مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234467 / تحميل: 8796
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بمثلها وما يقابل العرض بمثله عندنا ، وعند المخالف بنقد البلد(١) .

مسألة ١٥١ : النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين : الذهب أو الفضة دون غيرهما ، فلو اشترى بأحد النصب في المواشي مال التجارة وقصرت قيمة الثمن عن نصاب أحد النقدين ، ثم حال الحول كذلك فلا زكاة.

ولو قصر الثمن عن نصاب المواشي بأن اشترى بأربع من الإِبل متاع التجارة وكانت قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصاباً من أحد النقدين تعلّقت الزكاة به.

إذا عرفت هذا ، فالنصاب الأول قد عرفت أنّه عشرون ديناراً أو مائتا درهم ، فإذا بلغت القيمة أحدهما ثبتت الزكاة ، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثاني وهو أربعة دنانير أو أربعون درهماً ثبتت فيه الزكاة وهو ربع عُشرة أيضاً ، وإلّا فلا ، ولم يعتبر الجمهور النصاب الثاني كالنقدين ، وقد سلف.

مسألة ١٥٢ : إذا اشترى سلعاً للتجارة في أشهر متعاقبة ، وقيمة كلّ واحد نصاب‌ يزكّي كلّ سلعة عند تمام حولها ، ولم يضمّ بعضها إلى بعض.

وإن كانت الاُولى نصاباً فحال حولها وهي نصاب وحال حول الثانية والثالثة وقيمة كلّ منهما أقلّ من نصاب أخذ من الأول الزكاة خمسة دراهم ، ومن الثاني والثالث من كلّ أربعين درهماً درهم.

ولو كان العرض الأول ليس بنصاب وكمل بالثاني نصاباً فحولهما من حين ملك الثاني ، ولا يضمّ الثالث إليهما ، بل ابتداء الحول من حين ملكه ، وتثبت فيه الزكاة - وإن كان أقلّ من النصاب الأول - إذا بلغ النصاب الثاني ، لأنّ قبله نصاباً.

مسألة ١٥٣ : إذا اشترى عرضاً للتجارة بأحد النقدين‌ ، وكان الثمن‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٦٦ - ٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٧٦.

٢٢١

نصاباً ، قال الشيخ : كان حولُ السلعة حولَ الأصل(١) ؛ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحاب الرأي ، لأنّ زكاة التجارة تتعلّق بالقيمة وقيمته هي الأثمان نفسها لكنها كانت ظاهرةً فخفيت.

ولأنّ النماء في الغالب إنّما يحصل في التجارة بالتقليب ، فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي تثبت فيه الزكاة [ لأجله ](٢) مانعا منها(٣) .

ولو قيل : إن كان الثمن من مال تجارة بنى على حوله وإلاّ استأنف ، كان وجها.

ولو كان أقلّ من النصاب فلا زكاة ، فإن ظهر ربح حتى بلغ به نصاباً جرى في الحول من حين بلوغ النصاب عند علمائنا أجمع ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والآخر : أنّه يبنى على الحول من حين الشراء ، لأنّه يعتبر النصاب في آخر الحول على الأقوى من وجهيه(٤) .

فروع :

أ - لو اشتراه بنصاب من السائمة فإن كانت للقُنية فالأقرب انقطاع حول السائمة ، ويبتدئ حول التجارة من يوم الشراء ؛ لاختلاف الزكاتين في القدر والتعلّق ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : يبني عليه كالنقدين(٥) .

وإن كانت للتجارة فالوجه البناء على حولها.

ب - البناء على حول الأصل إنّما يكون لو اشتراه بعين النصاب ، ولو‌

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٩٤ ، المسألة ١٠٨ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٠ - ٢٢١.

(٢) زيادة أثبتناها من المغني والشرح الكبير.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٥ - ٦٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣ - ٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

٢٢٢

اشتراه في الذمة ونقد النصاب في الثمن انقطع حول الثمن نقداً كان أو ماشيةً ، وابتدأ حول التجارة من يوم الشراء ، لأنّ النصاب لم يتعيّن للصرف إلى هذه الجهة.

ج - لو اشترى عرضاً للتجارة بعرض للقُنية كأثاث البيت كان حول السلعة من حين ملكها للتجارة ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) .

وقال مالك : لا يدور في حول التجارة إلّا أن يشتريها بمال تجب فيه الزكاة كالذهب والفضة(٢) .

د - لو باع مال التجارة بالنقد من الذهب أو الفضة وقصد بالأثمان غير التجارة انقطع الحول ، وبه قال الشافعي(٣) ، لأنّه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع به كالسائمة.

وقال أحمد : لا ينقطع ، لأنّه من جنس القيمة التي تتعلّق الزكاة بها فلم ينقطع الحول معها به(٤) .

والفرق : أنّ قصد التجارة انقطع ، وتعلّقت به حول زكاة اُخرى.

ولو قصد بالثمن التجارة ، فالأقرب عدم الانقطاع ، وبنى على حول الأول ؛ لأنّا لا نشترط في زكاة التجارة بقاء الأعيان بل القَيِم.

ه- لو أبدل عرض التجارة بما تجب الزكاة في عينه كالسائمة ولم يَنْو به التجارة لم يبن حول أحدهما على الآخر إجماعاً ؛ لأنّهما مختلفان ، وإن أبدله بعرض للقُنية بطل الحول.

و - لو اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله إجماعاً ، لأنّهما مختلفان.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٢ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٧.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٦.

٢٢٣

ز - لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعاً ، بل قيمتها وبلوغ القيمة النصاب.

مسألة ١٥٤ : لا تجتمع زكاة التجارة والمالية في مالٍ واحد‌ اتّفاقاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا ثني(١) في الصدقة )(٢) .

فلو ملك نصاباً من السائمة فحال الحول ، والسوم ونية التجارة موجودان قدّمت زكاة المال عندنا ؛ لأنّها واجبة دون زكاة التجارة ؛ لاستحبابها.

ومن قال بالوجوب اختلفوا ، فالذي قاله الشيخ - تفريعاً على الوجوب - : تقديم المالية أيضاً(٣) ؛ وبه قال الشافعي - في الجديد - لأنّها أقوى ؛ لانعقاد الإجماع عليها واختصاصها بالعين فكانت أولى(٤) .

وقال أبو حنيفة والثوري ومالك وأحمد والشافعي في القديم : يزكّيه زكاة التجارة ، لأنّها أحظّ للمساكين ، لتعلّقها بالقيمة فتجب فيما زاد بالحساب ، لأنّ الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فتجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصاباً(٥) .

ونمنع اعتبار ترجيح المساكين ، بل مراعاة المالك أولى ؛ لأنّ الصدقة مواساة فلا تكون سبباً لإِضرار المالك ولا موجبة للتحكّم في ماله.

____________________

(١) أي : لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة. النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤.

(٢) كنز العمّال ٦ : ٣٣٢ / ١٥٩٠٢.

(٣) الخلاف ٢ : ١٠٤ ، المسألة ١٢٠ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٢.

(٤) الاُم ٢ : ٤٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٢١ ، وفيها ما عدا المجموع قال مالك بوجوب زكاة العين ؛ على خلاف ما نسب إليه المصنّف ، وأمّا في المجموع فلم يتعرض النووي لقوله.

٢٢٤

فروع :

أ - لو انتفى السوم ثبتت زكاة التجارة وإن كان النصاب ثابتاً ، وكذا لو انتفى النصاب وحصل السوم ؛ لعدم التصادم.

ب - لو فقد شرط زكاة التجارة بأن قصر الثمن عن النصاب أو طلبت بخسارة وجبت زكاة المال إجماعاً ، لعدم التضاد.

ج - لو سبق تعلّق وجوب المالية بأن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتي درهم ثم صارت في نصف الحول تعدل مائتين قدّمت زكاة المال ، لثبوت المقتضي في آخر الحول ، السالم عن معارضة المانع.

وقال بعض الجمهور بتأخّر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة ، لأنّه أنفع للفقراء(١) . وهو ممنوع.

وعلى ما اخترناه إذا تمّ حول التجارة لم يزك الزائد عن النصاب ، لأنّه قد زكّى العين فلا يتعلّق بالقيمة.

وقال بعض الجمهور : تجب زكاة التجارة في الزائد عن النصاب ، لوجود المقتضي فإنّه مال للتجارة حال عليه الحول وهو نصاب(٢) .

وهو ممنوع ؛ لوجود المانع وهو تعلّق الزكاة بالعين.

د - لو اشترى أرضاً أو نخلاً للتجارة فزرعت الأرض وأثمر النخل فاتّفق حولهما بأن يكون بدوّ الصلاح في الثمرة واشتداد الحبّ عند تمام الحول ، وكانت قيمة الأرض والنخل بمفردها نصابا للتجارة فإنّه يزكّي الثمرة والحبّ زكاة العشر ، ويزكّي الأصل زكاه القيمة ، ولا تثبت في الثمرة الزكاتان ، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) ، لأنّ زكاة العُشر أحظّ للفقراء فإنّ العُشر أكثر من ربع العُشر ، ولأنّ زكاة المال متّفق عليها.

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

٢٢٥

وقال أحمد : يزكّي الجميع زكاة التجارة ؛ لأنّه مال تجارة فتجب فيه زكاتها كالسائمة(١) .

والفرق : زكاة السوم أولى ، على أنّا نقول بموجبه هناك.

ه- لو اشترى أربعين سائمة للتجارة فعارض بها(٢) في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة أيضاً ، فإن شرطنا في المالية بقاء عين النصاب سقطت وثبتت زكاة التجارة ، لعدم المانع ، وإلّا أوجبنا زكاة المال.

ولو عارضها بأربعين للقُنية سقطت زكاة التجارة وانعقد حول المالية من المعارضة.

ولو اشترى أربعين للقُنية وأسامها ، ثم عراضها في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة انعقد حول المالية أو التجارة - على الخلاف - من حين المعارضة.

و - عبد التجارة يخرج عنه الفطرة وزكاة التجارة على ما يأتي.

ز - لو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها ، فإن كان بعد تمام الحول ثبتت زكاة التجارة في الحول الأوّل ، وانعقد حول الماليّة من حين الإسامة ، وإن كان في الأثناء احتمل زكاة التجارة عند تمام الحول ؛ لعدم المانع ، وانعقاد حول الماليّة من حين الإِسامة.

مسألة ١٥٥ : إذا نوى بعرض التجارة القُنية صار للقنية وسقطت الزكاة‌ عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ القُنية الأصل ، ويكفي في الردّ إلى الأصل مجرّد النيّة ، ولأنّ نيّة التجارة شرط لثبوت الزكاة في‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

(٢) المعارضة : بيع المتاع بالمتاع لا نقد فيه. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢١٤ « عرض ».

(٣) المجموع ٦ : ٤٩ - ٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٠ - ٦٣١.

٢٢٦

العروض ، فإذا نوى القنية زال الشرط.

وقال مالك في رواية : لا يسقط حكم التجارة بمجرّد النية كما لو نوى بالسائمة العلف(١) .

والفرق أنّ الإِسامة شرط دون نيّتها فلا ينتفي الوجوب إلّا بانتفاء السوم.

وإذا صار العرض للقُنية بنيّتها فنوى به التجارة لم يصر للتجارة بمجرّد النية على ما قدّمناه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي(٢) .

تذنيب : لو كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامة وقطع نية التجارة انقطع حول التجارة واستأنف حولا للماليّة - وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ حول التجارة انقطع بنيّة الاقتناء ، وحول السوم لا يبنى على حول التجارة.

والوجه : أنّها إن كانت سائمةً ابتداء الحول وجبت المالية عند تمامه - وبه قال إسحاق(٤) - لأنّ السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خالياً عن المعارض فتجب به الزكاة ، كما لو لم ينو التجارة.

مسألة ١٥٦ : المشهور عندنا وعند الجمهور أنّ نماء مال التجارة بالنتاج مال تجارة أيضاً‌ - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الولد بعض الاُمّ فحكمه حكمها ، فلو اشترى جواري للتجارة فأولدت كانت الأولاد تابعةً لها ، هذا إذا لم تنقص قيمة الاُمّ بالولادة ، فإن(٦) نقصت جعل الولد جابراً بقدر قيمته ؛ لأنّ‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤١.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٢ - ٦٣٣.

(٤) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٣.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٦) في « ف » والطبعة الحجرية : فلو.

٢٢٧

سبب النقصان انفصاله.

وللشافعي قول آخر : إنّه ليس مالَ التجارة ؛ لأنّ الفائدة التي تحصل من عين المال لا تناسب الاستنماء بطريق التجارة(١) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإنه يبتدئ بالحول في النتاج من حين انفصاله ، ولا يبني على حول الأصل ، خلافاً للشافعي(٢) ، وقد سبق(٣) .

فروع :

أ - لو اشترى من الماشية السائمة نصاباً للتجارة فنتجت ، فعندنا تقدّم زكاة المال ، ولا يتبع النتاج الاُمّهات في الحول ، فلم ينعقد سبب المالية في النتاج ، فيبقى سبب التجارة سالماً عن المعارض ، فينعقد حولها من حين الانفصال ، فتثبت الزكاة فيها بعد الحول ، ثم يعتبر حول المالية إن حصل السوم.

ب - لا يبنى النصاب هنا على نصاب الاُمّهات بمعنى أنه يقوّم النتاج بأحد النقدين فإن بلغت قيمته مائتي درهم أو عشرين ديناراً تعلّقت الزكاة به ، ولا يضمّ إلى الاُمّهات في النصاب ، لأنّ الاُمّهات لها زكاة بانفرادها ، ولا يكفي في اعتبار نصابها أربعون درهماً أو أربعة دنانير ، وإن كانت قيمة الاُمهات نصاباً فإشكال.

ج - لو اشترى حديقة للتجارة فأثمرت عنده ، وقلنا : إنّ ثمار التجارة مال تجارة ، أو اشتراها وهي مثمرة مع الثمار فبدا الصلاح عنده حكمنا بوجوب زكاة المال في الثمرة على ما قدّمناه.

ولا تسقط به زكاة التجارة عن قيمة الأشجار - وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٦٦.

(٣) سبق في المسألة ٣٤.

٢٢٨

الشافعية(١) - لأنّه ليس فيها زكاة مال حتى تسقط بها زكاة التجارة.

وفي الآخر : تسقط ، لأنّ المقصود منها ثمارها وقد أخذنا زكاتها(٢) .

وهو ممنوع.

وكذا لا تسقط عن أرض الحديقة.

وللشافعية طريقان : أحدهما : طرد الوجهين(٣) . والثاني : القطع بعدم السقوط ، لبُعد الأرض عن التبعية ؛ لأنّ الثمار خارجة عن الشجرة ، والشجرة حاصلة ممّا اُودع في الأرض لا من نفسها(٤) .

وأمّا الثمار التي اُخرج الزكاة المالية منها فإنّ حول التجارة ينعقد عليها أيضاً ، وتثبت الزكاة فيها في الأحوال المستقبلة للتجارة وإن كانت الماليّة لا تتكرر ، ويحسب ابتداء الحول للتجارة من وقت إخراج العشر بعد القطاف لا من وقت بدوّ الصلاح ، لأنّ عليه [ بعد ](٥) بدوّ الصلاح تربية [ الثمار ](٦) للمساكين ، فلا يجوز أن يحسب عليه وقت التربية.

د - لو اشترى أرضاً مزروعة للتجارة فأدرك الزرع ، والحاصل نصاب تعلّقت زكاة المال بالزرع ثم يبتدئ حول زكاة التجارة بعد التصفية ، وللشافعية الوجوه السابقة(٧) في الثمرة.

ولو اشترى أرضاً للتجارة وزرعها ببذر القُنية فعليه العُشر في الزرع ، وزكاة التجارة في الأرض ، ولا تسقط زكاة التجارة عن الأرض بأداء العُشر إجماعاً.

ه- الدَّين لا يمنع من زكاة التجارة كما لا يمنع من زكاة العين.

____________________

(١ و ٢ ) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣.

(٣) أي : الوجهان اللذان تقدّما آنفاً.

(٤) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣ - ٨٤.

(٥ و ٦ ) زيادة يقتضيها السياق.

(٧) سبق في المسألة ١٥٤ الوجهان للشافعي ، وانظر : فتح العزيز ٦ : ٨٣ ، والمجموع ٦ : ٥٢.

٢٢٩

الفصل الثاني

في باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة‌

مسألة ١٥٧ : كلّ ما يخرج من الأرض من الغلّات غير الأربع تستحب فيها الزكاة‌ إن كان ممّا يكال أو يوزن كالعدس والماش والاُرز والذرّة وغيرها بشرط بلوغ النصاب في الغلّات الأربع - وهو خمسة أوسق - لعموم قولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(١) .

والقدر المخرج هو العشر إن سقي سيحاً أو بعلاً أو عذياً ، ونصفه إن سقي بالقرب والدوالي كما في الغلّات.

ولو اجتمعا حكم للأغلب ، فإن تساويا قسّط ويؤخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العُشر ، وتثبت بعد إخراج المؤن كالواجب.

ولا زكاة في الخُضراوات.

وفي ضمّ ما يزرع مرّتين في السنة كالذرّة بعضه مع بعض نظر ، وكذا الدّخن ، والأقرب : الضمّ ، لأنّها في حكم زرع عام واحد.

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٣٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٩ / ٢٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٠٣ ، و ٣ : ٩٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

٢٣٠

ويدلّ على استحباب الزكاة بعد ما تقدّم : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » وقال : « جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصدقة في كلّ شي‌ء أنبتته الأرض إلّا الخضر والبقول وكلّ شي‌ء يفسد من يومه »(١) .

وقالعليه‌السلام وقد سأله زرارة في الذرة شي‌ء؟ فقال : « الذرّة والعدس والسّلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة»(٢) .

أمّا الخُضر فلا زكاة فيها إلّا أن تباع ، ويحول على ثمنها الحول ، وتكون الشرائط موجودةً فيه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على الخضر ولا على البطيخ ولا على البقول وأشباهه زكاة إلّا ما اجتمع عندك من غلّة فبقي عندك سنة »(٣) .

وسأل زرارة الصادقعليه‌السلام هل في القَضْب(٤) شي‌ء؟ قال : « لا »(٥) .

وسأل الحلبي ، الصادقعليه‌السلام ما في الخضرة؟ قال : « وما هي؟ » قلت : القضب والبطيخ ومثله من الخضر. فقال : « لا شي‌ء عليه إلّا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة » وعن شجر العضاة(٦) من الفرسك(٧) وأشباهه فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : فثمنه(٨) ؟ قال : « ما حال‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٦ ، والكافي ٣ : ٥١٠ / ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٧٩.

(٤) القضب : كلّ نبت اقتضب واُكل طريّاً. مجمع البحرين ٢ : ١٤٤ « قضب ».

(٥) التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٨٠.

(٦) العضاة : كلّ شجر يعظم وله شوك. الصحاح ٦ : ٢٢٤٠ « عضه ».

(٧) الفرسك : ضرب من الخوخ ليس يتفلّق عن نواه. الصحاح ٤ : ١٦٠٣ « فرسك ».

(٨) في « ف » والتهذيب : قيمته.

٢٣١

عليه الحول من ثمنه فزكِّه »(١) .

مسألة ١٥٨ : لا تجب الزكاة في الخيل‌ بإجماع أكثر العلماء ، وبه قال - في الصحابة - عليعليه‌السلام وعمر وابنه ، وفي التابعين : عمر بن عبد العزيز وعطاء والنخعي والشعبي والحسن البصري ، وفي الفقهاء : مالك والشافعي والأوزاعي والليث بن سعد واحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد(٢) .

لما رواه عليعليه‌السلام : « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق »(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( ليس في الجَبْهة ولا في النخّة ولا في الكسعة صدقة )(٤) والجبهة : الخيل ؛ والنخة : الرقيق ، والكسعة : الحمير(٥) .

وقال ابن قتيبة : هي العوامل من الإِبل والبقر والحمير.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وليس في الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي‌ء »(٦) وعنى الإِبل والبقر والغنم.

وللأصل ، ولأنّ كلّ جنس لا تجب الزكاة في ذكورة إذا انفردت لا تجب في إناثه ، ولكونه كالحُمُر.

وقال أبو حنيفة : إن كانت ذكوراً وإناثاً وجب فيها ، وإن كانت إناثاً منفردة فروايتان ، وكذا إن كانت ذكوراً منفردة ؛ لما رواه الصادقعليه‌السلام عن الباقر‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٢.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ٢٨ ، ومسند أحمد ١ : ١٢١ و ١٤٥.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وغريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٥) قاله أبو عبيدة كما في غريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٢ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ٢ / ٢.

٢٣٢

عليه‌السلام عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(١) .

ولأنّه يطلب نماؤه من جهة السوم فأشبه النعم(٢) .

والحديث محمول على الاستحباب ، والنعم يضحّى بجنسها ، وتجب(٣) فيها من عينها ، بخلاف الخيل.

مسألة ١٥٩ : أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة : السوم والأنوثة والحول ، لأنّ زرارة قال للصادقعليه‌السلام : هل في البغال شي‌ء؟ قال : « لا » فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : « لأنّ البغال لا تلقح ، والخيل الإِناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء » قال ، قلت : هل على الفرس والبعير يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ فقال : « لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها(٤) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء »(٥) .

مسألة ١٦٠ : قدر المخرج عن الخيل‌ عن كلّ فرس عتيق ديناران في كلّ حول ، وعن البرذون دينار واحد عند علمائنا ، لقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وضع أمير المؤمنينعليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣ - ١٤ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥.

(٣) أي : تجب الزكاة.

(٤) ورد في النُسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : مراحها. وما أثبتناه من المصادر ، والمرج : الموضع الذي ترعى فيه الدواب. الصحاح ١ : ٣٤٠ ، القاموس المحيط ١ : ٢٠٧ « مرج ».

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ - ٦٨ / ١٨٤.

٢٣٣

فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على البراذين ديناراً »(١) .

وقال أبو حنيفة : يتخيّر صاحبها إن شاء أعطى من كلّ فرس ديناراً ، وإن شاء قوّمها وأعطى ربع عُشر قيمتها ؛ لما رواه جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام عن جابر : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(٢) .

وهو دليل لنا لا له.

مسألة ١٦١ : العقار المتّخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله‌ ، ولا يشترط فيه الحول ولا النصاب ؛ للعموم ، بل يخرج ممّا يحصل منه ربع العُشر ، فإن بلغ نصاباً وحال عليه الحول وجبت الزكاة ، لوجود المقتضي ، ولا تستحب الزكاة في شي‌ء غير ذلك من الأثاث والأمتعة والأقمشة المتّخذة للقنية بإجماع العلماء.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ / ٣٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤ ، وانظر أيضاً : سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

٢٣٤

٢٣٥

المقصد الرابع

في الإِخراج‌

وفيه فصول :

الأول : في من تخرج الزكاة إليه.

وفيه مباحث‌

٢٣٦

٢٣٧

الأول : في الأصناف‌

مسألة ١٦٢ : أصناف المستحقين للزكاة ثمانية‌ بإجماع العلماء ، وهُم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) .

وقد اختلف الفقهاء في الفقراء والمساكين أيّهما أسوأ حالاً ، فقال الشيخ : الفقير : الذي لا شي‌ء له ، والمسكين هو : الذي له بُلغة من العيش لا تكفيه(٢) . فجعل الفقير أسوأ حالاً ، وبه قال الشافعي والأصمعي(٣) ، لأنّه تعالى بدأ به ، والابتداء يدلّ على شدّة العناية والاهتمام في لغة العرب.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استعاذ من الفقر(٤) ، وقال : ( اللّهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين )(٥) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦.

(٣) المجموع ٦ : ١٩٦ - ١٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ - ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣.

(٤) سنن النسائي ٨ : ٢٦١ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٥٤٠ - ٥٤١ ، مسند أحمد ٢ : ٣٠٥ ، ٣٢٥ ، ٣٥٤.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ٥٧٧ / ٢٣٥٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٨١ / ٤١٢٦ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٢٢.

٢٣٨

ولقوله تعالى( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) (١) وهي تساوي جملة من المال.

ولأنّ الفقر مشتق من كسر الفقار وذلك مهلك.

وقال آخرون : المسكين أسوأ حالاً من الفقير(٢) . وبه قال أبو حنيفة والفراء وثعلب وابن قتيبة ، واختاره أبو إسحاق(٣) ؛ لقوله تعالى( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (٤) وهو المطروح على التراب ، لشدّة حاجته ، ولأنّه يؤكّد به ، ولقول الشاعر :

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد(٥)

والمروي عن أهل البيتعليهم‌السلام هذا ، قال الصادقعليه‌السلام : « الفقير : الذي لا يسأل ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم »(٦) .

ولا فائدة للفرق بينهما في هذا الباب ؛ لأنّ الزكاة تدفع إلى كُلّ منهما ، والعرب تستعمل كلّ واحد منهما في معنى الآخر.

نعم يحتاج إلى الفرق بينهما في باب الوصايا والنذور وغيرهما ، والضابط في الاستحقاق : عدم الغنى الشامل لهما.

مسألة ١٦٣ : قد وقع الإِجماع على أنّ الغني لا يأخذ شيئاً من الزكاة‌ من‌

____________________

(١) الكهف : ٧٩.

(٢) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٣٩ ، وسلّار في المراسم : ١٣٢.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٣ : ٨ ، اللباب ١ : ١٥٣ - ١٥٤ ، المجموع ٦ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣ ، تفسير غريب القرآن - لابن قتيبة - : ١٨٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ١٢٢.

(٤) البلد : ١٦.

(٥) البيت للراعي ، كما في تهذيب اللغة - للأزهري - ٩ : ١١٤.

(٦) الكافي ٣ : ٥٠١ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٧.

٢٣٩

نصيب الفقراء ؛ للآية(١) ، ولقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني )(٢) .

ولكن اختلفوا في الغنى المانع من الأخذ ، فللشيخ قولان ، أحدهما : حصول الكفاية حولاً له ولعياله(٣) ، وبه قال الشافعي ومالك(٤) ، وهو الوجه عندي ، لأنّ الفقر هو الحاجة.

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) (٥) أي المحاويج إليه ، ومن لا كفاية له محتاج.

وقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة إلّا لثلاثة : رجل أصابته فاقة حتى يجد سداداً من عيش ، أو قواماً من عيش )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لا تحل(٧) لغني » يعني الصدقة ، قال هارون بن حمزة فقلت له : الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته وله عيال ، فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها؟ قال : « فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو ومن يسعه ذلك ، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله »(٨) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٣٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٢ / ٦٥٢ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٤ ، ١٩٢ ، ٣٨٩ و ٥ : ٣٧٥.

(٣) الخلاف ، كتاب قسم الصدقات ، المسألة ٢٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٦.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٣ ، المغني ٢ : ٥٢٢ و ٧ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٥) فاطر : ١٥.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٢ / ١٠٤٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٠ / ١٦٤٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٠ / ٢ ، سنن الدارمي ١ : ٣٩٦ ، وفيها بدل ( لا تحل الصدقة ) : ( لا تحل المسألة ).

(٧) في المصدر : « لا تصلح ».

(٨) التهذيب ٤ : ٥١ / ١٣٠.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الفصل الثالث

إلى مدينة الرسول

٣٤١

٣٤٢

الفصل الثالث

إلى مدينة الرسول

المدينة قبل وصول خبر مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

كانت المدينة المنوّرة تترقّب سماع خبر أعظم حادثة وأكبر كارثة وأفضع فاجعة في العالم... كيف لا، وهو خبر قتل مَن قال جدّه سيّد الكائنات في حقّه:( حسين منّي وأنا من حسين ) (١) .

إنّ بعض أقرباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه كانوا يعلمون بمصير الحسينعليه‌السلام إجمالاً، وذلك عبر ما سمعوه عن صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مباشرةً أو بالواسطة، فإنّهم - وإن فاتهم الفوز العظيم أو قصّروا في سبيل نصرة ابن بنت نبيّهمعليه‌السلام - ولكنّ ذلك لم يمنعهم أن يعيشوا في حالة من الخوف والقلق، وترقُّب الأحداث!

لقد قامت زوجة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّ سلمة - التي حصلت على شرف العلم والمعرفة وأصبحت موضع سرّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - بدورها العظيم تجاه هذه المأساة، إذ استودعها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تربة من تراب كربلاء قبل مقتل الحسينعليه‌السلام بسنوات عديدة، ولقد احتفظت بها، وصار احمرارها علامة تحقُّق المأساة، وهي التي روت أحاديث كثيرة في هذا الشأن، كما سترى.

____________________

(١) تهذيب التهذيب ٢/ ٢٩٩ و...

٣٤٣

وروى ابن عبّاس - بدوره - عدّة روايات حول هذا الموضوع، واتّخذ مواقف جيّدة، ولا نريد بذلك توجيه عدم حضوره في كربلاء.

وثَمّة بعض القصائد والأشعار التي ربّما نُسبت إلى الجنّ، وإنّها وإن كانت بموضع من الإمكان بل الوقوع، فإنّ مصيبة قتل الحسينعليه‌السلام شملت الكون بكامله والخلائق بأجمعها، والموجودات كلّها، إلاّ أنّ هناك احتمالاً آخر، وهو صدورها من بعض الناس الموالين لأبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ومحبّي أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أنّ بعضها كذلك، ولا ضير بأن نجمع حصول كلا الأمرين وتحقّقهما، أي صدور بعضها من الجنّ وبعضها من شيعة الإمام من الإنس.

كما رويت بعض المنامات والرؤى الصادقة، من أمثال أُمّ سلمة وابن عبّاس وغيرهما، تناقلها الناس، وأثّرت في أوساط المجتمع الذي تهيّأ لسماع خبر الفاجعة.

ولا ننسى أنّ الآيات السماوية والأرضية الكثيرة، التي حصلت في مناطق عديدة بعد مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام خلقت الجوّ المناسب لذلك.

وإليك - أيّها القارئ الكريم - بعض النصوص التي تُعالج هذا الموضوع، وتُبيّن ما جرى في هذه الفترة من الزمان.

دور أُمِّ سلمة:

* أُمُّ سلمة تعلم بمصير الإمامعليه‌السلام :

فقد روى الطبراني، بإسناده عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، عن أُمّ سلمة قالت:( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يُقتَل حسين بن علي (رضي الله عنه) على رأس ستّين من

٣٤٤

مهاجرتي ) (١) .

* أُمُّ سلمة ترى تربة الحسينعليه‌السلام :

روى الطبراني، بإسناده عن عتبة بن عبد الله بن زمعة، عن أُمّ سلمة:

( أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اضطجع ذات يوم، فاستيقظ وهو خاثر النفس، وفي يده تربة حمراء يُقلّبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟

فقال:( أخبرني جبريل عليه‌السلام أنّ هذا - الحسينعليه‌السلام -يُقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل عليه‌السلام : أرني تربة الأرض التي يُقتل بها. فهذه تربتها ) (٢) .

وروى الحاكم بإسناده عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال:

أخبرتني أُمّ سلمة (رضي الله عنها): أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اضطجع ذات ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثمّ اضطجع فرقد، ثمّ استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرّة الأُولى، ثمّ اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يُقبّلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟

قال:( أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام أنّ هذا - الحسين -يُقتل بأرض العراق فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يُقتل بها. فهذه تربتها ).

ثمّ قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه(٣) .

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٠ ح٢٨٠٧.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١٦ ح٢٨٢١، اُنظر كنز العمّال ١٣/ ٦٥٧ ح٣٧٦٦٧.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٤/ ٣٩٨، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٣٣٩؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٨٩؛ ذخائر العُقبى ١٥٧.

٣٤٥

وروى الطبراني، بإسناده عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أُمّ سلمة قالت:

( كان رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم)، جالساً ذات يوم في بيتي فقال:( لا يدخل عليَّ أحد ) . فانتظرت فدخل الحسين (رضي الله عنه)، فسمعت نشيج رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) يبكي، فاطّلعتُ، فإذا حسين في حجره والنبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله، ما علمت حين دخل!

فقال:( إنّ جبرئيل عليه‌السلام كان معنا في البيت، فقال: تُحبّه؟ قلت: أمّا من الدُّنيا فنعم، قال: إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرض يُقال لها: كربلاء ) . فتناول جبريلعليه‌السلام من تربتها فأراها النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)، فلما أُحيط بحسين حين قُتل قال:( ما اسم هذه الأرض؟ ) .

قالوا: كربلاء.

قال:( صدق الله ورسوله، أرض كربٍ وبلاء ) (١) .

وروي بإسناده عن صالح بن أريد، عن أُمّ سلمة (رضي الله عنها) قالت:

( قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( اجلسي بالباب ولا يلِجنَّ عليَّ أحد ) . فقمت بالباب إذ جاء الحسين (رضي الله عنه)، فذهبت أتناوله، فسبقني الغلام، فدخل على جدّه، فقلت: يا نبيّ الله، جعلني الله فداك، أمرتني أن لا يلج عليك أحد، وإنّ ابنك جاء، فذهبت أتناوله فسبقني، فلما طال ذلك تطلّعت من الباب، فوجدتك تُقلِّب بكفّيك شيئاً ودموعك تسيل، والصبي على بطنك، قال:( نعم، أتاني جبريل، فأخبرني أنّ أُمّتي يقتلونه، وأتاني بالتربة التي يُقتل عليها، فهي التي أُقلِّب بكفّي ) (٢) .

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٥، ح٢٨١٩.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١٥، ح٢٨٢٠.

٣٤٦

مُلاحظتان:

١ - إنّ أُمّ سلمة ليست الوحيدة في نقل أخبار إتيان جبرئيل بتربة الحسينعليه‌السلام إلى جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هناك روايات عديدة عن غيرها، مثل عائشة، وزينب بنت جحش حول هذا الموضوع الهامّ(١) التي لا مجال لذكرها الآن.

٢ - إنّها لم تكن الوحيدة التي رأت تربة الحسينعليه‌السلام قبل مقتله، بل هناك أشخاص رأوها، وعلى رأسهم أبوه الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، نذكر بعضهم:

أ) الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام :

روى الطبراني، بإسناده عن عبد الله بن نجي، عن أبيه أنّه سافر مع عليّ (رضيّ الله عنه)، فلما حاذى نينوى قال:( صبراً أبا عبد الله! صبراً بشط الفرات! ) .

قلت: وما ذاك؟

قال:( دخلتُ على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت: هل أغضبك أحد يا رسول الله؟ ما لي أرى عينيك مُفيضتين؟ قال: قام من عندي جبريل عليه‌السلام ، فأخبرني أنّ أُمّتي تقتل الحسين ابني.

ثمّ قال: هل لك أن أُريك من تربته؟

قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة، فلما رأيتها لم أملك عينيّ أن فاضتا ) (٢) .

ب) أبو بكر وعمر وحذيفة وعمّار وأبو ذرّ:

روى الطبراني، بإسناده عن عائشة قالت:

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٣ ح٢٨١٥؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٨ و١٨٩ و١٩٢.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١١ ح٢٨١١. وروي في مُسند أحمد ١/ ٨٥؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٧ وقال: ( ورجاله ثقات ولم ينفرد نجيّ بهذا )؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٠٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٨٨؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٧٠ وغيرهم.

٣٤٧

( دخل الحسين بن علي (رضي الله عنه) على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وهو يوحى إليه، فنزا على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وهو مُنكبٌّ، ولعب على ظهره، فقال جبريل لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( أتُحبّه يا محمّد؟ ) .

قال:( يا جبريل، وما لي لا أُحبُّ ابني؟! ) .

قال:( فإنّ أُمّتك ستقتله من بعدك ) . فمدّ جبريلعليه‌السلام يده، فأتاه بتربة بيضاء، فقال:( في هذه الأرض يُقتَل ابنك هذا - يا محمّد - واسمها الطفّ ) . فلما ذهب جبريلعليه‌السلام من عند رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) خرج رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) والتربة في يده يبكي، فقالوا: ما يُبكيك يا رسول الله؟

فقال:( أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أنّ فيها مضجعه ) (١) .

* تربة الحسينعليه‌السلام عند أُمّ سلمة:

روى الطبراني، بإسناده عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال:

(استأذن مَلَك القطر ربّه عزّ وجلّ أن يزور النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)، فأذِن له، فجاءه وهو في بيت أُمّ سلمة، فقال:( يا أُمّ سلمة، احفظي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد ). فبينما هم على الباب إذ جاء الحسين، ففتح الباب، فجعل يتقفَّز على ظهر النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)، والنبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٣ ح٢٨١٤.

٣٤٨

يلثمه ويُقبّله، فقال له الملَك:( تُحبُّه يا محمّد؟ ).

قال:( نعم ).

[ قال: ]( أما أنّ أُمّتك ستقتله، وإن شئت أن أُريك من تربة المكان الذي يُقتل فيها ) .

قال: فقبض من المكان الذي يُقتل فيه، فأتاه بسهلة حمراء، فأخذته أُمّ سلمة، فجعلته في ثوبها.

قال ثابت: كنّا نقول: إنّها كربلاء )(١) .

وروى الطبراني، بإسناده عن شقيق بن سلمة، عن أُمّ سلمة قالت:

( كان الحسن والحسين ( رضي الله عنهما ) يلعبان بين يدي النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) في بيتي، فنزل جبريلعليه‌السلام فقال:( يا محمّد، إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وضمّه إلى صدره، ثمّ قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( وديعةً عندك هذه التربة )، فشمَّها رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وقال:( ويحَ كرب وبلاء! ) .

قالت: وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( يا أُمّ سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتِل ) .

قال: فجعلتها أُمّ سلمة في قارورة، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول: إنّ يوماً تُحوَّلين دماً ليوم عظيم )(٢) .

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٢، ح٢٨١٣. وروي نحوه في مُسند الإمام أحمد بن حنبل ٣/ ٢٤٢؛ دلائل النبوّة ٦/ ٤٦٩؛ الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٥ - عن البيهقي وأبي نعيم؛ ذخائر العُقبى: ١٤٦، ثمّ قال: خرجه البغوي في مُعجمه وخرجه أبو حاتم في صحيحه؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٢ - عن البغوي وأبي حاتم وأحمد؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٠٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٧ و١٩٠؛ كنز العمّال ١٣/ ٦٥٧، ح٣٧٦٦٩ وغيرهم.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١٤ ح٢٨١٧. وأخرجه: كفاية الطالب: ٤٢٦؛ تهذيب الكمال: ٦/ ٤٨٠؛ مجمع

٣٤٩

وقال الشيخ المفيد: وروي بإسناد آخر عن أُمّ سلمة - رضي الله عنها - أنّها قالت:

( خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عندنا ذات ليلة، فغاب عنّا طويلاً، ثمّ جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت: يا رسول الله، ما لي أراك شَعثاً مُغبرّاً؟!

فقال:( أُسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يُقال له: كربلاء. فأُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولْدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم، فها هي في يدي ) . وبسطها إليّ فقال:( خُذْيها واحتفظي بها ) . فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة، وسددتُ رأسها واحتفظتُ به، فلما خرج الحسينعليه‌السلام من مكّة مُتوجِّهاً نحو العراق، كنت أُخْرِج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فأشمّها وأنظر إليها، ثمّ أبكي لمصابه، فلما كان في اليوم العاشر من المحرّم - وهو اليوم الذي قُتل فيهعليه‌السلام - أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها، ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط، فصمت في بيتي وبكيت، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة، فيُسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظةً للوقت حتّى جاء الناعي ينعاه، فحقّق ما رأيت )(١) .

____________________

الزوائد ٩/ ١٨٩؛ تهذيب التهذيب ٢/ ٣٤٦؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٢؛ ذخائر العُقبى: ١٤٦ وقال: خرّجه الملاّ في سيرته؛ الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٥؛ طرح الترتيب ١/ ٤١ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٤٧.

(١) الإرشاد ٢/ ١٣٠، عنه بحار الأنوار ٤٤/ ٢٣٩، ح٣١. وروي في إعلام الورى: ٢١٧؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٣، وذكر مضمونه: الصواعق المحرقة: ٢٩٢؛ نظم درر السمطين: ٢١٥.

٣٥٠

وقال ابن الأثير:

( وروي أنّ النبي (صلَّى الله عليه وسلِّم) أعطى أُمّ سلمة تراباً من تربة الحسين حمله إليه جبرائيل، فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) لأُمّ سلمة:( إذا صار هذا التراب دماً فقد قُتِل الحسين ) . فحفظتْ أُمّ سلمة ذلك التراب في قارورة عندها، فلما قُتِل الحسين صار التراب دماً، فأعلمت الناس بقتله أيضاً )(١) .

وقال الطبري:

( إنّ أُمّ سلمة أخرجت يوم قتل الحسين بكربلاء وهي بالمدينة قارورة فيها دم، فقالت: قُتِل - والله - الحسين.

فقيل: من أين علمتِ؟!

قالت: دفع إليّ رسول الله من تربته وقال لي:( إذا صار هذا دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتِل ) ، فكان كما قالت )(٢) .

وذكر الخوارزمي: ( أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ تلك القبضة - من تربة الحسينعليه‌السلام - التي أتاه بها الملَك، فجعل يشمّها ويبكي ويقول في بكائه:( اللّهمَّ، لا تُبارك في قاتل ولدي، وأصْلِه نار جهنّم ) .

ثمّ دفع تلك القبضة إلى أُمّ سلمة، وأخبرها بقتل الحسين بشاطئ الفرات، وقال:( يا أُمّ سلمة، خُذْي هذه التربة إليك، فإنّها إذا تغيّرت وتحوّلت دماً عبيطاً فعند ذلك يُقتل ولدي الحسين ) )(٣) .

بل المستفاد من بعض النصوص، أنّ أُمّ سلمة كانت تحمل قارورتين من تراب الحسينعليه‌السلام ، إحداهما سلّمها إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأُخرى تسلّمتها من

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٩٣.

(٢) دلائل الإمامة: ١٨٠.

(٣) مقتل الخوارزمي ١/ ١٦٢. ورواه السيّد محمّد بن أبي طالب (تسلية المجالس ٢/ ١١٢).

٣٥١

يدي الحسينعليه‌السلام .

لقد روى الفقيه المحدّث القطب الراوندي، أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لما أراد العراق ( قالت له أُمّ سلمة: لا تخرج إلى العراق؛ فقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( يُقتَل ابني الحسين بـ [ أرض ] العراق ) ، وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة.

فقال:( والله، إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً، وإن أحببتِ أن أُريك مضجعي ومصرع أصحابي ) .

ثمّ مسح بيده على وجهها، ففسح الله في بصرها حتّى أراها ذلك كلّه، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة أُخرى، وقالعليه‌السلام :( فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قُتْلِت ) .

فقالت أُمّ سلمة: فلما كان يوم عاشوراء، نظرت إلى القارورتين بعد الظهر، فإذا هما قد فاضتا دماً.

فصاحت، ولم يُقلَب في ذلك اليوم حجر ولا مَدَر إلاّ وجِد تحته دم عبيط )(١) .

ويظهر من رواية الفقيه ابن حمزة، عن الباقرعليه‌السلام مُرسلاً - بعد ذكر ما يقرب من نقل الخرائج في المضمون -:( أنّها خلطت التربة التي أعطاها الإمام الحسين عليه‌السلام مع التربة التي كانت عندها ) (٢) .

* ما سمعته أُمّ سلمة ليلةَ قُتِل الحسينعليه‌السلام !

روى الخوارزمي، بإسناده عن عبد الرحمان بن محمّد بن أبي سلمة يذكر عن

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١/ ٢٥٣ ح٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٨٩ ح٢٧؛ العوالم ١٧/ ١٥٧، ح٧.

(٢) الثاقب في المناقب: ٣٣١، فصل ٥، ح٢٧٢ ونحوه في الهداية: ٢٠٢ وعيون المعجزات: ٦٩ بتفاوت.

٣٥٢

أبيه عن جدّه، عن أُمّ سلمة قالت:

( جاء جبرئيلعليه‌السلام إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:( إنّ أُمّتك تقتله - يعني الحسين -بعدك ).

ثمّ قال له:( ألا أُريك من تربة مقتله؟ ) .

قال:( نعم ) . فجاء بحُصيّات، فجعلهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قارورة، فلما كانت ليلة قَتْل الحسين - قالت أُمّ سلمة - سمعت قائلاً يقول:

أيّها القاتلون جَهْلاً حسيناً

أبْشِرُوا بالعذاب والتنكيل

قد لُعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

 ( قال: ) فبكيت وفتحت القارورة، فإذا قد حدث فيها دم )(١) .

* ما رأته أُمّ سلمة في منامها!

روى الترمذي، بإسناده عن سلمى قالت: ( دخلتُ على أُمّ سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟

قالت: رأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) - تعني في المنام - وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لكَ يا رسول الله؟

قال:شهدت قَتْلَ الحسين آنفاً )(٢) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٤، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٣٤٧. ورواه: نظم درر السمطين: ٢١٧، وفيه: (فإذا الحُصيّات قد جرت دماً)، والصواعق المحرقة: ٢٩٢ وغيرهم.

(٢) الجامع الصحيح، سُنن الترمذي ٥/ ٦٥٧، باب ٣١ مناقب الحسن والحسين، ح٣٧٧١. ورواه: المعجم الكبير ٢٣/ ٣٧٣ ح٨٨٢؛ المستدرك ٤/ ١٩؛ تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٨٨، ح٣٢٨؛ كفاية الطالب: ٤٣٣؛ أُسد الغابة ١/ ٢٢؛ الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٦؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٢؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٦؛ تاريخ الإسلام: ١٧؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٤؛ تهذيب التهذيب ٢/ ٣٠٧، تلخيص المستدرك ٤/ ١٩؛ تهذيب الكمال ٢/ ٤٣٩ واُنظر: مصابيح السنّة: ٢٠٧؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٦؛ أسماء الرجال (للذهبي) ٢/ ١٤١؛ جامع الأصول (لابن الأثير) ١٠/ ٢٤؛ المختار في مناقب الأخبار: ٢٢؛ ذخائر العُقبى: ١٤٨؛ نظم درر السمطين: ٢١٧؛ تهذيب التهذيب ٢/ ٣٥٣ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٥٥.

٣٥٣

وزاد الباعوني - بعد ذكره خبر سلمى -: ثمّ قالت: ( فعلوها؟ ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً! ).

ثمّ استيقظتْ مغشيّاً عليها )(١) .

وقال الخوارزمي بعد ذكره الخبر: ( وجاء في المراسيل، أنّ سلمى المدنيّة قالت: رفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أُمّ سلمة قارورة فيها رمل من الطف، وقال لها:( إذا تحوّل هذا دماً عبيطاً فعند ذلك يُقتَل الحسين ) .

قالت سلمى: فارتفعت واعية من حجرة أُمّ سلمة، فكنت أوّل مَن أتاها، فقلت لها: ما دهاك يا أُمّ المؤمنين؟

قالت: رأيت رسول الله في المنام والتراب على رأسه، فقلت: ما لكَ؟

قال:وثب الناس على ابني فقتلوه، وقد شهدته قتيلاً الساعة. فاقشعرّ جلدي وانتبهت، وقمت إلى القارورة، فوجدتها تفور دماً.

قالت سلمى: ورأيتها موضوعة بين يديها )(٢) .

روى الشيخ الصدوق (رحمه الله)، بإسناده عن أبي البختري وهب بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام عن أُمّ سلمة (رضي الله عنها):( أنّها أصبحت يوماً تبكي، فقيل لها: ما لكِ؟!

قالت: لقد قُتل ابني الحسين عليه‌السلام ، وما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ مات إلاّ الليلة، فقلت: بأبي أنت وأُمّي، ما لي أراك شاحباً؟

فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر قبر الحسين وقبور أصحابه ) (٣) .

وذكر الشيخ الطوسي، بإسناده عن عبد الله بن عبّاس، قال: ( بينا أنا راقد في منزلي، إذ سمعت صُراخاً عظيماً عالياً من بيت أُمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت يتوجّه بي قائدي إلى منزلها، وأقبل أهل المدينة إليها - الرجال والنساء - فلما انتهيت إليها قلت: يا أُمّ المؤمنين، ما بالك تصرخين وتغوثين؟!

فلم تُجبني، وأقبلت على

____________________

(١) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٨.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٢.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٠٢، المجلس ٢٩، ح٢١٧. ورواه الشيخ المفيد في أماليه ص٣١٩، المجلس ٣٨، ح٦، كذا: أمالي الطوسي: ٩٠، المجلس ٣، ح١٤٠؛ وروضة الواعظين: ١٧٠.

٣٥٤

النسوة الهاشميّات وقالت: يا بنات عبد المطّلب، اسعدنني وابكين معي، فقد واللَّه قُتل سيّدكنّ وسيّد شباب أهل الجنّة، قد واللَّه قُتل سبط رسول اللَّه وريحانته الحسين، فقيل: يا أُمّ المؤمنين، ومن أين علمت ذلك؟ قالت: رأيت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام الساعة شعثاً مذعوراً، فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم، فدفنتهم، والساعة فرغت من دفنهم، قالت: فقمت حتّى دخلت البيت، وأنا لا أكاد أن أعقل، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى‌ بها جبرئيل من كربلاء، فقال: إذا صارت هذه التربة دماً فقد قُتل ابنك، وأعطانيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال:اجعلي هذه التربة في زجاجة - أو قال: في قارورة-ولتكن عندك، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قُتل الحسين ، فرأيت القارورة الآن، وقد صارت دماً عبيطاً تفور، قال: وأخذت أُمّ سلمة من ذلك الدم، فلطّخت به وجهها، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين عليه السلام، فجاءت الركبان بخبره وأنّه قد قُتل في ذلك اليوم.

قال عمرو بن ثابت: قال أبي: فدخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام منزله، فسألته عن هذا الحديث، وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبداللَّه بن عبّاس، فقال أبو جعفر عليه السلام:حدّثنيه عمر بن أبي سلمة عن أُمّه امّ سلمة .

قال ابن عبّاس- في رواية سعيد بن جبير عنه قال-: فلمّا كانت الليلة رأيت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي أغبر أشعث، فذكرت له ذلك وسألته عن شأنه، فقال لي:

ألم تعلمي أنّي فرغت من دفن الحسين وأصحابه .

قال عمرو بن أبي المقدام: فحدّثني سدير عن أبي جعفر عليه السلام أنّ جبرئيل جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتربة التي يُقتل عليها الحسين عليه السلام، قال أبو جعفر: فهي عندنا»(١)

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٣١٥، مجلس ١١، ح ٦٤٠. ورواه ابن شهر آشوب عن أحمد في المسند عن أنس =

٣٥٥

وروى الفقيه ابن حمزة عن الإمام الباقر عليه السلام:

«فلمّا كانت تلك الليلة التي صبيحتها قُتل الحسين بن عليّ صلوات اللَّه عليهما فيها، أتاها (أُمّ سلمة) رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام أشعث باكياً مغبرّاً، فقالت: يارسول اللَّه، مالي أراك باكياً مغبرّاً أشعث؟ فقال:دفنت ابني الحسين عليه السلام وأصحابه الساعة .

فانتبهت أُمّ سلمة رضي اللَّه عنها، فصرخت بأعلى صوتها، فقالت: وا ابناه، فاجتمع أهل المدينة، وقالوا لها: ما الذي دهاك؟

فقالت: قُتل ابني الحسين بن علي صلوات اللَّه عليهما، فقالوا لها:

وما علمك [بذلك‌]؟ قالت: أتاني في المنام رسول اللَّه صلوات اللَّه عليه باكياً أشعث أغبر، فأخبرني أنّه دفن الحسين وأصحابه الساعة، فقالوا: أضغاث أحلام، فقالت: مكانكم، فإنّ عندي تربة الحسين عليه السلام، فأخرجت لهم القارورة فإذا هي دم عبيط» «١».

أُمّ سلمة تسمع نوح الجنّ‌

روى الشيخ الصدوق بإسناده عن أُمّ سلمة- زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - قالت:

ما سمعت نوح الجنّ منذ قُبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّاالليلة، ولا أراني إلّاوقد أصبت بابني.

قالت: وجاءت الجنّية منهم:

____________________

= والغزالي في « كيمياء السعادة » وابن بطة في « الإنابة » من خمسة عشر طريقاً وابن حبيش التميمي ( المناقب ٤/٥٥، عنه العوالم ١٧/٥٠٧ ح ١؛ بحار الأنوار ٤٥/٢٢٧، ح٢٢).

(١) الثاقب في المناقب: ٣٣٠، ح ٢٧٢. وروى نحوه أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي ( الهداية الكبرى: ٢٠٣)، وغيره، اُنظر: إثبات الوصيّة: ٢٦٢؛ عيون المعجزات:٦٩؛ الصراط المستقيم ٢/١٧٩، ح ٧؛ مدينة المعاجز ٣/٤٨٩ ح ١٠٠٣؛ معالم الزلفى: ٩١.

٣٥٦

ألا يا عين فانهملي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي‌

على‌ رهط تقودهم المنايا

إلى متجبّر في ملك عبد(١)

صراخ أُمّ سلمة وضجّة المدينة

لقد ذكرنا عن ابن عبّاس أنّ أهل المدينة- رجالًا ونساءً- توجّهوا نحو بيت أُمّ سلمة، بعدما سمعوا صراخها وبكاءها.

وممّا يؤيّد ذلك ما أورده اليعقوبي في تاريخه، قال: «وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة أُمّ سلمة زوج النبي، كان دفع إليها قارورة فيها تربة، وقال لها:

إنّ جبريل أعلمني أنّ أُمّتي تقتل الحسين ، وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنّ الحسين قد قُتل، وكانت عندها، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلّ ساعة، فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت واحسيناه! وا ابن رسول اللَّه! وتصارخت النساء من كلّ ناحية، حتّى ارتفعت المدينة بالرجّة التي ما سُمع بمثلها قطّ»(٢) .

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٠٢، مجلس ٢٩، ح ٢١٨. انظر: إحقاق الحقّ ١١/٥٧٣؛ شرح الأخبار ٣/١٦٧ ح ١١٠٧ وفيه: « ألا يا عين جودي لي ومن »؛ مقتل الخوارزمي ٢/٩٥) وفيه: « فاحتفلي على رهط سرت بهم »؛ مثير الأحزان: ١٠٨ وفيه: « فاحتملي في الملك »؛ ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق: ٣٩٣ – ٣٩٧؛ تذكرة الخواص: ٢٦٩ وفيه: « فاختلفي في ثوب عبد »؛ كفاية الطالب: ٤٤٢ وفيه: « فاحتفلي »؛ ذخائر العقبى: ١٥٠ – بعضه – وقال: « خرّجه الملّا في سيرته »؛ الخصائص الكبرى ٢/١٢٧ وفيه: « فاحتفلي »؛ مجمع الزوائد ٩/١٩٩ وفيه: « فاحتفلي »؛ تهذيب الكمال ٦/٤٤١ وفيه: «فاحتفلي بجهد متخيّر »، وغيرهم: معجم الطبراني: ٢٨٦٩؛ آكام المرجان: ١٤٧- على ما في إحقاق الحقّ ١١/٥٧٣ وفيه: « فاحتفلي متحيّر ».

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٢٤٥.

٣٥٧

خلاصة الكلام‌

إنّ أُمّ سلمة- بما حازت من موقع انتمائها لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبما نالت من موضع ائتمانها من قبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبما فازت من معرفتها بآل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبما قامت برسالتها تجاه آل اللَّه ...- أخذت دورها المحوري في فترة عدم حضور آل بيت المصطفى صلى الله عليه و آله بالمدينة، وأثّرت تأثيراً بالغاً، بحيث ضجّت المدينة بصراخها ورجفت بأنينها، سلام اللَّه ورضوانه عليها، ولعلّ عدم إجابتها لسؤال ابن عبّاس- في ما رواه الشيخ الطوسي- عتاب منها عليه في عدم نصرته سبط الرسول عليه السلام، واللَّه العالم.

دور ابن عبّاس‌

علمه بمصير سيّد الشهداء عليه السلام‌

كان ابن عبّاس من الذين يعلمون بمصير الإمام عليه السلام، فمن الطبيعي أن يكون ممّن يترقّب خبر استشهاده عليه السلام.

أخرج الحاكم عن ابن عبّاس قال: «ما كنّا نشكّ وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين يُقتل بالطف»(١) .

رؤيا ابن عبّاس وإخباره بعض الناس‌

روى أحمد بإسناده عن ابن عبّاس قال: «رأيت النبيّ صلى الله عليه و سلم فيما يرى النائم بنصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأُمّي يارسول اللَّه، ما هذا؟ قال:هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قُتل في ذلك اليوم»(٢) .

____________________

(١) مستدرك الحاكم ٣: ١٧٩، عنه الخصائص الكبرى ٢/١٢٦.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١/٢٨٣. وروى في: المعجم الكبير ٣/١١٦، ح ٢٨٢٢؛ عبرات المصطفين ٢

٣٥٨

وروى ابن عساكر بإسناده عن عليّ بن زيد بن جدعان قال: «استيقظ ابن عبّاس من نومه، فاسترجع وقال: قُتل حسين واللَّه، فقال له أصحابه: كلّا، قال:

رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ومعه زجاجة من دم، فقال:ألا تعلم ما صنعتْ أُمّتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين وهذا دمه ودم أصحابه أرفعها إلى اللَّه عزّوجلّ ، قال: فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فما لبثوا إلّا أربعة وعشرين يوماً حتّى جاءهم الخبر بالمدينة أنّه قُتل ذلك اليوم، وتلك الساعة» «١».

وقال الزرندي: وفي رواية أنّ ابن عبّاس كان في قايلة له، فانتبه من قايلته وهو يسترجع، ففزع أهله فقالوا: ما شأنك؟ ما لكَ؟ قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله وهو يتناول من الأرض شيئاً، فقلت: بأبي وأُمّي يارسول اللَّه صلى الله عليه و آله ماهذا الذي تصنع؟

____________________

= /١٢٣؛ شرح الأخبار ٣/١٦٨، ح ١١١٠؛ الاستيعاب ١/٣٨١؛ تاريخ بغداد ١/١٤٢؛ المستدرك على الصحيحين ٤/٣٩٨؛ مناقب عليّ بن أبي طالب: ٧٨، ح ١١٦ وفيه: « رأيت رسول الله ص وأنا قائل ..»؛ مقتل الخوارزمي ٢/٩٤؛ ترجمة الإمام الحسين ع من تاريخ دمشق: ٣٨٥، ح ٣٢٥؛ دلائل النبوّة ٦/٤٧١؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢؛ أسد الغابة ١/٢٢؛ اعلام الورى: ٢١٨؛ تذكرة الخواص: ٢٦٨؛ تاريخ الخلفاء: ١٦٦؛ الخصائص الكبرى: ١٢٦؛ نظم درر السمطين: ٢١٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/٣١٥؛ تاريخ الإسلام: ١٧؛ تلخيص المستدرك ٤/٣٩٨؛ ذخائر العقبى: ١٥٨؛ الإصابة ١/٣٣٥؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٤؛ تهذيب التهذيب ٢/٣٠٦؛ جواهر المطالب ٢/٢٩٧؛ البداية والنهاية ٨/٢٠٢ وقال: « تفرّد به أحمد وإسناده قويّ »؛ مجمع الزوائد ٩/١٩٤ وقال: « رجال أحمد رجال الصحيح »؛ تهذيب الكمال ٦/٤٣٩؛ بحار الأنوار ٤٥/٢٣١؛ عوالم ١٧/٥١٠، باب ٤، ح ١؛ إحقاق الحقّ – الملحقات – ١١/٣٦٩، وغيرهم: اُنظر: مشكاة المصابيح: ٥٧٢، الفضائل للقطيعي ٢/٧٨٠ – على ما في عبرات المصطفين ٢/١٢٥.

(١) تاريخ مدينة دمشق ١٤/٢٣٧ (ط دار الفكر دمشق)؛ مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ٧/١٥٢. وروى في كشف الغمّة ٢/٥٦؛ كفاية الطالب: ٤٢٨؛ البداية والنهاية ٨/٢٠٢؛ جواهر المطالب ٢/٢٩٨ بتفاوت يسير، عن ابن أبي الدُّنيا، وغيرهم: إحقاق الحقّ ١١/٣٧٠؛ الدرّ النظيم (مخطوط) عن السمعاني في أماليه والنظري في الفضائل العلويّة: ١٧٥ – على ما في عبرات المصطفين ٢/١٢٧.

٣٥٩

قال: دم الحسين أرفعه إلى السماء(١) .

وكيفما كان فقد أيقن ابن عبّاس بالمأساة، وأخبر الناس بقتل الحسين عليه السلام، وهذا ما صرّح به ابن الأثير في قوله: قال ابن عبّاس: «رأيت النبيّ صلى الله عليه و سلم الليلة التي قُتل فيها الحسين وبيده قارورة، وهو يجمع فيها دماً، فقلت: يارسول اللَّه ما هذا؟ قال:

هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى اللَّه تعالى، فأصبح ابن عبّاس فأعلَمَ الناس بقتل الحسين، وقصّ رؤياه، فوُجد قد قُتل في ذلك اليوم»(٢) .

ولقد ذكر ابن شهرآشوب فيما رواه خصوصيّات لابدّ من ذكرها، قال: «إنّ ابن عبّاس: رأى النبيّ صلى الله عليه و سلم في منامه بعد [ما] قتل الحسين عليه السلام وهو مغبرّ الوجه حافي القدمين باكي العينين، وقد ضمّ حجز قميصه إلى نفسه، وهو يقرأ هذه الآية:( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) (٣)

وقال: «إنّي مضيت إلى كربلاء والتقطت دم الحسين من الأرض، هو ذا في حجري، وأنا ماضٍ أُخاصمهم بين يديّ ربّي »(٤) .

ما سمعه أهل المدينة

روى الشيخ الجليل ابن قولويه بإسناده عن عمرو بن عكرمة قال: أصبحنا ليلة قتل الحسين عليه السلام بالمدينة، فإذا مولى لنا يقول: سمعنا البارحة منادياً ينادي ويقول:

أيّها القاتلون جهلًا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل‌

____________________

(١) نظم درر السمطين: ٢١٨.

(٢) الكامل في التاريخ ٤/٩٣.

(٣) إبراهيم: ٤٢.

(٤) المناقب ٤/٨٤؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/٤٤١.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460