مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد أمين الأميني
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 225053
تحميل: 8088

توضيحات:

الجزء 6
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225053 / تحميل: 8088
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 6

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المذهب التي أدخلها الأعداء والجُهّال لأغراض فاسدة، فهو ساقط عن الاعتماد والاعتبار، ولا يمكن الوثوق على منفرداته؛ ولذلك لم ننسب خبر ورود أهل البيت إلى كربلاء في الأربعين إليه، مع أنّ الموجود فيه هو نحو ما مرّ عن اللهوف،... هذا، ولكن مع ذلك نجد أنّ الموجود في هذا المقتل - مع كثرة النسخ المختلفة - اتّفاق (في جميع نسخه) على أنّه كان سير أهل البيت من الكوفة نحو الشام من طريق تكريت والموصل، ونصيبين وحلب المعبَّر عنه بالطريق السلطاني، الذي كان معموراً ومارّاً بكثير من القرى والمدن المعمورة، وهناك ما يقرب بأربعين منزلاً من الكوفة إلى الشام، وحصلت قضايا عديدة وبعض الكرامات في الطريق، بحيث لا يمكن ادّعاء دسّ جميعها وجعلها بواسطة الوضّاعين، خصوصاً مع عدم وجود الداعي على وضع بعضها.

أضف إلى ذلك، أنّ هناك شواهد كثيرة على كون تسييرهم من الطريق السلطاني، منها ما ذكر في سائر الكُتب المعتبرة مثل مناقب ابن شهر آشوب حول قصّة دير راهب قنسرين، وبروز الكرامات الباهرة من الرأس الشريف، وقنسرين يقع بمنزل من حلب، وخُرِّب سنة ٣٥١ حين إغارة الروم.

ومنها: قصّة يحيى اليهودي الحرّاني، وسماعه تلاوة الرأس آيات من القرآن، ثمّ إسلامه وشهادته كما نقله الفاضل

٣٠١

المتبحِّر الجليل، السيّد جلال الدِّين في روضة الأحباب، وقال: إنّ هناك قبر يحيى المعروف بيحيى الشهيد، والدُّعاء عند رأسه مُستجاب، والحرّان يطلق على موضعين:

الأوّل: بلد في شرقي الفرات من بلاد الجزيرة (وهي ما بين الفرات ودجلة).

الثاني: قرية من توابع حَلَب، وكلاهما مُحتمَل.

وكذا تصريح العالم الجليل البصير عماد الدِّين الطبرسي (الطبري)، في كتابه كامل السقيفة المعروف بـ (كامل بهائي)، في أنّ مرور الأسرى من آل البيتعليهم‌السلام من آمِد وموصل، ونصيبين وبعلبك، وميافارقين وشيرز، و(آمد) على ساحل دجلة مثل موصل، و(بعلبك) على ثلاث منازل من الشام، و(ميافارقين) في قرب ديار بكر من بلاد الجزيرة، و(شيرز) بقرب حماة بين حلب والشام، وذُكر بعض القصص والحكايات في هذه المنازل، وموضع الرأس الشريف في (معرّة) من قرى (حلب)، كما ذكره بعض العلماء الأعلام، وذكروا ما حصل فيها ومعاملة أهلها مع جيش ابن زياد.

كما أنّ الفاضل الألمعي، ملاّ حسين الكاشفي في (روضة الشهداء) ذكر قضايا عديدة حين عبورهم من تلك المنازل وغيرها.

وليس الغرض من ذكر هذه الشواهد التمسّك والاستشهاد بكلّ واحد منها، وإن كان بعضها في غاية الاعتبار، ولكنّ الغرض أنّ المنصف يحصل على اطمئنان تامّ بأنّ المسير

٣٠٢

كان في هذا السير - أي السلطاني -، مُضافاً على أنّه لم نجد مُعارضاً ومُخالفاً له من الأخبار وكلمات الأصحاب إلى زماننا هذا.

وحينما يتأمّل العاقل، ويلاحظ السير من كربلاء إلى الكوفة، ومنها إلى الشام ثمّ إلى كربلاء، مع مُلاحظة لبثهم أقلّ الأيّام في كلا البلدين (الكوفة والشام) يعدّ رجوعهم في الأربعين من الممتنعات.

ومع الإغماض عمّا ذُكِر، لو فُرِض أنّ السير كان من البريّة وفي غربي الفرات، فمع التأمّل يصدق الامتناع والاستبعاد أيضاً؛ لأنّ الفاصلة بين الكوفة إلى الشام - بخطٍّ مُستقيم - يكون ١٧٥ فرسخاً، ونعلم أنّهم وصلوا الكوفة في ١٢ من المحرّم، وكان المجلس المشؤوم في ١٣ منه، وذهاب القاصد منها إلى الشام ورجوعه منها إليها - في مسألة استئذان ابن مرجانة من يزيد، وحمله الأسرى إليه من بعد وصول جوابه - كما ذكره السيّد في اللهوف وابن الأثير في الكامل - لا يقلّ من عشرين يوماً، كما في الإقبال.

وأمّا ما احتمله بعض الأفاضل في حواشيه على مزار البحار، من وقوع الاستئذان وجواب يزيد بواسطة الحمام فاسد؛ لعدم تداوله في عصر بني أُميّة وبداية حُكم بني العبّاس، بل على ما صرّح به شهاب الدِّين أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري في كتاب التعريف: أنّ أصل تلك النوع من الحمام،

٣٠٣

الذي يُعبّر عنه بحمام الهدى وحمام الرسائلي من الموصل، وكان موضع اعتناء هامّ عند ملوك الفاطميّين، وأوّل مَن نقله من الموصل هو نور الدِّين محمود بن زنگي في سنة ٥٦٥.

وبالجملة؛ مع ملاحظة ما ذُكِر عن الإقبال حول حبسهم في الشام شهراً، وإقامتهم العزاء سبعة أياّم بعد خروجهم عن الحبس - كما في كامل البهائي، ولبثهم عشرة أيّام في منزل يزيد على ما ذكره محمّد بن جرير الطبري في تاريخه، وسيرهم مع نهاية الإجلال والإكرام، والتأنّي والوقار ليلاً من الشام - كما ذكره الشيخ المفيد وغيره، (فوصولهم في الأربعين غير ممكن)، فلو فُرِض أن يسيروا كلّ ليلة ثمانية فراسخ على ذلك الخطّ المستقيم، لاستمرّ السير نحو ٢٢ يوماً، مع أنّ السير فيه غير مُيسّر، لقلّة المياه فيه، خاصّة لتلك المسيرة الحافّة بالنساء والأطفال.

٦ - لو كان وصول الإمام السجّادعليه‌السلام وجماعة من بني هاشم، وتشرّفهم لزيارة قبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام في يوم واحد، بل في وقت واحد، لما كان مناسباً أن يُعدّ جابر أوّل زائر قبره، ويجعل ذلك من مناقبه، كما قاله الشيخ المفيد في مسار الشيعة والكفعمي في مصباحه(١) .

٧ - لا يخفى على الناظر في كتب المقاتل، أنّه بعدما أبرز يزيد الندامة الظاهرية، وعرض على آل البيت الخيار في البقاء أو

____________________

(١) لؤلؤ ومرجان: ١٥٠ - ١٥٣.

٣٠٤

الرجوع وطلبهم الرجوع، تركوا الشام قاصدين المدينة، ولم يكن هناك ذكر عن العراق وكربلاء، ولم يكن البناء على الذهاب لذلك الصوب، والمسموع من المتردّدين أنّ طريق الشام إلى العراق يختلف من طريق الشام نحو المدينة ويتمايز في الشام نفسه، فلم يكن هناك قدر مشترك في السير، وهو معلوم لمن يلاحظ اختلاف طول هذه البلاد، فبناءً عليه؛ مَن يرد العراق فلابدّ أن يسير على خطِّ العراق من الشام نفسه، ولو كان تركهم الشام قاصدين العراق - كما هو ظاهر اللهوف - من دون اطّلاع وإذن يزيد فهذا غير ميسّر، ولابدّ أن يعرضوا ذلك عليه في المجلس، ولا يظنّ أنّه لو عرضوا طلبهم الذهاب إلى العراق - الذي لم يكن القصد إلاّ زيارة التربة المقدّسة - لرضي بذلك وأذِنَ؛ وذلك لخبث سريرته، ودناءة طبعه، وهو الذي أعطى مئتي دينار وقال: هذا عوض ما أصبكم، فكيف يرضى بأن يزداد في مصارف السفر؟!

فكيف كان؛ إنّ هذا الاستبعاد يُسقط الوثوق بالمرّة عن ذلك الراوي المجهول، الذي روى عنه في اللهوف، ومع ضمّه لتلك الشواهد المتقدّمة يخرب أساس احتمال ورودهم بكربلاء في الأربعين، من أساسه(١) .

____________________

(١) لؤلؤ ومرجان: ١٥٤.

٣٠٥

مناقشتنا للمحدّث النوري:

مُناقشة النقطة الأُولى:

إنّ السيّد في اللهوف لم يُصرِّح بحصول اللقاء في خصوص يوم الأربعين، بل ذكر خبر اللقاء فقط، كما ذكره ابن نما أيضاً، ويأتي وجه عدم منع اجتماعهما.

مُناقشة النقطة الثانية:

أوّلاً: لقد أجاب الشهيد القاضي حول عدم ذكر الشيخ المفيد لذلك: أنّ بناءه كان هو نقل ما وصل إليه مسنداً ولو كان خلافاً للمشهور(١) ، والعهدة على مدّعيها.

ثانياً: أنّ عدم الذِّكْر أعمّ من عدم الوقوع، وهؤلاء لم ينفوا ذلك.

ثالثاً: وقد ذكرنا تصريح بعضهم حول حصول اللقاء، مثل البيروني والشيخ البهائي وغيرهما.

مُناقشة النقطة الثالثة:

إنّنا نوافقه في استنباطه من كلمة الرجوع الخروج من الشام لا الوصول إلى المدينة، كما ذكرناه سابقاً، والظاهر أنّ قوله: (وإن توهّمه بعض) ناظر إلى ما ذكره السيّد ابن طاووس في الإقبال، ولكن لا نوافق في كون هذه الكلمات صريحة في عدم إتيانهم إلى كربلاء، وقد قلنا: إنّ عدم الذكر يكون أعمّ، خاصّة مع ملاحظة ما قيل حول دأب الشيخ المفيد في كتابة التاريخ.

وأمّا ما ذكره من عدم إمكان الرجوع إلى المدينة في أقلّ من شهر، فقد ذكر الشهيد القاضي الطباطبائي شواهد عديدة على إمكان ذلك، ويأتي كلامه.

____________________

(١) المصدر نفسه ٩٤.

٣٠٦

مُناقشة النقطة الرابعة:

أوّلاً: إنّ تعبير هذا المحدّث العظيم عن مصباح الزائر بكونه من الكُتب المعتبرة، مع تصريحه أنّه ألّف في أوان تكليفه، وهو في ذلك الوقت كذا وكذا. عدول عمّا ذكره سابقاً؛ فإنّه رفض خبر اللقاء استناداً لضمّه اللهوف إلى مصباح الزائر الذي أُلّف في سنّ مُبكّر، تسرياً للضعف منه إليه!

ثانياً: استبعاد المحدّث في مكانه، إلاّ أنّه عدم ذكر عطيّة ذلك في محلّه، ويأتي وجهه!

مُناقشة النقطة الخامسة:

هذا هو أهمّ دليل ذكره المحدّث النوري؛ حيث المقصود منه وصوله إلى نتيجة الامتناع في فرض المسألة.

ولقد اهتمّ الشهيد القاضي لإجابته وإثبات الإمكان، وسنذكر أدلّته بعد إتمام أقوال المحدّث النوري.

مُناقشة النقطة السادسة:

على فرض ذلك ليس هناك مانع أن يكون جابر سبق القوم في الزيارة، فينبطق عنوان أوّل زائر عليه، بل المستفاد من النصوص سبق جابر عليهم، حينما قالوا: فوصلوا إلى موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد الله(١) .

فتحصّل أنّ اللقاء وإن كان في يوم واحد، ولكنَّ التشرُّف بزيارة القبر لم يكن في وقت واحد، ويأتي المختار في المسألة.

____________________

(١) اللهوف: ٢٢٥.

٣٠٧

مناقشة النقطة السابعة:

أوّلاً: إنّ وجود القدر المشترك من الطريق(١) هو ممّا يُستفاد من نقل اللهوف، وأمّا ما نقله ابن نما - الذي هو مقدّم على اللهوف - فليس فيه أثر عن ذلك.

وثانياً: إنّ المستشكل نفى وجود قدر مُشترك في الطريق لأجل شيئين:

أ) اتّكاله على نقل قول المتردّدين في عصره.

وفيه: أنّ هذا لا يكفي؛ إذ إنّ التغيير والتبديل في الطرق ممّا يحصل في كلّ زمان، فكيف ذلك بالنسبة إلى مسألة راجعة إلى أكثر من ألف سنة، ثمّ نظنّ كونه على تلك الحالة السابقة، فالمسألة تحتاج إلى تتبّع وتحقيق أكثر.

ب) اعتماده على ملاحظة طول البلدان الثلاثة.

وهذا ممّا لا يُغني في المقام، فالطريق قضية ترجع إلى مصالح عامّة لأُناس يقطعونه - من أهالي تلك المناطق - ولأجله نرى أنّه ربّما يُكثر في طول السير لأجل عبوره في تلكم البلاد والقرى؛ إذ ليس المقصود هو المبدأ الأعلى والمقصد المنتهى فحسب، فلحاظ طول البلاد يُفيد إذا كان السير في الهواء، لا الأرض!

وثالثاً: إنّ ما استبعده في المقام غير وارد؛ إذ مع تصريحه باختلاف حالة يزيد يوم خروج الأسرى من الشام، وإبراز ندامته ظاهراً، ومع ملاحظة أوامر يزيد بلزوم حُسن المعاملة معهم، وخاصّة مع الالتفات إلى ما ذكرناه عن ابن سعد بأنّ

____________________

(١) القدر المشترك من الطرق، كربلاء المدينة الشام.

٣٠٨

يزيد أمر الرُّسل الذين وجّههم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا ومتى شاءوا(١) ، فلو طلبوا الذهاب إلى كربلاء إمّا ابتداءً من نفس الشام، أو بعد الخروج منه، فليس بمُستبعد.

وأمّا عدم ذكرهم كربلاء، والاكتفاء بذكر المدينة لا ضير فيه، بعد أن كانت هي الغاية القصوى بالنسبة إليهم، لكونها موطنهم ومسقط رأسهم، فما شأن كربلاء في ذلك الزمان إلاّ شأن إحدى المنازل في الطريق، فسؤال يزيد كان ناظراً إلى اختيار محلّ الإقامة الدائميّة، لا المؤقّتة، ومن الطبيعي أن يكون الجواب مطابقاً للجواب؛ ولذلك اكتفوا بذكر المدينة، ولا يُنافي لقاصد المدينة أن يكون مارّاً بكربلاء.

٢ - مع القاضي الطباطبائي

هذا، ولكنّ الشهيد السعيد القاضي الطباطبائي قد وقف بجدٍّ وعزم على إثبات كون الرجوع في الأربعين الأُولى، وبما أنّ أهمّ أدلّة المحدِّث النوري كان الوجه الخامس منها، فنذكر مُلخّص ما أفاده الشهيد، ثمّ نذكر مُلاحظاته على ذلك الوجه.

قال: إنّ رجوع أهل البيت في الأربعين الأول، وإلحاق رؤوس الشهداء إلى أجسادهم هو المشهور بين العلماء، وكان موضع وفاقهم إلى القرن السابع، وأوّل مَن أشكل في ذلك السيّد بن طاووس في الإقبال، وأمّا مسألة لقائهم مع جابر، فقد ذكره ابن طاووس وابن نما، وإنّهما وإن لم يُصرِّحا بتحديد يوم الورود، ولكنّه كان ذلك في الأربعين حتماً؛ لأنّ أحداً لم يذكره في غير الأربعين، وهو ما فهمه العلماء، وقد اتّفق العلماء وأرباب المقاتل على تشرّف جابر في يوم الأربعين.

____________________

(١) الطبقات: ٨٤ ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله من القسم غير المطبوع ).

٣٠٩

ثمّ قال - في توجيه إمكان السير:

إنّ البعير الذلول والخيل العربية التي كانت تُستعمل في ذلك الزمان، كانت تسير المسافة الكثيرة في مدّة قليلة، ولعلّه لن يوجد نظيرها في عصرنا!

القاضي يستدلُّ بعشر نقاط:

ثمّ ذكر شواهد عديدة على تحقّق السير من العراق إلى الشام - وبالعكس - في مدّة عشرة أو ثمانية، بل وحتّى سبعة أيّام، منها:

١ - ذكر السيّد محسن الأمين (رحمه الله) في أعيان الشيعة: أنّ هناك طريقاً مُستقيماً بين العراق والشام، يسلكه أعراب العُقيل في زماننا هذا خلال أسبوع فقط.

٢ - وذكر السيّد الأمين (رحمه الله) أيضاً: أنّ أعراب صليب - وهم من حوران الواقع في قبلة دمشق - كانوا يسيرون إلى العراق في مدّة ثمانية أيّام.

٣ - لقد أتى خبر موت معاوية إلى الكوفة بعد مضيّ أسبوع من موته، ذكر المامقاني في تنقيح المقال عن الكشّي بإسناده عن أبي خالد التمّار قال: كنت مع ميثم التمّار بالفرات يوم الجمعة، فهبّت ريح وهو في سفينة من سفن الرومان. قال: فخرج فنظر إلى الريح، فقال: شدّوا برأس سفينتكم؛ إنّ هذه ريح عاصف، مات معاوية الساعة، قال: فلما كانت الجمعة المقبلة قدم بريد من الشام، فلقيته فاستخبرته، قلت: يا عبد الله،

٣١٠

ما الخبر؟

قال: الناس على أحسن حال، توفِّي أمير المؤمنين وبايع الناس يزيد.

قال: قلت: أيّ يوم توفّي؟

قال: يوم الجمعة(١) .

٤ - لقد كان موت معاوية في ١٥ من رجب سنة ٦٠، وخروج الإمام الحسينعليه‌السلام من المدينة في ٢٨ من شهر رجب، وتحقّق في هذا الفاصل الزماني - الذي هو عبارة عن ١٣ يوماً - وصول القاصد، وعدم بيعتهعليه‌السلام ، مع أنّ الفاصلة بين الشام والحجاز أكثر منه إلى العراق.

٥ - ذكر الطبري أنّ بسر بن أرطاة أمهل أبا بكر أن يذهب من الكوفة نحو الشام ويرجع خلال أسبوع، فصار ذهابه إلى معاوية وإيابه إلى بسر في سبعة أيّام، فيُعلم من ذلك أنّه ذهب من الكوفة إلى الشام في ثلاثة أيّام ونصف، وكذا حال الرجوع.

٦ - في مسألة نجاة المختار من الحبس، ذهب عميرة حاملاً رسالة عبد الله بن عمر - زوج أُخت المختار - إلى يزيد، وأخذ بكتاب استخلاصه منه، وتوجّه نحو الكوفة، وسار الطريق في أحد عشر يوماً إلى أن وصل الكوفة.

٧ - خرج الإمام الحسينعليه‌السلام من مكّة في الثامن من ذي الحجّة، والفاصل بينها وبين الكوفة ما يُقارب بـ ٣٨٠ فرسخاً، والإمام ما كان يُسرع في السير، ووصل إلى كربلاء في الثاني من

____________________

(١) تنقيح المقال ٣/ ٢٦٢، رقم ١٢٣٤٤.

٣١١

المحرّم.

فتحصّل أنّ مسيرته تمكّنت أن تقطع هذه المسافة الطويلة خلال ٢٤ يوماً، فعُلِم من ذلك أنّهم ساروا كلّ يوم ما يقرب من ١٥ فرسخاً (مع أنّه كان يقف في بعض المنازل).

٨ - لقد صرّحت كثير من الكُتب المعتبرة، أنّ ورود أهل البيت في الشام كان في الأوّل من صفر، منها ما ذكره أبو ريحان البيروني في الآثار الباقية، وأنّهم توجّهوا من الكوفة نحو الشام في حوالي العشرين أو الخامس عشر من المحرّم، ثمّ إنّهم ساروا هذه المسافة في حدود عشرة أيّام أو خمسة عشر يوماً إلى أن وصلوا الشام، ورجوعهم في هذه المدّة نحو العراق غير بعيد، مع أنّ أبا ريحان البيروني الذي كان عالماً بالأوضاع ومُطِّلعاً على كيفيّة السير في ذلك الزمان ذكره ولم يستبعده ولم يرفضه.

٩ - روي أنّ هارون الرشيد وأبا حنيفة كانا يستهلاّن هلال ذي الحجّة في الكوفة أو بغداد، وبعد رؤيتهما الهلال كانا يخرجان للحجّ.

١٠ - روى الشيخ المفيد، بإسناده عن خيزران الأسباطي، قال: قدمت على أبي الحسن علي بن محمّدعليهما‌السلام المدينة، فقال لي:( ما خبر الواثق عندك؟ ).

قلت: جُعلت فداك، خلّفته في عافية، أنا من أقرب الناس عهداً به، عهدي به منذ عشرة أيّام.

قال: فقال لي:( إنّ أهل المدينة يقولون: إنّه مات! ) .

فقلت: أنا أقرب الناس به عهداً.

قال: فقال لي:( إنّ الناس يقولون: إنّه

٣١٢

مات ).

فلما قال لي:( إنّ الناس يقولون... ) ، علمت أنّه يعني نفسه...(١) .

تلخيص استنتاج القاضي:

يُمكننا أن نُلخّص ما أراد القاضي استنتاجه هكذا:

يُعلم من قوله: (عهدي به منذ عشرة أيّام)، أنّه تمكّن أن يسير هذه المسافة التي نحو ٣٨٠ فرسخاً في عشرة أيّام.

فتحصّل من جميع ذلك، إمكان السير في زهاء عشرة أيّام، وما ذكره المحدّث النوري ليس إلاّ هو صِرْف استبعاد، وهذه الشواهد التاريخية تُثبت الإمكان.

فمُلخّص القول: إنّه يصحّ ما ذكره سبط ابن الجوزي أنّهم تركوا الكوفة في (١٥) من المحرّم نحو الشام، ثمّ إنّهم وصلوا الشام في الأوّل من صفر، ولبثوا فيه ما يقرب ثمانية أيّام، ثمّ توجّهوا إلى كربلاء خلال ثمانية أو عشرة أيّام، فتمكّنوا من الرجوع إلى كربلاء والدخول فيها في العشرين من صفر - الأربعين، وهو المطلوب.

ثمّ قال - ردّاً على حجج المقابل -:

أمّا مسألة استئذان ابن مرجانة من يزيد، ورجوع القاصد إليه الذي يحتاج إلى عشرين يوماً، ولبثهم في الشام شهراً - الذي ذكره المحدّث النوري، وبذلك نفى الرجوع في الأربعين - ففيه:

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ٣٠١.

٣١٣

أوّلاً: إنّ البريد يتمكّن أن يوصَل في خلال ثلاثة أيّام تقريباً، كما مرّ ذكره في خبر بسر بن أرطاة.

وثانياً: من الممكن أنّ الاستئذان يكون قد حصل بواسطة حمام الهُدى، وكان ذلك ممكناً؛ إذ إنّ أوّل مَن استعمل الحمام لهذا القصد هو نوح النبيّ، ثمّ سليمان، وكذلك الإيرانيّون، فحينئذٍ كان استعماله لذلك القصد مُتداولاً في ذلك العصر.

وثالثاً: لم يكن هناك دليل مُعتبر على لبثهم في الشام شهراً، بل التواريخ المعتبرة تُصرِّح بكونه أيّاماً، من ثمانية إلى عشرة.

وقال أيضاً:

ثمّ إنّ المشهور بين علماء الإمامية، أنّ الرأس المطهّر أُلحق بالجسد الطاهر في الأربعين الأوّل، ألحقه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وروى المجلسي شُهرة الأصحاب حول رجوع أهل البيت في العشرين من صفر.

مُلخَّص أدلّة القاضي الطباطبائي ومُناقشتها:

فمُلخّص أدلّة القاضي الطباطبائي:

١ - أنّ الشُّهرة قائمة على رجوع آل البيت في الأربعين الأول.

٢ - أنّ الرجوع في هذا الوقت ممكن، وذلك بذكر الشواهد التاريخية المتعدّدة.

٣ - وبما أنّ جابراً قد زار قبر الإمام الحسينعليه‌السلام في الأربعين، فحصول اللقاء أيضاً كان في الأربعين الأول؛ إذ لم يقل أحد بغيره، وهو ما فهمه العلماء.

٣١٤

وفيه:

أمّا الأوّل: إنّ هذه الشُّهرة لا تُغني من الحقّ شيئاً، خاصّة وقد ذكرنا أنّ مُدّعيها - وهو العلاّمة المجلسي(١) - أعرض عنها واستبعدها بالمرَّة.

وأمّا الثاني: الحقّ أنّ ما ذكره الشهيد القاضي الطباطبائي من الشواهد التاريخية المتعدّدة - التي تدلّ على مدى تتبُعه وكثرة تعبه لأجله - يُخرج المسألة عن صورة الامتناع، ويُدخلها في فرض الإمكان، وبذلك يُهدم أساس قول المحدّث النوري، إلاّ أنّه لا يكفي هذا الحدّ في إثبات المراد؛ إذ المطلوب هو ثبوت الوقوع لا الإمكان، وإمكان الشيء أعمّ من وقوعه.

وأمّا الثالث: فإنّ الصحيح أنّ زيارة جابر لقبر الإمامعليه‌السلام كانت في الأربعين، ولكنّا ننفي حصول اللقاء فيه أيضاً، خاصّة وأنّ ابن نما والسيّد ابن طاووس - وهما المصدران الأساسيّان في خبر اللقاء - لم يُحدّدا زمن اللقاء، فننفي الملازمة بينهما.

القول المختار في المسألة:

ويتّضح بذلك - والله العالم بحقائق الأُمور - ما يلي:

إنّ جابر بن عبد الله الأنصاري، ذلك الصحابي الجليل العالم العارف البصير، الذي تحمّل مشقّة السفر - وهو كبير العمر مكفوف البصر - وشدّ رحله من المدينة نحو كربلاء، لم يكتفِ بزيارة واحدة لقبر سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وأنّه زار قبر الإمامعليه‌السلام مرّتين على الأقلّ، أمّا زيارته الأُولى فهي التي رويناها عن الطبري(٢) ،

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠١/ ٣٣٤.

(٢) بشارة المصطفى: ٧٤.

٣١٥

والسيّد ابن طاووس(١) ، والخوارزمي(٢) ، تلك الزيارة التي رواها عطيّة، فإنّ هذه الزيارة تختلف عن زيارته المقرونة باللقاء، وذلك لأمور:

١ - في هذه الزيارة لم نجد ذكراً عن خبر اللقاء، بل لعلّ هناك تصريحاً بعدم اللقاء؛ إذ جاء في رواية الطبري والخوارزمي، أنّ جابراً طلب من عطيّة أن يتوجّه نحو أبيات كوفان بقوله: ( خُذْني نحو أبيات كوفان )، ثمّ صارا في الطريق، فمن المستبعَد جدّاً أن يحصل اللقاء ولم يذكره عطيّة، مع أنّه في غاية الأهمّيّة.

٢ - إنّ المستفاد من خبر الطبري والسيّد ابن طاووس والخوارزمي، أنّه لم يكن هناك في حين زيارتهما أحد غيرهما، ولكن جاء في ضمن الخبر المقرون باللقاء أنّ هناك جماعة من بني هاشم، حينما قال ابن نما: ( ولما مرّ عيال الحسينعليه‌السلام بكربلاء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري - رحمة الله عليه - وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته )(٣) .

وقال السيّد: ( فوصلوا إلى موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فوافوا في وقت واحد ).

فالمستفاد منهما ورود عدّة من بني هاشم، ورجال من آل الرسول إلى كربلاء - وإن لم نعرفهم تفصيلاً - ولم نجد هناك اسم عطيّة، ولو كان حاضراً لروى اللقاء مع هؤلاء الجماعة، فتحصّل أنّهما زيارتان.

٣ - إنّ تصريح كثير من العلماء، بكون جابر أوّل زائر للحسينعليه‌السلام ، يُثبت تقدّم زيارته على زيارة جماعة من بني هاشم، وإلاّ فما كان هناك وجه في تلبُّسه بهذا العنوان دون غيره.

فتحصّل؛ أنّ الزيارة التي رواها الطبري والسيّد

____________________

(١) مصباح الزائر: ٢٨٦.

(٢) مقتل الخوارزمي ١/ ١٦٧.

(٣) مُثير الأحزان: ١٠٧.

٣١٦

والخوارزمي - التي فيها ذِكْر عطيّة، وليس فيها ذِكْر ورود جماعة من بني هاشم وخبر اللقاء - تختلف عمّا ذكره ابن نما، والسيّد (في اللهوف) - والذي ليس فيه ذكر عطيّة، وهي زيارة أُخرى توفَّقَ جابر لها بعد زيارته الأُولى، وليس ببعيد على إنسان ذي معرفة وبصيرة، مثل جابر أن يُكرّر الزيارة ولا يكتفي بزيارة واحدة.

فبناءً عليه؛ يكون يوم الأربعين يوم زيارة جابر لقبر الحسينعليه‌السلام ، كما ذكرناه عن المصادر المتعدّدة. وأمّا مجيء أهل البيت وحصول لقائهم معه ومع جماعة من بني هاشم، فقد حصل في زيارة أُخرى بعد ذلك، وإن لم نعلم تحديدها بالضبط، كما أنّ ابن نما والسيّد في اللهوف لم يُحدّداه.

وبذلك تنحلّ العُقدة، وترفع العويصة في مسألة رجوع أهل البيت إلى كربلاء، كيف جاءوا؟ وهل جاءوا؟ وهل يمكن الوصول أم لا؟ ويزول تشتّت الأقوال الموجودة المردّدة بين القبول والردّ والتوقّف في ذلك.

وأمّا ما ذكره الشهيد القاضي بفهم العلماء كذلك، فإنّه غير مُحقّق، وهو ناشٍ عن ثبوت ملازمة زيارة جابر في الأربعين وحصول اللقاء مع أهل البيت في كربلاء، وهو مبنيّ على وصولهم في الأربعين، هذه الملازمة غير ثابتة.

وأمّا ما ذكره السيّد الشهيد، فإنّه لم يكن إلاّ لأجل إثبات إمكان رجوعهم ورفع الامتناع والاستبعاد، وهذا غاية ما يمكن أن يُستفاد منه - والحقّ أنّه وفِّق لذلك - إلاّ أنّه لا يمكن الاستناد إليه في المقام؛ إذ مع فرض التسليم بذلك، فإنّ هذا يتحقّق في فرض إرسال البريد - وما شابهه - الذي من شأنه السرعة في السير، أو تكون هناك ظروف خاصّة (كمسألة الوصول لأداء مناسك الحجّ أو تنفيذ الأوامر... إلخ )، لا في مثل هذه المسيرة التي كان شأنها خلاف ذلك ذلك؛ إذ إنّها بطبيعة حالها حاملة للأطفال والنساء، وقد مرّت بالمنازل المتعدّدة قبل وصولها الشام، وبعد الخروج منها تغيّرت المعاملة، وذلك بصدور أوامر بلزوم المحافظة عليهم ورعاية أمرهم

٣١٧

في السير واللبث، ولم يكن هناك نذر للوصول في الأربعين إلى كربلاء!!

فإذن؛ لا يكون هناك أيّ داعٍ لإيصالهم - أو وصولهم - في الأربعين إلى كربلاء.

نعم، لو كانت لدينا نصوص مُعتبرة حول رجوعهم في الأربعين لالتزمنا بها، ولكن أنّى لنا ذلك؟!

وأمّا ما ذكره البيروني(١) والبهائي(٢) ، من التصريح بذلك، فلا يمكن الالتزام به؛ لعدم تمحُّضهما في روايات التاريخ، ولكونهما ذوي فنون، فلعلّ حصل ذلك من خطور الملازمة المنتفية.

أضف إلى ذلك ما يُعارضه ممّا ذكره القاضي نعمان (ت: ٣٦٣هـ) - المقدّم عليهما زمناً وخبرة (في الرواية) - وقد صرّح في كتابه (شرح الأخبار) بلبث أهل بيت رسول الله شهراً ونصفاً في الشام(٣) ، وبذلك يظهر الجواب عمّا ذكره السيّد الشهيد من عدم وجود دليل مُعتبر حول بقاء أهل البيت شهراً في الشام - كما رواه في الإقبال.

فظهر من ذلك؛ أنّه مع ملاحظة بقائهم في الشام، مع ضمّ مسألة استئذان ابن مرجانة من يزيد، ولحاظ حالة المسيرة في الذهاب والإياب، يكون رجوع هذه المسيرة في الأربعين إلى كربلاء أمراً مُستبعَداً جدّاً، وإن كان هو مُمكناً في حدّ نفسه فيما عداها.

فيستنتج بذلك عدم الالتزام بإلحاق الرأس الشريف بالجسد الطاهر في خصوص يوم الأربعين.

نعم، أُلحق الرأس في وقت مجيء أهل البيت، اللّهمّ إلاّ أن نلتزم بما ذكره السيّد ابن طاووس من الوجه.

فالمختار في المسألة؛ أنّ رجوع آل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كربلاء ما كان في الأربعين الأُولى ولا الثانية، بل في الفترة الواقعة بينهما.

____________________

(١) الآثار الباقية: ٣٢١.

(٢) توضيح المقاصد: ٦.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٩.

٣١٨

تحديد يوم الأربعين:

إنّ العشرين من صفر هو يوم الأربعين، وهو موضع وفاق الجميع، إلاّ ما ذكرنا عن الشيخ البهائي، فإنّه جعل يوم التاسع عشر من صفر يوم الأربعين(١) ، وهو المتفرّد في قوله، وذلك الاختلاف ناشٍ عن احتساب يوم عاشوراء أو عدمه، والظاهر عدم احتسابه؛ لأنّ المقصود مضيّ ذلك المقدار من بعد الشهادة، فيكون يوم الحادي عشر من محرّم مضيّ يوم عنها وهكذا، فيكون يوم العشرين من صفر مضيّ أربعين يوماً من شهادتهعليه‌السلام .

وقال السيّد ابن طاووس:

(فإن قيل: كيف يكون يوم العشرين من صفر يوم الأربعين، إذا كان قتل الحسين صلوات الله عليه يوم عاشر من محرّم، فيكون يوم العاشر من جملة الأربعين، فيصير واحداً وأربعين.

فيُقال: لعلّه قد كان شهر محرّم الذي قُتل فيه صلوات الله عليه ناقصاً، وكان يوم عشرين من صفر تمام الأربعين يوماً، فإنّه حيث ضُبط يوم الأربعين بالعشرين من صفر، فإمّا أن يكون الشهر - كما قلنا - ناقصاً، أو يكون تامّاً ويكون يوم قتله صلوات الله عليه غير محسوب من عدد الأربعين؛ لأنّ قتله كان في أواخر نهاره، فلم يحصل ذلك اليوم كلّه في العدد، وهذا تأويل كافٍ للعارفين، وهُمْ أعرف بأسرار ربّ العالمين في تعيين أوقات الزيارة للطاهرين )(٢) .

فضل زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين:

سمَّى الشيخ الحرّ العاملي باباً باسم: ( باب تأكُّد استحباب زيارة الحسينعليه‌السلام

____________________

(١) توضيح المقاصد: ٦.

(٢) إقبال الأعمال: ٥٨٩.

٣١٩

يوم الأربعين من مقتله، وهو يوم العشرين من صفر )(١) .

روى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي قالا: ( روي عن أبي محمّد الحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام أنّه قال:( علامات المؤمن خمس: صلاة الإحدى والخمسين، وزيارة الأربعين، والتختُّم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) )(٢) .

وروى الشيخ الطوسي، بإسناده عن صفوان الجمّال قال: ( قال لي مولاي الصادقعليه‌السلام في زيارة الأربعين:( تزور عند ارتفاع النهار وتقول: السلام على وليّ الله وحبيبه... - وذكر الزيارة إلى أن قال: -وتُصلّي ركعتين وتدعو بما أحببت وتنصرف ) (٣) .

إلحاق الرأس الشريف بالجسد الطاهر:

لقد أحسن دعبل الخزاعي في رثائه، إذ قال:

رأس ابن بنت محمّد ووصيّه

لـلناظرين عـلى قناة يُرفع

والـمسلمون بمنظرٍ وبمسمعٍ

لا مُـنكِر مـنهم ولا مُتفجّع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصمّ رزؤك كلّ أُذن تَسمع

أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى

وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع

____________________

(١) وسائل الشيعة ١٤/ ٤٧٨، كتاب الحجّ، باب ٥٦.

(٢) كتاب المزار (للشيخ المفيد): ٦٠؛ تهذيب الأحكام ٦/ ٥٢ كتاب المزار باب ١٦ ح٣٧ عنه وسائل الشيعة ١٤/ ٤٧٨ ح١٩٦٤٣؛ انظر: مصباح المتهجّد: ٧٣٠؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٥؛ مصباح الكفعمي: ٤٨٩ (حاشية)؛ مصباح الزائر: ٢٨٦؛ إقبال الأعمال: ٥٨٩؛ بحار الأنوار ٨٢/ ٢٩٢ ح٢١ (عن مصباح الشيخ)؛ وج ٨٥/ ٧٥ ح٧ (عن مصباح الشيخ)؛ وج ١٠١/ ١٠٦ ح١٧ (عن التهذيب).

(٣) تهذيب الأحكام ٦/ ١١٣ ح٢٠١ - عنه وسائل الشيعة ١٤/ ٧٨ ح١٩٦٤٤، انظر مصباح المتهجّد ٧٣٠؛ إقبال الأعمال ٥٨٩.

٣٢٠