مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد أمين الأميني
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 225194
تحميل: 8088

توضيحات:

الجزء 6
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225194 / تحميل: 8088
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 6

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ما روضة إلاّ تمنَّت أنّها

لك منزلٌ ولخطِّ قبرك مضجع(١)

قال فخر الشيعة وسند الشريعة العلاّمة المجلسي (رحمه الله): ( والمشهور بين علمائنا الإماميّة أنّه دُفِن رأسه مع جسده، ردّه عليّ بن الحسين (عليهما السلام ) )(٢) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( وأمّا رأس الحسينعليه‌السلام ، فروي أنّه أُعيد إلى كربلاء، ودُفِن مع جسده الشريف، وكان العمل من الطائفة على هذا )(٣) .

وأمّا كيفيّته، فقد قال البدخشاني: ( ثمّ وجّه (يزيد) ذُريّة الحسين (رضي الله عنه) ورأسه مع عليّ بن الحسين إلى المدينة )(٤) .

فبناءً على مرورهم بكربلاء؛ فقد أُلحق الرأس الشريف بالجسد الطاهر، وهو المرويّ كما يأتي.

الأقوال في موضع دفن رأس الحسينعليه‌السلام :

لقد ذكرنا قول المشهور بين علمائنا، على أنّه دُفِن الرأس الشريف بكربلاء، وإليك تفصيل الكلام.

لقد ذُكرت مواضع مُتعدّدة حول مكان دفن الرأس الشريف، وهي:

١) كربلاء المقدّسة: صرّح بذلك الكثير من علمائنا - حتّى أصبح هو المشهور بينهم بل ادّعى البعض الإجماع على ذلك - بل ذكره بعض علماء العامّة أيضاً، وتدلّ عليه بعض الروايات.

روى الشيخ الصدوق، بإسناده عن فاطمة بنت علي (صلوات الله عليهما) أنّها

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٢٦؛ مُثير الأحزان: ١٠٧؛ كفاية الطالب: ٤٤٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ٢٥٥.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٤٥٩.

(٤) نُزل الأبرار: ١٦٠.

٣٢١

قالت: ( ولم يُرفَع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلاّ وجِد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء، كأنّها الملاحف المعصفرة، إلى أن خرج عليّ بن الحسينعليهما‌السلام بالنسوة، وردّ رأس الحسين إلى كربلاء )(١) .

ووجِّه سؤال إلى السيّد المرتضى - أعلى الله مقامه - وهو: ( هل ما روي من حمل رأس مولانا الشهيد أبي عبد اللهعليه‌السلام إلى الشام صحيح؟ وما الوجه فيه؟

فقال: الجواب: هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصنِّفين في يوم الطف، وأطبقوا عليه، وقد رووا أيضاً أنّ الرأس أُعيد بعد حمله إلى هناك، ودُفِن مع الجسد بالطف )(٢) .

وقال الطبرسي: ( وذكر الأجلّ المرتضى (رضي الله عنه) في بعض مسائله، أنّ رأس الحسين بن عليّ رُدَّ إلى بدنه بكربلاء من الشام وضُمَّ إليه، والله أعلم )(٣) .

وذكر ابن فتّال النيسابوري مضمون ما رواه الشيخ الصدوق، الذي يدلّ على أنّه ارتضاه(٤) .

قال ابن نما الحلّي، بعد ذكره الأقوال في موضع الدفن من المدينة ودمشق - عند باب الفراديس عند البرج الثالث ممّا يلي المشرق - ومصر، قال: ( والذي عليه المعوَّل من الأقوال أنّه أُعيد إلى الجسد بعد أن طيفَ به في البلاد ودُفِن معه )(٥) .

وقال السيّد ابن طاووس في الملهوف: ( وأمّا رأس الحسينعليه‌السلام ، فروي أنّه

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٣١، مجلس ٣١، ح٢٤٣، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٠.

(٢) رسائل الشريف المرتضى ٣/ ١٣٠.

(٣) إعلام الورى: ٢٥٠.

(٤) روضة الواعظين ١/ ١٩٢.

(٥) مُثير الأحزان: ١٠٦.

٣٢٢

أُعيد فدُفِن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات الله عليه، وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه )(١) .

ولقد ذكرنا عن البيروني(٢) ، والشيخ البهائي(٣) ، تصريحهم بإلحاق الرأس الشريف بالجسد بكربلاء.

وقد ذكر السيّد في الإقبال وجهاً لكيفيّة الإلحاق(٤) .

____________________

(١) الملهوف: ٢٢٥، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٤.

(٢) الآثار الباقية: ٣٢١.

(٣) توضيح المقاصد: ٦.

(٤) قال: فصلٌ فيما نذكره من الجواب عمّا ظهر في أنّ رَدَّ رأس مولانا الحسينعليه‌السلام كان يوم العشرين من صفر:

اعلم أنّ إعادة الرأس المقدّس لمولانا الحسين - صلوات الله عليه - إلى جسده الشريف يشهد به لسان القرآن العظيم المنيف؛ حيث قال الله جلّ جلاله:( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ، فهل بقي شكّ حيث أخبر الله أنّه من حيث استُشهد حيّ عند ربّه مرزوق مصون؟! فلا ينبغي أن يشكّ في هذا العارفون.

وأمّا كيفيّة إحيائه بعد شهادته، وكيفيّة جمع رأسه الشريف إلى جسده بعد مُفارقته، فهذا سؤال يكون فيه سوء أدب من العبد على الله جلّ جلاله أن يُعرّفه كيفيّة تدبير مقدوراته، وهو جهل من العبد وإقدام على ما لم يُكلَّف العلم به ولا السؤال عن صفاته.

وأمّا تعيين الإعادة يوم الأربعين من قتله، والوقت الذي قُتِل فيه الحسين صلوات الله وسلامه عليه، ونقله الله جلّ جلاله إلى شرف فضله كان الإسلام مقلوباً، والحقّ مغلوباً وما تكون الإعادة بأمور دنيويّة، والظاهر أنّها بقدرة الإله، لكن وجِدت نحو عشر روايات مُختلفات في حديث الرأس الشريف كلّها منقولات، ولم أذكر إلى الآن أنّني وقفت ولا رويت تسمية أحد ممّن كان من الشام، حتّى أعادوه إلى جسده الشريف بالحائر عليه أفضل السلام، ولا كيفيّة لحمله من الشام إلى الحائر على صاحبه أكمل التحية والإكرام، ولا كيفيّة لدخول حرمه المعظّم، ولا مَن حفر ضريحه المقدَّس المكرّم حتّى عاد إليه، وهل وضعه موضعه من الجسد أو في الضريح مضموماً إليه؟ فليقتصر الإنسان على ما يجب عليه من تصديق القرآن، من أنّ الجسد المقدّس تكلّم عقيب الشهادة، وأنّه حيّ يُرزق في دار السعادة، ففي بيان الكتاب العزيز ما يُغني عن زيادة دليل وبرهان. (إقبال الأعمال: ٥٨٨).

٣٢٣

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: ( وأمّا رأس الحسينعليه‌السلام ، فروي أنّه أُعيد إلى كربلاء ودُفِن مع جسده الشريف، وكان العمل من الطائفة على هذا )(١) .

وذكر الخوارزمي ما فعل سليمان بن عبد الملك بالرأس الشريف، وهو ( أنّ الرأس الشريف صُلب بدمشق ثلاثة أيّام، ومكث في خزائن بني أُميّة حتّى ولِّي سليمان بن عبد الملك، فطلبه، فجيء به وهو عظم أبيض قد قَحِل، فجعله في سفط وطيّبه، وجعل عليه ثوباً ودفنه في مقابر المسلمين بعدما صلّى عليه، فلما ولّي عمر بن عبد العزيز بعث إلى المكان يطلبه منه فأخبره بخبره، فسأل عن الموضع الذي دُفِن فيه، فنبشه وأخذه، والله أعلم بما صنع، والظاهر من دينه أنّه بعثه إلى كربلاء، فدُفِن مع جسده )(٢) .

وفيه: إن صحّ الخبر، فهو في حقّ أحد شهداء وقعة الطفّ لا سيّد الشهداء؛ إذ المشهور عندنا إلحاقه بالجسد بواسطة الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ ولذلك أجابه العلاّمة المجلسي (رحمه الله) بقوله: ( أقول: هذه أقوال المخالفين في ذلك، والمشهور بين علمائنا الإماميّة أنّه دُفِن رأسه مع جسده، ردّه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام )(٣) .

وقال الشبراوي: ( وقيل: أُعيد إلى الجثّة بكربلاء بعد أربعين يوماً من مقتله )(٤) .

وقال الشبلنجي: ( وذهبت الإماميّة أنّه أُعيد إلى الجثّة، ودُفِن بكربلاء بعد أربعين يوماً من المقتل )(٥) .

____________________

(١) تسلية المجالس ٢/ ٤٥٩.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٥.

(٣) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥.

(٤) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٧٠.

(٥) نور الأبصار: ١٣٣.

٣٢٤

بل قد يُقال: إنّ حصول الشُّهرة على الدفن بكربلاء ليس هو عند الإماميّة فقط، بل هو عند المسلمين، كما قال سبط ابن الجوزي: واختلفوا في الرأس على أقوال أشهرها أنّه رَدّه إلى المدينة مع السبايا، ثمّ رُدَّ إلى الجسد بكربلاء، فدُفِن معه، قاله هشام وغيره(١) .

ولا يخفى أنّه وإن كانت روايات الشيعة تختلف عن غيرها في كيفيّة الإلحاق، إذ الشهرة على إلحاق الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام رأس أبيه إلى جسده الطاهر، بينما غيرهم يذكرونه إمّا من بعد رجوع السبايا إلى المدينة، أو غيره، ولكنّ المهمّ هو أصل الإلحاق بالجسد والدفن في أرض كربلاء.

٢) النجف الأشرف: قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله): وقد وردت أخبار كثيرة في أنّه مدفون عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

أقول: الظاهر أنّ كلامه (رحمه الله) ناظر إلى روايات في باب زيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام :

منها: ما رواه الشيخ الكليني، بإسناده عن يزيد بن عمر بن طلحة، قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام وهو بالحيرة:( أما تريد ما وعدتك؟ ) .

قلت: بلى - يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه - قال: فركب وركب إسماعيل (ابنه معه)(٣) ، وركبت معهما حتّى إذا جاز الثوية(٤) ، وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض، نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهما، فصلّى وصلّى إسماعيل وصلّيت، فقال لإسماعيل:( قم فسلِّم على جدّك الحسين عليه‌السلام ) .

فقلت: جُعلت فداك، أليس

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٥.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥.

(٣) كذا في رواية كامل الزيارة.

(٤) موضع قريب من الكوفة، وقيل: بالكوفة. وقيل: خريبة إلى جانب الحيرة على ساعة منها، كذا في مُعجم البلدان ٢/ ١٠١ رقم ٢٥٨٤.

٣٢٥

الحسينعليه‌السلام بكربلاء؟

فقال:( نعم، ولكن لما حُمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه‌السلام ) (١) .

وروى بإسناده عن أبان بن تغلب، قال: كنت مع أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فمرّ بظهر الكوفة، فنزل فصلّى ركعتين، ثمّ تقدّم قليلاً فصلّى ركعتين، ثمّ سار قيلاً فنزل فصلّى ركعتين، ثمّ قال:( هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ) .

قلت: جُعلت فداك، والموضعين اللذين صلّيت فيهما؟

قال:( موضع رأس الحسين عليه‌السلام وموضع منزل القائم ) (٢) .

وروى الشيخ ابن قولويه، عن عليّ بن أسباط رفعه قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :( إنّك إذا أتيت الغريَّ رأيت قبرين: قبراً كبيراً، وقبراً صغيراً، فأمّا الكبير فقبر أمير المؤمنين، وأمّا الصغير فرأس الحسين بن عليّ عليه‌السلام ) (٣) .

وروي عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام بالحيرة أيّام مقدمه على أبي جعفر، في ليلة صَحيانة مُقمرة، قال: فنظر إلى السماء فقال:( يا يونس، أما ترى هذه الكواكب ما أحسنها، أما إنّها أمانٌ لأهل السماء ونحن أمانٌ لأهل الأرض ) .

ثمّ قال:( يا يونس، أيّهما أحبّ إليك البغل أو الحمار؟ ) .

قال:

____________________

(١) الكافي ٤/ ٥٧١ باب موضع رأس الحسينعليه‌السلام ، ح١؛ كامل الزيارات: ٣٤، باب ٩ ح٤؛ وسائل الشيعة ١٤/ ٤٠٠ ح١٩٢٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٨.

وروى مضمونه الشيخ الطوسي بإسناده عن عمر بن عبد الله بن طلحة النهدي عن أبيه (تهذيب الأحكام ٦/ ٣٥، ح٧٢، عنه وسائل الشيعة ١٤/ ٣٩٩ ح١٩٤٥٥).

(٢) الكافي ٤/ ٥٧٢، ح٢؛ كامل الزيارات: ٣٤ باب ٩ ح٥؛ وسائل الشيعة ١٤/ ٤٠٠ ح١٩٤٥٧.

وروى مضمونه الشيخ الطوسي بإسناده عن مبارك الخبّاز (تهذيب الأحكام ٦/ ٣٤، ح٧١، عنه وسائل الشيعة ١٤/ ٣٩٩ ح١٩٤٥٤).

(٣) كامل الزيارات: ٣٥ ح٦، عنه وسائل الشيعة ١٤/ ٤٠٢ ح١٩٤٦٠.

٣٢٦

فظننت أنّ البغل أحبّ إليه لقوّته، فقلت: الحمار.

فقال:( أُحبّ أن تؤثرني به! ) .

قلت: قد فعلت، فركب وركبت، ولما خرجنا من الحيرة قال:( تقدّم يا يونس ) . قال: فأقبل يقول:( تيامن، تياسر ) .

فلما انتهينا إلى الذكوات الحُمر قال:( هو المكان؟ ) .

قلت: نعم، فتيامن ثمّ قصد إلى موضع فيه ماء وعين، فتوضّأ، ثمّ دنا من أكمة فصلّى عندها، ثمّ مال عليها وبكى، ثمّ مال إلى أكمة دونها، ففعل مثل ذلك، ثمّ قال:( يا يونس، افعل مثل ما فعلت ) . ففعلت ذلك، فلما تفرّغت قال لي:( يا يونس، تعرف هذا المكان؟! ) .

فقلت: لا.

فقال:( الموضع الذي صلّيت عند أوّلاً هو قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والأكمة الأُخرى رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، إنّ الملعون عبيد الله بن زياد لعنه الله لما بعث رأس الحسين عليه‌السلام إلى الشام رُدَّ إلى الكوفة، فقال: أخْرِجوه عنها لا يُفتن به أهلها، فصيّره الله عند أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس ) (١) .

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) في بيان الخبر: ( قوله:( فالرأس مع الجسد ) ، أي بعدما دُفِن هناك ظاهراً ألُحِق بالجسد بكربلاء، أو صعد به مع الجسد إلى السماء، كما في بعض الأخبار، أو أنّ بدن أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - كالجسد لذلك الرأس، هما من نور واحد )(٢) .

وروي عن الشيخ الطوسي، بإسناده عن مفضل بن عمر قال: جاز الصادقعليه‌السلام بالقائم المائل في طريق الغري، فصلّى عنده ركعتين، فقيل له: ما هذه الصلاة؟

فقال:( هذا موضع رأس جدّي الحسين بن علي عليه‌السلام وضعوه هاهنا ) (٣) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٣٦، باب ٩، ح١٠، عنه وسائل الشيعة ١٤/ ٤٠٢ ح١٩٤٦١؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٨ ح٢٩.

(٢) بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٤/ ٤٠١ ح١٩٤٥٩.

٣٢٧

ولكن يمكن أن يُقال: إنّه مكان وَضْعِ الرأس لا دَفْنه، إلاّ أن يُرفع هذا الاحتمال بفعل الإمام وهو الصلاة، فتأمّل إذ هو أعمّ.

وروى الشيخ عبد الكريم بن طاووس قال: وذكر محمّد بن المشهدي في مزاره ما صورته:

( روى محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعدما ورد أبو عبد اللهعليه‌السلام ، فزرنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلما فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد اللهعليه‌السلام وقال: نزور الحسين بن عليعليهما‌السلام من المكان هذا من عند رأس أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال صفوان: وزرت مع سيّدي أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام وفعل مثل هذا )(١) .

ثمّ قال المحدّث الحُرّ العاملي: هذا يُحتمل قصد الزيارة من بُعد، ويُحتمل إرادة زيارة رأس الحسينعليه‌السلام (٢) .

كيفما كان، فهذا المكان من الأمكنة المقدّسة، التي ينبغي للمؤمن العارف أن يُظهر أدبه ويزور سيّده،؛ ولأجله نرى أنّ المحدِّث الحُرّ العاملي يعقد باباً في كتابه، باسم ( باب استحباب زيارة رأس الحسينعليه‌السلام عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، واستحباب صلاة ركعتين لزيارة كلّ منهما )(٣) .

وعلى ذلك نحمل على العارف الكامل المجاهد، الفقيه المجدّد، مؤسّس الجمهورية الإسلامية في إيران، آية الله العظمى الإمام الخميني أعلى الله مقامه

____________________

(١) فرحة الغريّ: ٩٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٤/ ٤٠١، ح١٩٤٥٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٤/ ٣٩٨، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يُناسبه، باب ٣٢.

٣٢٨

الشريف، فإنّه - على ما قيل - لم يكن يمرُّ من أمام رأس الإمام أمير المؤمنين أبداً خلال حضوره في النجف الأشرف طيلة ١٤ سنة؛ احتمالاً لوجود الرأس الشريف فيه واحتراماً له.

وأمّا ما أورده سبط ابن الجوزي بقوله: ( وذكر عبد الله بن عمرو الورّاق في كتاب المقتل، أنّه لما حضر الرأس بين يدي ابن زياد أمر حجّاماً فقال: قوِّره. فقوَّره، وأخرج لغاديده ونخاعه وما حوله من اللحم، واللغاديد ما بين الحنك وصفحة العُنق من اللحم، فقام عمرو بن الحريث المخزومي فقال لابن زياد: قد بلغت حاجتك من هذا الرأس، فهب لي ما ألقيت منه.

فقال: ما تصنع به؟

فقال: أُواريه.

فقال: خُذْه.

فجمعه في مطرف خزّ كان عليه وحمله إلى داره، فغسله وطيّبه، وكفّنه ودفنه عنده في داره، وهي بالكوفة تُعرَف بدار الخزّ دار عمرو بن حريث المخزوميّ )(١) .

ففيه: أنّه على فرض صحّته، فإنّه دفن بعض ما كان مُتّصلاً بالرأس الشريف في الكوفة لا الرأس، كما هو صريح الخبر؛ لأنّه قبل إرسال الرأس الشريف إلى الشام.

اللعنة الأبدية على كلّ مَن ارتكب وأمر ورضي بتلك المأساة الكبرى والفاجعة العُظمى.

٣ - المدينة ( البقيع): يأتي في المبحث الآتي حول أوضاع المدينة بعد قتل الحسينعليه‌السلام ما ورد حول إرسال يزيد الرأس الشريف إلى عامله فيها وهو عمرو بن سعيد، ولأجل ذلك صارت جنّة البقيع - المدينة - إحدى الأمكنة التي قيل: بكونها تشرّفت بضمّ الرأس الشريف فيها.

قال ابن سعد: ثمّ أمر عمرو بن سعيد برأس الحسين، فكُفِّن ودُفن بالبقيع عند

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٥٩.

٣٢٩

قبر أُمّه(١) .

وقال ابن نما: ( وأمّا الرأس الشريف اختلف الناس فيه، قال قوم: إنّ عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة )، ثمّ ذكر سائر الأقوال، واختار قول الدفن بكربلاء وقال: ( هو المعوّل عليه )(٢) .

وروى الخوارزمي، عن أبي العلاء الحافظ، بإسناده عن مشايخه ( أنّ يزيد بعث رأس الحسين إلى عمرو بن سعيد بن العاص، وهو إذ ذاك عامله على المدينة، فقال عمرو: وددت أنّه لم يُبعث به إليّ، ثمّ أمر عمرو برأس الحسينعليه‌السلام ، فكُفِّن ودُفن بالبقيع عند قبر أُمّه فاطمةعليها‌السلام )(٣) .

وقال الباعوني: ( وأمّا رأسه، فالمشهور بين أهل التاريخ والسير أنّه بعثه ابن زياد بن أبيه الفاسق إلى يزيد بن معاوية، وبعث به يزيد إلى عمرو بن سعيد الأشدق - لطيم الشيطان - وهو إذ ذاك بالمدينة، فنصبه ودُفِن عند أُمّه بالبقيع )(٤) .

وفي شذرات الذهب: ( والصحيح أنّ الرأس المكرّم دُفِن بالبقيع إلى جنب أُمّه فاطمة، وذلك أنّ يزيد بعث به إلى عامله بالمدينة عمرو بن سعيد الأشدق، فكفّنه ودفنه )(٥) .

وقال الشبلنجي: ( وقيل: دُفِن بالبقيع عند قبر أُمّه وأخيه الحسن، وهو قول ابن

____________________

(١) الطبقات: ٨٥ ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله من القسم غير المطبوع ). وروى ذلك: المنتظم ٥/ ٣٤٤؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ تذكرة الخواص: ٢٦٥؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ نهاية الارب ٢٠/ ٤٨١؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٥ـ عن ابن سعد.

(٢) مُثير الأحزان: ١٠٦.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٥؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥. وروى مضمونه الذهبي (تاريخ الإسلام: ٢٠).

(٤) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩.

(٥) شذرات الذهب ١/ ٦٧.

٣٣٠

بكار والعلاّمة الهمداني وغيرهما )(١) .

وكيفما كان، فهذا الاحتمال ناشٍ عن إرسال الرأس الشريف إلى المدينة، كما ذكره ابن حجر في قوله: ( وأرسل - يزيد - برأسه وبقيّة بنيه إلى المدينة )(٢) .

والجواب هو ما ذكره العلاّمة المجلسي: أمّا إرسال الرأس إلى المدينة فلا ضير بالمقام؛ لاحتمال كون الإرسال في مدّة وجود أهل البيت بالشام، وعليه يُحمل قول يزيد للإمام السجّاد ( عليه السلام): ( فأمّا وجه أبيك فلن تراه أبداً )(٣) ، فلا يمنع تبدّل رأيه بعد وصول الرأس من المدينة إلى الشام وتسليمه إلى الإمام السجّادعليه‌السلام .

وأمّا قول ابن حجر: بإرسال يزيد الرأس والأُسرة إلى المدينة، فلا يُنافي مرورهم بكربلاء ودفنهم الرأس فيها ثمّ قصدهم المدينة، وسيأتي خبر البلاذري حول إرجاع الرأس الشريف من المدينة إلى الشام(٤) .

٤ - الشام: قال البلاذري: قال الكلبي: وبعث يزيد برأسه إلى المدينة، فنُصِب على خشبة، ثمّ رُدَّ إلى دمشق، فدُفِن في حائط بها، ويقال: في دار الإمارة. ويقال: في المقبرة(٥) .

قيل: الحائط: الحديقة أو البستان، ودار الإمارة هي قصر الخضراء، وكان بجوار الجامع الأُموي إلى الجنوب منه(٦) .

وقال: ( ودُفِن رأس الحسين في حائط بدمشق، إمّا حائط القصر وإمّا غيره،

____________________

(١) نور الأبصار: ١٣٣.

(٢) الصواعق المحرقة: ٢٩٤.

(٣) الملهوف: ٢٢٦.

(٤ و٥) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٩.

(٦) عبرات المصطفين ٢/ ٣٤١.

٣٣١

وقال قوم: دُفِن في القصر حُفِر له وأُعْمِق )(١) .

وروى ابن عساكر، بإسناده عن ريا حدّثته: ( أنّ الرأس مكث في خزائن السلاح، حتّى ولّي سليمان بن عبد الملك، فبعث إليه فجاء به وقد قحل وبقي عظم أبيض، فجعله في سفط وطيَّبه، وجعل عليه ثوباً، ودُفِن في مقابر المسلمين، فلما ولّي عمر بن عبد العزيز بعث إلى الخازن - خازن بيت السلاح - وجِّهْ إليَّ رأس الحسين بن علي.

فكتب إليه: أنّ سليمان أخذه وجعله في سفط وصلّى عليه ودفنه، فصحّ ذلك عنده. فلما دخلت المسوَّدة سألوا عن موضع الرأس، فنبشوه وأخذوه، والله أعلم ما صُنِع )(٢) .

قال ابن كثير: المسوَّدة يعني بني العبّاس(٣) .

وحكى الخوارزمي: ( أنّ سليمان بن عبد الملك بن مروان رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام كأنّه يبرّه ويلطفه، فدعا الحسن البصري وقصّ عليه وسأله عن تأويله، فقال الحسن: لعلّك اصطنعت إلى أهله معروفاً!

فقال سليمان: إنّي وجدت رأس الحسين في خزانة يزيد بن معاوية، فكسوته خمسة من الديباج، وصلّيت عليه في جماعة من أصحابي وقبرته!

فقال الحسن: إنّ النبي رضي عنك بسبب ذلك. فأحسن إلى الحسن البصري، وأمر له بجوائز )(٤) .

وقال ابن الجوزي: ( وذكر ابن أبي الدُّنيا، أنّهم وجدوا في خزانة يزيد رأس

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٧/ ٤٢١.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ٢٠٥. وروي أوّله في جواهر المطالب ٢/ ٢١١ والإتحاف ٦٩.

(٤) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٥؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٥. ثمّ ذكر مضمون ما أورده ابن عساكر، ثمّ أضاف عليه: والظاهر من دينه - عمر بن عبد العزيز - أنّه بعثه إلى كربلاء فدفن مع جسده (المصدر).

وروى مضمون رؤياه نظم درر السمطين: ٢٢٦، والإتحاف: ٧٠ أيضاً.

٣٣٢

الحسين، فكفّنوه ودفنوه بدمشق عند باب الفراديس )(١) .

وذكره أيضاً في ( الردّ على المتعصّب العنيد)، عن ابن أبي الدُّنيا من حديث عثمان بن عبد الرحمان، عن محمّد بن عمر بن صالح - ثمّ نقل الخبر كما في المنتظم - ثمّ قال: (وعثمان ومحمّد ليسا بشيء عند أهل الحديث، والأوّل - أي الدفن بالبقيع - الصحيح )(٢) .

وروى ابن نما، عن منصور بن جمهور ( أنّه دخل خزانة يزيد بن معاوية، لما فُتِحَت وجِد بها جونة حمراء، فقال لغلامه سليم: احتفظ بهذه الجونة، فإنّها كنز من كنوز بني أُميّة، فلما فتحها إذا فيها رأس الحسينعليه‌السلام وهو مخضوب بالسواد، فقال لغلامه: آتني بثوب، فأتاه به، فلفّه، ثمّ دفنه بدمشق عند باب الفراديس، عند البرج الثالث ممّا يلي المشرق )(٣) .

ثمّ ذكر سائر الأقوال، واعتمد على كون الدفن بكربلاء(٤) .

وذكر سبط ابن الجوزي ما رواه جدّه عن ابن أبي الدُّنيا بعنوان القول الثالث في المسألة، وفيه: ( فكفّنوه ودفنوه بباب الفراديس في دار الإمارة، وكذا ذكر الواقدي أيضاً )(٥) .

ثمّ قال: ( والرابع: أنّه بمسجد الرقّة على الفرات بالمدينة المشهورة، ذكره عبد الله بن عمر الورّاق في كتاب المقتل، وقال: لما حضر الرأس بين يدي يزيد بن

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤٤.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٠. ورواه أيضاً جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩ عن ابن أبي الدُّنيا.

(٣) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٩.

(٤) مُثير الأحزان: ١٠٦.

(٥) تذكرة الخواص: ٢٦٥.

٣٣٣

معاوية، قال: لأبعثنّه إلى آل أبي معيط، عن رأس عثمان. وكانوا بالرقّة، فبعثه إليهم، فدفنوه في بعض دورهم، ثمّ أُدِخلت تلك الدار في المسجد الجامع قال: وهو إلى جانب سدرة هناك، وعليه شبيه النيل لا يذهب شتاءً ولا صيفاً )(١) .

وروى الذهبي، عن أبي أُميّة الكلاعي قال: ( سمعت أبا كرب قال: كنت فيمَن توثّب على الوليد بن يزيد بدمشق، فأخذت سفطاً وقلت: فيه غنائي. فركبت فرسي وخرجت به من باب توما.

قال: ففتحته، فإذا فيه رأس مكتوب عليه هذا رأس الحسين بن علي، فحفرت له بسيفي فدفنته )(٢) .

وروى ابن كثير ما رواه ابن أبي الدُّنيا من طريق عثمان بن عبد الرحمان، عن محمّد بن عمر بن صالح، وقال: وهما ضعيفان، ثمّ قال: ( قلت: ويُعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم، داخل باب الفراديس الثاني.

ثمّ ذكر ما رواه ابن عساكر عن ريّا )(٣) .

وقال ابن الحوراني: ( ودخل باب الفراديس مشهد الحسين، ويُسمَّى مسجد الرأس، وهو معروف الآن، وهو مشهد حافل عليه جلالة وهيبة، وله وقف على مصالحه، وهذا المشهد يقصده الناس للزيارة والدُّعاء والتبرّك، والتماس الحوائج، وهو في غاية القبول )(٤) .

وجاء في دائرة المعارف: ( وفي باب الفراديس مشهد الحسين بن علي )(٥) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٦. وتاريخ الإسلام: ٢٠، وسير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩ وروى أيضاً ما ذكره ابن عساكر عن ريا.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ٢٠٥.

(٤) الإشارات إلى أماكن الزيارات: ٢٥.

(٥) دائرة المعارف ٨/ ٢.

٣٣٤

فتحصّل من جميع ذلك:

أنّ الروايات حول دفن الرأس الشريف في الشام على أقسام:

منها: ما روي بطريق ضعيف، كما اعترفوا بذلك.

ومنها: ما أعرض عنها ناقلوها.

وأنّ الأقوال في تحديد مكانه مُختلفة وهي:

أ) دمشق - في حائط بها -

ب) في دار الإمارة بدمشق.

ج) في المقبرة بدمشق.

د) في القصر الخضراء بدمشق.

هـ) عند باب الفراديس بدمشق.

و) بمسجد الرقّة.

ز) قرب باب توما.

٥) مصر: قال ابن نما: وحدّثني جماعة من أهل مصر، أنّ مشهد الرأس عندهم يُسمّونه مشهد كريم، عليه من الذهب شيء كثير، يقصدونه في المراسم، ويزورونه، ويزعمون أنّه مدفون هناك(١) .

وقال سبط ابن الجوزي: ( واختلفوا في الرأس على أقوال... الخامس: أنّ الخلفاء الفاطميّين نقلوه من باب الفراديس إلى عسقلان، ثمّ نقلوه إلى القاهرة، وهو فيها، وله مشهد عظيم يُزار في الجملة )(٢) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠٦.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٥.

٣٣٥

ولقد ذكرنا اختيار ابن نما وسبط ابن الجوزي القول: بدفن الرأس الشريف بكربلاء.

قال ابن كثير: ( وادّعت الطائفة المسمّون بالفاطميّين، الذين ملكوا الديار المصريّة قبل سنة أربعمئة إلى ما بعد سنة ستّين وستّمئة، أنّ رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها، وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر الذي يُقال له: تاج الحسين بعد سنة خمسمئة، وقد نصّ غير واحد من أئمّة أهل العلم على أنّه لا أصل لذلك )(١) . ثمّ ذكر علّة ذلك على ما زعمه، والذي يظهر حقده من خلاله.

وقال الشبلنجي: ( اختلفوا في رأس الحسين (رضي الله عنه) بعد مسيره إلى الشام إلى أين سار، وفي أيّ موضع استقرّ، فذهب طائفة إلى أن يزيد أمر أن يُطاف به في البلاد، فطيف به حتّى انتهى به إلى عسقلان، فدفنه أميرها بها، فلما غلب الأفرنج على عسقلان افتداه منهم الصالح طلائع وزير الفاطميّين بمال جزيل، ومشى إلى لقائه من عدّة مراحل، ووضعه في كيس حرير أخضر على كرسي من الآبنوس، وفرش تحته المسك والطيب، وبنى عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة قريباً من خان الخليلي... والذي عليه طائفة من الصوفية أنّه بالمشهد القاهري.

قال المنّاوي في طبقاته: ( ذكر لي بعض أهل الكشف والشهود، أنّه حصل له اطّلاع على أنّه دُفِن مع الجثّة بكربلاء، ثمّ ظهر الرأس بعد ذلك بالمشهد القاهري! لأنّ حُكم الحال بالبرزخ حُكم الإنسان الذي تدلّى في تيّارٍ جارٍ، فيطفو بعد ذلك في مكان آخر، فلما كان الرأس مُنفصلاً طاف في هذا المحل (المسمّى) بالمشهد الحسيني المصري! وذكر أنّه خاطبه )(٢) .

____________________

(١) البداية والنهاية ٨/ ٢٠٥.

(٢) نور الأبصار: ١٣٣.

٣٣٦

وقال: وفي كتاب الخُطط للمقريزي، بعد كلام على مشهد الحسين (رضي الله عنه) ما نصّه: ( وكان حمل الرأس الشريف إلى القاهرة من عسقلان، ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمئة... ويُذْكَر أنّ هذا الرأس الشريف لما أُخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجفّ، وله ريح كريح المسك )(١) .

وقال الشبراوي: ( قال العلاّمة الشعراني: لما دُفِن الرأس الشريف ببلاد المشرق، ومضى عليه مدّة أرشى عليه الوزير طلائع بن رزيك، وأنفق ثلاثين ألف دينار، ونقله إلى مصر، وبنى عليه المشهد الشريف، وخرج هو وعسكره حفاة إلى نحو الصالحية من طريق الشام، يتلقّون الرأس الشريف، ثمّ وضعه طلايع في برنس من حرير أخضر، على كرسي من ابنوس، وفرش تحته المِسْك والطيب، وقد زرته مراراً... ثمّ ذكر رؤيا الشيخ شهاب الدين أحمد بن الشبلي الحنفي )(٢) .

إنّ طلائع بن رزيك كان نائب مصر، كما صرّح بذلك الشبراوي(٣) ، وذكر تفصيل ما حصل من نقل الرأس من عسقلان إلى القاهرة سنة ٥٤٨(٤) .

وفي جميع ذلك: أنّه على فرض صحّته، فلعلّه راجع إلى أحد أصحاب الحسينعليه‌السلام الذين استُشهدوا معه صلوات الله عليه، وأهل البيت أدرى بما في البيت، ولم يذكر أحد منهم حول دفن الرأس الشريف بمصر.

فالمختار هو قول المشهور: من إلحاق الرأس الشريف بالجسد الطاهر

____________________

(١) المصدر نفسه: ١٣٥.

(٢) الإتحاف: ٧٥.

(٣) المصدر نفسه: ٩٧.

(٤) المصدر نفسه: ٧٨ - ٨٢.

٣٣٧

بكربلاء.

ولنختم الكلام بما ذكره سبط ابن الجوزي: ففي أيّ مكان رأسه أو جسده، فهو ساكن في القلوب والضمائر، قاطن في الأسرار والخواطر، أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى:

لا تطلبوا المولى(١) حسين

بـأرض شـرق أو بغرب

ودعـوا الـجميع وعرّجوا

نـحوي فـمشهده بقلبي(٢)

ترك كربلاء نحو المدينة:

ثمّ إنّ أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تركوا كربلاء قاصدين المدينة، بعدما أقاموا العزاء على سيّد الشهداء بكربلاء.

قال السيّد ابن طاووس: قال الراوي: ثمّ انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة(٣) .

ولـقد نـلتم ونـلنا مـنكم

وكـذاك الحرب أحياناً دُوَل

نـضع الأسياف في أكتافكم

حـيث نهوى عَللاً بعد نَهل

نخرج الأضياح من أستاهكم

كسلاح النّيب يأكلن العَصَل

إذ تـولُّون عـلى أعـقابكم

هرباً في الشعب أشباه الرِسَل

إذ شـددنـا شَـدَّة صـادقةً

فـأجأناكم إلـى سفح الجبل

بـخناطيل كـأشداف الـملا

مَـن يـلاقوه من الناس يهل

____________________

(١) هكذا في الأصل، ولعلّ الصحيح: قبر، وليس المولى

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٦.

(٣) الملهوف: ٢٢٦. روى نحوه: تسلية المجالس ٢/ ٤٥٩؛ ينابيع المودّة ٣/ ٩٢؛ المنتخب ٢/ ٤٨٣)، وغيرهم.

٣٣٨

ضـاق عـنّا الشعب إذ نجزعه

ومـلانا الـفرط مـنه والرِّجَل

بــرجـالٍ لـسـتُمُ أمـثـالهم

أيّـدوا جـبريل نـصراً فـنزل

وعـلـونا يـوم بـدرٍ بـالتُّقى

طـاعة الله وتـصديق الـرُّسل

وقـتـلنا كــلّ رأسٍ مـنـهم

وقـتـلنا كـلّ جـحجاحٍ رفـل

وتـركنا فـي قـريشٍ عـورةً

يـوم بـدرٍ وأحـاديث الـمَثل

ورســول الله حـقّـاً شـاهدٌ

يـوم بـدرٍ والـتنابيل الـهبل

فـي قـريشٍ من جموعٍ جمّعوا

مثل ما يُجمع في الخصب الهمل

نـحن لا أمـثالكم وُلْـد اسْـتِهَا

نحضر الناس إذا البأس نزل(١)

____________________

(١) السيرة النبويّة ٣/ ١٤٣.

٣٣٩

٣٤٠