مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234489 / تحميل: 8797
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الفصل الثالث

إلى مدينة الرسول

٣٤١

٣٤٢

الفصل الثالث

إلى مدينة الرسول

المدينة قبل وصول خبر مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

كانت المدينة المنوّرة تترقّب سماع خبر أعظم حادثة وأكبر كارثة وأفضع فاجعة في العالم... كيف لا، وهو خبر قتل مَن قال جدّه سيّد الكائنات في حقّه:( حسين منّي وأنا من حسين ) (١) .

إنّ بعض أقرباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه كانوا يعلمون بمصير الحسينعليه‌السلام إجمالاً، وذلك عبر ما سمعوه عن صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مباشرةً أو بالواسطة، فإنّهم - وإن فاتهم الفوز العظيم أو قصّروا في سبيل نصرة ابن بنت نبيّهمعليه‌السلام - ولكنّ ذلك لم يمنعهم أن يعيشوا في حالة من الخوف والقلق، وترقُّب الأحداث!

لقد قامت زوجة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّ سلمة - التي حصلت على شرف العلم والمعرفة وأصبحت موضع سرّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - بدورها العظيم تجاه هذه المأساة، إذ استودعها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تربة من تراب كربلاء قبل مقتل الحسينعليه‌السلام بسنوات عديدة، ولقد احتفظت بها، وصار احمرارها علامة تحقُّق المأساة، وهي التي روت أحاديث كثيرة في هذا الشأن، كما سترى.

____________________

(١) تهذيب التهذيب ٢/ ٢٩٩ و...

٣٤٣

وروى ابن عبّاس - بدوره - عدّة روايات حول هذا الموضوع، واتّخذ مواقف جيّدة، ولا نريد بذلك توجيه عدم حضوره في كربلاء.

وثَمّة بعض القصائد والأشعار التي ربّما نُسبت إلى الجنّ، وإنّها وإن كانت بموضع من الإمكان بل الوقوع، فإنّ مصيبة قتل الحسينعليه‌السلام شملت الكون بكامله والخلائق بأجمعها، والموجودات كلّها، إلاّ أنّ هناك احتمالاً آخر، وهو صدورها من بعض الناس الموالين لأبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ومحبّي أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أنّ بعضها كذلك، ولا ضير بأن نجمع حصول كلا الأمرين وتحقّقهما، أي صدور بعضها من الجنّ وبعضها من شيعة الإمام من الإنس.

كما رويت بعض المنامات والرؤى الصادقة، من أمثال أُمّ سلمة وابن عبّاس وغيرهما، تناقلها الناس، وأثّرت في أوساط المجتمع الذي تهيّأ لسماع خبر الفاجعة.

ولا ننسى أنّ الآيات السماوية والأرضية الكثيرة، التي حصلت في مناطق عديدة بعد مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام خلقت الجوّ المناسب لذلك.

وإليك - أيّها القارئ الكريم - بعض النصوص التي تُعالج هذا الموضوع، وتُبيّن ما جرى في هذه الفترة من الزمان.

دور أُمِّ سلمة:

* أُمُّ سلمة تعلم بمصير الإمامعليه‌السلام :

فقد روى الطبراني، بإسناده عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، عن أُمّ سلمة قالت:( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يُقتَل حسين بن علي (رضي الله عنه) على رأس ستّين من

٣٤٤

مهاجرتي ) (١) .

* أُمُّ سلمة ترى تربة الحسينعليه‌السلام :

روى الطبراني، بإسناده عن عتبة بن عبد الله بن زمعة، عن أُمّ سلمة:

( أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اضطجع ذات يوم، فاستيقظ وهو خاثر النفس، وفي يده تربة حمراء يُقلّبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟

فقال:( أخبرني جبريل عليه‌السلام أنّ هذا - الحسينعليه‌السلام -يُقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل عليه‌السلام : أرني تربة الأرض التي يُقتل بها. فهذه تربتها ) (٢) .

وروى الحاكم بإسناده عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال:

أخبرتني أُمّ سلمة (رضي الله عنها): أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اضطجع ذات ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثمّ اضطجع فرقد، ثمّ استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرّة الأُولى، ثمّ اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يُقبّلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟

قال:( أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام أنّ هذا - الحسين -يُقتل بأرض العراق فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يُقتل بها. فهذه تربتها ).

ثمّ قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه(٣) .

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٠ ح٢٨٠٧.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١٦ ح٢٨٢١، اُنظر كنز العمّال ١٣/ ٦٥٧ ح٣٧٦٦٧.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٤/ ٣٩٨، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٣٣٩؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٨٩؛ ذخائر العُقبى ١٥٧.

٣٤٥

وروى الطبراني، بإسناده عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أُمّ سلمة قالت:

( كان رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم)، جالساً ذات يوم في بيتي فقال:( لا يدخل عليَّ أحد ) . فانتظرت فدخل الحسين (رضي الله عنه)، فسمعت نشيج رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) يبكي، فاطّلعتُ، فإذا حسين في حجره والنبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله، ما علمت حين دخل!

فقال:( إنّ جبرئيل عليه‌السلام كان معنا في البيت، فقال: تُحبّه؟ قلت: أمّا من الدُّنيا فنعم، قال: إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرض يُقال لها: كربلاء ) . فتناول جبريلعليه‌السلام من تربتها فأراها النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)، فلما أُحيط بحسين حين قُتل قال:( ما اسم هذه الأرض؟ ) .

قالوا: كربلاء.

قال:( صدق الله ورسوله، أرض كربٍ وبلاء ) (١) .

وروي بإسناده عن صالح بن أريد، عن أُمّ سلمة (رضي الله عنها) قالت:

( قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( اجلسي بالباب ولا يلِجنَّ عليَّ أحد ) . فقمت بالباب إذ جاء الحسين (رضي الله عنه)، فذهبت أتناوله، فسبقني الغلام، فدخل على جدّه، فقلت: يا نبيّ الله، جعلني الله فداك، أمرتني أن لا يلج عليك أحد، وإنّ ابنك جاء، فذهبت أتناوله فسبقني، فلما طال ذلك تطلّعت من الباب، فوجدتك تُقلِّب بكفّيك شيئاً ودموعك تسيل، والصبي على بطنك، قال:( نعم، أتاني جبريل، فأخبرني أنّ أُمّتي يقتلونه، وأتاني بالتربة التي يُقتل عليها، فهي التي أُقلِّب بكفّي ) (٢) .

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٥، ح٢٨١٩.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١٥، ح٢٨٢٠.

٣٤٦

مُلاحظتان:

١ - إنّ أُمّ سلمة ليست الوحيدة في نقل أخبار إتيان جبرئيل بتربة الحسينعليه‌السلام إلى جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هناك روايات عديدة عن غيرها، مثل عائشة، وزينب بنت جحش حول هذا الموضوع الهامّ(١) التي لا مجال لذكرها الآن.

٢ - إنّها لم تكن الوحيدة التي رأت تربة الحسينعليه‌السلام قبل مقتله، بل هناك أشخاص رأوها، وعلى رأسهم أبوه الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، نذكر بعضهم:

أ) الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام :

روى الطبراني، بإسناده عن عبد الله بن نجي، عن أبيه أنّه سافر مع عليّ (رضيّ الله عنه)، فلما حاذى نينوى قال:( صبراً أبا عبد الله! صبراً بشط الفرات! ) .

قلت: وما ذاك؟

قال:( دخلتُ على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت: هل أغضبك أحد يا رسول الله؟ ما لي أرى عينيك مُفيضتين؟ قال: قام من عندي جبريل عليه‌السلام ، فأخبرني أنّ أُمّتي تقتل الحسين ابني.

ثمّ قال: هل لك أن أُريك من تربته؟

قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة، فلما رأيتها لم أملك عينيّ أن فاضتا ) (٢) .

ب) أبو بكر وعمر وحذيفة وعمّار وأبو ذرّ:

روى الطبراني، بإسناده عن عائشة قالت:

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٣ ح٢٨١٥؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٨ و١٨٩ و١٩٢.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١١ ح٢٨١١. وروي في مُسند أحمد ١/ ٨٥؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٧ وقال: ( ورجاله ثقات ولم ينفرد نجيّ بهذا )؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٠٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٨٨؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٧٠ وغيرهم.

٣٤٧

( دخل الحسين بن علي (رضي الله عنه) على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وهو يوحى إليه، فنزا على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وهو مُنكبٌّ، ولعب على ظهره، فقال جبريل لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( أتُحبّه يا محمّد؟ ) .

قال:( يا جبريل، وما لي لا أُحبُّ ابني؟! ) .

قال:( فإنّ أُمّتك ستقتله من بعدك ) . فمدّ جبريلعليه‌السلام يده، فأتاه بتربة بيضاء، فقال:( في هذه الأرض يُقتَل ابنك هذا - يا محمّد - واسمها الطفّ ) . فلما ذهب جبريلعليه‌السلام من عند رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) خرج رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) والتربة في يده يبكي، فقالوا: ما يُبكيك يا رسول الله؟

فقال:( أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أنّ فيها مضجعه ) (١) .

* تربة الحسينعليه‌السلام عند أُمّ سلمة:

روى الطبراني، بإسناده عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال:

(استأذن مَلَك القطر ربّه عزّ وجلّ أن يزور النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)، فأذِن له، فجاءه وهو في بيت أُمّ سلمة، فقال:( يا أُمّ سلمة، احفظي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد ). فبينما هم على الباب إذ جاء الحسين، ففتح الباب، فجعل يتقفَّز على ظهر النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)، والنبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٣ ح٢٨١٤.

٣٤٨

يلثمه ويُقبّله، فقال له الملَك:( تُحبُّه يا محمّد؟ ).

قال:( نعم ).

[ قال: ]( أما أنّ أُمّتك ستقتله، وإن شئت أن أُريك من تربة المكان الذي يُقتل فيها ) .

قال: فقبض من المكان الذي يُقتل فيه، فأتاه بسهلة حمراء، فأخذته أُمّ سلمة، فجعلته في ثوبها.

قال ثابت: كنّا نقول: إنّها كربلاء )(١) .

وروى الطبراني، بإسناده عن شقيق بن سلمة، عن أُمّ سلمة قالت:

( كان الحسن والحسين ( رضي الله عنهما ) يلعبان بين يدي النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) في بيتي، فنزل جبريلعليه‌السلام فقال:( يا محمّد، إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وضمّه إلى صدره، ثمّ قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( وديعةً عندك هذه التربة )، فشمَّها رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وقال:( ويحَ كرب وبلاء! ) .

قالت: وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( يا أُمّ سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتِل ) .

قال: فجعلتها أُمّ سلمة في قارورة، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول: إنّ يوماً تُحوَّلين دماً ليوم عظيم )(٢) .

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٢، ح٢٨١٣. وروي نحوه في مُسند الإمام أحمد بن حنبل ٣/ ٢٤٢؛ دلائل النبوّة ٦/ ٤٦٩؛ الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٥ - عن البيهقي وأبي نعيم؛ ذخائر العُقبى: ١٤٦، ثمّ قال: خرجه البغوي في مُعجمه وخرجه أبو حاتم في صحيحه؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٢ - عن البغوي وأبي حاتم وأحمد؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٠٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٧ و١٩٠؛ كنز العمّال ١٣/ ٦٥٧، ح٣٧٦٦٩ وغيرهم.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١٤ ح٢٨١٧. وأخرجه: كفاية الطالب: ٤٢٦؛ تهذيب الكمال: ٦/ ٤٨٠؛ مجمع

٣٤٩

وقال الشيخ المفيد: وروي بإسناد آخر عن أُمّ سلمة - رضي الله عنها - أنّها قالت:

( خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عندنا ذات ليلة، فغاب عنّا طويلاً، ثمّ جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت: يا رسول الله، ما لي أراك شَعثاً مُغبرّاً؟!

فقال:( أُسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يُقال له: كربلاء. فأُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولْدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم، فها هي في يدي ) . وبسطها إليّ فقال:( خُذْيها واحتفظي بها ) . فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة، وسددتُ رأسها واحتفظتُ به، فلما خرج الحسينعليه‌السلام من مكّة مُتوجِّهاً نحو العراق، كنت أُخْرِج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فأشمّها وأنظر إليها، ثمّ أبكي لمصابه، فلما كان في اليوم العاشر من المحرّم - وهو اليوم الذي قُتل فيهعليه‌السلام - أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها، ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط، فصمت في بيتي وبكيت، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة، فيُسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظةً للوقت حتّى جاء الناعي ينعاه، فحقّق ما رأيت )(١) .

____________________

الزوائد ٩/ ١٨٩؛ تهذيب التهذيب ٢/ ٣٤٦؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٢؛ ذخائر العُقبى: ١٤٦ وقال: خرّجه الملاّ في سيرته؛ الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٥؛ طرح الترتيب ١/ ٤١ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٤٧.

(١) الإرشاد ٢/ ١٣٠، عنه بحار الأنوار ٤٤/ ٢٣٩، ح٣١. وروي في إعلام الورى: ٢١٧؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٣، وذكر مضمونه: الصواعق المحرقة: ٢٩٢؛ نظم درر السمطين: ٢١٥.

٣٥٠

وقال ابن الأثير:

( وروي أنّ النبي (صلَّى الله عليه وسلِّم) أعطى أُمّ سلمة تراباً من تربة الحسين حمله إليه جبرائيل، فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) لأُمّ سلمة:( إذا صار هذا التراب دماً فقد قُتِل الحسين ) . فحفظتْ أُمّ سلمة ذلك التراب في قارورة عندها، فلما قُتِل الحسين صار التراب دماً، فأعلمت الناس بقتله أيضاً )(١) .

وقال الطبري:

( إنّ أُمّ سلمة أخرجت يوم قتل الحسين بكربلاء وهي بالمدينة قارورة فيها دم، فقالت: قُتِل - والله - الحسين.

فقيل: من أين علمتِ؟!

قالت: دفع إليّ رسول الله من تربته وقال لي:( إذا صار هذا دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتِل ) ، فكان كما قالت )(٢) .

وذكر الخوارزمي: ( أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ تلك القبضة - من تربة الحسينعليه‌السلام - التي أتاه بها الملَك، فجعل يشمّها ويبكي ويقول في بكائه:( اللّهمَّ، لا تُبارك في قاتل ولدي، وأصْلِه نار جهنّم ) .

ثمّ دفع تلك القبضة إلى أُمّ سلمة، وأخبرها بقتل الحسين بشاطئ الفرات، وقال:( يا أُمّ سلمة، خُذْي هذه التربة إليك، فإنّها إذا تغيّرت وتحوّلت دماً عبيطاً فعند ذلك يُقتل ولدي الحسين ) )(٣) .

بل المستفاد من بعض النصوص، أنّ أُمّ سلمة كانت تحمل قارورتين من تراب الحسينعليه‌السلام ، إحداهما سلّمها إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأُخرى تسلّمتها من

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٩٣.

(٢) دلائل الإمامة: ١٨٠.

(٣) مقتل الخوارزمي ١/ ١٦٢. ورواه السيّد محمّد بن أبي طالب (تسلية المجالس ٢/ ١١٢).

٣٥١

يدي الحسينعليه‌السلام .

لقد روى الفقيه المحدّث القطب الراوندي، أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لما أراد العراق ( قالت له أُمّ سلمة: لا تخرج إلى العراق؛ فقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( يُقتَل ابني الحسين بـ [ أرض ] العراق ) ، وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة.

فقال:( والله، إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً، وإن أحببتِ أن أُريك مضجعي ومصرع أصحابي ) .

ثمّ مسح بيده على وجهها، ففسح الله في بصرها حتّى أراها ذلك كلّه، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة أُخرى، وقالعليه‌السلام :( فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قُتْلِت ) .

فقالت أُمّ سلمة: فلما كان يوم عاشوراء، نظرت إلى القارورتين بعد الظهر، فإذا هما قد فاضتا دماً.

فصاحت، ولم يُقلَب في ذلك اليوم حجر ولا مَدَر إلاّ وجِد تحته دم عبيط )(١) .

ويظهر من رواية الفقيه ابن حمزة، عن الباقرعليه‌السلام مُرسلاً - بعد ذكر ما يقرب من نقل الخرائج في المضمون -:( أنّها خلطت التربة التي أعطاها الإمام الحسين عليه‌السلام مع التربة التي كانت عندها ) (٢) .

* ما سمعته أُمّ سلمة ليلةَ قُتِل الحسينعليه‌السلام !

روى الخوارزمي، بإسناده عن عبد الرحمان بن محمّد بن أبي سلمة يذكر عن

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١/ ٢٥٣ ح٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٨٩ ح٢٧؛ العوالم ١٧/ ١٥٧، ح٧.

(٢) الثاقب في المناقب: ٣٣١، فصل ٥، ح٢٧٢ ونحوه في الهداية: ٢٠٢ وعيون المعجزات: ٦٩ بتفاوت.

٣٥٢

أبيه عن جدّه، عن أُمّ سلمة قالت:

( جاء جبرئيلعليه‌السلام إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:( إنّ أُمّتك تقتله - يعني الحسين -بعدك ).

ثمّ قال له:( ألا أُريك من تربة مقتله؟ ) .

قال:( نعم ) . فجاء بحُصيّات، فجعلهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قارورة، فلما كانت ليلة قَتْل الحسين - قالت أُمّ سلمة - سمعت قائلاً يقول:

أيّها القاتلون جَهْلاً حسيناً

أبْشِرُوا بالعذاب والتنكيل

قد لُعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

 ( قال: ) فبكيت وفتحت القارورة، فإذا قد حدث فيها دم )(١) .

* ما رأته أُمّ سلمة في منامها!

روى الترمذي، بإسناده عن سلمى قالت: ( دخلتُ على أُمّ سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟

قالت: رأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) - تعني في المنام - وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لكَ يا رسول الله؟

قال:شهدت قَتْلَ الحسين آنفاً )(٢) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٤، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٣٤٧. ورواه: نظم درر السمطين: ٢١٧، وفيه: (فإذا الحُصيّات قد جرت دماً)، والصواعق المحرقة: ٢٩٢ وغيرهم.

(٢) الجامع الصحيح، سُنن الترمذي ٥/ ٦٥٧، باب ٣١ مناقب الحسن والحسين، ح٣٧٧١. ورواه: المعجم الكبير ٢٣/ ٣٧٣ ح٨٨٢؛ المستدرك ٤/ ١٩؛ تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٨٨، ح٣٢٨؛ كفاية الطالب: ٤٣٣؛ أُسد الغابة ١/ ٢٢؛ الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٦؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٢؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٦؛ تاريخ الإسلام: ١٧؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٤؛ تهذيب التهذيب ٢/ ٣٠٧، تلخيص المستدرك ٤/ ١٩؛ تهذيب الكمال ٢/ ٤٣٩ واُنظر: مصابيح السنّة: ٢٠٧؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٦؛ أسماء الرجال (للذهبي) ٢/ ١٤١؛ جامع الأصول (لابن الأثير) ١٠/ ٢٤؛ المختار في مناقب الأخبار: ٢٢؛ ذخائر العُقبى: ١٤٨؛ نظم درر السمطين: ٢١٧؛ تهذيب التهذيب ٢/ ٣٥٣ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٥٥.

٣٥٣

وزاد الباعوني - بعد ذكره خبر سلمى -: ثمّ قالت: ( فعلوها؟ ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً! ).

ثمّ استيقظتْ مغشيّاً عليها )(١) .

وقال الخوارزمي بعد ذكره الخبر: ( وجاء في المراسيل، أنّ سلمى المدنيّة قالت: رفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أُمّ سلمة قارورة فيها رمل من الطف، وقال لها:( إذا تحوّل هذا دماً عبيطاً فعند ذلك يُقتَل الحسين ) .

قالت سلمى: فارتفعت واعية من حجرة أُمّ سلمة، فكنت أوّل مَن أتاها، فقلت لها: ما دهاك يا أُمّ المؤمنين؟

قالت: رأيت رسول الله في المنام والتراب على رأسه، فقلت: ما لكَ؟

قال:وثب الناس على ابني فقتلوه، وقد شهدته قتيلاً الساعة. فاقشعرّ جلدي وانتبهت، وقمت إلى القارورة، فوجدتها تفور دماً.

قالت سلمى: ورأيتها موضوعة بين يديها )(٢) .

روى الشيخ الصدوق (رحمه الله)، بإسناده عن أبي البختري وهب بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام عن أُمّ سلمة (رضي الله عنها):( أنّها أصبحت يوماً تبكي، فقيل لها: ما لكِ؟!

قالت: لقد قُتل ابني الحسين عليه‌السلام ، وما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ مات إلاّ الليلة، فقلت: بأبي أنت وأُمّي، ما لي أراك شاحباً؟

فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر قبر الحسين وقبور أصحابه ) (٣) .

وذكر الشيخ الطوسي، بإسناده عن عبد الله بن عبّاس، قال: ( بينا أنا راقد في منزلي، إذ سمعت صُراخاً عظيماً عالياً من بيت أُمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت يتوجّه بي قائدي إلى منزلها، وأقبل أهل المدينة إليها - الرجال والنساء - فلما انتهيت إليها قلت: يا أُمّ المؤمنين، ما بالك تصرخين وتغوثين؟!

فلم تُجبني، وأقبلت على

____________________

(١) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٨.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٢.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٠٢، المجلس ٢٩، ح٢١٧. ورواه الشيخ المفيد في أماليه ص٣١٩، المجلس ٣٨، ح٦، كذا: أمالي الطوسي: ٩٠، المجلس ٣، ح١٤٠؛ وروضة الواعظين: ١٧٠.

٣٥٤

النسوة الهاشميّات وقالت: يا بنات عبد المطّلب، اسعدنني وابكين معي، فقد واللَّه قُتل سيّدكنّ وسيّد شباب أهل الجنّة، قد واللَّه قُتل سبط رسول اللَّه وريحانته الحسين، فقيل: يا أُمّ المؤمنين، ومن أين علمت ذلك؟ قالت: رأيت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام الساعة شعثاً مذعوراً، فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم، فدفنتهم، والساعة فرغت من دفنهم، قالت: فقمت حتّى دخلت البيت، وأنا لا أكاد أن أعقل، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى‌ بها جبرئيل من كربلاء، فقال: إذا صارت هذه التربة دماً فقد قُتل ابنك، وأعطانيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال:اجعلي هذه التربة في زجاجة - أو قال: في قارورة-ولتكن عندك، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قُتل الحسين ، فرأيت القارورة الآن، وقد صارت دماً عبيطاً تفور، قال: وأخذت أُمّ سلمة من ذلك الدم، فلطّخت به وجهها، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين عليه السلام، فجاءت الركبان بخبره وأنّه قد قُتل في ذلك اليوم.

قال عمرو بن ثابت: قال أبي: فدخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام منزله، فسألته عن هذا الحديث، وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبداللَّه بن عبّاس، فقال أبو جعفر عليه السلام:حدّثنيه عمر بن أبي سلمة عن أُمّه امّ سلمة .

قال ابن عبّاس- في رواية سعيد بن جبير عنه قال-: فلمّا كانت الليلة رأيت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي أغبر أشعث، فذكرت له ذلك وسألته عن شأنه، فقال لي:

ألم تعلمي أنّي فرغت من دفن الحسين وأصحابه .

قال عمرو بن أبي المقدام: فحدّثني سدير عن أبي جعفر عليه السلام أنّ جبرئيل جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتربة التي يُقتل عليها الحسين عليه السلام، قال أبو جعفر: فهي عندنا»(١)

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٣١٥، مجلس ١١، ح ٦٤٠. ورواه ابن شهر آشوب عن أحمد في المسند عن أنس =

٣٥٥

وروى الفقيه ابن حمزة عن الإمام الباقر عليه السلام:

«فلمّا كانت تلك الليلة التي صبيحتها قُتل الحسين بن عليّ صلوات اللَّه عليهما فيها، أتاها (أُمّ سلمة) رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام أشعث باكياً مغبرّاً، فقالت: يارسول اللَّه، مالي أراك باكياً مغبرّاً أشعث؟ فقال:دفنت ابني الحسين عليه السلام وأصحابه الساعة .

فانتبهت أُمّ سلمة رضي اللَّه عنها، فصرخت بأعلى صوتها، فقالت: وا ابناه، فاجتمع أهل المدينة، وقالوا لها: ما الذي دهاك؟

فقالت: قُتل ابني الحسين بن علي صلوات اللَّه عليهما، فقالوا لها:

وما علمك [بذلك‌]؟ قالت: أتاني في المنام رسول اللَّه صلوات اللَّه عليه باكياً أشعث أغبر، فأخبرني أنّه دفن الحسين وأصحابه الساعة، فقالوا: أضغاث أحلام، فقالت: مكانكم، فإنّ عندي تربة الحسين عليه السلام، فأخرجت لهم القارورة فإذا هي دم عبيط» «١».

أُمّ سلمة تسمع نوح الجنّ‌

روى الشيخ الصدوق بإسناده عن أُمّ سلمة- زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - قالت:

ما سمعت نوح الجنّ منذ قُبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّاالليلة، ولا أراني إلّاوقد أصبت بابني.

قالت: وجاءت الجنّية منهم:

____________________

= والغزالي في « كيمياء السعادة » وابن بطة في « الإنابة » من خمسة عشر طريقاً وابن حبيش التميمي ( المناقب ٤/٥٥، عنه العوالم ١٧/٥٠٧ ح ١؛ بحار الأنوار ٤٥/٢٢٧، ح٢٢).

(١) الثاقب في المناقب: ٣٣٠، ح ٢٧٢. وروى نحوه أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي ( الهداية الكبرى: ٢٠٣)، وغيره، اُنظر: إثبات الوصيّة: ٢٦٢؛ عيون المعجزات:٦٩؛ الصراط المستقيم ٢/١٧٩، ح ٧؛ مدينة المعاجز ٣/٤٨٩ ح ١٠٠٣؛ معالم الزلفى: ٩١.

٣٥٦

ألا يا عين فانهملي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي‌

على‌ رهط تقودهم المنايا

إلى متجبّر في ملك عبد(١)

صراخ أُمّ سلمة وضجّة المدينة

لقد ذكرنا عن ابن عبّاس أنّ أهل المدينة- رجالًا ونساءً- توجّهوا نحو بيت أُمّ سلمة، بعدما سمعوا صراخها وبكاءها.

وممّا يؤيّد ذلك ما أورده اليعقوبي في تاريخه، قال: «وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة أُمّ سلمة زوج النبي، كان دفع إليها قارورة فيها تربة، وقال لها:

إنّ جبريل أعلمني أنّ أُمّتي تقتل الحسين ، وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنّ الحسين قد قُتل، وكانت عندها، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلّ ساعة، فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت واحسيناه! وا ابن رسول اللَّه! وتصارخت النساء من كلّ ناحية، حتّى ارتفعت المدينة بالرجّة التي ما سُمع بمثلها قطّ»(٢) .

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٠٢، مجلس ٢٩، ح ٢١٨. انظر: إحقاق الحقّ ١١/٥٧٣؛ شرح الأخبار ٣/١٦٧ ح ١١٠٧ وفيه: « ألا يا عين جودي لي ومن »؛ مقتل الخوارزمي ٢/٩٥) وفيه: « فاحتفلي على رهط سرت بهم »؛ مثير الأحزان: ١٠٨ وفيه: « فاحتملي في الملك »؛ ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق: ٣٩٣ – ٣٩٧؛ تذكرة الخواص: ٢٦٩ وفيه: « فاختلفي في ثوب عبد »؛ كفاية الطالب: ٤٤٢ وفيه: « فاحتفلي »؛ ذخائر العقبى: ١٥٠ – بعضه – وقال: « خرّجه الملّا في سيرته »؛ الخصائص الكبرى ٢/١٢٧ وفيه: « فاحتفلي »؛ مجمع الزوائد ٩/١٩٩ وفيه: « فاحتفلي »؛ تهذيب الكمال ٦/٤٤١ وفيه: «فاحتفلي بجهد متخيّر »، وغيرهم: معجم الطبراني: ٢٨٦٩؛ آكام المرجان: ١٤٧- على ما في إحقاق الحقّ ١١/٥٧٣ وفيه: « فاحتفلي متحيّر ».

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٢٤٥.

٣٥٧

خلاصة الكلام‌

إنّ أُمّ سلمة- بما حازت من موقع انتمائها لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبما نالت من موضع ائتمانها من قبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبما فازت من معرفتها بآل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبما قامت برسالتها تجاه آل اللَّه ...- أخذت دورها المحوري في فترة عدم حضور آل بيت المصطفى صلى الله عليه و آله بالمدينة، وأثّرت تأثيراً بالغاً، بحيث ضجّت المدينة بصراخها ورجفت بأنينها، سلام اللَّه ورضوانه عليها، ولعلّ عدم إجابتها لسؤال ابن عبّاس- في ما رواه الشيخ الطوسي- عتاب منها عليه في عدم نصرته سبط الرسول عليه السلام، واللَّه العالم.

دور ابن عبّاس‌

علمه بمصير سيّد الشهداء عليه السلام‌

كان ابن عبّاس من الذين يعلمون بمصير الإمام عليه السلام، فمن الطبيعي أن يكون ممّن يترقّب خبر استشهاده عليه السلام.

أخرج الحاكم عن ابن عبّاس قال: «ما كنّا نشكّ وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين يُقتل بالطف»(١) .

رؤيا ابن عبّاس وإخباره بعض الناس‌

روى أحمد بإسناده عن ابن عبّاس قال: «رأيت النبيّ صلى الله عليه و سلم فيما يرى النائم بنصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأُمّي يارسول اللَّه، ما هذا؟ قال:هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قُتل في ذلك اليوم»(٢) .

____________________

(١) مستدرك الحاكم ٣: ١٧٩، عنه الخصائص الكبرى ٢/١٢٦.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١/٢٨٣. وروى في: المعجم الكبير ٣/١١٦، ح ٢٨٢٢؛ عبرات المصطفين ٢

٣٥٨

وروى ابن عساكر بإسناده عن عليّ بن زيد بن جدعان قال: «استيقظ ابن عبّاس من نومه، فاسترجع وقال: قُتل حسين واللَّه، فقال له أصحابه: كلّا، قال:

رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ومعه زجاجة من دم، فقال:ألا تعلم ما صنعتْ أُمّتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين وهذا دمه ودم أصحابه أرفعها إلى اللَّه عزّوجلّ ، قال: فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فما لبثوا إلّا أربعة وعشرين يوماً حتّى جاءهم الخبر بالمدينة أنّه قُتل ذلك اليوم، وتلك الساعة» «١».

وقال الزرندي: وفي رواية أنّ ابن عبّاس كان في قايلة له، فانتبه من قايلته وهو يسترجع، ففزع أهله فقالوا: ما شأنك؟ ما لكَ؟ قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله وهو يتناول من الأرض شيئاً، فقلت: بأبي وأُمّي يارسول اللَّه صلى الله عليه و آله ماهذا الذي تصنع؟

____________________

= /١٢٣؛ شرح الأخبار ٣/١٦٨، ح ١١١٠؛ الاستيعاب ١/٣٨١؛ تاريخ بغداد ١/١٤٢؛ المستدرك على الصحيحين ٤/٣٩٨؛ مناقب عليّ بن أبي طالب: ٧٨، ح ١١٦ وفيه: « رأيت رسول الله ص وأنا قائل ..»؛ مقتل الخوارزمي ٢/٩٤؛ ترجمة الإمام الحسين ع من تاريخ دمشق: ٣٨٥، ح ٣٢٥؛ دلائل النبوّة ٦/٤٧١؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢؛ أسد الغابة ١/٢٢؛ اعلام الورى: ٢١٨؛ تذكرة الخواص: ٢٦٨؛ تاريخ الخلفاء: ١٦٦؛ الخصائص الكبرى: ١٢٦؛ نظم درر السمطين: ٢١٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/٣١٥؛ تاريخ الإسلام: ١٧؛ تلخيص المستدرك ٤/٣٩٨؛ ذخائر العقبى: ١٥٨؛ الإصابة ١/٣٣٥؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٤؛ تهذيب التهذيب ٢/٣٠٦؛ جواهر المطالب ٢/٢٩٧؛ البداية والنهاية ٨/٢٠٢ وقال: « تفرّد به أحمد وإسناده قويّ »؛ مجمع الزوائد ٩/١٩٤ وقال: « رجال أحمد رجال الصحيح »؛ تهذيب الكمال ٦/٤٣٩؛ بحار الأنوار ٤٥/٢٣١؛ عوالم ١٧/٥١٠، باب ٤، ح ١؛ إحقاق الحقّ – الملحقات – ١١/٣٦٩، وغيرهم: اُنظر: مشكاة المصابيح: ٥٧٢، الفضائل للقطيعي ٢/٧٨٠ – على ما في عبرات المصطفين ٢/١٢٥.

(١) تاريخ مدينة دمشق ١٤/٢٣٧ (ط دار الفكر دمشق)؛ مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ٧/١٥٢. وروى في كشف الغمّة ٢/٥٦؛ كفاية الطالب: ٤٢٨؛ البداية والنهاية ٨/٢٠٢؛ جواهر المطالب ٢/٢٩٨ بتفاوت يسير، عن ابن أبي الدُّنيا، وغيرهم: إحقاق الحقّ ١١/٣٧٠؛ الدرّ النظيم (مخطوط) عن السمعاني في أماليه والنظري في الفضائل العلويّة: ١٧٥ – على ما في عبرات المصطفين ٢/١٢٧.

٣٥٩

قال: دم الحسين أرفعه إلى السماء(١) .

وكيفما كان فقد أيقن ابن عبّاس بالمأساة، وأخبر الناس بقتل الحسين عليه السلام، وهذا ما صرّح به ابن الأثير في قوله: قال ابن عبّاس: «رأيت النبيّ صلى الله عليه و سلم الليلة التي قُتل فيها الحسين وبيده قارورة، وهو يجمع فيها دماً، فقلت: يارسول اللَّه ما هذا؟ قال:

هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى اللَّه تعالى، فأصبح ابن عبّاس فأعلَمَ الناس بقتل الحسين، وقصّ رؤياه، فوُجد قد قُتل في ذلك اليوم»(٢) .

ولقد ذكر ابن شهرآشوب فيما رواه خصوصيّات لابدّ من ذكرها، قال: «إنّ ابن عبّاس: رأى النبيّ صلى الله عليه و سلم في منامه بعد [ما] قتل الحسين عليه السلام وهو مغبرّ الوجه حافي القدمين باكي العينين، وقد ضمّ حجز قميصه إلى نفسه، وهو يقرأ هذه الآية:( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) (٣)

وقال: «إنّي مضيت إلى كربلاء والتقطت دم الحسين من الأرض، هو ذا في حجري، وأنا ماضٍ أُخاصمهم بين يديّ ربّي »(٤) .

ما سمعه أهل المدينة

روى الشيخ الجليل ابن قولويه بإسناده عن عمرو بن عكرمة قال: أصبحنا ليلة قتل الحسين عليه السلام بالمدينة، فإذا مولى لنا يقول: سمعنا البارحة منادياً ينادي ويقول:

أيّها القاتلون جهلًا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل‌

____________________

(١) نظم درر السمطين: ٢١٨.

(٢) الكامل في التاريخ ٤/٩٣.

(٣) إبراهيم: ٤٢.

(٤) المناقب ٤/٨٤؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/٤٤١.

٣٦٠

كـلّ أهل السماء يدعو عليكم

مـن نـبيٍّ ومُـرسلٍ وقـبيل

قـد لُعنتم على لسان ابن داود

وذي الروح حامل الإنجيل(١)

وقال الشيخ مُطهّر بن طاهر المقدسي: وسمع أهل المدينة ليلةَ قُتِل الحسين في نهارها هاتفاً يهتف:

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عَلْيَا قريش

وجدّه خير الجدود(٢)

وقال الشيخ الثقة ابن نما الحلّي: وممّا انفرد بن النطنزي في كتاب الخصائص، عن أبي ربيعة، عن أبي قبيل، قيل: سُمع في الهواء بالمدينة قائلٌ يقول:

____________________

(١) كامل الزيارات: ٩٧، باب ٢٩، ح١٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٨. وذكر في الإرشاد ٢/ ١٢٤ وفيه: ( فلما كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام بالمدينة سمع أهل المدينة في جوف الليل مُنادياً يُنادي - يسمعون صوته ولا يرون شخصه -:.. من نبي وملاك وقبيل.. ابن داود وموسى وصاحب.. )؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٨، وفيه ( من نبي وملك وقبيل.. ابن داود وموسى )، ثمّ قال: ( قال هشام: حدّثني عمرو بن حيزوم الكلبي عن أبيه قال: سمعت هذا الصوت. وذكر أسماء مَن قُتل من بني هاشم مع الحسينعليه‌السلام وعدد مَن قُتل من كلّ قبيلة من القبائل التي قاتلته )؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٩٠؛ مُثير الأحزان: ١٠٧ - عن صاحب الذخيرة وفيه: ( أهل السماء تبكي.. وملاك وقبيل.. ابن داود وموسى وصاحب.. ) - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٥؛ كشف الغمّة ٢/ ٦٨ - كما في الإرشاد؛ تذكرة الخواص: ٢٧٠؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٣ وفيه: ( ظلماً حسيناً.. نبي وملك وقبيل.. وموسى وعيسى وصاحب وصاحب... )؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٠ وفيه مثل ما ذكرناه عن الروضة، إلاّ أنّه ليس فيه كلمة عيسى؛ الملهوف: ٢٠٨ وفيه: ( كلّ مَن في السماء يبكي عليه من نبيّ وشاهد ورسول.. وموسى وصاحب الإنجيل )؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢، وغيرهم مثل: تاريخ دمشق ٤/ ٣٤١؛ كفاية الطالب: ٢٩٥؛ نظم درر السمطين: ٢١٧؛ ينابيع المودّة: ٣٢٠ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٥٧٦ -؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٩ - عن شارح ديوان أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢) البدء والتاريخ ٦/ ١٢.

٣٦١

يـا مَـن يقول بفضل آل محمّد

بـلِّغْ رسـالتنا بـغير تـواني

قـتلتْ شـرارُ بـني أُميّة سيّداً

خـير الـبريّة مـاجداً ذا شان

ابن المفضَّل في السماء وأرضها

سـبط الـنبيّ وهـادم الأوثان

بكت المشارق والمغارب بعدما

بـكت الأنام له بكلّ لسان (١)

وقال ابن نما:

(وناحت عليه - أي على الحسينعليه‌السلام - الجنّ، وكان نفر من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم المسوّر بن مخزمة ورجال يستمعون النوح ويبكون )(٢) .

وروى الشيخ ابن قولويه، بإسناده عن الحلبي قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( لما قُتِل الحسينعليه‌السلام سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة: اليوم نزل البلاء على هذه الأُمّة، فلا يرون فرحاً حتّى يقوم قائمكم، فيُشفي صدوركم ويقتل عدوّكم، وينال بالوِتْر أوتاراً.

ففزعوا منه وقالوا: إنّ لهذا القول لحادثاً، قد حدث ما لا نعرفه. فأتاهم خبر الحسينعليه‌السلام بعد ذلك، فحسبوا ذلك، فإذا هي تلك الليلة التي تكلّم فيها المتكلِّم ) (٣) .

وروى الشيخ المفيد، بإسناده عن محفوظ بن المنذر قال: ( حدّثني شيخ من بني تميم كان يسكن الرابية، قال: سمعت أبي يقول: ما شعرنا بقتل الحسينعليه‌السلام حتّى كان مساء ليلة عاشوراء، فإنّي لجالس بالرابية ومعي رجل من الحيّ، فسمعنا هاتفاً يقول:

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٥، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٤.

(٢) مُثير الأحزان: ١٠٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٥.

(٣) كامل الزيارات: ٣٣٦، باب ١٠٨، ح١٤، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٢.

٣٦٢

والله مـا جئتكم حتّى بصرتُ به

بـالطفّ مُـنعفرَ الخدَّين منحورا

وحـوله فِـتيةٌ تُـدمى نحورهم

مثل المصابيح يعلون الدُّجى نورا

وقد حثثت قُلوصي كي أُصادفهم

من قبل أن يُلاقوا الخُرَّد الحورا

فـعـاقني قــدرٌ والله بـالغه

وكـان أمـراً قضاه الله مقدورا

كان الحسين سُراجاً يُستضاء به

الله يـعلم أنّـي لـم أقُـلْ زورا

صـلّى الإلـه على جسمٍ تضمّنه

قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مـجاوراً لرسول الله في غُرَف

ولـلوصيّ ولـلطيّار مَـسرورا

فقلنا له: مَن أنت يرحمك الله؟

قال: أنا وأبي من جنّ نصيبين، أردنا مؤازرة الحسينعليه‌السلام ومواساته بأنفسنا، فانصرفنا من الحجّ، فأصبناه قتيلاً )(١) .

إلاّ أنّ سبط ابن الجوزي ذكره بنحو آخر قال: ( وذكر المدايني عن رجل من أهل المدينة، قال: خرجت أُريد اللحاق بالحسينعليه‌السلام - لما توجّه إلى العراق - فلما وصلت الرَّبَذَة إذا برجل جالس، فقال لي: يا عبد الله، لعلّك تُريد أن تُمدَّ الحسين؟

قلت: نعم.

قال: وأنا كذلك، ولكن اقعد؛ فقد بعثت صاحباً لي والساعة يَقْدِم بالخبر.

قال: فما مضت إلاّ ساعة وصاحبه قد أقبل وهو يبكي، فقال له الرجل: ما الخبر؟

فقال:

والله مـا جئتكم حتّى بصرتُ به

في الأرض مُنعَفرَ الخدَّين منحورا

وحـوله فِـتية تُـدمى نـحورهم

مثل المصابيح يغشون الدُّجى نورا

وقـد حثثت قُلوصي كي أُصادفهم

من قبل ما ينكحون الخُرَّدَ الحورا

____________________

(١) أمالي المفيد: ٣٢٠، مجلس ٣٨، ح٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٩، ح٩. وروى نحوه الشيخ الطوسي في أماليه (٩٠، مجلس ٣، ح١٤١).

٣٦٣

يا لهف نفسي لو أنّي لحقتهم

إذاً لقرَّت إذا حلّوا أساريرا

فقال له الرجل الجالس:

اذهـب فـلا زال قـبراً أنـت سـاكنه

حـتّى الـقيامة يُـسقى الغيث ممطورا

فــي فـتـيةٍ بـذلـوا لـله أنـفسهم

قد فارقوا المال والأهلين والدُّورا )(١) .

والمستفاد منه ومن بعض النصوص، أنّه سيطرت حالة من الندامة على بعض أوساط المجتمع من بعد خروج أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام إلى العراق، ولعلّه أصابهم الخَجل في عدم نصرتهم ابن بنت نبيّهم، وأحسّوا لذلك في نفسهم الذلّ.

ولقد روى الزرندي الخبر بتفصيل أكثر، قال: ( ونقل أبو الشيخ في كتابه، بسنده إلى محمّد بن عبّاد بن صهيب عن أبيه، قال: قدم رجل المدينة يطلب الحديث والعلم بها، فجلس في حلقة، فمرّ بهم رجل، فسلّم عليهم، فقال له ذلك الرجل: نُحبّ أن تُخبرنا بما جئت له، تُريد نُصرة الحسين بن علي؟

قال: نعم، خرجت أُريد نُصرة الحسين، فلما صرت بالرَّبَذة إذا برجل جالس، فقال لي: يا أبا عبد الله، أين تُريد؟

قلت: أُريد نُصرة الحسين.

قال: وأنا أريد ذلك أيضاً، ولنا رسول هناك يأتينا بالخبر الساعة.

قال: فتعجّبت من قوله: يأتينا بالخبر الساعة، فلم يلبث وهو يُحدّثني إذا أقبل رجل وقال له الذي كان معي: ما وراءك؟ فأنشأ يقول:

ي والله مـا جـئتكم حتّى بصرت به

لَحْب العجاجة لَحْب السيف مَنحورا

وحـوله فِـتيةٌ تُـدمى نـحورهم

مثل المصابيح يغشون الدُّجى نورا

وقـد حثثت قُلوصي كي أُصادقهم

من قبل ما أن يُلاقوا الخُرَّد الحورا

يا لهف نفسي لو أنّي قد لحقت بهم

إنّـي تـحلّيت إذا حـلّت أساويرا

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٧١.

٣٦٤

فأجابه الذي كنت معه واستعبر وقال:

في فتيةٍ وهبوا لله أنفسهم

قد فارقوا المال والأهلين والدُّورا

فلا زال قبراً أنت تسكنه

حتّى القيامة يُسقى الغيث ممطورا

ثمّ التفتُّ فلم أرهما، فعلمت أنّهما من الجنّ، فرجعت إلى المدينة، وإذا الخبر قد لحقنا أنّ الحسين قد قُتِل، وأنّ رأسه حمله سنان بن أنس النخعي إلى يزيد )(١) .

ولا يخفى أنّ سماع الهاتف لم ينحصر بالمدينة وضواحيها، بل حصل في أمكنة شتّى وبقاع عديدة:

منها: مكّة وضواحيها :

روى القاضي نعمان عن عبد الله بن زواق، قال: ( سمعت رجلاً من الأنصار يُحدّث معمراً، قال: لما كان اليوم الذي قُتِل فيه الحسين بن عليّعليه‌السلام مرّ رجل في بعض الليل في مِنى، فمسع صوتاً على كبكب(٢) كأنّه صوت امرأة تنوح: ( إبك أبكي حسينا أيما )، فأجابتها أُخرى من ثبير(٣) تقول: ( إبك أبكي ابن الرسول أيما).

قال الرجل: فكتبتُ تلك الليلة، فإذا هي الليلة التي تتلو اليوم الذي قُتل الحسينعليه‌السلام (٤) .

ومنها: البصرة:

قال ابن نماء: وروي أنّ هاتفاً سُمع بالبصرة يُنشد ليلاً:

إنّ الرماح الواردات صدورها

نحو الحسين تُقاتل التنزيلا

____________________

(١) نظم درر السمطين: ٣٢٣.

(٢) اسم جبل خلف عرفات مُشرف عليها، قيل: هو الجبل الأحمر الذي تجعله في ظهرك إذا وقفت بعرفة. مُعجم البلدان ٤/ ٤٩٢، رقم ١٠١٠٧.

(٣) قال الجمحي: الأثبرة أربعة: ثبير غينى.. وثبير الأعرج.. وثبير مِنى.. وقال نصر: ثبير من أعظم جبال مكّة بينها وبين عرفة.. مُعجم البلدان ٢/ ٨٥، رقم ٢٧٦٩.

(٤) شرح الأخبار ٣/ ١٦٩، ح١١١٣.

٣٦٥

ويُهلِّلون بأنْ قُتلتَ وإنّما

قَتلوا بك التكبير والتَّهليلا

فكأنّما قتلوا أباك محمّداً

صلّى عليه الله أو جبريلا(١)

رؤيا عامر بن سعد البجلي!

أورد ابن عساكر، بإسناده عن عامر بن سعد البجلي، قال: ( لما قُتل الحسين بن علي رأيت رسول الله(صلَّى الله عليه وسلِّم) في المنام، فقال:إن رأيت البراء بن عازب فاقرأه منّي السلام، وأخبره أنّ قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم.

قال: فأتيت البراء، فأخبرته، فقال: صدق رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم)، قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( مَن رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتصوّر بي ) (٢) .

تقاطر الدم من شجرة!

إنّ مصيبة قتل الحسينعليه‌السلام شملت الكون كلّه؛ ولذلك نرى حدوث الآيات الكَونيّة في الأرض والسماء بعد مقتله - صلوات الله عليه - وبكاء العالَم عليه(٣) ،

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠٨.

(٢) ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق: ٤٤٤، ح٣٩٧. وذكره المزّي (تهذيب الكمال ٦/ ٤٤٦) وفيه:( وإن كاد الله ليسحت ) والبدخشاني (نُزل الأبرار: ١٦٣) وقال: (أخرجه ابن الأخضر) وغيرهما.

(٣) منها ما ذكره الشيخ الصدوق (رحمه الله) بإسناده عن جبلة المكّيّة قالت: سمعت ميثماً التمّار قدّس الله روحه يقول:والله، لتقتلَنّ هذه الأُمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشر يمضين منه، وليتّخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وأنّ ذلك لكائن، قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهد عهده إليَّ مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولقد أخبرني أنّه يبكي عليه كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جوّ السماء، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض، ومؤمنو

٣٦٦

وتفصيلها خارج عن المقام، إلاّ إنّنا نكتفي بذكر هذا الخبر:

روى العلاّمة المجلسي عن بعض كُتب المناقب المعتبرة، عن سيّد الحفّاظ أبي منصور الديلمي، بإسناده عن هند بنت الجون قالت: نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخيمة خالتها أُمّ معبد ومعه أصحاب له، فكان من أمره في الشاة ما قد عرفه الناس، فقال(١) في الخيمة هو وأصحابه حتّى أبرد، وكان يوم قائظ شديد حرّه، فلما قام من رقدته دعا بماء، فغسل يديه فأنقاهما، ثمّ مضمض فاه ومجّه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتها ثلاث مرّات، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه وذراعيه، ثمّ مسح برأسه ورجليه وقال:( لهذه العوسجة (٢) شأن ) .

ثمّ فعل مَن كان معه من أصحابه مثل ذلك، ثمّ قام فصلّى ركعتين، فعجبت أنا وفتيات الحيّ من ذلك، وما كان عَهِدْنا ولا رأينا مُصلّياً قبله، فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتّى صارت كأعظم دوحة عادية وأبهى، وخضّد الله شوكها، وساخت عروقها، وكثرت أفنانها، واخضرّ ساقها وورقها، ثمّ أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الوَرْس المسحوق، ورائحة العنبر، وطعم الشَّهْد، والله،

____________________

الإنس والجنّ وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالِك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً، ثمّ قال: وجبت لعنة الله على قَتَلة الحسينعليه‌السلام كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس...

ثمّ قال ميثم: يا جبلة، اعلمي أنّ الحسين بن عليعليهما‌السلام سيّد الشهداء يوم القيامة، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة، يا جبلة، إذا نظرتِ إلى الشمس حمراء كأنّها دمٌ عبيط فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتِل!

قالت جبلة: فخرجت ذات يوم، فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصْفَرة، فصحت حينئذٍ وبكيت، وقلت: قد - والله - قُتِل سيّدنا الحسين بن عليّ عليهما‌السلام . (أمالي الصدوق: ١٨٩، مجلس ٢٧، ح١، علل الشرائع ١/ ٢٢٧، ح٣، عنهما بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٢، ح٤).

(١) من القيلولة.

(٢) العوسج: من شجر الشوك له جناة حمراء ويكون غالباً في السباخ، الواحدة عوسجة.

٣٦٧

ما أكل منها جائع إلاّ شبع، ولا ظمآن إلاّ روي، ولا سقيم إلاّ بَرِأ، ولا ذو حاجة وفاقة إلاّ استغنى، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلاّ سمنت ودرّ لبنها، ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل، وأخصبت بلادنا، وأمرعت، فكنّأ نُسمِّي تلك الشجرة: (المباركة)، وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستظلّون بها، ويتزوّدون من ورقها في الأسفار، ويحملون معهم في الأرض القِفار، فيقوم لهم مقام الطعام والشراب، فلم تزل كذلك وعلى ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها، واصفرّ ورقها، فأحزننا ذلك وفرقنا له، فما كان إلاّ قليل حتّى جاء نعي رسول الله، فإذا هو قد قُبِضَ ذلك اليوم، فكانت بعد ذلك تُثمر ثمراً دون ذلك في العظم والطعم والرائحة، فأقامت على ذلك ثلاثين سنة، فلما كانت ذات يوم أصبحنا وإذا بها قد تشوّكت من أوّلها إلى آخرها، فذهبت نضارة عيدانها وتساقط جميع ثمرها، فما كان إلاّ يسيراً حتّى وافى مقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فما أثمرت بعد ذلك لا قليلاً ولا كثيراً، وانقطع ثمرها، ولم نَزَلْ ومَن حولنا نأخذ من ورقها ونُداوي مرضانا بها، ونستشفي به من أسقامنا.

فأقامت على ذلك بُرهة طويلة، ثمّ أصبحنا ذات يوم، فإذا بها قد انبعثت من ساقها دماً عبيطاً جارياً، وورقها ذابلة تقطر دماً كماء اللحم، فقلنا: إن قد حدث عظيمة. فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقّع الداهية، فلما أظلم الليل علينا سمعنا بكاءً وعويلاً من تحتها وجلبةً شديدة ورجّة، وسمعنا صوت باكية تقول:

أيا بن النبيّ ويا بن الوصيّ

ويا مَن بقيّة ساداتنا الأكرمينا

ثمّ كثرت الرنّات والأصوات، فلم نفهم كثيراً ممّا كانوا يقولون، فأتانا بعد ذلك قتل الحسينعليه‌السلام ، ويبست الشجرة، وجفّت، فكسّرتها الرياح والأمطار بعد ذلك، فذهبت واندرس أثرها.

٣٦٨

قال عبد الله بن محمّد الأنصاري: فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول، فحدّثته بهذا الحديث، فلم يُنكره وقال: حدّثني أبي عن جدّي، عن أُمِّه سعيدة بنت مالك الخزاعية أنّها أدركت تلك الشجرة، فأكلتْ من ثمرها على عهد عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام ، وأنّها سمعت تلك الليلة نوح الجنّ، فحفظت من جِنِّيّة منهنّ:

يـا بـن الـشيهد ويا شهيداً عمّه

خـير الـعمومة جـعفر الـطيّار

عـجباً لـمصقول أصـابك حدُّه

في الوجه منك وقد علاه غبار(١)

ولقد روى ذلك أيضاً الخوارزمي(٢) ، والسيّد محمّد بن أبي طالب(٣) بتفاوت يسير.

قصّة الغُراب وفاطمة بنت الحسين ( الصغرى )!

روى الخوارزمي، بإسناده عن المفضّل بن عمر الجُعفي، سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول:( حدّثني أبي محمد بن علي، حدّني أبي عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال: لما قُتل الحسين جاء غراب فوقع في دمه، ثمّ تمرّغ، ثمّ طار، فوقع بالمدينة على جدار دار فاطمة بنت الحسين - وهي الصغرى - فرفعتْ رأسها إليه، فنظرته فكبت وقالت:

نعب الغراب فقلت مَن

تنعاه ويلك من غراب

قال الإمام فقلت من

قال الموفَّق للصواب

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ٢٢٣ ح١.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١١١ ح٤٤، ط دار أنوار الهدى.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٤٧٠.

٣٦٩

إنّ الـحسين بـكربلا

بين المواضي والحراب

قـلت الحسين فقال لي

مُلقىً على وجه التراب

ثـمّ اسـتقلّ به الجَناح

ولـم يُطِق ردّ الجواب

فـبكيت مـنه بـعبرةٍ

تُرضي الإله مع الثواب

 ( قال محمّد بن عليّعليهما‌السلام : )فنعتْهُ لأهل المدينة، فقالوا: جاءت بسحر عبد المطّلب، فما كان بأسرع من أن جاءهم الخبر بقتل الحسين عليه‌السلام ) (١) .

الطير المتلطّخ بالدم في المدينة!

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله):( روى بعض أصحابنا قال: وروي من طريق أهل البيت عليهم‌السلام أنّه لما استُشهد الحسين عليه‌السلام بقي في كربلاء صريعاً ودمه على الأرض مسفوحاً، وإذا بطائر أبيض قد أتى وتمسّح بدمه، وجاء والدّم يقطر منه، فرأى طيوراً تحت الظِلال على الغصون والأشجار، وكلّ منهم يذكر الحَبّ والعلف والماء، فقال لهم ذلك الطير المتلطّخ بالدّم: يا ويلكم! أتشتغلون بالملاهي، وذِكْر الدُّنيا والمناهي، والحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ مُلقى على الرمضاء، ظامئ مذبوح، ودمه مسفوح، فعادت الطيور كلّ منهم قاصداً كربلاء، فرأوا سيّدنا الحسين عليه‌السلام مُلقى في الأرض، جثّة بلا رأس ولا غُسل ولا كفن، قد سفت عليه

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٢، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٤٩٢، ورواه بحار الأنوار ٤٥/ ١٧١ عن بعض الكُتب القديمة؛ فرائد السمطين ٢/ ١٦٣ ح٤٥١ وفيه: ( حقّاً لقد سكن التراب... بين الأسنّة والضراب / فابكِ الحسين بعبرةٍ تُرضي الإله.. فلم يُطق.. فبكيت فما هلّ بي بعد الوصيّ المستجاب )؛ تسلية المجالس ٢/ ٤٦٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٧١ ح١٩، عن كتاب المناقب القديم، وفيه: ( بين الأسنّة والضراب. فابكي الحسين بعبرة ترجى الإله مع الثواب.. حقّاً لقد سكن التراب.. فلم يُطِقْ.. فبكيت ممّا هلّ بي بعد الدعاء المستجاب )؛ العوالم ١٧/ ٤٩٠، ح٢ وغيرهم بتفاوت.

٣٧٠

السوافي، وبدنه مرضوض قد هشّمته الخيل بحافرها، زوّاره وحوش القفار، وندبته جنّ السهول والأوعار، قد أضاء التراب من أنواره، وأزهر الجوّ من إزهاره، فلما رأته الطيور تصايحن وأعلنَّ بالبكاء والثبور، وتواقعن على دمه يتمرّغن فيه، طار كلّ واحد منهم إلى ناحية يُعلِم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام، فمن القضاء والقدر أنّ طيراً من هذه الطيور قصد مدينة الرسول، وجاء يُرفرف والدّم يتقاطر من أجنحته، ودار حول قبر سيّدنا رسول الله يُعلن بالنداء: ( ألا قُتِل الحسين بكربلاء، ألا ذُبح الحسين بكربلاء )، فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون .

فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح، وشاهدوا الدّم يتقاطر من الطير، لم يعلموا ما الخبر حتى انقضت مدّة من الزمان، وجاء خبر مقتل الحسين، علموا أنّ ذلك الطير كان يُخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول، وقُرّة عين الرسول.

وقد نُقل أنّه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة، كان في المدينة رجل يهودي، وله بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة، والجذام قد أحاط ببدنها، فجاء ذلك الطائر والدم يتقاطر منه، ووقع على شجرة يبكي طول ليلته، وكان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة إلى بستان، وتركها في البستان الذي جاء الطير ووقع فيه، فمن القضاء والقدر أنّ تلك الليلة عرض لليهوديّ عارض، فدخل المدينة لقضاء حاجته، فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعولة، والبنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها؛ لأنّ أباها كان يُحدِّثها ويُسلّيها حتّى تنام، فسمعت عند السحر بكاء الطير وحنينه، فبقيت تتقلّب على وجه الأرض، إلى أن صارت تحت

٣٧١

الشجرة التي عليها الطير، فصارت كلّما حنّ ذلك الطير تُجاوبه من قلب محزون، فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدّم، فوقعت على عينها ففُتحت، ثمّ قطرة أُخرى على عينها الأُخرى فبرئت، ثمّ قطرة على يديها فعوفيت، ثمّ على رجليها فبرئت، وعادت كلّما قطرت قطرة من الدّم تُلطِّخ به جسدها، فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسينعليه‌السلام .

فلما أصبحت أقبل أبوها إلى البستان، فرأى بنتاً تدور ولم يعلم أنّها ابنته، فسألها أنّه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرّك، فقالت ابنته: والله، أنا ابنتك، فلما سمع كلامها وقع مغشيّاً عليه، فلما أفاق قام على قدميه، فأتت به إلى ذلك الطير، فرآه واكراً على الشجرة، يئنّ من قلبٍ حزين مُحترق ممّا رأى ممّا فُعل بالحسينعليه‌السلام ، فقال له اليهودي: أقسمت عليك - بالذي خلقك أيّها الطير - أنْ تُكلّمني بقُدرة الله تعالى!

فنطق الطير مُستعبراً، ثمّ قال: إنّي كنت واكراً على بعض الأشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة، وإذا بطير ساقط علينا، وهو يقول: أيّها الطيور، تأكلون وتتنعّمون، والحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ على الرمضاء، طريحاً ظامئاً والنحر دامٍ، ورأسه مقطوع، على الرمح مرفوع، ونساؤه سبايا، حفاة عرايا، فلما سمعنا بذلك تطايرنا إلى كربلاء، فرأيناه في ذلك الوادي طريحاً، الغُسل من دمه، والكفن الرّمل السافي عليه ، فوقعنا كلّنا عليه نوح ونتمرّغ بدمه الشريف، وكان كلّ منّا طار إلى ناحية، فوقعت أنا في هذا المكان.

فلما سمع اليهودي ذلك تعجبّ وقال: لو لم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند الله ما كان دمه شفاء من كلّ داء، ثمّ أسلم اليهودي وأسلمت البنت وأسلم خمسمئة من قومه )(١) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٩١. ورواه البحراني أيضاً (عوالم ١٧/ ٤٩٣، ح١٠).

٣٧٢

المدينة بعد تلقّيها خبر مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

ضجّت المدينة المنوّرة أربع مرّات لخبر مقتل الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام منذ استشهادهعليه‌السلام حتّى صول أهل بيته إليها، كما يلي:

١ - بعد فزع أُمّ سلمة، حين ملاحظتها انقلاب ما في القارورة دماً، وبعد أن رأت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامها.

٢ - بعد وصول مبعوث ابن زياد، وإذاعة السلطة الفاجرة - رسميّاً - خبر تحقّق الفاجعة والمأساة.

٣ - بعد مجيء مبعوثي يزيد بالخبر - أو برأس الحسينعليه‌السلام كما في بعض الروايات.

٤ - بعد وصول آل بيت الحسين إلى المدينة، واستقبال الناس لهم بالعويل والبكاء.

وإليك التفاصيل:

أمّا الموقف الأوّل (انقلاب ما في القارورة دماً ورؤية أُمِّ سلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وتأثّرها)، فقد مرّت تفاصيله آنفاً، فلا نُعيد.

وأمّا الموقف الرابع ( أعني: ضجّة المدينة بعد وصول آل بيت الحسينعليه‌السلام إليها )، فهذا ما سنتناوله تفصيلاً في المبحث الآتي ( عودة بقيّة الركب الحسيني إلى المدينة المنوّرة ) تحت عنوان ( حال المدينة بعد علم أهلها بمصرع الإمامعليه‌السلام ).

أمّا ما سنتعرّض له فهما الموقفان الباقيان، أي الموقف الثاني ( بعد وصول مبعوث ابن زياد ) والثالث ( بعد دخول الرأس الشريف حسب بعض الروايات ):

٣٧٣

وصول مبعوث ابن زياد المدينة المنوّرة:

لقد أنفذ اللعين ابن زياد رسولاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص والي المدنية، يحمل خبر قتل الحسينعليه‌السلام ، وهو عبد الملك بن ابي الحُدَيث السُّلمي(١) ، أو عبد الملك بن أبي الحارث السلمي(٢) ، أو عبيد الله بن الحرث السلمي(٣) .

* ولقد اكتفى بعضٌ بذكر العنوان العام، ولم يُصرّح باسمه:

قال السيّد ابن طاووس: ( وكتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية، يُخبره بقتل الحسين وخبر أهل بيته، وكتب أيضاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك )(٤) .

وقال ابن الأثير: ( فأرسل عبيد الله بن زياد مُبشّراً!! إلى المدينة بقتل الحسين إلى عمرو بن سعيد )(٥) .

 وقال ابن كثير: ( ثمّ كتب ابن زياد إلى عمرو بن سعيد أمير الحرمين، يُبشِّره بمقتل الحسين! )(٦) .

* فيما رواه آخرون بتفاصيل أكثر كالطبري، فإنّه قال: ( قال هشام: حدّثني عوانة بن الحَكَم، قال: لما قُتل عبيد الله بن زياد الحسين بن عليّ وجيء برأسه إليه،

____________________

(١) كما في الإرشاد ٢/ ١٢٣، ولكن جاء في نقل العلاّمة المجلسي في البحار ٤٥/ ١٢١ عن نسخة الإرشاد الذي كان بيده، أنّه عبد الملك بن أبي الحارث السلمي، فينطبق على ما ذكره الطبري، والظاهر هو كذلك؛ إذ إنّ الخلاف يرجع إلى الكتابة، ولا يخفى تشابه كتابة الحرث مع الحديث.

(٢) كما في تاريخ الطبري ٤: ٣٥٦.

(٣) كما ذكره ابن نما في مُثير الأحزان: ٩٤.

(٤) الملهوف: ٢٠٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢١.

(٥) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٨.

(٦) البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

٣٧٤

دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال: انطلق حتّى تَقْدِم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص، فبشّره بقتل الحسين.

وكان عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذ، قال: فذهب ليعتلَّ له، فزجره، وكان عبيد الله لا يُصطلى بناره، فقال: انطلق حتّى تأتي المدينة لا يسبقك الخبر، وأعطاه دنانير، وقال: لا تعتلّ، وإنْ قامت بك راحلتك فاشتر راحلة )(١) .

ولقد ذكرنا مراراً، أنّ أهل المدينة كانوا يترقّبون سماع خبر المأساة، ومن الشواهد على ذلك ما رواه الطبري في الخبر نفسه: قال: ( قال عبد الملك: فقدمت المدينة، فلقيني رجل من قريش ، فقال: ما الخبر؟ فقلت: الخبر عند الأمير، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قُتل الحسين بن علي! )(٢) .

مبعوث ابن زياد عند والي المدينة:

قال الطبري: ( قال عبد الملك: فدخلت على عمرو بن سعيد، فقال: ما وراءك؟

فقلت: ما سَرَّ الأمير! قُتل الحسين بن علي!

فقال: نادِ بقتله!

فناديت بقتله، فلم أسمع - والله - واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين، فقال عمرو بن سعيد - وضحك:

عجّت نساء بني زياد عجَّة

كعجيج نسوتنا غَداة الأرنب

والأرنب وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦.

(٢) الإرشاد ٢/ ٢٣، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢١؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٨؛ مُثير الأحزان: ٩٤.

٣٧٥

رهط عبد المدان، وهذا البيت لعمرو بن معديكرب.

ثمّ قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان بن عفّان!

ثمّ صعد المنبر، فأعلم الناس بقتله(١) ، ودعا ليزيد بن معاوية ونزل )(٢) .

ضجّة الناس عند سماع الخبر:

( ولما بلغ أهل المدينة مقتل الحسين كثر النوائح والصوارخ عليه )(٣) .

وروى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وابن شهر آشوب، عن أبي هياج عبد الله بن عامر أنّه قال: ( فما رأينا باكياً ولا باكية أكثر ممّا رأينا ذلك اليوم )(٤) .

اشتداد الواعية في دور بني هاشم:

روى الشيخ المفيد (رحمه الله)، عن مبعوث ابن زياد إلى المدينة: ( فلم أسمع - والله - واعية قطّ مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن عليّعليهم‌السلام ، حين سمعوا النداء بقتله )(٥) .

وقال البلاذري: واشتدّت الواعية في دور بني هاشم، فقال عمرو بن سعيد الأشدق: واعية بواعية عثمان.

وقال مروان حين سمع ذلك:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦. وروى نحوه: الإرشاد ٢/ ١٢٣ وذكر بعضه كشف الغمّة ٢/ ٦٨ ومُثير الأحزان: ٩٤، إلاّ أنّه يظهر من رواية ابن نما أنّ المنادي بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام هو رجل غير مبعوث ابن زياد، حيث قال: فدخلت على عمرو، وقال: ما وراءك؟ فأخبرته، فاستبشر وأمر أن يُنادى بقتله.

(٢) الإرشاد ٢/ ١٢٣؛ كشف الغمّة ٢/ ٦٨.

(٣) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٧.

(٤) أمالي المفيد: ٣١٩، مجلس ٣٨، ح٥؛ أمالي الطوسي: ٨٩ مجلس ٣ ح١٣٩؛ المناقب ٤/ ١١٦.

(٥) الإرشاد ٢/ ١٢٣. وروى نحوه تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦؛ كشف الغمّة ٢/ ٦٨.

٣٧٦

عجّت نساء بني زياد عجَّة

كعجيج نسوتنا غَداة الأرنب(١)

وقال ابن كثير: ثمّ كتب ابن زياد إلى عمرو بن سعيد أمير الحرمين، يُبشّره بقتل الحسين، فأمر مُنادياً فنادى بذلك، فلما سمع نساء بني هاشم ارتفعت أصواتهنّ بالبكاء والنوح، فجعل عمرو بن سعيد يقول: هكذا ببكاء نساء عثمان بن عفّان(٢) .

وروي عن القاسم بن نجيب أنّه قال: ولما بلغ أهل المدينة مقتل الحسين بكى عليه نساء بني هاشم ونُحْنَ عليه(٣) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: وكان ابن زياد حين قُتل الحسينعليه‌السلام أرسل يُخبر يزيد بذلك، وكتب أيضاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص... أمير المدينة بمثل ذلك، فأمّا عمرو بن سعيد، فحيث وصله الخبر صعد المنبر وخطب الناس وأعلمهم ذلك، فعظمت واعية بني هاشم، وأقاموا سنن المصائب والمآتم(٤) .

جلاوزة السلطة تظهر كُفرها وحقدها!

يـسـتبشرون بـقتله وبـسبّه

وهـمُ عـلى ديـن النبيّ محمّد

والله مـا هـم مـسلمون وإنّما

قـالوا بـأقوال الـكَفْور الملْحِد

قد أسلموا خوف الردى وقلوبُهم

طُويَت على غُلٍّ وحقدٍ مُكمد(٥)

من جلاوزة السلطة الحاكمة ممّن أظهر كفره بالله، وبغضه وحقده لآل بيت رسوله: عمرو بن سعيد، أحد أفراد هذه الشجرة الملعونة.

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٧.

(٢) البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢.

(٥) مُثير الأحزان: ٩٤.

٣٧٧

قال العلاّمة الحجّة الشيخ الأميني (رحمه الله):

( عمرو بن سعيد بن العاص بن أُميّة الأُموي، المعروف بالأشدق، الذي جاء في (مسند أحمد) من طريق أبي هريرة مرفوعاً:( ليرعفنَّ على منبري جبّار من جبابرة بني أُميّة يسيل رعافه ) (١) .

قال: فحدّثني مَن رأى عمرو بن سعيد رعف على منبر رسول الله، حتّى سال رعافه، كان هذا الجبّار ممّن يسبّ عليّاًعليه‌السلام على صهوة المنابر، قال القسطلاني في ( إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري )، والأنصاري في ( تحفة الساري في شرح صحيح البخاري )، والأنصاري في ( تحفة الباري شرح البخاري المطبوع في ذيل إرشاد الساري )، في الصفحة المذكورة: سُمّي عمرو بالأشدق، لأنّه صعد المنبر فبالغ في شتم عليّ (رضي الله عنه)، فأصابته لقوة - أي داء في وجهه -... )(٢) .

وقال - بعد ذكر وصول مبعوث ابن زياد إليه، وعلمه بخبر قتل الحسينعليه‌السلام -: ثمّ صعد المنبر، فأعلم الناس قتله، وفي ( مثالب أبي عبيدة ): ثمّ أومأ إلى القبر الشريف وقال: ( يا محمّد، يوم بيوم بدر )، فأنكر عليه قوم من الأنصار(٣) .

وممّا يدلّ على خُبثه ما أردفه العلاّمة الأميني (رحمه الله) قال: ( كان أبو رافع عبداً لأبي أُحيحة سعيد بن العاص بن أُميّة، فأعتق كلٌّ من بنيه نصيبه منه إلاّ خالد بن سعيد، فإنّه وهب نصيبه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعتقه، فكان يقول: أنا مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما ولّي عمرو بن سعيد بن العاص المدينة أيّأم معاوية أرسل إلى البهيّ بن أبي رافع، فقال له: مولى مَن أنت؟ فقال: مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فضربه مئة سوط، ثمّ تركه ثمّ دعاه، فقال: مولى مَن أنت؟ فقال: مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فضربه مئة سوط،

____________________

(١) مسند أحمد ٢/ ٥٢٢.

(٢ و٣) الغدير ١٠/ ٢٦٤. انظر - أيضاً - الجزء الثاني من هذه الموسوعة، تأليف الشيخ نجم الدين الطبسي، ص١٩٣ - ١٩٤.

٣٧٨

حتّى ضربه خمسمئة سوط، فلما خاف أن يموت قال له: أنا مولاكم )(١) .

وممّن أبرز خُبثه وحقده على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مروان بن الحَكم، كما روى عن التنبيه على أبي القالي في أماليه أنّه قال: ( وقد رأيت أبا محمد بن حبيب البصري: أدرج هذا البيت (عجّت نساء) في خبر ذكره، فقال: لما جاء نعي الحسين (رضي الله عنه) ومَن كان معه قال مروان: يومٌ بيوم الخفض المجوّر؟! أي يوم بيوم عثمان، ثمّ تمثّل بقول الأسدي: عجّت نساء... )(٢) .

موقف أُمّ سلمة:

إنّ لأُمّ المؤمنين أُمّ سلمة - سلام الله عليها - مواقف صرحية وجريئة، تجاه هذه الجريمة النكراء التي جرت في حقّ ثمرة فؤاد الرسول، ومهجة قلب بنته البتول وأهل بيته، ولقد ذكرنا شيئاً منها في أوّل هذا الفصل.

وأمّا بالنسبة إلى بعد وصول خبر نعي أبي عبد الله الحسين ( سلام الله عليه )، فنجد منها مواقف بطولية، وكلمات صريحة وواضحة تجاه المأساة، نذكر بعض ما ظفرنا به:

قال ابن الجوزي: ( وذكر ابن أبي الدُّنيا، أنّه لما بلغ أُمّ سلمة قتل الحسين قالت: فعلوها؟! ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً، ثمّ وقعت مغشيّاً عليها )(٣) .

روى ابن سعد، بإسناده عن عمر بن عبد الواحد، عن شهر بن حوشب قال: ( إنّا لعند أُمّ سلمة زوج النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) قال: فسمعنا صارخة، فأقبلت حتّى انتهت إلى أُمّ

____________________

(١) الغدير ١٠/ ٢٦٥.

(٢) عبرات المصطفين ٢/ ٢١٩ وسترى ما يدلّ على المقصود في بحث ( رأس الحسينعليه‌السلام بالمدينة ).

(٣) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥١.

٣٧٩

سلمة، فقالت: قُتل الحسين!

قالت: قد فعلوها؟! ملأ الله بيوتهم - أو قبورهم - عليهم ناراً. ووقعت مغشيّاً عليها. قال: وقمنا )(١) .

وروى أيضاً، بإسناده عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب قال: ( سمعت أُمّ سلمة حين أتاها قتل الحسين لعنت أهل العراق وقالت: قتلوه؟! قتلهم الله، غرّوه وذلّوه لعنهم الله )(٢) .

وروى الحاكم الحسكاني، بإسناده عن عبد الحميد بن بهرام قال: ( حدّثنا شهر بن حوشب قال: سمعت أُمّ سلمة حين جاء نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه؟! قتلهم الله! غرّوه وذلّوه لعنهم الله، وإنّي رأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) جاءته فاطمة غدية ببرمة لها قد صنعت له فيها عصيدة تحملها في طبق لها، حتّى وضعتها بين يديه، فقال لها:( أين ابن عمّك؟ ) .

قالت:( هو في البيت ) .

قال:( اذهبي فادعي به وائتيني بابنيه ) .

فجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما بيد، وعليّ يمشي في أثرهم [ في أثرها (خ) ]، حتّى دخلوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجلسهما في حجره، وجلس عليّ على يمينه وفاطمة على يساره، فاجتذب من تحتي كساءً خيبريّاً، كان بساطاً لنا على المنامة بالمدينة، فلفّه رسول الله عليهم جميعاً، فأخذ بشماله بطرفي الكساء، وألوى بيده اليمنى إلى ربّه وقال:( اللّهمَّ، إنّ هؤلاء أهلي،

____________________

(١) الطبقات، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع: ٨٧، ح٣٠١. ورواه: تاريخ دمشق ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٩٠، ح ٣٣٠؛ تذكرة الخواص: ٢٦٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٨؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٣٩؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٢، وغيرهم.

(٢) الطبقات، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع: ٨٩، ح٣١٤. ورواه: مسند أحمد ٦/ ٢٩٨؛ المعجم الكبير ٣/ ١١٤، ح٢٨١٨؛ مُثير الأحزان: ٩٥؛ شواهد التنزيل ٢/ ١١١ ح٧٤٣؛ تذكرة الخواص: ٢٦٧؛ الطرائف: ١٢٦، ح١٩٤ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٤، وقال: ورجاله موثّقون؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٤ وغيرهم بتفاوت يسير.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460