مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة17%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234281 / تحميل: 8789
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الفصل الثالث

إلى مدينة الرسول

٣٤١

٣٤٢

الفصل الثالث

إلى مدينة الرسول

المدينة قبل وصول خبر مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

كانت المدينة المنوّرة تترقّب سماع خبر أعظم حادثة وأكبر كارثة وأفضع فاجعة في العالم... كيف لا، وهو خبر قتل مَن قال جدّه سيّد الكائنات في حقّه:( حسين منّي وأنا من حسين ) (١) .

إنّ بعض أقرباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه كانوا يعلمون بمصير الحسينعليه‌السلام إجمالاً، وذلك عبر ما سمعوه عن صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مباشرةً أو بالواسطة، فإنّهم - وإن فاتهم الفوز العظيم أو قصّروا في سبيل نصرة ابن بنت نبيّهمعليه‌السلام - ولكنّ ذلك لم يمنعهم أن يعيشوا في حالة من الخوف والقلق، وترقُّب الأحداث!

لقد قامت زوجة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّ سلمة - التي حصلت على شرف العلم والمعرفة وأصبحت موضع سرّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - بدورها العظيم تجاه هذه المأساة، إذ استودعها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تربة من تراب كربلاء قبل مقتل الحسينعليه‌السلام بسنوات عديدة، ولقد احتفظت بها، وصار احمرارها علامة تحقُّق المأساة، وهي التي روت أحاديث كثيرة في هذا الشأن، كما سترى.

____________________

(١) تهذيب التهذيب ٢/ ٢٩٩ و...

٣٤٣

وروى ابن عبّاس - بدوره - عدّة روايات حول هذا الموضوع، واتّخذ مواقف جيّدة، ولا نريد بذلك توجيه عدم حضوره في كربلاء.

وثَمّة بعض القصائد والأشعار التي ربّما نُسبت إلى الجنّ، وإنّها وإن كانت بموضع من الإمكان بل الوقوع، فإنّ مصيبة قتل الحسينعليه‌السلام شملت الكون بكامله والخلائق بأجمعها، والموجودات كلّها، إلاّ أنّ هناك احتمالاً آخر، وهو صدورها من بعض الناس الموالين لأبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ومحبّي أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أنّ بعضها كذلك، ولا ضير بأن نجمع حصول كلا الأمرين وتحقّقهما، أي صدور بعضها من الجنّ وبعضها من شيعة الإمام من الإنس.

كما رويت بعض المنامات والرؤى الصادقة، من أمثال أُمّ سلمة وابن عبّاس وغيرهما، تناقلها الناس، وأثّرت في أوساط المجتمع الذي تهيّأ لسماع خبر الفاجعة.

ولا ننسى أنّ الآيات السماوية والأرضية الكثيرة، التي حصلت في مناطق عديدة بعد مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام خلقت الجوّ المناسب لذلك.

وإليك - أيّها القارئ الكريم - بعض النصوص التي تُعالج هذا الموضوع، وتُبيّن ما جرى في هذه الفترة من الزمان.

دور أُمِّ سلمة:

* أُمُّ سلمة تعلم بمصير الإمامعليه‌السلام :

فقد روى الطبراني، بإسناده عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، عن أُمّ سلمة قالت:( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يُقتَل حسين بن علي (رضي الله عنه) على رأس ستّين من

٣٤٤

مهاجرتي ) (١) .

* أُمُّ سلمة ترى تربة الحسينعليه‌السلام :

روى الطبراني، بإسناده عن عتبة بن عبد الله بن زمعة، عن أُمّ سلمة:

( أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اضطجع ذات يوم، فاستيقظ وهو خاثر النفس، وفي يده تربة حمراء يُقلّبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟

فقال:( أخبرني جبريل عليه‌السلام أنّ هذا - الحسينعليه‌السلام -يُقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل عليه‌السلام : أرني تربة الأرض التي يُقتل بها. فهذه تربتها ) (٢) .

وروى الحاكم بإسناده عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال:

أخبرتني أُمّ سلمة (رضي الله عنها): أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اضطجع ذات ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثمّ اضطجع فرقد، ثمّ استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرّة الأُولى، ثمّ اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يُقبّلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟

قال:( أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام أنّ هذا - الحسين -يُقتل بأرض العراق فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يُقتل بها. فهذه تربتها ).

ثمّ قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه(٣) .

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٠ ح٢٨٠٧.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١٦ ح٢٨٢١، اُنظر كنز العمّال ١٣/ ٦٥٧ ح٣٧٦٦٧.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٤/ ٣٩٨، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٣٣٩؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٨٩؛ ذخائر العُقبى ١٥٧.

٣٤٥

وروى الطبراني، بإسناده عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أُمّ سلمة قالت:

( كان رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم)، جالساً ذات يوم في بيتي فقال:( لا يدخل عليَّ أحد ) . فانتظرت فدخل الحسين (رضي الله عنه)، فسمعت نشيج رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) يبكي، فاطّلعتُ، فإذا حسين في حجره والنبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله، ما علمت حين دخل!

فقال:( إنّ جبرئيل عليه‌السلام كان معنا في البيت، فقال: تُحبّه؟ قلت: أمّا من الدُّنيا فنعم، قال: إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرض يُقال لها: كربلاء ) . فتناول جبريلعليه‌السلام من تربتها فأراها النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)، فلما أُحيط بحسين حين قُتل قال:( ما اسم هذه الأرض؟ ) .

قالوا: كربلاء.

قال:( صدق الله ورسوله، أرض كربٍ وبلاء ) (١) .

وروي بإسناده عن صالح بن أريد، عن أُمّ سلمة (رضي الله عنها) قالت:

( قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( اجلسي بالباب ولا يلِجنَّ عليَّ أحد ) . فقمت بالباب إذ جاء الحسين (رضي الله عنه)، فذهبت أتناوله، فسبقني الغلام، فدخل على جدّه، فقلت: يا نبيّ الله، جعلني الله فداك، أمرتني أن لا يلج عليك أحد، وإنّ ابنك جاء، فذهبت أتناوله فسبقني، فلما طال ذلك تطلّعت من الباب، فوجدتك تُقلِّب بكفّيك شيئاً ودموعك تسيل، والصبي على بطنك، قال:( نعم، أتاني جبريل، فأخبرني أنّ أُمّتي يقتلونه، وأتاني بالتربة التي يُقتل عليها، فهي التي أُقلِّب بكفّي ) (٢) .

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٥، ح٢٨١٩.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١٥، ح٢٨٢٠.

٣٤٦

مُلاحظتان:

١ - إنّ أُمّ سلمة ليست الوحيدة في نقل أخبار إتيان جبرئيل بتربة الحسينعليه‌السلام إلى جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هناك روايات عديدة عن غيرها، مثل عائشة، وزينب بنت جحش حول هذا الموضوع الهامّ(١) التي لا مجال لذكرها الآن.

٢ - إنّها لم تكن الوحيدة التي رأت تربة الحسينعليه‌السلام قبل مقتله، بل هناك أشخاص رأوها، وعلى رأسهم أبوه الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، نذكر بعضهم:

أ) الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام :

روى الطبراني، بإسناده عن عبد الله بن نجي، عن أبيه أنّه سافر مع عليّ (رضيّ الله عنه)، فلما حاذى نينوى قال:( صبراً أبا عبد الله! صبراً بشط الفرات! ) .

قلت: وما ذاك؟

قال:( دخلتُ على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت: هل أغضبك أحد يا رسول الله؟ ما لي أرى عينيك مُفيضتين؟ قال: قام من عندي جبريل عليه‌السلام ، فأخبرني أنّ أُمّتي تقتل الحسين ابني.

ثمّ قال: هل لك أن أُريك من تربته؟

قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة، فلما رأيتها لم أملك عينيّ أن فاضتا ) (٢) .

ب) أبو بكر وعمر وحذيفة وعمّار وأبو ذرّ:

روى الطبراني، بإسناده عن عائشة قالت:

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٣ ح٢٨١٥؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٨ و١٨٩ و١٩٢.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١١ ح٢٨١١. وروي في مُسند أحمد ١/ ٨٥؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٧ وقال: ( ورجاله ثقات ولم ينفرد نجيّ بهذا )؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٠٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٨٨؛ مقتل الخوارزمي ١/ ١٧٠ وغيرهم.

٣٤٧

( دخل الحسين بن علي (رضي الله عنه) على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وهو يوحى إليه، فنزا على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وهو مُنكبٌّ، ولعب على ظهره، فقال جبريل لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( أتُحبّه يا محمّد؟ ) .

قال:( يا جبريل، وما لي لا أُحبُّ ابني؟! ) .

قال:( فإنّ أُمّتك ستقتله من بعدك ) . فمدّ جبريلعليه‌السلام يده، فأتاه بتربة بيضاء، فقال:( في هذه الأرض يُقتَل ابنك هذا - يا محمّد - واسمها الطفّ ) . فلما ذهب جبريلعليه‌السلام من عند رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) خرج رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) والتربة في يده يبكي، فقالوا: ما يُبكيك يا رسول الله؟

فقال:( أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أنّ فيها مضجعه ) (١) .

* تربة الحسينعليه‌السلام عند أُمّ سلمة:

روى الطبراني، بإسناده عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال:

(استأذن مَلَك القطر ربّه عزّ وجلّ أن يزور النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)، فأذِن له، فجاءه وهو في بيت أُمّ سلمة، فقال:( يا أُمّ سلمة، احفظي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد ). فبينما هم على الباب إذ جاء الحسين، ففتح الباب، فجعل يتقفَّز على ظهر النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)، والنبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم)

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٣ ح٢٨١٤.

٣٤٨

يلثمه ويُقبّله، فقال له الملَك:( تُحبُّه يا محمّد؟ ).

قال:( نعم ).

[ قال: ]( أما أنّ أُمّتك ستقتله، وإن شئت أن أُريك من تربة المكان الذي يُقتل فيها ) .

قال: فقبض من المكان الذي يُقتل فيه، فأتاه بسهلة حمراء، فأخذته أُمّ سلمة، فجعلته في ثوبها.

قال ثابت: كنّا نقول: إنّها كربلاء )(١) .

وروى الطبراني، بإسناده عن شقيق بن سلمة، عن أُمّ سلمة قالت:

( كان الحسن والحسين ( رضي الله عنهما ) يلعبان بين يدي النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) في بيتي، فنزل جبريلعليه‌السلام فقال:( يا محمّد، إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وضمّه إلى صدره، ثمّ قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( وديعةً عندك هذه التربة )، فشمَّها رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) وقال:( ويحَ كرب وبلاء! ) .

قالت: وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( يا أُمّ سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتِل ) .

قال: فجعلتها أُمّ سلمة في قارورة، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول: إنّ يوماً تُحوَّلين دماً ليوم عظيم )(٢) .

____________________

(١) المعجم الكبير ٣/ ١١٢، ح٢٨١٣. وروي نحوه في مُسند الإمام أحمد بن حنبل ٣/ ٢٤٢؛ دلائل النبوّة ٦/ ٤٦٩؛ الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٥ - عن البيهقي وأبي نعيم؛ ذخائر العُقبى: ١٤٦، ثمّ قال: خرجه البغوي في مُعجمه وخرجه أبو حاتم في صحيحه؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٢ - عن البغوي وأبي حاتم وأحمد؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٠٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٨٧ و١٩٠؛ كنز العمّال ١٣/ ٦٥٧، ح٣٧٦٦٩ وغيرهم.

(٢) المعجم الكبير ٣/ ١١٤ ح٢٨١٧. وأخرجه: كفاية الطالب: ٤٢٦؛ تهذيب الكمال: ٦/ ٤٨٠؛ مجمع

٣٤٩

وقال الشيخ المفيد: وروي بإسناد آخر عن أُمّ سلمة - رضي الله عنها - أنّها قالت:

( خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عندنا ذات ليلة، فغاب عنّا طويلاً، ثمّ جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت: يا رسول الله، ما لي أراك شَعثاً مُغبرّاً؟!

فقال:( أُسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يُقال له: كربلاء. فأُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولْدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم، فها هي في يدي ) . وبسطها إليّ فقال:( خُذْيها واحتفظي بها ) . فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة، وسددتُ رأسها واحتفظتُ به، فلما خرج الحسينعليه‌السلام من مكّة مُتوجِّهاً نحو العراق، كنت أُخْرِج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فأشمّها وأنظر إليها، ثمّ أبكي لمصابه، فلما كان في اليوم العاشر من المحرّم - وهو اليوم الذي قُتل فيهعليه‌السلام - أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها، ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط، فصمت في بيتي وبكيت، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة، فيُسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظةً للوقت حتّى جاء الناعي ينعاه، فحقّق ما رأيت )(١) .

____________________

الزوائد ٩/ ١٨٩؛ تهذيب التهذيب ٢/ ٣٤٦؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٢؛ ذخائر العُقبى: ١٤٦ وقال: خرّجه الملاّ في سيرته؛ الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٥؛ طرح الترتيب ١/ ٤١ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٤٧.

(١) الإرشاد ٢/ ١٣٠، عنه بحار الأنوار ٤٤/ ٢٣٩، ح٣١. وروي في إعلام الورى: ٢١٧؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٣، وذكر مضمونه: الصواعق المحرقة: ٢٩٢؛ نظم درر السمطين: ٢١٥.

٣٥٠

وقال ابن الأثير:

( وروي أنّ النبي (صلَّى الله عليه وسلِّم) أعطى أُمّ سلمة تراباً من تربة الحسين حمله إليه جبرائيل، فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) لأُمّ سلمة:( إذا صار هذا التراب دماً فقد قُتِل الحسين ) . فحفظتْ أُمّ سلمة ذلك التراب في قارورة عندها، فلما قُتِل الحسين صار التراب دماً، فأعلمت الناس بقتله أيضاً )(١) .

وقال الطبري:

( إنّ أُمّ سلمة أخرجت يوم قتل الحسين بكربلاء وهي بالمدينة قارورة فيها دم، فقالت: قُتِل - والله - الحسين.

فقيل: من أين علمتِ؟!

قالت: دفع إليّ رسول الله من تربته وقال لي:( إذا صار هذا دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتِل ) ، فكان كما قالت )(٢) .

وذكر الخوارزمي: ( أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ تلك القبضة - من تربة الحسينعليه‌السلام - التي أتاه بها الملَك، فجعل يشمّها ويبكي ويقول في بكائه:( اللّهمَّ، لا تُبارك في قاتل ولدي، وأصْلِه نار جهنّم ) .

ثمّ دفع تلك القبضة إلى أُمّ سلمة، وأخبرها بقتل الحسين بشاطئ الفرات، وقال:( يا أُمّ سلمة، خُذْي هذه التربة إليك، فإنّها إذا تغيّرت وتحوّلت دماً عبيطاً فعند ذلك يُقتل ولدي الحسين ) )(٣) .

بل المستفاد من بعض النصوص، أنّ أُمّ سلمة كانت تحمل قارورتين من تراب الحسينعليه‌السلام ، إحداهما سلّمها إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأُخرى تسلّمتها من

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٩٣.

(٢) دلائل الإمامة: ١٨٠.

(٣) مقتل الخوارزمي ١/ ١٦٢. ورواه السيّد محمّد بن أبي طالب (تسلية المجالس ٢/ ١١٢).

٣٥١

يدي الحسينعليه‌السلام .

لقد روى الفقيه المحدّث القطب الراوندي، أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لما أراد العراق ( قالت له أُمّ سلمة: لا تخرج إلى العراق؛ فقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( يُقتَل ابني الحسين بـ [ أرض ] العراق ) ، وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة.

فقال:( والله، إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً، وإن أحببتِ أن أُريك مضجعي ومصرع أصحابي ) .

ثمّ مسح بيده على وجهها، ففسح الله في بصرها حتّى أراها ذلك كلّه، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة أُخرى، وقالعليه‌السلام :( فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قُتْلِت ) .

فقالت أُمّ سلمة: فلما كان يوم عاشوراء، نظرت إلى القارورتين بعد الظهر، فإذا هما قد فاضتا دماً.

فصاحت، ولم يُقلَب في ذلك اليوم حجر ولا مَدَر إلاّ وجِد تحته دم عبيط )(١) .

ويظهر من رواية الفقيه ابن حمزة، عن الباقرعليه‌السلام مُرسلاً - بعد ذكر ما يقرب من نقل الخرائج في المضمون -:( أنّها خلطت التربة التي أعطاها الإمام الحسين عليه‌السلام مع التربة التي كانت عندها ) (٢) .

* ما سمعته أُمّ سلمة ليلةَ قُتِل الحسينعليه‌السلام !

روى الخوارزمي، بإسناده عن عبد الرحمان بن محمّد بن أبي سلمة يذكر عن

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١/ ٢٥٣ ح٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٨٩ ح٢٧؛ العوالم ١٧/ ١٥٧، ح٧.

(٢) الثاقب في المناقب: ٣٣١، فصل ٥، ح٢٧٢ ونحوه في الهداية: ٢٠٢ وعيون المعجزات: ٦٩ بتفاوت.

٣٥٢

أبيه عن جدّه، عن أُمّ سلمة قالت:

( جاء جبرئيلعليه‌السلام إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:( إنّ أُمّتك تقتله - يعني الحسين -بعدك ).

ثمّ قال له:( ألا أُريك من تربة مقتله؟ ) .

قال:( نعم ) . فجاء بحُصيّات، فجعلهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قارورة، فلما كانت ليلة قَتْل الحسين - قالت أُمّ سلمة - سمعت قائلاً يقول:

أيّها القاتلون جَهْلاً حسيناً

أبْشِرُوا بالعذاب والتنكيل

قد لُعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

 ( قال: ) فبكيت وفتحت القارورة، فإذا قد حدث فيها دم )(١) .

* ما رأته أُمّ سلمة في منامها!

روى الترمذي، بإسناده عن سلمى قالت: ( دخلتُ على أُمّ سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟

قالت: رأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) - تعني في المنام - وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لكَ يا رسول الله؟

قال:شهدت قَتْلَ الحسين آنفاً )(٢) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٤، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٣٤٧. ورواه: نظم درر السمطين: ٢١٧، وفيه: (فإذا الحُصيّات قد جرت دماً)، والصواعق المحرقة: ٢٩٢ وغيرهم.

(٢) الجامع الصحيح، سُنن الترمذي ٥/ ٦٥٧، باب ٣١ مناقب الحسن والحسين، ح٣٧٧١. ورواه: المعجم الكبير ٢٣/ ٣٧٣ ح٨٨٢؛ المستدرك ٤/ ١٩؛ تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٨٨، ح٣٢٨؛ كفاية الطالب: ٤٣٣؛ أُسد الغابة ١/ ٢٢؛ الخصائص الكبرى ٢/ ١٢٦؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٢؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٦؛ تاريخ الإسلام: ١٧؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٤؛ تهذيب التهذيب ٢/ ٣٠٧، تلخيص المستدرك ٤/ ١٩؛ تهذيب الكمال ٢/ ٤٣٩ واُنظر: مصابيح السنّة: ٢٠٧؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٦؛ أسماء الرجال (للذهبي) ٢/ ١٤١؛ جامع الأصول (لابن الأثير) ١٠/ ٢٤؛ المختار في مناقب الأخبار: ٢٢؛ ذخائر العُقبى: ١٤٨؛ نظم درر السمطين: ٢١٧؛ تهذيب التهذيب ٢/ ٣٥٣ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٣٥٥.

٣٥٣

وزاد الباعوني - بعد ذكره خبر سلمى -: ثمّ قالت: ( فعلوها؟ ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً! ).

ثمّ استيقظتْ مغشيّاً عليها )(١) .

وقال الخوارزمي بعد ذكره الخبر: ( وجاء في المراسيل، أنّ سلمى المدنيّة قالت: رفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أُمّ سلمة قارورة فيها رمل من الطف، وقال لها:( إذا تحوّل هذا دماً عبيطاً فعند ذلك يُقتَل الحسين ) .

قالت سلمى: فارتفعت واعية من حجرة أُمّ سلمة، فكنت أوّل مَن أتاها، فقلت لها: ما دهاك يا أُمّ المؤمنين؟

قالت: رأيت رسول الله في المنام والتراب على رأسه، فقلت: ما لكَ؟

قال:وثب الناس على ابني فقتلوه، وقد شهدته قتيلاً الساعة. فاقشعرّ جلدي وانتبهت، وقمت إلى القارورة، فوجدتها تفور دماً.

قالت سلمى: ورأيتها موضوعة بين يديها )(٢) .

روى الشيخ الصدوق (رحمه الله)، بإسناده عن أبي البختري وهب بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام عن أُمّ سلمة (رضي الله عنها):( أنّها أصبحت يوماً تبكي، فقيل لها: ما لكِ؟!

قالت: لقد قُتل ابني الحسين عليه‌السلام ، وما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ مات إلاّ الليلة، فقلت: بأبي أنت وأُمّي، ما لي أراك شاحباً؟

فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر قبر الحسين وقبور أصحابه ) (٣) .

وذكر الشيخ الطوسي، بإسناده عن عبد الله بن عبّاس، قال: ( بينا أنا راقد في منزلي، إذ سمعت صُراخاً عظيماً عالياً من بيت أُمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت يتوجّه بي قائدي إلى منزلها، وأقبل أهل المدينة إليها - الرجال والنساء - فلما انتهيت إليها قلت: يا أُمّ المؤمنين، ما بالك تصرخين وتغوثين؟!

فلم تُجبني، وأقبلت على

____________________

(١) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٨.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٢.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٠٢، المجلس ٢٩، ح٢١٧. ورواه الشيخ المفيد في أماليه ص٣١٩، المجلس ٣٨، ح٦، كذا: أمالي الطوسي: ٩٠، المجلس ٣، ح١٤٠؛ وروضة الواعظين: ١٧٠.

٣٥٤

النسوة الهاشميّات وقالت: يا بنات عبد المطّلب، اسعدنني وابكين معي، فقد واللَّه قُتل سيّدكنّ وسيّد شباب أهل الجنّة، قد واللَّه قُتل سبط رسول اللَّه وريحانته الحسين، فقيل: يا أُمّ المؤمنين، ومن أين علمت ذلك؟ قالت: رأيت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام الساعة شعثاً مذعوراً، فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم، فدفنتهم، والساعة فرغت من دفنهم، قالت: فقمت حتّى دخلت البيت، وأنا لا أكاد أن أعقل، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى‌ بها جبرئيل من كربلاء، فقال: إذا صارت هذه التربة دماً فقد قُتل ابنك، وأعطانيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال:اجعلي هذه التربة في زجاجة - أو قال: في قارورة-ولتكن عندك، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قُتل الحسين ، فرأيت القارورة الآن، وقد صارت دماً عبيطاً تفور، قال: وأخذت أُمّ سلمة من ذلك الدم، فلطّخت به وجهها، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين عليه السلام، فجاءت الركبان بخبره وأنّه قد قُتل في ذلك اليوم.

قال عمرو بن ثابت: قال أبي: فدخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام منزله، فسألته عن هذا الحديث، وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبداللَّه بن عبّاس، فقال أبو جعفر عليه السلام:حدّثنيه عمر بن أبي سلمة عن أُمّه امّ سلمة .

قال ابن عبّاس- في رواية سعيد بن جبير عنه قال-: فلمّا كانت الليلة رأيت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي أغبر أشعث، فذكرت له ذلك وسألته عن شأنه، فقال لي:

ألم تعلمي أنّي فرغت من دفن الحسين وأصحابه .

قال عمرو بن أبي المقدام: فحدّثني سدير عن أبي جعفر عليه السلام أنّ جبرئيل جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتربة التي يُقتل عليها الحسين عليه السلام، قال أبو جعفر: فهي عندنا»(١)

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٣١٥، مجلس ١١، ح ٦٤٠. ورواه ابن شهر آشوب عن أحمد في المسند عن أنس =

٣٥٥

وروى الفقيه ابن حمزة عن الإمام الباقر عليه السلام:

«فلمّا كانت تلك الليلة التي صبيحتها قُتل الحسين بن عليّ صلوات اللَّه عليهما فيها، أتاها (أُمّ سلمة) رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام أشعث باكياً مغبرّاً، فقالت: يارسول اللَّه، مالي أراك باكياً مغبرّاً أشعث؟ فقال:دفنت ابني الحسين عليه السلام وأصحابه الساعة .

فانتبهت أُمّ سلمة رضي اللَّه عنها، فصرخت بأعلى صوتها، فقالت: وا ابناه، فاجتمع أهل المدينة، وقالوا لها: ما الذي دهاك؟

فقالت: قُتل ابني الحسين بن علي صلوات اللَّه عليهما، فقالوا لها:

وما علمك [بذلك‌]؟ قالت: أتاني في المنام رسول اللَّه صلوات اللَّه عليه باكياً أشعث أغبر، فأخبرني أنّه دفن الحسين وأصحابه الساعة، فقالوا: أضغاث أحلام، فقالت: مكانكم، فإنّ عندي تربة الحسين عليه السلام، فأخرجت لهم القارورة فإذا هي دم عبيط» «١».

أُمّ سلمة تسمع نوح الجنّ‌

روى الشيخ الصدوق بإسناده عن أُمّ سلمة- زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - قالت:

ما سمعت نوح الجنّ منذ قُبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّاالليلة، ولا أراني إلّاوقد أصبت بابني.

قالت: وجاءت الجنّية منهم:

____________________

= والغزالي في « كيمياء السعادة » وابن بطة في « الإنابة » من خمسة عشر طريقاً وابن حبيش التميمي ( المناقب ٤/٥٥، عنه العوالم ١٧/٥٠٧ ح ١؛ بحار الأنوار ٤٥/٢٢٧، ح٢٢).

(١) الثاقب في المناقب: ٣٣٠، ح ٢٧٢. وروى نحوه أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي ( الهداية الكبرى: ٢٠٣)، وغيره، اُنظر: إثبات الوصيّة: ٢٦٢؛ عيون المعجزات:٦٩؛ الصراط المستقيم ٢/١٧٩، ح ٧؛ مدينة المعاجز ٣/٤٨٩ ح ١٠٠٣؛ معالم الزلفى: ٩١.

٣٥٦

ألا يا عين فانهملي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي‌

على‌ رهط تقودهم المنايا

إلى متجبّر في ملك عبد(١)

صراخ أُمّ سلمة وضجّة المدينة

لقد ذكرنا عن ابن عبّاس أنّ أهل المدينة- رجالًا ونساءً- توجّهوا نحو بيت أُمّ سلمة، بعدما سمعوا صراخها وبكاءها.

وممّا يؤيّد ذلك ما أورده اليعقوبي في تاريخه، قال: «وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة أُمّ سلمة زوج النبي، كان دفع إليها قارورة فيها تربة، وقال لها:

إنّ جبريل أعلمني أنّ أُمّتي تقتل الحسين ، وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنّ الحسين قد قُتل، وكانت عندها، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلّ ساعة، فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت واحسيناه! وا ابن رسول اللَّه! وتصارخت النساء من كلّ ناحية، حتّى ارتفعت المدينة بالرجّة التي ما سُمع بمثلها قطّ»(٢) .

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٠٢، مجلس ٢٩، ح ٢١٨. انظر: إحقاق الحقّ ١١/٥٧٣؛ شرح الأخبار ٣/١٦٧ ح ١١٠٧ وفيه: « ألا يا عين جودي لي ومن »؛ مقتل الخوارزمي ٢/٩٥) وفيه: « فاحتفلي على رهط سرت بهم »؛ مثير الأحزان: ١٠٨ وفيه: « فاحتملي في الملك »؛ ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق: ٣٩٣ – ٣٩٧؛ تذكرة الخواص: ٢٦٩ وفيه: « فاختلفي في ثوب عبد »؛ كفاية الطالب: ٤٤٢ وفيه: « فاحتفلي »؛ ذخائر العقبى: ١٥٠ – بعضه – وقال: « خرّجه الملّا في سيرته »؛ الخصائص الكبرى ٢/١٢٧ وفيه: « فاحتفلي »؛ مجمع الزوائد ٩/١٩٩ وفيه: « فاحتفلي »؛ تهذيب الكمال ٦/٤٤١ وفيه: «فاحتفلي بجهد متخيّر »، وغيرهم: معجم الطبراني: ٢٨٦٩؛ آكام المرجان: ١٤٧- على ما في إحقاق الحقّ ١١/٥٧٣ وفيه: « فاحتفلي متحيّر ».

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٢٤٥.

٣٥٧

خلاصة الكلام‌

إنّ أُمّ سلمة- بما حازت من موقع انتمائها لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبما نالت من موضع ائتمانها من قبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبما فازت من معرفتها بآل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبما قامت برسالتها تجاه آل اللَّه ...- أخذت دورها المحوري في فترة عدم حضور آل بيت المصطفى صلى الله عليه و آله بالمدينة، وأثّرت تأثيراً بالغاً، بحيث ضجّت المدينة بصراخها ورجفت بأنينها، سلام اللَّه ورضوانه عليها، ولعلّ عدم إجابتها لسؤال ابن عبّاس- في ما رواه الشيخ الطوسي- عتاب منها عليه في عدم نصرته سبط الرسول عليه السلام، واللَّه العالم.

دور ابن عبّاس‌

علمه بمصير سيّد الشهداء عليه السلام‌

كان ابن عبّاس من الذين يعلمون بمصير الإمام عليه السلام، فمن الطبيعي أن يكون ممّن يترقّب خبر استشهاده عليه السلام.

أخرج الحاكم عن ابن عبّاس قال: «ما كنّا نشكّ وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين يُقتل بالطف»(١) .

رؤيا ابن عبّاس وإخباره بعض الناس‌

روى أحمد بإسناده عن ابن عبّاس قال: «رأيت النبيّ صلى الله عليه و سلم فيما يرى النائم بنصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأُمّي يارسول اللَّه، ما هذا؟ قال:هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قُتل في ذلك اليوم»(٢) .

____________________

(١) مستدرك الحاكم ٣: ١٧٩، عنه الخصائص الكبرى ٢/١٢٦.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١/٢٨٣. وروى في: المعجم الكبير ٣/١١٦، ح ٢٨٢٢؛ عبرات المصطفين ٢

٣٥٨

وروى ابن عساكر بإسناده عن عليّ بن زيد بن جدعان قال: «استيقظ ابن عبّاس من نومه، فاسترجع وقال: قُتل حسين واللَّه، فقال له أصحابه: كلّا، قال:

رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ومعه زجاجة من دم، فقال:ألا تعلم ما صنعتْ أُمّتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين وهذا دمه ودم أصحابه أرفعها إلى اللَّه عزّوجلّ ، قال: فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فما لبثوا إلّا أربعة وعشرين يوماً حتّى جاءهم الخبر بالمدينة أنّه قُتل ذلك اليوم، وتلك الساعة» «١».

وقال الزرندي: وفي رواية أنّ ابن عبّاس كان في قايلة له، فانتبه من قايلته وهو يسترجع، ففزع أهله فقالوا: ما شأنك؟ ما لكَ؟ قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله وهو يتناول من الأرض شيئاً، فقلت: بأبي وأُمّي يارسول اللَّه صلى الله عليه و آله ماهذا الذي تصنع؟

____________________

= /١٢٣؛ شرح الأخبار ٣/١٦٨، ح ١١١٠؛ الاستيعاب ١/٣٨١؛ تاريخ بغداد ١/١٤٢؛ المستدرك على الصحيحين ٤/٣٩٨؛ مناقب عليّ بن أبي طالب: ٧٨، ح ١١٦ وفيه: « رأيت رسول الله ص وأنا قائل ..»؛ مقتل الخوارزمي ٢/٩٤؛ ترجمة الإمام الحسين ع من تاريخ دمشق: ٣٨٥، ح ٣٢٥؛ دلائل النبوّة ٦/٤٧١؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢؛ أسد الغابة ١/٢٢؛ اعلام الورى: ٢١٨؛ تذكرة الخواص: ٢٦٨؛ تاريخ الخلفاء: ١٦٦؛ الخصائص الكبرى: ١٢٦؛ نظم درر السمطين: ٢١٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/٣١٥؛ تاريخ الإسلام: ١٧؛ تلخيص المستدرك ٤/٣٩٨؛ ذخائر العقبى: ١٥٨؛ الإصابة ١/٣٣٥؛ الصواعق المحرقة: ٢٩٤؛ تهذيب التهذيب ٢/٣٠٦؛ جواهر المطالب ٢/٢٩٧؛ البداية والنهاية ٨/٢٠٢ وقال: « تفرّد به أحمد وإسناده قويّ »؛ مجمع الزوائد ٩/١٩٤ وقال: « رجال أحمد رجال الصحيح »؛ تهذيب الكمال ٦/٤٣٩؛ بحار الأنوار ٤٥/٢٣١؛ عوالم ١٧/٥١٠، باب ٤، ح ١؛ إحقاق الحقّ – الملحقات – ١١/٣٦٩، وغيرهم: اُنظر: مشكاة المصابيح: ٥٧٢، الفضائل للقطيعي ٢/٧٨٠ – على ما في عبرات المصطفين ٢/١٢٥.

(١) تاريخ مدينة دمشق ١٤/٢٣٧ (ط دار الفكر دمشق)؛ مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ٧/١٥٢. وروى في كشف الغمّة ٢/٥٦؛ كفاية الطالب: ٤٢٨؛ البداية والنهاية ٨/٢٠٢؛ جواهر المطالب ٢/٢٩٨ بتفاوت يسير، عن ابن أبي الدُّنيا، وغيرهم: إحقاق الحقّ ١١/٣٧٠؛ الدرّ النظيم (مخطوط) عن السمعاني في أماليه والنظري في الفضائل العلويّة: ١٧٥ – على ما في عبرات المصطفين ٢/١٢٧.

٣٥٩

قال: دم الحسين أرفعه إلى السماء(١) .

وكيفما كان فقد أيقن ابن عبّاس بالمأساة، وأخبر الناس بقتل الحسين عليه السلام، وهذا ما صرّح به ابن الأثير في قوله: قال ابن عبّاس: «رأيت النبيّ صلى الله عليه و سلم الليلة التي قُتل فيها الحسين وبيده قارورة، وهو يجمع فيها دماً، فقلت: يارسول اللَّه ما هذا؟ قال:

هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى اللَّه تعالى، فأصبح ابن عبّاس فأعلَمَ الناس بقتل الحسين، وقصّ رؤياه، فوُجد قد قُتل في ذلك اليوم»(٢) .

ولقد ذكر ابن شهرآشوب فيما رواه خصوصيّات لابدّ من ذكرها، قال: «إنّ ابن عبّاس: رأى النبيّ صلى الله عليه و سلم في منامه بعد [ما] قتل الحسين عليه السلام وهو مغبرّ الوجه حافي القدمين باكي العينين، وقد ضمّ حجز قميصه إلى نفسه، وهو يقرأ هذه الآية:( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) (٣)

وقال: «إنّي مضيت إلى كربلاء والتقطت دم الحسين من الأرض، هو ذا في حجري، وأنا ماضٍ أُخاصمهم بين يديّ ربّي »(٤) .

ما سمعه أهل المدينة

روى الشيخ الجليل ابن قولويه بإسناده عن عمرو بن عكرمة قال: أصبحنا ليلة قتل الحسين عليه السلام بالمدينة، فإذا مولى لنا يقول: سمعنا البارحة منادياً ينادي ويقول:

أيّها القاتلون جهلًا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل‌

____________________

(١) نظم درر السمطين: ٢١٨.

(٢) الكامل في التاريخ ٤/٩٣.

(٣) إبراهيم: ٤٢.

(٤) المناقب ٤/٨٤؛ ونحوه في تسلية المجالس ٢/٤٤١.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460