مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234497 / تحميل: 8798
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

مساعدة اضافية من بيت المال قال له الامام علي (عليه السلام) « اتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني الى نارٍ سجرها جبّارها لغضبه »(١) .

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام) في خطبة اخرى: « واتقوا ناراً حرها شديد وقعرها بعيد وحليتها حديد، وشرابها صديد »(٢) .

صاحب سلمان:

« مر سلمان يوماً على سوق الحدادين في الكوفة فرأى شاباً قد صعق، والناس قد اجتمعوا حوله، فقالوا له: يا أبا عبدالله هذا الشباب قد صرع، فلو قرأت في اذنه، قال: فدنا منه سلمان فلما رآه الشاب أفاق وقال: يا ابا عبدالله ليس بي ما يقول هؤلاء القوم، ولكني مررت بهؤلاء الحدادين وهم يضربون المرزبات فذكرت قوله تعالى: (ولهم مقامع من حديدٍ) فذهب عقلي خوفاً من عقاب الله تعالى، فاتخذه سلمان أخاً، ودخل قلبه حلاوة محبته في الله تعالى فلم يزل معه حتى مرض الشاب فجاءه، سلمان فجلس عند رأسه وهو يجود بنفسه فقال: (يا ملك الموت ارفق بأخي)، قال: يا ابا عبدالله اني بكل مؤمن رفيق »(٣) .

____________________

(١) نهج البلاغة خطبة ٢٢٤.

(٢) نهج البلاغة خطبة ١٢٠.

(٣) بحار الانوار ج ٢٢ ص ٣٨٥.

٢٢١

٥ - عرض الاعمال:

إنّ احدى المعتقدات الاسلامية التي لها الاثر البالغ في منع الذنب هي مسألة « عرض الأعمال على الصالحين (عليهم السلام) » ومعناه ان الله سبحانه وتعالى - من طرق خاصة - يعرض الاعمال في كل يوم او في كل اسبوع مرة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة الطاهرين (عليهم السلام) فاذا كانت حسنة تفرحهم واذا كانت سيئة يحزنون لشيعتهم. فعندما يعرف الانسان وقوع هذا الامر يحتاط ويراقب نفسه اكثر حتى يترك الذنب ليسعد الرسول والائمة (عليهم السلام). مثلهم كمثل الذين يعملون في مؤسسة ما، فلو علموا ان اعمالهم تعرض كل يومٍ او كل اسبوع مرة على المسؤولين الكبار فانهم يزيدون من سعيهم لارضاء المسؤولين باعمالهم الحسنة. (وفي الآية ١٠٥) من سورة التوبة نقرأ قوله تعالى:

(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).

وحول مسألة عرض الاعمال فقد وردت روايات كثيرة عن الائمة (عليهم السلام) في كتاب اصول الكافي وتذكر في باب (عرض الاعمال على النبي والائمة (عليهم السلام)) ويحتوي على ستة احاديث:

وقد جاء في بعض الروايات: ان الاعمال الصالحة والسيئة للانسان تعرض على الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كل صباح وفي بعضها

٢٢٢

تعرض كل عصر يوم خميس. وتذكر بعض الروايات ان الاعمال تعرض على الائمة الاطهار (عليهم السلام) وفي بعضها تعرض على امير المؤمنين علي (عليه السلام)(١) .

٦ - ذكر الموت:

ان ذكر الموت يكسر غرور الانسان وبالتالي يهيىء الارضية لترك الذنب، وهو عامل مهم للامتناع عن ارتكاب الذنب والسيطرة عليه، وحول هذا الموضوع قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« أكثروا ذكر الموت فأنّه يمحّص الذنوب »(٢) .

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« الموت الزم لكم من ظلكم »(٣) .

٧ - الخوف من الله ومن عاقبة الذنب:

إنّ احد العوامل التي تمكّن الانسان من السيطرة على اقتراف الذنب هو الخوف من الله سبحانه ومن عاقبة الذنب.

قال الامام الصادق (عليه السلام):

____________________

(١) اصول الكافي المجلد الاول ص ٢١٩، وفي كتاب وسائل الشيعة المجلد ١١ ص ١٠١ و كذلك ذكر باب فيه ٢٥ حديثاً، وكتاب ميزان الحكمة ج ٧ ص ٣٢ - ٣٥.

(٢) نهج الفصاحة الحديث ٤٤٤ - ميزان الحكمة ج ٩ ص ٢٤٦.

(٣) فهرس الغرر (الموت).

٢٢٣

« من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الاعمال فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى »(١) .

وقال الامام الصادق (عليه السلام) أيضاً:

« يا اسحق خف الله فانك تراه وان كنت لا تراه يراك »(٢) .

وقال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« يا أبا ذر إياك إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة، فلا تقال العثرة ولا تمكّن من الرجعة، ولا يحمدك من خلّفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به »(٣) .

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« لا تخف الاّ ذنبك »(٤) .

وقال الامام الصادق (عليه السلام):

« العجب ممن يخاف العقاب ولم يكف »(٥) .

ويعني انّ الابتعاد عن الذنب دليل الخوف من عذاب

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٧٠.

(٢) اصول الكافي ج ٢ ص ٦٧ - ٦٨.

(٣) بحار الانوار ج ٧٧ ص ٧٥ يعني واظب على نفسك أن لا يدركك الموت حين غفلتك واشتغالك بالدنيا فلا تتمكن من الاقالة والرجعة ووارثك لا يحمدك بما تركت له. ولا يقبل الله العذر منك باشتغالك بامور الدنيا.

(٤) غرر الحكم - ميزان الحكمة ج ٣ ص ١٨٢.

(٥) بحار الانوار ج ٧٧ ص ٢٣٧.

٢٢٤

الله سبحانه.

٨ - تأثير العبادة في الامتناع عن ارتكاب الذنب:

انّ العبادات في الاسلام اذا اقيمت بشرائطها وصحتها فاضافة الى فوائدها المعنوية لها دور فعال في السيطرة على الذنب. والهدف الاصلي من العبادات بعد معرفة الله سبحانه وتعالى هو تطهير النفس والحصانة من الذنب مع الانتباه الى ان النية في قصد القربة الى الله سبحانه دليل على صحة العبادة. وللعبادة نور يبعث الاخلاص والصفاء في روح الانسان. والاستمرار بها يقوي ارتباط الانسان بالله سبحانه وتعالى.

جاء في الآية ١٨٣ من سورة البقرة قوله تعالى:

(يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون).

وجاء في (الآية ٤٥ من سورة العنكبوت) قوله تعالى:

(أتل ما أوحي اليك من الكتاب وأقم الصلاة إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر أكبر والله يعلم ما تصنعون).

وجاء في الروايات حول هذا الموضوع بشكل واضح وصريح ما يلي:

١ - قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« مثل الصلاة كمثل النهر الجاري، كلّما صلى صلاة كفرت ما

٢٢٥

بينهما »(١) .

٢ - وقال الامام الصادق (عليه السلام):

« من أحبّ أنّ يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر: هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قبلت منه »(٢) .

٣ - وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام)

« والصلاة تنزيها عن الكبر... والنهي عن المنكر ردعاً للسّفهاء »(٣) .

عند القيام بالعبادات مثل: الصلاة، والصوم، والحج و... نرى ان هناك اموراً تبطل هذه العبادات فيجب مراعاتها والانتباه الى مبطلاتها لتكون مقبولة وعلى الوجه الصحيح. فهذه المراعات هي نوع من انواع الترويض لتقوية الارادة لتربية النفس للوقوف امام الذنوب، لان ترك الذنب يحتاج الى مقدار من الارادة واستقامة الانسان، والمسألة الاخرى هي موضوع علاج الذنب لتطهير الانسان منه. فيجب الانتباه اليه بعمق ودقة، وقد ذكر علماء الاخلاق الطرق الواضحة في معالجة الذنوب حيث بينوا لنا ان لكل ذنب علاجاً خاصاً ودواء شافياً للصدور، حيث جاءت في الروايات جملة من هذه الأدوية لعلاج الذنوب(٤) . فعلى سبيل المثال نذكر نماذج منها:

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ٣ ص ٧.

(٢) مجمع البيان ذيل آية ٤٥ عنكبوت.

(٣) نهج البلاغة حكمة ٢٥٢.

(٤) في كتاب معراج السعادة للمحقق النراقي طرق معالجة بعض الذنوب.

٢٢٦

١ - قال عمار بن ياسر(١) سمعت امير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول:

« ولا وجع أوجع للقلوب من الذنوب »(٢) .

٢ - وقال الامام الباقر (عليه السلام):

« لكل داءٍ دواء، ودواء الذنوب الاستغفار »(٣) .

٣ - وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« داووا بالتقوى الاسقام »(٤) .

طريقة العلاج:

ولاجل توضيح الطرق لعلاج الذنوب نذكر نموذجاً واحداً:

مثلاً: اذا ابتلي لسان الانسان بمرض الغيبة فعلاجه على نحوين:

« على الجملة والآخر على التفصيل، أما على الجملة فهو أن يعلم تعرضه لسخط الله بغيبته بالأخبار والروايات، وأما على التفصيل فهو أن ينظر الى السبب الباعث على الغيبة فان علاج العلة بقطع سببها ومن اسبابها (الغضب، الخيانة، تزكية النفس، الحسد، التكبر)

____________________

(١) مستدرك الوسائل ٢ ص ٣٥٦.

(٢) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٧٥.

(٣) نفس المصدر السابق ج ١ ص ٢٨٧.

(٤) نهج البلاغة خطبة ١٩١.

٢٢٧

وعلاجها بالمعرفة فقط والتحقق بهذه الامور التي تؤدي الى ابواب الايمان فمن قوي ايمانه بجميع ذلك انكفأ لسانه عن الغيبة لا محالة »(١) .

____________________

(١)نقلاً عن المحجة البيضاء ج ٥ ص ٢٦٤.

٢٢٨

موقف الاسلام من المذنب

ان الاسلام يرى ان الواجب على كل الناس بالقلب واللسان والقدرة ان يقفوا أمام المذنب وان يهتموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال الامام الصادق (عليه السلام):

« ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الارض وينتصف من الاعداء ويستقيم الأمر » (١).

قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم):

(ادع الى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن). (النحل الآية ١٢٥)

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٣٩٥.

٢٢٩

وقال الله سبحانه وتعالى ايضاً:

(ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة). (المؤمنون الآية ٩٦).

التأديب الاجتماعي والاساليب الاخرى:

يرى الاسلام ان التعامل مع المذنب طريقة من طرق التأديب الاجتماعي، وحول هذا الموضوع نذكر بعض النماذج:

١ - (الآية ٣ من سورة النور) قوله تعالى:

(الزّاني لا ينكح إلاّ زانية أو مشركةً والزّانية لا ينكحها إلاّ زانٍ أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين).

٢ - (الآية ٤ من سورة النور):

(والذّين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون).

٣ - (التوبة الآية ٢٨):

(يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا....).

٤ - (الآية ١١٨ من سورة التوبة):

(وعلى الثلاثة الّذين خلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلاّ إليه ثمّ تاب عليهم ليتوبوا إنّ الله هو التوّاب الرّحيم).

٢٣٠

٥ - (الآية ١٤٠ من سورة النساء):

(وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفربها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذاً مثلهم إنّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً).

الروايات ومواجهة المذنب:

ذكرت في الروايات الاسلامية أساليب كثيرة في كيفية التعامل مع المذنب، نذكر منها عدة نماذج:

١ - قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« ادنى الانكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرةٍ »(١) .

٢ - قول الامام الصادق (عليه السلام) لاحد اصحابه الذي يدعى (الحارث بن المغيرة) الذي قال: « قال الامام الصادق (عليه السلام)... أما لاحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم فدخلني من ذلك أمر عظيم، قال (عليه السلام): ما يمنعكم اذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون وما يدخل علينا به الاذى أن تأتوه فتؤنبوه وتذلوه وتقولوا له قولاً بليغاً، فقلت: جعلت فداك اذا لا يطيعوننا ولا يقبلون منا، فقال: اهجروهم واجتنبوا مجالسهم »(٢) .

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٤١٣.

(٢) روضة الكافي ص ١٦٢.

٢٣١

٣ - قال الامام الكاظم (عليه السلام) في كلامه حول التعامل مع الطواغيت والظالمين:

« يا زياد لئن اسقط من حالق فاتقطع قطعة قطعة أحبّ اليّ من أن أتولى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم... »(١) .

غضب الامام الصادق (عليه السلام):

يعتبر دواد بن علي أحد ولاة بني العباس المجرمين الذي كان والياً على المدينة. ارسل على (معلّى بن خنيس) أحد الموالين والتلامذة المخلصين للامام الصادق (عليه السلام) فقتله وصادر امواله. فتأثر الامام الصادق (عليه السلام) تأثراً شديداً على قتله وذهب الى داود وقال (عليه السلام) له:

« قتلت مولاي وأخذت مالي، أما علمت أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب، أما ولله لادعونّ الله عليك »(٢) .

فسخر داود عن كلام الامام (عليه السلام) وقال له: اتهددني بدعائك؟ فرجع الامام (عليه السلام) الى بيته وقضى ليلته بالصلاة فلما جاء السحر ناجى الامام الصادق ربّه وقال (عليه السلام): « يا ذا القوة القوية وياذا المحال الشديد ويا ذا العزة التي كل خلقك لها ذليل اكفني هذا الطاغية وانتقم لي منه ».

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٢ ص ١٤٠.

(٢) الارشاد للمفيد ج ٢ ص ١٨٤.

٢٣٢

وما مرت الاّ ساعة حتى تعالت الاصوات في المدينة بموت داود.

موقف الامام الكاظم (عليه السلام):

احياناً يكون التعامل الحسن مع المذنب موجباً لهدايته كما في القصة التالية:

« كان أحد المنسوبين للخلفاء كلما يرى الامام الكاظم (عليه السلام) يذكره ويذكر امير المؤمنين علياً (عليه السلام) بالكلام البذيء وذات يوم جاء جمع من محبي الامام الكاظم (عليه السلام) وطلبوا منه الاجازة في قتله، فلما سمع الامام (عليه السلام) بكلامه قال لهم: لا تقدموا على هذا العمل ولكن قولوا لي اين مكان هذا الرجل؟ فقالوا له: انه مشغول في بستانه.

فركب اليه فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره، فصاح به العمري: لاتطأ زرعنا فوطأه ابوالحسن (عليه السلام) بالحمار حتى وصل اليه فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟ فقال: مائة دينار، قال: وكم ترجو ان تصيب؟ قال: لست أعلم الغيب، قال: انما قلت لك ترجو ان يجيئك فيه، قال: ارجو ان يجيئني فيه مائتا دينار قال: فأخرج ابوالحسن (عليه السلام) صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال: هذا زرعك على حاله والله يرزقك فيه ما ترجو قال: فقام العمري فقبّل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه فتبسم اليه ابو الحسن (عليه السلام) وانصرف وراح الى المسجد فوجد العمري جالساً فلما

٢٣٣

نظر اليه قال: « الله اعلم حيث يجعل رسالته »... فلما رجع ابو الحسن (عليه السلام) الى داره قال لجلسائه الذين سألوه عن قتل العمري:

« ايما كان خيراً ما اردتم او ما اردت انني اصلحت امره بالمقدار الذي عرفتم وكفيت به شره »(١) .

موقف الاحكام الشرعية من المذنب:

في الفقه الاسلامي قوانين واوامر في التعامل مع المذنب ومنعه من اقتراف الذنب. ونرى هناك اوامر دقيقة جداً للوقوف أمام اقتراف الذنب. فمثلاً: احكام الحدود والديات والتعزيرات اذا اجريت بالنحو المرسوم لها والكامل فانها عامل مهم في الوقوف امام الذنب، او مثلاً الاوامر الاسلامية المؤكدة على ان شارب الخمر، لا يزوجونه او ان المذنب لا يعطى الزكاة او ان سفر المعصية موجب لصلاة القصر. او المرأة المحصنة او المرأة غير المحصنة فالمحصنة ان زنت فحكمها القتل (وفرق بين المحصنة وغير المحصنة) او المرأة الناشزة التي لا تطيع زوجها فليس لها حق النفقة او قطع يد السارق او الجلوس مع الخمارين والأكل معهم على مائدة واحدة حرام، كل هذه القوانين والاوامر في الاسلام تبين لنا تعامل الاسلام مع المذنب، وكل واحدة من هذه الاوامر مانع ومسيطر على اقتراف الذنب في الفرد والمجتمع(٢) .

____________________

(١) الارشاد للمفيد ص ٢٩٧.

(٢) في هذه المسالة يراجع تحرير الوسيلة ج ١ ص (٤٧٦ - ٤٨٠) مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢٣٤

القسم الخامس

الآثار السلبية التي يخلفها الذنب

التوبة والتطهير وجبران الذنب

الآثار السلبية التي يخلفها الذنب:

من المسلّمات في الدين والعلم والتجربة ان اعمال الانسان الحسنة والسيئة لها نتائج دنيوية واخروية. كزارع البذور فلو زرع احد بذر الورد لجنى ثماوه ورداً، وزارع الشوك لا يجني الاّ شوكاً.

وبعبارة اخرى لكل عمل رد عمل رد فعل معاكس كالذي يضرب الكرة على الارض فترجع الكرة اليه، ويجب الانتباه ايضاً الى ان جزاء العمل يراه في الدنيا والاخرة. ولكن نسبة الجزاء في الدنيا الى جزاء الاخرة قليل. وكذلك فان اعمال الانسان تاتي عليه بصور مختلفة ويجب ان لا نستبعد ان المصائب المختلفة التي تصيب الانسان في الدنيا أحياناً تكون جزاءً لعمل ما واحياناً امتحان الله سبحانه للانسان ولاجل ارتقائه سلم التكامل، وله ثواب اضافي ومضاعف، وفي (الاية ١٥٥)

٢٣٥

من سورة البقرة اشارة الى هذا المطلب.

(ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع....).

وهناك روايات كثيرة تدل على ذلك، فمن جملتها قول الامام الصادق (عليه السلام):

« إنّ أشدّ الناس بلاءً الانبياء ثم الذين يلونهم ثمّ الامثل فالامثل »(١) .

الآثار الدنيوية للذنب في نظر القرآن الكريم:

وردت في القرآن الكريم عشرات الآيات في الآثار والنتائج التي يخلفها الذنب ونذكر هنا عدة نماذج:

١ - في الآية ٥٩ من سورة البقرة:

(فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزاً من السّماء بما كانوا يفسقون).

٢ - في الآية ٤٩ من سورة المائدة:

(يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم).

٣ - في الآية ٦ من سورة الانعام:

(.... فأهلكناهم بذنوبهم).

٤ - في الآية ٩٦ من سورة الأعراف:

(..... فأخذناهم بما كانوا يكسبون).

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٥٢.

٢٣٦

٥ - في الآية ٢٥ من سورة نوح:

(ممّا خطيئاتهم أغرقوا).

٦ - في الآية ١٤ من سورة الشمس:

(فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها).

٧ - في الآية ١١ من سورة الرعد:

(إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم).

٨ - في الآية ١٤ من سورة المطففين:

(كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).

٩ - في الآية ٣٠ من سورة الشورى: (وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ).

قال امير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):« خير آية في كتاب الله هذه الآية ».

ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): « يا علي! ما من خدش عودٍ ولا نكبة قدمٍ الاّ بذنب »(١) .

بعض الآيات حول آثار الذنب في الآخرة:

١ - (ومن جاء بالسّيئة فكبّت وجوههم في النّار هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون). (النمل / ٩٠)

____________________

(١) مجمع البيان ونفس المطلب ذكر عن الامام الصادق (عليه السلام) في الكافي ج ٢ ص ٢٦٩.

٢٣٧

٢ - وفي الآية ٢٣ من سورة الجن:

(ومن يعص الله ورسوله فانّ له نار جهنّم خالدين فيها أبداً).

٣ - في الآية (١١ - ١٦) من سورة المعارج:

(يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته الّتي تؤيه ومن في الأرض جميعاً ثمّ ينجيه كلاّ إنّها لظى نزّاعةً للشّوى).

٤ - الآية ١٠٤ من سورة المؤمنون:

(تلفح وجوههم النّار وهم فيها كالحون).

احباط الاعمال الحسنة:

أحد الآثار السيئة التي يخلفها الذنب هو احباط الاعمال الحسنة. ومعناه أن المذنبين اذا عملوا عملاً صالحاً فانه لا نتيجة ولا جزاء له. وقد وردت كلمة (الاحباط) ستة عشر مرة في القرآن الكريم. وبهذا نحصل على نتيجة بان الذنوب الكبيرة مثل الكفر، الشرك، تكذيب الآيات الالهية وانكار المعاد، الارتداد، مخالفة الانبياء، كل هذه الامور تحبط الاعمال.

فعلى سبيل المثال: اذا رفع شخص حجارة عن طريق المارة لئلا يصاب احد بضرر (فان هذا العمل حسن) ولكن لو ان نفس هذا الرجل القى الصخرة في مكان قريب وضيق على المارة ففي هذه

٢٣٨

الحالة يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً وهو (خراب الطريق). اذن فان عمله الحسن رفع الصخرة عن الطريق لا اعتبار له ولا اثر له وقد احبطه بعمله السيء الآخر. وعلى هذا الاساس فان الذنوب الكبيرة تحبط الاعمال الحسنة. كما تكبر ابليس ولم يسجد لأمر الله سبحانه (في مسألة السجود لآدم) فقد احبط « ستة آلاف سنة من العبادة »(١) التي عبد بها ابليس الله سبحانه وتعالى. فيجب الانتباه الى ان الانسان المذنب لا يستطيع ان يغتر باعماله الحسنة، اذ سرعان ما تحبط بسبب الذنوب التي يرتكبها.

الآثار المعنوية الرديئة التي يخلفها الذنب:

إنّ تكرار الذنب والاستمرار عليه يؤدي الى ظلمة القلب ومسخ الانسان عن انسانيته وتحوليه الى حيوانٍ يملك الصفات الحيوانية كلها، ويكون مقترفاً للذنوب الكبيرة. فعلى سبيل المثال: ان المذنب اذا شرب الخمر لاول وهلة تراه يتردد ويتعذب وجدانه لانه مسلم، ولكن في الوهلة الثانية يكون الشرب ابسط بكثير من الوهلة الاولى وهكذا الى ان يعتاد عليه. نعم الاستمرار على ارتكاب الذنب يجعل المذنب يقترف الذنوب الكبيرة بكل سهولة.

في الآية ١٠٨ من سورة النحل نقرأ:

(أولئك الّذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم

____________________

(١) جاء في نهج البلاغة الخطبة ١٩٢ (.... إذ حبط عمله الطويل....).

٢٣٩

وأولئك هم الغافلون).

وفي الآية ٥ من سورة الصف نقرأ:

(فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم).

وفي الآية ١٠ من سورة الروم نقرأ:

(ثمّ كان عاقبة الّذين أساؤوا السؤأى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن).

ونرى كثيراً في التاريخ ان الطواغيت الذين استمروا على اقتراف الذنوب قد تجاوزوا حد الكفر والانكار والتنكيل بالأنبياء والاستهزاء بهم، وكل هذه الآثار السيئة قد خلفها الذنب، وعلى العكس فالاستمرار على الاعمال الصالحة يعطي للقلب صفاءاً ويعطي نورانية للروح. وحول هذا الموضوع نأتي بالروايات التالية:

١ - قال الامام الصادق (عليه السلام) قال ابي (عليه السلام):

« ما من شيء أفسد للقلب من خطيئةٍ، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله »(١) .

٢ - وقال الامام الكاظم (عليه السلام):

« أذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فان تاب إنمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً »(٢) .

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٦٨.

(٢) بحار الانوار ج ٧٣ ص ٣٢٧ - ميزان الحكمة ج ٣ ص ٤٦٤.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

جابر بن عبد الله الأنصاري وعطيّة العوفي في كربلاء:

جابر بن عبد الله هو ذلك الصحابي الجليل، الذي روى عنه عبد الرحمان بن سابط قال: ( كنت مع جابر، فدخل الحسين بن علي، فقال جابر:مَن سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا ، فأشهدُ لسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوله )(١) .

فهو من أهل المعرفة، فإن فاتته السعادة بفوز الشهادة في ركاب سبط خاتم الرسالة، فليس بغريب عنه أن يشدّ الرحال لزيارة قبره الشريف إبرازاً إيّاه ومخالفته للسلطة، وتجديداً للعهد والوفاء.

روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم محمّد بن علي الطبري، بإسناده عن الأعمش عن عطيّة العوفي قال:

( خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري، زائرين قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات، فاغتسل، ثمّ ائتزر بإزار، وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها سِعْدٌ، فنثرها على بدنه، ثمّ لم يخطُ خطوة إلاّ ذَكر الله تعالى، حتّى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه(٢) . فألمسته، فخرّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء، فلما أفاق قال: ( يا حسين ) ثلاثاً، ثمّ

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ١/ ١٤٧ وانظر ذخائر العُقبى: ١٢٩؛ تاريخ الإسلام للذهبي ٣/ ٨؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ١٩٠؛ نظم درر السمطين: ٢٠٨؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٦؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٧؛ إسعاف الراغبين: ٢٠٦؛ ينابيع المودّة: ٢٢٢؛ نور الأبصار: ١١٦؛ مشارق الأنوار للخمراوي: ١١٤؛ أرجح المطالب: ٢٨١؛ كذا في إحقاق الحقّ ١١/ ٢٨٩ - ٢٩١.

(٢) يُمكننا أن نعتبر هذا علّة عدم حضور جابر بن عبد الله في وقعة الطف؛ إذ المستفاد من هذه العبارة أنّه كان مكفوف البصر حينذاك، فيكون معذوراً، ويؤيّد ذلك ما رواه ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) (١/ ٢١٤) في قضية وقعة الحرّة بقوله: ( وكان جابر بن عبد الله يومئذٍ قد ذهب بصره... )، ومن المعلوم أنّ الفاصل الزمني بين وقعة الطف ووقعة الحرّة لم يكن إلاّ ما يُقارب سنة.

٢٨١

قال: حبيب لا يُجيب حبيبه!!

ثمّ قال: وأنّى لك بالجواب؟! وقد شُحطت أوداجك على أثباجك، وفُرِّق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنّك ابن خاتم النبيّين، وابن سيّد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّد النقباء، وابن فاطمة سيّدة النساء، وما لكَ لا تكون هكذا؟! وقد غذّتك كفّ سيّد المرسلين، ورُبيّت في حجر المتّقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفُطمت بالإسلام، فطبت حيّاً، وطبت ميّتاً، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة لفراقك، ولا شاكّة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.

ثمّ جال بصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين، وأناخت برحله، واشهد أنّكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتّى أتاكم اليقين، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، لقد شاركنا كم فيما دخلتم فيه.

قال عطيّة: فقلت له: يا جابر، كيف! ولم نهبط وادياً، ولم نعلُ جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم، وأُوتمت أولادهم، وأُرملت أزواجهم؟!

فقال: يا عطيّة، سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( من أحبّ قوماً حُشِر معهم، ومَن أحبّ عمل قوم أُشرك في عملهم ) . والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسينعليه‌السلام وأصحابه، خُذْني نحو أبيات كوفان.

فلما صرنا في بعض الطريق قال: يا عطيّة، هل أوصيك وما أظنّ أنّني بعد هذه السفرة مُلاقيك، أحبب مُحبَّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أحبّهم، وابْغُضْ مُبغض آل

٢٨٢

محمّد ما أبغضهم وإنْ كان صوّاماً قوّاماً، وأرْفِق بمُحبّ محمّد وآل محمّد، فإنّه إن تزلّ له قدم بكثرة ذنوبه ثبتت له أُخرى بمحبّتهم، فإنّ مُحبّهم يعود إلى الجنّة، ومُبغضهم يعود إلى النار )(١) .

وفيه نقاط للتأمّل:

منها:

١ - معرفة عظمة جابر، وذلك عِبر علوّ معرفته بمنزلة آل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - اتّخاذ موقف مُهمّ لجابر، حيث إنّه عدّ أعداء الحسينعليه‌السلام من الملحدين.

٣ - أدب جابر تجاه أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وذلك نتيجة لكمال معرفته؛ فلذلك نراه يغتسل، ثمّ ينثر السِّعْد على بدنه، ثمّ يذكر الله في كلّ خطوة، ثمّ لمْسُه القبر فوقوعه مغشيّاً عليه، وصياحه: يا حسين ثلاثاً، ثمّ فقرات زيارته الدالّة على مدى معرفته تجاه الرسول ووصيّه وسبطهعليهم‌السلام .

٤ - المستفاد من هذا النقل، أنّ جابراً يتّجه بعد زيارته نحو أبيات كوفان، ولم يذكر فيه شيئاً من ملاقاته للإمام زين العابدينعليه‌السلام وسائر أُسرة الحسينعليه‌السلام . ويأتي تحقيق المقام.

ثمّ إنّ السيّد ابن طاووس أورد كيفيّة زيارة جابر قبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وأصحابه الأوفياء، مع تفاصيل أُخرى يستدعي ذكرها تماماً.

قال: ( وقال عطا(٢) : كنت مع جابر بن عبد الله يوم العشرين من صفر، فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثمّ قال لي: أمعكَ شيء من الطيب يا عطا؟

قلت: معي سِعْد.

فجعل منه على رأسه وسائر

____________________

(١) بشارة المصطفى: ٧٤. وروى نحوه مقتل الخوارزمي (٢/ ١٦٧) مُسنداً بتفاوت يسير.

(٢) الظاهر اتّحاده مع عطيّة، كما احتمله المحدّث النوري أيضاً في لؤلؤ ومرجان: ١٤٩.

٢٨٣

جسده، ثمّ مشى حافياً حتّى وقف عند رأس الحسينعليه‌السلام ، وكبّر ثلاثاً، ثمّ خرّ مغشيّاً عليه، فلما أفاق سمعته يقول:

السلام عليكم يا آل الله، السلام عليكم يا صفوة الله، السلام عليكم يا خيرة الله من خلقه، السلام عليكم يا سادة السادات، السلام عليكم يا ليوث الغابات، السلام عليكم يا سُفُن النجاة، السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته.

السلام عليك يا وارث علم الأنبياء، السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبيّ الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث إسماعيل ذبيح الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا بن محمّد المصطفى، السلام عليك يا بن عليّ المرتضى، السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا شهيد ابن الشهيد، السلام عليك يا قتيل ابن القتيل، السلام عليك يا وليّ الله وابن وليّه، السلام عليك يا حجّة الله وابن حجّته على خلقه.

أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وبررت والِدْيك، وجاهدت عدوّك، أشهد أنّك تسمع الكلام، وتردّ الجواب، وأنّك حبيب الله وخليله ونجيبه وصفيّه وابن صفيّه.

زُرْتُك مُشتاقاً، فكُنْ لي شفيعاً إلى الله، يا سيّدي، أستشفع إلى الله بجدّك سيّد النبيِّين، وبأبيك سيّد الوصيّين، وبأُمّك سيّدة نساء العالمين، لعن الله قاتليك وظالميك وشانئيك ومبغضيك من الأوّلين والآخرين.

ثمّ انحنى على القبر، ومرَّغ خدّيه عليه وصلّى أربع ركعات، ثمّ جاء إلى قبر عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال: السلام عليك يا مولاي وابن مولاي، لعن الله قاتلك، لعن الله ظالمك، أتقرّب إلى الله بمحبّتكم، وأبرأ إلى الله من عدوّكم.

٢٨٤

ثمّ قبّله وصلّى ركعتين، والتفت إلى قبور الشهداء، فقال:

السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد الله، السلام عليكم يا شيعة الله وشيعة رسوله وشيعة أمير المؤمنين والحسن والحسين، السلام عليكم يا طاهرون، السلام عليكم يا مهديّون، السلام عليكم يا أبرار، السلام عليكم وعلى ملائكة الله الحافّين بقبوركم، جمعني الله وإيّاكم في مُستقرّ رحمته تحت عرشه.

ثمّ جاء إلى قبر العبّاس بن أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، فوقف عليه وقال: السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا عبّاس بن عليّ، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، أشهد لقد بالغت في النصيحة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت عدوّك وعدوّ أخيك، فصلوات الله على روحك الطيّبة، وجزاك الله من أخٍ خيراً.

ثمّ صلّى ركعتين ودعا الله ومضى )(١) .

إنّ هذه الزيارة تدلّ على مدى عظمة ومعرفة وجلالة هذا الصحابي الجليل.

ثمّ إنّه متى التحق عطيّة بجابر؟ هل كان عطيّة في الحجّ - تلك السنة - ثمّ اصطحبه جابر؟ أو أنّ جابراً جاء إلى الكوفة وأتيا معاً لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ؟

هذا ممّا لم يتيسّر لنا تحقّقه.

بيان شخصيَّتيهما:

١ - جابر بن عبد الله بن مرو بن حزام الأنصاري:

روى الكشّي أنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) ،...، وهو آخر مَن بقي من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان مُنقطعاً إلى آل البيتعليهم‌السلام ، وكان يقعد في المسجد وهو مُعتمٌّ

____________________

(١) مصباح الزائر: ٢٨٦، عنه بحار الأنوار ١٠١/ ٣٢٩.

(٢) اختيار معرفة الرجال ١/ ٣٨، رقم ٧٨.

٢٨٥

بعمامة سوداء وينادي: ( يا باقر العلم )(١) ، وكان يتوكّأ على عصاه ويدور في سكك المدينة ويقول: ( عليّ خير البشر )(٢) . وكان شيخاً قد أسنّ فلم يتعرّض الحجّاج له )(٣) .

وقال المحدّث النوري: ( هو من السابقين الأوّلين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وحامل سلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى باقر علوم الأوّلين والآخرين، وأوّل مَن زار أبا عبد الله الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين، المنتهى إليه سند أخبار اللوح السمائي، الذي فيه نصوص من الله ربّ العالمين، على خلافة الأئمّة الراشدين، الفائز بزيارته من بين جميع الصحابة عند سيّدة نساء العالمين، وله بعد ذلك مناقب أُخرى وفضائل لا تُحصى )(٤) .

وذكره المحدّث القمّي قال: ( صحابيّ جليل القدر، وانقطاعه إلى أهل البيتعليهم‌السلام ، وجلالته أشهر من أن تُذكَر، مات سنة ٧٨هـ، والروايات التي يظهر منها فضله كثيرة جدّاً ).

ثمّ ذكر بعضها، فقال بعد ذلك: ( أقول: حُكي عن (أُسد الغابة) أنّه قال في جابر (رضي الله عنه): إنّه شهد مع النبيّ ثمان عشرة غزوة، وشهد صِفِّين مع عليّ بن أبي طالب، وعُمي في آخر عمره... وهو آخر مَن مات بالمدينة ممّن شهد العقبة. إلى أن قال: وكان من المكثرين للحديث، الحافظين للسُّنن. وقال الشيخ (رحمه الله): إنّه شهد بدراً وثماني عشرة غزوة مع النبيّ، قلت: وهذا يُطابق قول جابر: شاهدت منها تسعة عشر. والله العالم )(٥) .

____________________

(١) المصدر نفسه، رقم ٨٨.

(٢) المصدر نفسه ١/ ٤٤ ح٩٣.

(٣) المصدر نفسه، ٢/ ١٢٤ ح١٩٥.

(٤) مستدرك الوسائل ٣/ ٥٨٠ الفائدة الخامسة من الخاتمة ترجمة جابر، عنه سفينة البحار ١/ ١٤١.

(٥) سفينة البحار ١/ ١٤٠ - ١٤١.

٢٨٦

وذكر السيّد الخوئي، أنّه شهد بدراً وثماني عشرة غزوة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أصفياء أصحاب عليّعليه‌السلام ، ومن شرطة خميسه، ومن أصحاب الحسن والحسين والسجّاد والباقرعليهم‌السلام ، جليل القدر... روى الكليني بسند صحيح، عن أبي جعفرعليه‌السلام قوله:( ولم يَكْذب جابر ) (١) ).(٢)

٢ - عطيّة بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس:

ويكنّى أبا الحسن قاله المحدّث القمّي، وقال: ( عطيّة العوفي أحد رجال العلم والحديث، يروي عنه الأعمش وغيره، وروي عنه أخبار كثيرة في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ... وهو الذي تشرّف بزيارة الحسينعليه‌السلام مع جابر الأنصاري الذي يُعدّ من فضائله أنّه كان أوّل مَن زاره... روي أنّه جاء سعد بن جنادة إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهو بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه قد ولِد لي غلام فسمِّه.

فقال:( هذا عطيّة الله ) .

فسُمِّي عطيّة، وكانت أُمّه روميّة، وخرج عطيّة مع ابن الأشعث(٣) ، هرب عطيّة إلى فارس، وكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم الثقفي: أن ادعُ عطيّة، فإن لعن عليّ بن أبي طالب وإلاّ فاضربه أربعمئة سوط واحُلق رأسه ولحيته!

فدعاه وأقرأه كتاب الحجّاج، وأبى عطية أن يفعل، فضربه أربعمئة سوط، وحلق رأسه ولحيته، فلما ولّي قتيبة بن مسلم خراسان خرج إليه عطيّة، فلم يزل بخراسان حتّى ولّي عمر بن هبيرة العراق، فكتب إليه عطيّة يسأله الإذن له في القدوم، فأذِن له، فقدم الكوفة فلم يزل بها إلى أن توفّي سنة ١١١، وكان كثير الحديث ثقة إن شاء الله، انتهى.

____________________

(١) مُعجم رجال الحديث ٤/ ٣٣٠، رقم ٢٠٢٦، عنه المفيد من مُعجم رجال الحديث: ١٠٠.

(٢) ولمزيد التعرّف على شخصيّته راجع مصادر ترجمته مثل: رجال الشيخ ٧٣؛ الإصابة ١/ ٢١٣؛ تهذيب الأسماء ١/ ١٤٢؛ الأعلام ١/ ٢١٣ وتنقيح المقال ١/ ١٩٩ وغيرها.

(٣) مرّت ترجمته وقصّة خروجه في الجزء الثاني من هذه الموسوعة ص١٢٢، فراجع.

٢٨٧

عن (مُلحقات الصراح) قال: عطيّة العوفي بن سعيد (سعد ظ)، له تفسير في خمسة أجزاء. قال عطيّة: عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاث عرضات على وجه التفسير، وأمّا على وجه القراءة فقرأ عليه سبعين مرّة، انتهى.

ويظهر من كتاب بلاغات النساء، أنّه سمع عبد الله بن الحسن يذكر خُطبة فاطمة الزهراءعليها‌السلام في أمر فدك فراجِعْ )(١) .

قال ابن نما: ( ولما مرّ عيال الحسينعليه‌السلام بكربلاء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته في وقت واحد، فتلاقوا بالحزن والاكتئاب والنوح على هذا المصاب المقرح لأكباد الأحباب )(٢) .

قال السيّد ابن طاووس: ( فوصلوا إلى موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله)، وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم )(٣) .

إقامة العزاء على أرض الطف:

أقام الركب الحسيني مجلسَ العزاء في أرض المعركة وهي الطفّ، وذلك بعد إقامته في الشام، وبذلك صارت سُنَّة حَسنة، استمرّت من ذلك الحين إلى الآن، وأمّا المجلس الذي أُقيم بكربلاء فقد تبنّاه أهل بيت الحسينعليهم‌السلام الذين شهدوا بأعيُنهم عُمق المأساة والفاجعة بأعينهم، وقد حضرها جابر بن عبد الله الأنصاري(٤) ، وجماعة من بني هاشم، ورجال من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أتوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ،

____________________

(١) سفينة البحار ٢/ ٢٠٥ مادّة عطا.

(٢) مُثير الأحزان: ١٠٧.

(٣) الملهوف: ٢٢٥. وروى نحوه السيّد محمّد بن أبي طالب (تسلية المجالس ٢/ ٤٥٨).

(٤) في زيارته الثانية للقبر الشريف.

٢٨٨

واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا أيّاماً، وفي بعض التواريخ استمرّت ثلاثة أيّام.

قال السيّد: ( وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أيّاماً )(١) .

وروى القندوزي عن أبي مخنف: ( فأخذوا بإقامة المآتم إلى ثلاثة أيّام )(٢) .

التحقيق حول الأربعين!

لقد وقع الخلاف في زمن مجيء أهل البيتعليهم‌السلام إلى كربلاء، هل كان ذلك في الأربعين الأُولى؟ أم الثانية؟ أم غيرهما؟

أمّا أصل مجيئهم إلى كربلاء فلا ينبغي الريب فيه؛ إذ إنّه - مضافاً إلى إمكانه - مذكور في كثير من الكُتب المعتبرة، وعدم تصريح بعض الكبار من العلماء لا يكون تصريحاً بالعدم، إذ إنّه أعمّ.

وأمّا زمن المجيء، فقد وقع الخلاف فيه، فذهب فريق إلى كونه في الأربعين الأوّل، ونفى فريق إمكان وقوعه فيه، وقالوا: إنّ المدّة لا تكفي، فلابدّ أن يكون بعد ذلك، ولكن ليس في الأربعين الثاني، بل فيما بينهما.

أمّا كونه في الأربعين الثاني (أي في سنة ٦٢هـ) فبعيد جدّاً، وإن ذكره بعض(٣) ، ولكن لا يمكن الالتفات إليه.

أمّا الفريق الأوّل (أعني القائلين: بأنّ الرجوع كان في الأربعين الأوّل)، فمنهم:

____________________

(١) الملهوف: ٢٢٥.

(٢) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢. ونحوه في المنتخب ٢/ ٤٨٣.

(٣) مثل ناسخ التواريخ.

٢٨٩

١ - أبو ريحان البيروني، قال: ( العشرون (من صفر) رُدَّ رأس الحسين إلى جثّته حتّى دُفن مع جثّته، وفيه زيارة الأربعين، وهم حرمه بعد انصرافهم من الشام )(١) .

٢ - الشيخ البهائي، قال: ( التاسع عشر (من صفر) فيه زيارة الأربعين لأبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهي مرويّة عن الصادقعليه‌السلام ، وقتها عند ارتفاع النهار، وفي هذا - وهو يوم الأربعين من شهادتهعليه‌السلام - كان قدوم جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) لزيارتهعليه‌السلام ، واتّفق في ذلك اليوم ورود حرمهعليه‌السلام من الشام إلى كربلاء، قاصدين المدينة، على ساكنها السلام والتحيّة )(٢) .

٣ - العلاّمة المجلسي (رحمه الله)، فقد نقل الشهرة بين الأصحاب، وقال حول علّة استحباب زيارة الحسين الحسين صلوات الله عليه في يوم الأربعين: ( والمشهور بين الأصحاب، أنّ العلّة في ذلك رجوع حرم الحسين - صلوات الله عليه - في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء عند رجوعهم من الشام، وإلحاق عليّ بن الحسين - صلوات الله عليه - الرؤوس بالأجساد )(٣) .

٤ - الشهيد القاضي الطباطبائي، فإنّه أتعب نفسه الزكيّة لإثبات هذه المسألة، وقد أتى بكتاب ضخم حول هذا الموضوع، وسنتعرّض إلى مُلخّص ما استدلّ به حينما نذكر أدلّة المحدّث النوري.

وهناك من العلماء - رحمهم الله - مَن لم يتعرّض لذلك مطلقاً كالشيخ المفيد(٤) ،

____________________

(١) الآثار الباقية: ٣٢١.

(٢) توضيح المقاصد: ٦.

(٣) بحار الأنوار ١٠١/ ٣٣٤.

(٤) مسار الشيعة ٤٦.

٢٩٠

والحلّي(١) ، والكفعمي(٢) ، فإنّهم اكتفوا بذكر رجوع أهل البيت من الشام إلى المدينة، ولم يذكروا شيئاً من وصولهم إلى كربلاء.

وبعضهم قد توقّف في المسألة، ولم يختر أيّ الجانبين، مثل جدّنا آية الله الفقيه الشيخ الطبسي النجفي، حينما قال: ( إنّما البحث في أنّهم أتوا إلى كربلاء في الأربعين الأُولى أو في السنة المقبلة؟ مُقتضى ظاهر بعض أنّه كان في السنة الأُولى، وظاهر عبارة ابن طاووس في اللهوف كذلك... وفي الناسخ أنّه ليس لنا خبر صريح في ذلك، بل قال: مجيء آل الله سنة الشهادة مُحال، ولكن مجيء جابر وجماعة من بني هاشم في الأربعين الأوّل بلا إشكال. وأمّا الشيخ عماد الدِّين حسن بن علي الطبري، الذي كان مُعاصراً للخواجة نصير الدِّين الطوسي في كامل البهائي: أنّ آل الرسول دخلوا دمشق في السادس عشر من شهر صفر في الأربعين الثاني، والذي يقول بالثاني إنّ مكثهم في الكوفة ما كان بنحو الاختصار، ثمّ بعد ذلك مرورهم في الأمصار والبلدان والقرى، وتوقّفهم في قرب (ميافارقين) عشرة أيّام، وثلاثة أيّام في النصيبين، وثلاثة أيّام في خارج الشام، مع وقوفهم في الكوفة في الحبس وغيره ما يقرب من عشرين يوم، فكيف وصلوا في عشرين صفر من السنة الأُولى التي وقعت فيها الشهادة؟! والعلم عند الله، وما كان البناء في رواحهم ومجيئهم من الشام إلى كربلاء بطريق الإعجاز.

فعليه؛ أنا من المتوقّفين في ذلك، ولكنّ المشهور عند عوامّ الناس في السنة الأُولى، مع أنّ ظاهر عدّة التواريخ أنّ توقّفهم في الشام لا يقلّ من شهر )(٣) .

____________________

(١) العدد القويّة: ٢١٩.

(٢) مصباح الكفعمي: ٤٨٩ و٥١٠.

(٣) مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢٨٥ - مخطوط.

٢٩١

وقد نفى ذلك بعض العلماء واستبعده جدّاً، ومنهم:

١ - السيّد ابن طاووس: قال في (إقبال الأعمال): ( وجدت في (المصباح): أنّ حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة مع مولانا عليّ بن الحسينعليه‌السلام يوم العشرين من صفر، وفي غير (المصباح): أنّهم وصلوا كربلاء أيضاً في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر، وكلاهما مُستبعد؛ لأنّ عبيد الله بن زياد - لعنه الله - كتب إلى يزيد يُعرّفه ما جرى ويستأذنه في حملهم، ولم يحملهم حتّى عاد الجواب إليه، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوماً أو أكثر منها؛ لأنّه لما حملهم إلى الشام روي أنّهم أقاموا فيها شهراً في موضع لا يُكنّهم من حرٍّ ولا برد، وصورة الحال يقتضي أنّهم تأخّروا أكثر من أربعين يوماً من يوم قُتلعليه‌السلام إلى أن وصلوا العراق أو المدينة، وأمّا جوازهم في عودهم على كربلاء فيمكن ذلك، ولكنّه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر؛ لأنّهم اجتمعوا على ما روى جابر بن عبد الله الأنصاري، فإن كان جابر وصل زائراً من الحجاز، فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه أكثر من أربعين يوماً، وعلى أن يكون جابر وصل من الحجاز من الكوفة أو غيرها [كذا] انتهى )(١) .

وفيه: أنّه لم نعثر في (المصباح): ( أنّ حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة يوم العشرين من صفر )، وإنّما فيه: ( أنّه كان رجوع حرم سيّدنا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسول في اليوم العشرين من صفر )(٢) .

وقلنا آنفاً: إنّه لو كان المقصود هو مبدأ الرجوع - لا الوصول والدخول فيها - فحينئذٍ يكون المراد أنّه كان يوم الانطلاق من الشام، فلا مجال لأحد الاستبعادين.

____________________

(١) إقبال الأعمال: ٥٨٩.

(٢) مصباح المتهجّد: ٧٣٠.

٢٩٢

٢ - العلاّمة المجلسي، فإنّه قال: ( فائدة: اعلم أنّه ليس في الأخبار ما العلّة في استحباب زيارته - صلوات الله عليه - في هذا اليوم ( الأربعين )!

والمشهور بين الأصحاب، أنّ العلّة في ذلك رجوع حرم الحسين - صلوات الله عليه - في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء، عند رجوعهم من الشام، وإلحاق عليّ بن الحسين - صلوات الله عليه - الرؤوس بالأجساد، وقيل: في مثل ذلك اليوم رجعوا إلى المدينة، وكلاهما مُستبعدان جدّاً؛ لأنّ الزمان لا يسعُ ذلك، كما يظهر من الأخبار والآثار، وكون ذلك في السنة الأُخرى أيضاً مُستبعد )(١) .

واستبعدهما في زاد المعاد(٢) ، وما علّقناه حول كلام السيّد جارٍ هنا أيضاً.

٣ - المحدّث النوري، فإنّه استبعده بالمرّة، وذكر أدلّة لا بأس بها في الجملة، سنذكرها في المبحث الآتي (القضاء بين المحدّث النوري والقاضي الطباطبائي).

٤ - المحدّث القمّي، فإنّه ( قدّس سرّه) من المستبعدين والمنكرين لذلك أيضاً (٣) .

٥ - الشيخ محمّد إبراهيم الآيتي، فإنّه نفاه وعدّه من الأساطير التاريخية!(٤) .

٦ - الشهيد المطهّري، فإنّه (رضي الله عنه)، نفى خبر لقاء أهل البيت مع جابر بجدٍّ، وقال: المتفرّد بذلك هو السيّد ابن الطاووس في اللهوف، ولم يذكره أحد غيره، حتّى إنّ السيّد لم يذكره في سائر كتبه أيضاً، والدليل العقلي يرفضه أيضاً(٥) .

وفيه: إن كان مقصوده - رضوان الله عليه - من إنكار اللقاء، عدم حصوله في

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠١/ ٣٣٤.

(٢) زاد المعاد، عنه مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للطبسي.

(٣) مُنتهى الآمال ١/ ٨١٧.

(٤) بررسي تاريخ عاشورا: ١٤٨.

(٥) حماسه حسيني ١/ ٣٠.

٢٩٣

خصوص يوم الأربعين - كما هو المترائى من ظاهر عبارته، خاصّة مع ضمّه الدليل العقلي لذلك - فإنّ السيّد ابن طاووس لم يقله حتّى في اللهوف، وإن كان المقصود إنكار أصل اللقاء، فإنّ السيّد ليس المتفرّد في هذه القضيّة، فإنّ هناك كباراً من العلماء نجدهم قد صرّحوا بذلك، منهم: الشيخ ابن نما الذي كان مُعاصراً للسيّد(١) ، والشيخ البهائي(٢) ، والسيّد ابن أبي طالب(٣) ، والعلاّمة المجلسي(٤) ، والقندوزي(٥) وغيرهم.

ويأتي القول المختار في الموضوع.

القضاء بين المحدِّث النوري والقاضي الطباطبائي:

ذكرنا الأقوال في المسألة، وأشرنا إلى أنّ المحدِّث النوري كان من المنكرين للرجوع في الأربعين الأوّل، بينما كان الشهيد القاضي من الذاهبين لإثباته، لكن لما كان هذين العلمين الحجّتين مُتحمّسَين في رأيهما، ويُقدّمان الأدلّة على ما يذهبان إليه، فإليك مُجمل ما أفاداه، والنظر المختار فيه:

١ - مع المحدِّث النوري:

قال المحدّث النوري: ( إنّ السيّد ابن طاووس، والذي روى خبر لقاء أهل البيت مع جابر بن عبد الله الأنصاري، ألّف كتاب اللهوف في أوان تكليفه وبداية شبابه، ويدلّ عليه اثنان:

____________________

(١) مُثير الأحزان ١٠٧.

(٢) توضيح المقاصد ٦.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٤٥٨.

(٤) جلاء العيون ٤٥٠.

(٥) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢.

٢٩٤

١) إنّه أسقط ذكر المأخذ والإسناد فيه وفي مصباح الزائر، وهو خلاف سيرته وطريقته في سائر كُتبه الموجودة، وليس هناك وجه إلاّ عدم إتقانه التامّ وقلّة اطّلاعه في حين تأليف هذين الكتابين، وكذلك في كتابه الآخر المسمّى بـ ( المجتنى )؛ فحينئذٍ لو ورد إشكال على كتابه فلا يُنافي شخصيّته وعظمته وعلوّ مقامه، وطول باعه وكثرة اطّلاعه في الأحاديث والآثار؛ لأنّها حصلت تدريجيّاً وعلى مرّ الزمان.

٢) إنّ السيّد قد صرّح في إجازاته أنّه كتب مصباح الزائر في بداية التكليف(١) ، وقال في أوّل اللهوف: إنّ من أجلّ البواعث لنا على سلوك هذا الكتاب(٢) أنّني لما جمعت كتاب (مصباح الزائر وجناح المسافر)، ورأيته قد احتوى على أقطار الزيارات ومختار أعمال تلك الأوقات؛ فحامله مُستغنٍ عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف أو حمل مزار كبير أو لطيف، أحببت أيضاً أن يكون حامله مُستغنياً عن نقل مقتل في زيارة عاشوراء إلى مشهد الحسين صلوات الله عليه، فوضعت هذا الكتاب ليُضمّ إليه )(٣) .

مُناقشة مُقدّمتي النوري:

فمقصود المحدّث النوري من هاتين المقدّمتين: أنّ السيّد ابن طاووس كتب اللهوف - وهو المصدر الأقدم في المسألة - في سنّ مُبكِّرة، وفي وقت عدم تضلُّعه

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠٧/ ٣٩.

(٢) الملهوف: ٨٦.

(٣) لؤلؤ ومرجان: ١٤٤.

٢٩٥

التامّ، فلا يُركَن إليه في هذه المسألة.

وفي كليهما وجوه للنظر:

١ - إنّ إسقاطه المأخذ والإسناد ليس ناشئاً عن عدم إتقانه التامّ وقلّة اطّلاعه - كما قال -، بل لما كان قصد المؤلّف تأليف كتاب صغير الحجم، كثير الموضوع، قابل للحمل في مشهد الحسينعليه‌السلام وغيره، فلابدّ له أن يفعل ذلك، وإلاّ يكون ذلك نقضاً للغرض، ولكان الأجدر الاكتفاء بالمطوّلات كمصباح الشيخ.

٢ - قال السيّد (ابن طاووس) في إجازاته: (ممّا ألّفته في بداية التكليف من غير ذكر الأسرار والتكشيف كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر ثلاث مجلّدات )(١) ، ثمّ ذكر سائر كتبه، وقال في آخر ما ذكره من تصانيفه: ( وصنّفت كتاب الملهوف على قتلى الطفوف، ما عرفت أنّ أحداً سبقني إلى مثله، ومَن وقف عليه عرف ما ذكرته من فضله )(٢) .

فربّما الناظر إلى هذه العبارة يستشفّ منها أنّ اللهوف هو آخر ما صنّفه، لما في جعله آخر تصانيفه، ومع عدم قبول ذلك فالمتيقّن أنّ هذه الشهادة منه على مضمون الكتاب حصلت في مرحلة كمال عمره الشريف، وبعد فراغه من كثير من تصانيفه؛ فإذن لا يناسب ذلك الكلام في حقّ هذا الكتاب.

٣ - إنّ المحدّث النوري قد صرّح في كتابه هذا بأنّ (مصباح الزائر) من الكُتب المعتبرة(٣) ! وهذان لا يجتمعان.

٤ - ثمّ إنّ ضمّه إلى (مصباح الزائر) ليس دليلاً على كتابته في أوان التكليف،

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠٧/ ٣٩.

(٢) المصدر نفسه ١٠٧/ ٤٢.

(٣) لؤلؤ ومرجان: ١٤٨.

٢٩٦

بل المؤلّف رأى حُسن ذلك فيما بعد، كما صرّح بذلك نفسه.

٥ - أضف إلى ذلك، أنّ تأليف الكُتب من مثل هؤلاء في هذا السنّ المبكِّرة هو عناية إلهيّة خاصّة لمن يشاء من خيار عباده؛ ولذلك نجد كباراً من العلماء القدماء مُجتهدين في أوان التكليف أو قبله.

٦ - إنّ السيّد ليس المتفرّد بذلك، بل هذا العلاّمة الجليل الفقيه ابن نما الحلّي (٥٦٧ - ٦٤٥هـ) - الذي قال المحقّق الكركي عنه: وأعلم العلماء بفقه أهل البيت(١) - ذكر خبر اللقاء أيضاً، ولا يقول أحد: إنّه كتبه في أوان تكليفه! وإنّه ناشٍ عن كذا وكذا. وهو متقدِّم زمنيّاً على السيّد ابن طاووس، إذ كانت ولادة السيّد (رحمه الله) سنة ٥٨٩هـ ووفاته سنة ٦٦٤، بينما ولِد ابن نما في سنة ٥٦٧ وتوفِّي سنة ٦٤٥، فولادته كانت قبل السيّد بـ ٢٢ سنة، واتّفق وفاته قبل وفاة السيد بـ ٢١ سنة.

فتحصّل، أنّ صدور هذا اللحن من الخطاب من مثل هذا المحدّث في شأن ذلك العالم الكبير غير مُناسب.

٧ - لقد أجابه الشهيد القاضي الطباطبائي بقوله - ما مُلخّصه -:

( إنّ هذه المسألة ليس قائلها السيّد ابن طاووس في اللهوف فحسب، بل هناك أبو ريحان البيروني المتوفّى عام ٤٤٠ قد صرّح بذلك، وعليه شهرة الأصحاب من الإمامية - التي ادّعاها العلاّمة المجلسي - ومورد وفاق العلماء من القرن الأوّل إلى القرن السابع، وأوّل مَن استشكل فيها السيّد ابن طاووس في الإقبال، ومن المتأخِّرين المحدّث النوري )(٢) .

____________________

(١) اُنظر مُقدّمة مُثير الأحزان: ٩.

(٢) اُنظر مقدّمة مُثير الأحزان: ٤ - ٢٠.

٢٩٧

إذن؛ تخرج المسألة عن كونها في إطار نقل راوٍ مجهول، نقل في سنّ مُبكِّر من العمر، بل هناك جذور للمسألة.

نعم، سوف نذكر بعض الملاحظات على كلام الشهيد القاضي الطباطبائي.

المحدِّث النوري يستدلّ بسبع نقاط:

ثمّ إنّ المحدِّث النوري قال:

( وصول أهل البيت في الأربعين (الأُولى) إلى كربلاء - بناءً على ما ذكره السيّد في اللهوف - منافٍ لأمور كثيرة وأخبار عديدة، وتصريح عدّة من العلماء، منها:

١ - إنّ السيّد في الإقبال - بعد إشارته إلى ما ذكره في اللهوف سابقاً - قد استبعد ذلك.

ثمّ نقل المحدّث النوري ما ذكرناه عن الإقبال فيما مضى، وقال بعده:

هذا مُلخّص ما أفاده في الإقبال، والعَجب منه أنّه يذكر في اللهوف قضيّة استئذان ابن مرجانة من يزيد حول مسألة الأُسارى، وحملهم إلى الشام بعد ذلك، ومع ذلك نقل تلك القصّة (أي اجتماعهم مع جابر في يوم الأربعين) وهما لا يجتمعان.

٢ - إنّ أحداً من أجلاّء فَنِّ الحديث والمعتمَدين من أهل السير والتاريخ لم يذكروا ذلك في كتبهم، مع أنّه في غاية الأهمّية وجدير بالذكر، بل المستفاد من سياق كلامهم إنكارهم له.

ثمّ ذكر خبر المفيد في الإرشاد حول أمر يزيد بتجهيز أهل بيت الحسين إلى المدينة، إلى أن قال:

٢٩٨

فسار معهم في جملة النعمان، ولم يزل يُنازلهم في الطريق ويُرفق بهم كما وصّاه يزيد، ويرعاهم حتّى دخلوا المدينة، ومن البعيد أن يرى المفيد خبراً يعتمد عليه حول ذهابهم إلى كربلاء ولقائهم جابراً وإقامتهم العزاء على الحسينعليه‌السلام ولم يُشرْ إليه، وكذا الطبري في تاريخه الذي يُعدّ من التواريخ المعتبرة، وابن الأثير في الكامل لم يذكرا شيئاً من الرجوع إلى كربلاء(١) .

٣ - قال الشيخ المفيد في (مسار الشيعة) في ضمن وقائع شهر صفر: وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيّدنا ومولانا أبي عبد اللهعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر سيّدنا أبي عبد اللهعليه‌السلام فكان أوّل مَن زاره [من المسلمين] ويُستحبّ زيارته(٢) وذكر نحوه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد (٧٣٠)، والعلاّمة الحلّي في منهاج الصلاح، والكفعمي في موضعين من مصباحه (٤٨٩ و٥١٠).

وظاهر العبارة، أنّه يوم خروجهم من الشام لا ورودهم المدينة كما توهّمه بعض؛ لأنّ السير من الشام إلى المدينة الذي يزيد على مئتي فرسخ، لا يتعارف أن يكون أقلّ من شهر، خاصّة مع

____________________

(١) لؤلؤ ومرجان: ١٤٥ - ١٤٦.

(٢) مسار الشيعة: ٤٦.

٢٩٩

ملاحظة أمر يزيد لنعمان ( برعاية حالهم في الطريق )، واختلاف العبارة يدلّ على المراد؛ إذ لو كان المقصود واحداً لما غيّر التعبير ولاكتفى بكلمة الرجوع، بينما نجد استعمال كلمتين في المقام، وهما الرجوع والورود.

وعلى أيّ حال؛ فهذه الكلمات صريحة في عدم مجيئهم إلى كربلاء! وإلاّ لكان ذِكْرُه في أحداث شهر صفر أجدر، وذلك لجهات مُتعدّدة.

٤ - إنّ تفصيل ورود جابر إلى كربلاء مذكور في كتابين معتبرين وهما (بشارة المصطفى) للشيخ عماد الدِّين أبي القاسم الطبري - الذي هو من نفائس الكُتب الموجودة - و(مصباح الزائر) للسيّد ابن طاووس، وليس فيهما ذكر عن ورود أهل البيت إلى كربلاء وحصول اللقاء مع جابر، بل المستفاد أنّ الزيارة لم تكن إلاّ ساعات عديدة، فمن المستبعَد - عادةً - أن يحصل اللقاء ولم يذكره عطيّة، هذا مضافاً إلى أنّه لا أظنّ أن يقبل ذو العقل السليم بأن يأتي الإمام السجّادعليه‌السلام - ويكون ذلك أوّل زيارته لقبر أبيه في الظاهر - ولم يُنقل عنه كلام ولا زيارة، وتُنقل الزيارة التي تعمل بها الشيعة عن جابر.

٥ - ( إنّ أبا مخنف لوط بن يحيى من كبار المحدّثين والمعتمد عند أرباب السير والتواريخ، ومقتله في غاية الاعتبار، إلاّ أنّه لم يوصِل أصل مقتله بأيدينا، والموجود حالياً المنسوب إليه مُشتمل على بعض المطالب المنكرة المخالفة لأصول

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460