيّ الجانبين، مثل جدّنا آية الله الفقيه الشيخ الطبسي النجفي، حينما قال: ( إنّما البحث في أنّهم أتوا إلى كربلاء في الأربعين الأُولى أو في السنة المقبلة؟ مُقتضى ظاهر بعض أنّه كان في السنة الأُولى، وظاهر عبارة ابن طاووس في اللهوف كذلك... وفي الناسخ أنّه ليس لنا خبر صريح في ذلك، بل قال: مجيء آل الله سنة الشهادة مُحال، ولكن مجيء جابر وجماعة من بني هاشم في الأربعين الأوّل بلا إشكال. وأمّا الشيخ عماد الدِّين حسن بن علي الطبري، الذي كان مُعاصراً للخواجة نصير الدِّين الطوسي في كامل البهائي: أنّ آل الرسول دخلوا دمشق في السادس عشر من شهر صفر في الأربعين الثاني، والذي يقول بالثاني إنّ مكثهم في الكوفة ما كان بنحو الاختصار، ثمّ بعد ذلك مرورهم في الأمصار والبلدان والقرى، وتوقّفهم في قرب (ميافارقين) عشرة أيّام، وثلاثة أيّام في النصيبين، وثلاثة أيّام في خارج الشام، مع وقوفهم في الكوفة في الحبس وغيره ما يقرب من عشرين يوم، فكيف وصلوا في عشرين صفر من السنة الأُولى التي وقعت فيها الشهادة؟! والعلم عند الله، وما كان البناء في رواحهم ومجيئهم من الشام إلى كربلاء بطريق الإعجاز.

فعليه؛ أنا من المتوقّفين في ذلك، ولكنّ المشهور عند عوامّ الناس في السنة الأُولى، مع أنّ ظاهر عدّة التواريخ أنّ توقّفهم في الشام لا يقلّ من شهر )(٣) .

____________________

(١) العدد القويّة: ٢١٩.

(٢) مصباح الكفعمي: ٤٨٩ و٥١٠.

(٣) مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٥ - مخطوط.

٢٩١

وقد نفى ذلك بعض العلماء واستبعده جدّاً، ومنهم:

١ - السيّد ابن طاووس: قال في (إقبال الأعمال): ( وجدت في (المصباح): أنّ حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة مع مولانا عليّ بن الحسينعليه‌السلام يوم العشرين من صفر، وفي غير (المصباح): أنّهم وصلوا كربلاء أيضاً في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر، وكلاهما مُستبعد؛ لأنّ عبيد الله بن زياد - لعنه الله - كتب إلى يزيد يُعرّفه ما جرى ويستأذنه في حملهم، ولم يحملهم حتّى عاد الجواب إليه، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوماً أو أكثر منها؛ لأنّه لما حملهم إلى الشام روي أنّهم أقاموا فيها شهراً في موضع لا يُكنّهم من حرٍّ ولا برد، وصورة الحال يقتضي أنّهم تأخّروا أكثر من أربعين يوماً من يوم قُتلعليه‌السلام إلى أن وصلوا العراق أو المدينة، وأمّا جوازهم في عودهم على كربلاء فيمكن ذلك، ولكنّه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر؛ لأنّهم اجتمعوا على ما روى جابر بن عبد الله الأنصاري، فإن كان جابر وصل زائراً من الحجاز، فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه أكثر من أربعين يوماً، وعلى أن يكون جابر وصل من الحجاز من الكوفة أو غيرها [كذا] انتهى )(١) .

وفيه: أنّه لم نعثر في (المصباح): ( أنّ حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة يوم العشرين من صفر )، وإنّما فيه: ( أنّه كان رجوع حرم سيّدنا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسول في اليوم العشرين من صفر )(٢) .

وقلنا آنفاً: إنّه لو كان المقصود هو مبدأ الرجوع - لا الوصول والدخول فيها - فحينئذٍ يكون المراد أنّه كان يوم الانطلاق من الشام، فلا مجال لأحد الاستبعادين.

____________________

(١) إقبال الأعمال: ٥٨٩.

(٢) مصباح المتهجّد: ٧٣٠.

٢٩٢

٢ - العلاّمة المجلسي، فإنّه قال: ( فائدة: اعلم أنّه ليس في الأخبار ما العلّة في استحباب زيارته - صلوات الله عليه - في هذا اليوم ( الأربعين )!

والمشهور بين الأصحاب، أنّ العلّة في ذلك رجوع حرم الحسين - صلوات الله عليه - في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء، عند رجوعهم من الشام، وإلحاق عليّ بن الحسين - صلوات الله عليه - الرؤوس بالأجساد، وقيل: في مثل ذلك اليوم رجعوا إلى المدينة، وكلاهما مُستبعدان جدّاً؛ لأنّ الزمان لا يسعُ ذلك، كما يظهر من الأخبار والآثار، وكون ذلك في السنة الأُخرى أيضاً مُستبعد )(١) .

واستبعدهما في زاد المعاد(٢) ، وما علّقناه حول كلام السيّد جارٍ هنا أيضاً.

٣ - المحدّث النوري، فإنّه استبعده بالمرّة، وذكر أدلّة لا بأس بها في الجملة، سنذكرها في المبحث الآتي (القضاء بين المحدّث النوري والقاضي الطباطبائي).

٤ - المحدّث القمّي، فإنّه ( قدّس سرّه) من المستبعدين والمنكرين لذلك أيضاً (٣) .

٥ - الشيخ محمّد إبراهيم الآيتي، فإنّه نفاه وعدّه من الأساطير التاريخية!(٤) .

٦ - الشهيد المطهّري، فإنّه (رضي الله عنه)، نفى خبر لقاء أهل البيت مع جابر بجدٍّ، وقال: المتفرّد بذلك هو السيّد ابن الطاووس في اللهوف، ولم يذكره أحد غيره، حتّى إنّ السيّد لم يذكره في سائر كتبه أيضاً، والدليل العقلي يرفضه أيضاً(٥) .

وفيه: إن كان مقصوده - رضوان الله عليه - من إنكار اللقاء، عدم حصوله في

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠١/ ٣٣٤.

(٢) زاد المعاد، عنه مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للطبسي.

(٣) مُنتهى الآمال ١/ ٨١٧.

(٤) بررسي تاريخ عاشورا: ١٤٨.

(٥) حماسه حسيني ١/ ٣٠.

٢٩٣

خصوص يوم الأربعين - كما هو المترائى من ظاهر عبارته، خاصّة مع ضمّه الدليل العقلي لذلك - فإنّ السيّد ابن طاووس لم يقله حتّى في اللهوف، وإن كان المقصود إنكار أصل اللقاء، فإنّ السيّد ليس المتفرّد في هذه القضيّة، فإنّ هناك كباراً من العلماء نجدهم قد صرّحوا بذلك، منهم: الشيخ ابن نما الذي كان مُعاصراً للسيّد(١) ، والشيخ البهائي(٢) ، والسيّد ابن أبي طالب(٣) ، والعلاّمة المجلسي(٤) ، والقندوزي(٥) وغيرهم.

ويأتي القول المختار في الموضوع.

القضاء بين المحدِّث النوري والقاضي الطباطبائي:

ذكرنا الأقوال في المسألة، وأشرنا إلى أنّ المحدِّث النوري كان من المنكرين للرجوع في الأربعين الأوّل، بينما كان الشهيد القاضي من الذاهبين لإثباته، لكن لما كان هذين العلمين الحجّتين مُتحمّسَين في رأيهما، ويُقدّمان الأدلّة على ما يذهبان إليه، فإليك مُجمل ما أفاداه، والنظر المختار فيه:

١ - مع المحدِّث النوري:

قال المحدّث النوري: ( إنّ السيّد ابن طاووس، والذي روى خبر لقاء أهل البيت مع جابر بن عبد الله الأنصاري، ألّف كتاب اللهوف في أوان تكليفه وبداية شبابه، ويدلّ عليه اثنان:

____________________

(١) مُثير الأحزان ١٠٧.

(٢) توضيح المقاصد ٦.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٤٥٨.

(٤) جلاء العيون ٤٥٠.

(٥) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢.

٢٩٤

١) إنّه أسقط ذكر المأخذ والإسناد فيه وفي مصباح الزائر، وهو خلاف سيرته وطريقته في سائر كُتبه الموجودة، وليس هناك وجه إلاّ عدم إتقانه التامّ وقلّة اطّلاعه في حين تأليف هذين الكتابين، وكذلك في كتابه الآخر المسمّى بـ ( المجتنى )؛ فحينئذٍ لو ورد إشكال على كتابه فلا يُنافي شخصيّته وعظمته وعلوّ مقامه، وطول باعه وكثرة اطّلاعه في الأحاديث والآثار؛ لأنّها حصلت تدريجيّاً وعلى مرّ الزمان.

٢) إنّ السيّد قد صرّح في إجازاته أنّه كتب مصباح الزائر في بداية التكليف(١) ، وقال في أوّل اللهوف: إنّ من أجلّ البواعث لنا على سلوك هذا الكتاب(٢) أنّني لما جمعت كتاب (مصباح الزائر وجناح المسافر)، ورأيته قد احتوى على أقطار الزيارات ومختار أعمال تلك الأوقات؛ فحامله مُستغنٍ عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف أو حمل مزار كبير أو لطيف، أحببت أيضاً أن يكون حامله مُستغنياً عن نقل مقتل في زيارة عاشوراء إلى مشهد الحسين صلوات الله عليه، فوضعت هذا الكتاب ليُضمّ إليه )(٣) .

مُناقشة مُقدّمتي النوري:

فمقصود المحدّث النوري من هاتين المقدّمتين: أنّ السيّد ابن طاووس كتب اللهوف - وهو المصدر الأقدم في المسألة - في سنّ مُبكِّرة، وفي وقت عدم تضلُّعه

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠٧/ ٣٩.

(٢) الملهوف: ٨٦.

(٣) لؤلؤ ومرجان: ١٤٤.

٢٩٥

التامّ، فلا يُركَن إليه في هذه المسألة.

وفي كليهما وجوه للنظر:

١ - إنّ إسقاطه المأخذ والإسناد ليس ناشئاً عن عدم إتقانه التامّ وقلّة اطّلاعه - كما قال -، بل لما كان قصد المؤلّف تأليف كتاب صغير الحجم، كثير الموضوع، قابل للحمل في مشهد الحسينعليه‌السلام وغيره، فلابدّ له أن يفعل ذلك، وإلاّ يكون ذلك نقضاً للغرض، ولكان الأجدر الاكتفاء بالمطوّلات كمصباح الشيخ.

٢ - قال السيّد (ابن طاووس) في إجازاته: (ممّا ألّفته في بداية التكليف من غير ذكر الأسرار والتكشيف كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر ثلاث مجلّدات )(١) ، ثمّ ذكر سائر كتبه، وقال في آخر ما ذكره من تصانيفه: ( وصنّفت كتاب الملهوف على قتلى الطفوف، ما عرفت أنّ أحداً سبقني إلى مثله، ومَن وقف عليه عرف ما ذكرته من فضله )(٢) .

فربّما الناظر إلى هذه العبارة يستشفّ منها أنّ اللهوف هو آخر ما صنّفه، لما في جعله آخر تصانيفه، ومع عدم قبول ذلك فالمتيقّن أنّ هذه الشهادة منه على مضمون الكتاب حصلت في مرحلة كمال عمره الشريف، وبعد فراغه من كثير من تصانيفه؛ فإذن لا يناسب ذلك الكلام في حقّ هذا الكتاب.

٣ - إنّ المحدّث النوري قد صرّح في كتابه هذا بأنّ (مصباح الزائر) من الكُتب المعتبرة(٣) ! وهذان لا يجتمعان.

٤ - ثمّ إنّ ضمّه إلى (مصباح الزائر) ليس دليلاً على كتابته في أوان التكليف،

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠٧/ ٣٩.

(٢) المصدر نفسه ١٠٧/ ٤٢.

(٣) لؤلؤ ومرجان: ١٤٨.

٢٩٦

بل المؤلّف رأى حُسن ذلك فيما بعد، كما صرّح بذلك نفسه.

٥ - أضف إلى ذلك، أنّ تأليف الكُتب من مثل هؤلاء في هذا السنّ المبكِّرة هو عناية إلهيّة خاصّة لمن يشاء من خيار عباده؛ ولذلك نجد كباراً من العلماء القدماء مُجتهدين في أوان التكليف أو قبله.

٦ - إنّ السيّد ليس المتفرّد بذلك، بل هذا العلاّمة الجليل الفقيه ابن نما الحلّي (٥٦٧ - ٦٤٥هـ) - الذي قال المحقّق الكركي عنه: وأعلم العلماء بفقه أهل البيت(١) - ذكر خبر اللقاء أيضاً، ولا يقول أحد: إنّه كتبه في أوان تكليفه! وإنّه ناشٍ عن كذا وكذا. وهو متقدِّم زمنيّاً على السيّد ابن طاووس، إذ كانت ولادة السيّد (رحمه الله) سنة ٥٨٩هـ ووفاته سنة ٦٦٤، بينما ولِد ابن نما في سنة ٥٦٧ وتوفِّي سنة ٦٤٥، فولادته كانت قبل السيّد بـ ٢٢ سنة، واتّفق وفاته قبل وفاة السيد بـ ٢١ سنة.

فتحصّل، أنّ صدور هذا اللحن من الخطاب من مثل هذا المحدّث في شأن ذلك العالم الكبير غير مُناسب.

٧ - لقد أجابه الشهيد القاضي الطباطبائي بقوله - ما مُلخّصه -:

( إنّ هذه المسألة ليس قائلها السيّد ابن طاووس في اللهوف فحسب، بل هناك أبو ريحان البيروني المتوفّى عام ٤٤٠ قد صرّح بذلك، وعليه شهرة الأصحاب من الإمامية - التي ادّعاها العلاّمة المجلسي - ومورد وفاق العلماء من القرن الأوّل إلى القرن السابع، وأوّل مَن استشكل فيها السيّد ابن طاووس في الإقبال، ومن المتأخِّرين المحدّث النوري )(٢) .

____________________

(١) اُنظر مُقدّمة مُثير الأحزان: ٩.

(٢) اُنظر مقدّمة مُثير الأحزان: ٤ - ٢٠.

٢٩٧

إذن؛ تخرج المسألة عن كونها في إطار نقل راوٍ مجهول، نقل في سنّ مُبكِّر من العمر، بل هناك جذور للمسألة.

نعم، سوف نذكر بعض الملاحظات على كلام الشهيد القاضي الطباطبائي.

المحدِّث النوري يستدلّ بسبع نقاط:

ثمّ إنّ المحدِّث النوري قال:

( وصول أهل البيت في الأربعين (الأُولى) إلى كربلاء - بناءً على ما ذكره السيّد في اللهوف - منافٍ لأمور كثيرة وأخبار عديدة، وتصريح عدّة من العلماء، منها:

١ - إنّ السيّد في الإقبال - بعد إشارته إلى ما ذكره في اللهوف سابقاً - قد استبعد ذلك.

ثمّ نقل المحدّث النوري ما ذكرناه عن الإقبال فيما مضى، وقال بعده:

هذا مُلخّص ما أفاده في الإقبال، والعَجب منه أنّه يذكر في اللهوف قضيّة استئذان ابن مرجانة من يزيد حول مسألة الأُسارى، وحملهم إلى الشام بعد ذلك، ومع ذلك نقل تلك القصّة (أي اجتماعهم مع جابر في يوم الأربعين) وهما لا يجتمعان.

٢ - إنّ أحداً من أجلاّء فَنِّ الحديث والمعتمَدين من أهل السير والتاريخ لم يذكروا ذلك في كتبهم، مع أنّه في غاية الأهمّية وجدير بالذكر، بل المستفاد من سياق كلامهم إنكارهم له.

ثمّ ذكر خبر المفيد في الإرشاد حول أمر يزيد بتجهيز أهل بيت الحسين إلى المدينة، إلى أن قال:

٢٩٨

فسار معهم في جملة النعمان، ولم يزل يُنازلهم في الطريق ويُرفق بهم كما وصّاه يزيد، ويرعاهم حتّى دخلوا المدينة، ومن البعيد أن يرى المفيد خبراً يعتمد عليه حول ذهابهم إلى كربلاء ولقائهم جابراً وإقامتهم العزاء على الحسينعليه‌السلام ولم يُشرْ إليه، وكذا الطبري في تاريخه الذي يُعدّ من التواريخ المعتبرة، وابن الأثير في الكامل لم يذكرا شيئاً من الرجوع إلى كربلاء(١) .

٣ - قال الشيخ المفيد في (مسار الشيعة) في ضمن وقائع شهر صفر: وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيّدنا ومولانا أبي عبد اللهعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر سيّدنا أبي عبد اللهعليه‌السلام فكان أوّل مَن زاره [من المسلمين] ويُستحبّ زيارته(٢) وذكر نحوه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد (٧٣٠)، والعلاّمة الحلّي في منهاج الصلاح، والكفعمي في موضعين من مصباحه (٤٨٩ و٥١٠).

وظاهر العبارة، أنّه يوم خروجهم من الشام لا ورودهم المدينة كما توهّمه بعض؛ لأنّ السير من الشام إلى المدينة الذي يزيد على مئتي فرسخ، لا يتعارف أن يكون أقلّ من شهر، خاصّة مع

____________________

(١) لؤلؤ ومرجان: ١٤٥ - ١٤٦.

(٢) مسار الشيعة: ٤٦.

٢٩٩

ملاحظة أمر يزيد لنعمان ( برعاية حالهم في الطريق )، واختلاف العبارة يدلّ على المراد؛ إذ لو كان المقصود واحداً لما غيّر التعبير ولاكتفى بكلمة الرجوع، بينما نجد استعمال كلمتين في المقام، وهما الرجوع والورود.

وعلى أيّ حال؛ فهذه الكلمات صريحة في عدم مجيئهم إلى كربلاء! وإلاّ لكان ذِكْرُه في أحداث شهر صفر أجدر، وذلك لجهات مُتعدّدة.

٤ - إنّ تفصيل ورود جابر إلى كربلاء مذكور في كتابين معتبرين وهما (بشارة المصطفى) للشيخ عماد الدِّين أبي القاسم الطبري - الذي هو من نفائس الكُتب الموجودة - و(مصباح الزائر) للسيّد ابن طاووس، وليس فيهما ذكر عن ورود أهل البيت إلى كربلاء وحصول اللقاء مع جابر، بل المستفاد أنّ الزيارة لم تكن إلاّ ساعات عديدة، فمن المستبعَد - عادةً - أن يحصل اللقاء ولم يذكره عطيّة، هذا مضافاً إلى أنّه لا أظنّ أن يقبل ذو العقل السليم بأن يأتي الإمام السجّادعليه‌السلام - ويكون ذلك أوّل زيارته لقبر أبيه في الظاهر - ولم يُنقل عنه كلام ولا زيارة، وتُنقل الزيارة التي تعمل بها الشيعة عن جابر.

٥ - ( إنّ أبا مخنف لوط بن يحيى من كبار المحدّثين والمعتمد عند أرباب السير والتواريخ، ومقتله في غاية الاعتبار، إلاّ أنّه لم يوصِل أصل مقتله بأيدينا، والموجود حالياً المنسوب إليه مُشتمل على بعض المطالب المنكرة المخالفة لأصول

٣٠٠