مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة13%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ٦
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234474 / تحميل: 8797
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وبعد أشهر من القراءة والبحث عن الحقيقة والحوارات الطويلة حدث أمر أعتبره العامل المفصلي في اعتناقي للإسلام. كنت واقفة في غرفة ابني أحاول أن أصلي. وكان أمامي كتاب عن الإسلام مفتوح على فصل «كيفية الصلاة». وقفت هناك أصارع نفسي. لم أكن قد اعتدت الصلاة مباشرة؟. طيلة حياتي علموني أن أصلي ليسوع وهو سيوصل صلاتي إلى الله... لذا خشيت أنني أقوم بأمر خطأ، ولم أشأ أن يغضب يسوع عليّ! وفي تلك اللحظة، خطرت لي فكرة كموجة عاتية. هل يعقل أن الله سيغضب إذا أردت أن أكون أكثر قرباً منه؟ وهل يعقل أن يسوع سيستاء مني إذا حاولت أن أكون أكثر قرباً من الله..؟ أليس ذلك ما يريدني أن أفعله؟ إن الله.. أعلم بنيتي. حتى هذا اليوم، لا زلت أعتقد أن الله.... كان يتحدث إليّ - بهذه القوة كان الشعور والصوت الذي شعرت به في داخلي. ممَّ كنت أخشى؟ كيف يمكنني أن لا أعتنق الإسلام؟ في تلك اللحظة بكيت طويلاً.

كان ذلك ما احتجت سماعه. وعلمت حينها أنه يجب أن أدخل في الإسلام. شعرت بأن ذلك هو الأمر الصائب وما خلا ذلك أمور غير مهمة.

وبعد أن نطقت بالشهادتين أمام المدرسة كلها أصبحت إنسانة أخرى. لم يعد لديَّ ذلك الشعور بعدم الانتماء وبماذا أؤمن، فقد تحرّرت من القلق الذي كان لديَّ من قبل وولىَّ إلى غير رجعة. وعلمت أنني قد اتخذت القرار الصائب.

لم أكن قط على هذا القدر من القرب من الله.. كما أصبحت بعد أن اعتنقت الإسلام. الحمد لله.. أنا إنسانة محظوظة. وأشكركم على السماح لي بمشاطرتكم تجربتي.

٢٢١

بعد رحلة طويلة من البحث والإبحار في عالم الأفكار والأديان:

سفينة المسلم الهندي نيرڤان تحطّ بأمان على شاطئ الإِسلام

· قصة أخرى مشوّقة من قصص المهتدين للإِسلام، ذات دلالات وإيحاءات غنية بالتجارب الإنسانية والمشاعر الإيمانية الفياضة، يسردها بإيجاز للقرّاء المعتنق الجديد للإِسلام، الأخ الهندي نيرفان، بعدما غمرته أنوار الهداية الإلهية وأنقذته من مهاوي التيه والشك والضلال.

متى وكيف بدأت القصة كلها؟ وهل بدأت فعلاً أم كانت مجرد يقظة روحية؟ إنه إدراك للحقيقة التي طالما كانت كامنة في داخلي؟

إسمي نيرڤان، من التابعية الهندية. لقد وُلدت لعائلة مختلطة، فأبي هندوسي وأمي مسلمة. منذ طفولتي أذكر بوضوح أنني لم أتلقَّ أي تربية دينية من أي نوع كانت. فأبي لم يكن هندوسياً متديناً، فيما تخلت أمي عن الإِسلام، لذا فقد تربيتُ في ما يمكن وصفه بالـ «خواء» الديني والروحي، بيد أنني سأظل ممتناً لأبويَّ لزرعهما فيّ القيم الأخلاقية التي ستظل ترشدني طيلة حياتي. فمع أن عائلتي لم تكن متدينة، إلا أنها ربتني على مبادئ أخلاقية جيّدة تتمثّل في طاعة الأبوين، والصدق، والامتناع عن السرقة، وخدمة الناس كان حجر الزاوية لحياتنا اليومية.

أدركت مؤخراً خلال فترة المراهقة أنه كانت تجول في خلدي ألغاز الوجود: ما هي الغاية من الحياة على الأرض؟ هل الموت هو نهاية كل شيء؟ هل هناك إله؟ وقد تحرك شيء ما في أعماقي موجِّهاً عقلي نحو سعي دؤوب طلباً للحقيقة. كنت بحاجة إلى أجوبة منطقية واضحة وشاملة عن كل تلك الأسئلة التي أرّقت حياتي وحيّرت لُبّي. وعزمتُ على خوض المغامرة، مع أنها متاهة معقدة حول اللاهوت، وطقوس الغابرين، والفلسفة.

٢٢٢

إنطلاقاً من الإلحاد، شققت طريقي إلى البوذية، والمسيحية، والهندوسية، إلا أنني لم أجد أي طمأنينة في أي منها. تملّكني شعور بأن الحقيقة موجودة في مكان ما، ربما أمام عينيّ، إلا أنها لا تزال تراوغني. وفي مرحلة معينة، تخليت عن البحث وتملّكني اليأس. فَلُذت بنيتشه، وسارتر، وكانط، وهاديجر، وماركس، وفرويد، وأندريه جيد، وكريشنامورتي... ولَكَم بدا الإلحاد أكثر إغراءً لي! أقوال مثل «الله قد مات»، «الدين أفيون الجماهير»، «الأديان تنبع من الخوف الفطري من الأب في المجتمعات البدائية». كنت أحيا وأموت بكتب نيتشه وموسيقى مارلين مانسون. حتى أنني أخذتُ أقرأ «الكتاب الشيطاني المقدس» وأصبحتُ مهتماً بالويكا أو الوثنية. وقد قادني هذا الأمر إلى اكتشاف الميثولوجيا الإسكندناڤية، وآلهة الرومان والإغريق... بَيْدَ أن ظمأي للروحانية والحقيقة النهائية لم يتوقف.

عندئذٍ حصلت المعجزة! فذات يوم جمعة، قرّرت أن أذهب مع صديق مسلم إلى صلاة الجمعة لمجرد التسلية. لم يكن في نيتي أن أصلّي هناك، فقد كنت مجرد فضولي فيما يتعلق بالممارسات الدينية في الإِسلام. الدين الوحيد الذي لم أبحث فيه - لقد استمعنا إلى خطبة الإمام وأديتُ حركات الصلاة من خلال تقليدي لصديقي (القيام، والركوع والسجود). عند هذه النقطة، عشتُ تجربة سماوية روحية غريبة. لم أسمع أي صوت، ولم أرَ أي نور... شعرتُ فقط بعاطفة سماوية وكأنها تجذبني. وكلما لامست جبهتي الأرض، كنت أشعر وكأنها لا تريد أن تفارقها. لقد أرسل الله هدايته إليّ. ولن أعود لحالي السابق بعد الآن أبداً.

وبعد الصلاة، سألني صديقي عن شعوري، فلم أجبه، لأن لغة البشر لا يمكن أن تعبّر عن تلك العاطفة بشكلٍ كافٍ. ذلك الإحساس بالحبور تملّك عقلي لأيام، وكان يشير إلى اتجاه واضح جداً: «الإِسلام»، فتساءلت «هل أنخرط في البحث من جديد؟» كانت قوة خفية ما تدفعني إلى الأمام وترشدني للقيام بذلك. وبعد فترة قصيرة، ألفيت نفسي غارقاً في مطالعة الكتب الإِسلامية ومعجباً بأركان الإيمان الخمسة، والعقائد، والمعجزات العلمية في القرآن، والكمال الرياضي. وشرعتُ في الصلاة بحماسة والدراسة الجادة للقرآن، ولكن القصة لم تنته هنا.

٢٢٣

لقد سقطتُ مرات عديدة في بحور الشك، والشيطان يطاردني بإغراءاته. أمضيت ليالٍ طويلة أرقاً متسائلاً إذا ما كنت على الصراط المستقيم، وهل كنت أتصرف بتهور أم لا؟ حتى أنني بلغتُ حافة الارتداد وتملّكتني رغبة بالتخلي عن كل شيء. وتزامن ذلك مع مشاكل واجهتها في المنزل لكون عائلتي غير مسلمة، مما جعل ترك الإِسلام يروق لي، فتركتُ الصلاة، المعراج الشريف، وأصبحتُ أناظر المسلمين حول معتقداتهم وأساعد المواقع المعادية للإِسلام على شبكة الإنترنت. إلا أن شيئاً ما في قلبي ما كان ليتركني أتخلى عن الله. وأدركت أن تلك الأوقات العصيبة كانت فترة ابتلاء لي، فهل أنجح أم أفشل؟ أخذت أصلّي ليل نهار، وأتوسل إلى الله طالباً العون. شعرت بالخجل لأنني شككت في كلمة الله وتركتُ نفسي تتأثر بالحملات المعادية للإِسلام. شعرتُ بالغثيان لأنني كنت ضحية الشك في كل مرة، وتوسلت إلى الله طالباً الغفران. ولكن في النهاية غمرني النور.

شيئاً فشيئاً، قوّى الله تعالى إيماني وجعلني أصمد. واجهتُ النقد والقسوة من الآخرين بالصبر والسكينة، فلم أجادل أو أغتاظ قط. وإذا ما غمرتني الكآبة، توجهت إلى الله للهداية والعون. لقد عدت إلى دين الفطرة، فماذا هناك لأخافه، وأدركت أن المغامرة لم تنته... بل هي قد بدأت. رحلة فاتنة في أرجاء معجزات وأطايب الإِسلام.

لم أبلغ نهاية الطريق بعد، ولكنني الآن في حالة سلام مع نفسي ومع الله تعالى.

٢٢٤

الهداية إلى الصراط المستقيم

بقلم الأخت زهراء (جويس سلوتر) سابقاً

· الأخت الأميركية جويس سلوتر (زهراء) لاح لها شعاع الإِسلام في مراحل عديدة مرّت بها خلال حياتها وتجاربها الدينية السابقة، وظل يلاحقها حتى عمّها أخيراً سنا بريقه الساطع. فاهتدت إلى الصراط المستقيم، كما تقول في قصَّتها التالية التي بعثت بها إلى المجلة، وهي تعمل حالياً على إرساء دعائم الإِسلام ونشره في منطقتها في ولاية ميشغان إلى جانب أخواتها في منظمة المسلمات الأميركيات.

لقد وُلدت في تشرين الثاني/نوڤمبر 1947م من أبوين أميركيين، وقد رباني أهلي تربية كاثوليكية وكانت أمي قد اعتنقت الكاثوليكية قبل زواجها بأبي. وهي تنحدر من سلالة من البروتستانت المحافظين جداً وقد درس العديد من أفراد عائلتها في معهد مودي للكتاب المقدس، كما كان بعض أفراد عائلتها من اليهود، وقد شرحت لي أمي بعض الشرائع اليهودية.

ولطالما كنت مهتمة منذ الصغر بثقافات الآخرين. حيث كنت شغوفة بدراسة المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة.

وقد أقنعتني عناصر التشابه في العديد من الممارسات والمعتقدات الدينية بأن هناك معتقداً أصلياً تم نسيانه وتغييره عبر الزمن.

لقد تعلمتُ في مدرسة كاثوليكية حتى المرحلة الثانوية. وقد فكرتُ بدايةً في أن أصبح ملتزمة دينياً، غير أنني لم أوفق لذلك مع أنني كنت أواظب على حضور الصلاة في الكنيسة بقلب مؤمن وأتلقى التعاليم الكنسية في الوقت المحدد.

في ذلك الوقت، تعرّفت لأول مرة على الإِسلام، حيث كنت قد بدأتُ بدراسة اللغة الإسبانية في المدرسة الثانوية. وكما هو معلوم فإن شبه الجزيرة الإيبيرية تأثرت إلى حد بعيد بالثقافة الإِسلامية منذ التواجد الإِسلامي في الأندلس.

وللأسف فإنني لدى شروعي في دراستي الجامعية تركتُ ممارساتي الدينية. حتى خلال العديد من المشاكل أثناء زواجي الأول، لم أذهب للصلاة في الكنيسة. كنت أتلو صلاتي بمفردي وأقرأ في الوقت عينه عن الأديان المختلفة.

٢٢٥

وبعدما مررتُ بمرحلة مليئة بالقلق. بدأتُ بالذهاب مجدداً إلى الكنيسة ومررتُ بتجربة «الولادة الجديدة». وهذه هي مرحلة قرب خاص من الله تعالى.

بَيْدَ أن الله تعالى كان قد رسم لي خطة أخرى ليقرّبني منه أكثر، أو هكذا يبدو الأمر لي عندما أعود بالذاكرة. لقد تصادقت ابنتي مع فتاة إيرانية في المدرسة. وقد التقيتُ بأهل تلك الفتاة وتعرفتُ على ثقافتهم. عندها اشتريتُ لأول مرة ترجمة للقرآن الكريم. وبعد حوالى عام انتقلنا إلى سكن آخر، حيث التقيت بإحدى صديقاتي التي كانت متزوجة من إيراني. ومجدداً تعرّفت أكثر على الثقافة الإيرانية وكيفية طهو بعض الأطباق الإيرانية. ومع أن صديقتي لم تكن مسلمة، إلا أنها حدثتني عن الإِسلام، ومجدداً شدّ ذلك اهتمامي. في العام 1997م بدأ يساورني شعور بأن الله تعالى يريدني أن أقوم بأمر ما، شيء أكثر من مجرد إطاعة تعاليم الكنيسة وقوانين البلاد. شعرتُ بأن عليّ أن أبدأ بتعلم قيادة سيارتي بمفردي إلى أماكن بعيدة، لذا كنت أذهب إلى أوماها في نبراسكا للعمل هناك طيلة أسبوع. وذهبتُ للاعتراف في فترة عيد الميلاد وأخبرتُ الكاهن بشعوري بأن لديَّ مهمة خاصة. أعتقد أنه ظن أنني إنسانة «غريبة الأطوار». ثم في كانون الثاني/يناير 1998م، توفي زوجي الثاني إثر ذبحة قلبية. كان عمره 46 عاماً فقط. وعندئذٍ أصبحت قريبة جداً من الله تعالى وقد منحني ذلك قدراً كبيراً من الراحة.

أمضيتُ قسماً كبيراً من وقتي باحثة عما عليّ القيام به لنفسي في ذلك الحين. أصبحتُ نشطة جداً في الكنيسة كالمساعدة في جمع التبرعات لبناء مدرسة، وقد تم انتخابي عضواً في مجلس الرعية. وعبر كنيستي التقيتُ أشخاصاً من سائر أنحاء العالم. وقد تمكنتُ من السفر إلى الهند وإسبانيا.

وفي الهند رأيتُ الناس من جميع الأديان يعيشون معاً منسجمين.

٢٢٦

وفي أيار/مايو 2001م قررت أخيراً الإصغاء لنداء الله وركزت على الصلاة من أجل السلام في العالم. وقد شعرتُ على امتداد السنوات أن لديَّ حافزاً قوياً للعمل من أجل السلام في العالم. وقد بدت تلك مهمة مستحيلة.

في الأعوام القليلة التالية واصلت حياتي كما في السابق، كنت أقرأ عن الأديان الأخرى واستمريت في الأنشطة التطوعية. في العام 2003م بدأتُ بحضور سلسلة من المحاضرات عن الإِسلام في مسجد في بلومنغتون. وبعد أن انتهت السلسلة بدأتُ بحضور جلسات في منزل إحدى الأخوات إلا أنني انتقلت بعد ذلك، لذا توقفتُ عن حضورها. عرفت بأنني سأصبح مسلمة إلا أنني لم أرد أن أستسلم وأتغير. لقد اشتريتُ نسخة من القرآن الكريم ترجمها يوسف علي وقرأتها كلها. وقد قرأتُ سيرة النبي محمد (ص) وكتباً عن الإِسلام. وعندما نفق كلبي، لم أحضر كلباً آخر بل قطة لأنني عرفتُ أن معظم المسلمين يعتقدون أن الكلاب نجسة.

حلّ العام 2006م وتلقيتُ المزيد من الإشارات من الله تعالى ذات مرة كنت وصديقة لي نتحدّث عن المشاكل في العالم الإِسلامي، فقالت لي إننا من غير المسلمين ولا يمكن لنا أن نكون ممن يحمل السلام للعالم الإِسلامي. واتفقنا أن ذلك يحدث فقط من خلال المسلمين أنفسهم. وأدركتُ أنني إذا ما أردت العمل من أجل السلام في العالم فإنه عليّ أن أصبح مسلمة، إلا أن نفسي الضعيفة لم ترغب بالتغيير. وقد تجاهلتُ المزيد من الإلهامات الإلهية التي وصلت إليّ عبر أشخاص في مجموعة دراسة الكتاب المقدس التي كنت أنتمي إليها. إحدى السيدات كانت تقول للجميع باستمرار إن علينا أن نستسلم لمشيئة الله أليس ذلك ما يتضمنه الإِسلام؟ سيدة أخرى قالت اختاروا طريقاً والتزموا به. أليس الإِسلام هو الصراط المستقيم؟ لقد حاولت خلال أعوام أن أحصل على شيء يربطني أكثر بالكنيسة الكاثوليكية، وتقدمت بطلبات لعدة وظائف في أبرشيتنا، إلا أنهم لم يجدوني ملائمة للوظيفة. أعرف أن الله تعالى بمشيئته قد حال دون توظيفي كي أكون حرة أكثر من أجل الإِسلام. ومع ذلك، لم أكن أخال نفسي عنيدة إلا أنني كنت كذلك فعلاً، لم أشأ التخلّي في هذا الوقت عن شرب الكحول وأكل لحم الخنزير ومن ثَمَّ المواظبة على الصلاة اليومية، والالتزام باللباس الشرعي الإِسلامي.

٢٢٧

أخيراً، وخلال حضوري دروساً جامعية، قررت التوقف عن شرب الكحول. وعندما تمكّنتُ من القيام بذلك، عرفتُ أنني قادرة على القيام بأي شيءٍ آخر. ورغم ذلك استمر خوفي من تلك الخطوة. إلى أن دعوت الله تعالى أن يهيء لي معلماً إذا أرادني أن أعتنق الإِسلام. وبما أنني كنت أدرس في جامعة كاثوليكية كنت متأكدة أن معلماً كهذا لن يظهر أبداً.

ولكن الله تعالى يقول في (سورة يس آية 82):﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئًا أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ ﴿82﴾ ﴾ . فقد جاءني المعلم المسلم إلى صف اللاهوت المسيحي الذي كنت أتابع فيه، عندها، أدركتُ أنه لا مكان للتردد بعد الآن، فأدّيت الشهادة لله ولرسوله بعد فترة قصيرة. أعرف الآن أن عليّ الاستمرار في كفاحي كي أكون مسلمة صالحة عاملة ولكني أعرف أني بعون الله وبمساعدة إخواني وأخواتي المسلمين سأظل على الصراط المستقيم.

٢٢٨

(سيريل سفراك)

الشاب الفرنسي المهتدي للإِسلام

هكذا استنار قلبي بنور الإِسلام المتجلّي بالنبي الأكرم (ص) والمتجسّد بنهج أهل البيت (عليهم السلام)

«سيريل سفراك» شاب أخلص قلبه لله منذ طفولته، فأكرمه تعالى بنعمة الإِسلام في شبابه، وبرحمته أصبح شاباً مسلماً فخوراً بانتمائه الجديد رغم انتقادات الكثيرين من حوله لكونه فرنسياً اعتنق الإِسلام.

لكن قلب «سيريل» مطمئن بالإيمان مستنير بكلمة الحق التي تجلت في دين محمد (ص) وتجسدت في نهج آل البيت (عليهم السلام) ، وهو هنا يروي عبر مجلة (نور الإِسلام) قصة هذا التحول نحو الإِسلام الذي يراه: الحب الخالص لله.

يقول «سيريل»: وُلدت عام 1975م في أُسرة لا يؤمن أفرادها حقاً بوجوده تعالى. لم يلق تناولي للقربانة الأولى التي تمثل دخولي إلى الديانة المسيحية أي اعتراض بينهم ولا أي تشجيع. التحقتُ صغيراً بصفوف التعليم الديني. كنت متحمساً جداً فرحاً بما أتلقاه من تعاليم؛ خاصة عندما يتعلق الموضوع بالمسيح (ع) ، كانت معلومات سطحية بعض الشيء، لكنها كانت كافية لتغذي حلم كاهن صغير لا زال في سن الثانية عشر... صرتُ أقرأ التوراة والإنجيل بارتياح كبير حتى تعمّقتُ في قراءتهما، فبدا لي وقتذاك شرخاً كبيراً بين تعاليم الكتب المقدسة والدروس الكنسية، وبدأتُ أطرح على نفسي أسئلة جمة كتحريم زواج رجل الدين، مع أن الزواج خطوة مباركة يحثُّ عليها الدين، أو انتشار الأيقونات والمنحوتات كرموز دينية. حتى في الكنائس. مع أن ذلك لا يتناسب مع ما نص عليه الكتاب المقدس... كثرة الأسئلة، وكثرة التناقضات، دفعت بي إلى التمسك بإيماني (بديني) في حين أسقطت من اهتماماتي تعاليم الكنيسة، فكانت علاقتي بالله مباشرة لا تمر عبر كنيسة ولا تحدها سلطة دينية، هذا الخط الذي رسمته في سن الخامسة عشر، أخلصت له سنين طويلة.

٢٢٩

أذكر أني حين تعرفتُ إلى أصدقاء من «شهود يهوه» كنت أحاججهم بإيماني بالإنجيل، كانت أسئلتهم تحثني على البحث لاستخلاص الأجوبة، ولكن ما تعلمته من خصمي أن العقل هو السبيل لمعرفة الله «وهذا لا زال منهجاً في حياتي الدينية».

خلال أعوام دراستي الجامعية (كنت قد اخترت دراسة علم النفس) تعرفت على صديق سرعان ما صار بمثابة أخ لي، كان يجمعنا، عدا السكن الجامعي، سهرات قضيناها معاً تبادلنا فيها الآراء وأخرى ناقشنا فيها أفكاراً فلسفية لا حدود لها.

كان صديقي مسلماً، يصوم شهر رمضان لا أكثر، لكن إيمانه الداخلي كان يحاكي قناعاتي التي كونتها عن الله، ولما كنت أفتقر إلى كثير من المعلومات حول ديانته (الإِسلام) قدم لي مرة كتاب «القرآن» وعلمني كيفية الوضوء شارحاً لي ضرورة القيام به عند قراءة القرآن. ظل الكتاب على طاولتي شهوراً لم أفتحه، كنت أشعر أني لست جديراً بفتحه، وغاب صديقي عني فجأة.. واختفى! صدفة أخرى جمعتني بسيدة مغربية دعتني لحضور حلقات دينية كانت تعقد في شهر رمضان، بدا لي الحديث عن الإِسلام جلياً، فبادرتُ أطرح أسئلتي وأتعرف أكثر فأكثر على الإِسلام، ولا أنسى أني سمعتُ لأول مرة في حياتي عن الصهيونية العالمية وكان عمري قد تجاوز السابعة والعشرين.... وبدأتُ رحلة البحث عن الحقيقة: صرتُ أنهل من هذا العلم الواسع لأجد الأجوبة الشافية لأسئلتي، وأستغرقُ في البحث والتفكير فتمضي ليالٍ تلو أخرى والتساؤلات تكبر في داخلي، فأرويها بالمعرفة والتزود، ويقيني بوجود دين يجيب على أسئلتي (تطلعاتي وأفكاري) يتأكد يوماً بعد يوم، فعرفت أن الدين الإِسلامي هو آخر الديانات السماوية، وأن الله هو الرب الأوحد لكل هذه الديانات، فاعتقدتُ بذلك، وصرتُ أرى الإِسلام مُكمّلاً لها. ذات يوم تجرأت وفتحت القرآن، ومن قراءتي لأول آياته، تعلقت بكتابي، وصرت أقرأ وأزداد تعلقاً وأتمنى أن أصل إلى آخر صفحاته. فهمتُ أن المسلم يؤمن بوجود المسيح كرسول كريم وهذه الحقيقة لعيسى (ع) لاقت صورة رسمتها سابقاً في داخلي للمسيح الذي آمنت بوجوده على طريقتي (على فطرتي)، وتوضحت أكثر. اعتقدت ببعثة محمد (ص) خاتماً للرسل، صرتُ أراني مسلماً بشكلٍ عفوي وتلقائي؛ فكيف أتعبد؟ تودّدتُ لجار لي، سوري علوي، كنا نتحاور وحين يصعب سؤالي عليه، كان يتصل بأستاذه في سوريا ويجيبني، حدثني كثيراً عن الإمام علي (ع) ، شخصية جذبتني بعفوية، لكن مبالغات جاري وصديقي لم تخفَ عليّ.

٢٣٠

نهج أهل البيت(عليهم السلام) :

واصلت البحث وتعمقت أكثر، وكان طريق أهل البيت بالنسبة لي هو المنهج السليم والنيّر، فخيانة يهوذا في الدين المسيحي حادثة تعيد نفسها بعد وفاة النبي (ص) وانقلاب بعض الأصحاب عليه، وهذه الخيانات يحذرنا منها القرآن الكريم في مواضع عدة، والنبي محمد (ص) الذي تأذى أكثر من كل الأنبياء في حياته، لم يرحمه أتباعه من بعده، فالتيار جرف كثيراً من المسلمين وقلة منهم تمسك بوصاياه. هنا، يرشدنا العقل إلى السبيل القويم، إلى نهج آل محمد (ص) ، ولمَ كان أتباعه الخلّص قلة تفانوا لأجله وما زالوا.

أصداء:

كان لاعتناقي الإِسلام صدى كبيراً لدى مَن حولي: أصدقائي وزملائي في الجامعة على وجه الخصوص. أحدهم (والذي جمعتني به صلة قرابة لاحقاً: صار أخ زوجتي) كان يأتي إليّ يحدثني عن الإِسلام، ونصلي معاً، ويصحح لي ما تعلمته، ويوضح لي الأحكام الشرعية، فصرت أتبع المدرسة الجعفرية. (مدرسة الإمام الصادق (ع) ):

وصارت تعقد في غرفتي حلقات الحوار والنقاشات الفلسفية والتي غالباً ما جمعت الكثير من الشبان والشابات، فكانت فرصتي للتعرف على زوجتي التي كانت وما زالت بالنسبة لي لطفاً إلهياً مباركاً أنار دربي؛ إذ كان لها الفضل أولاً في تعليمي حفظ بعض السور، وكذلك أداء الصلاة باللغة العربية. وفجأة ظهر صديقي وأخي الذي افتقدته طويلاً، أطل هذه المرة بحلة جديدة، فقد التزم دينياً واصطحبني إلى المسجد لأول مرة وشرح لي أحكام صلاة الجماعة، وتزوج هو أيضاً، وكلانا رزق بطفلة، فكبرت عائلتانا في نور الإِسلام.

إلهي وسيدي الذي أدعوه كلما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسري... الحمد لك والشكر لك على ما خلقتني وسوّيتني، وربّيتني وأعطيتني حمداً دائماً لا ينقطع أبداً.. اللّهمّ املأ قلبي حباً لك وخشية منك وتصديقاً لك وإيماناً بك.

٢٣١

قصة إسلام الشاب الأرجنتيني

«محمد عيسى غارسيا»

من آثار السمعة الحسنة التي حققها مسلمو الأرجنتين هي ظاهرة إسلام العديد من المواطنين من أصل أرجنتيني نظراً للقِيَم النبيلة التي لمسوها في الدين الإِسلامي والطابع الأخلاقي السليم لسلوك المهاجرين المسلمين.

في هذا الإطار تلقينا من الأخ الكاتب مجاهد شرارة المقيم في الأرجنتين قصة شيقة عن (محمد عيسى غارسيا) وهو شاب أرجنتيني وجد سعادته كما يقول في الإِسلام بعد بحث طويل عن الحقيقة مقتفياً آثار الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رض)

حكاية محمد عيسى أنه ولد لأبوين نصرانيين وقد أمضى طفولته في التردد على الكنيسة، ولمّا بلغ العاشرة من عمره أنهضته نفسه البريئة إلى بداية رحلة جديدة للتأمل في الكون الذي حوله، ورغم صغر سنّه وقصور ذهنه على الاستدلال إلّا أن فطرته لم تكن لتتقبّل عقيدة التثليث فقد كان يميل ببراءته إلى أن عيسى بن مريم (ع) شخصية عظيمة وليس إلهاً، وهذه المسألة هي التي فتحت باب المناقشات والتساؤلات بينه وبين أهله في البيت ومع قساوسة الكنيسة التي يتردد إليها.

لم يجد محمد عيسى غارسيا وهو الطفل البريء جواباً شافياً على تساؤلاته المبكّرة وما يجيش في نفسه، وازدادت حيرته وقلقه عندما لم يعر أهله والكنيسة اهتماماً بسؤاله نظراً لصغر سنّه.

مرّت الأعوام بمحمد عيسى حتى بلغ الخامسة عشر وهو يحمل في نفسه تلك الأسئلة، ودخل الثانوية العامة، وتلقى في أثناء دراسته كلاماً سطحياً عن الإِسلام ومغلوطاً في الكثير من الأحيان، فالكتاب المدرسي يذكر أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود ويسجدون للكعبة مصحوباً بصور للمسلمين وهم يصلون ويسجدون ويطوفون حول الكعبة.

٢٣٢

كبر محمد عيسى وكبرت معه حيرته فهو الآن شاب بإمكانه أن يحلّل ويستدل فقد قوِيَ تمسّكه وولعه بالبحث عن الحقيقة. وفي ليلة من ليالي شهر أكتوبر عام 1989 ضاقت به نفسه فالسؤال ما زال يتردد داخله، من هو خالق الكون؟! ووقف في جنح الليل ينظر إلى السماء هاتفاً: «يا أنت الذي خلقتني اهدني للحق وإلّا خذ روحي فإني أعيش حياة ضالة» وانهمرت من عينيه دموع الحيرة ثم استسلم للنوم. وفي الصباح استيقظ على طرق الباب فوجد محمد رجلاً مشرق الوجه يطلب منه أن يحدِّثه لبعض الوقت، وبدأ حديثه بقوله: أنا «ماشوركا»، مسلم جئت لأحدثك عن الإِسلام. وأخذ ماشوركا يحدّثه عن الله ووحدانيته وعظمته وكيف أنه يستحق العبادة ومنزّه عن كل نقص.

انشرح قلب محمد عيسى غارسيا لهذه الكلمات، ونظر إلى السماء متذكراً ما دعا به في الليلة الماضية، وشعر برحمة الله تحفه ونفحات الإيمان تتدافع في قلبه. دام حديث ماشوركا معه ثلاث ساعات بعدها استأذن لصلاة الجمعة. وقبل أن ينصرف طلب غارسيا أن يرافقه إلى المسجد، فقد وجد ضالته ولن يتركها تضيع من بين يديه، واستمع للخطبة التي تحدثت عن الإِسلام. وما إن فرغ المصلّون من الصلاة حتى توجه محمد غارسيا إلى ماشوركا مخاطباً: أريد أن أسلم، ماذا أفعل؟ فقال له: عليك بنطق الشهادتين ثم الاغتسال. ففعل محمد غارسيا ما طلب منه فكبّر المصلّون فرحاً بإسلامه.

طريق الأهل الشائك والهجرة إلى الحقيقة:

تعلّم محمد عيسى غارسيا في المدرسة والبيت الحرية في أن يعتقد ما يريد دون أن يؤثر ذلك في حياة الأسرة، لكن ما حدث بعد إسلامه كان خلاف ذلك، فقد واجهته المصاعب من جميع الجهات؛ فوالدته غضبت منه غضباً شديداً وتوعدته رغم حبها الجمّ له، وقام والده بطرده من المنزل وهو ما زال طالباً لم يتعدَّ 18 عاماً، فخرج حزيناً من بيته مصدوماً من أهله الذين طالما تغنوا بالحرية في المعتقد والسلوك.

٢٣٣

ليس لمحمد عيسى غارسيا أحد يلجأ إليه سوى «ماشوركا» الذي احتضنه ووفر له عملاً بسيطاً في شركة لتصنيع البلاستيك، ومأوى في بيته كي يعيش فيه. ظل محمد عيسى يعمل ويتردد إلى المسجد كي يتعلم العربية وتعاليم الإِسلام، كان جلّ همّه أن يستزيد من المعرفة وينهل من نهج نبي الإِسلام (ص)

رغب محمد عيسى أن يتعلم سيرة النبي (ص) فأقبل على كتاب السيرة النبوية «لمارتن لينكس»، وكلما قرأ عن الاضطهاد الذي تعرض له النبي وكيف صبر عليه، ازداد صلابة في مواجهة الحياة الصعبة التي يعيشها، وبعد فترة اجتهد محمد عيسى في حفظ القرآن والأحاديث النبوية حتى حفظ جزء «عم» و«الأربعون النووية».

ظلّت نفس محمد عيسى تهفو لزيارة البيت الحرام والوقوف أمام مقام الرسول (ص) حتى أتت فرصة الحج عام 1993 ووقف أمام الكعبة يصلّي معلناً أنه لا يسجد لها ولا يعبد الحجر الأسود بل يسجد ويعبد الله وحده.

بعد الحج عزم محمد عيسى على التخصص في علم الحديث بعدما تعلّم اللغة العربية، وكانت ترافقه أمنية في أن يهدي الله أُمه للإِسلام فأخذ يراسلها ويكتب إليها ويتصل بها بين الحين والحين، وفي إحدى المرات فاجأته أُمه بقولها: «لقد أسلمتُ يا محمد» حينها طار قلب محمد فرحاً لإِسلام أُمه.

عاد محمد عيسى عام 2004 إلى الأرجنتين بعد رحلة استغرقت إحدى عشر عاماً، حفظ خلالها عشرة أجزاء من القرآن الكريم وأتقن اللغة العربية، آنذاك حمل محمد عيسى لواء الدعو إلى الله وتبصير الناس بالله وبالإِسلام لكنه واجه ظروفاً صعبة، ولكن من براثن الظلام يتولد الضوء، فكثير من الأرجنتينيين بدأوا يسألونه عن الإِسلام وهو يشرح لهم حقيقة الافتراءات التي ألصقت بهذا الدين الحنيف، حتى أسلم على يديه 70 رجلاً وامرأة خصصوا لهم مكاناً للصلاة في حيّهم، ويقوم محمد عيسى بتدريس العربية للمسلمين الجدد وتعليمهم قراءة القرآن وتعاليم الإِسلام.

٢٣٤

أصبحت الدعوة إلى الإِسلام هي الشغل الشاغل لمحمد عيسى وتطورت أساليبه في التبليغ، فنظراً إلى أنه يجيد اللغة العربية والإسبانية اتجه إلى الترجمة عندما وجد ندرة في الكتب الإِسلامية باللغة الإسبانية، فعمل مديراً لقسم اللغة الإسبانية في الدار العالمية للكتاب الإِسلامي، وقد ترجم حتى الآن أكثر من سبعين كتاباً إسلامياً من العربية إلى الإسبانية، ويناشد محمد عيسى الجميع الحكومات والمؤسسات الإسلامية أن يدعموا الدعوة والتبليغ في الأرجنتين وأمريكا اللاتينية، وأن تزيد حركة الترجمة وتتسع حتى تشمل جميع الكتب التي تحتضن العلوم الشرعية.

وليس غريباً أن يلوم المسلم الأرجنتيني محمد عيسى المسلمين على تقصيرهم في تبليغ رسالة الإِسلام في أمريكا اللاتينية، بعدما اطلع على عظمة الإِسلام ونجاعته في سعادة الإنسان في هذا العصر، فالمسلمون بنظره لا يقدّرون إسلامهم حق قدره. ويضيف محمد عيسى غارسياً قائلاً: «كثير من الدعاة يسافرون إلى أماكن أخرى من العالم مقابل عدد قليل جداً يأتي إلينا للدعوة إلى الله، وهذا يحزنني كثيراً، فالناس هنا في الأرجنتين، متقبلون للإِسلام ولكنهم يحتاجون إلى من يرشدهم إليه».

نداء إلى المسلمين:

وفي نهاية حديثه معنا قال: «60% من الأرجنتينيين الذين أسلموا تعرفوا على الإِسلام من خلال مواقع الإنترنت، وهناك مواقع إسبانية عن الإِسلام وكذلك منتديات للحوار باللغة الإسبانية، لذلك أناشد الشباب المسلم العربي أن يتعلم اللغة الإسبانية يدخل إلى هذه المواقع ليدعوا إلى الله، أرجو أن تهتموا بأمور المسلمين الجدد في أمريكا اللاتينية ونحن نرحب بكم جميعاً ونود أن نستقبلكم في بيوتنا».

٢٣٥

قصّة قسيس روسي

اعتنق الإسلام بعد صراع ضد الإلحاد :

من هو القسيس المسيحي الروسي الذي اعتنق الإسلام وما هي قصة الشيخ الذي دخل عليه إلى قلب الكنيسة وكان كلامه بمثابة دعوة للهدى، وماذا يفعل بولوسين ورفاقه لنصرة الإسلام في روسيا؟

قال الدكتور في الفلسفة والعلوم السياسية علي فيتشسلاف بولوسين: «لقد تربيت في عائلة غير مؤمنة ولكنني كنت أدرك بإحساسي وجود الله الذي أتوجه إليه في كل ضائقة وسرعان ما تنفرج».

وأضاف بولوسين الذي وضع عدداً من المؤلفات حول علوم الدنيا والآخرة أبرزها كتابه «الخرافات والدين والدولة» الذي صدر في موسكو في عام 9991م إنه التحق بكلية الفلسفة في جامعة موسكو من أجل الوصول إلى معرفة حقيقة الله (سبحانه وتعالى) حيث تخرَّج بعد أن أمعن في دراسة المسيحية الأرثوذكسية وقال «اكتشفت الكثير من التناقضات فيها».

وإبان العهد السوفياتي حيث كانت الشيوعية تمثل الإيديولوجية الرسمية للدولة وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تمثل البديل الوحيد الموجود التحق بولوسين بمدرسة الرهبان وأصبح قسيساً في عام 3891م. وأقر بولوسين بأن وضعه كراهب كان يشكِّل رمزاً للصراع ضد الإلحاد وفي الوقت نفسه فإن مقامه كراهب كان يفرض عليه ممارسة طقوس تلبية لاحتياجات الناس المؤمنين التي يقول إنه «لم يقتنع بها مما خلق لديه ازدواجية بين الإيمان الشخصي والواجب الديني الاجتماعي ويعتقد بولوسين أن شكوكه ومواقفه التي لم يكن قادراً على إخفائها كانت السبب وراء إبعاده إلى آسيا الوسطى للخدمة في إحدى الكنائس في طاجكستان «حيث تعرفت لأول مرة وبصورة مباشرة على المسلمين والإسلام الذي بدأت أشعر بانشداد إليه».

وروى بولوسين أن شيخاً وقوراً دخل عليه إلى قلب الكنيسة التي كان يرعى أمورها وبدون أن يقدِّم نفسه «سألني عدة أسئلة أجبته عليها وبعدها قال لي إنك تنظر إلى الأمور بعيون مسلم وستكون إن شاء الله من المسلمين».

٢٣٦

وقال بولوسين: «بدا هذا الأمر عجيباً وغريباً إذ دخل الشيخ إلى قلب الكنيسة بكل احترام ولكنه غير آبه بأي مكروه قد يتعرض إليه ليدعو راعي الكنيسة إلى الإسلام، والعجيب في الأمر أن هذه الدعوة دخلت إلى روحي ولم تلقَ مني أي مقاومة».

وأضاف: إن الأمر الأكثر عجباً أنني لم أرَ هذا الشيخ قبل هذه الحادثة ولا بعدها وبعد وقت أدركت أن مجيئه إليّ كان مثابة «دعوة للهدى».

وبعد آسيا الوسطى تولى بولوسين رعاية كنيسة مهجورة أعيد ترميمها في مدينة كالوغا حيث يعترف بأنه بدأ فيها ممارسة قناعته بالإيمان بعيداً عن الطقوس التي لم يكن يؤمن بها.

وبفضل العلاقة الطيبة التي ارتسمت بينه وبين رواد الكنيسة سارع الناس في سنوات الانفتاح والانعتاق الديني التي دشنتها البيرسترويكا إلى ترشيحه لعضوية البرلمان الروسي في عام 0991م حيث أصبح نائباً في البرلمان وترأس لجنة برلمانية لحرية العقيدة وتفرغ للعمل النيابي بعد أن تقدم بطلب رسمي إلى الكنيسة حرره من التزاماته الشكلية الدينية.

وأضاف أن فترة عمله في البرلمان تُوِّجت بإقرار قانون حول الأديان منح الكثير من التسهيلات للمسلمين وظل العمل به مستمراً حتى عام 7991م.

ويعترف بولوسين أنه انكب في بداية التسعينيات على دراسة المصادر التاريخية القديمة للمسيحية في محاولة للوقوف على تفسيرات للشكوك التي انطوت عليها نفسه ولكن هذه الدراسة المتعمقة زادت شكوكه وعمقتها «حسب قوله».

واستطرد بأن عام 5991م كان عام التحول في قناعاته الدينية حيث توقف تماماً عن ممارسة عمله في الكنيسة وانتقل لدراسة الإسلام وقال: «لكن قراءة القرآن بالترجمة الروسية التي أعدها أغناتي كراتشكوفسكي شوهت المعاني السامية للقرآن التي لم تتضح بأبعادها العظيمة إلّا بعد مراجعة ترجمة عصرية للمعاني القرآنية والمؤلفات الإسلامية حول المسيح واستماعي إلى سلسلة محاضرات حول الدين الإسلامي حيث لم يبقَ لديّ أي شك في اعتناق الإسلام.

٢٣٧

وقال بولوسين «أعلنت إسلامي سراً ولم يكن يعلم به أحد سوى شخصين، وانطوى هذا القرار على خطر يتهدد حياتي وحياة زوجتي التي سبقتني إلى الإسلام وظللت على هذا الحال حتى العام الماضي حيث نطقت علناً بالشهادتين في حديث أدليت به لصحيفة «المسلمون» واتخذت لنفسي اسم علي وزوجتي علية».

ورداً على النظريات الغربية التي ترى أن الصراع بين الأديان والحضارات يبدو حتمياً أعرب بولوسين عن قناعته بأن روسيا تشكل نموذجاً يحتذى للتعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية بالرغم من بعض الفترات التاريخية التي ألحقت فيها الدولة أذى بالمسلمين كما حدث في العهد القيصري إبان حكم إيفان الرهيب وغيرها.

وحذر بولوسين من وجود أطراف خارجية تسعى لإثارة النعرات الدينية في روسيا من أجل تقويض الوحدة الوطنية وإضعاف الدولة الروسية.

ويتهم بولوسين الصهيونية بأنها صاحبة المصلحة الأولى في الإيقاع بين المسلمين والمسيحيين في روسيا.

ودحض بولوسين بقوة محاولة إضفاء صفة الإرهاب على الإسلام قائلاً إن الأصولية اليهودية تشكل قمة التطرف لأنها تندرج في الإطار الإيديولوجي للصهيونية وتقوم على الخرافات التي كانت قائمة قبل ثلاثة آلاف عام.

وتساءل «كيف يتحدثون عن الأصولية الإسلامية وكلنا نعرف إن الأصولية اليهودية هي التي أقامت دولة على حساب شعب آخر استناداً إلى روايات خرافية وما زالت تسعى لإقامة دولة إسرائيل الكبرى على حساب الأمة العربية جمعاء».

وعن المهام الملحَّة التي يقوم بها بولوسين لنصرة الإسلام في روسيا قال إن المهمة الملحة تتمثل في «تقديم صورة صحيحة عن الإسلام للمواطنين الروس على جميع الأصعدة بما في ذلك أجهزة الدولة الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية».

وأضاف أننا نقوم بنشر صورة الإسلام المشرقة بصفته ديناً قائماً على المحبة والتعايش السلمي وسط المثقفين الروس وبدأنا بإصدار نشرة الصراط المستقيم التي تتضمن مقالات تطرح نظرة عصرية وحديثة للإسلام في روسيا وموقف المسلمين إزاء معضلات ومشكلات المجتمع الروسي.

٢٣٨

وذكر بولوسين الذي يعمل في الوقت الحاضر مستشاراً لدى رئيس الإدارة الدينية لمسلمي الجزء الأوروبي من روسيا أنه يعمل مع فريق من المسلمين الروس على وضع أسس لبرنامج اجتماعي للمسلمين الروس من أجل طرحه في الأوساط الروسية الرسمية والاجتماعية.

٢٣٩

الأخ الإسباني يوسف فرنانديز

يقول:

· أدركت أن الإسلام هو ما كنت أنتظره منذ فترة طويلة، فهو نهج حياة واضح لا يكتنفه غموض أو أسرار.

· قبل الإسلام كنت شخصاً عصبياً متشائماً لا يرى معنى لوجوده.. وقد أصبحت بعده إنساناً هادئاً وحيوياً وإيجابياً.

· في إسبانيا آفاق الدعوة إلى الإسلام جيّدة على الرغم من أن العمل في هذا المجال ليس كافياً.

يوسف فرنانديز.. أخ مسلم غربي آخر يروي قصّة تحوّله المشوّقة إلى جمال أنوار الإسلام، بعد رحلة طالت مع العقائد والأفكار السائدة في عالم الغرب، التي لم تشفِ غليله، ولم توفّر له قناعة بسلامتها وطمأنينة بصلاحيتها.. وقد تفضّل مشكوراً بالكتابة عن قصّة اعتناقه للإسلام، ليطّلع عليها قرّاء المجلة وكل من هو متيقِّن بعظمة هذا الدين الحنيف.

لقد وُلدت في العام 5691 في أستورياس، وهي منطقة في شمال إسبانيا زُعم أنها مهد الكاثوليكية الوطنية، أي العقيدة السياسية والدينية التي سادت في إسبانيا طيلة خمسة قرون. تقول أساطير الفكر الرسمي القديم إن المسلمين الذين جاؤوا في العام 711 ميلادي إلى إسبانيا عن طريق مضيق جبل طارق واستولوا على معظم أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية في سبع سنوات فقط، قد هُزموا من قبل الملك بيلايو وبعض أتباع المسيحية في كوفادونغا، وهي معقل جبلي في أستورياس. وقد قيل إن ذلك آذن ببدء الـatsiuqnoceR (الاسترداد) أي الحرب المسيحية المقدسة التي استمرت ثمانية قرون لفتح شبه الجزيرة بأكملها والقضاء على الدول الإسلامية فيها. وفي الثاني من كانون الثاني/يناير 2941، سقطت غرناطة؛ وقد مثل هذا التاريخ نهاية العصر الإسلامي المشرق في الأندلس.

بعد ذلك، أصبحت إسبانيا دولة كاثوليكية رسمية وذلك حتى وفاة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو في العام 5791. وفي عام 8791، تمت المصادقة على أول دستور ديمقراطي، وبعد ذلك بعامين صدر أول قانون للحرية الدينية.

نظراً لهذه الحقائق التاريخية، كان من المفترض أن تكون أستورياس مكاناً من الصعب أن يكتشف المرء الإسلام فيه، لا سيما وأن الهويتين الأستورية والإسبانية قد تم ربطهما بالكاثوليكية الوطنية لفترة طويلة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

كـلّ أهل السماء يدعو عليكم

مـن نـبيٍّ ومُـرسلٍ وقـبيل

قـد لُعنتم على لسان ابن داود

وذي الروح حامل الإنجيل(١)

وقال الشيخ مُطهّر بن طاهر المقدسي: وسمع أهل المدينة ليلةَ قُتِل الحسين في نهارها هاتفاً يهتف:

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عَلْيَا قريش

وجدّه خير الجدود(٢)

وقال الشيخ الثقة ابن نما الحلّي: وممّا انفرد بن النطنزي في كتاب الخصائص، عن أبي ربيعة، عن أبي قبيل، قيل: سُمع في الهواء بالمدينة قائلٌ يقول:

____________________

(١) كامل الزيارات: ٩٧، باب ٢٩، ح١٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٨. وذكر في الإرشاد ٢/ ١٢٤ وفيه: ( فلما كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام بالمدينة سمع أهل المدينة في جوف الليل مُنادياً يُنادي - يسمعون صوته ولا يرون شخصه -:.. من نبي وملاك وقبيل.. ابن داود وموسى وصاحب.. )؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٨، وفيه ( من نبي وملك وقبيل.. ابن داود وموسى )، ثمّ قال: ( قال هشام: حدّثني عمرو بن حيزوم الكلبي عن أبيه قال: سمعت هذا الصوت. وذكر أسماء مَن قُتل من بني هاشم مع الحسينعليه‌السلام وعدد مَن قُتل من كلّ قبيلة من القبائل التي قاتلته )؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٩٠؛ مُثير الأحزان: ١٠٧ - عن صاحب الذخيرة وفيه: ( أهل السماء تبكي.. وملاك وقبيل.. ابن داود وموسى وصاحب.. ) - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٥؛ كشف الغمّة ٢/ ٦٨ - كما في الإرشاد؛ تذكرة الخواص: ٢٧٠؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٣ وفيه: ( ظلماً حسيناً.. نبي وملك وقبيل.. وموسى وعيسى وصاحب وصاحب... )؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٠ وفيه مثل ما ذكرناه عن الروضة، إلاّ أنّه ليس فيه كلمة عيسى؛ الملهوف: ٢٠٨ وفيه: ( كلّ مَن في السماء يبكي عليه من نبيّ وشاهد ورسول.. وموسى وصاحب الإنجيل )؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢، وغيرهم مثل: تاريخ دمشق ٤/ ٣٤١؛ كفاية الطالب: ٢٩٥؛ نظم درر السمطين: ٢١٧؛ ينابيع المودّة: ٣٢٠ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٥٧٦ -؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٩ - عن شارح ديوان أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢) البدء والتاريخ ٦/ ١٢.

٣٦١

يـا مَـن يقول بفضل آل محمّد

بـلِّغْ رسـالتنا بـغير تـواني

قـتلتْ شـرارُ بـني أُميّة سيّداً

خـير الـبريّة مـاجداً ذا شان

ابن المفضَّل في السماء وأرضها

سـبط الـنبيّ وهـادم الأوثان

بكت المشارق والمغارب بعدما

بـكت الأنام له بكلّ لسان (١)

وقال ابن نما:

(وناحت عليه - أي على الحسينعليه‌السلام - الجنّ، وكان نفر من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم المسوّر بن مخزمة ورجال يستمعون النوح ويبكون )(٢) .

وروى الشيخ ابن قولويه، بإسناده عن الحلبي قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( لما قُتِل الحسينعليه‌السلام سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة: اليوم نزل البلاء على هذه الأُمّة، فلا يرون فرحاً حتّى يقوم قائمكم، فيُشفي صدوركم ويقتل عدوّكم، وينال بالوِتْر أوتاراً.

ففزعوا منه وقالوا: إنّ لهذا القول لحادثاً، قد حدث ما لا نعرفه. فأتاهم خبر الحسينعليه‌السلام بعد ذلك، فحسبوا ذلك، فإذا هي تلك الليلة التي تكلّم فيها المتكلِّم ) (٣) .

وروى الشيخ المفيد، بإسناده عن محفوظ بن المنذر قال: ( حدّثني شيخ من بني تميم كان يسكن الرابية، قال: سمعت أبي يقول: ما شعرنا بقتل الحسينعليه‌السلام حتّى كان مساء ليلة عاشوراء، فإنّي لجالس بالرابية ومعي رجل من الحيّ، فسمعنا هاتفاً يقول:

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٥، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٤.

(٢) مُثير الأحزان: ١٠٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٥.

(٣) كامل الزيارات: ٣٣٦، باب ١٠٨، ح١٤، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٢.

٣٦٢

والله مـا جئتكم حتّى بصرتُ به

بـالطفّ مُـنعفرَ الخدَّين منحورا

وحـوله فِـتيةٌ تُـدمى نحورهم

مثل المصابيح يعلون الدُّجى نورا

وقد حثثت قُلوصي كي أُصادفهم

من قبل أن يُلاقوا الخُرَّد الحورا

فـعـاقني قــدرٌ والله بـالغه

وكـان أمـراً قضاه الله مقدورا

كان الحسين سُراجاً يُستضاء به

الله يـعلم أنّـي لـم أقُـلْ زورا

صـلّى الإلـه على جسمٍ تضمّنه

قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مـجاوراً لرسول الله في غُرَف

ولـلوصيّ ولـلطيّار مَـسرورا

فقلنا له: مَن أنت يرحمك الله؟

قال: أنا وأبي من جنّ نصيبين، أردنا مؤازرة الحسينعليه‌السلام ومواساته بأنفسنا، فانصرفنا من الحجّ، فأصبناه قتيلاً )(١) .

إلاّ أنّ سبط ابن الجوزي ذكره بنحو آخر قال: ( وذكر المدايني عن رجل من أهل المدينة، قال: خرجت أُريد اللحاق بالحسينعليه‌السلام - لما توجّه إلى العراق - فلما وصلت الرَّبَذَة إذا برجل جالس، فقال لي: يا عبد الله، لعلّك تُريد أن تُمدَّ الحسين؟

قلت: نعم.

قال: وأنا كذلك، ولكن اقعد؛ فقد بعثت صاحباً لي والساعة يَقْدِم بالخبر.

قال: فما مضت إلاّ ساعة وصاحبه قد أقبل وهو يبكي، فقال له الرجل: ما الخبر؟

فقال:

والله مـا جئتكم حتّى بصرتُ به

في الأرض مُنعَفرَ الخدَّين منحورا

وحـوله فِـتية تُـدمى نـحورهم

مثل المصابيح يغشون الدُّجى نورا

وقـد حثثت قُلوصي كي أُصادفهم

من قبل ما ينكحون الخُرَّدَ الحورا

____________________

(١) أمالي المفيد: ٣٢٠، مجلس ٣٨، ح٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٩، ح٩. وروى نحوه الشيخ الطوسي في أماليه (٩٠، مجلس ٣، ح١٤١).

٣٦٣

يا لهف نفسي لو أنّي لحقتهم

إذاً لقرَّت إذا حلّوا أساريرا

فقال له الرجل الجالس:

اذهـب فـلا زال قـبراً أنـت سـاكنه

حـتّى الـقيامة يُـسقى الغيث ممطورا

فــي فـتـيةٍ بـذلـوا لـله أنـفسهم

قد فارقوا المال والأهلين والدُّورا )(١) .

والمستفاد منه ومن بعض النصوص، أنّه سيطرت حالة من الندامة على بعض أوساط المجتمع من بعد خروج أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام إلى العراق، ولعلّه أصابهم الخَجل في عدم نصرتهم ابن بنت نبيّهم، وأحسّوا لذلك في نفسهم الذلّ.

ولقد روى الزرندي الخبر بتفصيل أكثر، قال: ( ونقل أبو الشيخ في كتابه، بسنده إلى محمّد بن عبّاد بن صهيب عن أبيه، قال: قدم رجل المدينة يطلب الحديث والعلم بها، فجلس في حلقة، فمرّ بهم رجل، فسلّم عليهم، فقال له ذلك الرجل: نُحبّ أن تُخبرنا بما جئت له، تُريد نُصرة الحسين بن علي؟

قال: نعم، خرجت أُريد نُصرة الحسين، فلما صرت بالرَّبَذة إذا برجل جالس، فقال لي: يا أبا عبد الله، أين تُريد؟

قلت: أُريد نُصرة الحسين.

قال: وأنا أريد ذلك أيضاً، ولنا رسول هناك يأتينا بالخبر الساعة.

قال: فتعجّبت من قوله: يأتينا بالخبر الساعة، فلم يلبث وهو يُحدّثني إذا أقبل رجل وقال له الذي كان معي: ما وراءك؟ فأنشأ يقول:

ي والله مـا جـئتكم حتّى بصرت به

لَحْب العجاجة لَحْب السيف مَنحورا

وحـوله فِـتيةٌ تُـدمى نـحورهم

مثل المصابيح يغشون الدُّجى نورا

وقـد حثثت قُلوصي كي أُصادقهم

من قبل ما أن يُلاقوا الخُرَّد الحورا

يا لهف نفسي لو أنّي قد لحقت بهم

إنّـي تـحلّيت إذا حـلّت أساويرا

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٧١.

٣٦٤

فأجابه الذي كنت معه واستعبر وقال:

في فتيةٍ وهبوا لله أنفسهم

قد فارقوا المال والأهلين والدُّورا

فلا زال قبراً أنت تسكنه

حتّى القيامة يُسقى الغيث ممطورا

ثمّ التفتُّ فلم أرهما، فعلمت أنّهما من الجنّ، فرجعت إلى المدينة، وإذا الخبر قد لحقنا أنّ الحسين قد قُتِل، وأنّ رأسه حمله سنان بن أنس النخعي إلى يزيد )(١) .

ولا يخفى أنّ سماع الهاتف لم ينحصر بالمدينة وضواحيها، بل حصل في أمكنة شتّى وبقاع عديدة:

منها: مكّة وضواحيها :

روى القاضي نعمان عن عبد الله بن زواق، قال: ( سمعت رجلاً من الأنصار يُحدّث معمراً، قال: لما كان اليوم الذي قُتِل فيه الحسين بن عليّعليه‌السلام مرّ رجل في بعض الليل في مِنى، فمسع صوتاً على كبكب(٢) كأنّه صوت امرأة تنوح: ( إبك أبكي حسينا أيما )، فأجابتها أُخرى من ثبير(٣) تقول: ( إبك أبكي ابن الرسول أيما).

قال الرجل: فكتبتُ تلك الليلة، فإذا هي الليلة التي تتلو اليوم الذي قُتل الحسينعليه‌السلام (٤) .

ومنها: البصرة:

قال ابن نماء: وروي أنّ هاتفاً سُمع بالبصرة يُنشد ليلاً:

إنّ الرماح الواردات صدورها

نحو الحسين تُقاتل التنزيلا

____________________

(١) نظم درر السمطين: ٣٢٣.

(٢) اسم جبل خلف عرفات مُشرف عليها، قيل: هو الجبل الأحمر الذي تجعله في ظهرك إذا وقفت بعرفة. مُعجم البلدان ٤/ ٤٩٢، رقم ١٠١٠٧.

(٣) قال الجمحي: الأثبرة أربعة: ثبير غينى.. وثبير الأعرج.. وثبير مِنى.. وقال نصر: ثبير من أعظم جبال مكّة بينها وبين عرفة.. مُعجم البلدان ٢/ ٨٥، رقم ٢٧٦٩.

(٤) شرح الأخبار ٣/ ١٦٩، ح١١١٣.

٣٦٥

ويُهلِّلون بأنْ قُتلتَ وإنّما

قَتلوا بك التكبير والتَّهليلا

فكأنّما قتلوا أباك محمّداً

صلّى عليه الله أو جبريلا(١)

رؤيا عامر بن سعد البجلي!

أورد ابن عساكر، بإسناده عن عامر بن سعد البجلي، قال: ( لما قُتل الحسين بن علي رأيت رسول الله(صلَّى الله عليه وسلِّم) في المنام، فقال:إن رأيت البراء بن عازب فاقرأه منّي السلام، وأخبره أنّ قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم.

قال: فأتيت البراء، فأخبرته، فقال: صدق رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم)، قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( مَن رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتصوّر بي ) (٢) .

تقاطر الدم من شجرة!

إنّ مصيبة قتل الحسينعليه‌السلام شملت الكون كلّه؛ ولذلك نرى حدوث الآيات الكَونيّة في الأرض والسماء بعد مقتله - صلوات الله عليه - وبكاء العالَم عليه(٣) ،

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠٨.

(٢) ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق: ٤٤٤، ح٣٩٧. وذكره المزّي (تهذيب الكمال ٦/ ٤٤٦) وفيه:( وإن كاد الله ليسحت ) والبدخشاني (نُزل الأبرار: ١٦٣) وقال: (أخرجه ابن الأخضر) وغيرهما.

(٣) منها ما ذكره الشيخ الصدوق (رحمه الله) بإسناده عن جبلة المكّيّة قالت: سمعت ميثماً التمّار قدّس الله روحه يقول:والله، لتقتلَنّ هذه الأُمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشر يمضين منه، وليتّخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وأنّ ذلك لكائن، قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهد عهده إليَّ مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولقد أخبرني أنّه يبكي عليه كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جوّ السماء، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض، ومؤمنو

٣٦٦

وتفصيلها خارج عن المقام، إلاّ إنّنا نكتفي بذكر هذا الخبر:

روى العلاّمة المجلسي عن بعض كُتب المناقب المعتبرة، عن سيّد الحفّاظ أبي منصور الديلمي، بإسناده عن هند بنت الجون قالت: نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخيمة خالتها أُمّ معبد ومعه أصحاب له، فكان من أمره في الشاة ما قد عرفه الناس، فقال(١) في الخيمة هو وأصحابه حتّى أبرد، وكان يوم قائظ شديد حرّه، فلما قام من رقدته دعا بماء، فغسل يديه فأنقاهما، ثمّ مضمض فاه ومجّه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتها ثلاث مرّات، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه وذراعيه، ثمّ مسح برأسه ورجليه وقال:( لهذه العوسجة (٢) شأن ) .

ثمّ فعل مَن كان معه من أصحابه مثل ذلك، ثمّ قام فصلّى ركعتين، فعجبت أنا وفتيات الحيّ من ذلك، وما كان عَهِدْنا ولا رأينا مُصلّياً قبله، فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتّى صارت كأعظم دوحة عادية وأبهى، وخضّد الله شوكها، وساخت عروقها، وكثرت أفنانها، واخضرّ ساقها وورقها، ثمّ أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الوَرْس المسحوق، ورائحة العنبر، وطعم الشَّهْد، والله،

____________________

الإنس والجنّ وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالِك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً، ثمّ قال: وجبت لعنة الله على قَتَلة الحسينعليه‌السلام كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس...

ثمّ قال ميثم: يا جبلة، اعلمي أنّ الحسين بن عليعليهما‌السلام سيّد الشهداء يوم القيامة، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة، يا جبلة، إذا نظرتِ إلى الشمس حمراء كأنّها دمٌ عبيط فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتِل!

قالت جبلة: فخرجت ذات يوم، فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصْفَرة، فصحت حينئذٍ وبكيت، وقلت: قد - والله - قُتِل سيّدنا الحسين بن عليّ عليهما‌السلام . (أمالي الصدوق: ١٨٩، مجلس ٢٧، ح١، علل الشرائع ١/ ٢٢٧، ح٣، عنهما بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٢، ح٤).

(١) من القيلولة.

(٢) العوسج: من شجر الشوك له جناة حمراء ويكون غالباً في السباخ، الواحدة عوسجة.

٣٦٧

ما أكل منها جائع إلاّ شبع، ولا ظمآن إلاّ روي، ولا سقيم إلاّ بَرِأ، ولا ذو حاجة وفاقة إلاّ استغنى، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلاّ سمنت ودرّ لبنها، ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل، وأخصبت بلادنا، وأمرعت، فكنّأ نُسمِّي تلك الشجرة: (المباركة)، وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستظلّون بها، ويتزوّدون من ورقها في الأسفار، ويحملون معهم في الأرض القِفار، فيقوم لهم مقام الطعام والشراب، فلم تزل كذلك وعلى ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها، واصفرّ ورقها، فأحزننا ذلك وفرقنا له، فما كان إلاّ قليل حتّى جاء نعي رسول الله، فإذا هو قد قُبِضَ ذلك اليوم، فكانت بعد ذلك تُثمر ثمراً دون ذلك في العظم والطعم والرائحة، فأقامت على ذلك ثلاثين سنة، فلما كانت ذات يوم أصبحنا وإذا بها قد تشوّكت من أوّلها إلى آخرها، فذهبت نضارة عيدانها وتساقط جميع ثمرها، فما كان إلاّ يسيراً حتّى وافى مقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فما أثمرت بعد ذلك لا قليلاً ولا كثيراً، وانقطع ثمرها، ولم نَزَلْ ومَن حولنا نأخذ من ورقها ونُداوي مرضانا بها، ونستشفي به من أسقامنا.

فأقامت على ذلك بُرهة طويلة، ثمّ أصبحنا ذات يوم، فإذا بها قد انبعثت من ساقها دماً عبيطاً جارياً، وورقها ذابلة تقطر دماً كماء اللحم، فقلنا: إن قد حدث عظيمة. فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقّع الداهية، فلما أظلم الليل علينا سمعنا بكاءً وعويلاً من تحتها وجلبةً شديدة ورجّة، وسمعنا صوت باكية تقول:

أيا بن النبيّ ويا بن الوصيّ

ويا مَن بقيّة ساداتنا الأكرمينا

ثمّ كثرت الرنّات والأصوات، فلم نفهم كثيراً ممّا كانوا يقولون، فأتانا بعد ذلك قتل الحسينعليه‌السلام ، ويبست الشجرة، وجفّت، فكسّرتها الرياح والأمطار بعد ذلك، فذهبت واندرس أثرها.

٣٦٨

قال عبد الله بن محمّد الأنصاري: فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول، فحدّثته بهذا الحديث، فلم يُنكره وقال: حدّثني أبي عن جدّي، عن أُمِّه سعيدة بنت مالك الخزاعية أنّها أدركت تلك الشجرة، فأكلتْ من ثمرها على عهد عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام ، وأنّها سمعت تلك الليلة نوح الجنّ، فحفظت من جِنِّيّة منهنّ:

يـا بـن الـشيهد ويا شهيداً عمّه

خـير الـعمومة جـعفر الـطيّار

عـجباً لـمصقول أصـابك حدُّه

في الوجه منك وقد علاه غبار(١)

ولقد روى ذلك أيضاً الخوارزمي(٢) ، والسيّد محمّد بن أبي طالب(٣) بتفاوت يسير.

قصّة الغُراب وفاطمة بنت الحسين ( الصغرى )!

روى الخوارزمي، بإسناده عن المفضّل بن عمر الجُعفي، سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول:( حدّثني أبي محمد بن علي، حدّني أبي عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال: لما قُتل الحسين جاء غراب فوقع في دمه، ثمّ تمرّغ، ثمّ طار، فوقع بالمدينة على جدار دار فاطمة بنت الحسين - وهي الصغرى - فرفعتْ رأسها إليه، فنظرته فكبت وقالت:

نعب الغراب فقلت مَن

تنعاه ويلك من غراب

قال الإمام فقلت من

قال الموفَّق للصواب

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ٢٢٣ ح١.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١١١ ح٤٤، ط دار أنوار الهدى.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٤٧٠.

٣٦٩

إنّ الـحسين بـكربلا

بين المواضي والحراب

قـلت الحسين فقال لي

مُلقىً على وجه التراب

ثـمّ اسـتقلّ به الجَناح

ولـم يُطِق ردّ الجواب

فـبكيت مـنه بـعبرةٍ

تُرضي الإله مع الثواب

 ( قال محمّد بن عليّعليهما‌السلام : )فنعتْهُ لأهل المدينة، فقالوا: جاءت بسحر عبد المطّلب، فما كان بأسرع من أن جاءهم الخبر بقتل الحسين عليه‌السلام ) (١) .

الطير المتلطّخ بالدم في المدينة!

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله):( روى بعض أصحابنا قال: وروي من طريق أهل البيت عليهم‌السلام أنّه لما استُشهد الحسين عليه‌السلام بقي في كربلاء صريعاً ودمه على الأرض مسفوحاً، وإذا بطائر أبيض قد أتى وتمسّح بدمه، وجاء والدّم يقطر منه، فرأى طيوراً تحت الظِلال على الغصون والأشجار، وكلّ منهم يذكر الحَبّ والعلف والماء، فقال لهم ذلك الطير المتلطّخ بالدّم: يا ويلكم! أتشتغلون بالملاهي، وذِكْر الدُّنيا والمناهي، والحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ مُلقى على الرمضاء، ظامئ مذبوح، ودمه مسفوح، فعادت الطيور كلّ منهم قاصداً كربلاء، فرأوا سيّدنا الحسين عليه‌السلام مُلقى في الأرض، جثّة بلا رأس ولا غُسل ولا كفن، قد سفت عليه

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٢، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٤٩٢، ورواه بحار الأنوار ٤٥/ ١٧١ عن بعض الكُتب القديمة؛ فرائد السمطين ٢/ ١٦٣ ح٤٥١ وفيه: ( حقّاً لقد سكن التراب... بين الأسنّة والضراب / فابكِ الحسين بعبرةٍ تُرضي الإله.. فلم يُطق.. فبكيت فما هلّ بي بعد الوصيّ المستجاب )؛ تسلية المجالس ٢/ ٤٦٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٧١ ح١٩، عن كتاب المناقب القديم، وفيه: ( بين الأسنّة والضراب. فابكي الحسين بعبرة ترجى الإله مع الثواب.. حقّاً لقد سكن التراب.. فلم يُطِقْ.. فبكيت ممّا هلّ بي بعد الدعاء المستجاب )؛ العوالم ١٧/ ٤٩٠، ح٢ وغيرهم بتفاوت.

٣٧٠

السوافي، وبدنه مرضوض قد هشّمته الخيل بحافرها، زوّاره وحوش القفار، وندبته جنّ السهول والأوعار، قد أضاء التراب من أنواره، وأزهر الجوّ من إزهاره، فلما رأته الطيور تصايحن وأعلنَّ بالبكاء والثبور، وتواقعن على دمه يتمرّغن فيه، طار كلّ واحد منهم إلى ناحية يُعلِم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام، فمن القضاء والقدر أنّ طيراً من هذه الطيور قصد مدينة الرسول، وجاء يُرفرف والدّم يتقاطر من أجنحته، ودار حول قبر سيّدنا رسول الله يُعلن بالنداء: ( ألا قُتِل الحسين بكربلاء، ألا ذُبح الحسين بكربلاء )، فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون .

فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح، وشاهدوا الدّم يتقاطر من الطير، لم يعلموا ما الخبر حتى انقضت مدّة من الزمان، وجاء خبر مقتل الحسين، علموا أنّ ذلك الطير كان يُخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول، وقُرّة عين الرسول.

وقد نُقل أنّه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة، كان في المدينة رجل يهودي، وله بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة، والجذام قد أحاط ببدنها، فجاء ذلك الطائر والدم يتقاطر منه، ووقع على شجرة يبكي طول ليلته، وكان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة إلى بستان، وتركها في البستان الذي جاء الطير ووقع فيه، فمن القضاء والقدر أنّ تلك الليلة عرض لليهوديّ عارض، فدخل المدينة لقضاء حاجته، فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعولة، والبنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها؛ لأنّ أباها كان يُحدِّثها ويُسلّيها حتّى تنام، فسمعت عند السحر بكاء الطير وحنينه، فبقيت تتقلّب على وجه الأرض، إلى أن صارت تحت

٣٧١

الشجرة التي عليها الطير، فصارت كلّما حنّ ذلك الطير تُجاوبه من قلب محزون، فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدّم، فوقعت على عينها ففُتحت، ثمّ قطرة أُخرى على عينها الأُخرى فبرئت، ثمّ قطرة على يديها فعوفيت، ثمّ على رجليها فبرئت، وعادت كلّما قطرت قطرة من الدّم تُلطِّخ به جسدها، فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسينعليه‌السلام .

فلما أصبحت أقبل أبوها إلى البستان، فرأى بنتاً تدور ولم يعلم أنّها ابنته، فسألها أنّه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرّك، فقالت ابنته: والله، أنا ابنتك، فلما سمع كلامها وقع مغشيّاً عليه، فلما أفاق قام على قدميه، فأتت به إلى ذلك الطير، فرآه واكراً على الشجرة، يئنّ من قلبٍ حزين مُحترق ممّا رأى ممّا فُعل بالحسينعليه‌السلام ، فقال له اليهودي: أقسمت عليك - بالذي خلقك أيّها الطير - أنْ تُكلّمني بقُدرة الله تعالى!

فنطق الطير مُستعبراً، ثمّ قال: إنّي كنت واكراً على بعض الأشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة، وإذا بطير ساقط علينا، وهو يقول: أيّها الطيور، تأكلون وتتنعّمون، والحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ على الرمضاء، طريحاً ظامئاً والنحر دامٍ، ورأسه مقطوع، على الرمح مرفوع، ونساؤه سبايا، حفاة عرايا، فلما سمعنا بذلك تطايرنا إلى كربلاء، فرأيناه في ذلك الوادي طريحاً، الغُسل من دمه، والكفن الرّمل السافي عليه ، فوقعنا كلّنا عليه نوح ونتمرّغ بدمه الشريف، وكان كلّ منّا طار إلى ناحية، فوقعت أنا في هذا المكان.

فلما سمع اليهودي ذلك تعجبّ وقال: لو لم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند الله ما كان دمه شفاء من كلّ داء، ثمّ أسلم اليهودي وأسلمت البنت وأسلم خمسمئة من قومه )(١) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٩١. ورواه البحراني أيضاً (عوالم ١٧/ ٤٩٣، ح١٠).

٣٧٢

المدينة بعد تلقّيها خبر مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

ضجّت المدينة المنوّرة أربع مرّات لخبر مقتل الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام منذ استشهادهعليه‌السلام حتّى صول أهل بيته إليها، كما يلي:

١ - بعد فزع أُمّ سلمة، حين ملاحظتها انقلاب ما في القارورة دماً، وبعد أن رأت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامها.

٢ - بعد وصول مبعوث ابن زياد، وإذاعة السلطة الفاجرة - رسميّاً - خبر تحقّق الفاجعة والمأساة.

٣ - بعد مجيء مبعوثي يزيد بالخبر - أو برأس الحسينعليه‌السلام كما في بعض الروايات.

٤ - بعد وصول آل بيت الحسين إلى المدينة، واستقبال الناس لهم بالعويل والبكاء.

وإليك التفاصيل:

أمّا الموقف الأوّل (انقلاب ما في القارورة دماً ورؤية أُمِّ سلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وتأثّرها)، فقد مرّت تفاصيله آنفاً، فلا نُعيد.

وأمّا الموقف الرابع ( أعني: ضجّة المدينة بعد وصول آل بيت الحسينعليه‌السلام إليها )، فهذا ما سنتناوله تفصيلاً في المبحث الآتي ( عودة بقيّة الركب الحسيني إلى المدينة المنوّرة ) تحت عنوان ( حال المدينة بعد علم أهلها بمصرع الإمامعليه‌السلام ).

أمّا ما سنتعرّض له فهما الموقفان الباقيان، أي الموقف الثاني ( بعد وصول مبعوث ابن زياد ) والثالث ( بعد دخول الرأس الشريف حسب بعض الروايات ):

٣٧٣

وصول مبعوث ابن زياد المدينة المنوّرة:

لقد أنفذ اللعين ابن زياد رسولاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص والي المدنية، يحمل خبر قتل الحسينعليه‌السلام ، وهو عبد الملك بن ابي الحُدَيث السُّلمي(١) ، أو عبد الملك بن أبي الحارث السلمي(٢) ، أو عبيد الله بن الحرث السلمي(٣) .

* ولقد اكتفى بعضٌ بذكر العنوان العام، ولم يُصرّح باسمه:

قال السيّد ابن طاووس: ( وكتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية، يُخبره بقتل الحسين وخبر أهل بيته، وكتب أيضاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك )(٤) .

وقال ابن الأثير: ( فأرسل عبيد الله بن زياد مُبشّراً!! إلى المدينة بقتل الحسين إلى عمرو بن سعيد )(٥) .

 وقال ابن كثير: ( ثمّ كتب ابن زياد إلى عمرو بن سعيد أمير الحرمين، يُبشِّره بمقتل الحسين! )(٦) .

* فيما رواه آخرون بتفاصيل أكثر كالطبري، فإنّه قال: ( قال هشام: حدّثني عوانة بن الحَكَم، قال: لما قُتل عبيد الله بن زياد الحسين بن عليّ وجيء برأسه إليه،

____________________

(١) كما في الإرشاد ٢/ ١٢٣، ولكن جاء في نقل العلاّمة المجلسي في البحار ٤٥/ ١٢١ عن نسخة الإرشاد الذي كان بيده، أنّه عبد الملك بن أبي الحارث السلمي، فينطبق على ما ذكره الطبري، والظاهر هو كذلك؛ إذ إنّ الخلاف يرجع إلى الكتابة، ولا يخفى تشابه كتابة الحرث مع الحديث.

(٢) كما في تاريخ الطبري ٤: ٣٥٦.

(٣) كما ذكره ابن نما في مُثير الأحزان: ٩٤.

(٤) الملهوف: ٢٠٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢١.

(٥) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٨.

(٦) البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

٣٧٤

دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال: انطلق حتّى تَقْدِم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص، فبشّره بقتل الحسين.

وكان عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذ، قال: فذهب ليعتلَّ له، فزجره، وكان عبيد الله لا يُصطلى بناره، فقال: انطلق حتّى تأتي المدينة لا يسبقك الخبر، وأعطاه دنانير، وقال: لا تعتلّ، وإنْ قامت بك راحلتك فاشتر راحلة )(١) .

ولقد ذكرنا مراراً، أنّ أهل المدينة كانوا يترقّبون سماع خبر المأساة، ومن الشواهد على ذلك ما رواه الطبري في الخبر نفسه: قال: ( قال عبد الملك: فقدمت المدينة، فلقيني رجل من قريش ، فقال: ما الخبر؟ فقلت: الخبر عند الأمير، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قُتل الحسين بن علي! )(٢) .

مبعوث ابن زياد عند والي المدينة:

قال الطبري: ( قال عبد الملك: فدخلت على عمرو بن سعيد، فقال: ما وراءك؟

فقلت: ما سَرَّ الأمير! قُتل الحسين بن علي!

فقال: نادِ بقتله!

فناديت بقتله، فلم أسمع - والله - واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين، فقال عمرو بن سعيد - وضحك:

عجّت نساء بني زياد عجَّة

كعجيج نسوتنا غَداة الأرنب

والأرنب وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦.

(٢) الإرشاد ٢/ ٢٣، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢١؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٨؛ مُثير الأحزان: ٩٤.

٣٧٥

رهط عبد المدان، وهذا البيت لعمرو بن معديكرب.

ثمّ قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان بن عفّان!

ثمّ صعد المنبر، فأعلم الناس بقتله(١) ، ودعا ليزيد بن معاوية ونزل )(٢) .

ضجّة الناس عند سماع الخبر:

( ولما بلغ أهل المدينة مقتل الحسين كثر النوائح والصوارخ عليه )(٣) .

وروى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وابن شهر آشوب، عن أبي هياج عبد الله بن عامر أنّه قال: ( فما رأينا باكياً ولا باكية أكثر ممّا رأينا ذلك اليوم )(٤) .

اشتداد الواعية في دور بني هاشم:

روى الشيخ المفيد (رحمه الله)، عن مبعوث ابن زياد إلى المدينة: ( فلم أسمع - والله - واعية قطّ مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن عليّعليهم‌السلام ، حين سمعوا النداء بقتله )(٥) .

وقال البلاذري: واشتدّت الواعية في دور بني هاشم، فقال عمرو بن سعيد الأشدق: واعية بواعية عثمان.

وقال مروان حين سمع ذلك:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦. وروى نحوه: الإرشاد ٢/ ١٢٣ وذكر بعضه كشف الغمّة ٢/ ٦٨ ومُثير الأحزان: ٩٤، إلاّ أنّه يظهر من رواية ابن نما أنّ المنادي بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام هو رجل غير مبعوث ابن زياد، حيث قال: فدخلت على عمرو، وقال: ما وراءك؟ فأخبرته، فاستبشر وأمر أن يُنادى بقتله.

(٢) الإرشاد ٢/ ١٢٣؛ كشف الغمّة ٢/ ٦٨.

(٣) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٧.

(٤) أمالي المفيد: ٣١٩، مجلس ٣٨، ح٥؛ أمالي الطوسي: ٨٩ مجلس ٣ ح١٣٩؛ المناقب ٤/ ١١٦.

(٥) الإرشاد ٢/ ١٢٣. وروى نحوه تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦؛ كشف الغمّة ٢/ ٦٨.

٣٧٦

عجّت نساء بني زياد عجَّة

كعجيج نسوتنا غَداة الأرنب(١)

وقال ابن كثير: ثمّ كتب ابن زياد إلى عمرو بن سعيد أمير الحرمين، يُبشّره بقتل الحسين، فأمر مُنادياً فنادى بذلك، فلما سمع نساء بني هاشم ارتفعت أصواتهنّ بالبكاء والنوح، فجعل عمرو بن سعيد يقول: هكذا ببكاء نساء عثمان بن عفّان(٢) .

وروي عن القاسم بن نجيب أنّه قال: ولما بلغ أهل المدينة مقتل الحسين بكى عليه نساء بني هاشم ونُحْنَ عليه(٣) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: وكان ابن زياد حين قُتل الحسينعليه‌السلام أرسل يُخبر يزيد بذلك، وكتب أيضاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص... أمير المدينة بمثل ذلك، فأمّا عمرو بن سعيد، فحيث وصله الخبر صعد المنبر وخطب الناس وأعلمهم ذلك، فعظمت واعية بني هاشم، وأقاموا سنن المصائب والمآتم(٤) .

جلاوزة السلطة تظهر كُفرها وحقدها!

يـسـتبشرون بـقتله وبـسبّه

وهـمُ عـلى ديـن النبيّ محمّد

والله مـا هـم مـسلمون وإنّما

قـالوا بـأقوال الـكَفْور الملْحِد

قد أسلموا خوف الردى وقلوبُهم

طُويَت على غُلٍّ وحقدٍ مُكمد(٥)

من جلاوزة السلطة الحاكمة ممّن أظهر كفره بالله، وبغضه وحقده لآل بيت رسوله: عمرو بن سعيد، أحد أفراد هذه الشجرة الملعونة.

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٧.

(٢) البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢.

(٥) مُثير الأحزان: ٩٤.

٣٧٧

قال العلاّمة الحجّة الشيخ الأميني (رحمه الله):

( عمرو بن سعيد بن العاص بن أُميّة الأُموي، المعروف بالأشدق، الذي جاء في (مسند أحمد) من طريق أبي هريرة مرفوعاً:( ليرعفنَّ على منبري جبّار من جبابرة بني أُميّة يسيل رعافه ) (١) .

قال: فحدّثني مَن رأى عمرو بن سعيد رعف على منبر رسول الله، حتّى سال رعافه، كان هذا الجبّار ممّن يسبّ عليّاًعليه‌السلام على صهوة المنابر، قال القسطلاني في ( إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري )، والأنصاري في ( تحفة الساري في شرح صحيح البخاري )، والأنصاري في ( تحفة الباري شرح البخاري المطبوع في ذيل إرشاد الساري )، في الصفحة المذكورة: سُمّي عمرو بالأشدق، لأنّه صعد المنبر فبالغ في شتم عليّ (رضي الله عنه)، فأصابته لقوة - أي داء في وجهه -... )(٢) .

وقال - بعد ذكر وصول مبعوث ابن زياد إليه، وعلمه بخبر قتل الحسينعليه‌السلام -: ثمّ صعد المنبر، فأعلم الناس قتله، وفي ( مثالب أبي عبيدة ): ثمّ أومأ إلى القبر الشريف وقال: ( يا محمّد، يوم بيوم بدر )، فأنكر عليه قوم من الأنصار(٣) .

وممّا يدلّ على خُبثه ما أردفه العلاّمة الأميني (رحمه الله) قال: ( كان أبو رافع عبداً لأبي أُحيحة سعيد بن العاص بن أُميّة، فأعتق كلٌّ من بنيه نصيبه منه إلاّ خالد بن سعيد، فإنّه وهب نصيبه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعتقه، فكان يقول: أنا مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما ولّي عمرو بن سعيد بن العاص المدينة أيّأم معاوية أرسل إلى البهيّ بن أبي رافع، فقال له: مولى مَن أنت؟ فقال: مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فضربه مئة سوط، ثمّ تركه ثمّ دعاه، فقال: مولى مَن أنت؟ فقال: مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فضربه مئة سوط،

____________________

(١) مسند أحمد ٢/ ٥٢٢.

(٢ و٣) الغدير ١٠/ ٢٦٤. انظر - أيضاً - الجزء الثاني من هذه الموسوعة، تأليف الشيخ نجم الدين الطبسي، ص١٩٣ - ١٩٤.

٣٧٨

حتّى ضربه خمسمئة سوط، فلما خاف أن يموت قال له: أنا مولاكم )(١) .

وممّن أبرز خُبثه وحقده على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مروان بن الحَكم، كما روى عن التنبيه على أبي القالي في أماليه أنّه قال: ( وقد رأيت أبا محمد بن حبيب البصري: أدرج هذا البيت (عجّت نساء) في خبر ذكره، فقال: لما جاء نعي الحسين (رضي الله عنه) ومَن كان معه قال مروان: يومٌ بيوم الخفض المجوّر؟! أي يوم بيوم عثمان، ثمّ تمثّل بقول الأسدي: عجّت نساء... )(٢) .

موقف أُمّ سلمة:

إنّ لأُمّ المؤمنين أُمّ سلمة - سلام الله عليها - مواقف صرحية وجريئة، تجاه هذه الجريمة النكراء التي جرت في حقّ ثمرة فؤاد الرسول، ومهجة قلب بنته البتول وأهل بيته، ولقد ذكرنا شيئاً منها في أوّل هذا الفصل.

وأمّا بالنسبة إلى بعد وصول خبر نعي أبي عبد الله الحسين ( سلام الله عليه )، فنجد منها مواقف بطولية، وكلمات صريحة وواضحة تجاه المأساة، نذكر بعض ما ظفرنا به:

قال ابن الجوزي: ( وذكر ابن أبي الدُّنيا، أنّه لما بلغ أُمّ سلمة قتل الحسين قالت: فعلوها؟! ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً، ثمّ وقعت مغشيّاً عليها )(٣) .

روى ابن سعد، بإسناده عن عمر بن عبد الواحد، عن شهر بن حوشب قال: ( إنّا لعند أُمّ سلمة زوج النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) قال: فسمعنا صارخة، فأقبلت حتّى انتهت إلى أُمّ

____________________

(١) الغدير ١٠/ ٢٦٥.

(٢) عبرات المصطفين ٢/ ٢١٩ وسترى ما يدلّ على المقصود في بحث ( رأس الحسينعليه‌السلام بالمدينة ).

(٣) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥١.

٣٧٩

سلمة، فقالت: قُتل الحسين!

قالت: قد فعلوها؟! ملأ الله بيوتهم - أو قبورهم - عليهم ناراً. ووقعت مغشيّاً عليها. قال: وقمنا )(١) .

وروى أيضاً، بإسناده عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب قال: ( سمعت أُمّ سلمة حين أتاها قتل الحسين لعنت أهل العراق وقالت: قتلوه؟! قتلهم الله، غرّوه وذلّوه لعنهم الله )(٢) .

وروى الحاكم الحسكاني، بإسناده عن عبد الحميد بن بهرام قال: ( حدّثنا شهر بن حوشب قال: سمعت أُمّ سلمة حين جاء نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه؟! قتلهم الله! غرّوه وذلّوه لعنهم الله، وإنّي رأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) جاءته فاطمة غدية ببرمة لها قد صنعت له فيها عصيدة تحملها في طبق لها، حتّى وضعتها بين يديه، فقال لها:( أين ابن عمّك؟ ) .

قالت:( هو في البيت ) .

قال:( اذهبي فادعي به وائتيني بابنيه ) .

فجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما بيد، وعليّ يمشي في أثرهم [ في أثرها (خ) ]، حتّى دخلوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجلسهما في حجره، وجلس عليّ على يمينه وفاطمة على يساره، فاجتذب من تحتي كساءً خيبريّاً، كان بساطاً لنا على المنامة بالمدينة، فلفّه رسول الله عليهم جميعاً، فأخذ بشماله بطرفي الكساء، وألوى بيده اليمنى إلى ربّه وقال:( اللّهمَّ، إنّ هؤلاء أهلي،

____________________

(١) الطبقات، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع: ٨٧، ح٣٠١. ورواه: تاريخ دمشق ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٩٠، ح ٣٣٠؛ تذكرة الخواص: ٢٦٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٨؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٣٩؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٢، وغيرهم.

(٢) الطبقات، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع: ٨٩، ح٣١٤. ورواه: مسند أحمد ٦/ ٢٩٨؛ المعجم الكبير ٣/ ١١٤، ح٢٨١٨؛ مُثير الأحزان: ٩٥؛ شواهد التنزيل ٢/ ١١١ ح٧٤٣؛ تذكرة الخواص: ٢٦٧؛ الطرائف: ١٢٦، ح١٩٤ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٤، وقال: ورجاله موثّقون؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٤ وغيرهم بتفاوت يسير.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460